رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

مساء الفل والياسمين
من النهارده هنبتدي نتابع روايتنا الجميله عينيكي وطني وعنواني للكاتبه الجميلة امل نصر
ان شاء الله تستمتعوا معايا

الفصل الاول

دلفت لداخل غرفتها بخطواتٍ مثقلة وموجة من الغضب تحتاجها بعنف.. من وقت ان سمعت من ابيها اسم الجار الجديد لشقتهم .. وعقلها يرفض بشدة استيعاب هذه المفاجأة الغريبة .. كلما دار بمخيلتها ان هذا البغيض اصبح جارها والباب امام الباب اقشعر بدنها وتحفزت كل خلايا جسدها بشراسة نحوه..
وصلت الى شرفة الغرفة فوقفت تنظر للأسفل على هذه السيارة الكبيرة والمخصصة لنقل الاثاث .. فى أعلى السيارة من الخلف كان واقفاً يُساعد العمال او من تبرع من اهل المنطقة في حمل قطع الاثاث لنقلها فى تجهيز الشقة .. مشمراً اكمام قميصه الاسود وكاشفاَ عن ذراعيه القويتان على بنيان جسده العضلي ..ملامح وجهه الرجولية الجذابة على شعر راسه الفاحم السواد .. لفتت انظار معظم الفتيات والنساء فى المنطقة ممن وقفن في شرفاتهن او من تمهلت اثناء سيرها وهي تحدق بعيناها عليه كالبلهاء ..الوغد الملعون مازال محتفظاً بجماله الخاطف للأنفاس وتلك الهالة الجاذبة لكل صنف مؤنث.. غصة مريرة ابتلعتها في حلقها حسرة على من زُهقت روحها هباءاً ..فتمتمت بحرقة وهي ترتد للخلف عائدة حتى سقطت بتعب على طرف تختها

– فاتن !!


………………………..
توقف بسيارته على أطراف الحي الضيق تنتابه الحيرة.. فى التقدم الى الميدان الكبير حيث السكن الجديد لأخيه ووالدته.. ام التراجع كي لا يكسب عداء ابيه الغاضب على خروج زوجته من منزله وابتعادها عنه في تحدي واضح لارادة الزوج الكهل والمتزوج حديثاً بفتاة بعمر أبناءه ..بحجة مرض الزوجة وعدم مقدرتها على تلبية طلباته واحتياجاته..زفر حانقاً من تردده على اتخاذ قراره فى امر هام كهذا .. فهو لم يكن ابداً من محبي التصادم والاحتجاج عكس اخيه الكبير الذي نشأ على تحمل المسؤلية منذ الصغر ولديه حق الاعتراض او التمرد اذا لزم الأمر .. اما هو فكان دائماً المدلل من ابيه ووالدته .
ترجل من سيارته ليستنشق بعض الهواء النقي فى الخارج فالتقطت اذانه بعض الهمهمات النسائية القريبة منه .

– يالهوي على القمر يابت ايمان ..اموت انا .

– دا بينه غريب يامنيلة على عينك .


تصلب مكانه مسترق السمع كاتماً بصعوبة ابتسامته .

– هو فعلاً شكله غريب عن المنطقة من نظافته وحلاوته ؟

– او ممكن يكون اجنبي ياشروق ؟

– تصدقي صح يابت الحلاوة دي فعلاً تدي على اجنبي


لم يستطع الصمود اكثر من ذلك فالتفت اليهم برأسه فجأة اجفلهم ..ظهر الارتباك جليا على قسمات وجههم وهن يسرعن بخطواتهم تتخطيانه .. تتهامسان بصوتٍ خفيض .

– يانهار اسود دا بابينه سمعنا.


اسرعن بخطواتهن امامه فى الجهة الأخرى من الشارع وهن يكتمن ضحكاتهن ..ظل هو ساكناً في مكانه وتابعت عيناه سيرهم حتى خروجهم من الحي .. كان يبدوا من مايرتدينه من ملابس ومابيدهم من دفاتر انهم فتياتٍ جامعيات ..الاولى كانت نحيفة بشعرها الاسود على بشرة رقيقة وبيضاء ..لم يلتفت جيداً عليها وذلك لتعلق نظراته بالفتاة الثانية ..ذات الوجه المستدير بالملامح البريئة والتي اختلطت بشقاوة فطرية ..ظهرت بوضوح حينما استدارت برأسها اليه بابتسامة رائعة قبل ان تخرج من الحي وتختفي هي وصديقتها .
…………………………

– انتي كنت فين ياماما؟


التفتت سميرة على صوت ابنتها وهى تدلف لداخل المنزل..فعدلت عن دخول المطبخ وذهبت اليها فى الصالة الصغيرة وسط المنزل وهي تقول :

– ابلة فجر ..اخيراً يااختي صحيتي وخرجتي من اوضتك..مش بعادة يعني تتأخري في نومتك كده ؟


انتظرت فجر حتى جلست والدتها على الاريكة بجوارها فقالت بتوتر :

– لا ما انا كنت راجعة من شغلي تعبانة وراحت عليا نومة .


نظرت اليها والدتها بتفحص تسألها :

– انتي فعلاَ شكلك متغير ..هو ايه اللي تاعبك بالظبط ؟


ازاحت كف والدتها عن وجهها برفق قائلة :

– ياماما دول كانوا شوية صداع وراحوا لحالهم..المهم انا خرجت من اوضتي مالقتش غير ابراهيم بس هنا فى البيت قبل مايخرج هو كمان ويروح السنتر ..هو انتوا رحتوا فين ؟

– يعني هانروح فين يعني؟ اختك لسه مارجعتش من جامعتها وانا طلعت بصنية أكل للجيران الجداد ارحب بيهم ….


قاطعت والدتها قائلة بحدة :

– نعم!! وانتي توديلهم أكل ليه ان شاء الله؟ هما كانوا قرايبنا ولا لينا بيهم سابق معرفة.


صاحت عليها سميرة بحنق :

– في ايه يابت مالك ؟ هو انتي هاتبصي على اللقمة كمان ؟ دا الراجل وامه العيانة ملخومين فى ترتيب العفش.. نسيبهم جعانين احنا بقى عشان مش قريبنا ولا نعرفهم .


اخفضت نبرة صوتها تحاول تخفيف حدتها فى القول:

– ياماما انا مابصيتش فى لقمة ولا حاجة ..انا بس مش عايزة يبقالنا علاقة كده من اولها مع ناس غريبة عننا ومنعرفهاش .

– غريبة دا ايه بس يافجر ؟ دول ناس ولاد اصول يابنتى وولاد عز كمان.. والست الكبيرة تتحط على الجرح يطيب بس المرض بقى هدها والراجل جوزها ماتحملش تعبها قام متجوز عليها عيلة من دور عياله من غير مايراعي شعورها ولا احساسها ..لكن ابنها بقى ربنا يحرسه لشبابه مخلصوش قهرة والدته .. خرج بوالدته يعزل بيها وترك لوالده الجمل بما حمل .


سألت فجر مندهشة :

– وانتي لحقتي تعرفي دا كله امتى ياماما؟

– من والدته نفسها..ماانا قعدت معاها والكلام جاب بعضه دا حتى والدك كمان اتعرف على ابنها اسم النبي حارسه علاء ..حتة شاب انما ايه حاجة تشرح القلب ..دا ابوكي معجب بيه اوي .


فعرت فاهها مذهولة :

– حاجة تشرح القلب!! لدرجادي ياماما ؟

– بكرة تشوفيه وتعرفي بنفسك .


تنهدت سميرة بصوت واضح قبل ان تقوم  من جوارها وهى تتابع :

– انا قايمة اغسل المواعين اللي اتكومت فى الحوض وبالمرة احضرلكوا حاجة للعشا.


نظرت فى اثر والدتها وهي تتمتم بصوت خفيض:

– دا على اساس اني لسة ماعرفتوش !


اجفلت مخضوضة على صوت صفق الباب وشقيقتها تدلف هاتفة بمرح :

– يالهوي يالهوي على جارنا الجديد يابت يافجر طول وعرض ولا نجوم السيما بالظبط ..شوفتيه ولا لسة ؟


اغمضت عيناها بتعب وهي تحرك رأسها بيأس :

– شوفته ياشروق شوفته .


على اقرب المقاعد ارتمت شروق وهي تتسائل بحالمية:

– هو انا ايه حكايتي النهاردة مع الرجالة الحلوة ؟


……………………………

في الشقة المجاورة وتحديدا بداخل الغرفة القريبة من غرفة فجر تناولت زهيرة دوائها واستلقت لتنام على التخت الجديد .. بعد ان تمكن الارهاق وتعب اليوم فى نقل الاثاث وترتيبه من جسدها الهزيل .. رفعت رأسها على صوت الطرق الخفيف على باب الغرفة فرحبت بابتسامة قائلة:

– ادخل يانور عيني انا لسه صاحية.


فتح الباب فازداد اتساع ابتسامتها وهي تراه يتقدم لداخل الغرفة نحوها حتى جلس بجوارها على طرف التخت فتناول كف يدها يقبلها بحنان:

– معلش بقى تعبتك معايا النهاردة ياست الكل .


زمت شفتيها بحنق قائلة :

– تعب ايه ياواد اللى تعبتوا ؟دا انا اَخري كنت بشرف وبس على العمال اللي انت اجرتهم مخصوص يوضبوا الشقة .. انا حتى ملحقتش اوضب الهدوم فى الدولاب.


قال مازحاً وهو ينظر للحقائب الموضوعة ارضاً :

– وماله ياست الكل ارتبهم انا من عنيا دا انت تؤمري.


لكزته بقبضتها على ذراعه قائلة بحزم محبب :

– ملكش دعوة بهدومي ياقليل الادب انت ..انا هارتب حاجتي بنفسي .. بس بكرة الصبح بقى احسن انا النهاردة خلاص..


تثائبت وهي تقاوم نومها فتابعت

– المهم بقى انت قدرت تلاقي محل هنا فى المنطقة ولا لسة


قبل جبينها قائلاً :

– نامي انتي دلوقتي وريحي جسمك .. وبكرة ابقي اسأليني براحتك بقى .


كررت بأصرار :

– يابني انا معاك اهو ..قولي بس لقيت محل ولا لأ ؟


اجاب يأساً :

– ياستي انا خدت فكرة النهاردة من السمسار عن بعض المحلات الجديدة والفاضية فى المنطقة وبكرة بقى ربنا يسهل ونعتر على واحد كويس .. المنطقة هنا عمومي ومهمة يعني ربنا يجعلها فاتحة خير علينا ان شاء الله .


كان يتكلم بأسهاب فلم يعي الا متأخرا ان والدته استسلمت لسلطان النوم ولم تعد منصتة له .. ظل  بجوارها لبعض اللحظات متأملاً وجهها الجميل..لقد كانت والدته فائقة الجمال فى شبابها ببشرتها الحليبية وعيناها الخضروان .. كانت من اجمل فتيات الحي حينما تزوجها ابيه ابن الحسب والنسب وصاحب اكبر محل أدوات صحية .. ولكنها أصيبت ببعض الأمراض المزمنة مبكراً كالسكر والضغط والاَم الظهر والعظام .. في البداية كانت محاطة برعاية زوجها واهتمامه ولكن مع مرور الايام زال الاهتمام والرعاية رويداً رويداً حتى تلاشى تماماً وانتهى اَخيراً بزواجه من عاملة فى المحل.. نيرمين.. كلما تذكرها وتذكر الاعيبها المكشوفة عليه قبل ان تفقد الأمل منه وتنصب شباكها على ابيه فتوقعه فى شركها ..فارت الدماء بعقله وجسده فزفر بضيق على احساس العجز الذي تمكن منه فى التصدي لها.. مسح بكف يده على وجهه يحاول تهدئة اعصابه .. ثم تناول غطاء الفراش ودثر والدته جيداً وقٌبل رأسها قبل ان ينهض من جوارها ليستنشق بعض الهواء النقى فى شرفة الغرفة علّه يهدأ النار المشتعله فى صدره … اخرج عبوة السجائر فسحب واحده ووضعها فى فمه وهم باٍشعالها بقداحته … ولكنه وقف باهتاً وارتخت يداه حينما لمح هذه الجميلة الواقفة فى شرفة الشقة المجاورة… كانت ملتفة بشالها تنظر للأمام  وخصلات شعرها الحريري تتطاير بنعومه فى الهواء … يبدو انها كانت شارده مما سمح له بتأملها لفتره مبهوراً حتى اللتفت هى عن غير قصد لتجفل اليه فاشتعلت نظراتها وهى تنظر اليه كنمرة متوحشة .. انتفضت لتخرج من الشرفة على الفور … فابتسم بتسليه وهو يشعل سيجارته وهو ينفث دخانها فى الهواء باستمتاع.. تمتم وهو يبتسم مع نفسه :

– دي باينها هاتبقى فل ان شاء الله.


………………………..

تقطع الغرفة ذهاباً واياباً على قدميها بغير هوادة من وقت ان رأته بهذا القرب وهو ينظر اليها بكل وقاحة بداخل شرفته القريبة من شرفتها ..ونار من الغضب المكبوت اشتعلت بأحشائها تمزقها بعنف وشراسة.. لقد كانت بالكاد قد تناسته عندما خرجت لشرفتها مستسلمة لنسمات الجو الباردة والمحببة اليها فى هذا الطقس ..لتجده فجأة امامها مقتحماً خصوصيتها.. حاولت تنظيم انفاسها لتخفيف هذا الشعور البغيض الذي انتابها بقلة الحيلة والقهر ..انقذها رنين الهاتف برقم تعشقه بعشق صاحبته.
اجابت بهدوء.

– الوو ..


وصلها الصوت المحبب بمرح:

– الوو .. انتي فين ياعنيا ؟ ماسمعتش صوتك من مدة يعني ؟ .


تبسمت بخفة قائلة :

– مدة ايه بس ياسحر ؟ دا احنا اليوم كله مع بعض فى المدرسة .

– ماهو ده اللى مجنني يابنتي .. انك ترجعى من شغلك وتقعدي الفترة دي كلها من غير ما تزعجينى باتصال واحد حتى يبقى انا كده اقلق بقى.


صمتت قليلاً قبل ان تجيبها :

– لا ماتقلقيش ياسحر انا بس كنت مصدعة وخدتني نومة لهتني عن ازعاجك.


وصلها صوت صديقتها القلق .

– لا يافجر .. انا بعد ما سمعت نبرة صوتك دي بقيت متأكدة ان في حاجة بجد تعباكي مش هزار ..هاتقدري تتكلمي فى الفون ولا تصبري للصبح عشان الوقت اتأخر دلوقتي على الخروج .


اومأت برأسها تقول

– اشوفك بكرة ياسحر في المدرسة ان شاء الله تصبحي على خير.


بعد ان نهت المكالمة مع صديقتها الحبيبة .. استلقت على فراشها تبتغي النوم والراحة قليلاً عن ما يدور برأسها.
…………………..

فى الجهة الاَخرى بعد ان انهت مكالمتها اللتفت مرة ثانية للتصحيح فى كوم الكرسات المتناثرة امامها على طاولة المكتب بعد اختبار الشهر الذي فاجئت به طالبات الفصل بالامس ..بدون سابق إنذار
رفعت رأسها على صوت حفيف فستان قادم مع وقع خطوات كعب حذاء عالي بداخل الغرفة ورائحة العطر النسائي الذي تعلمه جيداً .

– هااا ايه رأيك ؟


فغرت فاهها وتدلى فكها بذهول وهي تري والدتها تلتف امامها بفستان سهرة بالون الفضي مطرز ببعض حبات الخرز على الصدر .. فانعكست اضاءة الفستان مع حبات الخرز على وجه المرأة الابيض وهي تبتسم بتفاخر و تسأل بالحاح:

– هاا ياسحر ..ماقولتيش رأيك فى الفستان ايه ؟


فاقت من ذهولها وهى تضرب بكف يدها على سطح المكتب قائلة:

– عايزاني اقول رأيي فى ايه ياماما ؟ فى سنك ده ومكانتك كموظفة محترمة فى القطاع الحكومي لابسالي فستان بترتررر؟


شهقت رجاء تتخصر امامها مستنكرة:

– وماله سني ياعنيا ؟ كبرت بقى ولا عجزت دا انا اعرف ناس فى سني ولسة مااتجوزوش ..وان كان على الاحترام فانا محترمة غصبٍ عن الكل ..يعني البس ترتر ولا مشخلع حتى ماحدش له عندي حاجة .


عضت سحر على شفتيها تكتم غيظها قبل ان تسأل:

– طيب ولما هو كده زي انتي مابتقولي ..عايزة رايي فى ايه بقى ؟


قالت رجاء بتوسل :

– عيزاكي تقولي رايك بجد فى الفستان وانا لابساه من غير ما ترمي كلامك الدبش كده فى وشي .. انا ماليش هنا فى البلد دي غيرك ياسحر عشان اسأله فى حاجة ضروري زي دي ..فرح بنت اخويا قرب و عايزة اللحق اجهز نفسي بقى .

– ماشي ياماما حاضر.


كظمت امتعاضها بصعوبة وهي تستجيب للابتزاز العاطفي من ناحية رجاء ..فالقت نظرة متأنية على ماترتديه لتفحصها جيدا قبل ان تبدي رأيها ..الفستان لم يكن سئ بأكمله .. فقد كان منسدل على قوامها المتناسق بنعومة ..بالإضافة ان قماشه لم يكن بالضيق الذي يجعله يلتصق بجسدها .. تنهدت بيأس حتى وجدت ضالتها اَخيراً وهى تنظر على منطقة الخصر ..فابتسمت داخلها بخبث لتجيب والدته بكل ضمير:

– بغض النظر عن الترتر ياست ماما .. فلو نظرنا نظرة شاملة على الفستان هانلاقيه طويل واكمامه طويلة دا غير انه كمان لايق عليكي بس ياخسارة بقى فيه عيب مهم قوي .


سألتها مجفلة :

– ايه هو العيب اللى فيه؟

– كرشك

– نعم !!

– بقول الحق ياماما ..كرشك ظاهر قوى فى الفستان .


تنهدت رجاء بغيظ وهو تتمتم بصوت خفيض :

– ماشي تمام ..هنلاقيله صرفة ان شاء الله .


سألتها ببرائة:

– هاتشفطي كرشك ولا توسعي الفستان ؟


هتفت  عليها حانقة :

– مالكيش دعوة .. انتى قولتي رأيك وكتر خيرك على كده ..المهم بقى امتى هاتجهزي انتي كمان وتشتري حاجة عدلة عشان فرح بنت خالك .

– هي غنوة ياماما وعايزاني اغنيها؟ماقولتلك مش رايحة فرح الزفتة بنت خالي ولا راجعة البلد دي تاني نهائي ..هو انتي ايه مازهقتيش ؟


رفعت رجاء طرف فستانها وهي تردد مع خروجها من الغرفة بتصميم:

– لا مازهقتش ياسحر وهاتروحي الفرح معايا يعنى هاتروحي الفرح .


بصوت عالي صاحت هي الأخرى كي تسمعها :

– وانا قولت م محط ش رايحة الفرح يعني مش رايحة الفرح واما اشوف كلمة مين بقى فينا اللي هاتمشي؟

…..يتبع
عايزة رأيكم بقى وتركيزكم كويس فى اللي جاي
عشان اللي جاي كتيررر .. وماتنسوش التفاعل كويس ياريت بقى…. قراة ممتعة ان شاء الله .

الفصل الثاني

على طاولة صغيرة بوسط المنزل اعدتها زهيرة مائدة للأفطار فوضعت عليها بعض الاصناف الخفيفة من الطعام بالإضافة لبراد من الشاي الساخن ..كانت تهتف على ابنها:

– ياللا بقى ياعلاء كفاية نوم يابني ؟


خرج لها من غرفته يجفف شعر راسه بمنشفة صغيرة قائلاً :

– ياست الكل انا خرجت اهو والنعمة..كفاية بقى تندهي عليا هاتصحي العمارة كلها معانا.


قالت ضاحكة:

– ماانا كنت فاكراك لسة نايم ياحبيبى ..مكنتش اعرف بقى انك صحيت وخدت شاور كمان .


اقترب منها يقبل أعلى رأسها قبل ان يجلس على المائدة قائلاً :

– ولا يهمك ياحبيبتي..صباح الفل عليكي.

– صباح الفل والورد كمان على احلى علاء


قالتها وهي تجلس هي الاَخرى تشاركه وتابعت تسأله :

– صحيت بدري لوحدك يعني؟ ماارتحتش فى مكانك الجديد ولا ايه؟


وضع لقيمة كبيرة من الجبن قائلاً بمكر:

– بصراحة بقى ياأمي انا فعلاً مقدرتش انام في الاوضة الجديدة دي اصلها مقفلة كده وعلى شارع خلفي بجد ماستريحتش فيها ..عكس اوضتك انتي بقا بتطل على الميدان والمناظر الحلوة.


قطبت قائلة بدهشة:

– ما هو دا كان رأيك انت يابني..لما قولت انك عايز الهدوء ..بعيد عن دوشة الناس والعربيات.


اومأ برأسه قائلاً بارتباك :

– هو فعلاً كان دا رأيي في الأول ياست الكل..بس بصراحة امبارح وانا فى أوضتك حسيت براحة نفسية كده..جعلتني اتمنى انها تبقى اوضتي .


قالت بحنان :

– ياحبيب قلبي مدام عجباك اوي كدة يبقى نبدل بقى وخدها انت وانا ياسيدي اَخد أوضتك .


تبسم بانتعاش وهو يتناول كف يدها ويقبلها :

– تسلميلى ياست الحبايب انتي دايماً كده مريحاني في أي حاجة اطلبها .


نهض عن مقعده فجأة يقول :

– اسيبك انا بقى واقوم البس عشان يدوبك احصل مشواري مع السمسار .


لاحقته بنظراتها قائلة :

– ربنا يريح قلبك ياحبيبى ويفتحها فى وشك دايماً .


اوقفته فجأة قبل ان يفتح باب حجرته وهي تسأله بلهفة وتردد:

– هو اخوك حسين ماتصلش بيك ياعلاء ؟


التف اليها قائلا بابتسامة مطمئنة :

– ولو ما اتصلش ياأمي برضوا هايجي ويطمن عليكي..حسين طيب وانا عارفه كويس .


قالت بحزن :

– حتى بعد ما قولتلوا ياجبان ؟


ازداد اتساع ابتسامته:

– اطمني ياأمي .. هو بس اللى أخره عنك خوفه من زعل الوالد لكن خليكي متأكدة انه هايجي.


………………………..

كانت فجر تلملم اغراضها على عجالة فى الحقيبة الصغيرة لها كي تلحق دوام عملها فى المدرسة حينما دلفت اليها شقيقتها شروق سائلة بتعجب :

– ايه دا ؟ انتي لسه ماروحتيش الشغل يافجر ؟ دي الساعة قربت على ٨ .


قالت باستياء:

– والنبي سيبنى فى حالي ياشروق .. طول اليل معرفاش انام امبارح لحد ماصليت الفجر وبعدها بقى عوضت وراحت عليا نومة لدرجة اني ماحسيتش بصوت المنبه.


سألتها بمشاكسة:

– وياترى ايه اللى اَخد عقلك بقى لدرجة انه طير النوم من عيونك ياابلة فجر ؟


لوت شفتيها بحنق وهي ترتدي سترتها الجلدية قبل ان تخطوا للخروج تقول:

– مش هارد على واحدة تافهة زيك.


ضحكت شروق تتناول قلم الحمرة لتلوين شفتيها وهي ناظرة فى انعكاس شقيقتها فى المراَة التي كانت خارجة من الحجرة فقالت بمرح:

– والنبي مسيرك لتقعي يافجر .


عادت اليها فجأة قائلة بتحذيرٍ ومزاح :

– خفي شوية على صباع الروج ياماما دا مال يتامى .


………………………..

فتحت باب الشقه لتخرج فاصطدمت عيناها به مباشرةً امامها وهو خارج ايضاً من شقتهم .. تنحنح فى البداية وهو يلقي عليها التحية :

– صباح الخير.


تجهم وجهها ونظرت اليه نظرة تحدى وازدراء .. توقع ان ترد اليه تحية الجار الجديد لكنها مرت من امامه تتخطاه لتنزل الدرج وكأنها لاتراه ! عقد حاجبيه وفغر فمه دهشةً من جرأتها ..ظل لبعض اللحظات ينظر فى اثرها مصدوماً من فعلتها .. همس ذاهلاً بصوت خفيض :
يابت ال …. دى مجنونه دى ولا ايه عشان تعمل كده مع المعلم علاء وماتعبروش ؟!
هز رأسه يبتلع الأهانة وهو ينزل خلفها يتميز غيظاً منها ومن عجرفتها عليه دون سبب واضح او قد يكون السبب هو غضبها امساً حينما اجفلت عليه وهو ينظر اليها من شرفته مستغلاً غفلتها..ولكنه ماذا يفعل فقد سرقته اللحظة امس وهو ينظر اليها كالمسحور ولم يعي بالزمان ولا المكان ولا الأصول والأعراف .. تنفس بغضب وهو يقسم بداخله انها لو كانت رجلاً لرد بتهشيم وجهها .. وجهها الذى يشبه القمر لايدرى لماذا يشعر كأنه رأها سابقاً ؟!

اما هى فقد أحست بنشوى غريبة فى احراجه . كانت تشعر مع سماع خطواته خلفها وكأن نظراته تنفذان عبر ظهرها وصوت انفاسه الهادره تصل اليها بوضوح وهى تتصنع البرود والغطرسة أمامه .
……………………….

وفي مكان اخر
بداخل المحل الضخم والمخصص لبيع الأدوات الصحية ..كان المعلم أدهم المصري مستنداً بمرفقيه على ركبتيه وهو يتلاعب بسبحة يده فى جلسته على الكرسي ..وقد تركزت عيناه على مدخل المحل دون كلل بأمل كاذب فى انتظاره..رغم علمه الكبير بتشدد ولده حينما يقرر ..لقد ورث علاء معظم جينات ابيه شكلياً وداخلياً ايضاً خصوصاً صرامته القاطعة فى اتخاذ القرارت مهما كانت صعبة او مصيرية .. لطالما افتخر به واحبه اكثر من حسين الذي ورث عن والدته الطيبة الزائدة كما ورث لون عيناها ايضاً وبشرتها البيضاء .. اعتدل يضرب بكف يده على فخذه وهو يزفر بضيق ..يتساءل فى حل لهذه المعضلة الشائكة..لقد تزوج وانتهى الأمر .. لكنه ايضاً يريد زوجته الحبيبة وأولاده فى كنفه فماذا يفعل ؟ واين هو الحل ؟
خرج من شروده على صوت هاتفه برقم زوجته الثانية نرمين التي بمجرد ان فتح المكالمة قالت بتذمر :

– الوو ..كده برضوا يا أدهم تسيبني نايمة وتخرج من غير ماتصحيني حتى ؟


قال بصوتٍ خفيضٍ حازم وعيناه تدور فى المحل حتى لا يلفت اليه نظر العمال او حتى الزبائن :

– وطي صوتك يانرمين مش ناقصين فضايح .


وصله صوتها بميوعة:

– طب ولو وطيت صوتي يعني؟ هاتسيب المحل وتيجي تشوفني و تراضيني وانت عارف كويس اني لسة عروسة جديدة ودا حقي ؟


تحمحم بارتباك قبل يتدارك نفسه فقال بصرامة:

– بقولك ايه انا ورايا مشوار ومش فاضيلك دلوقتي .. استني لما ارجع البيت نبقى نتعاتب براحتنا.

– مشوار ايه ؟


نهض فجأة وقد حزم امره :

– بعدين بقى اقولك لما اشوفك سلام .


………………………….

في المدرسة وبداخل احدي الفصول بعد ان انصرفت الفتيات لحضور حصة الألعاب في الفناء الواسع ..كانت فجر جالسة على احدي المقاعد فى الفصل الفارغ وسحر الجالسة بجوارها على نفس المقعد تسألها بجديه:

– انتي متأكدة ان هو نفسه؟


اجابتها بثقة :

– دا انا لو اتوه عن الدنيا كلها لايمكن اتوه عنه .

– مش يمكن حد يشبهله؟


بشبه ابتسامة قالت :

– يشبه فى الشكل والاسم كمان ؟ في ايه ياسحر ؟ اشحال ان ماكنت حاكيالك بكل اللي حصل ؟


رفت برموشها تستوعب جيداً قبل ان تقول:

– بصراحة صدفة غريبة جداً ؟ يعني صاحبنا ده ساب البلد كلها وضاقت عليه عشان مايلاقيش غير عمارتكم ويسكن فيها ؟


تنهدت بسأم قائلة:

– ياستي حسب ما سمعت من امي انه اختار عمارتنا عشان بتطل على ميدان ومنطقة عمومي مناسبة يفتح فيها محل أدوات صحية زي والده .. وبنفس الوقت يبقى قريب من والدته ويراعيها.

– ياسلام !!


قالتها سحر بتهكم وتابعت :

– لدرجادي هو بيحب والدته يعني ؟ غريبة فعلاً واحد بالأخلاق دي ويتصرف كده .


تبسمت بمرارة :

– امال لو شوفتي امي وهي بتوصف فى جماله وشبابه ولا اعجاب والدي بيه عشان نصر والدته ومخلصوش قهرتها ولا نظرة الستات ليه فى شارعنا ولا اكنهم شافوا رجالة قبل كده .


سالت دمعتها بخطٍ رفيع على وجنتها وهي تتابع :

– عايش حياته يافجر وربنا ماانتقمش منه زي ما كنت بتمنى وادعي عليه .


اقتربت تربت بكف يدها على ظهر صديقتها قائلة :

– هدي نفسك شوية يافجر مش كل الأمور بتمشي زي مااحنا عايزين ..ربنا له تدبير مختلف عننا فى تخليص الحقوق.


هتفت بانفعال :

– يعني امتى بس ياسحر العدل يتحقق والمذنب ياخد عقابه ؟ لحد امتى هايفضل الضغيف بس هو اللي يدفع التمن والقوي يعيش ويتمتع و……استغفر الله العظيم .


اومأت سحر متفهمة ثورة صديقتها وحزنها وهي تناولها محرمة ورقية لتجفف دماعتها قبل ان تسألها مجفلة :

– الا صحيح يافجر هو عرفك ؟


هزت اكتافها وهي تمط بشفتيها تقول :

– بصراحة مش عارفة .


……………………………..

– ها يامعلم علاء ايه رأيك؟


طاف بعينيه على المساحة الشاسعة و الفارغة و الحوائط المطلية حديثاً فأومأ ببعض الرضا

– كويس ياعم حودة المحل بس السعر اللي انت عارضه غالي قوي .


قال الرجل متشدقاً :

– وانا ايه ذنبي بس يا معلم علاء ..دا صاحب المحل هو اللي محدد السعر ده عشان زي ماانت شايف كدة المنطقة عمومي والبشر فيها زي النمل يعني لقطة وعلى العموم لو مش عاجبك المحل فى غيره فى الناحية التانية من الميدان برضوا ..اهم حاجة راحتك .


بنظرة متفحصة لداخل المحل وخارجه شعر ببعض الرضا وهو يرى شرفة الشقة الجديدة امامه..حتى يتسنى له رؤية والدته عن قرب وهو يتابع اعماله .. مع بعض التسلية لرؤية شرفة الشقة المجاورة امامه مباشرةً..ترى ماذا سيكون رد فعل صاحبتها المتعجرفة حينما تراه امامها الاَن لو خرجت بالصدفة؟
عاد من شروده على صوت السمسار وهو يُقاطع افكاره:

– ها يامعلم علاء ايه رايك بقى ورسيت على انه محل ؟


بابتسامة عريضة قال :

– خير ياباشا .. بلغ صاحب المحل ده بالموافقة عشان نخلص النهاردة ياريت.. وعمولتك هاتخدها مني مقدماً .


هلل الرجل فرحاً:

– على بركة الله ..انا هاتصل بالراجل دلوقتي عشان نجهز العقود مدام انت فلوسك جاهزة وربنا يجعلها فاتحة خير عليك ..


………………………..

كانت زهيرة منهمكة فى تريب ملابسها داخل الخزانة بعد ان تبادلت الغرفة مع علاء ابنها ..حينما سمعت صوت جرس المنزل..تركت مابيدها وذهبت بخطواتها البطيئة وهي تتحامل على ألألم المزمن لعظامها وظهرها .. فتحت الباب فتسمرت مذهولة حينما وجدته امامها  ..قال بصوته الرخيم:

– ايه يازهيرة انتي هاتسيبني واقف كدة على الباب ؟ مش ناوية تقوليلي اتفضل ؟


تراجعت للخلف مستاءة من لهجته المتهكمة وهي تدعوه للدخول :

– اتفضل ياحج البيت بيتك .


خطى لداخل المنزل وعيناه تطوف على كل تفصيلة فى ارجاءه :

– هه ياماشاء الله.. شقة واسعة على الطراز القديم لكن  شكلها يفرح وتفتح النفس ..انتي لحقتي كمان توضبيها ولا… ؟


قال الاخيرة بنظرة ذات مغزى عليها وهو يجلس على اقرب المقاعد ويتابع :

– ولا شكله كده جابلك ناس تساعدك ؟حكم انا عارفه ياحبيب ابوه بيخاف على صحتك من الهوا


زفرت حانقة تردد خلفه:

– أكيد طبعاً بيخاف عليا وجابلي ناس تساعدني يامعلم وهي فيها حاجة دي ؟

– لا مافيهاش حاجة يازهيرة إن ابنك يخاف عليكي و يجيبلك ناس تساعدك..بس ياريت بقى تفتكري انتي كمان إني انا والده وليا حق عليه زيك .


تنهدت بنزق وهي تجلس على الأريكة امامه وقالت:

– بقولك ايه حج ماتجيب من الاَخر وقولي عن سبب الزيارة الكريمة دي؟


قال بجدية :

– عايز ابني يا زهيرة يرجع لحضني من تاني يسندني ويقف جمبي ..دا طول عمره دراعي اليمين اللي بعتمد عليه .


فتحت فاهها تنتوي الرد ولكنه سبقها يتابع

– عارفك هاتقولي انك مش ممانعة..لكن انا هاجيب من الاَخر زي ما قولتي ..ابنك لايمكن هايصفالي طول مانتي زعلانة ومنشفة راسك يازهيرة ..الجواز كان هايحصل هايحصل سواء كانت بت صغيرة ولا واحدة كبيرة عنها ..انا بقالي سنين متحمل تعبك وعمري ما اشتكيت ..ماينفعش انتي تيجي على نفسك بقى دلوقتي وتتقبلي الضرة؟ البيت واسع و….


قاطعته بحدة قائلة :

– لأ ماينفعش يا أدهم .. حتى لو كان البيت يساعي الف ..برضوا مش قابلة الضرة ..انت بتعايرني وتقول انك اتحملت تعبي لكن من جواك عارف كويس اني رغم تعبي ده ياما أتحاملت على اَلمي عشان ارضيك .. فبلاش النغمة دي والنبي ..انت راجل البت زغللت عيونك واتجوزتها على ام ولادك .. انت حر ..وانا كمان حرة اني مابقلش على نفسي بالضرة .


ظل لعدة لحظات ينظر اليها صامتاً بوجه صارم وغير مقروء قبل ان ينهض قأئلاً بقسوة غير مبالي بتأثير كلماته على المرأة :

– ماشي يازهيرة خليكي كده على عِندك وانتي فرحانة بابنك اللي ضمتيه لحزبك .


تحرك خطوتين قبل ان يتابع :

– بكره بقى لما يتجوز المحروس ويشوف حياته مع واحدة تنسيه الدنيا ومافيها ..مش هتلاقي غير بيت جوزك بس اللي مفتوح يازهيرة .. لكن انا ساعتها هاعمل بأصلي واخلي مراتي اللى هي ضرتك تشيلك فى عنيها .. عن اذنك بقى ياام الرجالة.


خرج على الفور دون ان يلتفت الى المرأة التي شحب وجهها وتسمرت في جلستها بعد ان اصابتها كلماته فى مقتل عن اكبر مخاوفها بان تعود اليه خاضعة مستسلمة له ولزوجته .
………………………

عادت سميرة من الخارج محملة بأكياس الخضر والفاكهة التي ابتاعتها من السوق فى جولتها الصباحية اليومية .. كانت على وشك فتح باب شقتها حينما رأت الرجل المهيب بحلته الأنيقة وهو خارج من شقة جارتها الجديدة متجهم الوجه وكأن على رأسه الطير ..قطبت سميرة دهشًة من عبوس الرجل لدرجة تركه باب الشقة مفتوحاً . انتابها الفضول والريبة ايضًا لمعرفة كنية الرجل وصفته ..فتحركت تلقائيًا ناحية الشقة المجاورة تاركة اكياسها ارضًا .
طرقت بخفة على الباب المفتوح :

– ياام علاء …يامدام زهيرة ..ياام علاء .


حينما لم تسمع رداً دفعت الباب بتوجس وهي تهتف بصوتٍ أعلى .

– يامدام زهير……يانهار اسود .


دلفت مندفعة لداخل المنزل حينما رأت المرأه امامها جالسة ورأسها متدلية على كِتفها وكأنها غائبة عن الوعي.. اقتربت بلهفة تربت على وجنتيها وهي تهتف بلوعة :

– يامدام زهيرة ..ياست ام علاء .


رفعت رأسها الثقيلة بصعوبة وهي تجيب المرأة بضعف هامسة :

– ايوة ايوة انا هنا متخافيش ياختي .


بلعت سميرة ريقها قائلة ببعض الارتياح :

– الحمد لله يااختي انك بخير ..هو انتي ايه اللي تاعبك ؟


قالت بصعوبة :

– معلش والنبي هاتقل عليكي .. ممكن تسندينى ادخل اوضتي اريح فيها على سريري

– انتي تؤمري ياختي.. الف بعد الشر عليكي .


قالتها وهي تلف ذراعيها حول المرأة تساعدها بالنهوض .
………………………
تعجبت فجر من مشهد أكياس الخضر والفاكهة وهي ملقاة بأهمال أسفل باب الشقة المغلق .. ازاحت الاكياس قليلاً لتفتح بمفتاحها وهي تتمتم:

– هي ماما راحت فين وسابت الاكياس مرمية كده ؟


هزت رأسها لاستنتاجها الاكيد بانشغال والدتها بالحديث مع احدى الجارت ..فتناولت الأكياس وهي تدلف لداخل المنزل وفور دخولها بهم المطبخ .. تفاجأت بصوت والدتها وهي تصيح

– ياولاد ..هو مين فيكم اللي رجع ودخل الاكياس؟


خرجت اليها مجفلة تقول :

– انا اللي دخلتهم ياماما ما تقلقيش …

– طب كويس تعالي .


على حين غرة جذبتها من كفها تسحبها للخارج..هتفت فجر بجزع:

– انتي سحباني ومودياني فين ياماما؟

– يابنتي هاخليكي تقعدي جمب جارتنا ام علاء تاخدي بالك منها على مانزلت انا اجيبلها دكتور من العمارة اللى ورانا .


جذبت كفها صائحة بحدة وهي توقفها :

– ام مين ؟ انا مش متعتة من مكاني ولا داخلة شقة الناس الغريبة دي نهائي .


نهرتها سميرة قائلة بعنف :

– في ايه يابت؟هو دا وقت قنعرة برضوا ؟ الولية شكلها ميطمنش واخاف اسيبها لوحدها يجرالها حاجة على مااجيب لها الدكتور .


تخصرت تسأل بازدراء:

– والمحروس ابنها بقى ..سايبها كده تعبانة وراح على فين؟ .

– هو لو ابنها موجود ولا اعرف حتى نمرته ..كنت احتاجتلك يامنيلة ..اتحركي يابت اخلصي خلينها نلحق الولية . اتحركي .


انصاعت مضطرة لوالدتها وهي تسحبها بعنف تدخلها منزل الد اعدائها ..
……………………………

تركتها سميرة مع المرأة المريضة وهي مستلقية على فراشها بداخل غرفة نومها بعد ان عرفتها عليها سريعاً ..
تململت فجر بعدم راحة وهي واقفة بوسط الغرفة مكتفة ذراعيها تحسب الوقت فى انتظار عودة والدتها بالطبيب و التي لم يمر على خروجها سوى دقائق قليلة..
هامسة لنفسها:

– الله يسامحك ياماما على دي الورطة .


حدقت بعيناها على المرأة الغائبة عن الوعي والتي لم يترك الزمن اثاره عليها رغم تقدم عمرها ومرضها.. مازلت محتفظة بجمالها وهي تبدوا مليحة القسمات رغم شحوبها .. شعرت نحوها ببعض الاعجاب والتعاطف نهرته سريعاً حينما تذكرت ابنها ومافعله قديماً مع فاتن..فتصلب فكها للذكرى وارتعشت شفتيها تتنهد بحرقة رغم مرور عدة سنوات على ماحدث .
اجفلت على صوت المرأة وهى تزوم وتحرك رأسها :

– اممم …علاء .


ضغطت على اعصابها وهي تقترب من فراش المرأة:

– ااا انا مش علاء يااخالتي ..انا فجر بنت جارتك سميرة .


فتحت المرأة اجفانها فظهرت عيونها شديدة الخضرة أثارت اعجاب فجر بشدة .
قالت بصوتٍ ضعيف وهي تستفيق :

– ايوه صحيح يابنتى انا افتكرتك ..هي والدتك راحت فين ؟

– والدتي راحت تجيب دكتور عشان يشوفك .


قالت بحرج :

– يادي الكسوف تلاقيها خافت و قلقت عليا .. بس انا الغلطانة عشان نسيت اَخد حباية الضغط النهاردة.. هاتعبك يابنتى ممكن تجيبلي البرشام بتاعي من الاوضة التانية .


دنت فجر منها تقول بامتعاض:

– ازاي يعني ؟ هو انا هاعرفه منين ؟

– هاتلاقيه فى اول اوضة عالشمال ..يمكن بس اتنتر مني فى الارض ولا على السرير وانا برتب الاوضة .

زفرت بضيق وهي تدلف لداخل الحجرة التي طل من شرفتها وجه هذا البغيض ..المدعو علاء ..مشطت بعينها على أنحاء الغرفة الأنيقة ذات الاثاث الحديث.. كل شئ مرتب فيها ولا يوجد له فيها اثر من ثياب ولا حتى عطر يخصه ؟
رمشت بعيناها تذكر نفسها لما جاءت من أجله.. اخذت تدور وتبحث عن علب الدواء حتى رأته اسفل المقعد المنجد .. فدنت على ركبتيها تتناوله وتتحقق منه جيداً قبل ان تنهض به لتعود إلى المرأة.. ولكنها بمجرد ان استدارت شهقت مفزوعة حينما رأته امامها بطوله الذى حجب الرؤية ووجهه الوسيم بخطورة فقال بتسلية :

– ايه شوفتي عفريت قدامك !

…. يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top