الفصل السابع”
يحدث أن تسلُك كل الطرق للهرب من هيمنة شخص ما استملك كل ذرة من كيانك وطغى هواه للحد الذي يجعلك عاجزًا عن مقاومته، ولكن ما إن تغادره يجتاحك شعور مَضَّاء بالغربة وكأنك طير طَرِيد يشتاق لتراب وطنه.
نورهان العشري
_ ألم يحن الوقت للعودة بعد؟!
هكذا تحدث “شاهين” بنبرة عالية يغلب عليها الامتعاض الذي لون معالمه، فلفت انتباه “هناء” التي التفتت تحتوي انزعاجه بعناق شغوف واضعه قبلة صغيرة على وجنته وهي تقول باستعطاف:
حبيبي لا تقل أنك مللت فالسهرة ما زالت في بدايتها. رمقها باستياء تجلى في نبرته حين قال: لا أحتاج إلى أن أقول أنني مللت، أنتظر أن تلاحظي ذلك بنفسك.
تصاعدت أبخرة الغضب إلى رأسها ولكنها حاولت تجاهلها وإضفاء الحزن على لهجتها حين قالت:
هل مللت مني؟! ارتفع إحدى حاجبيه وكأنه يخبرها بأن خداعه ليس بالأمر السهل ولكنه اكتفى بتصحيح ظنها قائلًا بفظاظة: لقد مللت من كل هذا الصخب وهذه الضوضاء.
_ “شاهين” أرجوك هذا شهر عسلي وأريد أن أستمتع قدر الإمكان.
هكذا تحدثت بحنق تجاهله فأخذ ينظر أمامه باستياء فلم يكن من محبين الضجيج أو الأصوات العالية بل كان أكثر من ينشد الراحة والهدوء وعلى ذكر الهدوء أخذ قلبه يستعرض بعضًا من ذكرياته معها.
عودة لوقت سابق..
_ حبيبتي هيا سنتأخر على الحفل.
هكذا صدح صوت “شاهين” وهو يدخل إلى الشاليه الخاص بهما في أحد المناطق الساحلية وأخذت عيناه تبحثان عنها في كل مكان إلى أن سمع صوت طرقات كعب حذائها يأتي من أعلى الدرج فارتقى بنظراته إلى حيث تقف ليتوقف الزمن به لثوانٍ وهو يبصر جمالها الأخاذ بذلك الثوب الأسود الرائع عاري الأكتاف والذي يحتوي تقاسيم جسدها الكُمثري مبرزًا بجود منحنياته الخلابة وينتهي عند حدود ركبتيها الوضاحة لينبلج ذلك التضاد بينهما بطريقة أججت نيران الشوق والرغبة بقلبه الذي تعانقت دقاته مع ضربات حذائها ذو الكعب العالي وهي تهبط الدرج الذي ما أن وصلت إلى نهايته حتى وهبته أجمل ابتسامتها التي لطالما زينها الخجل راويًا خديها فنبت الورود فوقه وعيناها المتلألئة بوميض العشق الذي أوقد الهواء حولهما فشعر بالاحتراق الهائل بين أوردته من مجرد نظرات عابرة إلى حُسنها الذي ضاعفته خصل شعرها التي تناثرت حولها بصخب وتحدٍ مهووس يشبه هوس قلبه بها.
_ لقد انتهيت من تجهيز نفسي، ما رأيك؟!
هكذا أجابته بلهجة خجولة متوترة من نظراته الجريئة وعيناه اللتان أظلمتا برغبة قاتله سرعان ما تحولت إلى غضب حارق تجلى في نبرته حين قال:
أجننتِ يا “هدى”؟! هل تظنيني أخرق لأجعلك تخرجين بهذه الثياب أمام الرجال؟! تجاهلت غضبه واقتربت منه بخطٍ وئيدة وعينان براقتان وهي تقول بنبرة خافتة: لا داعي لأن تغضب هكذا، لم أكن أقصد إزعاجك.
أجابها بفظاظة:
_ ماذا تقصدين إذن من ارتدائك هذه الثياب ونحن بصدد الخروج؟!
توقفت على بعد عدة خطوات منه وهي تقول على استحياء:
كنت أفكر ماذا لو أقمنا حفلًا خاصًا بنا هنا؟ ضيق عينيه وهو يناظر بترقب توترها الملحوظ وشفتيها المذمومة برقة ويديها اللتين كانت تفركهما ببعضهما البعض وسرعان ما تبدلت نظراته إلى العبث وهو يقترب منها بخطٍ سلحفية وعيناه تأسران عينيها كما أسر خصرها بذراعيه حتى امتزجت أنفاسهما ليقول هامسًا أمام شفتيها: أشعر بأن أحدهم يفكر في مفاجأتي هل هذا صحيح؟!
بللت حلقها الذي جف من اقترابه منها بتلك الطريقة ثم بصعوبة حاولت إخراج صوتها ليبدو همسًا على أذنيه:
ليس أحدهم، إنه أنا، ونعم أود مفاجأتك لو لم يزعجك عدم الخروج اليوم. خجلها وهمسها وارتباكها وأيضًا خداها المتوردان كل تلك الأشياء تثيره حد الجنون الذي يحاول كبحه الآن حتى لا يفسد مخططاتها لذا مرر أنفه على ملامح وجهها إلى أن وصل إلى أذنيها فهمس من بين أنفاسه المحمومة: وجودك دواء فعال لكل أنواع الإزعاج، يكفي أن تكوني بجواري لأكون في قمة السعادة واللهفة.
صمت لثوانٍ يناظرها بشغف رأى وقعه على جسدها المرتجف بين يديه ثم أردف بخشونة:
لذا هيا فاجئيني حتى أستطيع أن أروى ظمأي منكِ فأنا بالكاد أسيطر على شوقي الضاري لكِ. تأجج قلبها من فرط السعادة بكلماته التي أكدتها نظراته المشتعلة نحوها وقامت بسحبه من يده دون حديث لتخرج به إلى الحديقة الخلفية للشاليه فإذا به يتفاجئ بروعة المكان الذي زينته بشموع حمراء وأخرى بيضاء على شكل ممر طويل ينتهي بقلب يتوسطه طاولة وضع فوقها قالب من الحلوى وبجانبه اثنان من الشمعدان مع أنواع عديدة من الشراب صُفت بطريقة منمقة جذابة وكذلك كان المكان بأكمله بسيط ورائع للحد الذي جعله يمد يديه بغتة لتحتضن خصرها بقوة رافعًا إياها بأحضانه حتى باتت أقدامها لا تلامس الأرض فأطلقت شهقة قوية من فعلته المباغتة ولكن سرعان ما علقت أنفاسها بصدرها حين اقتنص شفاها بخاصته في قبلة شغوفه تعبر عن مدى سعادته بما رآه… واشتد عناقه لها تأثرًا بتلك المفاجأة التي أدخلت السرور على قلبه… الذي تعثرت نبضاته بقوة من قربها فأخذ ينهل من رمقها بشغف إلى أن ضاقت رئتيهما وهاجت اعتراضًا فتركها لتسترد أنفاسها الهاربة، فأسند جبهته على خاصتها وهو يقول بصوتٍ أجش: تلك المفاجأة لا تكفيها قبلة واحدة بل لن يكفيها عمرًا بأكمله لوصف مدى روعتها.
اغتبطت بقوة من كلماته التي توحي بمدى إعجابه بمفاجأتها فخرجت حروفها مبتهجة ومتلهفة حين قالت:
سعيدة لأن مفاجأتي أعجبتك، فقد كان عيد ميلادك الأول ونحن معًا لذا فكرت أن أجعله مميزًا وأن يكن ذكرى جميلة بيننا بعيدًا عن صخب حفلات عيد الميلاد. أجابها بسرور: فكرة رائعة تشبهك، وأنا أحب تكرار تلك الأفكار كثيرًا.
ابتسمت بخجل وقالت بخفوت:
_ أعلم أن الجميع ينتظرنا للاحتفال ولكن أعدك بأن لا نتأخر عليهم و…
قاطعها بلهفة وعينان شغوفتان تهيمان بها:
فليذهب الجميع إلى الجحيم فذكرى مولدي أصبحت عيدًا؛ لأنكِ معي. تهللت أساريرها وقالت من بين أنفاسها المتلاحقة: إذن لن تفتقد حفلتك الصاخبة التي تقيمها العائلة كل سنة؟!
“شاهين” بعذوبة وعينان يطلان منهما الهيام:
_صخب تلك الحفلات لا شيء مقارنة بصخب قلبي بحضورك.
كان كمن يعبث بإعداداتها وخاصةً حين غازلتها عينيه بتلك الطريقة فعرفت كفوفها طريقها إلى وجهه لتحتويه بحب انساب من بين حروفها حين قالت:
_ كل عام وأنتَ بخير ولتكن جميع أعوامك سعيدة.
صحح كلماتها بنبرة محمومة بوهج العشق:
كوني معي إذن حتى تكون جميع أعوامي سعيدة. همست بدلال: أنا معك دائمًا.
ابتلع باقي كلماتها بجوفه ليطفئ نيران شوقًا ضاريه لا تهدأ أبدًا.
عودة إلى الوقت الحالي.
_”شاهين”، “شاهين”؟!
أخرجه صوتها من عالمه الذي يحاول الفرار من بين براثنه بكل قوته فالتفت يناظرها بعينين حانقتين من ذلك القلب الذي لا ينفك عن تسميم عقله بذكريات باتت مؤلمة ليسحبه من واقعه إلى حلمًا جميلًا كانت أقصى أمنياته أن يدوم إلى الأبد.
ماذا بك؟! وبمَ أنتَ سارح؟! ولمَ تنظر إليّ هكذا؟! قاطع سيل استفهاماتها بقبلة قوية يحاول بها محو ذاكرة لعينة لا تبارح قلبه الذي يحاول تجاهل أنينه قدر الإمكان وعلى الرغم من أن قبلته كانت تُغذيها رغبة عاتية لا مشاعر دافئة ولكنها لم تهتم بل بادلته إياها بشغف حتى فصلها هو ليقول بصوتٍ أجش: هيا لنعود.
لهجته وملامحه وعينيه كانت توحي مقدار ما يعانيه من مشاعر مختلطة لا تود معرفة كنهها ولكنها كانت أذكى من أن تجعلها تتفشى أكثر بقلبه وتتملك منه خاصةً وهو برفقتها لذا اتكأت برسغها فوق كتفه فقد كان قريبًا منها نظرًا لأنه كان يجلس وهي واقفة وبيدها الأخرى لامست شفتيه أناملها بإغواء أتقنت تزيين نظراتها به وكذلك نبرتها حين قالت:
_إذن هل تعدني بأن تعوضني عن تلك السهرة بأخرى أكثر جمالًا عندما نعود؟!
كانت قريبة منه بدرجة كافية لتثير غريزته التي استفزتها تلك الذكرى اللعينة وخاصةً وهي تناظره بتلك النظرات المغوية والتي تعد بالكثير والكثير لذا امتدت يديه تجذبها من خصرها بقوة لتلتصق به أكثر وهو يهمس بخشونة بجانب أذنها:
_ أعدك بسهرة أكثر حرارة وشغفًا عزيزتي، الجمال تركته لكِ لتُمتعيني به.
جاء الصباح وبعثرت الشمس أشعتها على ستائر الليل السوداء… فأضحت منيرة متوهجة تبعث الأمل في القلوب أن بعد الظلمات نورًا سيبدد عتمة الماضي وينير الحاضر… ولكن هناك من أحرقته نيران ذلك الماضي ونالت منه ظلمته للحد الذي جعلها تنطبع على ملامح وجهها وذبول عينيها التي ذرفت العبرات كما تذرف السحب أمطارها بعد أن قضت ليلتها بين أحضان رجل جاء من الجحيم ليُجهِز على ما تبقى من حُطامها.
كتمت شهقاتها بصعوبة حتى لا تصل إلى أذنيه فقد تسللت من بين أحضانه التي حاوطتها بعد ليلة مشتعلة قضتها بين ذراعيه مغيبة عن واقعها الأليم وهو أن هذا الرجل قتل والدها، شهقة خافتة خرجت من جوفها حين باغتها طرق قوي على الباب يوازيه قوة صوته حين قال:
هل أنتِ بخير؟! حاولت إيجاد صوتها لتُجيبه بنبرة حاولت جعلها ثابتة: نعم، سأخرج بعد قليل.
_حسنًا.
لامست في نبرته شوائب الغضب ولكنها لم تُعلق بل أخذت تنظر بخزي إلى جسدها الذي أصبح خريطة حبرها قبلاته السخية التي لم تدع إنشًا واحدًا منها إلا وزخرفته بنقوش ستبقى آثارها طويلًا لتذكرها بمدى وضاعتها وخنوعها لعواطف حسية مندثرة وخاصةً حين داهمت عقلها كلمات والدتها التي تعلق عليها كل آمالها.
_عديني أنكِ ستأخذين بثأر والدك يا نور، عديني أنكِ لن تضعفي أمام هذا الرجل أبدًا.
همست بقهر وهي تشدد من احتضان كتفيها:
_أعدك يا أمي أنني سآخذ بثأر والدي وسأرسل “هاديس” إلى الجحيم الذي أتي منه.
أنهت حمامها وخرجت تتمنى لو تجد الغرفة خالية منه، وقد تحققت أمنيتها حين لم تجده، فتوجهت إلى غرفة الملابس لترتدي ثيابها وحاولت أن تخفي تلك العلامات بأدوات الزينة وهي تحاول ألا تتذكر شيئًا مما حدث أمس، وتركز على خطتها في تحقيق مآربها في والأخذ بثأرها مهما كلفها الثمن.
كانت غارقه بأفكارها وهي تغلق باب غرفتها للتوجه إلى الأسفل فوجدت “ساجد” يرفع “إياد” عاليًا والأخير يصرخ باستمتاع فهوى قلبها خوفًا من أن يفلت الصغير من بين يدي شقيقها فهرعت إليهما وهي تصرخ بانفعال:
توقفا عن هذه الألعاب المؤذية. لم تكد تنهي جملتها حتى التوت قدمها اليمنى أسفلها لتسقط أسفل الدرج وهي تصرخ بألم فهرول الصبيان إليها وهما يهتفان بذعر: “نور”.
اخترق اسمها أذنيه فأطلق لساقيه الريح لتحمله إليها بلمح البرق ليجدها تفترش الأرض مُتألمة والجميع حولها فهرول إليها وفي ومضة عين وجدته يجثو بجانبها وهو يتفحص كاحلها الذي ما أن لامسه بيده حتى تأوهت بألم اجتاز قلبه بقوة، فوثب قائمًا وهو يحملها بين يديه إلى الأعلى، بعد أن أمر “ساجد” بإحضار الطبيب ليتوجه بها إلى غرفتهما، وقد كانت قريبة منه للغاية للحد الذي جعلها تستشعر دقات قلبه الجنونية، وقد تحيرت في هذا الأمر كثيرًا هل هو خائف عليها لتلك الدرجة؟!
لم يفلح عقلها في الإجابة فقد وضعها على مخدعها برفق بينما لم تتركها يديه التي ظلت تحاوط كتفها بحنو لامست آثاره في لهجته حين قال:
_اهدئي.. سيأتي الطبيب في الحال.
اهتمامه بتلك الطريقة وحنانه معها وخوفه عليها أشياء ليست بالهينة أبدًا وخاصةً على عقلها الذي شعرت به يرسل إشارات خاطئة وكأن فيروسًا قد أصابه ليفقد قدرته على العمل فلم تلحظ نظراتها المتفحصة له ولا شفتيها التي كانت منفرجة بطريقة مغوية كان لها آثر ليس بالهين على قلبه الذي تلاحقت ضرباته واشتعلت عينيه وهي تبحر بتراخي على ملامحها لتمتد يده وتغلق فمها برقة تتنافى مع خشونة لهجته حين قال:
_هل تأذى لسانك في تلك الوقعة أم أنكِ ما زلتِ تخشين هاديس؟
أعادتها كلماته التي تتخللها السخرية إلى الواقع ولمسته التي ألهبت وجهها وكذلك مشاعرها فتحمحمت بخفوت قبل أن تقول بهمس:
_فقط أتألم.
لم تخلو لهجته من العبث حين قال:
إذن لم تعودي تخشين هاديس؟ حاولت تجاهل ذلك الصخب بداخلها وقالت بلهجة بدت واثقة: لا.
أفرجت شفتاه عن بسمة خافتة قبل أن يتابع إضرام نيران الخجل بداخلها أكثر:
_اممم، أظن أن ليلة البارحة بدأت تظهر فاعليتها منذ الصباح.
عند هذا الحد لم تستطع مجاراته فهي تعلم أنها كالعصفور الذي يقف في مواجهة أسد جسور ناهيك عن ألم قدمها الذي تفاقم أكثر؛ لذا همست بحنق وهي تدير رأسها إلى الاتجاه الآخر:
مستفز. سطعت بسمته تلك المرة أقوى وهو يشاهد حنقها الذي تحاول قمعه أكثر فأردف بخشونة قاصدًا إسهاب توترها: أملك الكثير من الخصال التي قد تُثيرك أكثر من الاستفزاز.
لم تفلح في الرد عليه فقد دق باب الغرفة معلنًا قدوم الطبيب الذي فحصها وأخبرهم بأنها لوت كاحلها بطريقة سيئة وقد يستغرق الأمر أسبوعًا قبل أن تستطيع الحركة بسلاسة مرة أخرى وقام بوصف بعض العقاقير التي تساعد في شفائه ومن بينهم مرهمًا شدد أن يُدلك به كاحلها يوميًا قبل النوم.
فالتمعت عيناها حين سمعته يقول بفظاظة:
_ لا تقلق أيها الطبيب سأتأكد بنفسي من أن يحدث ذلك.
أنهى جملته ثم شكر الطبيب وقام بإيصاله إلى الأسفل ليتركها حانقة على كل ما يحدث معها وخاصةً مشاعرها اللعينة بقربه ولكنه لم يمهلها أكثر من عشر دقائق فقد عاود أدراجه إليها وهو يقول بفظاظة:
_الخادمة ستحضر لكِ طعام الإفطار هنا، ثم ستتناولين أدويتك وترتاحين كما أمر الطبيب.
اغتاظت من لهجته الآمرة ومن هذا العبث والمكر اللذان يزينان نظراته فتعاظم الغضب بداخلها وتجلى بنبرتها حين قالت:
فقدت شهيتي لا أريد تناول الطعام. فوجئت حين اقترب منها ليتربع في مواجهتها على السرير وهو يقول بلهجة عابثة: إذن سأجعلك تستعيديها مرة أخرى.
تحدثت بترقب وهي تنظر إلى عينيه اللتين أظلمتا فجأة:
_كيف ذلك؟!
لم تكد تنهي جملتها حتى وجدته يهوي على شفتيها بقبلة كاسحة أضرمت النيران بقلبها ودكت ثباتها الذي تلاشى من فرط سطوته عليها وعلى جسدها الذي يخشع إليه دون ذرة مقاومة وصدرها الذي حلقت الفراشات بفضائه وكأن كل شيء يتآمر ضدها معه.
هل عادت شهيتك الآن؟! أم أعيد المحاولة مرة أخرى؟! هكذا تحدث بنبرة خشنة عابثه بعد أن فصل قبلته المحرورة وأخذ يروي عينيه من ملامحها المتوهجة بفعل قبلته ينتظر إجابتها بينما هي كانت صامتة تحاول استعادة جأشها بعد هجومه الضاري فباغتتها كلماته حين قال يُداعبها: هل أعتبر صمتك هذا دعوة لإعادة المحاولة؟
تململت بارتباك لتُفلت من بين يديه وبالكاد استطاعت إخراج صوتها حين قالت باندفاع:
لا داعي لذلك، أستطيع تناول بضع لقيمات صغيرة. لم تبتسم ملامحه ولكن عينيه فعلت فتعانقت نظراتهما لثوانٍ قبل أن تجده وثب قائمًا وهو يغلق أزرار بذلته قائلًا بلهجة آمرة: سأغادر إلى الشركة الآن، وسأعود قبل العشاء، لا داعي لأن أخبرك أن تتبعي إرشادات الطبيب.
لم تجِبه فقد كانت تغلي من الغضب الذي تعاظم أكثر وهي تجده يرفع إحدى حاجبيه احتجاجًا على صمتها فهمست من بين أسنانها:
_حسنًا.
هل تتحدث بجدية الآن؟! هل سنعود غدًا؟! هكذا صاحت “هناء” بحنق قوبل بالجمود من ناحيته حين قال باختصار: نعم.
اهتاجت من فرط الغضب فلم يمضِ ثلاثة أيام على بقائهما هنا في هذا المدينة الساحلية الرائعة التي كانت من ضمن أحلامها التي لم تجرؤ حتى على تمني تحقيقها ولكنها تحققت معه والآن وقبل أن تستمتع بوجودها فيها يخبرها بأنهما سيعودان غدًا.
حاولت قمع غضبها قدر المستطاع واستبدلته بخيبة الأمل التي مزجتها بسحرها الذي مارسته باحترافيه وهي تتلمس صدره العاري:
_أرجوك حبيبي أخبرني أنك تمزح، فلم تتح لنا الفرصة للتمتع معًا بجمال المكان، وأيضًا ألم تعدني بقضاء شهر عسل كامل هنا؟؟
غمرت السخرية ملامحه وتجلت في نبرته حين قال:
شهرًا كاملًا هنا! من أين أتيتِ بهذا الآن؟ أنا حتى بزواجي الأول لم أقضِ شهرًا كاملًا برفقة “هدى”. ذكر اسم غريمتها كان سهمًا مشتعلًا أضرم نيران الحقد والغضب بأوردتها فتجمدت يديها على صدره للحظة قبل أن تتراجع باندفاع إلى الخلف وهي تقول بشراسة لم تستطع التحكم بها: ما الذي أتى على ذكرها الآن؟؟ ولمَ تتحدث هكذا؟ هل زوجتك الأولى أفضل مني أم….
قاطعها بفظاظة وهو يحاول قمع فيضان غضبها قبل أن يتمادى ويغرقهما:
توقفي يا “هناء”، لا يستدعي الأمر كل هذه الضجة. “هناء” بانفعال: حقًا! ذكر اسم زوجتك الأولي بيننا في شهر عسلنا وبتلك الطريقة لا يستدعي؟!
تفاقم غضبه أكثر فهدر آمرًا:
إن قلت لا يستدعى معناها هو كذلك، كان الأمر في سياق الحديث فقط، ثم إني لا أحب تبرير أي شيء أقوله أو أفعله فلتعلمي هذا. تجيد لعبة الشد والجذب حتى وأن وجدت الأمور بدأت تحتدم تسلحت بضعفها الذي هو خير وسائلها معه فقامت بإخفاض رأسها مطلقة العنان لعبراتها بالهطول ثم قالت بنبرة جريحة: حسنًا، سأجمع أغراضنا حتى لا نتأخر على الطائرة صباح الغد.
سر قوة المرأة في ضعفها فهو القشة التي تقسِم جبروت الرجل عن طريق استفزاز غريزته في حماية الأنثى حتى من الحزن فيتقهقر غضبه أمام عبراتها سالكًا كل الطرق لمراضاتها:
_لا تحزني، أعدك سأعوضك عن هذه الرحلة في أقرب وقت.
هكذا تحدث ويده تمتد لتمسك برسغها توقفها عن المضي وحين التفتت تفاجئ من ذلك الحزن الي تبلور في عينيها وتقاسيم وجهها الذي كوبه بين يديه يحاول أن يراضيها فرفرفت برموشها وهي تتحدث بحزن خالطه الدلال:
_ لقد أحزنتني في أكثر الأوقات التي من المفترض أن أكون سعيدة بها، ولن أسامحك
“شاهين” بخشونة:
ستفعلين. لن أفعل.
عاندته بدلال فتركها وهو يتوجه إلى الطاولة بجانب السرير ليخرج منها علبة من القطيفة الزرقاء وقام بفتحها لتبرق عيناها تزامنًا مع هذا البريق المطل من تلك الإسورة الماسية التي جعلتها تشهق من فرط جمالها:
_ يا إلهي، لا تقل أنها لي.
“شاهين” بسخرية:
_ حسنًا لن أفعل.
قالها وهو يغلق العلبة ليمازحها فقامت بانتزاع العلبة من بين يديه وهي تصيح:
لا لا إنها لي. قهقه بصخب على فعلتها واقترب يمازحها قائلًا: هل ما زلنا متخاصمان؟!
التفتت تناظره وحين أوشكت على الرد توقفت لثوان واستعادت ملامحها الحزينة قائلة بنبرة يشوبها الأسى:
_ أجل ما زلنا.
“شاهين” بسخط:
_”هناء” لا تطيلي الأمر أكثر
اقتربت منه بنظرات مغوية ونبرة تشبهها حين قالت:
تبقى أمرًا بسيطًا بهذا القدر. كانت تشير بإصبعيها فاستفهم بجفاء: أخبريني ما هو؟!
“هناء” بدلال:
_أريد أن نذهب للسهر اليوم، رجاءً حبيبي لا تقل لا، فهذه هي أمنيتي الأخيرة.
بعد مرور خمس ساعات تحدث “شاهين” باستياء:
هل يمكننا للمغادرة الآن فقد انتصف الليل. اقتربت “هناء” تحيط خصره وهي تتدلل قائلة: حبيبي دعنا نبقى لبعض الوقت فالحفل ما زال في بدايته.
لون الامتعاض ملامحه قائلًا بملل:
_اللعنة على تلك الحفلات.
اقتربت تقبله على صدغه في محاولة منها للقضاء على ذلك العبوس الذي يلون تقاسيمه ثم قالت بغنج:
هيا تخلص من هذا العبوس لا يليق بوسامتك حبيبي. تمطى بكسل وعيناه تطلقان سهامًا عابثة قبل أن يقول بتخابث: هذه مهمتك وأنتِ لا تقومين بها على أكمل وجه؛ لذا احذري قد أبحث من بين أولئك الشقراوات عن واحدة تستطيع القيام بها بدلًا عنكِ.
يعلم كيف يُلاعِبها مثلما يُلاعِب القِط الفأر فقد انتفضت من بين أحضانه تنظر أمامها فوجدت مجموعة من الفتيات ينظرن نحوهما بنظرات تحوي الإعجاب فجن جنونها وبادلتهن النظرات بأخرى غاضبة قبل أن تهب من مكانها قائلة بحنق:
أريد أن أغادر. لون العبث ملامحه قبل أن يقول باستمتاع : لمَ! فالحفل ما زال في بدايته وأعتقد أن المرح قادم.
ابتلعت غصة حارقة في جوفها فهذا اللعين يعرف كيف يُسيرها كيفما يشاء ويتلاعب بثباتها بمنتهى السهولة مما جعلها تقول مغلولة:
_الجو أصبح خانقًا؛ لذا اريد الرحيل.
نصب عوده الفارع ومد ذراعه القوية ليجذب خصرها إليه بتملك أطاح بسائر غضبها وهو يقول بخشونة:
_ لكِ ما تريدين.
تمايلت معه أمام أعين تراقبها بحسد بينما هي تشعر بالسعادة الغامرة كون هذا الرجل يخصها من بين كل هؤلاء النساء.
كانت نائمة على الفراش تتقلب وكأنها تتقلب على جمر مشتعل لا يهدئ أبدًا كتلك الأفكار التي تدور برأسها دون أن تجد لها أي إجابة فقد انقلب عالمها رأسًا على عقب منذ أن عاد، لم تقصد عالمها الخارجي فقط… إنما داخليًا لم تعد مستقرة وكأن إعصارًا ضربها ففجر بها كوامن الشعور التي لم تختبرها مسبقًا… كل شيء أصبح مختلفًا لا يشبه ما سبقه شعورها نحوه الذي كان يقتصر على الخوف فقط، تخللته مشاعر أخرى لا تعرف كنهها وتخشاها للحد الذي يجعلها تهرب حتى من التفكير بها.
انتشلها من بحر أفكارها طرق خافت على باب الغرفة فأمرت الطارق بالدخول فأطلت “هدى” برأسها وهي تقول بمرح:
_ هل لي أن أدخل؟!
“نور” بلهفة:
_أجل بالطبع.
دلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها متوجهه إلى “نور” وهي تقول بمزاح:
علمت بأن الأميرة سقطت ولوت كاحلها والأمير الوسيم حملها وطار بها إلى هنا فجئت لأطمئن عليها. تفاقمت دقات صدرها حين سمعت كلمات “هدى” عن أميرها الوسيم ولكنها رسمت الامتعاض على ملامحها وكذلك نبرتها حين قالت: لا تكوني لئيمة يا “هدى”، ليس أنتِ.
ابتسمت “هدى” على كلماتها وقالت تشاكسها:
_وأنتِ لا تكونين خجولة إلى هذه الدرجة فتفضحك وجنتاك فها هو محصول الطماطم بدأ بالظهور.
ابتسمت “نور” على حديثها وقالت مغيرة الموضوع:
كيف حالك الآن؟! تجاهلت الغصة التي تتوسط بلعومها وقالت بجفاء: كيف أبدو لكِ؟!
“نور” بشجن وهي ترى أبعد مما تريد “هدى” أن تظهره:
_تحاولين التظاهر بأنكِ بخير.
توقعت أن تجادلها ولكنها فوجئت ب”هدى” التي قالت بجمود:
وهل أنجح في ذلك؟! بالنسبة لشخص لا يعرفك نعم وبدرجة امتياز ولكن أنا…
قاطعتها “هدى” قائلة بجفاء:
عزيزتي “نور” لا أحد يعرفني جيدًا حتى أقرب الناس إلي، وطبقًا لكلامك فإذن أنا على الطريق الصحيح. تحدثت ”نور” بلهجة مشجبه: إلى متي ستطول لعبة التظاهر تلك؟!
“هدى” بجمود ينافي ألم عينيها:
إلى أن أستعيد نفسي القديمة وأيضًا حين أستطيع أن أقف على قدماي دون أن أحتاج إلى أحد. خربشت أنياب الفضول عقلها لذا قالت مستفهمة: ماذا تقصدين؟!
_سأعمل.
“نور” بذهول:
ماذا؟! هل تمزحين؟! “هدى” بسخرية: وأين المزاح في ذلك؟! ونعم سأعمل حتى أنني بحثت عن عمل في مجال دراستي ووجدت وسأذهب السبت القادم لإجراء المقابلة. “نور” باندهاش من حديثها: هل يعلم “شاهين” بذلك؟! أقصد هل سيوافق؟!
ولد ذكره شحنات من الغضب داخلها ولكنها تجاهلتها وهي تقول بلا مبالاة:
لم أفكر بإعلامه وموافقته هي آخر شيء أحتاج إليه. “نور” بتعقل: “هدى” أنتِ تشعلين النار بينكما أكثر.
“هدى” بقهر أخفته خلف قناع الجمود حين قالت:
_النار كان هو أول من أشعلها وأنا أول من احترق بها والآن لنتبادل الأدوار.
أوشكت “نور” على الحديث فسبقتها “هدى” التي قالت باستهلال:
الآن أخبريني كيف هي أحوالك مع “فراس”؟! قشعريرة جارفة اجتاحت جسدها حين سمعت اسمه وازدهر الزيتون بنظراتها ولكنها حاولت الظهور بمظهر اللامبالاة حين قالت: عادية، لا شيء مهم لذكره.
شعرت “هدى” بأن هناك أشياء أبعد من العادي كما ذكرت “نور” لذا تدبرت كلماتها حين قالت:
_ إن أردت نصيحتي اجعليها غير ذلك.
“نور” باستفهام:
_ماذا تعنين؟!
واعظتها قائلة:
“فراس” رجل لا يقدر بثمن، فهو شهم ونبيل وأيضًا وسيم وذو سلطة ونفوذ… أي امرأة في مكانك ستكون في غاية السعادة لامتلاكها رجلًا مثله؛ لذا حاولي أن تجعلي حياتك معه أكثر بهاءً، لا تعتمدي على عشقه لكِ فقط. كانت تركز على كل كلمة تتفوه “هدى” بها وهي تستعرض ملامحه ونظراته وأفعاله معها ولكن عقلها توقف عند تلك الكلمة التي جعلت قلبها يرتج داخل صدرها للحد الذي جعل حروفها تخرج مرتبكة من بين شفتيها حين قالت: ماذا؟! عن أي عشق تتحدثين؟!
انكمشت ملامح “هدى” باندهاش تجلى في نبرتها حين قالت:
ماذا بكِ “نور”؟! هل أصبتِ عقلك حين سقطتِ؟! أقصد عشق “فراس” لكِ. للمرة الثانية التي تستمع إلى تلك الجملة التي تفعل الأفاعيل بقلبها الذي رفض هذا التخبط الذي ينتابه كلما ألقيت على مسامعه هذه الكلمات فتشدقت “نور” ساخرة: والله لا أعلم من منا الذي أصيب في عقله! أنتِ أم أمي؛ فهي أيضًا قالت تلك الجملة ولا أعلم على أي مصدر تستند لتتفوه بها والآن أنتِ.
أجابتها “هدى” بفطنة:
أنا أتحدث وفق حقائق لامستها بنفسي ورأيتها بعيني. عاودتها تلك الوخزات التي تفشت في جسدها بالكامل تلك المرة وهي تتحدث بترقب: أي حقائق تلك؟! وماذا تقصدين بما رأيته بعينك؟!
صمتت “هدى” لثوان قبل أن تعيد سرد أحداث من الماضي:
_أتذكر يوم ولادة “إياد” حين كانت حالتك خطرة كاد أن يجن في الخارج وأخذ يصيح هنا وهناك حتى أصابهم بالهلع فكان طاقم المستشفى بالكامل يدعو لكِ بأن تلدي بالسلامة، حتى أنه لم ينظر إلى “إياد” حينما أخرجته الممرضة على سريره وكانت أنظاره متعلقة على باب غرفة العمليات وكأنه يتوسل أن تخرجي منها على خير، وأيضًا كانت تلك المرة الأولى التي أراه يدخن بها ولم يكن الأمر عاديا فقد استهلك علبة تبغ كاملة في مدة لا تتعدى الثلاث ساعات، في تقييمي كانت محاولة للانتحار من جهته.
قالت جملتها الأخيرة بسخرية ولكن “نور” كانت في عالم آخر مع ذكرياتها في هذا اليوم فهي استيقظت وجدت الممرضة بجانبها وبعدها توافدت عليها العائلة بأكملها وكان هو آخر من جاء لزيارتها واكتفى بجملة قصيرة لا تسمن ولا تغني من جوع:
_حمدًا لله على سلامتك أنتِ والطفل.
ولم يمكث معها لأكثر من ربع ساعة بعدها اقترب مترددًا ليضع قبلة جافة على جبهتها وهو يخبرها أن لديه عمل ولا يستطيع التأخر عنه ثم غادر، جذبت أنظار “هدى” تلك المرارة التي ارتسمت بمقلتيها فتحدثت باستفهام:
_ ماذا هناك؟! لمَ وجهك تغير هكذا؟!
“نور” بمرارة:
_ لا لا شيء، ولكن ما ذكرتيه يتنافى كثيرًا مع حقيقة شعوره تجاهي فأنا في هذا اليوم لم أحصل سوى على قبلة جافة وجملة مقتضبة لا أتذكرها حتى؛ لذا فأنا لا أعول كثيرًا على هذا الموقف.
فوجئت “هدى” من حديثها ولكنها كانت متشددة تجاه حدثها لذا عاندتها قائلة:
_ وماذا عن ما فعله بأشرف؟ فالمسكين ما زال في المستشفى ليومنا هذا.
هدرت بحنق:
إنه رد فعل طبيعي لرجل مثله عاد ليجد زوجته تُزف لآخر. كنت لأوافقك لو لم يخبره عمي زين بأنها كانت زيجة مدبرة من قبل العائلتين حفاظًا عليكِ وعلى إياد وأن أشرف لم يتجاوز حدوده أبدًا حتى أنها كانت المرة الأولى التي يراكِ بها منذ وفاته.
استرعى كامل انتباهها حديث “هدى” فهي لم تكن تعلم أن ذلك حدث وقد اندهشت كثيرًا من أنه وبالرغم من ذلك أقدم على معاقبة أشرف بتلك الطريقة:
_هل أنتِ متأكدة من حديثك هذا؟!
“هدى” بتأكيد:
_أجل متأكدة، هل أكذب في شيء كهذا؟! ثم إنه كان يومًا حافلًا فقد أخذ يصيح ويتوعد له بالهلاك وقد كانت السيطرة عليه أصعب من السيطرة على ثور هائج… وقد تعب عمي “زين” من محاولة تهدئته وانتهى الأمر به قائلًا أن من يتجرأ ويقترب منكِ سيدق عنقه، يعني في تفسيري لو قال من يقترب من امرأتي أو زوجتي كنت سأقول أنه رجل متملك ولكنه قال اسمك، أي يخصك أنتِ.
لم تأخذ فرصتها بالرد على “هدى” فقد آتاهما طرق قوي على الباب الذي انفتح وأطلت منه “فريال” لتنضم إليهما وقد تفرقت نظراتها المرتابة بينهما قبل أن تقول بفظاظة:
أهلاً “هدى”. لم تنتظر أن تجيبها “هدى”؛ لأنها التفتت إلى “نور” قائلة بجفاء: كيف أصبحتِ الآن؟!
استاءت من طريقتها مع “هدى”؛ لذا أجابتها بفتور واختصار:
_بخير.
أومأت برأسها وهي تنظر إلى “هدى” بطريقة توحي بأن وجودها لم يعد مرغوبًا وقد فهمت “هدى” الرسالة بطريقة صحيحة؛ لذا اقتربت تعانق “نور” وهي تقول بخفة:
_سأغادر الآن لكي لا أتأخر على أطفالي وغدًا سآتي لأطمئن عليكِ.
ابتسمت “نور” بحرج وهي تودعها إلى أن خرجت وأغلقت الباب خلفها فالتفتت تنظر إلى “فريال” بحدة تجاهلتها وهي تقول بجلافة:
_ لم يكن وقت تمثيليتك السخيفة الآن يا نور؟
تدلي فكها من فرط الصدمة حين وقعت على مسامعها حديث “فريال” التي تجاهلت صدمتها وتوجهت لتقف أمام الشرفة فجاءتها كلمات “نور” المستنكرة:
_أي تمثيلية سخيفة تقصدين؟!
“فريال” بجفاء:
لم يأتِ التواء كاحلك في الوقت الصحيح فهناك أشياء كثيرة ستتعطل الآن بسببك.
تعاظمت صدمتها وتبدلت نظراتها إلى أخرى ضائعة كنبرتها حين قالت:
ما الذي تقصدينه بتلك الكلمة هل تظنين أنني حين سقطت كان الأمر متعمدًا؟! “فريال” بسخرية: ألم يكن الأمر كذلك؟!
تحولت صدمتها واستنكارها إلى حزن جلل ولكنها حاولت السيطرة على حزنها وهي تقول بجفاء:
لا لم يكن كذلك وأنا لا أفعل مثل هذه الأمور أبدًا. أومأت “فريال” برأسها دلالة على عدم اقتناعها فأرجأت “نور” تغيير الموضوع حتى لا يحدث صدام بينهما فهذه والدتها وهذه طباعها التي لم تتغير: ثم ما هي تلك الأشياء التي تقصدين أنها تعطلت بسببي؟!
ناظرتها “فريال” بجمود تجلى في نبرتها حين قالت:
_تدمير “فراس”، الأخذ بثأر والدك، لقد أعددت خطة للقيام بذلك بصورة مُرضية؛ لذا عليك الشفاء بأسرع وقت حتى تشرفين على نهاية ذلك الشيطان بنفسك.
الفصل الثامن..
علينا أن ندرك جيدًا بأن هُناك لحظات فاصلة في حياتنا لا يعود بعدها كل شيء كما كان .. لحظات أحيانًا من فرط مرارتها تشعر أنها النهاية ولكنها لم تكن سوى البداية .. أو لنقل أنها ولادة روح جديدة بداخلك خُلِقت من رحِم المعاناة و قساوة الخذلان الذي حتى و أن استطعت تجاوزه ستظل مرارته عالقة بجوفك لتذكرك بأن لا تغفر أبدًا ..
نورهان العشري
” تدمير فراس و الأخذ بثأر والدك .. لقد أعددت خطة للقيام بذلك بصورة مُرضية لذا عليك الشفاء بأسرع وقت حتى تشرفين على نهاية ذلك الشيطان بنفسك “
هالها ذلك الحقد الذي يقطُر من كلمات والدتها ناهيك عن تلك الشراسة التي تطلُ من عينيها و قد كانت تلك أشياء جديدة كليًا عليها ! و هكذا لاح إستفهام مُلح على خاطرها وهو أن كل هذا البغض و الحقد على فراس سببه ما فعله بوالدها إذن لما لم يظهر عليها أي شيء من هذا في السابق فلطالما كانت تتملق فراس و تتودد إليه !
كيف يمكنها أن تجيد التظاهر بعكس ما تشعر به بتلك الطريقة ؟
أضاء عقلها بإجابة تحتمل الكثير من الصواب بأنه ربما حدث شيء جعلها تُعلِن الحرب عليه هكذا والتي بدأت مُنذ أن عاد من الموت أو أن عودته هي السبب !
كانت غارقة في تساؤلاتها فلم تلحظ دخول فراس إلى الغرفة و تلك النظرات القاتمة المتبادلة بينه و بين والدتها التي تحمحمت وهي تقول بجفاء :
سأنزل للأسفل حبيبتي .. و أن أردتي شيء ابلغيني .
لم تكن وحدها من خيمت الدهشة على ملامحها من حديث فريال كان هو أيضًا و لكنه كان بارعًا في إخفاء ما يجول بداخله لذا لم يعلق بل اكتفى بأن ينزل جاكت بذلته في تؤده وكأنه يخبرها بأنه ينتظر خروجها فتعاظم حنقها منه أكثر و تجلى ذلك في إغلاقها باب الغرفة بعنف جعل إبتسامة ساخرة تتراقص على شفتيه .
في تلك اللحظة شعرت بأن هناك الكثير مما يجب عليها معرفته فلم تستطيع منع الكلمات من المرور من بين شفتيها حين قالت بترقب :
هل تحب والدتي ؟
بسطت الدهشة خيوطها علي ملامحه للحظات فقد توقع أن ترتاب في طبيعة العلاقة بينه و بين والدتها ولكن أن تسأله عن مشاعره نحوها كان أكثر من صادم له :
ألا تلاحظين أن سؤالك غريب بعض الشئ ؟
ما أن اتتها كلماته الساخرة حتى شعرت بغبائها و حاولت تصحيح الأمر قائلة بتوتر:
قصدت أن أعلم .. هل تكن لها مشاعر . يعني أقصد .. أشعر أن علاقتكما …
انتهى من خلع “جاكت” بدلته و قام بوضعه على أحد المقاعد ثم تخلص من رابطة عنقه ثم توجه إليها وهو يقاطع حديثها الغير مُرتب مُجيبًا علي سؤالها بفظاظة:
أُحِبُها بقدر ما تُحِبُك هي …
ناظرته بضياع من إجابته التي تحمل الكثير من الاحتمالات والتي كانت جميعها سيئة ولكنها حاولت أن تُجاريه حين قالت ساخرة:
إذن أنت تُحبها كثيرًا .
” هل تظنين ذلك ؟”
إستفهامه أضفى على الأمر غموضًا من نوع آخر جعل الأفكار تتلاحق بعقلها الذي شعر بالإرهاق من فرط التفكير فحاول التدخل لإنقاذها من تلك الضوضاء التي تحيط بها :
كيف حال كاحلك الآن ؟ هل لازال يؤلمك ؟
هكذا تحدث وهو يتفحص كاحلها باهتمام و يداه تتلمساه بحنو وهما تضعان الدهان فوق إصابتها تنافى مع كفوفه الضخمة التي توحي بمدى قوته الجسدية وعند هذا الحد شعرت بشرارة تندلع في معدتها تأثرًا بقربه فتحشرجت نبرتها حين أجابته:
بخير .. ولا لا يؤلمني كثيرًا ..
جيد .
هكذا تحدث بعد أن اعتدل في جلسته ما أن انهى تفحصه لإصابتها فأصبح أمامها مباشرةً وعينيه تُبحِران على ملامِحها بنظرات مُشتعِلة ألهبت وجنتيها حد الإثارة التي جعلت يده تمتد لتُلامسهما والتنعم بدفئهم قبل أن يقول بخشونة :
أري أن الراحة قد فادتك كثيرًا فقد عاد لونك الشهي إلى وجنتيكِ مرة أخرى .
هل كان ذلك غزلًا؟ طرأ هذا السؤال على عقلها الذي لم يُسعفها بالإجابة فوجدت نفسها تهمس بخفوت :
أجل
تراقصت ابتسامة خافتة على شفتيه قبل أن يقول باستفهام :
هل تناولتِ عشاءك ؟
إجابته بخفوت :
لا.. لم اتناوله بعد .
ضيق عينيه بتخابث بينما فاحت رائحة المكر من بين كلماته حين قال:
لا تقولي أنكِ تنتظريني لنتناوله سويًا..
هبت بإندفاع:
بالطبع لن أقول ذلك .. ولكن لم تكن لدي شهية .
أسقط الذئب فريسته في الفخ بمهارة فانفرجت شفتاه عن ابتسامة ماكرة حين قال بأسف مفتعل:
اممممم .. أمرًا مؤسفًا .. ولكن تعلمين هناك طريقة فعالة تجعلك تستعيدين شهيتك المفقودة .
شهقت بصدمة من كلماته و ذلك المكر الذي يطل من عينيه فقد وقعت بغبائها في شراكة فحاولت أن تصلح الأمراض قائلة بلهفه:
لا اقصد ذلك ولكن …
قاطعتها يداه التي امتدت إلى خصرها وجذبتها بقوة لتشتبك صدورهم حد امتزاج نبضات القلوب بينما تلامست أنوفهم التي كانت أنفاسها محرورة نابعة من إحتراق قوي يكتنف كليهما مما اضفى حشرجة عذبة على نبرته حين قال :
حتي و إن لم تقصدي فهذه فرصة ذهبية سأكون أحمق إن لم اغتنمها .
لم يمهلها الوقت لإسترداد أنفاسها الهاربة من وقع كلماته فقد سطى بقوة على شفتيها يتَمَزَّزَ بخمرِها العذب ويرتشف حلاوة رمقها بتريث و كأنه يملك كل الوقت بالعالم لفعل ذلك بينما كانت هي غارقة بلُجة مشاعر قوية جرفتها كتيار كهربائي أصاب قلبها الذي تعثرت نبضاته بقوة داخله و صار يتخبط بعُنف بين صدرها الذي رفض الإستماع الى إنذارات عقلها بالابتعاد عنه ولكن أي ابتعاد فقد كان يُهيمن حتى على أنفاسها فقد كان يفصل القبلة لثوان يستنشق ما تلفظه رئتيها من ثاني أكسيد الكربون و كأنه يستلذ بكل شيء منها حتى ولو خالف هذا المنطق و الطبيعة ..
غيبتها لمساته عن الواقع و انصاع كل شيء بها خلف سحره الآسر الذي امتزج مع مشاعر هوجاء اجتاحت كليهما من دون هوادة حتى قضا علي المتبقي من حولها لتستند بثقلها فوق صدره الذي عزفت نبضاته الجنونية سيمفونية رائعة زخرفتها كلماته التي غافلته و تسللت من بين شفتيه بنبرة موقدة:
كيف تكونين مُشِعة بتلك الطريقة ؟ تُحيط بكِ هالة من الطاقة تجذبني إليكِ كالمغناطيس و كأنك مركز الحياة على هذه الأرض و موضع نبضها.
كانت كلماته كأول شعاع من النور ابصرته عيني شخص أتى إلى الحياة ضرير .. كأنشودة عذبة تنساب على مسامع شخص أوشكت أذناه على الصمم من فرط الصُراخ
رفعت عينيها تُناظره بإندهاش و على شفتيها الكثير من الاستفهامات الذي لم يكن يملك إجابتها فلأول مرة يترك العنان لقلبه يقوده بتلك الطريقة لذا اجتذب نفسه عنوة عن عينيها و سحرهم الخلاب لينصب عوده قائلًا بفظاظة تتنافى مع رقته معها منذ سويعات :
سأخبرهم أن يجلبوا طعام العشاء إلى هنا .. حتي تتناولين أدويتك و تخلدين إلى النوم .. فقد تأخر الوقت .
كيف فعل هذا ؟ تبدل حاله بلمح البصر من الإحتراق بين ذراعيها إلى ذلك الجليد الذي تجلى في نبرته و ارتسم في نظراته ! أي رجل هذا ؟ و أي حظ عاثر القاها بين هؤلاء البشر اللائي يستبدلون قلوبهم بأحجار صماء …؟
مرت الأيام سريعة وأتت نهاية الأسبوع و كان الجميع متأهب لذلك الحفل الصاخب الذي تُقيمه ” جليلة النعماني” احتفالًا برجوع فراس الذي كان دائم الغياب طوال الأيام المُنصرمة يخرُج صباحًا ويأتي في جوف الليل مُتأخرًا ولدهشتها وجدت نفسها حانقة على هذا الوضع كثيرًا على الرغم انها لا تنقاد نحو مشاعر الفقد التي تحتاجها في غيابه ولا تنفك تتجاهلها ولكن هناك شيء آخر ينغز بقلبها حتى بات ألمه لا يُحتمل ألا وهو الشوق !
زفرت بتعب وهي تتوجه إلى غرفة الملابس لترتدي فستانها الذي كانت قد ابتاعته مع هدى في جولة التسوق الأخيرة وقد نال إعجابها كثيرًا حتى أنها حين اشترته لم تكن هُناك مناسبة خاصة لترتديه إلى أن جاء ذلك الحفل ..
انقضت نصف ساعة آخرى وها هي تضع اللمسات الأخيرة لزينتها تزامُنًا مع صوت إغلاق باب الغرفة تخشبت أناملها الممسكة بطلاء الشفاه وهي تشعر باقتراب خطواته من غرفة الملابس و رئتاها التي بدأت تنتشي برائحة عطره النفاذة التي دائمًا ما تسبقه إضافة إلى ضربات قلبها المُتلاحقة تأثرًا بوجوده الذي افتقدته طوال الأيام المُنصرِمة فأغمضت عينيها تُحاول استجداء ثباتها الواهي ليقف معها أمام هذا التخاذل الكبير الذي تستقصيه الآن مع جميع حواسها المُتلهفة إليه بينما كان هو الآخر يُحارب بضراوة لهفة خطواته التي تقوده إليها و كأنها نهرًا عذب وهو اللهبان الذي يتوق لقطرة واحدة من رمقها كي يعود إلى الحياة من جديد .. و الذي لدهشته شعر بأنها غادرته حين غاب عنها في الأيام المُنصرمة..
تشبثت قدماه بمكانها حين هوت عينيه على تلك الحسناء التي بدت وكأنها استأثرت بأكثر من نصف جمال العالم في ملامحها و طلتها البراقة في ذلك الثوب الذي كان باللون الأخضر الداكن يلف جسدها بتملك فيبدو و كأنه جزء منها ليبدع في إبراز منحنياتها دون امتهان فقد كان يغطي قدها و ذراعيها و يتوسطهما بفتحة دائريه لم تصل إلي مقدمة صدرها ولكن تفننت في إظهار قوسي الجمال المُتمثِل في عظمتي الترقوة خاصتها و يضيق بإغواء إلى أن يصل إلى ركبتيها ثم يتسع بطيات تماوجت اقمشتها ما بين الشيفون و الستان لينتهي بذيل طويل خلفها فقد كان رائعًا كروعتها خاصةً بتلك الخصلات الشقراء التي موجتها لتحيط بها كأشعة الشمس الحارقة ليجد نفسه يقترب منها دون وعي ليصبح خلفها مباشرةً فتتشكل في المرآة صورة لفاتنة أخضعت بعشقها الكواسر .
” افتحي عينيكِ..”
قالها فراس بخشونة بينما ترددت أنفاسه الموقدة على أذنيها لتشتعل تلك الشرارة بداخلها مرة أخرى و خاصةً حين شعرت بكفوفه الغليظة تحيط بخصرها فأطاعته بصمت لتصطدم بصورتهما في المرأة فهي تبدو كطير صغير يغوص بين أحضان أسدًا جسور .
” هل كنتِ تنتظرينني؟”
بدت لهجته خشنة تتناسب مع وهج عينيه التي كانت تشملها بنظرات حارقة في المرآة فأجابته بلهجة خافته تعكس اضطراباتها العظيمة في حضرته:
أجل .. ألا يجب أن ننزل إلى الحفل معًا..؟
ضاقت نظراته وهو يسألها بنبرة جافة :
هل هذا فقط ما يجعلك تنتظريني ؟
صارت ضربات قلبها جنونية حتى دوى طنينها في أذنيها و لم تعد تعرف بماذا تجيبه و تخشى هيمنته القوية عليها فانفرطت الكلمات من بين شفتيها دون أن تملك القدرة على إيقافها لذا آثرت تغيير دفة الحديث قائلة بنبرة متحشرجة:
ما رأيك هل أبدو جميلة في هذا الثوب ؟
لو فكرت لثوانٍ لم تكن لتخرج هذا الاستفهام من بين شفتيها ولكنها كانت تريد الهرب من طلقات الرصاص لتجد نفسها عالقة في حقل ألغام تفجر بصدره حين أعادت انتباهه إلى جمالها الآخاذ و حضورها الطاغي لتجد يده تضغط على خصرها بطريقة جعلت الدماء تندفع إلى خديها ثم توقف نبضها حين سمعت همسه الخشن بجانب أذنيها :
تشبهين شمسًا حارقة تتوسط جبال من الثلوج أن اقتربت منكِ سأموت احتراقًا و أن ابتعدت عنكِ سيقتلني صقيع فراقك !
علقت الأنفاس بصدرها ووقعت عينيها أسيرة لنظراته الشغوفة و لكلماته التواقة التي أضرمت النار في سائر جسدها و من المؤكد أنه شعر بكل ما يحدث بداخلها فحاولت استجداء بعضًا من ثباتها وهي تقول :
إذن هل أصبحت أشبه نساء المجتمع المخملي أم أنك لازلت تعتبرني زوجتك الصغيرة ؟
تراقصت إبتسامة مُتلذذة على ملامحه قبل أن تُديرها يديه لتصبح في مواجهته فازداد الأمر سوءًا بالنسبة إلى كليهما و خاصةً هي فقد كانت أضعف من مقاومته و مقاومة كل تلك المشاعر المُتأججة تجاهُه و التي لا تفلح كلماته في إخمادها أبدًا :
لا يجوز مقارنتك بهؤلاء النساء أبدًا ؟
برقت عينيها تُنذر بهبوب عاصفة غضب هوجاء فهل يجرؤ على التقليل من أنوثتها أمام أولئك النساء بالرغم من أنه كان يتغنى بجمالها منذ لحظات؟ :
ولما لا يجوز المقارنة بيني و بينهم لا أفهم ؟
جاء صوته الخشن كسيمفونية عذبة زخرفتها نظراته الشغوفة حين أجابها:
بإستطاعتي أن أقارنك بالنجوم .. بالمطر ..أو مع شروق الشمس .. تلك الأشياء النادرة هي فقط ما يشبهك نور.
انشرح صدرها بحبور ولم تفلح في إخماد ابتسامتها و التي لا تصف ما يتأجج به قلبها من مشاعر جياشة لغزله الساحر و الغير متوقع فلم تستطيع منع نفسها من إعتراف المزيد منه فهمست قائلة :
أتعني أن المقارنة هكذا ستكون عادلة ؟
التنعم برؤية إبتسامتها التي ضاعفت حُسنها أكثر كان أمرًا يفوق حتى أحلامه التي أصبحت مُؤخرًا لا تدور سوى حولها لذا أجابها بخشونة:
لا.. فبرأيي النتيجة محسومة من البداية وهذا ليس عدلًا .
استفهمت برقة :
كيف ذلك ؟
أجابها بشغف يقطر من عينيه قبل نبرته:
أعتقد أنتِ تفوقين كل شيء خيالي و نادر في الوجود
همست بخجل :
أعتقد أنك تُبالغ قليلًا ..
أظلمت نظراته و شابهها لهجته حين قال ويديه تُلصقانها به:
بإمكاني اقناعك..
حين أوشك على اقتناص جنتها اوقفهما طرق قوى على باب الغرفة و الذي كان للخادمة التي أخبرتهم بأن الجميع في الأسفل بانتظارهم لذا تحمحم بخشونة قبل أن يقول :
ستبدأين بالعمل معي بدءً من الاسبوع القادم
خرجت شهقة خافته من جوفها فيما نالت الصدمة من ملامحها و لهجتها حين قالت:
هل حقاً ما تقول ؟
-” أجل .. سأُخبِرُك بجميع التفاصيل لاحقًا .. هيا لننزل الآن ..”
أوصد أمامها مقاليد الحديث فلم تجد مفر سوى الامتثال لأوامره ملبية ندائه الصامت حين مد يديه لتتأبط ذراعه فأطاعته بصمت لينزلا الدرج سويًا حيث الجميع ينتظرهما.
أحمق يا عزيزي إن ظننت أن قلب المرأة أن أحب لا يكره . فعلى قدر حُبها يكون وجعها عظيم و انتقامها أعظم . و سلامًا عليك إذا ظننت يومًا أنك تستطيع الإفلات منه ..
نورهان العشري
خطت أقدامها إلى الداخل بثقة لا تعلم من أين واتتها ربما كان خلفها وجع عظيم ولد رغبة هوجاء في الإنتقام الذي جعلها تتفنن في انتقاء كل شيء بدءً من هذا الحذاء الأنثوي ذو الكعب العالي الذي يدُق بإغواء كُلما خطت أقدامها إلى ذلك الثوب العاري الأكتاف بلونه الأسود الذي غير معلوم أن كانت هي من زادت من بهائه أو هو من أضاف إلى حُسنها تُزينه ألماسات براقه تشبه نجوم مُتَلأْلِئة في سماء حالكة السواد ينعكس بريقها على بحرها الأسود اللامع الذي يُظلله سياج كثيف من الرموش الحالكة التي يتماشى سوادها مع سواد حاجباها الكثيفان المرسومان بإحترافيه من صنع الخالق عز وجل يزينان وجهًا وضاحًا دائري كالبدر المنير بوجنتين ممتلئتين يزدهر فوقهم محصول التفاح الشهي يتوسطهما أنف رقيق فوق قوس شفاهًا مُكتنزة بترغيب صبغتهما بلون النبيذ الأحمر المغوي لمن يراه و المسكر لمن يرتشفه .. ثم قامت برفع شعرها إلى الأعلى تاركة بعض الخصل المتمردة تنساب بنعومة حول وجهها الذي كان يعلو رقبه طويلة مُثيرة زينتها بسلسال رقيق على شكل وردة حمراء جميلة كصاحبتها..
شقت طريقها بين المدعوين برأس مرفوع و أنف شامخ متجاهلة تلك النظرات التي تحاوطها من كل الاتجاهات و أيضًا تلك الهمهمات التي منها مُتعجبة و آخرى مُعجبة ولكنها لم تهتم فقد كانت تبحث عن نور التي وجدتها تقف وحدها بعد أن انشغل فراس في الحديث مع أحد رجال الأعمال لتشعر بأحدهم يضع يده فوق كتفها فقامت بالالتفات لتقع عينيها على هدى التي كانت تناظرها بإبتسامة جميلة فصاحت نور بانبهار:
هدى هل هذه أنتِ؟
هدى بسخرية :
لا أنا عفريت.. نعم أنا ماذا أصابكِ نور؟
نور وهي لازالت على حالتها من الإنبهار:
يا إلهي تبدين رائعة .. أين كنتِ تخفين هذا الجمال يا فتاة ؟
انكمشت ملامحها بسخرية تشوبها المرارة التي اوضحتها نبرتها حين قالت:
هل كان مظهري بشعًا إلى هذه الدرجة؟
فطنت نور إلى ما تُشير إليه فحاولت أن تُجمل كلماتها قدر المستطاع حين قالت :
لا .. طبعًا لا اقصد ذلك .. أنتِ دائمًا جميلة .. ولكن الآن أنتِ تفوقين الجمال بمراحل .. تبدين .. ماذا أقول ؟ تبدين مُبهرة .
أثقلت كلمات نور ثقتها بنفسها و عززت من غرورها الذي تفشى في نبرتها وهي تقول :
من الآن فصاعدًا سأكون هكذا .. هدي القديمة لم يعد لها وجود .
ناظرتها نور بخبث ثم قالت تمازحها :
أعترفي أنكِ أردتِ تسديد سهم قاتل في مرمى شاهين ! ولكن اعلمي انكِ هكذا ستتسببين في خسائر فادحة
تجاهلت صخب دقاتها من حديث نور و قالت بجفاء:
فليحترق بنيرانه التي أشعلها ، و أيضًا انا لا أضعه في حساباتي فقد رسمت حياتي بدونه وأنا الآن أفضل بكثير .
لم يكُن حُبا مستحيلا و لكنه ايضا لم يكُن مُمكنًا. لم تُفرقنا الأقدار بل اختارنا الفُراق بأنفُسنا . اختارته انت و لم اقاومه انا .احتملت من الالم و العذاب و الحزن ما لم يتحمله أحد و كنت كل ليله أُخبِر نفسي بأنه لايزال مكاني بقلبك شاغرًا إلى أن جائتني صدمة انتمائك لغيري . في البداية لم استوعبها و رفضها قلبي للحد الذي أتى بي جرًا اليك لنضحك سويًا علي تلك المزحة السخيفة لآراك تُعلِنها بملء إرادتك دون النظر إلى قلبي الذي تمزق لاشلاء أمام سهام غدرك و الذي لا أعلم أن كُتِب له الحياه بعدك مرة ثانية ام لا ؟ و بالرغم من كل هذا لم اندم علي عشقك يومًا لم يكُن بالعشق المُر أو القاسي و لكنه كان عشق قتلني بقدر ما أحياني …
نورهان العشري
-” مرحبًا أيها الضخم.. “
هكذا تحدث شاهين بصخب و هو يضرب كتف فراس بعُنف فالتفت الأخير يُناظره بجمود قبل أن يُجيبه بفظاظة:
لم تأخرت أيها الوغد ألم أخبرك أن تأتي في الموعد ؟
تململ شاهين بضيق تجلى في نبرته حين قال:
بربك هل تحاسبني يا رجل ؟ امتلك زوجتان لا تجرؤ إحداهما على محاسبتي هكذا ؟
لم يجيبه إنما لمعت عينيه بمكر قبل أن يقول بتخابث :
هل استمتعت بوقتك في المالديف إذن ؟
تشدق ساخرًا:
وهل يستمتع من يمتلك صديق مثلك ! لقد أفسدت علي شهر عسلي و تسأل أيضًا ؟
فراس بفظاظة:
يالك من ناكر للجميل لقد أنقذتك ولا يمكنك إنكار ذلك ..
قهقه بصخب قبل أن يقول بسخرية:
أجل .. و تستحق أن أشكرك على انقاذك لي فقد كدت أفقد سمعي من كثرة الحفلات الصاخبة التي تعشقها زوجتي المصون .
كان يتحدث و عينيه تدور في كل مكان بالحفل إلى أن التقمت عينيه نور التي تقف و بجانبها إمرأة تبدو من الخلف جذابة للغاية فوجه حديثه إلى فراس قائلًا باستفهام:
من هذه الفاتنة التي تقف مع نور ؟
فراس بتهكم:
أيعقل أنك لا تعرفها ؟
ضيق عينيه بتفكير بينما نظراته تتفحصانها بدقة و سرعان ما برقت عينيه حين فطن إلى هوية المرأة فأخذت ضربات قلبه تدق كالطبول فصاح بصدمة :
مهلًا .. مهلًا هل هذه هدى زوجتي ؟
ناظره فراس باستخفاف لم يلحظه فقد كان مشغولًا بالنظر إليها و إمارات العجب والإعجاب بادية على وجهه حين قال باستفهام:
ماذا حدث لها يا تُرى ؟ هل أصابتها قُنبلة نووية حطمت دبابيس شعرها اللعينه و بعثرت خصلاتها هكذا؟
تعاظمت صدمته حين التفتت هدى لتسلم على أحدى السيدات فرأي وجهها ليهتف بإندهاش:
لحظة هل تضع مساحيق التجميل ؟ هل ماتت أمي و أنا لا أعرف ؟
ضاق ذرعًا من سخريته وقال بجفاء
كفاك سخرية و لتعلم قيمة ما لديك قبل أن تفقده .
امتعض شاهين من كلماته فقد كان يُجاهد قلبه الذي أخذ ينتفض بداخله تأثرًا برؤيتها هكذا و صاح بإنفعال:
اصمت يا غبي أنت لا تعلم شيئًا فأنا لم أرى خصلات شعرها منذ ولادة طفلنا الأول .
كان يشعر بما يقصده شاهين و ما يخابره معها ولكنه حاول أن يضعه على الطريق الصحيح قائلًا :
شاهين استمع إلي .. أنا أتحدث بجدية زوجتك إمرأة صالحة تمتلك العديد من الصفات الحسنة لا تُضيعها من بين يديك .
لون الامتعاض ملامحه وهتف بلهجة جافة:
هل تُغازل زوجتي أيها الدب ذو الفم الكبير؟
برقت عيني فراس و زمجر بغضب :
لو نعتني مرة ثانية بذو الفم الكبير و خاصةً أمام نور سأدق عنقك أقسم .
رمقه شاهين بمكر قبل أن يُضيق عينيه قائلًا بتخابث:
نور ! اها .. أخبرتني الآن … هل خضع الأسد أخيرًا و أستسلم لمشاعره..؟
لم يعجبه ما يرمي إليه بكلماته فهتف بحدة:
اصمت يا غبي
-” حسنا سأصمت فأنا لا اكترث لك الآن..”
لم يكُن يُعيره أي انتباه فقد كان مشغولًا بمراقبتها من بعيد وهي توزع ابتسامتها العذبة على من حولها وقد شعر بالغيرة التي تجاهلها على الفور و حاول قدر الإمكان أن يظهر بمظهر اللامبالي خاصةً أمام نظرات فراس المتفحصة فلجأ إلى سخريته المعتادة حين قال :
يا إلهي لو تعلم كم تمنيت أن تخرج فتوى من دار الإفتاء تُحرِم تلك التسريحة اللعينة .. الحمد لك يا الله فالمعجزات تحققت أخيرًا
أخذ يهز برأسه يمينًا و يسارًا بيأس من عناد صديقه الذي يُحاول قمع شعوره تجاهها و إقناع نفسه و الجميع أنه لا يتأثر بينما هو يحترق من الداخل ..
” انظري هناك من يحترق في الخلف”
هكذا قالت نور بتخابث فشعرت هدى بقلبها الذي تبعثرت نبضاته حين علمت بأنه جاء إلى الحفل ولكنها و بشق الأنفس حاولت الثبات و رسم الجمود على ملامحها و نبرة صوتها حين قالت :
لا أهتم .. و لا أريد حتى أن أضيع وقتي بذكره
كانت صديقتها و تشعر بما يعتمل بداخلها و قد أعطتها الحق في ذلك لذا آثرت الصمت و النظر أمامها و كذلك فعلت هدى التي كانت تشعر بنظراته تخترقان ظهرها و تشعلان جراحها الدامية والتي لا تعرف كم تحتاج من السنوات لمداواتها ..
اهتز الهاتف في حقيبتها فقامت بالتقاطه إذًا مربية الأطفال تتصل بها فتوجهت بخطى مُتلهفة إلى الخارج لتُجيبها و شاركتها خطواته بنفس ذات اللهفة حيث قادته إليها حين وجدها تتوجه إلى الخارج فتبعها كالمُغيب وهو يشق طريقه بين الناس بصعوبة متجاهلًا مجاملاتهم الزائفة التي كان يرد عليها بإبتسامة صفراء إلى أن وصل حيث تقف فوجدها تتحدث على الهاتف بإنفعال فشعر بضربات قلبه تتقافز بداخله وهو يقترب منها ليستمع إلى صوتها المرتعب وهي تقول :
حسنًا سآتي على الفور .
أغلقت المكالمة وهي تلتفت مسرعه ليصطدم جسدها بقوة بآخر شخص تود رؤيته في هذا العالم لترتد إلى الخلف من فرط الصدام حتى كادت أن تقع لولا ذراعيه القويتين التي حاوطت خصرها بلهفة لمنعها من السقوط وياليته لم يفعل فقد كانت تُفضل أن تسقط أرضًا أهون عليها من أن تسقُط بين ذراعيه بتلك الطريقة فيُلامس وقع قربه على جسدها المُرتجف و قلبها الذي يكاد يخرج من بين ضلوعها من فرط قوة دقاته
رفعت عينيها تُناظره فأسرتها نظراته الشغوفة لثوان قبل أن تتدارك الأمر و تجذب نفسها بعُنف من بين يديه تنوي المغادرة لتوقفها قبضته القوية حول رسغها و نبرته التي تشوبها اللهفة حين قال :
ماذا هناك ؟ هل حدث شيء ؟
اهتمامه و لهفة نبرته ولدوا داخلها شعورًا قويًا بالغضب جعلها تقول بجفاء وهي تنزع ذراعها من بين يديه:
ابتعد .
أغضبته نبرتها و طريقتها في الحديث فقسى صوته وهو يقول آمرًا:
أجيبيني ؟
لون الاحتقار ملامحها و أبرزته عينيها بسخاء بينما احتدت نبرتها اكثر وهي تقول:
لا أريد حتى النظر إلى وجهك فلا تحلُم بأن اشكو لك ما يحدث معي .. لذا ابتعد من أمامي
أيقظت وحوشه الكامنة فاشتد طوق أنامله فوق رسغها حتى كاد يطحن عظامها وهو يقول بنبرة قاسية :
هذه هي المرة الأولي و الأخيرة التي سأسمح لكِ بمُحادثتي بتلك الطريقة .. وأن كررتها أقسم أنني لن أتردد في اقتلاع لسانك من فمك هل فهمتي ؟
نجحت في إنتزاع يدها من قبضته الغير رحيمة وهي تُجاهد عبرات الألم بضراوة بينما هسهست بجفاء:
لن أتردد في تكرارها أن اعترضت طريقي مرة اخري .. و تهديدك هذا لا يُخيفني أبدًا..
لم تُتيح له الفرصة للرد فقد أنهت كلماتها وانطلقت إلى داخل الحفل لتتركه كبركان مشتعل من فرط الغضب الذي حول دمائه إلى جمرات جعلته يطلق أسوأ أنواع السباب وهو يغادر الحفل ..
بينما كانت هي تُهرول باحثه عن زين لتخبره بأن طفلتها تُعاني من آثار الحمى فقد هاتفتها المربية لتخبرها بضرورة أخذها إلى المشفى .. وحين سمع زين ذلك توجه معها على الفور إلى المنزل لنقل الطفلة إلى المشفى الذي ما أن وصلوا إليه حتى هرول قسم الطوارئ لاستقبالهم و لنجدة الطفلة التي كانت ترتجف من شدة إرتفاع حرارتها مما جعل هدى تفقد أعصابها وتنهار أمام باب المشفى فالتقطتها يد زين وهو يحاول تهدئتها بشتى الطرق ولكنها كانت ترتعب كلما تذكرت حالة الطفلة.. أخيرًا و بعد عناء نجح في تهدئتها و خاصةً حين جاءت الممرضة لتخبرها بأن الأطباء قاموا باللازم و قد زال الخطر نسبيًا و إن أرادت رؤيتها فقد وضعوها في غرفة مُنفردة :
بالطبع أريد رؤيته ابنتي .. أين هي ؟
أخذتها الممرضة إلى حيث غرفة الطفلة و خلفها زين الذي ما أن أوشكت أن تدلف إلى داخل الغرفة حتى أوقفها سؤاله الذي أثار حنقها كثيرًا :
هل أخبرتي شاهين بما حدث ؟
اكتفت بكلمة واحدة مقتضبة :
لا ..
كان يعلم الإجابة مُسبقا وحتى لو لم تُعجبه فهو لن يُجادلها الآن فهو يعلم أنها فعلت ذلك امتثالًا لأوامر كبريائها و أيضًا لتثبت له و للجميع بأنه خارج نطاق حياتها هي و أطفالها …
بعد أكثر من نصف ساعة خرجت من الغرفة تجر أقدامها التي ثقلت تحت وطأة الحزن الذي يرثو فوق قلبها المرتعب على طفلتها التي تمكن منها الإعياء و لم يحتمل جسدها الهزيل فراحت في سبات عميق لتخرج هي إلى الرواق حتى تدعها ترتاح قليلًا .
” كيف هي ؟ “
“أخبرينا كيف حالها ؟”
هكذا تعالت الاسئلة فوق أفواه الجميع الذين هرعوا إلى المشفى حين هاتفهم زين وما أن شاهدوها تخرج من الغرفة حتى اندفعوا بلهفة ليطمئنوا على حال الصغيرة و من بينهم هو .. ولكنها أعطته قدره من التجاهل حيث توجهت بحديثها إلى زينات و ناريمان و زين قائلة بصوت مبحوح من فِرط البكاء :
أنها نائمة.
مظهرها وحده كفيل بشرح ما يجيش بداخلها من ألم شعر به ينطبع داخله على الرغم من غضبه منها ولكن مظهرها احزنه فأخذت عينيه تطوف على ملامحها الشاحبة و عينيها التي تغزوها شعيرات حمراء تبدو كلوحة ملونة بالدماء تحكي قصة أمرأة أضناها العذاب و خصلات شعرها التي كانت مُسترسِلة فوق ظهرها تحاوط أكتافها التي تهدلت من فرط التعب فاقترب زين منها وهو يلتقط كفها بين يديه قائلًا بلهجة مطمئنة:
لا عليكِ يا بنيتي .. أن شاء الله ستكون بخير .
رددت بنبرة مرتجفة من بين عبرات لا تفلح في قمعها :
أن شاء الله
سُرعان ما امتدت يد زين تحيط بكتفيها ليجذبها لتجلس على المقعد وهو يردد بخفوت :
اللهم رب الناس أذهب البأس و اشف حفيدتي أنت الشافي المُعافي .
مرت دقائق تبدو ثقيلة عليها خصوصًا في حضوره الذي كانت تمقته على قدر ما كانت تشتهيه سابقًا ولكن لا حيلة لها فمن بالداخل طفلته ولا تستطيع أبعادها عنه أو الصراخ بوجهه بأن يغادر .. بينما هو كان يتآكل من فرط الألم المُطعم بغضب حارق كونه يرى حزنها من بعيد ولا يجرؤ على الإقتراب منها و غرسها بداخل أحضانه لتسكين وجعها ولو قليلًا .
تنبهت حين جاءت الممرضة لتقول بأن الطبيب المُختص بمعالجة الطفلة قادم ليخبرهم بكل شيء عن وضعها فارتفع دبيب قلبها و تناثرت دقاته ترقبًا وخوفًا ولكن سرعان ما اعتلت الدهشة معالمها حين شاهدت هذا الطبيب الذي كان له نصيبًا كبيرًا من دهشتها فصاح بصدمة:
هدى !
يتبع…
👇