متى تخضعين لقلبى
الفصل التاسع والعشرون ..
جلست حياة فوق الفراش مستنده بقدميها على الارضيه الخشبيه للغرفه ومتمدده بنصفها العلوى فوقه مغمضه العينين تحاول التغلب على ذلك الشعور المستمر بالغثيان الذى يراودها منذ الصباح ، زفرت بضيق ووضعت كفها فوق معدتها لتدفئتها فالطالما كانت معدتها حساسه من البرد ويبدو انها اهملت ملابسها فى الايام الماضيه ، هذا ما فكرت به مبرره وهنها المفاجئ ، انتهى فريد من اغتساله وخرج إلى الغرفه فوجدها ممده بذلك الشكل العجيب مغمضه العينين ، اقترب منها بهدوء واتكأ بجذعه فوق الفراش مستنداً على مرفقه الأيمن يتفحصها ثم هتف اسمها بقلق :
-حياة ..
فتحت عينيها تنظر بداخل عسليته القريبتين منها وهى تبتسم له ابتسامه ضعيفه فأردف يسألها مستفسراً :
-فى حاجه ؟!..
هزت رأسها له نافيه وابتسامتها تزداد اتساعاً لطمأنته فليس هناك داع لإخباره فدائما ما كانت تعانى وخصوصاً فى فصل الشتاء من الآلام معدتها بسبب اهمالها المعتاد ، رفعت كفها تتمسك بكفه ثم عادت ووضعتها فوق معدتها بهدوء تتلمس منه الدفء ، بدءت أصابعه تمسد معدتها ومقدمه بطنها برفق ظناً منه انه بدايه الالامها المعتاده ثم قال بهدوء ولهجه حاسمه رغم دفئها :
-حياة خليكى النهارده بلاش تنزلى معايا ..
سألته بأستنكار يحمل فى طياته بوادر الاعتراض :
-ليه فى حاجه حصلت !!!..
اجابها بتمهل نافياً :
-لا مفيش حاجه .. بس انتى شكلك مرهق من اليومين اللى فاتوا .. فخدى النهارده اجازه ..
اجابته معترضه بنبره رقيقه :
-طب مانت كمان كنت تعبان معايا اليومين اللى فاتوا .. هنزل معاك او نقعد سوا ..
اجابها وهو يقترب منها :
-خليكى وانا مش هتأخر لازم اروح الشركه اخلص حاجه وهرجع على طول ..
كانت تعلم جيداً لماذ يصر على ذهابه لذلك هتفت اسمه بتأهب ولكنه خرج بنبره مغريه هامسه بسبب أصابعه التى تداعب معدتها :
-فريييد ..
توقفت يده عن الحركه وتجمدت نظرته فوق شفتيها ثم أمرها بنبره هامسه وهو يحرك جسده ليقترب بوجهه منها :
-قولى تانى ..
سألته بعدم فهم وهى ترى عينيه تتحول للون الداكن من اثر مشاعره :
-اقول ايه ؟!..
اجابها هامساً وشفتيه تتلمس صدغها برقه :
-اسمى ..
هتفت اسمه مره اخرى بصوت ناعم بسبب انفاسه الحاره التى تلفح وجهها وأصابعه التى عادت تداعب بشرتها :
-فريد ..
لثم شفتيها مطولاً بنعومه ثم حررها ببطء قائلاً بصوته الاجش :
-تانى ..
عضت فوق شفتيها بخجل قبل امتثالها لطلبه للمره الثانيه هاتفه بنبره اكثر همساً :
-فرييييد ..
تنهد بحراره ثم عاد لتقبيل شفتيها بنفس الطريقه قائلاً بعدها بوله :
-سمعهولى تانى ..
تغلغت أصابعها بداخل خصلات شعره الرطب ثم قالت بهيام شديد ونبره ناعمه كالحرير :
-فريد حياة ..
اخفى وجهه فى ثنايا عنقها واخد نفساً عميقاً ثم زفره ببطء شديد قائلا بصوت مكتوم عاشق :
-حياة فريد ..
بعد فتره من التصاقه بها سألته حياة قاطعه الصمت بينهم :
-فريد انت هتعمل ايه مع مدير الحسابات ؟!!..
ابتعد عنها ورفع رأسه ينظر إليها قائلاً بجديه بالغه :
-هعمل اللى المفروض يتعمل ..
هزت رأسه له موافقه ثم اردفت مستأنفه استفسارها :
-طب ونجوى ؟!..
ان كان على ما يريده حقاً فهو تقطيع أعضائها جزء جزء والقائها للكلاب المتوحشه او ربطها بحجر ثقيل والقائها من فوق السد العالى لئلا يكون لديها فرصه للنجاة ، زفر بحيره ثم اجابها بغموضه المعتاد :
-مش عارف .. لسه مقررتش ..
ابتعدت عنه قليلاً وهى ترمقه بنظرات محتده ثم سألته بضيق :
-طب وبالنسبه لنيرمين ؟!..
سألها ببروده المستفز :
-مالها ؟!..
مطت شفتيه بأستياء ، هل يمزح معها ؟!!!! لم يقرر بعد ما سيفعله مع نجوى لكنه اصدر حكماً نهائياً على اخته الوحيده رغم مساعدتها له !!! ، اجابته بحده مدفوعه بغيرتها الخفيه :
-ايه اللى مالها !!! متقوليش ان بعد اللى حصل لسه مش عايز تديها فرصه !!!..
ضيق عينيه فوقها مستنكراً رد فعلها العدائي ثم سألها مستهزئا :
-هو انتى شايفانى ساذج عشان اصدق التمثيليه الهبله دى ؟!!!.. جيهان وبنتها عبيد فلوس مهما كان معاهم .. ولو هى حذرتك ف ده بس عشان الفلوس اللى بتدخلهم كل شهر متنقصش ..
ضغطت حياة فوق أسنانها بغيظ وهى تردد خلفه بنبره محتده :
-ساذج !!! .. هى دى نظرتك عنى ؟!.. وبعدين انا مش مصدقه قسوتك دى عليها !!! .. فى الوقت اللى انت مش عارف هتعمل ايه مع ست نجوى هانم !!..
زفر فريد بملل ثم قال بنفاذ صبر :
-حياة متخلطيش الامور ببعض !! وبعدين انا مش غبى عشان جيهان ونيرمين يلعبوا بيا .. واستحاله اصدق اللى هى بتقولهولك مهما حصل ..
انتفضت حياة من جلستها ووقفت امامه تهتف بسخط :
-انا بقيت غبيه كمان !!.. كل ده عشان عايزه اديها فرصه خصوصاً بعد ما اثبتت حسن نيتها !!..
مرر فريد كفيه فوق وجهه بضيق ثم وقف قبالتها يقول آمراً بتحذير :
-متحرفيش كلامى .. لو عايز اقول حاجه مش هخاف منك وبالنسبه لنيرمين متستاهلش فرصه تانيه ..
صاحت به مستنكره بنبره عدائيه شديده :
-انا مش مصدقه أنانيتك دى !!! وبعدين اى حد فى الدنيا دى يستحق فرصه تانيه .. زيك بالظبط ..
هدر بها فريد محذراً بصوته العميق :
-حيااااة .. ده اخر كلام فى الموضوع ده .. ومن دلوقتى مفيش كلام او مقابلات معاها مهما كان السبب .. فاهمه !!!..
لماذا وصل النقاش بينهم لتلك النقطه لم تعلم !! كل ما تعلمه انها غارت من نجوى وارادت منه إرضائها وليس الا ومع مرور الحديث بينهم ازداد غضبها ولم تعد تستطيع التحكم بِه لذلك هتفت معترضه بعناد :
-وانا مش جاريه عشان تقولى اعمل ايه ومعملش ايه !!.. ومش هقفل الموضوع طول مانا شايفه نجوى عماله تخرب حوالينا وانت سايبها تعمل اللى هى عايزاه !!..
صاح فريد آمراً بغضب شديد من تمسكها العقيم بوجهه نظرها الخاطئه ورؤيتها الضيقه للامور :
-انتى مراتى واللى هقوله يتسمع وبعد كده مفيش كلام مع حد اصلاً الا بأذنى وتحت عينى ولو الكلام زاد مش هيبقى فى خروج من البيت أساساً ..
هتفت حياة به بعدم تصديق :
-فريد !!!!!!!!!..
رمقها بنظره غاضبه جعلتها تتراجع عده خطوات للخلف ذعراً ثم قال بحزم وهو يتحرك لارتداء ملابسه :
-انتهى ..
ارتمت حياة فوق الفراش مرةً اخرى وبدءت تبكى فى صمت ، لماذا يخيب ظنها فى كل مره يتعلق الامر بتلك المدعوه نجوى !! لماذ لا يناقشها بدل من غضبه الدائم وغموضه الذى يثير اعصابها !!، توقعت عودته لها بعد ارتداء ملابسه ولكنها تفاجئت بِه يخرج من الغرفه مباشرةً دون حتى النظر إليها ، ازداد جنونها من تجاهله لها فأمسكت هاتفها المحمول تُخرج رقم اخته غير الشقيقه وانتظرت اجابتها ثم قالت بدون اى مقدمات :
-انا موافقه اساعدك .. فريد دلوقتى مش فى البيت لو حابه تقابلينى ..
استمعت إلى موافقه نيرمين الحماسيه ثم اغلقت هاتفها وألقت بِه بأهمال فوق الفراش مع عوده ذلك الغثيان المقيت يتملك منها مرةً اخرى ، هذا ما كان ينقصها الان !! ..
اقتحم فريد باب غرفه مدير حساباته بملامح وجهه مكفهره الامر الذى أفزعه كثيراً وجعله يبتلع لعابه بصعوبه ، وقف فريد قبالته ثم جذبه من ياقه قميصه قائلاً بنبره لا تعرف المزاح :
-بره ..
تسائل الرجل بهلع مردداً كلمه مخدومه :
-بره !! حصل ايه يا فندم ؟!..
دفعه فريد نحو الخارج قائلاً بتهديد :
-هى ضحكت عليك وفهمتك انك لو اتكشفت هتعرف تعوضك صح ؟!. وانتى غبى وصدقتها وفاكر ان لو فريد رسلان طردك ممكن شركه بعده تشغلك ؟!..
فتح المدير فمه ليجيبه فأوقفه فريد بنظره محذره رافعاً أصبعه فى وجهه :
-الشيك اللى انت ماضى عليه زمانه اتقدم للنيابه .. يا تدفعلى النص مليون تعويض يا الحبس ..
فى تلك اللحظه دلف رجال حراسه فريد الذى استدعاهم قبل دخوله لجذب الرجل المذعور وإلقائه خارجاً ، القى فريد جملته الاخيره على مسامع الرجل قائلاً بشماته :
-وانا بقول لحد ما النيابه تستدعيك بلاش تروح بيتك .. عشان علاقاتك وصورك القذره كلها الفتره اللى فاتت هتلاقيها وصلت قبلك للمدام ..
انهى جملته وراقب برضا رجاله وهم يجرون ذلك الخائن إلى خارج جدران الشركه وهو يصيح متوسلاً من اجل مسامحه فريد له .
عاد بعدها لمكتبه والقى جسده فوق المقعد بقوه ، اللعنه على ذلك الامر ، انه لازال غاضباً وبشده بسبب ما حدث بينهم فى الصباح ، هل هو غبى لتنطوى عليه مسرحيه نرمين وجيهان الهزليه !! ، واذا كان الامر مقتصراً على نيرمين لالتمس رضاها قبل ذهابه ولكن ما يغضبه حقاً هو مسأله الثقه ، لماذا لا تثق فى نظرته وحكمه للامور ، لماذا لا تضع ثقتها بِه كأى زوجه طبيعيه !!، زفر بحنق فهو لا يعلم كيف يرضيها !!، حسناً هو يعلم ان امر نجوى تلك استغرق منه وقت اطول من اللازم ولكنه يريد التريث والتخلص منها للابد بدلاً من التسرع ومعالجه الامر بسطحية تؤدى إلى كوارث مستقبليه ، ثم انه يفعل ذلك من اجلها اليست هى من تطلب منه دائماً أعطاء القانون فرصته ، اذا ستنتظر معه حتى يجد الفرصه المناسبه للخلاص منها .
التقط هاتفه بعصبيه مهاتفاً احد رجاله وقائلاً بأستياء :
-كل ده مش عارف توصلنى لحاجه تخلصنى بيها !!.. انا مش فاهم امال انت بتراقبها ليه !!!..
ارتبكت نبره الرجل من غضب مديره ثم اجابه مبرراً :
-يا باشا .. انا مراقبها زى ضلها .. من ساعه ما حضرتك قلتلى .. مش بتعمل اى حاجه .. بس بتروح النادى الصبح وبليل بتقابل نيرمين هانم اخت حضرتك .. غير كده مبتتحركش ..
لم يقتنع فريد بحديثه فأردف يقول محذراً :
-ورحمه امى لو طلعت بتستغفلك وعملت حاجه من وراك وأذت مراتى تانى لهتكون حياتك التمن .. وقدامك اسبوعين تخلص موضوع سيرين الزفت دى .. وعايزك تبدء من دلوقتى تحط حد يراقب نيرمين هى كمان .. سامع ؟!..
تمتم الرجل موافقاً بخنوع تام قبل إغلاق فريد الهاتف فى وجهه والبدء فى مراجعه ملفاته المتراكمة .
بعد فتره ليست بطويله صدع رنين هاتفه برقم حراسه المنزل ، اجاب فريد على الفور بقلق واضح فى نبرته :
-سامعك !..
اجاب الطرف الاخر بأحترام :
-فريد بيه .. نيرمين هانم جت من شويه .. واتعاملنا زى ما حضرتك امرت بس حياة هانم صممت انها تدخلها .. محبتش اعمل اى حاجه غير لما ارجع لحضرتك ..
استمع فريد لحديث حارسه وبدءت الدماء تغلى فى عروقه من جديد ، لقد طفح به الكيل من عنادها المستمر ، ضغط فوق اسنانه بشراسه ثم قال بحروف مقتطبه :
-سيبها ..
القى الهاتف فوق المكتب بحده وهو يتوعد لها ، هل ظنته غير جاد فى تهديده لها ؟! ، لقد أشعلت فتيل غضبه والان عليها تحمله ، هذا ما فكر به بتوعد لحياة ولكن اولاً ينتهى من اعماله المتراكمة .
فى المنزل ودعت حياة نيرمين بود شديد بعدما أعطتها وعدها الكامل بمساعدتها فى لم شملها مع فريد مما جعل الاخيره تبتسم بأنتصار من نجاح خطتها ، سألتها نيرمين بحماس مستأذنه :
-انا عايزه اتكلم معاكى كل يوم .. عايزه اعرف كل حاجه عن فريد وايه بيحبه وايه بيكرهه عشان اعرف اتعامل معاه .. ونفسى تقبلينى كأخت ليكى .. انتى عارفه انى لوحدى على طول ..
ابتسمت لها حياة موافقه ثم اجابتها مشجعه :
-اه طبعاً زى ما تحبى .. انا اهم حاجه عندى انك وفريد تكونوا سند لبعض ..
ودعتها نيرمين بأبتسامه مجامله لم تصل لعينيها وهى تتحرك فى اتجاه سيارتها لتستقلها ، هاتفت نجوى على الفور تبشرها سعيده بأخر التطورات :
-نوجه .. عشان تعرفى انك عندك احلى صاحبه فى الدنيا دى كلها ..
سألتها نجوى بلهفه مستفسره :
-حصل ايه بسرعه احكيييلى ..
اجابها نيرمين بثقه :
-حصل زى ما كنا عايزين بالظبط .. صدقت اللى حصل وقالت هتساعدنى .. وانا لسه خارجه من عندها بعد ما اتكلمنا فى حاجات كتير .. والاهم انها اتغيرت فى معاملتها معايا .. ده طبعاً بعد ما فهمتها انا قد ايه مضايقه من اسلوب حياتى ومنك ..
هتفت نجوى برضا :
-ايوه بقى يا نيرو .. كده مفاضلش غير انك تنقليلها شويه اخبار عنى واخر حاجه بقى تجبيلى توقيع فريد بصوره واضحه عشان الراجل يشوف شغله ..
اومأت نيرمين برأسها موافقه ثم اجابتها بثقه :
-بس كده .. توقيع فريد بسيطه هلاقيه فى اوراق بابى .. اما عن اخبارك فأنا فعلاً قلتلها ان حادثه الملف بتاعها الاول كانت بمساعده مدير الحسابات برضه واتصدمت اوى ..
ردت نجوى قائله بخبث :
-هقولك على حاجه تبلغيها بيها ودى هتبقى الاخيره .. عشان لما تقولى على اللى اتفقنا عليه تصدقك بعد ما تشوف العقد والصور .
وافقها نيرمين للمره الثانيه فدائماً ما كانت تابعه لنجوى وتنفذ فقط ما تمليه عليها دون الاحساس بالذنب او تأنيب الضمير .
فى المساء عاد فريد للمنزل وغضبه مازال يلاحقه ، دلف غرفتهم يبحث عنها بعينه فوجدها جالسه فوق احد المقاعد بملامح وجهه متجهمه ، توجهه بجسده نحوها وجذبها من مرفقها بحده ثم سألها بعصبيه شديده :
-انا مش قلت مفيش كلام معاها !! انتى بتتحدينى ولا صبرى عليكى خلى كلامى ملهوش اهميه عندك ؟!..
لم تكن فى مزاج يسمح لها بمجادلته فذلك الغثيان ما ينفك يختفى حتى يعود إليها مرةً اخرى دون سبب واضح لذلك استمعت إلى حديثه العصبى بجمود شديد ، أغضبه اكثر صمتها وفسره عدم اهتمام منها له لذلك اردف يقول هادراً بها بنبره عاليه ويده تهزها من مرفقها :
-من النهادره ومن دلوقتى .. مفيش خروج من البيت ولا حتى للجنينه .. ولو سمعت يا حياة انك كسرتى كلامى تانى قدام الحرس او اى حد فى البيت هتشوفى منه وش مشفتهوش قبل كده .. فاهمه !!! ..
لقد ازداد اعيائها بشكل مبالغ فيه بسبب يده التى تهز جسدها بأكمله ، ضغطت فوق شفتيها متحامله وقد اغضبها تهديده وتحكمه بها ، وفتحت فمها لتعترض وهى تدفعه عنها بعيداً وتهدر هى الاخرى بِه بعصبيه :
-فريييي..
انتابها شعور قوى بالغثيان فركضت نحو المرحاض غالقه الباب خلفها برفق وبدء تتقيأ كل ما بداخل معدتها حتى هدئت نوبه غثيانها ، ركض هو خلفها بأستغراب وحاول فتح الباب خلفها ولكنها أغلقته بأحكام ، هتف اسمها بقلق وهو يطرق بيده فوق الباب ويطلب منها فتحه ، خرجت تواجهه بعدما غسلت فمها ووجهها جيداً بالماء والشك يزداد بداخلها ، رفعت رأسها تنظر نحوه بوهن فأسرع هو فى التقاط كفها يسألها بلهفه :
-حصل ايه ؟!..
اجابته كاذبه وهى تتحرك نحو الفراش وتستلقى عليه :
-ولا حاجه معدتى اخدت برد ..
ظل يتأملها بنظرات حائرة ثم اخفض رأسه وخرج من الغرفه بأكملها فملامح وجهها الشاحبه ونظرتها المرهقه جعلت غضبه يخمد .
قضى فريد ما تبقى من يومه داخل الغرفه الرياضيه يفرغ كل ما به من غضب داخلها ، خرج بعدها منهك الجسد فتوجه مباشرةً نحو غرفته للاستحمام وتبديل ملابسه ليجدها لازالت مستلقيه فوق الفراش منذ تركها ، اغتسل سريعاً وارتدى ملابس نومه وهو يحاول التوصل لقرار ، حسناً هو لايزال غاضب منها ومن تصرفاتها المتهوره بعض الشئ ولكن رؤيتها ساكنه هكذا تؤلمه ، زفر بضيق وهو يندس جوارها فى الفراش ثم سألها بأهتمام :
-تحبى اندهلك عفاف ؟!..
حركت رأسها ببطء نافيه وانتظرت حتى استقر جسده فوق الفراش ثم تسللت تستند برأسها فوق صدره ، حاوط خصرها بذراعه كعادته وأغمض عينيه محاولاً النوم بعد ذلك اليوم المجهد ذهنياً وعضلياً له ، تنهدت حياة بحيره ، هل ما تفكر به صحيح ، بالطبع داخلها يتمنى ان يكون صحيحاً ، لا لن تتحمس ربما ما يحدث لها هو إرهاق وليس الا ، قطبت جبينها بتفكير حتى ان ايامها الخاصه لم تبدء بعد رغم حلول موعدها ، هل هى حقاً حامل رغم ان زواجهم الفعلى لم يمر عليه سوى شهر واحد ، حسناً هو فقط شهر ولكنهما كانا سوياً عدد من المرات يكفى لدزينه اطفال ، هذا ما فكرت به بسخريه وهى ترفع كفها وتتلمس برفق بطنها ، يالله ان مجرد التفكير يجعل قلبها يقفز فرحاً فكيف اذا صدق حدسها ، وماذا ستكون ردة فعل فريد اذا كان حقيقى ، طفل منه ينمو داخل أحشائها ، طفل صغير بمرحله جديده فى حياتها وحياته يتحولان معها من شخصين عاشقين إلى أبوين ناضجين ، ليس لديها شك بأن حنان فريد سيغدق طفلها القادم او ربما طفلتهم ، حسناً حسناً يكفيها تخيلات ، ستنتظر يومين أخريين ثم تذهب إلى الطبيبه لإجراء الفحص ، هذا ما قررته وهى تغمض عينها بسعاده وقد تلاشى كل غضبها منذ الصباح .
رغم ترقبها الشديد خلال اليومين التاليين الا انها آثرت اخفاء تعبها المتزايد عنه حتى تتأكد وتخبره ، اما عن علاقتهم سوياً فلم يحدث تغييرعن تلك الليله ولم يتحدثا عنها ثانيةً ، فقط يسألها بأهتمام عن حالها ثم يسحبها داخل احضانه اثناء الليل ، اما عن العمل فلم يسمح لها بالخروج من باب الفيلا الداخليه كما اخبرها ولم تجادله مما اثار استنكاره واستنكارها هى شخصياً ، وبالنسبه لعلاقتها بنيرمين فأقتصرت على المكالمات الهاتفية وتلك الاخبار الخاصه بنجوى والتى تغدقها بها نيرمين لكسب ثقتها بشتى الطرق ، حتى انها أخبرتها عن مدبره منزلهم القديمه “عزه” وكيف كانت تنقل جميع اخبارهم وتفاصيل حياتهم اليوميه لنجوى ، مع بعض الجمل عن حماسها المتزايد لمصالحه فريد وبعض مقتطفات من ماضيها والذى كان اغلبه صحيحاً الامر الذى جعل حياة تتعاطف معها بالكامل بل وتبدلت نظرتها عنها وتمنت لو تحدث معجزه ما تتبدل بها حياة اخت زوجها والتى اصبحت فى نظرها ضحيه كفريد .
وفى مكتبه جلس فريد فى مقابله وائل الجنيدى بعد مراجعه كافه التفاصيل الخاصه لشراكتهم الجديده ثم وضع فريد توقيعه عليها بعدما مررها لوائل كى يوقعها اولاً ، صافحه وائل ليهنائه بسعاده قابلها فريد بجمود معتاد وهو يومأ له برأسه بأقتضاب ، سأله وائل بعدها مستفسراً منه :
-بالنسبه لعقود هناك هنعمل فيها ايه ؟!..
اجابه فريد بغموض :
-متشغلش بالك بيها انا هتصرف ..
لم يكن وائل لترضيه تلك الجمله لذلك اردف يقول متسائلاً :
-هتتصرف ازاى ؟!.. احنا علينا دفعات متأخره للمورديين هنا ولازم نسلملهم اى حاجه والا فلوسهم ترجع .. وانت عارف ان ده دلوقتى معناه افلاس الشركه ..
لوى فريد فمه بضيق فهو يعلم جيداً صدق حديثه ، كما انه التزم بكلمه ولن يستطيع الاخلال بها لذلك هتف مطمئناً لشريكه :
-متقلقش .. هسافر بنفسى اخلص هناك واتاكد ان البضاعه اتشحنت وهرجع ..
استرخت ملامح وائل وقد طمأنه حديث فريد فرغم كل ما يقال عن قسوه فريد الا انه يستطيع الثقه بكلمته ، عاد وائل يسأله للمره الاخيره وهو يستعد للرحيل :
-هى مدام حياة مش موجوده ؟!..
انتفض فريد من مقعده كأسد يستعد للاتقضاض على فريسته فى اى لحظه وهو يسأله بحده :
-انت عايز ايه من حياة !!!..
ارتبك وائل وشعر بالإحراج من اندفاعه الغير محسوب وأجابه مبرراً :
-لا ابداً انا بس استغربت انها محضرتش معانا اجتماعات امبارح والنهارده فكنت بطمن عليها ..
حدقه فريد بنظره محذره وهو يقول بضيق :
-شئ ميخصكش ..
علم وائل بتجاوزه لحدوده من نظرات فريد التى تنطلق كالسهام فى اتجاهه لذلك اثر الانسحاب واستأذن مسرعاً فى الرحيل .
عاد وائل إلى مقر شركته وجلس خلف مكتب رئاسه الاداره وهو يلعن تهوره بصمت ، ماهى نوع الحماقه التى دفعته لسؤال زوجها عنها ، الم يستوعب قلبه بعد انها ملك لغيره ، وغيره هذا ليس غريب على الاطلاق بل هو شريكه ، تململ داخل مقعده بعدم راحه وهو يتذكر لقائهم الاخير ونظرتها وابتسامتها المرحه ، ان اعجابه بها يزيد يوماً عن يوم رغم وميض الحب الذى يلمع داخل عينيها بمجرد رؤيه زوجها ، متزوجه ، ظل عقله يردد تلك الكلمه عل قلبه يستوعبها ، لوى فمه بتهكم وهو يفكر بقله حيله فمنذ متى يتدخل العقل فى عمل القلب ، على سبيل العقل تذكر تلك المدعوه نيرمين اخت فريد والتى اثارت فضوله بما فعلته وعليه التقط هاتفه وطلب حضور مساعده ثم آمره بجديه بعدما أعطاه اسمها تأكيد شكوكه نحوها ومعاوده اخباره فى اسرع وقت ممكن ، أطاعه المساعد بخضوع ثم انصرف تاركاً المجال لرئيسه لمتابعه عمله .
بعد انتهاء وجبه العشاء والتى سادها الصمت من جهه فريد وفقدان الشهيه من قبل حياة صعد فريد إلى غرفه نومهم وتبعته حياة ، تحدث إليها بأختصار بعد تناول قهوته :
-اطلبى من عفاف تحضرلى شنطه هدومى عشان مسافر بكره الصبح ..
اصاب حياة الاحباط بمجرد سماعها تلك المعلومه وفتحت فمها لتسأله بخفوت:
-هتغيب ؟!عشان اعرف محتاج قد ايه يعنى..
اجابها بأقتضاب وهو يراقب تعابير وجهها :
-حوالى ٥ تيام ..
خمسه ايام !!!! بدونه !! وهى من كانت تأمل بأجراء ذلك التحليل غداً وأخباره بنتيجته رغم شبهه تيقنها من النتيجه ، ثم أيجب عليهم فى كل مره الرحيل وهما على خصام !! ، زفرت بأحباط ثم قالت بنبره خفيضه حزينه :
-مفيش داع لعفاف هحضرهالك انا ..
قال معترضاً وهو يجلس فوق الفراش قبالتها :
-لا متتعبيش نفسك .. اطلبى من عفاف وهى عارفه هتعمل ايه ..
لوت فمها وهى تهز رأسها بضيق ثم سألته بصوت متحشرج من اثر دموع الاحباط :
-انت شايف انك هتتعبنى !!!!..
رفعت رأسها فى انتظار اجابته فرأى تلك الدموع المتلئله تلمع داخل مقلتيها ، لم يجيبها لذلك تحركت بخطوات مثقله نحو خزانه ملابسه لتبدء فى تحضير حقيبته ، تبعها بخطواته ووقف بجسده خلفها ثم مد ذراعيه يحتضنها من الخلف وأسند ذقنه فوق كتفها بصمت ، رفعت ذراعيها هى الاخرى تضعها فوق يده المحتضنه خصرها بتملك وهى تفكر بسذاجه هل يشعر بها وبما تحمله داخل أحشائها ، قاطع تفكيرها سؤاله لها بصوته العميق :
-تحبى تيجى معايا ؟!..
قاومت رغبه جامحه فى الاندفاع والموافقة ولكنها تذكرت ما يحدث لها فى الصباح وموعدها غداً إلى جانب قلقها من الطيران والمجهود الزائد لذلك اجابته على مضض رافضه :
-لا شوف انت شغلك وانا هستناك لحد ما ترجع ..
شدد من احتضان ذراعيه لها فأردفت تطلب منه بتوسل :
-فريد .. ممكن ارجع الشغل تانى ..
امتنع عن الرد لذلك حركت رأسها تنظر إلى جانب وجهه تستيبن رد فعله ، لم تجد ما يشجعها من ملامحه فأردفت تضيف :
-الشغل بس ومش هروح اى مكان من غير ما تعرف ..
زفر مطولاً ثم قال بهدوء وعلى مهل :
-متمشيش من غير حراسه .. وقبل ما تتحركى لاى مكان تبلغينى .. ومتقابليش حد غير بأذنى .. انت فهمانى طبعاً .. حياة صدقينى لو اللى حصل ده اتكرر تانى مش هضمن رد فعلى ..
هزت رأسها لها موافقه فتلك الليله بالذات لا تسعى لاغضابه ، حرك رأسه موافقاً بأستحسان هو الاخر وقد قرر كلاً منهما تجاوز ما حدث بينهم منذ يومان .
بعد مرور يومان وفى غرفه مكتبها جلست حياة تبتسم ببلاهه وهى تضع يدها فوق بطنها كعادتها منذ تأكيد الطبيبه لها خبر حملها ، يالله انها الان حامل فى شهرها الاول ، كم تنتظر بفارغ الصبر عوده فريد وأخباره فهى تجاهد فى كل مكالمه هاتفيه بينهم الا ينفلت لسانها وتخبره بتلك المناسبه الساره فبعد كل شئ تريد رؤيه تعابير وجهه ورد فعله عند سماعه خبر حملها ، فقط عليها الانتظار ثلاثه ايام اخرى ، بالطبع مده طويله للغايه بالنسبه لها ، اعادها من شرودها طرق خفيف فوق باب غرفتها ، اعتدلت فى جلستها وعدلت من وضعها ثم أذنت للطارق فى الدخول ، تفاجئت بوائل الجنيدى يقف امامها بأبتسامه عريضه تملئ ثغره ، هتفت حياة بأستنكار :
-باشمهندس وائل ؟!.. خير !!..
تنحنح وائل محرجاً ثم اجابها مفسراً قدومه وهو يتقدم منها لالقاء التحيه عليها :
-خير .. كان عندى استفسار بسيط كده مع المحامى ولقيت نفسى بعدى من تحت الشركه فقلت اطلع اسأله بنفسى وبالمره اسأل على فريد ولما خلصت حبيت اسلم على حضرتك ..
كاذب ، هذا ما هتف به داخلياً ، لم يكن بحاجه للمجئ شخصياً هو فقط قادته ساقيه إلى هنا من اجل رؤيتها ، ابتسمت حياة له بود ثم قالت ببساطه :
-لا حضرتك ايه بقى ده حتى انا اصغر منك مفيش داع للرسميات دى بينا .. خليها حياة بس ..
بادلها وائل ابتسامتها بأخرى واسعه وهو يتمتم بحماس :
-موافق بس بشرط .. بلاش كمان باشمهندس دى خليها وائل ..
همت حياة بالاعتراض ولكن اوقفها رنين هاتفها الخلوى ، فالتقطته مسرعه بعدما اعتذرت منه ظناً انه فريد ، اصيبت بالاحباط عند رؤيتها هويه المتصل ولكنها أجابت على كل حال :
-كله تمام يا نيرمين الحمدلله ..
استمعت لسؤالها ثم اردفت تقول بأحراج :
-حبيبتى معلش معايا ناس .. شويه وهكلمك تانى ..
بالطبع التقط وائل الاسم من شفتيها فعاد يسألها بعد إنهاء مكالمتها :
-هى الاستاذه نيرمين قريبه منك ؟!..
قطبت حياة حاجبيها وهى تسأله بقلق :
-اها .. يعنى .. ليه في حاجه ؟!..
نظر وائل نحوها بتردد فأردفت تحثه على الحديث وقد اثار سؤاله فضولها :
-انا اقرب لنيرمين من فريد فتقدر تقول اه ..
ضغط فوق شفتيه ثم قال على استحياء :
-بصراحه فى حاجه كنت عايز الفت نظر فريد ليها بس مش وقته .. يرجع بس الاول ..
لقد اثارت جملته قلقها حقاً لذلك اندفعت تسأله بتوسل :
-لا من فضلك .. لو حاجه تخص نيرمين من فضلك تبلغنى بيها الاول ومن غير ما تسألنى ليه بس ده الاصح ..
انهت جملتها وانحنت تلتقط قطعه ورقيه صغيره وقامت بتدوين رقمها فوقها ثم اعطته له مستطرده برجاء :
-ده رقمى .. لو سمحت اى حاجه تحصل بلغنى فوراً ..
اومأ لها وائل رأسه موافقاً بتردد فهو لا يعلم اذا كان صائباً فى أخبارها هى بدلاً من فريد ام لا ، على كلاً سيفكر ملياً ثم يقرر من سيخبره اولاً ، هذا ما قرره وهو يحيها مودعاً قبل انسحابه للخارج تاركها تشعر بالقلق والذعر من القادم .
هتفت نيرمين متسائله بأرتياب وهى تجلس امام صديقتها وشريكتها فى التخطيط :
-نجوى .. انتى متأكده اننا هننجح وهتصدقنى .. المره دى هتبقى تقيله اوووى ولو راحت او بلغت فريد هنروح فى داهيه ؟!..
اجابتها نجوى بنبره عدائيه واضحه بعدما زفرت بتأفف :
-يوووه يا نيرمين مش معقول كده .. كل ما اقولك حاجه تسمعينى نفس الاسطوانه !!! انا بجد زهقت ..
انكمشت نيرمين داخل مقعدها من عداء صديقتها الغير مبرر ثم سألتها بأستهجان :
-فى ايه يا نجوى !! مالك بتتعاملى معايا كده ليه ؟!.. انا بس بفكر معاكى بصوت عالى !!..
صاحت نجوى بعصبيه مدافعه عن نفسها وفكرتها :
-عشان انتى وترتينى .. وكل شويه تطلعى بحجه عشان متنفذيش مع ان افضل وقت نتحرك فيه وفريد مسافر ..
حاولت نيرمين استرضائها فقالت مبرره :
-انا مش بطلع بحجج .. بس المره دى فيها تزوير وفريد مش سهل .. لو عرف هتكون نهايتى ونهايتك ..
اجابتها نجوى وهى ترمقها بنظرات حاده :
-لو مش عايزه كنتى قلتى من الاول وكنت ظبطها مع حد تانى .. بس متجيش دلوقتى بعد ما اعتمدت عليكى وهى وثقت فيكى تخافى .. انا شفت غيرتها قبل كده وعارفه انها مش هتتحمل .. وبعدين لو حصل وفريد عرف ابقى قولى انا ضحكت عليكى زيها .. خلاص ولا فى حجج تانى ؟!..
حركت نبرمين رأسها على مضض موافقه وأجابتها رغم ترددها الملحوظ :
-خلاص خلاص .. حضرى الصور والاوراق وبكره هنفذ ..
اندفعت نجوى تقول بسخط :
-الاوراق والصور جاهزه من يومين .. وانا هبعتلها بس حضرتك تكونى جاهزه عشان الاساس كله عليكى ..
قالت نيرمين بفتور وهى تفكر بجديه فى صواب ما يفعلاه :
-ماشى نفذى بكره وهتلاقينى معاكى .
فى مساء اليوم التالى وبعد عوده حياة من الشركه أضاء شاشه هاتفها معلناً عن وصول عده رسالات نصيه متتابعه ، التقطه حياة بلهفه فربما فريد قرر ارسال رساله لها ، لقد اشتاقته حد الجنون رغم حديثه معها عده مرات خلال اليوم ولكن كيف لقلب عاشق مثلها ان يكتفى بمكالمه او اثنان ، فتحت هاتفها ونظرت فى فحوى الرسائل المرسله من رقم مجهول ، ثم جحظت عينى حياة للخارج وازدات حده تنفسها ، انه زوجها !! نعم هو فريد ، بمواضع حميميه !!! مع من ؟! نجوى !!!!! لن تصدق ، لن تصدق ، تلك الصور مركبه ، هذا ما ظلت تهتف به إلى ان جائتها رساله مصوره اخرى ، عقد زواج عرفى ، قرأته بأنفاس مقطوعه ودقات قلب متسارعة ، عقد زواج فريد ونجوى !! بحثت عينيها بلهفه عن توقيعه للتأكد ، بدءت الدموع تترقرق داخل مقلتيها فهى تعرف توقيعه جيداً وتعاملت معه الالاف المرات ، وهو نفس ذات التوقيع الواقع هنا فى ذلك العقد ، قرأته مره ثانيه وثالثه ورابعه ربما هناك خطأ ما ، لا ليس هناك اى اخطاء ، العقد بتاريخ قديم قبل حتى عقد زواجهم بشهر، اى انهم معاً منذ ٤ اشهر ، لا فريد لا يفعل بها ذلك ، هذا ما فكرت به ودموعها تنساب فوق وجنتيها بقوه ، رساله مصوره اخيره من ذلك الرقم المجهول من احد المعامل المشهوره ، تحليل حمل بأسم نجوى سعيد العمرى ، النتيجه ايجابيه ، صرخت حياة وهى تلقى الهاتف من بين يديها ، ما هذا الكابوس الذى سقطت به ، لا يعقل ، فمنذ زواجهم وهو يبيت كل ليله داخل منزله حتى فى بدايه زواجهم عندما كانت غرفهم منفصله كان يبيت كل لياليه فى غرفته وايضاً منذ ما يقارب الشهرين وهى معه فى العمل وفى الليل تنام داخل احضانه ، ولكن ايضاً تاريخ العقد قبل زواجهم ، شهقت بفزع ، هل يعقل ان حديثه تلك الليله على ان سفريته قضاها معها صحيح ؟!، وهى من ظنته قال لها ذلك من اجل أحزانها ، لا فريد لا يفعل ذلك ، بدءت الرؤيه لديها تتشوش من كثره الدموع المنهمره من مقلتيها ، ستواجهه والان ، ستهاتفه وتستعلم منه عن كل ذلك الهراء الذى وصل إليها ، تحركت لتمسك هاتفها وتخرج رقمه وفى تلك اللحظه صدع رنينه معلناً عن ورود اتصال جديد لها من نيرمين ، لم تكن حياة فى حاله تسمح لها بالاجابة عن اى اتصالات لذلك رفضت الاتصال ، عاودت نيرمين اتصالها عده مرات متتالية دون انقطاع يليها رساله نصيه مختصره مفادها انها بالخارج تريد التحدث إليها بأمر عاجل لا يحمل التأخير والحرس يمنعها من الدخول ، تُرى هل ستخبرها بشئ ما يخص تلك الصور والعقد ، اندفعت تستقبلها بأمل فربما تخبرها بكذب تلك الصور وذلك العقد والتحليل ، أعطت حياة اوامرها للحارس بأفساح المجال لنيرمين والسماح لها بالدخول ، هّم الحارس بالرفض ولكن قاطعه صراخ حياة به بشراسه وهى تدفعه بقوه ليسمح لنيرمين بالقدوم فهى فى حاجه ماسه لسماع ما يريح قلبها ، انصاع الحارس فى الاخير لأوامرها خصوصاً وهو يرى الحاله العصبيه التى تمر بها ، سمح لنيرمين بالدخول ثم اخرج هاتفه ليخبر سيده بما حدث .
اما عن نيرمين فقد هرولت تلحق بحياة التى سبقتها للداخل وهى على يقين ان مخططها مع نجوى قد اصاب هدفه ، فحياة على وشك السقوط مغشياً عليها من شده الإعياء وشحوب الوجه ، اخذت نفساً عميقاً متصنعه الهلع ثم هتفت بلهفه انطلت جيداً على حياة التى لم تكن ترى الامور بشكل سليم :
-حياة هاتى تليفونك لو سمحتى ..
سألتها حياة بحده وهى تبتعد عنها عده خطوات :
-ليه !!! عشان مشوفش اللى هيتبعتلى !! اتاخرتى يا نيرمين ..
شعرت نيرمين بالانتصار من تصديق حياة لتمثليتها فأردفت تسألها متصنعه القلق :
-قصدك ايه !! اوعى تقوليلى ان نجوى بعتتلك حاجه !!..
صرخت حياة تجيبها :
-هى بعتتلى حاجه واحده بس !!.. دى بعتتلى كل حاجه ..
تحركت نحو نيرمين مرةً اخرى ثم رفعت ذراعها تهزها بعنف وهى تهتف بتوسل :
-انتى كنتى صاحبتها .. قولى ان ده مش حقيقى .. قولى فريد ميعملش كده فيا ..
اخفضت نيرمين رأسها لتهرب من النظر فى عينيها ثم اجابتها بخفوت :
-انا كان نفسى ألحقها قبل ما تبعتلك بس ملحقتش للاسف ..
مسحت حياة دموعها المنهمره بضهر كفيها ثم سألتها بهدوء نسبى وترقب :
-قصدك ايه ؟!…
ابتعلت نيرمين لعابها بتأثر مدروس ثم قالت بخفوت :
-نجوى كلمتنى وهى فى حاله هيستريا وهددتنى لو فريد مكلمهاش النهارده هتبعتلك وهتقولك كل حاجه .. وانا حاولت اكسب وقت لحد ما اوصل لفريد واحذره بس طبعاً انتى عارفه هو قد ايه بيكرهنى .. فملقتش حل قدامى غير انى اجى هنا وأحاول اخبى الرسايل دى عنك ..
ضيقت حياة عينيها فوق نيرمين تسألها بأستنكار :
-يعنى انتى كنتى عارفه !!.. عارفه ان فريد متجوزها !!..
هتفت نيرمين مدافعه عن نفسها بمهاره :
-حياة لو سمحتى اهدى .. دى كانت حاجه قديمه قبل ما فريد حتى يتجوزك .. وانا متأكده انه من بعد جواركم مبقاش له اى علاقه بيها ..
صرخت حياة بهيستريا لتقاطعها :
-قديم !!! وحملها ده كمان قديم .. انا لازم اعرف التفاصيل ..
اجابتها نيرمين وعيونها تلمع بأنتصار فزوجه اخيها تصدقها بالكامل :
-بصراحه هو جواز فريد من نجوى كان غلطه يعنى .. كل الحكايه انهم فى يوم كانوا بيشربوا مع بعض وتقلوا شويه فى الشرب وتانى يوم فاقوا لقوا نفسهم سوا .. طبعاً ده اللى نجوى حكتهولى .. وبعدها جه موضوع جوازكم وكل ما فريد كان بيحاول يطلقها كانت بتهدده انها هتبلغك .. وصدقينى هو عشان بيحبك كان خايف يخسرك ..
ارتمت حياة على اقرب مقعد لها فقدميها لم تعد قادره على حملها بعد كل ما سمعته ، ظلت تشهق وتنتحب بقهرحتى نفذت دموعها وشعرت بكل قواها تختفى ، رفعت كفها تتلمس بطنها بحسره ثم سألت نيرمين بخفوف وهدوء عجيب :
-وحملها ؟!..
اجابتها نيرمين بأقناع :
-انا بلغتك ان فريد من ساعه ما اتجوزك مبقاش له اى علاقه بيها .. والحمل حصل يومها ..
قاطعتها حياة متسائله بأعتراض :
-بس تاريخ التحليل من شهرين بس ..
اجابتها نيرمين مفسره بمهاره :
-انا كمان اخدت بالى من كده وهى لما بلغتنى مصدقتش برضه.. لحد ما فى يوم روحت معاها الدكتوره وشفت بنفسى ..
بحديثها هذا قضت نيرمين على اخر امل يراود حياة لذلك اخذت نفساً عميقاً ثم قالت بأنكسار :
-بعنى انتى كنتى عارفه ان اخوكى هيبقى عنده طفل وساكته ..
اجابتها نيرمين مدعيه البراءه :
-بصراحه فى الاول مكنتش مهتمه ويمكن اكون مبسوطه عشان نجوى .. بس بعد ما شفت وشها المنافق واتعرفت عليكى كويس خفت تعرفى وحياتكم تدمر ..
هزت حياة رأسها بضعف وهى تلتقط هاتفها وتتحرك نحو الدرج ، ركضت خلفها نيرمين تستوقفها وهى تسألها بقلق :
-انتى رايحه فين ؟!..
اجابتها حياة بنبره خفيضه منكسره :
-ولا حاجه .. هطلع انام .. لو سمحتى سبينى لوحدى دلوقتى ..
لم تجادلها نيرمين فمهمتها نُفذت على اكمل وجهه وما تبقى فى يد حياة لذلك اومأت برأسها لها موافقه ثم انصرفت نحو الخارج .
صعدت حياة إلى غرفتها وهى تجر اذيال الخيبه خلفها ، فعقلها لا يستوعب بعد كل ما علمه حتى الان ، وهى من كانت تنظر عودته على احر من الجمر لتخبره ببشرى ابويته وهو فى الاساس اب ، لوت فمها بتهكم مرير وهى تجلس فوق الفراش بجمود وتفكر بقهر ، هذا يفسر كل شئ ، فالطالما كانت تتسائل عن سر تهاونه مع نجوى والان أضحت الاجابه واضحه امام عينيها ، ببساطه لانها زوجته حتى لو كان بعقد عرفى هى تسمى زوجته !!، عادت الدموع لتملئ عينيها مرةً اخرى ، يبدو ان السعاده تأبى ان تكتمل معها ، صدع رنين هاتفها وتلك المره المتصل هو فريد نفسه ، بالطبع اخبره حارسه بزياره نيرمين لذلك يهاتفها رغم فارق التوقيت بينهم ، اجابته بنبره خافته حاولت قدر الامكان اخراجها طبيعيه ، اما هو فهتف بها بحده متسائلاً على الفور :
-حياة .. نيرمين كانت هنا بتعمل ايه !! انا مش نبهت عليكى قبل كده !!! ..
بمجرد سماعها صوتها بدءت تشهق فى البكاء دون مقدمات ، استمع إلى بكائها بقلب قلق ظناً منه ان بكائها بسبب حدته معه ، لقد اتخذ قراره ، عندما يعود سينهى مع والده موضوع نيرمين إلى الأبد ، هتف اسمها بنعومه بعد فتره من استماعه لشهقاتها المتلاحقة محاولاً تهدئتها فأجابته بنبره ضعيفه متحشرجه :
-فريد .. ممكن نتكلم بعدين .. عشان خاطرى بلاش النهارده
زفر بضيق ثم قال بحزم قبل إنهائه المكالمه :
-طيب تمام .. انا هحاول اخلص الشغل هنا واركب طياره بكره وبليل هكون عندك ..
انهت معه المكالمه بوداع مقتضب واستلقت فوق الفراش تحاول الوصول لقرار ما ، لن تفرط فى طفلها مهما حدث ، هذا اول قرار اتخذته ، ولكنها ايضاً لا تستطيع العيش مع فكره وجود طفل اخر لديه ومن تلك الحرباء نجوى ، لا لن تسمح لمأساته ان تتكرر مع طفلها ، ومع وجود عقد زواج بينهم تخشى تكرار ماضى والده ووالدته معه ومعها ، إذاً ما الحل ؟!، هل تجبره على التخلص من ذلك الطفل ، لا فضميرها لا يسمح لها وحتى اذا سمح لها ، اين تذهب من عقاب الله لها !! ، لا يوجد سوى الحل الذى كانت تخطط له من البدايه ، ستفر هاربه بروحها وطفلها ، نعم على الاقل مؤقتاً هى ستحمى نفسها وطفلها وليحدث ما يحدث بعدها ، هذا ما قررته بأصرار وهى تغمض عينيها محاوله السيطره على شعور الغثيان الذى اجتاحها
فى الصباح انتظرت حياة شروق الشمس ثم بدءت تتحرك لتنفيذ خطتها ، هذا اخر قرار اتخذته ، لن تجلس فى منزله دقيقه واحده وهى على علم بزواجه من اخرى ، وحتى لا تثير الشك ستتحرك كالمعتاد فقط بحقيبه يدها ، تناولت حبوب الغثيان التى نصحتها الطبيبه بتناولها فى الصباح لتقليل شعورها به واغتسلت جيداً ثم ارتدت ملابس عمليه مريحه عباره عن بنطال من الجينز وحذاء رياضى ابيض مع جاكيت رياضى وحقيبه ضهر صغيره ، حانت منها التفاته اخيره لتلك القماشه المطويه بين ملابسها والتى أعطاها لها فريد يوم زفافهم ، رفعتها إلى فمها لتقبلها ثم وضعتها داخل حقيبتها وتركت هاتفها فوق المنضده فبعد كل شئ هى لا تريده ان يتتبعها من خلاله ، هبطت للأسفل متوجهه نحو الحديقه وطلبت من الحارس الذهاب إلى مول تجارى لشراء بعض الأشياء الخاصه ، تردد الحارس فى موافقته ثم تحرك مبتعداً عنها ، كانت تعلم انه يأخذ الإذن من رئيسه اولاً ولكنها لم تهتم ، يكفيها الخروج من ذلك المنزل ونجاح خطتها
هتف وائل فى مساعده بتأثر وهو يضع سماعه هاتفه فوق اذنه :
-انت متأكد من الخبر صح ؟!.
أكد له مساعده الشخصى بثقه :
-ايوه يا فندم .. انا فضلت وراها بنفسى وشفتها وهى بتتعامل مع ديلر فى منطقه **** وبعدها عرفت بطريقتى ان الولد ده تخصص نوادى ليليله وولاد الناس اللى زى حالتها .. وعرفت انها بتتعامل معاه بقالها شهر او اكتر ..
اغلق وائل معه الهاتف بأحباط فرغم كل شئ هى فتاه جميله للغايه لسلك ذلك الطريق المحتوم نهايته ، امسك هاتفه وظل ينظر إليه فتره محاولاً اتخاذ قراره ، هل يخبرها ام لا ؟!، انتظر عده دقائق اخرى ثم اخرج قصاصه الورقه من جيب ردائه الداخلى ليهاتفها ، ظل يستمع إلى جرس الهاتف منتظراً اجابتها ، انتهى الجرس دون رد ، عاود المحاوله عده مرات اخرى دون جدوى ، انهى اتصاله وقد قرر معاوده الاتصال بها فى وقت لاحق فهذا امر لا يقبل التأخير
بعد حوالى ساعه كانت حياة تقف امام المول التجارى الذى وقع اختيارها عليه بسبب قربه من خطوط السكك الحديدية ، تحركت وتحرك خلفها حراستها وعند وصولها إلى محل المستلزمات الاسلاميه طلبت منهم انتطارها فى الخارج لشراء هديه لاحد زميلاتها ، بعد قليل خرجت وهى تحمل فى يدها حقيبه المتجر والتى تحتوى على زى شرعى “نقاب” لإخفاء وجهها
بعد زيارتها عده محال تجاريه اخرى حتى لا تثير الشك طلبت منهم الذهاب إلى المرحاض ثم قامت بتبديل ثيابها وارتداء لباسها الجديد ثم نظرت فى المرآه لتتأكد من اخفاءه لهويتها ، هزت رأسها برضا فذلك الرداء الاسود اخفى ملامحها وجسدها بالكامل ، اخذت نفساً عميقاً ثم تحركت للخارج بحذر شديد وكما توقعت لم يهتم الحراس بالنظر إليها فنظرتهم جميعاً كانت مسلطه على الباب فى انتظار خروجها بهيئتها الطبيعيه ، تحركت بتأنى حتى وصلت إلى باب الخروج ثم ركضت إلى الخارج تستقل اول سياره اجره صادفتها متجهه نحو محطه القطار لتستقل اول واحد يقابلها
تحرك رئيس الحراس فى مكانه بملل وهو يرفع ساعده لينظر فى ساعه يده ، لقد مر حوالى نصف ساعه وسيدته لم تخرج حتى الان ، هل ما تفعله يستغرق كل ذلك الوقت ، لقد بدء الشك يراوده لذلك وعند خروج احد السيدات من المرحاض اوقفها ليسألها بأدب اذا كانت توجد سيده بمواصفات حياة فى الداخل ليطمئن عليها ، اجابته السيده بأنها كانت فى الداخل بمفردها وعليه تحرك إلى رئيس امن المول يشرح له الامر ويطلب منه الدخول للبحث عنها ، بعد التأكد من خلو منطقه الحمام اندفع رئيس الحراسه مع ما تبقى من حرسه للبحث عنها ولم يجد لها اثر ركض وحراسه داخل المول بأكمله وخارجه بحثاً عنها دون جدوى ، رفع هاتفه بعد يأسه فى إيجادها بهلع ليخبر فريد الذى كان فى وسط اجتماع هام مع شركائه الألمان ، التقط فريد الهاتف مسرعاً ليستمع إلى صوت رئيس حراسه يخبره بصوت مذعور :
-فريد بيه .. حياة هانم اختفت ..