“نادين” بإقرارٍ:
-أعتقد أنكِ مغرمةٌ ب “عمران” كل هذه السنوات، وترقبينه عن كثبٍ.
هبت “نوران” تنتفض من جلستها كمَن لدغها عقرب، تقول بغضبٍ جم:
-ماذا تقولين؟! هل فقدتِ صوابك؟!
هزت “نادين” كتفها، تقول بعدم تأكدٍ:
-وما دخلي أنا!! فحديثكِ عنه يوحي بذلك.
شدت “نوران” على خصلات شعرها بغيظٍ، تقول باستشاطة:
-يا الله “ناندو”!! كُفي عن مضايقتي.. مَن “عمران” هذا لأقع في غرامه؟!
-كيف وهو كان يحملني على ذراعيه وأنا صغيرة؟!
-هذا الهراء لا تتفوهي به مرة أخرى، أسمعتي؟!
واجهتها “نادين” مضيقةً عينيها، تقول بمشاكسةٍ:
-انظري لنفسكِ وبعدها كابري، ها قد بدأتْ مخارجكِ تنفث ناراً، واتقدت لديكِ غريزة الغضب، وما من أحد قادرٌ على وضعكِ في هكذا مزاج سوى “عمران”، هذا إذا لم يلفت نظركِ ذلك من قبل.
-كما أنكِ تتحدثين عنه وكأنه عجوزٌ هرم!!
-لا صغيرتي، “عمران” لا زال شابًا وسيمًا وجذاب، ولو أنه تودد إليكِ لكنتِ استمعتِ إلى قلبكِ يعلن نوبات الجنون والصخب بل لرأيتِ النجوم في منتصف سماء الظهيرة.
“نوران” بنوبة غضبٍ مستعرة، تقول:
-“ناااندو”!! إلى هنا وكفى، بجميع الأحوال لا يمكنه التودد إليَّ ولا مضايقة أياً منا، لن أسمح له بذلك.
قالت “نوران” آخر ما قالته وقد زحفت الحمرة إلى خديها وعينيها الزرقاوين تومضا بشراراتٍ عاصفة أضفت إلى حُسنها حُسناً وزادت من جمالها وجاذبيتها.
هيئة “نوران” الساحرة قد ذكرت “نادين” بوالد ابنتها، فأغمضت عينيها لتحتفظ بهذه اللقطة القاطعة للأنفاس في مخيلتها، فبالرغم من خيانته لها ولكن قلبها قد وقع له يومًا بسبب سحر هذه الطلة.
أفرجت “نادين” عن أهدابها، فرأت أن “نوران” لا زالت ثائرة تتلبسها شياطين الإنس والجن، لذا أضافت لتشعل الرماد، قائلة:
-أنا على يقين أن “ليلى” قادرة على قلب الموازين، وفرض نفسها عليه وهذا ليس عسيراً عليها.
جاهدت “نوران”، وهي تحاول إخفاء مشاعرها:
-أتمنى لها التوفيق من كل قلبي.
ردت “نادين” بخبثٍ:
-أعتقد أنها ستُوفَّق، فهي فتاةٌ ذكية وجميلة.
ظهر الاحباط على معالم وجه “نوران” بعد أن فشلت في إخفاء ردة فعلها إثر ما تفوهت به والدتها عن “ليلى” وما هي قادرة على فعله، فتمتمت تقول:
-حقًا!! إنها ستبذل مجهود مُضني غير مضمون النتائج مع شخصٍ مبهمٍ عنجهي گ “عمران”.
-كم أود أن أخبرها أنه من غير المجدي الاقتراب من هذا البغيض.
“نادين” مضيفة لإغاظتها:
-ستفعل وسترين.
-دعينا من هذا ما دامتْ وجهة نظركِ حيال “عمران” لن تتغيير، علينا أن ندعو “أيمن”.
-فسيكون وليفاً ذا طيب معشرٍ، وسيهتم بنا كثيراً، فلباقته وحُسن تعامله يجعلني أشعر وكأني لا زلتُ صبية صغيرة.
-دبلوماسي من الدرجة الأولى!!
“نوران” بتدليل:
-ستظلين فتاتي الصغيرة المراهقة، وأمي التي أحبها.
“نادين” بابتهاج:
-شكراً لك حبيبتي، كم أنا محظوظة بكِ “نوران”!
اختمرت فكرة الدعوة في رأس “نادين”؛ لذا أردفت تقول:
-علينا إطلاع “عمران” بشأن دعوتنا ل “أيمن” حتى لا نحرجه.
“نادين” معقبة:
-يا لكِ من ساذجة!
-بالطبع لن يمانع، فبيته الأشبه بالقصور يتسع لجيشٍ بأكمله.
-كما أنني تحدثت مع “عمران” عن “أيمن”.
قبضت يمين” نوران” تلقائياً على يسار أمها، تقول متسائلةً:
-“ناندو” حبيبتي التي لا تحفظ سرًا، ماذا قلتِ ل “عمران”؟!
-فلا شيء من الأساس لتطلعيه عليه!!
نفضت “نادين” يد ابنتها بلين، وهي تقول:
-أحقاً لا يوجد شيء لأقوله؟!
-أليس تقدمه لطلب يدكِ أمرٌ هام لابد وأن أخبر به ذوينا ورجال عائلتنا؟!
-أم أتعتقدين أن والدكِ الذي هاجر البلاد له ثلاث سنوات،
ويحدثكِ بين الحين والآخر على فتراتٍ متباعدة وقد يمر على كل مكالمة أكثر من شهر لحين معاودة الكرة سيقطع سفرته ليأتي لمقابلته والتحدث في الأمر؟
“نوران” بامتعاض:
-لِم تأخذين عرض “أيمن” على هذا النحو من المصيرية؟
“نادين” بحاجبٍ مرفوعٍ بدهشة:
-كم أنتِ قاسية!!
-عندما فاتحني “أيمن” بخصوصكِ، وانخرط يصف مشاعر الحب التي يحسها نحوكِ كادت الدموع أن تفر من مقلتي.
-لقد طلبكِ للزواج بإلحاحٍ، وهو في غاية الجدية.
-وعندما يكون الطلب من شخص عملي ذو طموح گ” أيمن” فلا مجال للتردد من قِبَله، مما يعني أنه فكر مليًا بالموضوع، وعرضه ليس شيئاً عرضياً وليد رغبةٍ ستنجلي بمرور الوقت.
تمهلت “نادين”، ومن ثم أضافت:
-وليتني لم أفعل، فعلى ما يبدو أن كل مخططاتي قد أنهارت.
“نوران”، وقد بدا الأمر أكثر تسلية عن ذي قبل، وبات معرفة رأي “عمران” عن عرض الزواج هذا أمراً ضرورياً بالنسبة إليها، لذا تسائلت:
-حسنًا، وهل سردتِ القصة كاملة على “عمران”؟ وماذا كان جوابه؟
“نادين” بنفي:
-بالطبع ليس كل ما حدث، فأنا لستُ حمقاء إلى هذا الحد.
-بالرغم من أن “عمران” أراد معرفة كل شيء عن حيثيات الموضوع، ولكن هناك ما شتت انتباه عن التساؤل والمطالبة بالمزيد من المعلومات.
“نوران” بتخبط:
-وما العائق الذي قطع سيل تساؤلاته؟!
“نادين” بابتسامة خبيرة:
-لقد شغله مخططات العروس.
“نوران” بعدم استدراك : – ماذا تعني “ناندو”؟!
“نادين” بإيضاح:
-أعني أن أسئلته تمحورت عنكِ، گ ماذا جوابكِ أنتِ على عرض “أيمن”، وهل هناك مشاعر متبادلة بينكما، وهل تتقابلان، وأشياء من هذا القبيل.
“نوران” بحماسة : – ثُم؟
“نادين” مستكملة:
-وعندما أخبرته أن لا علم لكِ من الأساس بالعرض الخاص بالعريس تطرق إلى أشياء أخرى.
” نوران” بنزق:
-ما بكِ “ناندو”؟! هل تقطريني بالحديث؟!
“نادين” بملاوعةٍ:
-هلا أخبرتني ما الذي تريدين معرفته تحديداً؟!
زفرت “نوران” بضيق، تقول:
-أريد معرفة كل شيء دار بينكما عن هذا الموضوع من أول كلمة حتى آخر حرف.
راقصت “نادين” حاجبيها، مردفة : – لِمَ؟
“نوران” بضجرٍ : – “ناااندو”!!
” نادين” بتراجعٍ:
-اسمعي يا قليلة الصبر.
-عندما لم أوفه بإجابات مُرضية حول مدى استجابتكِ لعرض “أيمن”، بدأ يستفسر عن مواصفاته كشكله مع المطالبة بوصفٍ دقيقٍ ومفصل وكأنه متقدم للزواج به لا أنتِ.
ابتسمت “نوران” على التعقيب الأخير ل “نادين” التي أضافت:
-وبعدها أخذ يسأل عن سنه، مستواه المادي والعلمي، عائلته.
-ولم يكتفي بل تمادت تطالعاته لمعرفة طباعه وخصاله.
“نوران” وقد بلغ الفضول منتهاه:
-وعما أسفرت نتائج التحريات؟
“نادين” لاوية ثغرها:
-كانت النتائج مزرية؛ فلم يكن جوابه مديحًا.
“نوران” بشيء من الثقة:
-هذا ما توقعته، فلا أعتقد أنه سيفرح عند إخباره بشيءٍ كهذا.
“نادين” باستفهام:
-وما الذي جعلكِ توقعين عدم تقبله؟!
” نوران” بتلبكٍ:
-لا شيء محدد، فهذا رد فعل طبيعي لشخصٍ سوداوي رافضًا للارتباط گقريبك “عمران”.
“نادين” بتفسيرٍ:
-لم يكن الأمر متعلقاً بقبول أو رفض فكرة ارتباطكِ به.
-بل كان تحفظه كونه يعتقد بأنكِ بحاجةٍ إلى رجلٍ قوي الشخصية ذا شكيمة وإرادة.
مال رأس “نوران” إلى جانب واحد وكأنها تقييم ما قالته والدتها، ومن ثم عقبت:
-وجهة نظر تحترم، فعلى ما أعتقد أن” أيمن” يفتقر إلى تلك المواصفات، ومَن ستقرر الارتباط ب “أيمن” عليها أن تعرف أنها ستكون الطرف الأقوى في العلاقة.
-فهو شخصية مسالمة، يتفادى المشاكل، يحب العيش في سلامٍ مفضلاً الحلول التقليدية لكل مشاكله.
“نادين” بتعجبٍ:
-هذا ما جعلني أظن أنك ستقبلين عرضه فور أن أخبركِ به، أو ليس هذا ما ترغبين به؟!
-دومًا ما كنت تتحدثين عن كونكِ حينما تقررين الارتباط لن تُقْدِمي على فعلها إلا إذا كان الثنائي خاصتكِ مسالم.
-وأتذكر جيداً أنكِ ذكرتِ لفظة عديم الشخصية؛ كي تسيطرين دون معارضة.
زوت “نوران” ما بين حاجبيها تتصنع التفكير، ومن ثم أردفت تقول بمراوغةٍ:
-أنا لا أتذكر شيئاً من ذلك، وحتى وإن حدث فقطعًا كان قبل أن……
بترت “نوران” عبارتها بعد أن تنبهت على حالها، إذ كادت أن تقع بلسانها في المحظور، لذا قررت التهرب كعادتها، فأضافت:
-ليتنا نغيير هذا الموضوع.
“نادين” بسلاسةٍ:
-بما أنكِ تُجهدين حالكِ في الدراسة، وقد اجتزتِ اختباراتكِ العملية بنجاحٍ وكل ما تبقى هو الفحص النظري وهذا بالنسبة إليكِ شيء لا يذكر فتاتي النجيبة.
-ما رأيكِ أن ندلل نفسنا قليلاً؟ فعلى ما أعتقد أننا بحاجة إلى شراء ثياب جديدة، دعينا نذهب غداً للتسوق فأنتِ تستحقين مكافأة.
-كما يجب أن أكون مستعدة لعطلة كتلك، فأني متشوقة إلى سفرنا إلى هناك، ولكنكِ بالطبع غير مكترثة للفكرة.
“نوران” بإدعاء:
-يمكنك القول أن اهتمامي بالموضوع صفر على الشمال بالنسبة لحماستكِ “ناندو”.
-ولكن ماذا عن تكلفة التسوق بعد ما ذكرته عن تجميد حسابكِ؟!
“نادين” بامتعاض وتمويه:
-ظننتكِ متشوقةً للذهاب إلى هناك، فأنتِ تحبين امتطاء الجياد وتتسابقين بها كالريح مع توأمك “سالي”، ولا أظن أن “عمران” لن يمانع في إعارتكِ إحدى أحصنته العربية.
-وأقل شيء يمكنكِ أن تقدميه له هو شكره على ذلك.
هزت “نوران” كتفيها، تقول بفتورٍ:
-لا أعتقد أنها فكرة جيدة، ففي آخر مرة ذهبتُ فيها إلى المزرعة، نهرني عندما فعلت ذلك وگأنه يلومني على مهارتي في الفروسية.
“نادين” بالتماس:
-لا “نوران” الأمر ليس هكذا، لقد رأيتُ الخوف في أعين “عمران” الذي يخشاه الخوف ذاته.
-لقد كدتِ أن تقعي من على صهوة الفرس الذي رمح بكِ أعلى الربوة بعد أن فقدتِ السيطرة عليه، وكان عمران قد حذركِ من اعتلاء هذا الفرس تحديداً.
“نوران” بحنقٍ:
-الأمر لا يتعلق بخوفه عليَّ، بل “عمران” شخص لا يتقبل العصيان والمعاندة.
“نادين” بمجابهة:
-لا تنكري “نوران”، لقد أخطأتي حينها وكان عليكِ إعارة الانتباه لتحذيره، كدتِ أن تفقدي حياتكِ وتحرقي قلبي عليكِ.
“نوران” بإحقاقٍ:
-في هذا لا يمكنني المزايدة، أعرف أنني أخطأت، وأعتقد بعد أن تلبسني الغرور أنني قادرة على ترويض ذلك الفرس، وكانت النتيجة الفشل الزريع.
“نادين” بتفسيرٍ:
-“عمران” الوحيد القادر على ثبر جموح هذا الفرس العنيد، إنه حصانٌ لا يقبل إلا بِسيدٍ واحد.
-والجميع على علم بذلك، لهذا أرجوكِ ألا تفعليها مجدداً، فقد أوشكتُ على الإصابة بنوبة قلبية، ولم أرى “عمران” في غاية القلق والاضطراب هكذا من قبل.
“نوران” بتململٍ:
-ثلاث سنوات مرت على هذه الحادثة وأنت لا تنفكي تذكريني بها.
-بالطبع لم أكن مستمتعة حينها وأنا على وشك الوقوع عن ظهر الجواد وأسفلي منحدر يرتفع عن الأرض بخمسين متراً على أقل تقدير.
-فإذا لم تنل مني حوافر الفرس، فلم أكن لأنجو إذا تدحرجت من هذا الارتفاع الشاهق.
“نادين” بإطراءٍ:
-يا لكِ من شجاعة!! لمجرد أن أفكر أنني في مثل هذا الموقف أكاد أن أفقد وعيي.
“نوران” بزمجرةٍ احتجاجية:
-على النقيض، فقد كانت الواقعة في نظر “عمران” بمثابة إقدامي على الانتحار وظل يؤنبني كثيراً.
“نادين” بعرفان:
-على كلانا أن نكونا ممتنتان له كونه أنقذكِ، فهو دوماً حارسكِ، وتلك لم تكن أول مرة يجنبكِ فيها خطرًا محتمًا.
“نوران” بتيهٍ:
-هذا أكثر ما يحيرني به!!
“نادين” بتعقيبٍ:
-لا أخالفكِ الرأي فهو غامض بالفعل.
-ولكنكِ فتاة واعية ومدركة ويمكنكِ تطويعه، فبالرغم من قوة شخصيته إلا أنه يمكن أن يكون لطيفاً جداً إذا كان يتعامل بأريحية دون ضغوطٍ أو عناد.
“نوران” بجدالٍ:
-لا أمي، من الصعب ترويض شخصٍ گ “عمران”، كبرياءه اللعين يثير غضبي، وأشكُ أن الأمور بينا قد تنصلح.
شردت “نادين” لبرهة، ومن ثم أردفت تقول:
-أنا أظن أن “عمران” يشعر بالاضطراب في حضرتكِ.
-وحتى في سؤاله عنكِ يكون متوجساً.
-وبالرغم من شغفه برفقتكِ في الماضي، إلا أن كلاكما كلما اجتمعتا تثوران في وجه بعضكما كلما تفوه أحدكما في وجود الآخر ولا تستصيغان لبعضكما كلمة.
-حالة غريبة تتلبس كلاكما وبدأت أتحير بشأنكما!!
“نوران” معاودة استفسرها:
-الأكثر غرابة، أنه دعاني أنا ومَن أرغب في صحبته إلى بيته، هل أنتِ متأكدة من ذلك “ناندو”؟
-هل قالها صريحة أم أنكِ تُجَوِّدين؟
-فآخر شخصٍ بالعالم أود أن أفرض نفسي عليه هو “عمران السوالمي”.
“نادين” بتأكيدٍ:
-أيمكنكِ أن تريحي أعصابكِ قليلاً؟! وترتيني يا فتاة.
-ولعلمكِ لقد ألح “عمران” في ضرورة مجيئكِ ولكن بأسلوبه الوقور وأنتِ لا زلتِ تشككين في مصداقية دعوته.
-العلاقة بينكما أشبه بعلاقة القط والفأر ولكنني أقسم أنه يُكِن لكِ شيئاً ما، ثقي بكلامي.
بالرغم بما عقبت به “نادين” إلا أن ملامح “نوران” ظلت عابسة كما هي تعكس مشاعر عداء لا لين بها، وقد علت وجنتيها حمرة شفافة زادتها جاذبية.
احتارت تلك الصغيرة لما يختلجها الآن من مشاعر متضاربة وانتابها إحساساً مثير،؛ فها هو “عمران” على بُعد العديد من الكيلو مترات ولكن فكرة لقاءه القريب بعث بداخلها الشعور بالدفء.
كيانها مزلزلٌ، فالأحاسيس البريئة التي كانت تُكِنها له بالماضي قد تلاشت وأصبحت سراباً، وحل محلها أشياء خرى تُخيفها.
كل ما تذكره بعد آخر لقاء بينهما حينما جذبها إليه من على صهوة فرسها ليحاوطها بذراعيه القويتان أمامه على الجواد خاصته يجعل كل ذرة بها ترتجف وفراشات تتراقص أسفل معدتها على وقع ومضات سحرية ولَّت وكانت بين طيات الماضي، ولكنها تشعر بها وكأنما تلك الواقعة كانت بالأمس.
لن تنكر “نوران” أن قرية “السوالمي” من أكثر البقاع جاذبية حيث تجمع أعراف وأصول عشيرة تدل على الوحدة والروابط القوية بين قاطنيها.
تلك المناظر الطبيعية الخلابة محفورة بذاكرتها من براري ووديان وأراضٍ مفعمةٍ بالخيرات، الفصول المتقلبة التي تُحيل الخضار إلى سوادٍ بلون ماء النيل عندما يستعد أهلها إلى معاودة نثر النماء بتربتها لتطرح جنان مثمرة.
عنيفةٌ لمة عشيرتها حول الحق ما إذا احتاج أحدهم إلى العون، شامخةٌ جباه رجالها في موجهة الظلم، وقائدهم الجسور “عمران” كأحد أباطرة العصور القديمة.
خطورة العبث معهم كإلقاء حالك أمام قطارٍ سريعٍ لا يلتزم بمحطات، ولكن الأكثر خطورة هو هيئته التي حُفرت بمخيلتها وگأنه يتحداها من أن تعانده أو تنبذه.
قوي ومتسلط وقادر على تحويلها لأي مزاج يريده بكل سهولةٍ ويُسر، شخصيته الفريدة تفوق التصور وگأنه آخر سلالة الفراعنة لا السوالمية.
فكرة أنها وافقت على مرافقة والدتها إلى هناك گمن يُحدق بالخطر المُقبل عليه ولكن مع هذا تفتح ذراعيها إليه مستقبلةً إياه بابتسامة بلهاء، ومع ذلك فقوة تلك الأحاسيس العاصفة لا تستطيع أن تفضي بها إلى أحد، وهل هناك من الأساس كلمات تصف ما بها؟!
كل لمحة كانت تقضيها بقربه وخاصة بفترة مراهقتها كانت زاخرةً بالمشاعر التي لم يكن لها مسمى حينها ولكن الآن بات المسمى بازغاً لا يمكن تجاهله أو إنكاره.
ارتسمت ابتسامة مفعمة بالشوق على ثغر “نوران”؛ وقد تراءى أمام ناظريها وجهه ذو التقسيمات الصارمة، ولكن بعينيه دعوة عذبة للقاء لن تندثر وقائعه مهما طال بها العمر.
فهل ستلبي الدعوة؟
ممنوع النسخ منعاً للمسائلة
#رواية_واحتسب_عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة
👇