رواية واحتسب عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل الرابع عشر

الرواية حصري ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

“نادين” بتململٍ:
-هل تقصدين أن أعده بالزواج مثلاً؟!

“نادين” بجدية:
-لِمَ لا؟! لمعلوماتكِ لقد تحدث معي عن رغبته في الزواج بكِ، وهذا يدل على جديته، لذا أنا احترمت صراحته كثيرًا، ووعدته بأن أفاتحكِ بالأمر.

“نوران” بصدمة :  – ماذا؟!

“نادين” بتأكيد:
-كما سمعتِ، وأنا لن أجد عريساً لكِ أفضل منه، لذا فكري جدياً بالأمر لقد طلبتُ منه مهلة لمشاورتكِ.

-ولن أخفي عليكِ إذ أعطيته موافقتي المبدأية.

“نوران” بانفعالٍ وعدم تصديق:
-لا أمي!! ما هذا الكلام السخيف؟!

-كيف يتثنى لكِ فعل هذا قبل الرجوع إليَّ على الأقل؟!

اعتدلت “نادين” بجلستها والتفت بجذعها لتقابلها، مردفة:

-حكمي عقلكِ “نوران”، “أيمن” فرصة لن تعوَّض!

“نادين” بجبينٍ مقتضب:

-أنا لا أصدقكِ!! أتطلبين مني التفكير بالزواج وأنا لا زلتُ في هذا السن؟!

-لا زال الوقت مبكراً على الحديث في أمرٍ كهذا، وكنتُ أتوقع أنكِ سترفضين طلبه حتى إذا كنتِ تثقين في موافقتي عليه كوني مغرمة به، ولكن في الواقع أنا لستُ كذلك، وعرضه هذا لم يلقى قبولاً بالنسبة لي.

لوت “نادين” ثغرها، قائلةً بتشدقٍ:
-عن أي وقتٍ تتحدثين؟! كنت أحملكِ على ذراعي وأنا في مثل عمركِ.

تمتمت “نوران” قائلة:
-لكل وقت آذان، فقد اختلفت الظروف، وليس الزواج هو كل ما يهم فتيات هذا العصر كما كان في السابق.

“نادين” بمهادنة:
-حسناً حبيبتي، لن أجادلكِ في هذا.

-ولكنني أشعر بالأسى حيال “أيمن”، قدِّري موقفه وموقفي.

زوت “نوران” ما بين حاجبيها، وهي تردد بعدم إدراك : – موقفكِ!!

“نادين” مضيفةً:
-أجل موقفي، فكل أُمّ تحلم بأن تزوج ابنتها إلى مَن هو ذا شأن.

-ومَن أرفع مكانة من الدكتور “أيمن” سليل الحسب والنسب لأحلم بأن أضمه إلى العائلة؟!

رفعت “نوران” رأسها إلى أعلى تجز على أنيابها بغيظٍ، وهي تقول بفحيحٍ:
-على أساس أني عاملة نظافة “ناندو”، أنا أيضاً طالبة بنفس الجامعة التي تخرج منها.

“نادين” بإلحاحٍ:
-أعلم ذلك، ولكنه يدرسكِ، على الأقل اعقدا خطبتكما، وسأشترط عليه أن يكون الزفاف بعد تخرجكِ من الجامعة.

” نوران” بحنقٍ:
-أااامي، هذا لن يحدث ولا تعطيه أملاً في ذلك.

“نادين” وهي تسند ظهرها إلى الخلف عاقدةً ذراعيها أمام صدرها، واضعةً ساقًا فوق الأخرى، تقول بهدوءٍ مميت:
-اعطيني سبباً واحدا مقنعاً، وأنا سأرفض الموضوع وأنسى الأمر برمته.

“نوران” بالتماس:
-افهميني “ناندو”، أنا أعتقد أن “أيمن” طيب المعشر، ولن أنكر أنني استلطفه أو كنتُ كذلك.

-ولكنني لن أتزوج كل مَن يروقني.

-مَن سأتزوجه لابد وأن أكون مغرمة به.

-أتعلمين؟ لقد أخبرني عما قريب أنه أُنْتُدِبَ في إعارةٍ إلى غرب آسيا لدراسة الأمراض المستوطنة هناك والحصول على شهادة الماچستير، وإذا….

قاطعتها “نادين” تقول بأعينٍ تنضح بالإنبهار:
-ما أنجب زوج ابنتي المنتظر!!

-لِمَ أشعر أن بعد “إذا” خاصتكِ، سيأتي الفرج؟

-اكملي فتح الله عليكِ.

“نوران” بتوجسٍ:
-إذا قرر قبول المنحة والسفر إلى هناك ساصطحبه إلى المطار وأودعه بكل طيب خاطر، فليس لدي مشكلة في العيش بدونه.

“نادين” بثورة:
-ماذا تقولين أيتها الحمقاء؟! إذا تخليتِ عنه سترتكبين خطأ فادح وبذلك ستضيعين عليكِ فرصة لن تتكرر.

تمهلت “نادين” ومن ثم استكملت بهدوءٍ؛ فهي تعلم أن الشدة لن تجني ثمارها مع عنيدة گ “نوران”، لذا أردفت تقول:
-أعلم أن فتاتي ذكية، وأنا على يقينٍ تام بأنكِ ستفكرين ملياً بالأمر، فلا يمكن أن يكون هذا جوابكِ النهائي.

قالت “نوران” بعنادٍ:
-لا أمي.. لا مجال للتفكير في شيء كهذا بالوقت الحالي، فكل ما يشغل فكري أن أتم شهادتي الجامعية، وبعدها أصنع لنفسي مكانة في عالم الطب، هذا هو طموحي وما أحلم به.

رفعت “نادين” كلا راحتيها إلى السماء، تناجي ربها، ومن ثم قالت بعصبيةٍ:
-ارحمني يا الله، لقد جُنْت ابنتي على الأخير.

ومن ثم خفضت يديها موجهةً بصرها إلى “نوران” تقول بمهادنةٍ:
-لكن لماذا “نوران”؟! لم اختلفت فتيات اليوم عن فتيات الأمس كثيراً؟!

-عما قريب كان أقصى طموح الفتاة أن تجد رجلًا يحبها، ويتزوجا ويعيشا معاً هما وأبنائهما في سعادة.

-لِم التشديد والحسابات الفكرية؟ فبالأخير ستتزوجين وستكون مهامكِ الأساسية هي رعاية أبناءكِ وزوجكِ.

-وهنا لا أعني أن تتخلين عن أحلامكِ ودراستكِ، ولكن بحسبة عقلية بسيطة ستعلمين أنه يجب عليكِ الموازنة بين حياتكِ العلمية والمهنية وما بين حياتكِ الاجتماعية.

-اهتمامكِ بأي منهما على حساب الأخرى قد يلحق بكِ الضرر.

-فإذا انخرطتي بالأولى فوَّتي على حالكِ متعة الاستقرار والحياة الأسرية المستقلة، وما أروع أن تُكوِّني عائلة وتنجبي أبناءً تنعمي بدفئهم!

-وإذا أوليتي كامل اهتمامكِ للثانية، فبذلك تكوني قد طمستِ هويتكِ.

-حبيبتي أنكِ بلا شك أجمل فتاة بين رفيقاتكِ وبالرغم من هذا فلا علاقات لديكِ، صديقاتكِ يُعدون على أصابع اليد الواحدة ولن تتمها عدداً.

-وبالنسبة لعلاقتكِ بالجنس الآخر فلا شيء يذكر، هذا لأنكِ منطوية على نفسكِ.

-أراهن أنكِ لم تعطي أي مساحة ل “أيمن” كي يعبر لكِ عن مشاعره نحوكِ؛ لذا لجأ إلى محادثتي بدلاً من أن يفاتحكِ بالأمر أولاً.

“نادين” بمعارضةً:
-لا تبالغي “ناندو”.

-لقد لمح لي أكثر من مرة، وصدقيني حاولت أن أتقرب إليه وأن أبادله مشاعره، ولكن الأمر لم يفلح؛ فتوقفت علاقتنا بأول مراحلها وهي التلميحات والإيحاءات.

“نادين” بتسائلٍ:
-لِمَ “نوران”؟!

-هل تشعرين بشيءٍ ما تجاه شخص آخر؟

-صارحيني بُنيتي، هل تحبين غيره؟

لا تعلم” نوران” لِمَ طفق إلى مخيلتها صورة أحدهم، ولكن كيف وما له داخلها أبعد ما يكون عن الحب!!

إنه كرهٌ بيين، بل إنها لم تشعر يوماً بهذا الكم من المقت تجاه أحداً أياً مَن كان، ولكنها كرست كل إحساس بالضغينة قد يُولد بداخلها لتخص بها اسمه إنه “عمران السوالمي”.

اجتستها “نادين” من بين أفكارها العدائية لشخص لم يؤذها ولو بكلمة، وهي تعقب على حالة الشرود التي تلبستها، قائلة:
-ما دمتِ قد شردتي هكذا، فلا بد وأن هناك من دق له قلبكِ، مَن هو؟

“نوران” بتلبكٍ:
-لا أمي.. لا يوجد شيء من هذا القبيل، كل ما في الأمر أنني بدأت أمِل من الحديث في موضوع “أيمن”.

-انصتي إذا سمحتِ كي ننتهي من هذه الواصلة.

-لن أنكر أنني معجبة ب “أيمن”، وكما قلتُ لكِ هناك استلطاف من قِبَلي لشخصه، فهو ذو فكرٍ متقدٍ حماسي، كما أنه ذكي وذو حس فكاهي زاخر.

-ولكن هناك فرقٌ بين شخصاً قد أعجبتُ به وآخراً أحبه، و”أيمن” لا مشاعر قوية له بقلبي.

-أريد حينما أنوي الارتباط أن أشعر بتلك الأحاسيس التي قرأت عنها في رواياتي، ريثما أراه تقرع بنابضي الطبول وتتلألأ في سماء عينيه صورتي فأرى نفسي به.

-الحب مكمنه القلب لا العقل أمي، لو حسبناها بالورقة والقلم ف”أيمن” هو أنسب شخص.

-ولكنني لن أخفي عليكِ، فأنا أريد أن أشعر بارتجافة الحب الكبير التي ستزلزل كل الثوابت وتذيب جمود قلبي.

-وحتى حالما يحدث ذلك أخشى أن أكُن على قدرٍ عالٍ من الغباء فأفقده، لأنني ببساطة لا أصلح لهكذا أمور.

-بالمختصر أخاف أن ينجرح قلبي أو أعطي اهتماماً وحباً للشخص الخطأ.

“نادين” بمؤازرة:
-لِم كل هذا التردد والتفكير؟! الحب أبسط من ذلك، اتركي مشاعركِ على سجيتها وحتى وإن لم توفَّقي لمرةٍ، ماذا بها!!

-الجراح تندمل، وحتماً سيأتي مَن سيصلح ما أفسده الآخرون.

-من حسن حظي أنني لم أكن متخوفةً مثلكِ، جرحت وجُرِحت ولكن قلبي لا زال نابضاً حتى الآن.

-جراح الهوى لا تُميت القلب حبيبتي، بل تجعلنا نتمسك بمن يستحق عندما يضعه القدر في طريقنا، ما دامت مشاعركِ نقية ولم تُغضبي ربكِ فلا مانع من أن يقوم القلب بوظائفه.

“نوران” بتيهٍ:
-ليتني مثلكِ يا أمي، فلطالما شعرتُ بأنكِ امرأة قوية وهذا بالرغم من رقتكِ، قادرة على الصمود في وجه أي شعورٍ بالألم مهما عَظُم.

ابتسمت “نادين”، مردفةً:
-لا تقولي “ألم” يا حلوتي، نحن النساء نمِل العذاب.

بادلتها “نوران” الابتسامة وهي تقول:
-انظروا مَن تتحدث؟!

-وإذا كنا نمِل العذاب وأنتِ أجملنا، لِم لَم تتوقفي عن منح قلبكِ لكل مَن طرق بابه؟!

-إنكِ تمزحين دون شك.

هزت “نادين” رأسها، تقول بنفي:
-لا أمزح إطلاقاً، لو أن الحب عذاباً ما بقت إحدانا على قيد الحياة.

-إنها لعبة ونحن مَن نمسك بزمامها ونضع القوانين، وبإمكان أي واحدة فينا أن تجد الرجل المناسب الذي يمكنها أن تحبه وتتأقلم معه عندما ترغب في ذلك.

“نوران” بأعين متسعة ذهولاً:
-هذا غير معقول.

قالتها “نوران” وهي تستحضر مشاهداً بالذاكرة إلى حياة والدتها الصاخبة المليئة بالتجارب الفاشلة وكل واحدة منها لابد وأن تركت بداخل أمها وصمة وَشَمتها بالألم وما بها الآن ليس إلا حلاوة روح، كمَن ينازع سكرات الموت بالرمق الأخير، ولِم لا؟!

إذا كانت “نوران” نفسها قد فقدت الثقة بالجنس الآخر عندما عايشت ما مرت به “نادين” ومحاكاتها للخزلان الذي تعرضت له من كل ذكر اقتحم حياتها، وذلك بعد أن أقسم لها كل زوج ارتبط اسمها به بأنه سيجعلها تشعر وگأنه الأول والأخير.

وبالنهاية تنفذ الوعود ويختتم العرض بمشهدٍ مأساوي.

استكملت “نوران” مضيفةً:
-أشك في أنني قد أرغب في تطبيق نظريتكِ هذه.

-ولا أعتقد أن قلبي يود خوض هذه المعركة.

أجابتها “نادين” بأسى:
-أعرف هذا، قلبكِ رقيق لا يحتمل المواجع، ولا أعلم كيف أُقنعكِ بغير ذلك ما دام عقلكِ يطبق الفروض الاحتمالات.

-قد ينفعكِ هذا في دراستكِ، أما معركة الحب كما أسميتها تحتاج إلى قلبٍ جسور.

-أود أن أقترح عليكِ اقتراحًا، ووازنيه أولًا قبل أن تيبسي رأسكِ.

ناظرتها “نوران” بتمعن، تقول : – ما هو؟!

“نادين” باستفاضة:
-ما رأيكِ في دعوة “أيمن” إلى المزرعة؟

-لا أعتقد أن “عمران” سيمانع.

-فابتسامة رضا منكِ كفيلة بأن تجعل “عمران” كالدمية المطيعة بين يديكِ.

ابتسامة تهكمية ساخرة علت ثغر “نوران”، وهي تعقب هازئةً:
-أتعلمين؟ إنني متشوقة لجعله هكذا ولكن هيهات.

رمقتها “نادين” بشكٍ، وهي تتسائل:
-ولِمَ التوق؟!

“نوران” بِشرٍ:
-سيكون ذلك أعظم انتصاراتي على هذا القميء “عمران”.

-فإنجاز كهذا يحسب لي كَوْن “عمران” ليس مجرد طفل صغير گ “أيمن”.

“نادين” بدهشة:
-الفرق بينهما ليس كبيراً إلى هذا الحد، ف “عمران” لا يكبر “أيمن” إلا بسبع أو ثمان سنوات كأقصى تقدير.

“نادين” باستفاضة:
-العمر ليس مقياساً للنضج “ناندو” ولا حتى المستوى العلمي.

-وعلى عكس كل الفرضيات ف”عمران” أكثر نضجًا.

-إنه يلتزم بدور المراقب الناقد الذي يضع الجميع تحت الملاحظة، ينظر إلينا نحن النساء من بعيد دون أن يورط حاله في علاقة عاطفية متهورة.

-إنه محنكٌ حاد الذكاء، إنسان فريد من نوعه.

-حتماً يحب الترفيه عن نفسه بالاسترسال في علاقاتٍ عابرة لفترة قصيرة، ولكنه لا يمنح قلبه بسهولة.

-إنه يبتسم إليهن بإزدراء ورمادتيتيه البراقتين تودع كل مَن وقعت بشباكه بنظراتٍ باردة لا ندم بهما ولا ألم.

حدقت “نادين” بها في دهشةٍ ارتسمت معالمها على وجهها بوضوح، وهي تقول:
-على ما يبدو أنك تعرفين عن “عمران” ما لا يعرفه هو عن نفسه، أليس كذلك؟!

تمهلت “نادين” ومن ثم أضافت بعد أن لاحظت ارتباك ابنتها:
-لم أكُن أشغل بالاً لما كان يدور في الماضي، أعني أنه فرضت استحالة إلحاق ما كان يجري سابقاً بلفظة اهتمام متبادل بين رجل وامرأة.

-ولكنكِ الأن شابة يافعة، فقد كبرتِ بالفعل.

-وعلى ما أظن أن ما أقوله الآن سيبدو دربًا من دروب الجنون ولكنني أعتقد أنكِ مغرمةٌ ب “عمران” كل هذه السنوات وترقبينه عن كثب.

هبت “نوران” تنتفض من جلستها كمَن لدغها عقرب، تقول بغضبٍ جم:
-ماذا تقولين؟! هل فقدتِ صوابك؟!

ترى هل ستنفذ “نوران” اقتراح “نادين” بأن تصطحب “أيمن” إلى عرين الأسد؟

وماذا سيكون رد فعل “عمران” حيال ذلك؟

👇

الفصل ١٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top