رواية واحتسب عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل الحادي عشر

تلك الجهة الواقف على حدها المراقبيْن “غالب” و”سالي” أراضٍ دخلت ملكية خاصة لآل “السوالمي” بموجب إرثٍ عاد إلى “غالب السوالمي” من والدته المتوفاة، ولم يتسلمه “غالب” سوى من شهرٍ واحد بعد وفاة جده لأمه.

هذه الأراضي كانت شبه مهجورة، ولاح على البعد أماكن متفرقة قد تعرت وخلت بقاعٍ واسعةٍ بها من عشب البرية بسبب رعي الماشية الضالة فيها، منظر طبيعي خلاب والطيور تحلق في السماء الصافية لتلك الرقعة الواسعة، والتلال المرتصة على مسافات متفاوتة كلها لقطات ساحرة.

قلبها يترنم بطربٍ تناغميٍّ مع أصوات شدو الكراوين وتغاريد الطيور، وكذلك وطئ حدوة فرسها وهو يتهادى في سيره بين الحشائش تارة وصوت خشخشة الرمال تارة أخرى وانسجامه هذا ينم عن تحرره من القيود كصاحبته.

تأمل الطبيعة متعتها إذ تعودت “سالي” أن تفيق مبكراً كل صباح كي تترقب بزوغ قرص الشمس وهو يطل من بين السحاب، وفي المغارب تصعد إلى سطح دارهم كي تراها تتوارى خلف الأفق.

تفعلها عن عمد كل يوم مرتين كنوع من أنواع الاستجمام وتصفية الذهن هذه هي بيئتها التي تعشقها، فهنا لا تعرف الوحدة إلى نفسها سبيل، كيف ويحاوطها أشخاص يشبهونها تألفهم وتأنس بهم، وهذه المناظر الخلابة كشواهد على إبداع الخالق تصفو لها النفس وتنزاح بمرآها الهموم!!

تقهقر الفارسان وكأنما بينهما اتفاق ومن ثم شدا على لجام الجوادين فانطلقا بسرعة البرق قافزين أعلى الحاجز الشائك إلى الجهة الأخرى، منطلقان إلى حيث قمة أعلى ربوة فوجدا صغار البقر ترعى في جانب الوادي المزهر.

بينما تسلل “سيمبا” من أسفل السياج الحديدي الشائك يتبعهما كالظل، يلهث فاغراً فاهه بابتسامة خاطفة للقلوب.

انطلق “سيمبا” حيث مكان تجمع الماشية، يتطلع برأسه إليهما بتفحصٍ، وهو يتناوب توجيه النظرات من عينيه بين البقر وصديقته “سالي” وكأنما ينتظر إشارتها لجمع ما لهما من رؤوس الماشية في هذه الرقعة.

“سالي” بإحباطٍ:

-لا ألمح هنا سوى ثلاث بقرات تخصنا، ولا أثر للاثنتين الأُخرتين.

أومأ إليها “غالب” بالإيجاب، يقول بتأكيدٍ:

-أجل، ثلاثة فقط، ولكن عندما مررت هنا بالأمس كان هناك خمس رؤوس غريبة عن القطيع.

تحلق ثلاثتهم حول هذه المجموعة ينقلوا أنظارهم بين أفرادها، وإذا بعسليتي “سالي” الحادتين تلتقط عن بعد بقرتين ترعى على مسافة قصوى من القطيع، فأشارت نحوهما تقول بابتهاج:

-وجدتهما، ها هما هناك.

وما إن التقط “سيمبا” إشارتها حتى هرع صوبهما يعدو بخفة نابحًا بصوتٍ جهوري وعلى العكس لم تفر الماشية عقب صدوح صوت صديقهما بالمزرعة بل دنت منه، فتوقف “سيمبا” على مقربة منهما.

وما إن أصبحتا أمام “سيمبا” مباشرة، استدار يتقدمهما برأسٍ شامخ وهما تتبعانه، ومَن يرى المشهد يحسبه قائد فرقة عسكرية وهذا بعد أن آن بما خلفه من المجموعة الكبيرة فخرجت الثلاث رؤوس من بينها تنضم إلى القطيع خاصة “سالي”، و”سيمبا” بالمقدمة.

فصلهم” سيمبا” عن البقية ورابط أمامهم كالجندي الجسور يراقب عن كثب ولا يتحرك إلا عندما يلحظ أن إحداها تحاول أن تنضم إلى الماشية الآخرى.

قهقه “غالب” وهو يهز رأسه بعدم تصديق، يقول:

-فظيع “سيمبا”!! أراهن أن هذا الجرو لو أتيحت له الفرصة سينطق.

قالها “غالب” بعد نباح” سيمبا” على إحدى البقرات الخمس عندما حاولت الشتات من حصاره لها.

اصطحب الثلاثة الخمس رؤوس من الماشية يقودوها باتجاه الخرق المتواجد بالسياج، بينما تمتمت “سالي” بصوت مسموع تعقيباً على آخر ما قاله “غالب” بشأن “سيمبا”:

-معك حق إنه فطِن جداً، أحياناً أشعر بأنه يفهم عليَّ دون حديث.

قالتها وهي تبتسم للكلب الذي ظل يجري متحلقاً حول الماشية، وعندما يرى تباطئ إحداها في السير يظل يقفز نابحاً وكأنما يحثها على لاستكمال.

التوى ثغر “غالب” بابتسامة تهكمية وهو يعقب ساخرًا:

-ليس” سيمبا” فقط، أم أنكِ لا تفهمين سوى لغة الحيوانات يا ذات القلب المتحجر؟!

تجاوزته ببضعة أمتار تهرباً من تصريحاته فقد تعدت كلماته حيز التلميحات، كان طريق العودة إلى مزرعة عائلة “سالي” أسرع من رحلة البحث عن الضالين، وبهمة ونشاط قادا الصديقان الماشية إلى الحظيرة، وبعدها عملا على إصلاح السياج ولم يبرحا مكانهما إلا بعد أن أقاما السور كما كان.

أخذ “غالب” يلملم معداته من ملزمة وأحبال استخدمها في عملية الإصلاح إلى جعبة سرج جواده، فقد خرج قبل أن يقابلها على البوابة عازماً على مساعدتها لذا أحضر معه كل ما سيحتاجه.

ها قد انتهيا، وبقى أن يقطعا المسافة ما بين الخرق الذي كان إلى حيث مخرج المزرعة المتواجد على مسافة بعيدة التي يلزمها ساعة على الأقل سيراً على الأقدام ولكن في حالتهما لن يستغرق الأمر سوى ربع ساعة على ظهر الجياد.

لاحظت “سالي” الانهاك الشديد على محيا “غالب” إذ تندى جبينه بقطرات العرق، فقالت بتخاذلٍ من باب الضيافة:

-هل آتيك بشيء من المرطبات؟ فلدينا عصير جوافة طازجة.

قابل “غالب” دعوتها بترحابٍ، فبالطبع هو لن يفوت فرصة التواجد معها لأطول وقتٍ ممكن:

-يا حبذا لو أضفتي إليه بعض مكعبات الثلج.

قالها وهو يجفف قطرات العرق بظهر راحته ومن ثم قال بتحفيزٍ:

-ما رأيك في أن نتسابق حتى البوابة؟

لم تكن تلبية الدعوة عن طريق الكلمات شفاهياً بل قبضت راحتها على لجام جوادها وهي تقفز على صهوته ببسالة، وحذى حذوها “غالب” المفتون بقوتها وشراستها.

قطعا الطريق في سباق ضروس، وكانت الغلبة لهذه المهرة العربية إذ تخطته بمسافة كبيرة، ووقفت إلى حيث نهاية المطاف تقول بسعادةٍ بالغة يشوبها التباهي:

-فعلتها، وعلى الخاسر وهو أنت بكل تأكيد أن يقوم بتحميم الفرسين.

ترجل “غالب” من فوق حصانه يقترب منها ولا زالت هي أعلى ظهر الفرس خاصتها يمد يده ممسكًا بلجام حصانها متعمدًا أن يتلمس ظهر راحتها برقة، فسحبت “سالي” يدها على الفور، ولم يمانع “غالب” في ذلك بل تمتم بصوتٍ أجش ليزيدها عليها حتى توهج خديها بحمرة الخفارة والخجل:

-سأفعل، ودومًا سأكون رهن إشارة من عينيكِ، فعلى أي حال ما دام سيفيض الفائز على مَن خسر بكرمه وسيرتشف من ماء يدكِ، فماذا يريد أكثر من ذلك؟!

رمقته “سالي” بإشفاق ظنه استجابة فابتسم بعذوبة، يقول بِحثٍ حتى يُنهي نوبة الخجل التي استحوذت عليها ولا نعلم هنا على مَن نشفق، على عاشقٍ لا يفقد الأمل أم على قلبٍٍ مغشي لا يريد إيهام صادق گ “غالب”:

-هيا “سالي” سأموت من شدة العطش.

توجهت “سالي” إلى منزلهم المقابل لبوابة المزرعة بخطى متعثرة فكلمات “غالب” الرقيق دومًا ما تشعرها بالارتباك.

بعد عدة دقائق عادت “سالي” إليه وبيدها كوبين من العصير، تمد يده إليه بإحداهما، فتناوله “غالب” يرتشف منه رشفةً كبيرة بظمأ شديد، ومن ثم تنهد يقول:

-كنت أتحدث بالأمس مع “عمران” ابن عمي بعدما عدت إلى البيت عن الإجراء الذي اتخذه البنك بشأن المدير الجديد الذي سيتم تعيينه لمزرعة أبيكِ لحين خروجه من المشفى.

-وسألني “عمران” عن بعض المعلومات الخاصة بالقرض البنكي الذي حصل عليه الحج “حسين” والدكِ .

-وعندما لم أُوفِهِ بالتفاصيل المطلوبة، اتصل على أبيكِ بالمشفى وأعلمه بهوية الشخص الذي سيتولى هذه المهمة بعد تدخل من “عمران”.

-أتعلمين مَن هو؟

“سالي” بامتعاضٍ:

-لا أعلم، ولا أريد أن أعلم، أتمنى أن يكون كل هذا كابوس، وسأستيقظ منه لأجد أن كل شيء لازال على حاله.

قالتها وهي تجاهد ألا يبدو على معالم وجهها أي تعبير عما يجول بخاطرها من أسى وعزم على جعل هذا الدخيل يلوذ بالفرار.

بينما أصر “غالب” عن الإفصاح عن ماهية القادم علَّ بذلك قد تثبر أغوارها وتهدأ قليلاً:

-إنه “عُبيدة السوالمي” ابن عمومتنا.

تمهل “غالب” للحظات كي يرى وقع الاسم على صغيرته “سالي”، بينما استمرت في تقدمها تواكب خطواته ولازالت أكواب العصير بيد كل منهما فرفعت خاصتها تدفن وجهها به ترتشف منه بتمهلٍ، ولم تعقب على ما قال، ولكن للحقيقة الاسم له وقع الصدمة في نفسها وباتت مشوشة لا ترى شيئاً أمامها.

“غالب” بتسائلٍ:

-هل تعرفينه؟ لقد أتى لزيارتنا مسبقاً ولكن خطوته عزيزة فمنذ زمن لم يجدد زيارته لنا.

“سالي” بلا مبالاةٍ ظاهرية:

-لا أعتقد أنني أعرفه.

جاء ردها باردًا بحيث يُظهِر مدى انزعاجها عند الحديث في هذا الموضوع، فاسترسل “غالب” مضيفًا:

-“عبيدة” أحد المساهمين لشركة “يونايتد أجريكلشر” لاستصلاح وتجارة الأراضي الزراعية.

-وهم ذاتهم أكبر مُصدَري الماشية، وقد ذاع صيتهم بين جميع مالكي الأراضي الزراعية، و المهتمين بهذا المجال في مصر والشرق الأوسط فلهم فروع بعدد من الدول العربية.

-و”عبيدة” كان يدير فرعهم بإيران بعد سفره إلى إنجلترا لاستكمال دراسته عن العلوم البيئية وعلم الحيوان وحصل على درجة الماجستير من إحدى الجامعات هناك.

تأففت “سالي” بضيقٍ، وهي تجيبه بأنفٍ شامخ وكبرياء لا مجال له هنا، وكذلك احتجاجاً على المدح المبالغ به والصادر من “غالب” يخص به قريبهم ذاك:

-آه تلك الشركة!

لم يكف “غالب” عن الحديث بهذا الأمر، بل عاود فتحه مرة أخرى بإصرار:

-هل تريدين إيهامي بأن الخبر لم يكن له تأثير قوي عليكِ؟!

-لابد وأن وصلكِ أنباء بأن والده “عبد العزيز السوالمي” ابن عم أبي قد راجت تجارته منذ أعوام.

-وكان بإمكانه أن يشتري البلدة بأكملها في السنوات التي توقفت فيها الوحدة الزراعية عن إمداد الفلاحين بالبذور والسماد والمؤن بسبب ارتفاع سعر الدولار وعجز كثير من الحكومات عن توفيرها.

-ولكن عوضاً عن ذلك لم ينتهزها والده فرصة لتوسيع أملاكه بل على العكس أخذ يبذل قصارى جهده في مساعدة الفلاحين وأصحاب الأراضي.

-بل كان يمدهم بالأموال حتى بعد أن أصبح غير قادر على فعلها وبدأ وضعه المالي في الانهيار.

-“عبيدة السوالمي” هو ابن ذلك الرجل الشهم النبيل.

لم تستطع “سالي” إخفاء معالم الانبهار والإعجاب التي لاحت بعينها حتى وإن جاهدت لا إلا يظهر ذلك على وجهها، وإن كان ونجحت، فماذا عن عينيها التي يحفظ “غالب” تعبيراتهما عن ظهر قلب، فاستطرد يقول:

-لقد كان في إيران ضمن برنامج تبادل خبرات، كما قضى في استراليا ثلاثة أعوام يدرس أحدث وسائل الزراعة وطرقها الموفرة وكيفية إدارة المزارع وتوسيع نشاطها.

تأففت “سالي” بتململٍ، تقول:

-أجل تذكرت أنني استمعت عن هذا من أبي ذات مرة.

-من الجيد رؤية وجه “عبيدة” هذا، عندما يكتشف أن المهمة الموكلة إليه هي إدارة مزرعة لا تتعدى حيز الخمسمائة فدان.

قلب “غالب” عينيه بنزقٍ، وهو يقول باستنكار:

-يا الله “سالي”، أتهزئين؟! هذا بدلاً من أن تفكري كيف يمكنكِ الاستفادة من خبرات علَّامة كهذا!!

-تخيلي أنه يمكنكِ أن تتعلمي أشياءً وعلوماً جديدة في مجال دراستك أثناء تواجده هنا.

-لقد اشتهر “عبيدة” في هذا المجال وأثبت جدارة، حتى أن والده “عبد العزيز السوالمي” رجل الأعمال المعروف قظ قرر وبكل ثقة أن يتقاعد تاركاً زمام الأمور بيد ابنه “عبيدة” بما في ذلك الشركة الأم.

توقفت “سالي” عن السير تجابهه، قائلة بحنق:

-يا لا الغباء!! بدأت أشك في ذكاء “غالب”!

-ما تقصه الآن مدعاةً للخوف لا التفاؤل!

-هل يمكنك أن تتخيل كيف سيطو على أملاكنا رجلٌ متعجرفٌ كهذا، وبالطبع سيريد السيطرة على كافة المجريات بما أنه رجل عظيم ذو كبرياء ونفوذ.

-كل هذا بالنسبة لأي شخص عداي قد لا يهم، ولكن تذكر أنك تقف أمام فتاة ترفض أن تتلقى أوامر من رجل وخاصة إذا كان يدَّعي العلم، فلابد وأنه منافق وأفاق.

تبدلت معالم وجه “غالب” من الحماسة والأريحية إلى الضيق والحزن يزم شفتيه بسخطٍ إثر تباجحها بالحديث معه وإهانتها الصريحة له، لذا مد يده ساحباً لجام جواده الذي كان يتبعه عازماً على الرحيل، فلا فائدة من الجدال معها أو معاتبتها على ما قالت.

عنيدة، ويعلم ذلك ولكنها كانت المرة الأولى التي تخطأ فيها بحقه على هذا النحو، وأي نقاش سيدور بينهما الآن سينتهي نهايةً مزرية بكلماتٍ صارمة سيتأذى لها كليهما.

وعند البوابة الخاصة بمزرعة الحج “حسين” امتطى “غالب” حصانه، يقول بجفاءٍ دون أن يلتفت إليها:

-سأذهب إلى البئر لأخذ مضخة المياه المعطلة.

عضت “سالي” على شفتها بضيقٍ مما تفوهت به باندفاعٍ في لحظة غضب، فإذا ثار وعاتبها كان أفضل من أن ينسحب دون حديث.

وما يشعرها بالذنب هو شهامته ورجولته معها إذ أنها لم تقصده قط إلا وناصرها ولم ردها خائبة، وبالأخير لم يتلقى منها كلمة شكر بل زلف لسانها بكلماتٍ بلا معنى فما ذنبه هو بتحكمات إدارة البنك وتلك الإجراءات البيروقراطية العقيمة.

تبعته مطرقةً رأسها، وهي تقول بمناغشة:

-“غالب”!

تنهد “غالب” بحرقةٍ وحاول الالتزام بقواعد ضبط النفس مستحضرًا ثباته الانفعالي بعد سماع حروف اسمه من بين شفاهها الكرزية، يكافح للحفاظ على الوجه الخشبي الذي رسمه بمهارة على معالم وجهه، ولم يرد.

“سالي” معاودة النداء:

-“غالب”!!

٠تمتم “غالب” يقول بحنقٍ، ولم يصلها من حروف كلمته شيئاً :

-اللعنة على “غالب” واليوم الذي وُلِد به.

ومن ثم رفع صوته يقول بخشونة:

-نعم! أسمعكِ!

لو ظن أنها تبعته لتعتذر فهو واهم، بل قالت على عكس المتوقع:

-الكوب!

قطب “غالب” جبينه بعدم فهمٍ، متسائلاً:

-ما به؟!

“سالي” بسماجة:

-هل ستأخذه معك؟

قالتها وهي تؤشر بعينيها تجاه الكوب الذي لا زال ممسكاً به.

قرض “غالب” على أنيابه بغيظ وكاد أن يقظفها به في منتصف رأسها، وهو يعلم أن هذه طريقتها في الإعتذار.

ولكن أما من أمل لتغير نهجها معه؟
هذا ما سنعرفه في الحلقات القادمة إن شاء الله.

👇

الفصل ١٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top