البارت_50
بعد تصريح موسى الأخير عندما صعد على وجه السرعة هو ومن تتقاذفه الأفكار محمد بعد هذا الاقتراح المشين الذي سرده عليه موسى تفصيليا وإن أثبت ذلك الحل طهر وعفة صغيرته، سيجعل الصلح بينهما أشبه بدخول إبليس الجنة.
بينما توجهت أفكار موسى البناءة إلى الفض بين أطراف النزاع بالأعلى، وذلك حينما قال وهو يناظر الصقر بتحد :
-المؤذن اللي جال عليه صجر عياچي يكتب لمحمد وعروسته، والراچل التاني اللي المأذون چاي مخصوص لأچل ما يعجدلوه.
واستكمال مؤشرا بسبابته على كلا من ريان وصقر، قائلاً بنبرة حاسمة :
-وأنتوا التنين عتسرحوهم بإحسان، ربنا ما جالش إكده.
-واللي عيملتوه ديه عتتحاسبوا عليه عشان فيه كابير لازمن ترچعوله، مش إكده ولا لاه يا كابير؟
قالها بتهكم يقصد صقر، وهو يستكمل مربتا على كتف ماجد:
-وما تخافش على بت عمك اللي حوصل دلوك في حج بتنا ما عيحصلش من ماچد.
ارتفعت أصوات الاحتجاج وقد شردت وعد بمعالم وجه هذا الرجل ، تقطب جبينها في تركيز كمحاولة منها لتتذكر أين رأته من قبل.
لينهي موسى حيرتها قائلاً يدعي عدم التأكد :
-مش إنتي بت عزام؟!
وعد بإيماءة إيجاب وقبل أن تنطق، هدر الصقر يصيح بقوة وحزم :
-طلاج ما بطلجش، الست دي مراتي على سنة الله ورسوله.
قالها وهو يشير إلى أنچيل، ومن ثم استكمل بعناد كبح لأجله موسى ضحكاته المتلاعبة فذاك الصقر عاشق ويأبى التصريح، أما مصطفى أطرق رأسه مبتسما وهو يهز رأسه بيأس من يباسة رأس هذا الأرعن، متسائلا بينه وبين نفسه إذا كان إلى هذا الحد مغرم بها، لم يكابر ولا يعترف؟!
صقر :
-محدش يجدر يچبر الصجر على حاچة هو ما رايدهاش.
بينما أنچيل أخذت تعقيبه على محمل التعنت والكبرياء، تهم بإلقاء رد جارح، ولكن اسكتها موسى وهو يرفع يده بوجهها يحثها على الهدوء وترك زمام الأمور لولي أمرها الذي اقترب من الصقر يناظره بتحدي واضعا كلا راحتيه في جيب منطاله في شموخ مماثل قائلاً بتشدق :
-عينديك حج هي مراتك ومفيش حد يجدر يچبر راچل يطلج مراته كيف ما جولت إنت دلوك.
-لكن يا سيادة النائب لمن يتعرف إن الكابير جابل على حاله إن المرة اللي آنيها عايشة معاه مچبورة عيوبجى كيف الحال؟! .
-غير إكده أنت ناسي إنها معاه چواز سفر أمريكاني وچنسية يعني ما عتجدرش تمنعها من السفر لو هي عاوزة إكده، ووجت لمن توصل بلدها عتطلج في كلمة.
-ولو حاولت توجف سفرها بأي شكل من الأشكال عتحط حالك في صورة عفشة جدام أهل البلد وممكن لو الموضوع وصل المچلس يترفع عنيك الحصانة بسبب أن سيادة النائب صجر الزيدي عيتسبب في أزمة دبلوماسية بينا وبين دولة زي أمريكا.
-وحتى بعد ما تتشال من المچلس بردك أنچيل عتجدر إتسافر و قانونيا أنت مش عتجدر تمنعها.
بدأ ثبات الصقر في الزعزعة وظهر هذا من اهتزاز حدقتيه وانقباض بؤبؤيه دليلا على تقييمه للموقف ، هو بالطبع ملم بكل هذا ولكن ما وضع به فجأة اسكت بداخله صوت العقل ليصبح ما يرغب به القلب هو الوازع والمحرك واستكمالا لما يبدو أنه نزاع ولكن بالنظر إلى موقف الصقر بنظرة عقلانية ثاقبة سيتضح مدى رومانسية المشهد “بس بت الهبلة عامية ما بتشوفش🤦♀️”.
إذا قال الصقر مشيحا بيده “قال الكتكوت حجها مش همه 😂” :
-لو فيها سچن بردك ما مطلجش.
-وآني ورچالتي نجدروا نبنوا دولة چوه الدولة ولو چيش إبحاله ما عيعرفش يخطي چوات البلد ولا نملة عتعرف تخرچ منيها غير بإذني.
أعين البعض تقطر قلوبا والبعض الآخر أخذ تعقيب الصقر على محمل التهديد ألا وهو ريان، لذا اندفع يقول بتهكم:
-طب خيتي آني عخدها وأمشي ووريني كيف عتعرف تمنعنا نطلعوا برات البلد، يا… يا سيادة النائب.
قالها وهو يبسط يده إلى أنچيل التي بدأت في الهدوء نظرا لموقف ريان الداعم بعد أن كانت مصابة بهيستيريا الفشل الزوجي والاضطهاد الأسري الناجم من تجربتها الأولى، وهي ترفع يدها استجابة إلى دعوة ريان، ولكن هناك قبضة كالكماشة اعتصرت معصمه ومن سواه هذا العاشق المذعور، يهدر في ريان بحدة :
-يدك چارك، آني ما جابلش تلمحها بعينك مش تحط يدك في يداها إنت مش أخوها، ولو اتعديت إحدودك…….
بتر موسى تهديد صقر إذ اكتفى بمقطع الغيرة و حتماً لن يدع الأمور تتصعد بينهما إلى حد الاشتباك فالعشق الطافق من عيني الصقر يوحي بزلزال مدمر، وعلى أية حال لقد تحقق موسى مما أراد ولم يكن الهدف من الإتيان على سيرة الطلاق المغزى الحرفي للمعنى.
بل كشف الصقر أمام من كانت تسترق السمع بالأسفل وهي أنچيل وقد لمحها موسى ويعلم ما تعانيه الآن ولكن هل للمهووس، عقل ليفهم؟!
نعم فهي لديها هوس وهواجس ضد الزواج.
وهو لديه داء الكبر ولكن انتصر حب الصقر لها على عنفوان كبريائه فما يقوله الآن يصرخ بعشقه لها حتى النخاع.
موسى مغيرا مجرى الحديث بعد أن رأى بعيني خبير الحسرة على معالم وجه وعد، قائلاً :
-رياااان، صجر معاه حج واحد وغيران على أهل بيته وده موجتا، وآني عحل الموضوع ده.
-أنت عاد عاوز تاخد أنچيل وتخرچ بيها من النچع والبلد كلها!!
-وعتسيب بت الناس دي متعلجة إكده، مش لمن تطلجها لول.
ارتباك بدى على حركات جسد من وضع في خانة اليك، لا هو قادر على التمسك بعد حديثها عن حبيبها المجهول وما رشقته به من إدعاءات ليس لها أساس من الصحة أمام الجميع، ولا يقوى على البعد فقد أحبها ولا يعلم كيف سيتركها ويرحل، ليزده موسى من الشعر بيتا :.
-طلجها لول، وبعدين نبجوا نشوفوا جصة أنچيل.
_وعشان ما نبجوش بناچوا على الولايا، عريسها عيندي وأول ما توفي عدة عيعجد عليها.
غمزة أخرى التقطتها وعد من يسار عيني موسى عززت من عزيمتها لما تنتوي قوله خاصة بعد ما لمسته من تيه أقحم به ريان عنوة، لتكمل هي على ما تبقى لديه من ثبات ظاهري قائلة بغنج مسبلة أهدابها باستحياء متكلف:
-اللي تشوفه يا عموو.
-بس كده كده مش هنحتاج لعدة أنا وريو لسه أخوات.
لينفجر كل الحاضرين من الضحك حتى صقر الذي ابتسم بشماتة لا تخلو من الوقار، وهذا الهرج عم الحضور ما عدا كلا من له مأساة كمحمد وأنجيل، والهائمة ولم تستمع كسوسن، ومن يدعي اللامبالاة وهو لم يلتقط مما يدور شيئاً لشروده بالهائمة يسترق النظرات إليها كماجد، لتضف تلك البلوة آخر تعقيب لها، وستكن عاقبته وخيمة :
-أنا بقول خير البر عاجله، أخويا ريو يطلق والمز اللي من طرفك يكتب وأهو بدل ما نمشور المأذون معانا.
“دعوني أعقب: أحيه 🙆♀️😂”
البارت_51
تعالت وتيرة أنفاس ريان غضبا وغيرة وهو يتخيلها زوجة لغيره وبعد أن اتخذ قرارا مسبقاً بأنه سيطلقها ويلقي خلف ظهره أي ذكرى عابرة لها في خياله كما تعود سابقاً، ففي علاقاته الماضية كان أكثرهم تخلي وهجر على الإطلاق، ولم يكن يفكر:
هل الطرف الآخر على استعداد لهذا القرار بالانفصال؟!
أو أن ضحيته تلك قادرة على اجتياز هذه المرحلة أم لا؟!
أما الآن فهو قتيلها لن يطلقها قبل أن يحصل على مراده، وقبل أن يرفع يده ليهوي بها على وجهها ردا لما قالت
“وبغض النظر عن نفخة الست الوالدة اللي هو فيها 🙈هي تستحق صراحةً يعني🤝😂”
هدر به ملاكها الحارس ألا وهو العقل المدبر لهذه الزيجة بمساعدة ساعده الأيمن ماجد، قائلاً بحدة توقفت لها يد ريان في الهواء :
-رياااااان!! إيه بتعمل أنت؟! چنيت إياك!!
زفر ريان بحنق وهو يلتفت إلى أبيه قائلاً بتبرير :
-إيه فيه يا حچ؟! مراتي وناجصها رباية، آني حر وياها!! ولا مسمعتش عتجول إيه الهتيرة دي؟!
-بيجي آني اللي ما رضيتش أكسر فرحتها وجولت أستنى لمن أختها وچوزها ياچوا عشان أعملها فرح تحكي وتتحاكى بيه الناحية كلتها چاية دلوك اتهلفط بحديتها اللي بلا طعم ده؟!
-لاه وجدام الخلج!! لو عاوزة تطلج عطلجها بس مرة مش بت بنوت كيف ما جالت؟!
“لا حلوة يا ريو خلعت من الموقف بشياكة 😂شابوه بجد🤝”
أحمرت وجوه الفتيات خجلا، وبعض من الشباب كصقر وماجد أطرقا رؤوسهما على استحياء لما لفظ، بينما قالت تلك المتبجحة :
-عيب كده يا بيبي أحرجت البنات.
أخذ ريان يقرض على أنيابه غيظا، وهو يتميز حنقا ولكن قبل أن تبدر عنه بادرة قال موسى بنبرة قاطعة :
-هملونا لحالنا آني وأنچيل و…..
ضيق عينيه وهو يشير إلى تلك المصيبة، لتسبقه قائلة بابتسامة بلهاء :
-وعد يا عموو، وعد.
موسى : -هملونا لحالنا آني وأنچيل ووعد.
زمجر ريان برفض أبت شفاهه نطقه، ولكن ذلك الصقر لا يعرف المسلمات لذا جادل قائلاً :
-مع إن ما يصوحش تجعدوا لحالكم بس طالما فيه إمعاكم الست وعد آني ما عينديش مانع بس الباب عيفضل مفتوح.
-وآني آسف على اللي عجوله ده بس هو ده اللي عيندي.
-يا تجنعها تشيل من راسها فكرة السفر دي لا هيوبجى فيها دم.
-وكيف ما جلت أنت دلوك الحاكومة ما عتسكتش.
-وده مش عشاني، الصجر ما يهابش حد واصل، ده عشانها هي وعشان الناس اللي ملهاش ذنب وهتتودر في الموال ده من تحت راس چرايرها.
-وكيف ما المثل بيجول إن چاك الغصب خدوه بچميلة.
“أخدناه يا عم ولبسنا كلنا في حيطة 🙆♀️إيه يا زميلي 🙃 عالهادي يا زبادي إحنا عنلاجيها منيك ولا من #صفوان 🙈 😂”
امتثل الجميع لمطلب موسى وتوجهت فتحية وتحية اللتان تناظران محمد باستياء وضغينة وحتى وإن كانتا في قرارة نفسيهما تشعران بأن محمد لن يقدم على فعلته تلك مع سارة ولكن كما يقولون الإعتراف سيد الأدلة.
بينما خرجت سوسن، وماجد يحاذيها الخطوات فهمس إليها قائلاً :
-كيفك دلوك؟!
ابتهجت لسؤاله البسيط الذي يحمل بين طياته الاهتمام الذي تفتقده من أقرب الناس إليها، لتبادله الهمس قائلة بخجل توردت له وجنتيها :
-آني زينة، وأنت إيه عامل؟!
ابتسم برزانة أخترقت روحها لتهيم بملامحه الجذابة وحتى وإن كان ليس بقدر وسامة البعض ولكن يمتلك قلبا يفيض حنانا.
“ما تظبطي يا سو، مين ده اللي مش وسيم يا بت الصرمة 🤔، ده ميجو مز مزمزة السنين جطع لسانك😂”
ماجد باستحياء مطرقا رأسه عندما لامس ظهر راحتها المنسدلة خاصته فضج قلبه بصخب لا يعلم سببه ولم يكن حالها أفضل منه وها قد راودته الأفكار عن حديثهما ليلة أمس والذي اختتم بعناق خالص من أية رغبة فقدت أثناءه وعيها، فرد مجيبا عن سؤالها بتهتهة فهو أيضاً يفتقد ما ينقصها :
-أنا بخير طول ما أنتي زينة.
وما إن أصبحا أمام قاعته التي شغرتها، حتى تحمحم يجلي صوته قائلاً بتردد :
-ينفع أدخل اتسبح وأغير خلجاتي وعخرچ طوالي؟!
سوسن دون تردد، ويدها على مقبض الباب تديره تتقدمه إلى الداخل وهي تفرك كلا راحتيها معا بحرج قائلة :
-طبعا!! دي جاعتك وآني اللي واچب عليا أتعذر لك إني مضيجاك وممخلياكش تاخد راحتك.
ماجد بتسرع تعجب له كليهما :
-لاه ده إنتي نورتيها بوچودك، جصدي ممضيجنيش بالعكس.
زفر ناهرا حاله، ولا يعرف بما يلعي الآن، فقال مصححا وهذا من وجهة نظره :
-آني مرتاح إكده.
انفجرت ضاحكة بسبب حالة الارتباك التي انتابته، ولا تعلم إذا كان يحاول تصويب المغزى أم تأكيده؟!
قائلة من بين ضحكات تخللت أعماق قلبها، وهي سعيدة لذلك؛ إذ لم يطرق الفرح باب خافقها حتى وهي عاشقة لرضوان.
فدوما ما كانت تخشى من تكتمهما بشأن علاقتهما، و في هذا الوقت قد غرتها لهفة البدايات عن وقع ما هو آت.
أما الآن لا تعرف أيجب عليها أن تبوح له بسرها؟!
أم إنها إذا فعلت قد يتراجع عن فكرة إتمام مراسم الزواج وربما يطلقها فتعود للعيش مع والدتها حفيظة التي كانت السبب في انجراف مشاعرها تجاه أول شخص مثل عليها الحب وتقمص دور العاشق ببراعة حتى أزيح الستار عن وجهه الآخر لتبرز أنياب ذئب أراد لها العار.
سوسن بصدق :
-تعرف إن شكلك بيوبجى حلو لمن تستحي كيف ما أنت دلوك؟!
“الله عليكي يا سوسو 😍، قولي يا بنتي ده أنت عظمة خالص وإن جيتي للحق ميجو ابن حلال ويستاهل😉😂”
إطرائها أرضى رجولته وأنعش بداخله أحاسيس ليس من المفترض أن تثور لأجل طفلة؛ فلولا الظروف ما فكر في الارتباط بمن في مثل عمرها.
في حالتهما لا تكافؤ ولا منطقية وهذا فعلاً ما يمليه عليه العقل، متناسيا أن الحب يطرق باب القلب غفلة، لا يعترف باستحقاق ولا معنى للسن في معاجم العشق و الهوى.
تحمحم يجلي صوته، يقول بجدية أجاد استحضارها وهو يتوجه صوب خزانة الملابس يبحث عن شيء يرتديه :
-آني ما هطولش، دجايج وتجدري تاخدي راحتك.
-عتسبح على السريع وأهملك الموطرح.
بينما هذا الثائر بين ضلوعه يقوده إليها يطالبه بالتخلي عن كل الثوابت، يسأله لحظة جموح ولو بغمرة أو قبلة مبررا لعقله أنه لا ضير في ذلك.
تخلت عن تحفظها وثناء موسى على ملاك الرحمة خاصتها أضفى إليها مزيداً من الراحة تجاه من ظنته مثل من رحل وترك لها المذلة والمآسي، تترنم مسامعها بكلمات هذا الكهل التي تبطن معان كانت تلتمسها فيمن أعتقدت بالماضي القريب إنه عوض الله لها عما عايشته من جفاء في كنف أم بالاسم وعن أب فارق الحياة وخلف وراءه من لا سند لها من بعده.
سوسن بابتسامة، تعقب :
-آني كمان مرتاحة.
توقفت يداه العابثة بمحتويات الخزانة، فما قالته توا يحمل أكثر من معنى، ولا يعرف لما بات المغزى وراء تعقيبها هدفا يسعى إلى الوصول إليه، فسألها يدعي عدم الانتباه:
-كنتي بتجولي حاچة؟
ليس بارع في التمثيل إذ أنها لاحظت تجمده ما إن صدر منها ما يريد الاستماع إليه مرة أخرى، فلم تتمنع لذا كررت عبارتها مضيفة :
-آني كمان مرتاحة ومطمنة لوچودك إهنه.
أي من كلمات الحب تعادل ما قالت، أبعد الراحة والطمأنينة هناك شيء يذكر؟!
فماذا قد تسعى إليه الأنثى وترجوه سوى رجلاً تشعر معه بالراحة ويشملها بأمانه وعطفه؟!
هذا هو ماجد مصدر الراحة والحضن الآمن.
استدار ليقابلها فأومأت إليه وكأنها تأكد إليه أنها تعني كل حرفا مما قالت بينما هذا المتمرد بيساره لا يكف عن الهدر، لتستكمل مبادرتها تسأله وللآن لا تعرف لم فعلت؟! أهي تريد أن تعرف حقا أم ترغب في إطالة بقاءه معها، أو ربما السببين مجتمعين:
-هو آني ممكن أسألك سؤال؟
ماجد برحابة ووجه بشوش يتقدم ناحية الأريكة الموجودة بإحدى زوايا هذه الغرفة يجلس عليها بأريحية مرجعا ظهره إلى الخلف عاقدا ذراعيه أمام صدره، يجيبها بينما جلست هي على حافة الفراش أمامه وعينيها تراقب كل حركة منه عن كثب:
-ممكن طبعاً.
سوسن بتهتهة :
-هو أنت عمرك حبيت يا ماچد؟
لم لوقع اسمه من بين شفاهها أثر لذيذ، ناظرها بتقييم ومن ثم أجاب بصدق :
-ما عرفش.
انتصبت من جلستها مقهقهة وهي تخطو نحوه، تجلس إلى جواره على الأريكة “لا ده أنت بتتلككي بقى😂”، تقول بتعجب:
-في حد ما خابرش إذا كان جلبه دج ولا لاه؟!
اعتدل في جلسته ليقابلها، عاقفا ساقه اليسرى بتسطح أسفل اليمنى يستند بظهره إلى متكأ الأريكة، باسطا ذراعه الأيسر على حافة الظهر الذي كان يستند إليه قبل مجاورتها له، وقد بدى الحديث معها أكثر متعة من فكرة الاستحمام 😂، قائلاً ببساطة:
-آني ما خبراش، أو ماكنش عيندي رفاهية الحب.
بتر عبارته؛ لإلا يتخطى الخطوط المحظورة فماذا سيقول؟! :
أن أباكي السبب في أن أشيخ قبل أواني.
أو أن يقل أن والده كان السبب في أن يحمل الصقر على عاتقه مسئولية عائلة بأكملها والعائلة أصبحت كفر والكفر تطرق إلى عضوية مجلس عن عدة دوائر تشمل الكفور والنجوع المجاورة؟!
أم يأتي على ذكر مأساتها ليعلمها بأن من ضاقت عليهم حلقة الثأر لا حق لهم في الحب.
ولكنها لم تتنظر جوابا بل…….
البارت_52
جاهدت وعد كي لا ينكشف أمرهما لحين خروج الجميع ومن ثم اندفعت ترتمي بين أحضان موسى وهي تقول بمحبة ابنة :
-إيه يا عمو؟! كل ده عشان تيجي؟!
ربت موسى على كتفها بحنان أب، قائلاً :
-اهدي يا وعد واحكي لي، إيه عيملتي خلاه يعاملك إكده؟!
-آني أول مرة أشوفه بينفعل على واحدة ست كيف ما حوصل دلوك؟!
ابتعدت عن ذراعيه، مطرقة رأسها إلى أسفل على استحياء، وقبل أن ينطق لسانها بكلمة، تسائلت واحدة ممن تناظرهما بفاه فاغر، ألا وهي أنيتا بينما والدتها لا زالت تحاول الاستيعاب بعد:
-إيه ده يا چدي؟! أنت تعرف المحروجة دي؟!
زجرها موسى بنظراته قائلاً :
-عيب يا آني، دي آنسة وعد بنت أعز أصدقائي، صحيح ما جبلتهاش غير في زيارة واحدة لما چات ويا المرحوم بإچازة الدراسة، و كنتي أنت وجتها مع أمك عند چدتك، وخالك ريان كان بيخلص في صفقة برات الولاية.
-وهي وعزام الله يرحمه نزلوا في الجصر عندي السبوع اللي جضوا في أمريكا، ووجتها كانت أختها في رحلة مع زمايلها في شرم، بس آني بعتبرها كيف أمك تمام، أنتوا التنين بناتي.
قالها قاصدا وعد وأنچيل.
وعد بتصويب :
-كان كامب.
أمسك موسى شحمة أذنها يعتصرها بأنامله، وهو يزجرها هادرا فيها بحدة :
-احكي لي يا آخرة صبري إيه اللي حوصل من طجطج لسلاموا عليكوا.
Flash back
بدأت وعد تقص عليه ما حدث بعد أن هاتفته طالبة المشورة وذلك فور تخلي الصديق المزعوم لوالدها وهو طاهر عن مساندتها هي وأختها، ودناءة وخسة ابنه زين الذي ما إن وقعت له على إيصالات الأمانة ساومها بشأن هذه الصور التي أراد منها أن تلتقطها للمدعو ريان موشيه.
بالطبع حينها لم تكن تعلم أن ريان موشيه هو ابن صديق والدها العم موسى لأنها من الأساس لم تسأل ما إذا كان هذا الصديق لديه أولاد أم لا.
ولكن بين أحاديث السمر أثناء تناولها الطعام مع أبيها والعم موسى في تلك السفرة جائا على ذكر ابنه الأكبر وهو ريان وشقيقه المتوفي رضوان، ولكنها لم تلتقط أسماء، ولم تشغل بالا للأمر خاصة وأن العم موسى لمح بشأن رغبته في ارتباط ابنه بفتاة مشاكسة كوعد حتى تجعله منشغل بها طوال الوقت ويكف عن مغامراته النسائية.
في ذلك الوقت انسحبت على الفور كرد منها على رفضها لهذه الفكرة، وحتما لو جبرت في هذا الوقت على الارتباط بزير النساء هذا لم تكن لترضى بزيجة من شخص گ ريان مهما كلفها الأمر، ولكن ما رفضته بالماضي علقت معه في الحاضر، وهي تتذكر ما قاله لها موسى عندما لجأت إليه :
-ما تجلجيش يا وعد يا بتي، سايري الواطي اللي اسميه زين ده، وآني نازل مصر جريب وعتفاوض معاه بخصوص وصولات الأمانة دي، بس خلي بالك على حالك ريان ده مش ساهل وبيلعب بالبنتة لعب.
امتثلت وعد وقتها إلى نصيحة موسى بقلة حيلة، ولم يرنو إلى عقلها آن ذاك، أنه بقوله هذا كان يسرع من إلقائها في طريق من تمنعت من قبل عن الاستماع إلى عرض الزواج منه ليؤل بها الحال في الأخير زوجة له.
Back
وعد باستياء :
-عمو هو أنت اللي كنت مرتب للموضوع ده من الأول.
موسى بدهشة :
-أنهو موضوع فيهم، تجصدي مرواحك لريان إسكندرية؟!
أومأت له في إيجاب :
-كيف ده؟! وآني عرفت منك إن ريان نازل مصر، ومكتش خابر لا نازل ليه ولا ميتى!!
وعد بتساؤل :
-إزاي وأنت كنت بتحذرني منه؟! أكيد ليك دخل في اللي حصل وموضوع الجواز ده؟!
موسى بصدق :
-حذرتك لأنه ولدي وآني خابره زين، لكن ما عنكرش إني كان ليا يد في تسريع چوازكوا.
-ولاحظي إني جولت تسريع لأن زي ما آني خابر إن ريان إبتاع حريم خابر كمان إنه مفيش حد يجدر يچبره أو يوجعه في چوازة بالغصب.
-ريان حبك، بس من كتر ما شوف رخاص كان محتاچ اللي يوچه نظره للغالي وماچد كان عقل وضمير ريان الصاحي عشان إكده آني بعته.
-لكن أنچيل شبطت تاچي إمعاه هي وأنيتا ولما جالي جولت مفيش مشكلة إنهم يزوروا مصر، لأن مكانش في الحسبان إن يكون صجر كمان عرف بچيته مصر وبعت رچلته ليكم.
-آني كان ممكن أخلص الجصة كلتها وآني هناك في موطرحي لكن النتايچ مكانتش عتوبجى مضمونة لأني كت متابع اللي بيحصل في مصر من بعيد لبعيد.
-خاصةً لمن صجر خد عضوية المچلس.
ومن ثم وجه حديثه إلى أنچيل :
-صجر هو كمان ما خبرش هو عاوز إيه، أو خابر وبيجاوح، صجر اتظلم لما أخوي جتل أبوه، ولمن عمل عملته مع ريان، كان رد فعل طبيعي.
-سبج وهو فاكر أن ريان چي يكمل حدوتة التار الجديمة اللي للأسف رضوان ولدي الله يسامحه كان بيرتب لها بوساخة لمن اتچوز بتهم في السر.
-ولو كنت عالچت اللي عيمله صجر بالشدة يوبجى بصحي الميت وعيروح فيها كاتير.
ومن ثم سأل من بدأ قلبها يلين فبدى على وجهها التنبه والتشويق :
-أنتي عارفة آني عحبك كد إيه يا أنچيل ولا لاه؟!
أومأت بإيچاب تجيب بإقرار :
-عارفة يا بوي ربنا يديمك فوج راسنا.
موسى بإجزام موجها حديثه إلى كليهما:
-طب اسمعوا أنتوا التنين دكر الحديت عاد.
فركت وعد كلا راحتيها معا في حركة تدل على الإثارة والاستعداد وكأنها مقدمة على تنفيذ خطة الهروب الكبير ولا تعلم أن ما سيقوله موسى لن يكون هروبا ولكن سيترتب عليه الزج في قفص الزوجية.
ولكن ما أحلاه قفصا تدخله بكامل إرادتك لتجرب أشياء لم تفعلها بمتعة وإلزام محبب، وهذا ما إذا كان الطرف الآخر يستحق العناء.
وعد باستمتاع :
-قول يا كبير.
موسى بمهادنة :
-بيجي چوز التيران اللي لساتهم خرچين دلوك واجعين على بوزهم، واحد فيهم غشيم وده اللي لسه بخيره وما عيعرفش يتعامل مع الحريم.
قال تفسيره الأول غامزا لأنچيل كتصريح منه أنه يعني الكتكوت حجها 😂، ومن ثم استكمل موجها حديثه إلى وعد :
-والحزين التاني مفكر من كتر ما عك إنه عيخطف المرة دي كمان ويچري، وما عيطلعش وراه زي ما عمل جبل سابج هياخد اللي هو عاوزه وهيعرف ينساكي وفي الحالة دي هو حمار لأن اللي زيك ما تتنسيش.
وعد مربتة على صدرها بامتنان :
-تشكر يا حج، وربنا لو ما كنتش أتورط كنت أتجوزتك أنت رجل بتفهم وخبرة مش الحلوف ابنك.
موسى بحدة مصطنعة :
-لمي لسانك ده چوزك وولدي، آني أشتمه لكن أنت ما تغلطيش يا هتيرة أنت.
وعد بخنوع :
-حاضر يا حج، بس لدي استفسار صئنن كده وأتمنى ماكنش بقاطعك أو بضايقك؟
موسى برحابة :
-جولي يا بتي.
وعد وهي تحك ذقنها بتفكير🤔 :
-هو يعني إيه هتيرة اللي لزقة في بؤكم دي؟! عشان لو شتيمة أنا مش هسكت.
موسى ببساطة :
-لاه مش شتيمة ولا حاچة، ده وصف ومنطبج عليكي بالملي.
وعد بإنشكاح، بينما من اطمئن قلبها قليلاً، غطت ثغرها براحة يدها تداري بها ابتسامة ساخرة، ولكن أنيتا لم تخبأ ولم تتكلف بل أخذت تقهقه ملأ فاها.
وعد :
-بجد يا عمو؟! طب معناها إيه عشان ابتديت أشك في حاجة كده؟!
قالتها وهي تراقب ردة فعل كل من أنيتا وأنچيل بارتياب، فأجاب موسى :
-هتيرة يعني حمقاء، بلهاء، ما عتحسنش.
فأجابت الهتيرة دون تعقل :
-طه الحمد لله وأنا اللي…….. نعععععععععم؟!
مطت الأخيرة؛ ليقبض موسى على ملابسها من الخلف، فانكمشت على حالها تقول بارتياع:
-وأنا اللي أقول ابنك الهتير ده جايبها منين الحركة دي، أتاري هذا الريان من ذاك الأسد.
وعندما لم يطلق صراحها، ناظرته ترمش بأهدابها في براءة قائلة :
-ما يصحش كده يا كبير!! بتمد إيدك على واحدة هتيرة؟! مش قيمتك بردك!!
-أنت تعتقني لوجه الله وتقولي أنا والهتيرة التانية نتصرف إزاي مع جوز الهتتير حجنا عشان أنا طينتها على الآخر، وابنك ممكن يقتلني الليلة ويغسل عاره😂.
“وربنا وعد دي نمرة 🤝، بس عسل بت الهتيرة 😂”
نفض موسى يده عنها قائلاً :
-ما آني بجالي ساعة عسألك هببتي إيه ما عتنطجيش!!
وعد مسرعة تلقي حديثها دفعة واحدة :
-عقول، عقول، أنا… أنا….
موسى بنفاذ صبر :
-انطوجي يا بت عزام عتشليني.
وعد بحماس :
-بعيد الشر عنك يا عمو، ما أنا خايفة أقول أجلطك بردك، بس طالما أنت مصر ما باليد حيلة.
-قولتله إني بحب واحد تاني ومش ممكن أخونه.
مسح موسى على وجهه ظافرا بضجر، وهو يهدر فيها بحدة :
-فيه واحدة تجول لچوزها إكده؟!
وعد مطرقة رأسها، قائلة :
-ما هو اللي اتغرغر بيا عشان يتجوزني!!
موسى باستياء :
-لاه ريان ولدي ما يعملش إكده!!
وعد بتأكيد رافعة بصرها إليه، قائلة بتحدي :
-قعد يغريني لحد ما حصل اللي حصل.
موسى وهو على حافة الجنون :
-أنت يا مچنونة أنت!! مش لساتك من هبابة جايلة إن العدة مالهاش عازة؟!
وعد بعدم فهم :
-وإيه علاقة العدة بأنه قعد يزغلل عنيا بالفلوس عشان أوافق على كتب الكتاب، عشان ما يتكشفش قدامك وقدام خط الصعيد ويبان أنه كذاب؟!
موسى بنزق :
-عيني عليك وعلى وجعتك السودة يا ريان يا ولدي، صحيح ذنب ناس عتخلصه ناس!!
-يعني كل اللي دار بيناتكم ما تعداش كتب كتاب؟!
وعد بحرج :
-أكيد طبعاً أمال أنت فاكر إيه؟!
أنچيل مجيبة ولم تعد تطيق التزام الصمت :
-هو اللي عيفكر!! ولا أنت اللي كلامك مايع وما عيتفسرش غير بأنه نام معاكي غصبة عنك، ولا شربك حاچة أصفرة!!
قالتها أنچيل وهي تضع راحتيها على أذني أنيتا كي لا تتسائل عن معنى ما قالته أمها، فشهقت وعد بخجل تقول باستياء :
-يخرب بيت الانفتاح اللي أنتوا فيه، إيه العيلة دي؟! لا طبعاً مفيش كلام من ده.
موسى بنفاذ صبر :
-بس أنت وياها، اللي عجوله هو اللي عيتعمل، أنت يا أنچيل المدهول اللي اسميه صجر عاشجك بس مناخيره في السما ودبش ما عيحسنش، لكن رچل وعيصونك ما هواش كيف ما أنت فاكرة.
-ربيه على اللي جاله بس لو سبتيه صدجيني مش عتلاجي حد يحبك إكده، لوعيه عشان يعرف جيمتك.
أطلقت وعد صافرة استحسان قطعتها بعد أن زجرها موسى بعينيه “دودتها شكلها عتفضح الدنيا 😂”، قائلاً بشفاه مزمومة :
-وأنت يا بلوة أنت……..
قاطعته وعد بضيق :
-هتيرة يا كبير.
-كفايا مصطلح واحد تهزقوني بيه.
تأفف قائلاً :
-اسمعي يا هتيرة.
وعد بإنصات:
-قول يا كبير.
موسى وهو على وشك لكمها “جننتي الرجل الكبرة الله يحرقك😂” :
-لو جاطعتيني تاني، عسيبك منك ليه، وابجي جابلي عاد.
رفعت وعد يدها تكمم فمها، تومأ بطاعة، ليستكمل موسى توجيهاته :
-آني عخرچ أتحددت وياه لحالنا، وأنت اثبتي على موجفك.
وعد بأعين جاحظة:
-حضرتك تقصد…….
أومأ موسى وقد ارتسمت على شفاهه ابتسامة ماكرة، يؤكد حدثها قائلاً :
-أيوه هو ده اللي أجصده، سوجي عليه العوچ، بس ما تجوليش كلام أيفور الدم لا جدام حد ولا حتى بيناتكم، بمعنى سويه على الهادي اضروبي ولاجي.
وعد بحماس :
-حلاوتك يا حج.
-قشطة ما تقلقش هجنن اللي جايبينه!! 😂
هز موسى رأسه بيأس منها، قائلاً وهو يواليهما ظهره قائلاً بأمر :
-چهزوا حالكم الليلة كتب كتاب المعتوه التالت اللي چه يكحلها عماها، وبكرة دخلة چماعية وما تنسوش اتفاجنا.
التفت إليهما غامزا بتضامن واتفاق ضمني رفعت على إثره كلاهما إبهامها كعلامة تأكيد👍.
لحقت به الفتيات فوجدن مسعدة تخرج من غرفة سارة، وفتحية تشكرها على متابعة حالتها قائلة :
-متشكرة يا بنتي ربنا يفرحك ويسعدك.
مسعدة بود :
-مفيش شكر ولا حاچة يا أمي ربنا يجومهالك بالسلامة، هي كل اللي محتاچها غذا وده عيوبجى أفضل من المحاليل وابعدوا عنيها أي حاچة تضايجها وهي عتوبجى كويسة وزينة.
فتحية بكسرة :
-ربك عالم بالضيقة وقادر يفك الكرب من عنده.
وعد لفتحية :
-سارة مالها يا فتحتح؟! أنتوا مصدقين الهبل بتاع محمد ده؟! محمد عمره ما يعمل كده، أكيد فيه حاجة غلط.
الفضول ينهش دواخل مسعدة وهذا حالنا جميعاً معشر النساء😂، ولكنها لم تجرؤ لتسأل، بينما أجابت فتحية :
-لو ما يعملهاش أمال بلى نفسه وبلانا البلوة دي ليه؟!
وعد بتأكيد :
-عشان بيحب سارة، بس البعيد حمار والطريقة غلط، بس أحلف لك على مصحف محمد لا يمكن يأذيها، فيه سبب خلاه يقول كده وبعدين أنتوا اتأكدتوا من سارة الأول.
فتحية بحيرة :
-لا أكدت ولا نفت ولا أحنا عارفين نطلع منها بمعلومة، من وقتها وهي منهارة وحاولت تنتحر.
وعد بذهول :
-يا بت المجنونة!!!
ومن ثم انتبهت الهتيرة على حالها 😂، لتعاود تصحيح ما قالت :
-آسفة يا فتحتح، بس اللي بيحصل ده شغل مجانين الصراحة.
-أمال همس فين؟
فتحية وهي تفتح الباب على مصرعيه، قائلة :
-أهيه جوه، ادخلي.
نهضت همس من جلستها إلى جوار سارة الراقدة لا حول لها ولا قوة، وتجوارها على الجانب الآخر هناء، فتوجهت همس ناحيتهن تخاطب وعد :
-إيه اللي حصل مع بابا ريان ده؟!
سحبتها وعد من يدها، قائلة :
-بالإذن يا فتحتح.
ومن ثم وجهت حديثها إلى همس، وهي تركض والفتيات تتبعها ناحية رأس السلم المطل على الدور الأرضي، وهي تشير إليهن بأن يلتزمن الهدوء، وجميعهن يقفن بحظر يسترقن السمع وكأن على رؤسهن الطير، حتى مسعدة التي لا شاه لها ولا ناقة فيما يدور بالأسفل وقفت منضمة إلى القطيع.
فقد أحست مسعدة بينهن بالألفة التي تفتقدها فليس لديها أختا تشاركها أسرارها؛ لذا قررت أن تفضي إليهن بما دار بينها وبين طبيبها الهتير 😂، عل عصابة الفتيات تجد لها حلا، ولكن ستفعلها بعد أن ينتهين من جلسة اليوجا خاصتهن فجميعهن في ثبات مريب.
بينما موسى الذي هبط إلى الطابق السفلي وجدهم مجتمعين ألا وهم الصقر وريان ومصطفى ومحمد، أحدهم يناظره بترقب وعينيه تلمعان بأمل خاب.
وذلك عندما أشاح موسى بنظره عنه يهز رأسه متمتما بصوت غير مفسر نوعا ما ولكن قرأها الصقر من حركة شفاهه “استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم”.
تمتمته بالاستغفار هوى لها قلب الصقر، وتسائل ما إذا كانت النهاية مقدرة لهما بالفعل؟!
تشققت نياط قلبه يستمع إلى صوت تهتكها، لاعنا سوء طالعه فبرغم ما فاض الله عليه به ولكن الحظ العثر يلاحقه، وكلما ظن أن ميزانه سيستقيم تهوي إحدى كفتيه وها هو القدر يخرج له لسانه كيدا وكأن لا حق له في الحب ولا أمل له في أن يهنأ بأنيس يألفه.
أما ريان فقد عزم أمره، لن يحدث ما يقنط له أبيه الآن قبل أن يطأ جسدها، ويوشم كل خلية به بصك الريان، هذا ما استقر في نفسه رافضا إلحاق تمسكه بها إلى أي سبب آخر.
تلكأ موسى يمشي الهوينة مطرقا رأسه بحزن مصطنع عاقدا راحتيه خلف ظهره، يزفر متنهدا، والصقر قد ضاق ذرعا؛ لذا استقام يقول بنزق :
-إيه فيه يا حچ؟! سكوتك ده معناته إيه؟!
رفع موسى بصره إليه، قائلاً :
-أنتوا التنين غلطوا واحد استغل حاچة اللي أضعف منه وساومها وجبل بشرطها يوبجى مچبر ينفذ.
قالها وهو ينظر إلى ولده، بينما استكمل موجها حديثه إلى صقر:
-وأنت اخترت راحة بت عمك وكسرت بخاطر واحدة ملهاش ذنب في الجصة الجديمة.
-على فكرة أنچيل سمعتك وأنت بتجول الكلام ديه وإحنا في المكتب، ورد فعل طبيعي أنها ترفض تكمل وتجرر إنها تمشي.
صقر بالتماس وقلبه يؤلمه عليها :
-بس آني ما…………..
موسى باترا عبارته، قائلاً بضيق مصطنع :
-خلصنا يا صجر، آني…………
صقر بهيستيريا :
-لاه ما خلصناش، آني……….
موسى مقاطعا :
-ما تستهدى بالله وخد نايبك صبر عشان لسانك إبيفلت لمن بتفور إكده وچايز الكلام اللي عيطلع في الوجت ده يغفلجها بزيادة، اتجل واسمع.
أومأ الصقر بمهادنة، ينتظر بفروغ صبر ما يتأهب موسى؛ لقوله.
ولكن قبل أن ينطق موسى هب ريان من مجلسه يقول بصوت مرتفع حتى يصلها مغزى حديثه أينما كانت ولو يعلم أنها فوق رأسه مباشرة ما أحتاج إلى رفع نغمة التون إلى هذا الحد :
-آني محدش يجولي أعمل إيه وما أعملش إيه.
-الهتيرة دي معتمشيش حديتها عليا، و مالهاش عيندي اتفاج.
بينما وعد تلوي ثغرها بتشدق، وقد اشتعلت عينها بالعزيمة والإصرار على كسر كبريائه اللعين.
صقر برجاء موجها حديثه إلى ريان، فكل منهما يغني على ليلاه :
-اصبر بس يا واد عمي لمن نشوف الحچ عاوز يجول إيه؟!
إلحاحه لامس وتر بداخلها، وشيء ما بداخل مزته يقودها إلى تصديق ما قاله موسى فإذا لم يكن يعشقها لم العذاب واللهفة التي تنضح بها نبرة صوته، فلمعت عينها بتحدي مماثل للذي لاح بعيني زعيمة الهتيرات، فلابد وأن تعلم هذا الهمجي مبادئ العشق على الطريقة الأنچيلية.
موسى بإقرار يشمل الجميع بحديثه:
-الليلة اللي معجدش عيعجد، وعنلموا المهزلة دي وبكرة كل واحد يدخل على عروسته، واللي عتعوزه البنتة آني عنفذه اللي ما عترتاحش عتطلج وعتاخد حجوجها كيف ربنا ما جال حتى لو اللي عملي فيها غدنفر فيكوا ومرته مشت عليه رغبتها ماخلتوش يلمسها عيديها مؤخرها على داير مليم.
-ومؤخر عروسة محمد اتنين مليون چنيه.
محمد بتلهف :
-موافق بس اتجوزها.
وعد معقبة بهمس :
-آه يا ابن الهتيرة، بقى لو كنت طولت منها حاجة كنت هتوافق على كده، لو كنت بالوطينة اللي لزقتها في نفسك كان حلك قاعد وحاطط رجل على رجل وأنت اللي بتتشرط، بس ليها حل إن شاء الله.
مصطفى بعد أن استقام من جلسته احتراما، يقول بالتماس :
-وأنا يا عم الناس مش عدخل ولا إيه يا كبير؟! اشملنا بعطفك، كلك نظر.
بينما البسكوتة حجه أطرقت رأسها على استحياء، وتوردت وجنتيها خجلا، والفتيات جميعهن يشعرن بالفرح لأجلها على الأقل إحداهن حالفها الحظ لتحظى بهكذا مقدام يقتنصها من الحياة قنصا يعلم ما يريد ويستغل كل فرصة ليصل إليه.
موسى بدهشة :
-أنت مش جولت أنكم متچوزين؟!
مصطفى بتأكيد وهو يخرج قسيمة الزواج يناوله إياها :
-وهي ديه حاجة فيها هزار، طبعاً متجوزين، أنا كتبت بس لسه متأهلتش يا عمهم.
موسى قائلاً، بعد أن فحص العقد؛ حتى يطمئن على الابنة الثانية لرفيقه رحمه الله:
-العجد ما فيهش مؤخر، يوبجى عتمضي وصل أمانة.
مصطفى دون تردد :
-مضيت وعمضي واللي تؤمر بيه نافذ وفدى تراب رجليها، كده كده أنا لا هدفع ولا هي عتقبض، أنا أموت نفسي أحسن لو فكرت تسبني.
“الله عليك أدرش ربنا يفتح عليك يا زميلي 😂”
وفي هذه الأثناء دلف منصور، مقتطب الجبين دهشة لهذا الاجتماع الحماسي، وما التقطه هو آخر ما صرح به مصطفى؛ ليقل :
-الله عليك، دي مين ست الحسن والجمال اللي أنت واقع فيها دي يا أخ.
مصطفى باستنكار :
-وأنت مال أمك.
” أدي جامد أدرش، كفاءة.🤝 وعهد الله 😂”
منصور متحمحما بحرج وهو يمد يده إليه بالسلام قائلاً :
-لمؤاخذة نسيت أعرفك بنفسي، مع حضرتك دكتور منص.. صور، منصور 😂.
أشاح إليه مصطفى بعدم إعتناء “اعملك ايه يا منص؟! أنت اللي مهزق😂”
بينما ترأف موسى بحاله فالتقط راحته، قائلاً :
-أهلاً يا دكتور، لازم أنت عريس الليلة اللي جال عليه صجر.
منصور بنفور من التصريح ليس من الشخص نفسه:
-أيوه أنا عريس الليلة الغبرة يا باشا.
موسى بتعجب :
-غبرة!!
منصور بتصحيح بعد أن زجره صقر، واستمع أيضاً إلى صوت همام خلفه ويبدو أن لحظه العثر قد أتى همام في الوقت غير المناسب:
-غبرة!! مين قال غبرة!! أنا قولت عطرة بس الظاهر حضرتك مش من البلد ولسه واصل، هو تغيير الجو بيعمل برد بيأثر على اللوز والأنف والأذن والحنجرة، اشتري مني أنا دكتور وأعرف أكتر من حضرتك في المواضيع دي.
-هو قرص أنتي بيوتك والودان هتسلك بأمر الله.
موسى بتسلية :
-يوبجى اللي صار على محمد ومصطفى عيسير عليك.
وقبل أن يستفسر منصور أجاب الصقر عوضا عنه :
-معلوم يا حچ موسى هو يجدر يجول لاه؟!
قالها الصقر وهو يناظر منص بتحدي، فأجاب منصور :
-آه،…… قصدي لاء، يعني اللي تشوفوه.
أعلنها منصور كموافقة صريحة على ما ليس له به علم، وذلك عندما حطت راحة يد تشبه خف الفيل على كتفه ومن غيره ميمو 😂؟!
ريان بشماتة :
-يوبجى على البركة، عتمضي على مؤخر أو وصل أمانة ب٢ مليون چنيه مؤخر.
منصور متحليا ببعض من الشجاعة نافضا يد همام عنه، يصيح برفض :
-2 مليون إيه اللي همضي عليهم؟!
-مش كفاية لابستوني في مسعد وكمان هكتب مؤخر 2 مليون جنيه؟!
-دي لو كارينا كابور مش هكتب لها مؤخر 2 مليون جنيه!!
“تؤتؤ!! هي كارينا يا منص وعتكتب، بلاش حماس الشباب دهون عتدور حالك مع ميمو😂”.
رفع منصور يديه كعلامة استسلام عندما شعر بشيء ما يوكزه في منتصف ظهره، ولم تكن سوى فوهة بندقية همام، فجحظت عيناه رعبا وهو يلتفت ليتقصى ما في الأمر فارتد برأسه سريعاً، يقول بتراجع :
-أنا رأيي من رأي الأخ اللي مش طايقني ده، ده أنا أموت أحسن وتسبوني، قصدي ولا إنها تسبني، عمضي يا باشا، بس خلي همام ينزل السلاح، لا يطلع منه عيار طايش ولا حاجة، وأنا لسه فاضل في عمري كام ساعة على الإعدام، قصدي كتب الكتاب.
موسى بتحد موجها حديثه للصقر :
-خلي غفيرك أينزل سلاحه، وبالنسبة ليك أنت وريان المؤخر عيكون 5 مليون چنيه عشان تبجوا تهينوا الولايا.
الصقر دون تفكير :
-كلامك على عيني وراسي يا حچ.
ريان برفض قاطع :
-لاه هما 2 مليون چنيه، غير النص مليون اللي وصلوها ويوبجى كاتير عليها كمان.
وعد بتوعد :
-ماشي يا ريان الكلب إما وريتك.
“لا عنك أنت يا دودتها😉، تصدق أريو؟ عتصدق إن شاء الله، أنا عخليها تطلع تلاتة ميتين مامتشك 😂”.
موسى منهيا النقاش :
-اللي جولت عليه هو اللي عيتم، انتهينا چهزوا حالكم وكل واحد فيكوا يشوف عروسته ناجصها إيه عشان بكرة، الليلة الكابيرة.
منصور مذبهلا :
-ليلة إيه حضرتك؟!
موسى :
-دخلتك يا عريس!!
منصور ولم يستوعب بعد :
-لا مش فاهم.
موسى بسخرية :
-چرى إيه يا ضاكتور؟! ما فهمش يعني إيه دخلة؟!
-شكلك عتجصر رجبتنا!!
شماتة عمت الجميع إثر تعقيب موسى، بينما عقب منصور بأكثر شيء غرابة على الإطلاق :
-استر عليا يا كبير أنا فعلاً ما ليش في الحريم، تقدر تقول عقدة منذ الطفولة.
إلى هنا وانفجر الشباب ضحكا وما قاله منصور غطى تماماً على ما لمحت به وعد بالأعلى ونفاه ريان بحجته المقنعة.
موسى بحنكة فقد لاحظ بالطبع تهرب منصور من هذه الزيجة :
-معلهش إحنا بنتنا رچل وعتوجف چارك، وكل داء وليه دوا آني اللي عجولك بردك يا ضاكتور.
منصور موشكا على البكاء :
-روح يا شيخ إلهي…..
-إلهي ربنا ما يحرمك مني.
بينما من اجتمعن بالأعلى يكممن أفواههن من شدة الضحك حتى لا يفتضح أمرهن ومن ثم دفعتهن وعد وقد بدأ ألم كاحلها يداهمها فاستندت إلى مسعدة، تقول لها بتآمر :
-تعالي يا ميسو عاوزاكي في طالعة بس الأول، أروح أخد مسكن وأحط من السخام اللي المخبول بتاعك كتابهولي، تعالي تعالي عيني عليكي وعلى بختك المايل طلع منصورة مش منصور.
مسعدة بطيبة :
-لاه ده بيتهرب من الچواز.
وعد باستفسار :
-ليه هو راخر؟!
مسعدة :
-تعالي ويايا جوليلي على الطالعة وآني عحكي لك على الجصة من أولها.
وعد بحماس :
-قشطة يله بينا يا مزز.
تنبيه هام هناك مشهد +١٨🔞
بينما من تجلس جوار هذا الخجول، تناظره بهيام مترقب لكل لمحة منه تنتظر ردا لسؤالها ألا وهو “هل أحب ذات يوما؟!”
وكانت الإجابة أقرب ل “لا”.
تحمحم ماجد يهم بالوقوف قائلاً :
-آني عدخل الحمام بعد إذنك.
أسرعت تمسك براحته قائلة :
-ماچد، أنت ندمان إنك اتچوزتني؟!
عاد ماجد يسترخي في جلسته مرةً أخرى، ولمسة يدها إلى خاصته أرسلت بأوصاله رجفة لذيذة أسرت إلى سائر جسده استجابة غريزية لا سيطرة له عليها، فهذه أول مرة يشعر بهكذا أحاسيس تجاه أنثى، فأجاب بنفي :
-لاه مين جال إكده؟! آني مؤمن بإن كل شيء بتدبير ربنا خير.
ومن ثم استكمل بمكر جديد عليه وداخله يحثه أن يفعلها، و عينيه تراقب عن كثب ردة فعلها:
-وبعدين ده عيوبجى چواز موجت لحد ما الأمور تهدى وبعدين وجت ما تعوزي تطلجي عطلجك.
-أنت لساتك صغار ومش معنى أنك اتچوزتي بطريجة غلط عتفضلي طول عمرك تتعجبي على غلطة عيملتيها بچوازك بواحد كد عمرك مرتين.
لم تبعد يدها عنه بل اشتدت قبضتها على ظهر راحته وانتفض جسدها رعبا لفكرة تركه لها، وغامت مقلتيها بدموع قهر وحاجة، تقول بصوت مختنق :
-لا يا ماچد بالله عليك، آني ما عوزاش اتطلج خليني چارك ما تودنيش حداها تاني.
-لو طلجتني عموت نفسي.
رفع راحة يده الحرة يربت على ظهر كفها القابض على يده يطمئنها، قائلاً بنبرة حانية :
-خلاص اهدي بس دلوك، وبعدين عنتحددتوا في الموضوع ده.
على قدر ما خالجته الفرحة كونها لا تنفر جواره، على قدر ما يشعر بالأسى حيالها والكراهية للبغيضة حفيظة تلك المرأة متحجرة القلب ولا يعلم كيف لها أن تجعل فلذة كبدها تهابها كل هذا القدر!!
أي أم تلك؟! ألا تعلم عن الدين كون وجوب الطاعة على الأبناء؟! ألا تعلم أن الله أمرنا بحسن المعاملة فالكلمة الطيبة صدقة حتى ولو كانت للأغراب ما بالنا بمن هم منا، بل قرة أعيننا!!
ألم يقول الله في كتابه العزيز لرسوله الكريم “لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”، فسبحانه لم يخص فئة تنفر من سوء المعاملة بل واو الجماعة في النتيجة “لانفضوا” تفيد العموم والشمول، فإذا كنت فظا غليظ القلب، كانت النتيجة انفضوا من حولك.
والكثير يفسر على نحو خاطئ قوله تعالى “أموالكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم” صدقت ربي فيما قلت، فمالك المكتسب من الحرام أو الذي تنفقه في معصية الله ولا تخرج حق الله فيه هو شاهد عليك يوم القيامة.
وأبناءك الذين أطعمتهم الحرام هم بالفعل أعدائك في الدنيا تخليصا لما أقترفت من ذنب فأنت من جنيت عليهم بفعلك.
تفرقتك في معاملتهم عداوة.
وظلمك لهم عداوة.
وقيادتك لهم بقسوتك ليلتمسوا ما افتقدوها منك ومنكي لدى غيركما من حب فهو عداوة زرعتموها وأنتم من تحصدون نتاجها.
فإذا أردنا أن يعامل أبناءنا الله فينا، فعلينا أن نراع الله في نعمة وهبها لنا، ألا وهي نعمة الذرية التي حبى الله بها البعض، وغيرهم ممن عوضهم الله في الرزق بشيء آخر يفتقدها، نعم فأبناءنا هبة من الله نسأل عليها فلا تجعلوا عطية الله لكم خصيمة لكم يوم الموقف العظيم.
بكت سوسن تنعي حظها، لم الكل ينفرها ولا يرغب جوارها؟!
فلا أم راعت الله بها، ولا من نسج لها أحلام في الخيال رأف!!
وها هو ماجد يريد الخلاص.
رق لها قلبه، يقول برقة وهو يدنو إليها جاذبا إياها إلى دفء صدره:
-اهدي يا جلبي، ما تبكيش آني ما عسيبكيش إلا لو أنتي عاوزاة إكده.
حاوطت خصره بكلا ذراعيها بتملك وكأنه آخر ما تتعلق به روحها، تستند برأسها إلى صدره كطفلة مذعورة تلتمس الأمان وهي بالفعل كذلك، قائلة بنبرة مختنقة:
-لاه يا ماچد ما عجولش إكده عمري.
-عمري ما عطلبها منيك، آني ما صدجت لجيتك.
رفعت بصرها إليه وجدت نظراته الحانية تشملها بينما عينيها التي تلألأت بالدموع أسرته وأنفها وخديها المشوبة بالحمرة زادتها حسنا وبراءة، لتكمل قولها بما أنهار له ثباته مطيحة بأي ذرة تعقل :
-آني مرتك، وهفضل إكده لحد آخر يوم في عمري.
أنفاسها الدافئة تداعب صفحة وجهه وما هو بيوسف، دنى يميل برأسه إليها قائلاً بنبرة رجولية متحشرجة وعيناه تسألها الرأفة:
-خايف أظلمك إمعاي.
شددت من حصار ذراعيها حول خصره تقول بابتسامة من بين دموعها :
-لاه يا ماچد أنت عتظلمني لو بعدتني عنيك، آني ما عوزاش أسيبك واصل.
ماجد وقلبه يضج بفرحة عارمة فقد أرضت غروره كرجل أول مرة يقع لامرأة، وحديثها أشعل بجسده رغبة فتاكة ليهمس إليها عن قرب ونظراته الجائعة تتنقل ما بين عيناها وشفاهها المغوية :
-آني اللي ما جادرش أبعد عنيكي يا جلب ماچد.
أسبلت أهدابها بإغواء دانية إليه، تلعب على وتر حساس لديه، مقررة أنها ستفعل أي شيء ليبقيها إلى جواره.
انفراج شفاهها وارتجاف جسدها الغض بين ذراعيه، ويده التي تربت على ظهرها بمواساة أصبحت تستكشف جسدها بفضول لم يشبع من قبل.
يتنفسها، نعم ماجد الذي لم يدق نابضه لامرأة صار أسير أنفاسها العذبة التي تجذبه إليها كالمغناطيس، فاقترب أكثر يلتقم شفتها العلوية بين خاصته فبادلته ترفع إحدى راحتيها تحط بها على صدره، والأخرى تطوق عنقه تجذبه إليها وأناملها تعبث بخصلاته في رقة ونعومة.
ليميل إليها أكثر ورغبته بها جعلت كل ذرة به تطالب بلقاء، وتشنج عضلات جسده خير دليل على تأثيرها عليه.
أفرج عن شفاها، يلثمهما بقبلات رقيقة متطلبة وهي تئن بين يديه باستمتاع، فحتى إذا ما كان هذا ما تسعى إليه ولكن رقته معها جعلت حواسها تستجيب له عنوة، ومن نقمت على جنس ابن آدم أطاح ماجدها بكل قسم أقسمته!!
حاوط خصرها وكلما مال إليها تحركت بين يديه بامتثال وتحفيز حتى أصبحت متسطحة على ظهرها أعلى الأريكة وهو يعتليها يشبعها بقبلاته الأشبه برفرفة الفراشات على وجنتيها وأسفل ذقنها، وما أن يستمع إلى أنينها يعاود الكرة إلى ثغرها يبتلع نغمات استجابتها إليه بجوفه ومن ثم يوزع قبلات أسفل أذنها ورقبتها تشعر كلاهما بدغدغة لذيذة.
ازدادت لمساته جرأة وهو يعتصر نهديها أعلى ثيابها، وهي لم تبخل فمع كل لمسة تبادله قبلاته المتعطشة، فانسدلت يده إلى طرف ثوبها يحصره إلى منتصف فخذيها يتحسس بشرتها الناعمة فأفرجت عن ساقيها كدعوة منه ليستكمل ما بدأ.
آهة نشوة صدرت عنه واستجابتها تلك أوصلته إلى أقصى درجات الحاجة لتشعر برجولته في حضن ساقيها بعد أن عبثت يده بسحاب منطاله، وقد غاب عقله على الأخير.
وإذا بهما……….
البارت_53
انفض الجمع وذهب كل منهم ورأسه تتدافع بها الظنون والأفكار، فها ريان زاد إصراره في نيلها، أما صقر راغب في قربها، وعن مصطفى ضائع في حبها، وما بمنصور رهبة من اجتماعه بها، ومحمد يشغله مراضاتها.
أسرع مصطفى يعتلي درجات السلم قفزا يأخذ كل درجتين برفعة ساق، والفرحة التي تستوطن بداخله الآن لا يمكن وصفها، فهدر به موسى :
-مصطفى!! چنيت إياك!! على فين رايح أنت؟! وإيه اللي مطلعك حدى الحريم دلوك؟!
“إيه فيك يا حچ🤔، أنت فاتك مليطة جامدة بربك😂”
مصطفى وقد تجمد بموضعه، فيبدو أن فرحته لن تدوم، والخوف بدأ يدب داخله بخفي الخيبة داعسا على سعادة كان موشك على نيلها، متسائلا دون صوت، هل تعدى حدودهم وأعرافهم وهو لم يقصد؟!
خرق العادة!! تجاوز الحدود!! عارض التقاليد والأعراف!! قتل لهم قتيل حتى!!
فهو لن يستسلم هي له، حبيبته وزوجته، وسيفعل أي شيء لأجل اجتماعه بها ولمدى الحياة.
عاود مصطفى أدراجه إلى حيث مكان موسى الجالس يراقب تشتتهم جميعاً بتسلية ونظرات ثاقبة.
خيبة مصطفى التي يتزامن مع ظهورها على معالم وجهه لمعة الإصرار والتحدي الطافقة من مقلتي صريع في الهوى، نظرات تمنى موسى أن يراها بعيني ريان ولكن على ما يبدو أن ولده لم يقع لها بعد.
حماسة موسى نحو تهذيب هؤلاء الشباب نابعة من مواقف مشابهة له مع أخيه المتهور رحمة الله عليه، ورغبة كانت لديه منذ أن تزوج بوالدة ريان فقد كان يحلم منذ أن هاجر في أن يهبه الله من الذرية ما يعوضه غربته وفقده لأخيه الذي بالرغم من اختلافهما في الطباع إلا إنهما كانا مقربين، كلا منهما بمثابة ساعد للآخر.
ولكنه حُرم من استكمال حلم العزوة هذا بعد ميلاد رضوان رحمة الله عليه، إذ داهم زوجته نزيف حاد إثر ولادة متعسرة فاضطر الأطباء حينها إلى استئصال الرحم وكانت مشيئة الله ولم يعترض، حتى بعد وفاة ابنه رضوان احتسبه عند الله؛ فربط الرحمن الرحيم على قلبه.
وها قد عوضه المولى عما حرم منه بماجد الذي اعتبره ابنا أكبر له، والآن نصب نفسه أبا لابن غريم سابق وهو صقر، وفتح الله قلبه لكلا من محمد ومصطفى، حتى منصور الذي رأه منذ لحظات أحس تجاهه بالمسئولية ولا يعلم لما حدثه يقوده إلا أن ما يخشاها منصور ويشعره بالاضطهاد كونه جبر على الزواج منها وهذا ما وضح جليا من الموقف الذي دار منذ قليل، بأنها ستكون قرة عين له.
مصطفى بالتماس :
-العفو والسماح يا كبير، فاتتني دي، كان لازم استئذن بردك قبل ما اطلع للجماعة؛ عشان أخدها وننزل صد رد إسكندرية نشتري لوازمها.
-وأجيب الحج والحجة عشان يحضروا.
-وأبلغ القرايب والصحاب واللي عايز يحضر عجيبهم في عربية.
“بعيداً عن الاستماتة الحماسية يا درش في حب المزة وده يحسب ليك🤝😍، بس إيه حكاية طالع للجماعة دي🤔، إيه كلمة الجماعة اللي دارجة على لسان الروجالة اليومين دول، يعني لو قولت المودام أو خطيبتي عتخدش حياءها مثلاً 😂”
موسى متصنعا الوجوم، قائلاً باقتضاب:
-مفيش طلوع فوج، والبت ما عتروحش إمعاك، روح أنت چيب ناسك وعاود.
جلس مصطفى إلى جوار موسى وداخله يموج بالضجر وخارجه هادئ تماماً وللحقيقة هو يجاهد حتى يبدو على تلك الهيئة مستحضرا كل ذرة ثبات لديه، فهو في بلدهم وعلى أرضهم ومليكته بوكرهم فلابد وأن يلتزم برباطة الجأش حتى يظفر بها.
مصطفى بإقناع :
-يا كبير أنا عاوزك تسمعني وتحكم.
موسى بحث :
-سامعك، جول اللي في چوفك.
مصطفى بإيضاح، وعينيه تقدح بالصدق :
-لم تكون طول عمرك بتحلم بحاجة وطول الوقت تبقى عارف ومتأكد أن حلمك ده استحالة يتحقق زي ما تكون واقف على الأرض وعينيك على نجمة بعيدة في السما بينك وبينها مسافات وسنين، عاوز توصلها.
-لاء، عاوز تقرب بس عشان تملي عينك منها وإن شالله تموت بعدها.
-ويجي ربك الكريم يقرب المسافات وبدل ما كان كل أملك نظرة، تلاقي نفسك فاضل على حلمك خطوة والنجمة الغالية البعيدة تبقى ملكك.
-تفتكر إن فيه إنسان عاقل بعد ما ربنا مَنّ عليه بأمله، هيفكر مجرد تفكير أنه يضيعه ويرفس النعمة اللي ربنا قدمهاله على طبق من فضة وسخر له حتى اللي عايز له الأذى عشان يكون سبب في أنه يوصل لحلمه؟!
موسى بتضامن وقد راوده الفضول ليعرف قصة هذا العاشق، فأردف مجيبا :
-ده يوبجى حمار.
مصطفى مربتا على ساق موسى قائلاً ببشاشة :
-الله ينور عليك يا كبير!! وأنا مش حمار.
موسى بحاجب مرفوع ليس استنكار بل إعجاب بدماسة هذا الشاب، متسائلا :
-تعرف إني كنت أعرف عزام بيه الله يرحمه؟!
يعلم مصطفى أنه يستدرجه ليفصح عن القصة كاملة، لذا سيرضي فضوله طالما بدأ الحوار بالشد ، فسيواكب نوبة تقلبات هذا الرجل ليصل مصطفى إلى مبتغاه، فماذا سيحدث وقد فات المد على خير، و حتماً ستعاود موجة الغضب حضن البحر الحانق في الجزر؛ لذا أردف قائلاً :
-ما أعرفش يا كبير، بس طالما تعرفه أكيد تعرف الست نجوى اللي كانت بتشتغل عنده مربية؟!
موسى وقد استرعى انتباهه هذا الاسم :
-ما أعرفهاش معرفة شخصية بس المرحوم كان چاب سيرتها جدامي جبل سابج ووعد كمان، وجالوا فيها حديت زين والبتين بيعتبروها كيف أمهم.
مصطفى بنظرة دونية :
-أنا ابن الست نجوى.
موسى بتسامح :
-وإيه فيها؟! وليه وطيت راسك؟! الشغل عمره ما كان عيب يا ولدي!!
مصطفى بإيضاح :
-لا يا كبير أنا مش مكسوف ولا بستعر من وضع ربنا كتبه عليا، أنا خوفت لا تفتكر إني استغليت حالة همس والظروف اللي بقوا البنتين فيها عشان اتجوزها، وعهد الله يا باشا أنا حبيتها من قبل ما أشوفها.
-أنا قولتلك حكايتي عشان تعرف هي بالنسبة لي إيه؟!
-عمري ما في يوم ولا حتى لحظة عفكر في إني أكون سبب في دمعة تنزل من عنيها، أنا أفديها بروحي لو الأمر وصل لموتي أو فرحة أشوفها. على وشها.
-ودلوقتي باستأذنك أخدها، عشان هاعملها ليلة هناك وأعرف كل الناس إنها بقت مراتي مش هدخل بيها سوكيتي طالما هنعيش هناك لازم تعيش وسط ناسي رافعة راسها.
-وزي ما همضي هنا على كل اللي تحكم بيه، هاعملها هناك زي ما أحسن واحدة في حتتنا بيتعملها وبيجيلها، وده على قد ما ربنا هيقدرني.
-أنا لو كان عليا عاوز أجيب لها حتة من السما.
ما ظنه مصطفى سيعريه أمام موسى ويبخسه حقه زاد من تقدير واحترام موسى له، فبالأخير موسى رجل عصامي بدأها من الصفر، رأى وتعامل مع إيناس كثر ويمكنه التمييز بين الصادق ومن يدعي المثالية.
ومصطفى من القليلين الذين يطلق عليهم لقب رجل، ليس فقط ذكر في خانة النوع إنما رجل كما ذكر الكتاب؛ لذا أطلق موسى صافرة السماح ليزفر مصطفى أنفاسه براحة وذلك عندما أردف موسى قائلاً :
-أنت رچل يا مصطفى، ولو عزام الله يرحمه عايش كان عيديك بته وهو عارف أنه بيسلمها لرچل عيصونها ويحافظ عليها.
-عشان إكده آني عخليها تسافر وياك، آني رفضت في اللول مش تعنت مع إني أجدر أنفذ وأنت خابر، آني رفضت لأنك طالما حدانا لازم أتراعي عوايدنا وأصولنا.
-لكن بعد اللي جولته دلوك، مش عيب إني أجول إن أنت إمعاك حج، لازمن كمان ناسك يعرفوا بچوازكوا وتعمل ليلة هناك ويحضروا فرحكوا إهنه.
-و أهلاً وسهلاً بيهم وإن ما شاليتهمش الدار إهنه داري موچودة.
مصطفى ببهجة احتلت معالم وجهه مجيبا بامتنان :
-تشكر يا كبير كلك واجب، هما دول الصعايدة وكرمهم.
-بس إحنا مش حابين نتقل عليكم، أنا واللي هييجوا معايا بكرة إن شاء الله هنعملوا ليلتنا وأول ما الفرح يخلص هاخد عروستي والناس بتوعي ونرجع.
موسى برفض قاطع :
-مفيش الكلام ديه!! عيب ما لساتك جايل الصعايدة وكرم الصعايدة.
-فرحك وصباحيتك عيتموا كيف ما هاعمل لريان ولدي، وناسك على راسنا من فوج.
لا قبل لمصطفى بالمناقشة الآن لقد اشتاقها وهناك شيء آخر يجب أن يفعله قبل أن يغادر هذه القرية ومن ثم سيعود معها وهي عروس إسكندرية ووجه قبلي، لذا أجاب بمهادنة :
-اللي تؤمر بيه نافذ يا كبير وتقديرك ليا على راسي يا عم الناس، وإن شاء الله مش ههز ثقتك فيا.
استقام موسى من مجلسه، مربتا على كتف مصطفى باستحسان، قائلاً بمودة :
-وده عشمي فيك، اللي بياچي على الولايا ما عيكسبش واصل.
مصطفى بتأكيد :
-معلوم يا كبير.
أستدارت عينا موسى تجول بالمكان بحثا عن واحد من الأشتاء وهو صقر ولكنه لم يجده، فقال لمصطفى :
-تعالى إمعاي نشوفوا صجر شرج على فين لاجل ما يبعت لها واحدة من حريم الدار تجولها تحضر حالها وتنزل.
أومأ مصطفى دون حديث وتبع موسى إلى الخارج حيث الحديقة المتحلقة حول الدوار، ليجدا الصقر جالسا على إحدى المقاعد المرتصة بالحديقة الخلفية والمصنوعة من خشب الخيزران أسفل إحدى الأشجار وعوض يجلس القرفصاء إلى جوار الكبير أرضا.
يضرم النيران في بعض من قوالح الذرة الموضوعة بقصعة معدنية مقعرة وإلى جواره إبريق الشاي وعدة صنعه.
فدنى موسى يسير بوقار ويحاذيه مصطفى بينما الصقر شاخصا ببصره إلى أعلى حيث تلك القريبة البعيدة وعيناه لا تحيدان عن مكان شرفتها ويبدو أنه لم ينتبه إلى قدومهما، ولكن انتزعه موسى من شروده، قائلاً وهو ينقل بصره بينه وبين موضع شخوصه، وابتسامة ماكرة لاحت على ثغره :
-اللي واخد عقلك يتهنى به.
تحمحم الصقر، معتدلا في جلسته، يقول بمراوغة :
-اتفضلوا يا چماعة واجفين ليه.
ومن ثم استكمل موجها حديثه إلى عوض :
-زود الزردة يا عوض عشان الرچالة.
عوض بتأتأة :
-ع.. عيني ليك ولل… الرچالة يا كابير.
مصطفى ممسدا على صدره بامتنان :
-تشكر يا عمهم، بس أنا مستعجل، نازل إسكندرية على السخان، وهرد الصبح بالمشيئة.
موسى موجها حديثه إلى صقر :
-صجر يا ولدي، شيع حد من الحريم لچماعة مصطفى لاجل ما تنزل.
صقر برحابة :
-تؤمر يا حچ.
ومن ثم رمق الصقر عوض بنظرات آمرة، قائلاً :
-روح يا عوض للخالة صابحة، وخليها تجول للحريم إن أستاذ مصطفى عاوز چماعته تحت.
عوض بغشم وبلاهة :
-تجصد البدر المنور اللي إجت مع الأخ ديه، يا كابير؟!
قالها بابتسامة عريضة، وهو يتقدم ناحية الدار مارا بمكان وقوف من اشتعل غيرة ولا يعلم بحالة عوض ولا قدراته العقلية، ليقبض مصطفى على تلابيب جلبابه يديره إليه قائلاً بغضب جحيمي :
-ده أنت ليلة أمك مش فايتة!!
عقب هذا الثائر ولم ينتظر ردا أو إيضاح من أحد، بل كور قبضته لتحط بقوة مطرقة على الجانب الأيسر لوجه عوض تعيد هيكلة ملامح تلك الجهة، وقد استمع الحاضرين إلى صوت سحق أسنان هذا المسكين الذي صرخ بقوة ساقطا على الأرض وخيط من الدماء يسيل على جانب فمه، يقول مستنجدا :
-الحجني يا كابير، بيضروبني، والله لعخطفها، دي خسارة فيه.
وذلك بعد أن نفض مصطفى يده عنه، وقد استحال بياض عينيه إلى حمرة قانية جراء مغازلة هذا السفيه للبسكوتة حجه 😂، وتهديده له بخطفها.
زأر مصطفى بعداء يستعد لاستكمال واصلة اشتباك حال دون وقوعها انتفاض الصقر من جلسته يقف قبالة هذا الليث الغاضب، قائلاً :
-اهدى يا چدع، ده عجله على كده وما يحسنش.
لم يأخذ مصطفى تعقيب صقر بالمعنى الحرفي ولكن ما دار بخلده أن صقر يعني بهذا أنه متهور وليس مريضا عقليا.
لذا أشاح مصطفى بيده في وجه هذا الذي يقف حائلا بينه وبين هذا الوسيم، ووسامة عوض جعلت نيران الغيرة تتضاعف، وحمم أخرى سكبت بداخل قلب التاع رهبة من فكرة فقدها.
فهو يعلم عن وحدة أهل الصعيد ومؤازرة بعضهم البعض ولكنه لا يعلم عن طباعهم شيئاً إذ ظن أنه وإن كان عوض يعني ما يقول فقد يعونه عليه مَن حوله، فهو مخطئ.
مصطفى باستمامة، فقد خانه ذكائه هذه المرة، وعمته غيرة سوداء عن استنباط شيم أهل الصعيد، النخوة طبع يتوارثوه، وحُرمة الآخرين بالنسبة إليهم گ قدسية بيت الله، والضيف لديهم مكرم حتى لو أساء :
-بقولكوا إيه لا ما يغركوش إني بطولي، عرضي هدافع عنه لآخر نفس، وموتة بموتة هاخد في سكتي اللي عقدر عليه.
قالها وهو يقبض بكلا راحتيه على مقدمة جلباب الصقر الذي لم يحرك ساكنًا بل يقف بشموخ ونظرة ساخرة رمقه بها وهو يشيح بوجهه عنه بعد أن أومأ إليه ليلتفت، ولكن المستقبل للإيماءة لم يستجيب حتى بعد أن استمع إلى أصوات شد أجزاء سلاح يستعد حامليه لبدء إطلاق النيران بإشارة من كبيرهم، ليهدر موسى قائلاً :
-نزل يدك يا مصطفى، ما توبجاش غشيم زي المخبول ده.
قالها موسى الذي لمح اختلاف عوض عن الطبيعي منذ أن حضر، مشيراً إلى الذي بدأ ينتفض بهيستيريا لم يلحظها مصطفى.
تجمد مصطفى بأرضه بعد أن صوب نظراته إلى حيث مكان تكوم عوض الذي دخل في نوبة صرع واضحة للأعمى وقد غربت عيناه وشحب وجهه وبدأت الرغوات التي تفيضها غدده اللعابية تسيل من فمه مختلطة بالدماء، وحالته تحاكي الموتى فبدى وكأنه يحتضر لتطلق يد مصطفى صراح ثياب الصقر، يميل إلى ضحيته وإحساس بالذنب يتآكله، حتى وإن كان عوض يستحق من وجهة نظره.
فالوازع الإنساني هو ما يحرك مصطفى الآن، فأردف بهلع :
-حد يجي يشيله معايا نودوه أي مستشفى ، الرجل بيموت.
أشار الصقر إلى أحد رجاله، فلبى المقصود على الفور مقترباً، بينما خفض البقية أسلحتهم بإيماءة من رأس كبيرهم.
الصقر موجهاً حديثه لغفيره :
-روح يا سالم عيط على الضاكتور منصور في الأوضة الجبلية خليه ياچي جوام.
بينما تناول مصطفى زجاجة المياه يسكب القليل منها على راحة يده ينثرها على وجه عوض، أما الصقر رفع يمينه يعلق راحتها بفتحة جلبابه قائلاً بشموخ :
-اللي عيملته ده لو مكنتش عازرك فيه وخابر إنك ما تعرفش عوض ولا حالته وإنه ما يجصدش اللي أنت فهمته كت عتتحاسب عليه، وكمان عشان أنت ضيفي والضيف عيندينا رسول ونخوتك دي اللي خيشت في نفوخي شفعتلك.
-وخابر كمان إن حديتك اللي بلا عازة ده لإنك ما تعرفش عوايدنا، مش إحنا اللي نتكتروا على الغريب ولا لينا في النچاسة.
ثم وجه إشارة لرجل آخر قائلاً :
-روح أنت لصابحة جولها تخلي چماعة مصطفى ينزلوا، وأنتوا كل واحد يرچع مطرحه.
وخاطب مصطفى بتحفظ عن ذي قبل :
-جوم أنت شوف چماعتك، الضاكتور زمانته چاي.
مصطفى بإصرار :
-أنا مش هتحرك من هنا غير لما اطمن عليه.
______
أما بالأعلى حيث قائدة الهتيرات التي اصطحبت الفتيات إلى غرفة أنچيل مرةً أخرى وهي تقسم بأنها ستذيق ريان العذاب ألوان.
بينما مسعدة وبرغم ما صرح به منصها حتى ولو كانت تعلم تمام العلم بأنه إدعاء لينجو بحاله من الزواج منها إلا أن خفة ظله تطيح بعقلها فهو يختلف تماما عن المحيطين بها وتتعامل معهم سواء أكانوا مرضى أو أهل وعشيرة.
وعد وهي تجلس على حافة التخت تضرب على فخذيها براحة يديها قائلة بغيظ :
-آه يا ناري منك، لو أطول أطبق في زمرة رقبته مش هسيبوه غير وأنا مطلعاها في إيدي وعاملها كرافتة.
“يا چاحدة 🙄وهاتعمليها كيف دي 🤔🤝😂”.
همس بامتعاض :
-معاكي حق يا دودي، ده سمج أوي.
رمقتها وعد باستياء، معقبة :
-حقك تزيطي يا بسكوتة ما الواد واقع ورجولة، ياللاه ربنا يعدلها لك وبلاش إحنا.
همس بهيام :
-مصطفى ده چان وابن بلد خاطف قلبي.
“والله يا بسكوتة من ناحية چان فهو شبح فعلاً، وخاطف قلوب المتابعات وقلبي أنا شخصياً 🙈😂”
وعد مخاطبة أنچيل المنفصلة عما حولها :
-وأنت يا ست المسهوكة ما لكيش شوق تلقحيلك بكلمتين ولا الكتكوت حجك كل عقلك خلاص.
تنهدت أنچيل بحالمية وهي تومأ برأسها في إيجاب، معقبة :
-كتكوت إيه عاد، ديه أسد.
” وأنت يا أخت أنچيل توبجي إيه بصفتك أنثى الأسد 🤔، والله استحي أجولها 🤝😂”
جذبت أنچيل ساعد مسعدة تجلسها إلى جوارها، قائلة بحسرة :
-تعالي يا مسميسو إحنا ملناش في الآخر غير بعضينا بفرديتن المهاتير اللي يخصونا وفضحينا قدام اللي يسوى واللي ما يسواش.
جلست مسعدة وهي ترفع عنها غطاء وجهها تقول ببشاشة :
-من صبر چبر يا خيتي.
وعد بلوية ثغر :
-مش باين يا مساميسو.
مسعدة وهي لا تعلم إذا كانت تواسيها أم تواسي حالها :
-أنت ماشالله عليكي حلوة وزينة هو بس الكبر اللي واخده، بكرة لمن يتجفل عليكوا باب واحد عيعرف جيمتك ويفوج لحاله، بس أنت انشفي عليه هبابة وهياچيكي راكع.
وعد باندفاع :
-موت يا حمار، البعيد جبلة.
ضحكت مسعدة بعذوبة على تعقيبها، فأردفت وعد بتساؤل :
-ألا قوليلي ؟!الهتير بتاعك بيتهرب ليه من الجواز، مع إنك مزة ما شاء الله؟! أنا لم شوفتك استغربت أنك أخت هولاكو!!
مسعدة ولازالت البسمة تملأ وجهها فلقد وهبها الله قدر من الرضى ما يجعلها دائماً ترى الحياة بمنظور أخرى :
-هو بردك كون فكرته عني على أساس إني خيته لهولاكو وبيجولي يا مسعد.
وعد :
-اعذريه بردو بس لازم يتربى الهتير ده.
مسعدة :
-ما آني عچوزه ملك.
وعد باستغراب :
-الله أنت مش بتحبيه ولا إيه؟!
مسعدة باستحياء متجاهلة الإجابة عن سؤالها هذا :
-ماهي ملك توبجى آني بردك.
وعد تهز رأسها بعدم استيعاب :
-أنت ضاربة حاجة يا بت.
مسعدة :
-آني عحكي لك على كل حاچة.
-اسمعي يا ستي…………
__________
أحاسيس عذبة، وعواصف هوائج من مشاعر مفعمة بالحيوية، وغرائز استوحشت، كل هذا غيب عقل من لا تجارب له.
لن نقل شيطانه قد حضر، فما دخل الشيطان بما يدور بين رجل وزوجته؟!
أخرجه من نشوته صوتها المذبذب ويبدو أنها تراجعت أو هكذا ظن ماجد عندما ناشدته قائلة من بين قبلاته الحميمية لها :
-ماچد، آني كت عاوزة أجولك حاچة بس بربك ما تزعلش مني.
تصلب جسده، وضغطت يده بلا وعي على فخذها وهو يسند جبينه إلى جانب وجهها على الأريكة، يزفر أنفاس هوجاء، وعقله ينهره على ما كان موشك على فعله وبرغم الخيبة التي تملكته الآن فإحساسه بها كاد أن يكتمل لولا رجائها هذا.
ولكنه يحمد الله أن أحدهما استفاق بآخر لحظة، فما يحدث الآن لا يمت لما وعدها به سابقا وألزم به حاله.
نهض عنها بارتباك يلملم شتات نفسه، يلجم ألسنة الرغبة التي ما إن كانت لتنقضي لأخذ ينهر حاله ويجلدها في حالة أن وقع ما يستنكره عقله.
أطرق رأسه بخزي من حاله ويده امتدت تسدل ثوبها، يواري بها ساقيها الملفوفتان ناصعي البياض.
“ما تهدى يا عم ماچد🙈 ملفوفتان وناصعي البياض إيه بس؟! الشيطان صايع 🤝😂”.
بينما اعتدلت تنزل قدماها أرضا، يكاد الخجل يقتلها مما قادته إليه.
وإحساس بالخزي يجعلها تتمنى لو أن انشقت الأرض وابتلعتها خاصةً بعد هيئته تلك، وهي تلوم حالها كونها استوقفته لتعلمه أن يتأنى ويرحم عذريتها.
“أحيه هو رضوان ما كنش تمام 😏ولا إيه 🤝😂”
البارت_54
هرع غفير سيادة النائب صقر الزيدي باتجاه الغرفة التي يقطنها الدكتور منصور، يطرق بابها بقوة انتفض لها هذا الهائم يضرب أخماسا في أسداس بعد أن ورطه موسى نصار في مليون جنيه مؤخر لمسعدة أخت همام بل وقرر الجميع عنه أن الليلة هي عقد قرانه عليها ودخلته غدا.
هب مفزوعا من جلسته، فقد كان منزويا على أريكة عربية من الطراز القديم ولكنها بحالة جيدة، طرق راحتيه معا على نحو شعبي، وهو يتمتم:
-يا دي الليلة الغبرة اللي مش هتعدي!
رفع صوته قليلاً وهو يتسائل:
-مين اللي بيخبط كده؟! أنتوا بتصحوا ميت!!
الغفير على عجالة فحالة عوض غير مطمئنة على الإطلاق، وكذلك امتثالا لما أمره به كبيرهم، إذ قال:
-افتح بسرعة يا ضاكتور، الكابير مشيعني ليك وعاوزك تاچيه دلوك.
منصور متمتما، ويده تدير مقبض الباب بنزق، يقول بهمس حانق:
-تاچيكوا مصيبة متوصي عليها من هيئة الأمم المتحدة زي اللي حطت على العراق بحق جاه النبي يا كفرة.
-هو مفيش غيري تبلوه يا اللي تنشكوا!!
فتح منصور الباب متمهلا وهو يقول بوجه عابس:
-عاوزني في إيه كابيرك تاني، مش كفايا اللي جرالي من تحت راسكوا.
-ولا يكونش أنت كمان ليك أخت بايرة عاوزين تلزقوهالي هي التانية؟!
الغفير بحدة:
-بتجول إيه يا ضاكتور البهايم إنت؟ مين دي اللي بيرة وعوزين نلزجوهالك يا مخبل؟
منصور بتراجع:
-بهزر معاك يا رمضان!!
الغفير مزبهلا :
-مين رمضان ده راخر مخبل شبهك؟!
منصور متمتما بحرج:
-لا كده أنت اتهزقت هنا بما فيه الكفاية يا منص وبزيادة عاد.
-عاد! لا وبهتوا عليك كمان! أحيه!
ومن ثم رفع صوته يقول:
-ياله بينا يا أخ نشوف حضرة النائب عاوزني في إيه بدل ما أنت مبلم كده!
الغفير مشغوفا:
-أيوه صوح شهل يا دكتور، الواد عوض عيروح فيها.
قالها وانطلق يعدو أمام منصور الذي أجبر ساقيه هو الآخر على الإسراع في خطاها؛ فبالأخير واجب المهنة يحتم عليه أن ينحي أية خلافات جانبا ما دام أحدهم يحتاج إلى المساعدة.
زادت حالة عوض سوءا وزحفت الزرقة إلى وجهه وزادت نوبة تشنجه وبدأت الزرقة تنتقل إلى وجه آخر وهو مصطفى الذي يتآكله الذنب على ما آل إليه وضع هذا المسكين وذلك بعد أن أطلعه الصقر على ما به من خلال دماغي، هو مصر أنه يستحق اللكمة على تبجحه ومغازلته لهمس وأمامه ولكن هناك صوت بداخله ينهره قائلاً (إذا كان المولى لا يحاسب من لا عقل له على أفعاله وهو صاحب الحق ولا مخالف له فيما يفعل، فأنت أيها العبد الفقير إلى الله تحمله الإثم على عدم عقلانيته لما يقول!)
دنى منصور حيث مكان احتشاد الجموع وقلبه يدعو إلى الله ألا يناله من تجمهرهم هذا مصيبة جديدة فها هو شيخ المنصر صقر، والذئب الكبير موسى وفتاة الكوتشينة مصطفى، ورجال صقر متحلقين حول كبيرهم وضيفيه بالسلاح، وهناك جسد يفترش الأرض وعلى ما يبدو أنه عوض.
منصور لحاله:
-ما تجمد يا منص هو بعد جوازك من مسعد فيه مصيبة ممكن تكون أكبر من كده.
رفع منصور بصره إلى السماء يناجي ربه :
-لله الأمر من قبل ومن بعد.
منصور بعد أن رأى عوض، أشاح بوجهه ناحية الغفير الذي قام باستدعائه، يقول بحدة:
-أنت يا عم بدل ما كنت عمال تبرطم بكلام مالوش لازمة مش كنت تقولي على المصيبة دي.
-اجري بسرعة هات شنطتي من الأوضة.
هرول الغفير باتجاه غرفة احتجاز منصور يجلب له الحقيبة، ومنصور يشق طريقه بين الحشود يصرخ بهم:
-وسعوا كده هو مولد! واقفين تتفرجوا على إيه!
-اتنين منكم يساعدوني نثبت نصه الفوقاني وواحد يرفع رجله لفوق عشان الدم يوصل للمخ يا بني آاااادمييييييين الراجل بيموت.
لم يتحرك أيا منهم إلى بإشارة من سبابة الكبير، فأسرع اثنين من بين رجال صقر يحاولون بجهد مضني تثبيت جسد عوض يضمون يديه إلى صدره وقوة ارتجافة جسدها تعادل هزة زلزال بقوة ١٠ ريختر في بؤرة وقوعه.
بينما رفع الثالث ساقيه، ومنصور يتسائل بهلع:
-إيه اللي وصله للحالة دي؟!
قالها منصور وهو راكعا إلى جوار عوض يقول بينما يفحص قاع عينيه وتدفق الدم بعرقه النابض إلى جانب عنقه ويديه تميل رأس عوض إلى اليمين مثبتة إياه على هذا الاتجاه حتى لا ترتد افرازته اللعابية التي تتدفق من فمه على هيئة رغاوي غزيرة إلى المريء ومنها إلى القصبة الهوائية.
ووقتها سيكون قد فقد المريض جراء اختناقه فعدم تحكم الجسد في حالة مماثلة بوظائفه قد تودي به إلى الموت.
أجابه بضجر مصطفى الذي يساعد الرجال بالتحكم في هذا الجسد الثائر:
-هو ده وقت تحقيق يا زفت أنت ما تنجز وشوف هاتعمل إيه؟!
لمعت عينا منصور ببارقة أمل، فبالرغم من تجاوزات مصطفى معه بالحديث، إلا انه مشكوراً لفت نظره إلى نقطة هامة ألا وهي (شوف هاتعمل إيه؟!) إذا فقرار البت في حالة عوض بيده هو لذا أردف منصور معقبا بالرغم أن الأمر لا يستدعي ما سيلقيه عليهم الآن ولكن قد جائته الفرصة ولن يضيعها من بين يديه :
-بغض النظر عن الإهانة دي يا أخ مصطفى، فالمفروض إنه ياخد حقنة مهدئة وننقله الوحدة الصحية عشان أحطه على جهاز التنفس الصناعي وأعمله اللازم هناك.
رد عليه الصقر داحرا كل آماله:
-وماله شهل أنت واديله الحجنة وآني عشيع إمعاك همام ومسعدة كمان عشان إتساعدك.
منصور باحتجاج : – أحيه🙆♀️.
اقترب الغفير يناوله حقيبته الطبية ليتناولها منصور عنه وهو يكاد أن يبكي من القهر فقد ظن أنه سيتمكن من الهرب ما إن يبعد عن دوار الصقر وتخف من عليه أعين هذا الجيش من أتباع الصقر المخلصين.
عبثت يد منصور بحقيبته وهو لا يرى شيئاً مما أمامه، ولكنه استدعى كل انتباهه لإسعاف هذا المسكين الذي لا حول له ولا قوة وبالرغم من قلق الصقر على عوض إلا إنه ظل يناظر الدكتور منصور بتسلية، وما إن بدأ جسد الملقى أرضا في الإستكانة حتى وجه الصقر خطابه إلى همام، يقول:
-روح يا همام ابعت لمسعدة تاچي جوام.
انطلق همام باتجاه باب الدوار الخلفي الذي يفضي إلى غرفة الطعام وهو يطرق رأسه بخفارة متحمحما يرفع صوته بالنداء:
-خالة صابحة، يا خالة صابحة.
صابحة بنزق وهي تهرول من أعلى الدرج بعد أن قطع نداء همام خلوتها مع الفتيات، وهي تجيبه بصوت عال نسبياً كي يكف عن العوي بصوته الغليظ هذا وهي تقول:
-چاية أهه بزيادك جعير يا تور إنت؟!
رفعت صابحة راحتها تحط بها على صدرها تهدأ من اضطراب أنفاسها جراء المجهود الذي بذلته وهي تهبط الدرج بهذه السرعة، تقول متشدقة:
-إيه فيه؟! هي صابحة ما بدهاش ترتاح كيف مخليج ربنا!!
همام بطيبة:
-إيه فيه يا خالة!! ما كلنا عبد المأمور، الكبير عاوز مسعدة تحصل الضاكتور ع الوحدة لاچل ما يسعفوا عوض ألا چاته نوبة شديدة المرة دي وجالي اشيعك ليها.
صابحة بعجالة:
-طالعالها أهه عجولها تنزل وايا أخت الست وعد، حكم آني خابرة غلاوة عوض حدا الكابير.
همام وهو يستدير معاودا أدراجه من حيث أتى، يقول:
-بالعچل يا خالة سايج عليكي النبي، على أروح انجله مع الرچالة تكون هي حصلتتا على هناك.
قالها وانصرف دون انتظار رد وكذلك فعلت صابحة لتعتلي الدرج كي تخبر مسعدة بما أمر به الصقر، وهي تأمل ألا يكون قد فاتها الكثير من جلسة النميمة.
وعد لمسعدة :
-يعني أنت بتفهمي في الموضوع ده؟!
مسعدة بتأكيد :
-ألا بفهم ده آني اشتغلت سنة بحالها مساعدة لضاكتورة في التخصص ديه.
وعد وهي تشمر عن ساعديها، قائلة بحماس:
-إذا فليكن، يله بينا.
مسعدة بتساؤل :
-على فين يا ست وعد؟!
وعد بسخرية:
-ست وعد! إيه جو هوانم جاردن ستي ده؟!
ومن ثم علقت يدها بذراع مسعدة وهي تقودها إلى خارج الغرفة، مستكملة :
-تعالي معايا وأنا هافهمك.
وأثناء خروجهما اصطدما بصابحة التي أتت مسرعة، تقول بتلهف:
-ست مسعدة! الحجي الكابير شيعلك عشان تلحجي همام والضاكتور ع الوحدة ألا عوض حالته صعبة جوي وچاته النوبة.
وعد بفضول:
-نوبة إيه يا صبوحة هو عنده السكر ولا تكونش نوبة كلى؟
صابحة بنفي :
-لاه صرع كفانا الشر.
أمنت وعد على دعاء صابحة بينما أردفت مسعدة تقول :
-طب هروح آني دلوك أشوف إيه فيه، ولمن أعاود نوبجى نشوف الجصة اللي كتي عاوزاني فيها.
وعد بإصرار:
-هو أنا هيجيني صبر لغاية لما تروحي وتيجي؟! الحكاية كلها عشر دقايق، فوتي قدامي.
قالتها وهي تدفعها بخفة باتجاه القاعة الخاصة بسارة ووالدتها فتحية وتشاركهما بها تحية والدة محمد وهناء أخته.
أجفلت الثلاثة نساء بينما لم يصدر عن تلك التي تعتلي الفراش وهي سارة أي ردة فعل فهي غافية بعالم آخر، وذلك عندما أقتحمت وعد الغرفة دون سابق إنذار وتجاورها مسعدة، تحية من بين شهقاتها:
-فيه إيه؟! إيه اللي حصل؟!
وعد بدون سابق إنذار :
-اطلعي برة يا توحة أنت وهناء، عاوزين فتحتح في كلمتين.
فتحية بجبين مقتطبة بدهشة:
-إيه يا وعد اللي بتقوليه ده ولا عشان إحنا عندكم هتتعملوا معانا بالطريقة دي؟!
-لو على كده، إحن……..
وعد بتعجل:
-بقولك إيه مش وقت هتش خالص، عندنا فين إحنا كمان عندهم الحال من بعضه!.
-انجزوا البت دي لو مامشتش حالا صقر قريش هايبلعها.
قالتها وهي تشير إلى مسعدة، ومن ثم استكملت تقول:
-خلصي يا توحة وهافهمك بعدين وخدي هناء في إيدك وأنا كمان جاية وراكوا.
لبت تحية وهناء الأمر، بينما أغلقت وعد خلفهما الباب بإحكام، تهمس قائلة:
-فتحية البت دي واعية ولا في دنيا تانية؟
أجابت عنها مسعدة، وهي الآخرى مازالت لا تفقه شيئاً :
-لا مش إهنه دي في ملكوت تاني واخدة مهدئ إينيم فيل، كبدي عليها.
-جولي يا وعد بالله عليكي ما هاتسمعش حاچة، خليني أروح أشوف اللي ما تشندل في الوحدة إهنكة.
وعد بنظرة تآمر:
-أنا مش هاقول، إحنا هانعمل.
-فتحتح! مسعدة هاتكشف على سارة، ولو إني أنا متأكدة ومش محتاجة أعرف إن ابن أخوكي الأهطل كداب ولزق لنفسه مصيبة ابن الهبلة.
-أحمم، سوري!
مسعدة بعدم إدراك:
-آني ما فهماش حاچة واصل، ما آني لساتني متابعها وعطيتها حجنة مهدئة!
وكزتها وعد بخفة في مرفقها تقول :
-ما تفوقي أنت كمان، هي سارة اللي واخدة الحقنة ولا أنت؟
-أنت مش قولتي قعدتي مساعد دكتورة أمراض نسا سنة وعندك خبرة في المجال ده؟!
مسعدة بتأكيد : – حوصل.
وعد بحث:
-يبقى تنجزي وتشوفي لنا البت دي بت ولا ما بتش؟!
“أحيه!! أوعي يا دودتها تكوني تقصددددددي…🤦♀️”
فتحية بتلهف:
-بجد يا بتي أنت بتفهمي في الموضوع ده؟!
“أنت كمان يا فتحتح 🤔، طب نزود واحدة أحيه هنا كمان🤝😂”
مسعدة بعد أن اكتملت الصورة:
-أيوه يا أمي، ما تجلجيش بإذن الله خير.
فتحية بكسرة:
-يا رب يا بتي، قربي ربنا يستر عرضك، ولو إن بعد اللي قاله خايفة يطلع كلامه صح بعد الأمل ده.
-لو ما طلعتش بت هاتكسر أكتر من الأول لأني شاكة زيك يا وعد، وعندي إحساس إن محمد ما يعملهاش.
اقتربت مسعدة واستقامت فتحية من جلستها تعاون الأخرى في نزع الثياب الداخلية لسارة الأشبه بالأموات عن كونها بعالم الأحياء، في حين استدارت وعد تهم بالخروج تشيح بيدها قائلة:
-أنتوا عالم مجانين، محمد اللي زي القطة المغمضة هايعمل كده، لو بالوساخة دي مكنش اعترف على نفسه هناك ولا قبل يكتب لها مهر مليون جنيه يا عالم يا هبلة.
خرجت وعد من الغرفة فوجدت هناء وفتحية ينتظرنها أمام الباب ولا تعلمان أي مكان آخر يمكنهما الذهاب إليه بينما أطرقت وعد رأسها تقترب منهما تستند إلى الحائط خلفها وهي تمتم بشكل هزلي:
-يا رب ولد! لاء يا رب بت!
جحظت عينا كلا من تحية وهناء، بينما تسائلت هناء بذهول:
-ولد إيه وبت إيه؟ هي سارة حامل؟ يعني أنا هبقى عمتو؟!
قالت هناء الأخيرة بابتسامة بلهاء، بينما عقبت تحية:
-يا نهار أسود! يا دي الفضايح اللي ما تعرفش غير طريقنا!
وعد بتهكم وهي تهز رأسها بيأس:
-طب وربنا أنا قولت العيلة دي هبلة، وكلكم مجانين.
ومن ثم وجهت حديثها إلى تحية تقول:
-فضايح إيه يا حجة؟! ابنك ما يعملهاش ما يعملهاااااش، عتشلوني!!
تحية بخزي مطأطأة رأسها:
-أمال هيتبلى على نفسه؟!
وعد بتأكيد:
-أيوه البعيد حمار وغشيم، بس مش ندل، ومش عارفة أنتوا إزاي شاكيتوا لحظة فيه!!
-وأنت يا توحة! ده رباية إيدك!
تحية بشتات:
-ما هوه ده اللي هايجنني!
وعد وهي تمسح على وجهها بنزق:
-هاا..! أنت مجنونة بالفعل يا توحة، وابنك يستحق مية قلم ع وشه بس لما مسعدة تخرج.
تحية باستدراك:
-ألا صحيح هي بتعمل إيه جوه؟! وليه خرجتينا؟!
وعد بحماسة يشوبها المؤامرة:
-بتكشف على العبيطة اللي جوه.
تحية بجبين مقطب:
-إزاي يعني؟!
وعد بتململ قالبة عينيها بضجر:
-طب أقولها إيه دي يا ربي!!
-ما تفتحي مخك أتوحة، البت واقف!
قالتها وهي تؤشر بعينيها على هناء، فعقبت تحية تقول:
-والله بحاول أفهم……
قطمت عبارتها فجأة، تستكمل باستدراك:
-ألا هو أنت تقصد…..
وعد بلوية ثغر تحول دون استكمال تحية لما استنتجته :
-ألا هو فعلاً، الله يحرق ويلعن، حطي لسانك في بؤك يا توحة عتعصب عليكي.
“اهدي يا دودتها وترتيني معاكي 🤝😂”
بينما في الداخل بعد معاناة قد تفوهت تلك التي تسدل على سارة عبائتها وهي تقول:
-البت حوضها مجفول مكنتش عارفة أشوف حاچة من ضيجته فين وفين لمن العضلة رخت واللي بتوبجى إكده ما بيوبجاش اتلمست، بس عشان حج ربنا إني استنيت لما الحوض فتح.
-البت مختومة بختم ربها ومطلتهاش يد ولا مسها چنس راچل.
-بتك بت بنوت يا حچة واللي يجول غير إكده يوبجى كداب في أصل وشه ويستحج الموت.
فتحية بتفاجئ:
-يا ابن الجزمة يا محمد!!
وكأن نصرة العفة دبت لها الحياة بداخل فتحية، لتهب من جلستها ممسكة بمعصم مسعدة تجرها خلفها، ومن فرحتها نسيت أن تشكر مسعدة على مساعدتها لها وإخماد نار العار التي كانت تنهش بقلبها وعقلها كل شيء حي حتى عشش شبح الموت بداخلها.
وهناك محرك آخر جعل الدماء تندفع بعروق هذه الأم المكلومة فأصبحت في حالة هياج ألا وهو غضبها الشديد لما لطخ به محمد سمعة ابنتها فاستحالت إلى وحش كاسر يريد أن يفتك بمن أمامه أكان له علاقة بالموضوع أم لا.
بخطى أشبه بالركض اندفعت تحية كالعاصفة الهوجاء خارجة من باب الغرفة وقبضتها استمامتت على رسغ مسعدة، تتوعد محمد بينها وبين نفسها مقسمة بكل يمين معظم أن ما أدعاه لن يمر هكذا مرور الكرام.
“حقك أشبح وربنا بس اتكى ع الصبر عتغفلجيها ع الكل كليلة 🙆♀️🤝😂”.
ترى اندفاع تحية سيفسد الأمر على محمد ويهدم مخططته؟!
وهل سيتمكن منصور من الهرب من بين براثن همام؟!
البارت_55
كالمقاد إلى حتفه خطى الدكتور منصور باتجاه السيارة التي حمل رجال الصقر جسد عوض الغائب عن الوعي ووضعوه بداخلها، فالتمعت عينا منصور بالحماسة بعد يأسٍ، وهو يقرر أن يصعد بالخلف مع المريض استعداداً لاستغلال أي فرصة للقفز من السيارة ما أن يُهدأ السائق من سرعتها على الطريق الوعر.
انتفض منصور عندما استمع إلى صوت همام يسأله بخشونة : – على فين يا ضاكتور منصور؟
شهق منصور بفزعٍ، وهو يبصق بفتحة قميصه عدة مراتٍ بحركةٍ سوقية، يقول باستياءٍ : – عليك وعلى منصور في ساعة واحدة، قطعت خلفي يا عم همام، هاكون رايح فين ما أنا جاي معاكوا أهوه؟! إلهي تتقلب بينا العربية خلينا نخلص.
“بتف في عبك يا منص 🙃 فضحتنا يا عرة الردالة🤝😂”
همام باستغرابٍ : – إيه فيك أنت؟! كل ده عشان سألتك على فين!! آني كنت بجول تاچي تركب جدام مع السواج أريح لك ما تتزنج ورا مع الرچالة.
منصور ببلاهةٍ : – وأنت إيش حشرك أنت؟!أنا بحب الزنقة مع الرجالة عادي جداً على فكرة، هو أنا في ديك الساعة؟!
” منص عتتفهم غلط يخرب بيتك🙈!! منص إيه بقى؟! نخليها منصورة بأمر الله😂”
اتسعت حدقتي همام وهو يرمقه باشمئزازٍ، يقول بعجبٍ : – بتجول إيه أنت؟! يا حظك المجندل يا خيتي من دون كل اللي اتجدمولك ما توجعيش غير الوجعة الهباب دي!!
“لا استنى يا ميمو 🙄تجصد إيه بحديتك الماسخ ده 🤔”
ومن ثم أضاف همام بعجالةٍ : – اركب، اركب خلينا نخلصوا من الموال دِه.
قالها همام وهو يدفع منصور داخل الميكروباص الذي يتسع لاثنا عشر راكباً أراح الرجال جسد عوض على الأريكة الخلفية وصعد اثنان من رجال الصقر يحتلان مقعدين.
بينما أدت دفعة همام إلى أن افترش جسد منصور الأريكة الخلفية لمقعد السائق بعد أن كاد أن ينكفأ على وجهه ولكن ما راعه أن بمجرد اعتداله بمقعده وجد همام يحتل المقعد المجاور له في حصار لا يمكن الفكاك منه.
منصور بأعينٍ زائغة : – إيه ده يا أبو نسب أنت مش هتغور….. قصدي مش هتسوق.
همام بنظرةٍ جانبية : – لاه عتمان عيوصلنا لهناك، وإحنا معاودين ربك إيحلها من عِنده.
منصور بتأففٍ : – طب اتاخر كده مالك كابس عليا زي القضا المستعجل هو أنا هاهرب!!
همام بسماجةٍ : – حتى لو عجلك وزك ما عتعرفش.
تمتم منصور باستياءٍ، يقول بخفوتٍ : – أبو غلاسة مامتك.
همام باستفسارٍ : – بتجول حاچة يا ضاكتور؟
منصور بابتسامة صفراء : – بدعيلك أميمو، الله المستجاب وينوبك من اللي في قلبي ليك ربعه، وكده يبقى ربنا جبر بخاطري.
همام بسلامة نية : – اللهم آمين، ولك بالمثل يا ضاكتور، بس بلاها ميمو دي عاد.
منصور ببهوتٍ : – ليا بالمثل؟!
ومن ثم أشرق وجهه وهو يضيف بلكنة أهل الصعيد : – ما فرجتش گتير المهم حد منينا يفارج.
انطلقت السيارة تقطع الطريق إلى الوحدة الصحية بينما ظل منصور يلعن حظه العسر فكلما أعد العدة للخلاص ذهبت كل آماله سدى.
❈-❈-❈
بينما عند فتحية المستشاطة غضباً وتريد رؤية محمد على وجه السرعة، استوقفتها وعد تقول بعقلانية : – ما تهدي يا فتحتح وقولي هديت، وسيبي البت اللي أنتِ قافشة فيها دي تروح تشوف خط الصعيد بدل ما يتويها.
فتحية بعنادٍ : – مش هتمشي من هنا إلا لما الكل يعرف الحقيقة، منك لله يا محمد يا ابن أخويا حطيت راسي في الوحل.
قلبت وعد عينها بمللٍ، تقول : – طب البت ذنبها إيه ده بدل ما نشكرها هاتتسببي لها في مشكلة، سبيها يا فتحية الدنيا ما طارتش.
مسعدة برجاءٍ : – أيوه يا خالة همليني الله لا يسيئك ألا لو عوجت عن إكده الگبير عيغفلجها ع الكل أنتِ ما تعرفيش عيعز عوض كد إيه.
تركت فتحية يد مسعدة على مضضٍ وهي تلعن ابن أخيها الذي تسبب في كل هذه الدراما، فلو أتاها طالباً يد ابنتها ما عزتها عنه، وللآن لا تجد تفسيراً يُعقل لما فعله، بينما أطلقت مسعدة العنان لساقيها، فنادتها وعد تقول : – مسعدة… حصلي همس خلي مصطفى يوصلك في سكته.
أومأت لها مسعدة بالإيجاب ومن ثم استكملت طريقها إلى الأسفل لتلحق بهمس ومصطفى وعقلها يعمل في كل الاتجاهات.
وموقف فتحية وما حدث بالأعلى يشغل جانباً كبيراً من تفكيرها وهي تشعر بالحسرة بعد أن تفهمت لِمَ فعل المدعو محمد كل هذا، فقد ألصق بحاله مصيبةً كبرى فقط ليفوز بمَن يحب، مصيبة في عُرفِهم قد تتسبب في قتله.
وبالرغم من إدانتها لما فعل ولكنها أرادت أن يحبها منصور على نفس النحو لذا عزمت على أن تجعله لها ما دام لا يسعى هو إلى ذلك.
وما زاد من تمسكها بما انتوت هو ما لمسته من حبٍ بين مصطفى وهمس بعد أن صحباها في طريقهما بنفس السيارة التي جاءا بها إلى هنا.
إنها لا تستكثر عليهما ما هما به من سعادة ولكنها مشتاقةً لقطرة، تلك الطفلة اليتيمة التي بداخلها ربت دون احتواء وتريد أن تنال حظها من نعيم الدنيا، وما النعيم بنظرها سوى بقرب هذا الأبله الذي وقعت له.
لمحت مسعدة سيارة الكبير تتوقف أمام الوحدة، فأسرعت تربت بحرجٍ على كتف السائق الذي يقود السيارة ومصطفى جالساً إلى جواره بعد أن ترك المقعد الخلفي للفتاتين على مضضٍ، ولكنه لم يكُف عن مشاكسة همس بنظراته عبر المرآة الجانبية وتبادلهما الحديث الهامس بين الحين والآخر.
مسعدة بشغفٍ للسائق : – واجف إهنه يا خوي الله يخليك.
التفتت إليها همس، تقول بتساؤل وهي تشير إلى لافتة على بعد يتعدى العشرة أمتار من مكان الوحدة الصحية : – بس الوحدة لسه بعيد أوي يا مسعدة، هتمشي كل ده على رجلك.
أشارت مسعدة باتجاهٍ مخالف تقول بتلعثمٍ : – لاه يا نضري بس دارنا جريبة من إهنه، وكت محتاچة أفوت أچيب حاچة لزماني ضروري من إهناك وهتدلى الوحدة طوالي.
أومأت همس بتفهمٍ، تقول باهتمامٍ:
-As you like Honey
-بس بليز خدي بالك من نفسك.
ابتسمت عينا مسعدة عاكسة تلك البسمة العذبة التي ارتسمت على ثغرها وأخفاها نقابها عن الأعين، تقول بمحبةٍ وود:
-وأنتِ كمان خلي بالك من نفسك وما تعوجيش علينا.
وهناك مَن فتح الباب المجاور له يتحين ترجل تلك المنقبة التي لم يعرف عنها سوى اسمها الذي رددته همس، وبالأساس هو غير مهتم لمعرفة المزيد.
كل ما يهمه الآن هو معاودة الجلوس إلى جوار همسه كما كانا طوال رحلة قدومهما إلى هنا حتى توقفا لدى مجيئهما بالأمس عند الاستراحة التي عاهدها بها أنه سيخرج من حياتها إلى الأبد بعد أن طالبته بتنفيذ وعده بتطليقها.
عازمًا على أن يصنع ذكرى أخرى لهما بنفس المكان ليمحو قسوة الأخرى فبالرغم من أنه هادنها حينها إلا أنه لم يكن على استعدادٍ لتنفيذ ما عاهدها عليه ولو وضع السيف على نحره، سيموت ولكن سيظل اسمها مرتبط باسمه لآخر نفس له بالحياة، وكانت هذه أول مرة يقطع فيها وعداً على نفسه وداخله عاقد النية على التنكيس بما عاهد.
شعر مصطفى بالغيرة لما لقبت به مليكته رفيقتها الجديدة ولكنه بادر بالصعود إلى جوارها ما إن رحلت مسعدة، يجلس بوجهٍ متجهم مما أثار دهشة همس التي سألته باستغرابٍ : – مالك يا مصطفى؟! مش أنت اللي طلبت نرجع إسكندرية عشان نبلغ مامي نجوى وعمو، وتقولهم ينزلوا معانا البلد هنا عشان يحضروا الفرح.
ناظرها مصطفى بطرف عينيه يومأ بعبوسٍ لذيذ، ومن ثم أشاح بوجهه إلى الجهة الأخرى عاقدًا ذراعيه أمام صدره يتجاهل الرد على استفسارها بالكلمات مما جعلها تعاود التفكير بالأحداث القليلة الماضية علَّها فعلت ما ضايقه عن غير عمدٍ، ولكن حساسيته الزائدة باتت تقلقها.
بينما انطلق بهما السائق يعلم وجهته، في حين أن أخذ مصطفى يختلس النظر إليها عبر المرآة الأمامية التي عكست تشتتها وعندما احتارت كي تجد تفسيرًا لتحوله هذا، عاودت سؤاله بحيرة:
- ممكن أفهم أنت مقموص ليه دلوقتي؟
اقتربت السيارة من الاستراحة ذاتها المتواجدة على مشارف كفر الزيدي الواقع بحدود المحافظة على أول الطريق الصحراوي، فأجفل السائق عندما أمره مصطفى بصوتٍ أجش :
-على إيدك هنا يا أبو الأسطوات هننزلوا الاستراحة نجيبوا شوية تسالي لزوم الطريق.
السائق بسماحةٍ : – عنينا ليك يا كبير.
صف السائق سيارته تحت تململ همس، ومن ثم فتح مصطفى الباب المجاور له يترجل من السيارة دون التفوه بكلمة، فزفرت همس بإحباطٍ، تهم بالنزول وهي تناديه : – مصطفى!!
ابتسم هذا المشاكس بلؤمٍ محبب وتوقفت خطاه استجابة لندائها بل كل ذرة به كانت في حالة انتباه.
بينما أسرعت همس تتبعه بخطوات أشبه بالركض، وهي تقبض على ذراعه تجبره على الالتفات لها، فرسم الجمود على معالم وجهه وهو يستدير بكامل جسده إليها، يقول :
-إيه اللي نزلك من العربية؟ أنا قولت أخليكي مستريحة وأنزل أنا أجيب لك حاجات حلوة.
“لمؤاخذة يا درش ممكن تعمل حسابي معاك تنستر🙈”
رمقته همس بدهشة، فهو مبهم بالنسبة إليها من أين يتجاهلها والآن يفكر براحتها ويبحث عما يسعدها، فبادرته تقول : – ممكن أفهم أنت بتعمل كده ليه يا مصطفى؟
مصطفى مدعياً عدم الفهم:- عملت إيه بس يا قلب مصطفى!!
همس بغيظ : – أنت فاهم كويس أنا أقصد إيه، فمتعملش فيها idiot!!
“اتهدي يا بسكوتة درش بلدياتي ولو اتكرع في وشك بس هيرجعك بطن your mother immediately وربنا🙄”
أظلمت عينا مصطفى “طب وعهد الله قولتلها يا درش 🙃”، وهو يقبض على معصمها بقوةٍ يدفعها أمامه، وهي تعض على شفتها بتوجسٍ، تؤنب حالها عما زلف به لسانها.
“لا ما تشليش في نفسك هو نويها من الأول وبيتلكك أساساً اشتري مني 😉”
وأثناء ولوجه إلى الاستراحة قابل العامل ذاته الذي ارشده مسبقاً إلى طريق المرحاض.
قابله العامل بابتسامة ترحيبية إذ أن مصطفى كان سخيًّا وكريمًا معه بالمرة الأولى وأعطاه بقشيشٍ محرز ورقة بمية على ما أعتقد 🤔”بيتهيألي بقشيش دي قديمة شوية🤔اتس أوكي اللي طلعت بقى🤣”
حيَّاه مصطفى بإشارةٍ من يمينه، وهو يتوجه بها ناحية المرحاض “يموت في الزنقة، نمس الواد درش والله😂”.
تبعته همس بطوعية وهي على يقين أنه غير قادر على إيذائها وبالرغم من هذا فغضبه غير محمود.
دفعها مصطفى بخفة إلى الداخل يغلق المزلاج بعد تأكده من خلو المكان فاستراحات نائية كتلك لا يردها الكثيرون.
مصطفى بنظرة استشاطة : – كنتي بتقولي إيه يا غالية عشان ما سمعتش؟!
همس بتلبكٍ : – ما… ما…
قاطعها مصطفى يقول بعصبية طفيفة:
-بتمأمئي ليه ما كان لسانك مترين برة، ولا هو الكلام الحلو للغرب ومصطفى ترمي في وشه دبشتين بالانجليزي!!
قطبت جبينها بتركيز، تسأله بعدم استدراك: – الغرب؟!
مصطفى بلوية ثغر وهو يدعي الحزن : – أيوه الغرب… صاحبتك المنقبة إيشي honey وإيشي take care ودرش الغلبان تقوليله idiot يا اخي Damn!!
“لا يا درش البسكوتة غيرتك🙄 ما كنتش Damn، أي اسكندراني أصيل بيعبر عن احتجاجه بيا اخي A7A، بس Go ahead لأن المزة لو سمعت استياءك الاسكندراني مع السحبة ممكن يغمن عليها أو تطلب الطلاق أيهما أقرب🤝🤣”
كان يحادثها وهو يتقدم منها بعد أن أفلت يدها مُجبراً إياها على التراجع حتى ألصقها بالحائط خلفها، رافعاً يمينه مستندًا براحته إلى الجدار بجانب وجهها بينما زاغت أنظارها وهي تحاول إيجاد ما تثلج به صدره، فقالت بتلعثم:
-ده كومبليمو عادي يا مصطفى، لكن أنت……
قالتها وهي تخفض رأسها بخفارةٍ، ولم تسعفها الكلمات إذ خشت أن يحرجها لو أنها غازلته بأي كلماتٍ توددية وهو غاضب كالآن.
فهمس يحثها على الاستكمال : – أنا إيه يا ست البنات؟
اختلست نظرة سريعة إلى وجهه ثم عاودت التهرب بنظراتها منه تقول بصوتٍ ناعم:
-أنت my sweet honey.
عض على شفته بجموحٍ وهو يسألها :
-طب لو مش هيضيقك، الhoney عاوز يسمعها وهو باصص في عنيكي الحلوين.
هزت رأسها برفضٍ، تقول باستحياء:
-باتكسف.
“لا مش قادرة اسكت سوري🙄، بتت… إيه يا عنيا!! ده أنتوا خاربينها لغاية ما جالي أنا والمتابعين جفاف عاطتشفي بسببكم🙈، سوري يا درش، كمل، أسفين يا جيهة😂”
ارتفعت يساره تثقل ذقنها يجبرها على النظر إليه وابهامه يداعب طابع الحسن خاصتها وهو يقول بلوعةٍ : – بخيلة أوي يا قلب مصطفى؟!
هامت في سحر نظراته المتطلبة وهو يأسرها برجولته، تشعر بمدى ضعفها أمامه فقربه يزلزل كيانها وشخصيته المهيمنة تعزز أنوثتها؛ فهو قوي مسيطر، ومعها سيطرته تكمن في قدرته على جعلها تخضع له دون إجبار، تنقاد إليه مخيرة لا مسيرة وهذا ما يثير دهشتها.
همست بصوتٍ رقيق، تقول بتيهٍ : – إنت إزاي كده؟!
خفض أنظاره يركز بصره على حركة شفاهها المغرية، وهو يبادلها الهمس : – بردو بتهربي ومستكترة عليا كلمة حلوة!!
قالها وهو يرسم الحزن ببراعة يشيح بنظره عنها، مسدلًا يساره يهز رأسه بيأسٍ مصطنع ولكنه لم يبتعد، فشهقت كغريقٍ وهي ترفع يمينها تتحسس صفحة وجهه، قائلة بتوسل:
-مش بحب أشوفك زعلان يا حبيبي، بليز.
مصطفى بهيامٍ : – أحيه!!
زوت ما بين حاجبيها بغرابة : – فيه إيه؟!
مال برأسه إليها يقول باستعطافٍ أبعد ما يكون عن لفت الانتباه : – همس؟
همهمت باحتياج غير قادرة على التفوه بكلمة وهي تجزم بإنه إذا لم يفعلها ستبادر هي، فأضاف يقول بوجدٍ : – لما جينا هنا إمبارح، وعدتك إني هنفذ لك رغبتك، بس في نيتي إن ده لا يمكن يحصل غير بموتي.
قاطعته تقول بشغفٍ، وقلبها يتراقص فرحاً لاستماتته المُرْضِية لكبرياء الأنثى بداخلها في حبه لها : – بعيد الشر عنك يا درش.
رفع سبابته يكمم فمها قائلاً وهو يبتلع بإثارة:
-لا يا همس، بُعدك أوحش من الموت، ولو كان قبل كده معناه إني أعيش وقلبي معاكي بس كان هيبقى عندي أمل طول الوقت إنك تحنيلي وألقيكي جاية تخبطي على بابي.
-لكن بعد ما دقت حلاوة حبك ليا، لو فكرتي تبعدي هيبقى بتقتلينيي بإيدك، ف……
جاء دورها لتمنعه من الاسترسال وهي تزيح إصبعه عن ثغرها تتشبث بمقدمة قميصه تقف على أطراف أصابعها جاذبة إياه إليها تلتقم شفته السفلية بين خاصتها، فتأوه بلوعةٍ، وهو يسدل يمينه المستند إلى الحائط ليحاوط خصرها، مخللاً أنامل يده الحرة بين خصلاتها الحريرية.
يحكم حصاره لها وهو يتولى عنها إدارة تلك القبلة الشغوفة التي بدأتها همسه بنعومةٍ، وما إن تولى هو القيادة حتى صارت أكثر عمقاً، فهالت الأرض أسفل قدميها.
وما إن شعر هذا المحب بضعفها حتى رفعها عن الأرض يثقل جسدها إليه، وهو يبتعد للحظة سامحاً لها بالتقاط أنفاسها ولكنه لم يكتفي بعد.
“روح يا مصطفى يا ولدي ربنا يفتح عليك فتح الفاتحين🙈، ويصفصف رجالتنا بحق جاه النبي بدل شغل النطح اللي هما ماسكين لنا فيه🙄 والسواطير مسنونة وجاهزة🤝🤣”
❈-❈-❈
عند منصور الذي ظل يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يحاول ثبر أغواره كي يتمكن من متابعة عمله بعد أن فشل في الهروب للمرة التي لا يعلم عددها إذ أنه بات يشكك في مدى صدق مسعدة بأنها ستقبل هكذا وبكل بساطة أن يتزوج صديقتها عليها وبنفس الليلة.
وأثناء انشغاله بتوصيل سن خرطوم المحلول المعلق على الحائل المجاور للسرير الطبي الموضوع أعلاه جسد عوض الذي يبعد عن عالمهم مئات الأميال، فحقنة المهدئ التي حقنه بها ستجعله غائب عن الوعي ليومٍ كامل كأقل تقدير، وذلك بعد أن حمله همام ومن معه إلى الداخل وخرجوا يحاصرون مخارج الوحدة ومنافذها كما أمر الصقر.
استمع هذا الناقم إلى طرق ناعم على باب غرفة الكشف ولكنه لم يكلف حاله الالتفات للتعرف على شخصية الطارق فمن المؤكد أنه أحد الغوغائين المكلفين بحراسته وگأنه أحد الخارجين عن القانون أو الأخ مسعد كما يدعوها قد جاءت كما أمر كبير الملاعين كما ردد بينه وبين حاله.
ولكن تجمدت يده الممسكة بالسن وهو يستمع إلى صوتٍ أنثوي رقيق، يقول ما إن سمح منصور للطارق بالولوج في تلبية خشنة، وصاحبته تقول إبان صرير صوت الباب الذي فُتِح:
-مساء الخير يا دكتور منصور، أقدر أساعد حضرتك في حاجة أصل مسعدة طلبت مني آجي بدلها عشان تروح هي تستعد لكتب الكتاب.
استفاق ذلك الذي صعق عند استماعه لرنين صوتها التناغمي الناعم بأُذن منتصبة باهتمامٍ، وقلبه يبتهل إلى الله أن تكون القادمة هي مَلَك العروس المنتظرة.
استدار منصور بتمهلٍ، تزامناً مع رفع مسعدة لوشاح نقابها ترفع الستار عن جمال رباني يخلو من أية مساحيق تجميل سوى مُثقل رموش بني أبرز صفاء عسليتيها، وبات السكوت في حرم الجمال هو المسيطر على مَن فغر فاهه ببلاهةٍ، ولم ينطق سوى بسؤالٍ واحدٍ، ولا زالت عينيه تحملق بها في شدوهٍ وقد فتنه جمالها منذ النظرة الأولى.
فالصورة التي رأها لها على هاتف مسعدة وإن كانت لفتاة جميلة ولكن مَن تقف أمامه لحماً ودماً، مرتدية فستان محتشم رقيق التفاصيل يبرز القليل من مفاتنها بوجهها الذي تستحي الشمس أن تشرق في حضرتها لهي أكثرهن فتنة وأنوثة على الإطلاق.
-اللهم صل على النبي، أنتِ مين يا مزة…. قصدي يا آنسة؟
ابتسمت ملك بخجلٍ، تقول برقة: – ملك… ملك صاحبة مسعدة خطيبة حضرتك.
منصور متمتماً ببهجة :
-والله وباضت لك في القفص يا منص، يا بركة دعاكي يا أم منصور.
“فكراها الدعوة يا مفضوح أنت والحجة 🤝🤣”
ومن ثم استكمل يقول بصوتٍ عابث يخاطبها:
-حضرتك إيه بس؟! وبعدين مش أنت ومسعدة واحد؟
أومأت بإيجابٍ، تقول : – طبعاً.
منصور بغباءٍ : – خلاص خلي البساط أحمدي و قوليلي يا منص، كده كده مسعدة بنت حلال ومش هاتستخسرني فيكي.
أدعت مسعدة عدم الإدراك، تسأله باستفسارٍ :
-مش فاهمة؟!
منصور بتواضعٍ زائف : – مبروك عليكم أنا، اشتريت 🤝🤣.
“أنت بايظ أمنص بربك🙃 البس مش خسارة في هبلك😂”
البارت_56
انفض الجمع المحتشد أمام القاعة التي تقطنها فتحية وتحية والفتاتين سارة وهناء، بعد أن أقنعتها وعد بضرورة التريث حتى مجيء محمد والتقصي منه عن سبب لجوءه إلى هذه الحيلة، مشيرة إلى أن دخوله بسارة أو عدمه لن يغيير من الأمر شيئاً فبموجب عقد الزواج الذي أشهره أمام الجميع هي زوجته، وأي تشكيك في صحة العقد سيجعل سارة وفتحية في قبضة عمها الانتهازي وزوجته وقطعة الشطرنج ولده.
توجهت وعد إلى قاعتها على مضض فآخر مكان ستفكر بالذهاب إليه هو قاعة أنچيل خاصةً بعد ما حدث بينها وبين ريان وأمامهم جميعاً، وأنچيل بكفة وغلاظة أنيتا بكفة أخرى.
كما أنها أفسحت المجال لفتحية وزوجة أخيها؛ فمن المؤكد أن هناك ما يتوجب قوله بينهما، وبالحضور المنتظر لمحمد في أي وقت سيجعل الأمر خاصاً للغاية.
تنفست الصعداء وهي تطل برأسها من فتحة باب القاعة، تمشط أرجائها ولم تجد أثرا لريان، فتقدمت إلى الداخل بانتشاء، تغلق الباب خلفها بالمزلاج، وزيادة في الحيطة حركت المفتاح بموضعه ولم تكتفي بإدارته لمرة واحدة بل أحكمت غلقه بعناية، نازعة المفتاح تلقيه على التخت بإهمال، وعلى ما يبدو أنه قد سقط أرضاً، ولكنها لم تشغل بالا للأمر.
“مش عارفة ليه يا دودتها حاسة كده خير اللهم اجعله خير، أن ريان ممكن يكون 🙈”
جحظت عيناها بهلع، “لا ما تقوليش 👀، طلع في بيت الراحة🤝😂”، وهي تستمع إلى صوت فتح باب المرحاض، وهاجسها الأكبر يخرج ساترا جزعه إلى ما بعد ركبتيه بمنشفة كبيرة، يجفف شعره بأخرى أصغر حجماً.
لم ينتبه ريان لوجودها إلا عندما شهقت برعب ليسقط ما بيده أرضاً، وهو يهدر فيها بحدة:
-الله يحرج أبو اللي چاب أبوكي يا عملي الأَسْود، إيه فيه؟
-لدعك عجرب إن شالله؟
وعد بتأتأة وهي تشب على أطراف أصابعها تتبين موضع المفتاح، تجيبه بقوة واهية:
-اخس عليك يا ريو، بعيد الشر عليا.
قالتها بجسارة تحسب لها وذلك بعد أن وقعت نظراتها على ضالتها، فها هو المفتاح بجوار الفراش على بعد ثلاث خطوات لا أكثر وبغباء لمعت عيناها وهي ترتكز ببصرها على ما تنشده ولكن هناك من قطع عليها كل السبل، فأثناء انقضاضها في إتجاه المفتاح كان هو الأقرب إذ أخطأت في تقديرها هذه المرة فإن كانت المسافة بينها وبين خلاصها ثلاثة أقدام فريان قطعها في خطوتين يضع قدمه الحافية على المفتاح، يحول بينها وبين محاولتها للهرب وها قد وقعت بين براثن الأسد.
“واخد لي بالك أريو يا واد عمي!! براثن الأسد 🙈انشف عاد ما تصغرناش”
وأثناء اندفاعها اصطدمت بجسده، فتعرقلت لتسقط على التخت خلفها ولم يكن جسدها هو الشيء الوحيد الذي هوى بل انحل رابط ساتره لتقع المنشفة أرضاً أسفل قدميه.
“أحيه🙈، اتحشم يا چدع أنت، أنا قصدي أسد في رد الفعل المنعكس مش في جلة الحيا😂”
ولحسن الحظ عقب تفاجئها رفعت راحتيها تلقائياً تغطي وجهها، “أيوه يا بتي استري ع الهتير ده🙈، ده مهما كان ابننا بردك🙃😂”، فهدر فيها يقول بحدة:
-خليكي كيف ما أنتي، وحسك إتفتحي عينك لاجلعهالك.
“تجلع إيه يا أخ ريو🤔، هو عاد فيه حاچة تاني تتجلع😏 إلا إذا كنت بتاخد شوار بالشراب زي بتوع الكورة😂”
وعد بتوجس، وقد التزمت ولله الحمد بما قال لأول مرة: -لا مافيناش من قلع.
ريان بصفاقة “صفاقة🤔أكتر من كده هاياچي بوكس الآداب بضهره يشيلني معاكوا🙈😂”:
-آني ما عنديش مشكلة في الموضوع ده بالخصوص.
وعد بالتماس: -طب انجز خلينا نخلص.
“😱لحظة واحدة يا دودتها، يإيه 🤔 لا هنا أحيه بقى، وأحيه أولى كتعقيب مسبق مني منذ بداية الموقف، يبقى مجمل البارت اتنين أحيه واحدة ليكي وواحدة لأبو بشكير سايب😂”.
انحنى ريان يلتقط وشاحه وتجمدت يده في طريقها لدى استماعه لما قالت، وراوده شيطانه لامتلاكها خاصة بعد ما عقبت به، وهو يتمتم بإثارة : – آني چاهز أنت اللي لساتك مغمضة عنيكي.
وعد تقول بعدم إدراك ولازالت على حالها : – أنت مش قلت إياكي تفتحي؟!
ريان زاويا ما بين حاجبيه : – أمال إيه انچز دي؟! إحنا عنجضيها غميضي.
تأففت وعد وهي تقول بثورة : – ما تخلص وتلبس هدومك، يا تديني المفتاح خليني امشي من هنا.
ريان بلوية ثغر : – البس هدومي؟! ده باينها أيام حالكة.
زفر ريان بإحباط بعد أن منى نفسه بما يهفو إليه جسده المثار إثر تلميحها الغير مقصود، ضاربا الأرض بقدمه وهو يعيد لف المنشفة حول خصره متوجها إلى الدولاب يفتح بابه بعصبية مفرطة، يلتقط بعض من الملابس الخاصة بصقر الموجودة بداخله، فاجفلت تلك التي أخذت تسترق النظر إليه عندما أغلق باب الدولاب بحدة مما أصدر صوتاً مزعجاً.
يريدها ولا ينكر ذلك وبالرغم من سفاهة أفعالها إلا أنه ليس بالحقارة التي تجعله يجبرها على الخضوع له، وفي الوقت ذاته لن يطلقها إلا عندما ينال مراده منها، ارتدى ما بيده مقرراً الخروج من هنا بأقصى سرعة لا إلا يفقد السيطرة على حاله، فقال بجمود:
-تجدري تفتحي عينك، آني طالع وسيبهالك أمخضرة.
ابتسمت لما رأته من معالم الامتعاض على وجهه، وقررت أن تتبع إرشادات البوس موسى، فخاطبته بغنج:
-كلك ذوق يا رورو.
تجمدت يده في طريقها إلى مقبض الباب استعداداً للخروج وهو يردد بأعين جاحظة بعد أن استدار ليقابلها :
-رورو!! كانك چنيتي؟! إيه رورو دي كمان؟!
وعد بنعومة “وعد ونعومة🤔مش بلعاها🙄 الاتنين مش راكبين على بعض، طب بغنج وعدنها لكن نعومة دي مش راكبة 😂”
:-اخس عليك يا بيبي كل ده عشان بدلعك؟!
عضت ريان على شفتيه بإثارة وهو يتقدم نحوها يقول بمجاراة:
-لاه إذا كان دلع أدلعي على كيفك، بس يعني الچلع ده حاف إكده من غير…
قالها بغمزة عين ذات مغزى وهو يجلس إلى جوارها على التخت ممسداً صدره براحته، بينما أجابته وعد تقول مدعية عدم الفهم وهي ترفع يدها إلى مقدمة جلبابه وأناملها تعبث بأزراره بإيحاء تتلاعب به : – مش فاهمة يا رورو؟!
اقترب يميل برأسه إليها، يبتلع بتلهف:
-لاه أنت فاهمة، وعنيكي عتجول اللي مكسوفة تجوليه، وبعدين أنت مراتي يعني أي حاچة تحصل بيناتنا حلال، حتى ع الأجل أغير لك الفكرة اللي أديتيهالهم عني.
ارتفعت راحتها تتلمس جانب وجهه برقة تقول بهمس : – ده أنت شايل مني بقى.
زفر ريان بشوق وهو يرسم الحزن ببراعة :
-جوي، هو يصوح بردك اللي اتجال جدامهم ده؟!
أسبلت أهدابها بخزي مصطنع وهي تبعد يدها عنه فالتقطها على الفور، يعيدها إلى موضعها يثقلها بكفه مقربا إياها إلى فمه يقبلها بعمق يمتص بشرة يدها بحركة جعلتها ترتجف باستمتاع، لتعلم أنها الخاسرة الوحيدة في هذه اللعبة.
هو يجاريها بمكر لتسلم وهي تحاول استقطابه ولكن غشاوته تحول دون أن يرى عشقها له الواضح بعينيها، لذا قررت تعذيبه ستجذب وترخي حتى تعلقه بها، فتمتمت تقول:
-طب إيه اللي يرضيك وأنا أعمله؟! أنا ممكن أنزل أقولهم أني كذبت عليهم وأحكي لهم الحكاية كلها من الأول.
-وإن أنت كنت قد إيه شهم معايا، وادعيت إني مراتك عشان تحميني من اللي خطفونا وجابونا هنا، وإني مش مراتك ولا حاجة، والكلام اللي قولته قدامهم كان عِ، ند فيك مش أكتر.
ريان بحث:-
Come on, Wa3d…. Let’s do it… You like me and so do I… So what’s the problem
أطرقت وعد رأسها تحاول تلجيم لسانها الزالف وهي تبتلع سبة نابية قد تنال من شرف السيدة الوالدة وحينها لن تكن العواقب محمودة فبرغم مما يهزي به من طبائع غربية إلا أن النخاع مصري أصيل وعرقه الصعيدي لن يتقبل ما ستنعته به من لفظ مشين “كنتي هاتقولي إيه يا دودو🤔 أن ممكن أتولى عنك هذه المهمة عادتشي🙈😂”.
أطلق صراح يمينها يتحسس ذقنها بنعومة، يرفع رأسها إليه ظناً منه أنها تفكر بالأمر، فأغمضت عينيها لبرهة قبل أن تزيح الستار عن زرقاويتيها اللتان أخفت ما بهما من حنق شديد ترسم الخجل ببراعة وهي ترفرف بأهدابها في وداعة تقول:
-بص يا ريو؟
ريان بحماس: – حبيبي.
أرادت أن تصفعه على وجهه ولكنها التزمت أعلى درجات ضبط النفس، تقول:
-مش هانكر إنك عاجبني فعلاً.
ريان بخيلاء يقول بلكنة قاهراوية: – أيوه بقى!!
وعد بتلجلج مصطنع: – بس…
ريان بتشجيعٍ: – ما بسش ولا حاجة، مش فاهم أنت متوترة ليه؟
عضت على شفتها السفلى تقول بحرج مصطنع:
-ما أنت عارف إني قبل ما أشوفك كان ليا خطط تانية، ومش هاينفع أعلق واحد مالوش ذنب بيا وأرجع أقوله سوري، أصلي حبيت واحد غيرك أغنى منك.
عاد إلى جذوره يتمتم بضيق : – وه يا ولاد ع الكلام اللي يحرج الدم دِه.
وعد بسماجة : – خلاص يا ريو يا أخي ما تتعصبش، خلينا على قديمه.
ريان بتلهف : – لاه، هاتي اللي عِندك؟
وعد بمماطلة : – اديني وقتي بحيث أعرف أخلع بشياكة وكمان ناخد على بعض.
ريان بوقاحة : – آني واخد ما محتاجش وجت.
قالها وهو يقترب منها يجتاز مساحتها الشخصية، يمتع نظره بمفاتنها، يميل برأسه إليها يرغب في رشفة من شهد شفاهها.
جارته بمكر دون أن تلمسه، نظراتها تمطره بإيحاءات وداخلها يتميز غيظاً فكل ما يرغب به هو امتلاك جسدها، يقترب فتمنيه بنظرة، وبآخر لحظة تبتعد فيزمجر برفض، ومن ثم غرس شعره بين خصلاتها يثبت رأسها وهو يقول بأعين تفيض برغبة قوية : – ما جادرش أصبر، وعد آني رايدك وهموت عليكي.
اعتراف ناقص ولكن مُرضي إلى حد ما، فما الحب سوى شوق ولهفة وإحساس بعدم الإكتمال إلا في وجود من نحب؟!
دفعته بكلا راحتيها في صدره فجأة وبقوة، تنقض عليه وهي تقبض على نحره، ومن ثم اعتلته ترتكز بركبتيها على الفراش تحاوط جذعه على كلا الجانبين، وهي تقبض على رسغيه تثبتهما أعلى رأسه.
“بت هي هبت منك ولا إيه🙄هو مش المفروض العكس 🙈”
حبس ريان شفته بين ناب وقاطع، “حقك وربنا🙈😂”، وهو يتمتم بصفاقة : – ياه يا وعد مش كنتي تقولي إن ليكي في جو التحرش والاغتصاب.
وعد بقوة “وآني اللي كنت فاكراكي مؤدبة🙆♀️😂” : – بقولك أشبح.
“شبح🤔، شكلي ظلمتك أدودتها، استمري🙈”
ريان مراقصاً حاجبيه بمشاكسة : – قول يا وحش؟
وعد مضيفة : – بطل محن عشان ما أعملهاش معاك.
انقلب ريان يعكس الأوضاع، وهو يتخذ وضعيتها ولكن شتان بين تملكه منها وما حاولت فعله منذ قليل، فما استجمعته من قوى لتنفيذ مشهدها لا يقارن بقبضته الأشبه بالملزمة التي تضغط معصميها بقوة مضاعفة، يقول:
-تعمليها إيه؟! دِه حتى توبجى عيبة في حجي.
نظرات الهلع أطلت من زرقاويتيها عندما شعرت بمدى سيطرته في إدارة الموقف لصالحه، وبات من المستحيل الخلاص من بين يديه، علت ضربات قلبها وهي ترى بعينيه الهوس وما عاد للتعقل معنى بمقاموسه، ريان الآن خارج نطاق السيطرة.
وبطرفة عين أثنت ركبتها تدفعه بعيداً عنها وعلى ما يبدو أنها قد أصابته في مقتل.
“أحيه🤦♀️، يعني الجدع عشان خرج عن نطاق السيطرة تقومي تقطعي عنه الحرارة 😂أهوه بقى خارج نطاق الخدمة🤝😂”.
أغمض عينيه يضغط جفنيه بقوة، يزوم كاتماً صيحة ألم لو أطلق صراحها لتردد صداها بأرجاء المكان وأستمع إلى أنينه من هم يتولون الحراسة على البوابة الخارجية “يا ضنايا يا ابني 😳حاسة بيك🙈منك لله يا مفترية، الرجل مش عتقوم له قومة بعد كده 🤝😂”.
انتابها الذعر وهي تراه على تلك الحالة مقرة بأنها قد تغاشمت ولكنه لم يدع لها خياراً آخراً، فتصلبت بمكانها ولا تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله، بينما صاح بها يفحها حديثه من بين شفاهه المزمومة : – اخفي من وشي دلوك، ألا الله في سماه عخلِص عليكي دلوك يا بت عزام.
لم يكد يتم وعيده حتى انحنت تلتقط المفتاح الملقى أرضاً، تتحامل على قدمها المصابة مطلقةً العنان لساقيها تفتح باب القاعة ومنها إلى الخارج دون أن تلتفت خلفها.
اصطدمت وعد بحائل ما وهي تهرول إلى ممر القاعات فصدرت شهقات الفزع منها ومن تلك التي أبدلت ثيابها وارتدت منطال من الچينز الكاتينج، وقميص شفاف ذو أكمام لا جدوى منها إذ أظهر القميص التوب بحملاته الرفيعة الذي ترتديه أسفله، مصففة شعرها بعناية تضع لمسات بسيطة من مساحيق التجميل التي أبرزت جمالها الغربي الذي ينضح بالرقي والأنوثة.
وما زاد الطين بلة أنها أدخلت طرفي قميصها داخل حزام خصرها لتتضح معالم جسدها بشكل مثير وملفت، وهي تهتف بامتعاض:
What’s wrong?! You scared me.
- ما خطبك؟! لقد أفزعتني!!
وعد بأنفاس متقطعة : – معلش ما أخدتش بالي.
تمهلت وعد ترمقها بنظرة شمولية وهي تقول بأعين جاحظة : – أنت رايحة فين بلبسك ده؟
أنچيل بعدم اكتراث وهي تستكمل طريقها :
-نازلة تحت.
وعد بأعين جاحظة : – تحت فين يا هتيرة أنت؟!
-ده خط الصعيد هايبلعك.
أشاحت أنجيل بيدها معقبة :
It’s none of his business_ ليس من شأنه.
وعد باستسلام : – روحي إيكش يولع فيكي.
وبالفعل هبطت انجيل الدرج تزامنا مع دخول الصقر يتقدم كلا من الحج موسى ومحمد وما إن وقع بصره عليها حتى تجمد بأرضه.
لا ينكر انبهاره بإطلالتها ولكن ماذا عن هذين الغريبين؟
حتى لو كانت تعتبر موسى أبيها وهو يعاملها كابنته ولكن هذا قبل أن تصير زوجته أما الآن فلا مجال أن تظهرأمام أي منهم بهذه الهيئة، ومحمد هو الآخر كيف له أن يمتع نظره بما يخص صقر الزيدي.
صاح بها يقول بأعين تطلق الشرر :
-وجفي عيندك يا مخبولة إنتي.
قالها وهو يلتفت إلى موسى يقول بحرج:
-لمؤاخذة يا رچالة دجيجة واحدة بس.
أنهى جملته وهو يرد باب الدوار يحجبها عن الأنظار، مهرولا باتجاه السلم الذي تقف بمنتصفه يقول بغضب جحيمي :
-إيه اللي أنت عملاه في نفسك دِه؟!
أنچيل بدلال “مش في وقته خالص😂” :
? What’s wrong_ماذا هناك؟
You don’t like it _ ألا يعجبك؟
سب تحت أنفاسه، وأنظاره تتنقل ما بين الباب الذي من الممكن أن يفتح بأي لحظة، وما بين غزاله الشارد والدماء تغلي بعروقه وإذا به ينحني بجذعه يطوق أسفل أردافها “لمؤاخذة🙈” يحملها على كتفه كجوال من البطاطا، يصعد بها برشاقة وظهر مشدود غير عابئ بتذمرها ولا لتأثير ضربات قبضتها المتكورة على ظهره، ونصف جسدها المدلى خلفه يتأرجح كبندول ساعة وخصلاتها مناسبة لأسفل تتمايل مع كل خطوة له، وهي تهدر فيه بحدة:
Let me _ دعني.
صقر بحزم : – اجفلي خشمك أحسن لك.
أنچيل بعناد : barbaric_ همجي!!
وإذا بصفعة نالت من مؤخرتها 🙈، والصقر يهدر فيها بحدة : – لمي لسانك اللي عايز حشه ده.
“صقورة أنت فلت عيارك أغالي🤝😂”.
مدت يدها تتحسس موضع الألم وإذا بيد أخرى تسبقها…. “يا حومتي😳لا فلت.. فلت… مفيش كلام🙈😂”
ترى ماذا سيحدث خلف الأبواب المغلقة
👇👇👇👇
رواية وعد ريان بقلم الكاتبة أسماء حميدة الجزء 15 رواية رومانس كوميدي اجتماعي مكتملة