رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

الفصل الخامس عشر

(الطرق العنيف على باب الشقة مستمر والصوت المزعج لجرس المنزل لا يصمت أبدًا وهو ينظر إليها بصدمة. حتى خرج صوته اَخيرًا قائلًا بتشتت:

– هو إيه إللي حصل بالظبط؟ وانتي إيه اللي جابك أوضتي وانا إيه إللي نايمني فيها أساسًا؟


كانت تهز رأسها بحركات غير مفهومة وتغمم بكلام لا يستطيع سماعه مع أصوات بكائها ونشجيها العالي .. كرر عليها سؤاله مرة أخرى بترجي:

– ابوس إيدك يافاتن فهميني.. إيه اللي حصل يابنت الناس ؟


خرجت كلماتها من وسط بكائها فسمعها بصعوبة:

– انا كمان… مش عارفة حاجة.. انا كمان مش فاهمة.. بس الأكيد..هو إني صحيت فجأة.. لقيت نفسي بالوضع وعرفت اني ضيعت .. ضيعت.


مع ازدياد الحركة العنيفة على الباب الخارجي نهض مضطرًا يرتدي ملابسه ولكنه دنى منها فجأة وهو يغلق ازارار قميصه :

– أبوس أيدك يافاتن فهميني طيب .. مدام انتي صحيتي قبلي يبقى إكيد فاهمة حاجة عني..  هو انا اللي اتهجمت عليكي يافاتن ولا قربت منك وانا مش داري كدة بنفسي ؟


رفعت رأسها اليه تنظر بعيناها التي ذبلت من البكاء ووجهها مغرق بالدموع و قالت بحدة:

– انا اول ما صحيت وحسيت بنفسي .. كان هاين عليا اولع فيك وكنت قايمة اجيب سكينة اغرزها في قلبك وانا مخي جايب فورًا ان انت اللي عملت كدة فيا.. بس اللي انقذك مني هي ريحتك .

– نعم!


قالها ببلاهة وعدم فهم .. فتفاجئ بها تجذبه من قماش قميصه تتشممها بأنفها فصاحت بوجهه :

– الريحة اللي هلت في مناخيري وانا بين الفوقان والنوم وكل حواسي متخدرة.. إلا حاسة الشم .. مش هي دي .. دي ريحة تانية..  شمتها انا كتير.. لكن مش ريحتك انت الغالية .. يعني مش ريحتك).

بوجهِ شاحب وصوتِ خرج بصعوبة وهي تبتلع في ريقها الجاف .. قالت ببعض التماسك رغم العواصف الهوجاء التي تضرب بشدة داخل عقلها:

– وإيه اللي حصل بعد كدة ؟


تتنهد بثقل قبل ان يجيب عن سؤالها وهو يحدق في الجالس بالقرب منها على الطاولة.. بوجهه الجامد وقد ذهب عنه حتى السخرية المريرة وكأنه عاد لقلب الأحداث رغم مرور السنوات .

– الأفندي دا يقولك علي اللي حصل .. لأني اتفاجأت بيه وهو بيقتحم علينا الشقة زي الإعصار وعلى أؤضة نومي تحديدًا كان محدد طريقه بالظبط.. وطربق الدنيا فوق دماغي انا والبنت الغلبانة .


التفتت رأسها اليه تنظر باستفسار فخاطبها بقوة قائلًا؛

– تفتكري يعني واحد ظبط حبيبته مع اعز صحابه وفي وضع زي ده.. هايبقى آيه رد فعله ساعتها؟

– اَذيتها!

– لا طبعًا انا ما بلمسش حريم انا بس هجمت على اخينا ده وفتحت مخه وهي بقى اعتبرتها مش موجودة ولا تستاهل تعبير مني أساسًا .

– بس هي كانت منهارة قدامك واترجيتك تصدقها ؟

– وانت لو مكاني كنت هاتصدقها ؟


اطرق عصام بحزن يعتصر قلبه فهز رأسه نافيًا :

– أكيد لأ .. انا مش ملاك .


ضرب علاء بقبضته على الطاولة وهو يقول ما بين أسنانه :

– ولما هو كدة؟ إيه لزوم المحن ده بقى والقصص الرخيصة اللي بتسمعهانا بقالك ساعة ؟


رفع عصام رأسه قائلًا بانفعال :

– بقى بعد إللي حاكيته دا كله وانت لسة برضوا مش مصدق يابني أدم انت ؟

– ياعم وانا إيه بقى اللي يخليني اصدق القصة الهبلة بتاعتك دي من الأساس؟ والدليل شوفته بعيني.. دا غير كمان انها طلعت في الاَخر حامل.. يعني فكك بقى من التمثلية البايخة دي.


اغمض عيناه يائسًا قبل أن ينقل أنظاره الى فجر الجالسة واجمة أمامهم .. تنظر إليهم بأعين خاوية.. فاقدة للحياة بهم .

– وانت كمان يا اَنسة فجر مش مصدقة برضوا كلامي رغم علمك بأخلاق بنت عمتك ؟


قالت بتعب :

– يا أستاذ عصام.. انا لا مصدقة ولا مكدبة ولا عدت فاهمة حاجة خالص .. انا حاسة نفسي واقعة في بير غويط دلوقتي والبير دا مالوش قرار.. ونفسي الاقي بقى مخرج من بحر الالغاز دة.. لكن مش عارفة.

– يعني برضوا مش مصدقة.. طب ما سألتوش نفسكم انتوا الاتنين.. هي ليه مجابتش إسمي قدام والدها بعد الدنيا ما اتطربقت فوق دماغها هي لوحدها؟


صمتت فجر وجاء الرد من علاء بتهكم كالعادة :

– ودا بقى يأكدلنا انك برئ ..صح ؟

– أسمع ياعلاء .. إنت لما دخلت علينا الشقة وضربتني وفتحت دماغي.. مكنتش فاهم ولا جاب مخي اي حاجة عشان  اعرف ارد عليك بيها.. انا ساعتها كنت مقدر حالتك.. بس اللي حصل بعد كدة خلاني فهمت..انت بعد ما مشيت فاتن اترعبت من منظري  والفضايح اللي كانت هاتيجيها من ورايا.. لبست هدومها ومشيت وسابتني.. انا بقى قدرت اتصل بوالدي ودخلت بعدها المستشفى ايام على ما خرجت لقيت البنت الخدامة اختفت نهائي وحاولت اوصلك انت وافهمك عن طريق سعد لكنك رفضت وبشدة .. كنت مشغول قوي على فاتن ونفسي اوصلها لكن اتفاجأت بخبر سفرها مع أسرتها على الصعيد  ..سألت عن عنوانها هناك وكنت مستعد اطلبها منهم واتجوزها .. لكن والدي خاف عليا بشدة من اهلها لما حكيتلوا الموضوع .. واصر انه يبعدني ويسفرني اكمل تعليمي في لندن وانا سافرت زي الجبان وسيبتها .

قال الاَخيرة بصوتٍ خفيض واجش وقد سقطت معها دمعة خائنة على وجنته ازاحها بأبهامه بسرعة .. جعلت الاثنان ينظران اليه وكأن على رؤسهم الطير .. قبل ان تنهار فجر فقالت باكية :

– يعني كل اللي حصل دا كان مؤامرة والبنت الخدامة مشتركة فيها مع شخص مجهول عليكم .. طب ليه؟

– بجد مش عارف .. الخطة كانت محكمة جدًا وظهور علاء في الوقت ده بالذات عقد الدنيا من جميع النواحي.

– وانا كنت هاعرف منين كل كلامك ده .. انا جاتني رسالة من شخص مجهول بيحذرني فيها من صاحب عمري اللي خطف حبيبة قلبي وخلاها تسيب الدنيا وتعيش معاه في الحرام.. انا اتبرجلت من الرسالة دي ومكنتش مصدق بس لما اتصلت بامي أكدتلي ان البنت هربانة من أهلها بقالها يومين ..انا برج من عقلي كان هايطير مني من الكلام العجيب ده وغصب عني لقيت نفسي مقدم على أجازة وادعيت فيها مرض والدتي .. وبمجرد ما نزلت على بيتنا عشان استفسر وصلتني رسالة على فوني من رقم مجهول واحد بيستهزأ بيا وبيبلغني بوجود حبيبتي مع عصام في شقته وخيانتهم ليا فيها.. وبعدها روحت وشوفت بنفسي وحصل اللي حصل.. انتوا لو كنتوا مكاني كان هايبقى إيه تصرفكم ساعتها ؟


…………………………

على مقعدٍ خشبي صغير خاص بالقهوة الشعبية داخل الحارة كان 
يدخن الأرجيلة.. ينفث داخانها المتصاعد عاليًا بشرود في الهواء وعيناه على المنزل الكبير والذي يشغل مساحة واسعة من حارتهم.. لمحها بشرفة غرفتها وكأنها خرجت تبحث عن شئ ولكنها عادت حانقة تزفر بضيق حينما رأته أمامها بابتسامة جانبية خبيثة ..وحدها هي من تعرف مغزاها .. غمغم بصوتٍ خفيض:

– واللله وبقى ليكي بلكونة عالية ياست نيرمين تبصي فيها على الخلق اللي تحت من فوق وتقرفي كمان منهم.. هه الله يارحم .

– بتقول حاجة يا أستاذ سعد ؟

– ها.. انت بتقول إيه؟


اجفل منتبهًا على سؤال صبي القهوة وهو يضع امامه كوب الشاي ومعه كوب اَخر زجاجي للماء فعاد الصبي قائلًا:

– اصل افتكرتك بتكلمني بس شكلك كدة كنت بتكلم نفسك؟


قال بصيحة أجفلت الرجال الجالسين بقربه :

– وانت مالك انت اكلم نفسي ولا اكلم خيالي حتى.. انت اخرك تحط قدامي الشاي وانت ساكت فاهم ولا لأ؟


مط الفتى شفتيه بنظرة أثارت حنق الاَخر :

– فاهم طبعًا يا أستاذ سعد .. بس انت ما تزعلش نفسك .


قالها وتحرك ذاهابًا امامه فجز سعد على أسنانه ينوي إيقافه بوابل من الشتائم .. ولكن نظرة واحدة نحو السيارة الأنيقة التي دلفت داخل الحارة ألجمته .. فتابع بعيناه حتى توقفت السيارة امام المنزل الكبير وترجل منها الشاب الانيق بحلته الرائعة وحذائه الامع .. شعره الكستنائي المصفف بعناية على بشرته الخمرية ونظارته السوداء والحاجبة لون عيناه الخضراء .. لفتت كالعادة نظرات الفتيات نحوه من أهل الحارة بأعجابٍ واضح .. لوح بيده ناحية الجالسين بالقهوة فهلل الرجال مرحبين بأصواتهم العالية بمرح وعلى رأسهم كان صوت صبي القهوة :

– يا الف مرحب يا حسين باشًا.. مساء الفل على عيونك .


تنفس بعمق ليجلي عن صدره قليلًا هذه النيران المشتعلة بداهله.. وهو يرى تجاهل هذا المتعجرف بتحية خاصة له ليساويه بالبقية.. تمتم داخله وهو يتناول الهاتف:

– ماشي ياسي حسين.. خليك كدة فرحان بنفسك.


بحث قليلًا داخل صفحته الخاصة بإحدى وسائل الاجتماعي ..فتبسم بانتشاء حينما وصل لمقصده..
وهي كانت صفحتها !
………………………….

يغتلس نحوها النظرات وهو يقود سيارته .. لا يصدق انها بجواره الاَن باختيارها .. جالسة في المقد الأمامي ساندة رأسها المائلة على خلف المقعد بأسترخاء.. مكتفة ذراعيها وهي تنظر من نافذة السيارة في الخارج بشرود.. يؤلمه حزنها هذا وهو يشعر بالعجز في التصديق او التكذيب لما قد قاله عصام.. منذ لحظات ..يفتقد الراحة التي كان ينشدها بعد اكتشاف الحقيقة .
حتى لو كانت ناقصة او مزيفة ولكن وضح امامها جليًا الاَن صدق حديثه معها .. ولكن اين ستأتي الراحة لو صدق فعلًا ما قاله عصام ولم يكن كاذبًا؟
أجلى حلقه قبل ان يخاطبها قائلًا:

– تفتكري الكلام اللي قالوا عصام النهاردة دا كان صح ؟


ردت بصوت هادئ على نفس وضعها برأسها المائلة نحو نافذة السيارة :

– وإيه اللي هايخليه يكدب ؟


هز أكتافهِ باضطراب :

– يعني.. يمكن عايز يفتح مجال للحديث معاكي ويظهرلك برأته.

– اعتدلت رأسها لتنظر اليه بإجفال :

– أفندم! .. يعني إيه كلامك دا بقى؟


مط شفتيه فقال :

– انا بفترض يعني عشان بصراحة الكلام  دا لو صح .. هايبقى الوضع خطير اوي.


ضيقت عيناها تهز رأسها باستفسار .. فتابع مستطردًا :

– اصل معنى كلامه ان الخيانة جات من حد قريب مننا أوي وكان  على علم بعلاقتي انا وفاتن وعلاقة عصام بيا .


اومأت صامتة فا أكمل:

– بس المهم بقى هو انك عرفتي واتأكدتي بنفسك من براتي من كل التهم اللي اتهمتيني بيها .


اطرقت رأسها مسبلة عيناها فقالت بصوت خفيض:

– هاتصدقني لو قولتلك إني كنت افضل اني معرفش ؟


سألها باندهاش :

– ليه بقى ؟


أجابت بحزن :

– على الاقل انا الاول كنت فاكرة انها حبت واخد خاين وغدر بيها واتخلى عنها .. صدقني رغم قسوة الفكرة .. بس دي ارحم بكتير من إني اكتشف انها اتعرضت لحالة اغتصاب من مجهول ودفعت تمن ذنب مارتكبتهوش .. دا احساس صعب اوي .. ان مكانش بشع .


اشاحت بوجهها عنه حينما شعرت بالخط السائل لدمعاتها التي تدفقت مرة أخرى على وجهها.. تنهد هو بثقل وهو يضرب بكفه على مقود السيارة .. لاعنًا عجزه عن كشف الحقيقة بوقتها.. ساد الصمت بينهم في محيط السيارة لعدة لحظات قبل ان يقطعه هو قائلًا:
طب انا مش عايز افكر عليكي المواجع.. بس انا عندي فضول   اسألك.. هي ماتت ازاي؟
التفتت إليه قائلة بغموض:
-تصدق معرفش؟ 

– نعم !!

– حقيقي معرفش.. هي سافرت مع عمتي ووالدها وانقطعت اخبارهم .. وبعدها وصلنا خبر موتها.. عمتي ادعت انها ماتت بحمى شديدة وأهلي طبعًا صدقوا.. لكن انا بما إني كنت عارفة بخبر حملها.. فا انا كنت متأكدة انها ماتت بسبب تاني خالص.. ان ماكنوش دفنوها بإيديهم.

– انزاحت عيناه عن الطريق فالتفت الى عيناها الجميلتان وهي تنظر اليه بصفاء رغم حزنها.. فقاوم هذه المشاعر التي انتابته في هذا الوقت الصعب قائلًا:

– على فكرة مدام ماشوفتش بنفسك.. يبقى مش لازم تكون فكرتك صح عن قتلها.


اجفلته سائلة:

– تفتكر تكون فاتن عرفت المجرم اللي اغتصبها وهي متخدرة ؟


اجابها وهو يلتفت للطريق:

– العلم عند الله وحده .


…………………….

بداخل غرفتها كانت شروق مستلقية على فراشها .. تتحدث في الهاتف مع صديقتها ايمان وتتلاعب بخصلات شعرها بدلال:

– يابت يامتخلفة انتي افهميني بقى .. مابيعرفش يقول كلام حلو ..دي طبيعته اعمل إيه انا بقى؟


وصلها الصوت الساخر :

– والنبي إيه؟ بقى الحليوة ده اللي عامل زي نجوم السيما مش عارف يقول كلام حلو ..بطلي كذب بقى وافترا بقى.. ماحدش ياختي هايقر عليكي اطمني .


قالت بابتسامة مرحة:

– يعني بعد دا كله وتقولي مافيش قر .. والنبي انا خايفة لتحصلي حاجة من عيونكم الفقر دي يافقر.

– بقى انا فقر يا شروق ؟ وهان عليكي تقوليهالي في وشي كدة .. دا بدل ما تظبطيني وتجوزيني اخوه.. حتى عشان نبقى سلايف .


على صوت ضحكاتها وهي تضرب  بكف يدها على جبهتها بيأس :

– هههههههه انا عارفة ..والنعمة كنت متأكدة انك بتلفي وتدوري مع في الكلام .. عشان توصلي في الاَخر للكلمتين دول .

– طب اعمل بس يابت ياشوشو؟ اصل الجدع اخوه ده من ساعة ما شوفته في خطوبتك وانا عاملي جنان في عقلي .اصله حليوة اوي .


ردت عليها بدلال :

– اممم بس برضوا مش احلى من حسين .


قالت خلفها معترضة :

– لا بقى في دي انا اخالفك بالقوي.. اينعم خطيبك حليوة لكن أستاذ علاء.. يااختي عليه رجولة كدة وعضلات.. حاجة كدة من الاَخر مزيج بين الحلاوة والخشونة


صاحت فيها بمرح :

– اه يافاشلة يامستهترة .. بتوصفي في الراجل من غير خشيا ولا حيا .. طب التفتي لمذاكرتك الاول واحنا في اخر السنة وقربنا من الامتحانات .


شهقت صديقتها متذكرة :

–  فكرتني صحيح.. ليدر الدفعة نزل في جروب الكلية جدول المحاضرات الجديد ..انتي شوفتيه؟


اعتدلت بجزعها على الفراش تتناول شروق من على الكمود الحاسب الآلي المحمول( الاب توب ) تفتحه وهي ترد على صديقتها :

– لا لسة ما شوفتوش .. خليكي معايا بقى عشان اشوف النظام إيه ؟ إيه ده ؟ .

– إيه في إيه ؟

– استني يا إيمان اشوف الرسايل دي اللى وصلتني من حساب غريب .


هتفت إيمان عليها محذرة :

– حساب غريب.. طب اوعي احسن يكون هاكر ولا حاجة .

– يابنتي انتي كمان انا مافتحتش لينك ولا فيديو… دي مجرد صور بتحمل وو….  يانهار اسود.

–  إيه في آيه؟


هتفت شروق بغضب :

– دي صور لحسين يا إيمان .

– حسين خطيبك ياشروق ؟

– ايوة هو زفت … متصور وهو حاضن واحدة اجنبية بكل جرأة وهي قالعة اكتر ما لابسة.. السافل الخاين .. قال وعاملي فيها شيخ .. وديني لاطين عيشته .

…. يتبع

الفصل السادس عشر

تقدم بخطواته داخل الشقة متعجبًا من حالة الصمت التي تسود المكان في هذا الوقت من اليوم.. رمي سلسلة مفاتيحه على المنضدة الصغيرة والتي توسطت الصالة مناديًا بصوته :

– يا ام علاء .. يامّا .. انتي فين يام علاء؟


قال الاَخيرة وهو يتجول داخل البيت باحثًا عنها ..حينما لم يجدها في المطبخ اكمل بحثه عنها داخل غرفتها فلم يجدها ايضًًا ساوره الشك فبحث في باقي ارجاء الشقة بقلق .. وقلبه يحدثه بالأسوء حتى تفاجأ بها تدلف من الباب الخارجي وابتسامة جميلة تُزين محياها:

– حمدالله عالسلامة يامعلم علاء .


تنهد ارتياحًا بصوتٍ عالي قائلًا بتعب :

– انتي كنتي فين بس يامّا؟ قلقتيني عليكي.


ازداد اتساع ابتسامتها وهي تخطو بخطواتها البطيئة قائلة:

– سلامتك يانور عيني من القلق ولا اي حاجة تعكنن مزاجك حتى .


شقت ابتسامة سعيدة وجهه هو يقترب منها من نصف المسافة يلف ذراعه على كتيفها ويقبل رأسها :

– يدوملي يارب لسانك الحلو ده اللي بينقط عسل زيك ياعسل انتي .


ضحكت بسعادة وهي تستقبل قبلاته على رأسها حتى أجلسها على الاَريكة وجلس معها وسأل :

– قوليلي بقى كنتي فين ياقمر؟

– كنت في السطح ياعيون القمر .

– بتعملي إيه في السطح يامّا؟

– حاجة بسيطة ياحبيب قلبي.. طلعت انشف سجادة المطبخ بس على سور العمارة بعد ماغسلتها .


تغير لون وجهه فقال بتوتر :

– نعم!! انتي ازاي تعملي كدة بس يامّا؟ هو انتِ حمل رفع سجادة ولا حتى غسلها.. انتي عايزة تتعبي وتتعبيني معاكي ياست الكل .


قالت بمهادنة :

– براحة شوية يابني براحة.. وسيبني اكمل كلامي .. اولًا انا مطلعتش لوحدي انشرها.. انا كان معايا جارتي وحبيبتي ام ابراهيم.. دي شالتها لوحدها تطلع بيها السلم  وانا كنت بساعد معاها على الخفيف كدة .


نظر اليها بلوم قائلًا :

– لكن غسلتيها الاول ياما وتعبتي فيها دا غير انك تعبتي معاكي جارتك كمان.. وانا منبه عليكي من الاول ماتتعبيش نفسك.في شغل البيت.. مش كفاية انك رافضة موضوع  اجيبلك خدامة مخصوص.

– يابني وانا مالي بس بالخدامة المخصوص.. ما الست اللي بتيجي في اَخر الأسبوع بتقلب البيت من فوقه لتحته تنضيف.. ودي سجادة المطبخ يعني حاجة خفيفة قوي ومكنش ينفع اسيبها لاَخر السبوع بعد ما اتدلق عليها كوباية اللبن كانت في إيدي من غير قصد.  .


نظر اليها بحنان معاتبًا :

– كمان يامّا.. طب كنتي استنيني على ما ارجع واعملك كل انتي عايزاه.. ياإما بقى توافقي على موضوع الخدامة وماتتعبيش قلبي معاكي.. ياشيخة دي نيرمين ال…..استغفر الله العظيم يارب.. عندها بدل الخدامة اتنين .


تغير وجهها فجاة من لفتته قبل ان تغير دفة الحديث لناحية أخرى:

– انا ماليش دعوة بحد يابني .. المهم بقى انت كنت راجع مع الأبلة فجر منين؟

– رفع رأسه مجفلًا :

– هااا


تبسمت زهيرة بمرح قائلة:

– إيه هو اللي هاا؟ بسألك كنت راجع مع الأبلة من فين؟ هو السؤال صعب قوي كدة معاك لدرجادي؟


بابتسامة مستترة هز رأسه :

– بقيتي خبيثة قوي ياحجة زهيرة وعفريتة كمان في كلامك.. يعني البنية قابلتها صدفة ووصلتها بقى معايا.. فيها حاجة دي؟

– امممم .. لأ ياحبيبي مافيهاش حاجة.  دا احنا حتى أهل ونسايب.. ولا إيه يامعلم علاء .


نهض فجاة من جوارها يقاوم رغبة ملحة للأبتسامة فقال :

– انا قايم اريح شوية عشان انا حاسك كدة بتلمحي لحاجات ….


ضحكت وهي تنظر لأثره مرددة:
قوم ياخويا قوم .. على العموم مش انا بس اللي خدت بالي .. امها كانت معايا وخدت بالها هي كمان .
……………………….

بعد أن بدلت ملابسها وارتدت بيجامة منزلية مريحة توجهت فورًا لغرفة شقيقتها.. فطرقت بخفة على باب الغرفة قبل ان تفتحه وتدلف لداخلها مرددة:

– مساء  الخير ياشروق.. كنت عايزة الشاحن بتاعك؟ عشان انا تليفوني فصل شحن والشاحن بتاعي مش شغال .


ردت عليها بتمتمة :

– الشاحن على المكتب عندك خديه.


همت تتناوله وتخرج ولكن لفت نظرها وجه شقيقتها العابس وجلستها الغريبة على تختها وهي مريحة ذقنها على قبضتيها المضمومتين وساندة بمرفقيها على اقدامها المتربعة .. هاتفها يصدح بجوارها على الفراش ولا تعيره أدنى اهتمام .. فسالتها بتوجس:

– مالك ياشروق والتليفون اللي بيرن جمبك ده مابتروديش عليه ليه؟

– دا رقم حسين وانا مش عايزة اعبره.

– نعم !!


رمشت بعيناها متعجبة قبل ان تتناول كرسي صغير تقربه منها.. وقالت :

– والنبي إيه؟ ودا من امتى ان شاء الله؟ وحضرتك بقى مش عايزة تردي عليه ليه بقى؟

– عشان اتخانقت معاه ؟

– ياشيحة!! طب ممكن اعرف بقى اتخانقتي مع خطيبك ليه ولا دا سر ومش مسموح لي أعرفه؟


إعتدلت في جلستها وهي تتناول الهاتف الذي صمتت رناته :
طبعًا ياحبيبتي مسموح انك تعرفي وتشوفي بنفسك كمان أخلاق أخينا دا اللي عامل نفسه ملاك وهو مقضيها مع النسوان الأجانب .
حدقت بعيناها فجر على الصورة التي بهاتف شقيقتها.. فسالتها:

– دا هو نفسه حسين! معقول؟ بس انتي عرفتي تجيبي الصورة دي زاي؟

– الصورة وصلتني من حساب مجهول من واحدة بتحذرني منه ومن أخلاقه الزفت.

– وانتي بقى اي واحدة تحذرك من خطيبك تقومي مصدقاها على طول .

– يعني إيه؟


سألتها بريبة .. فردت فجر على سؤالها بسؤال:
  – طب انتي لما سألتيه قالك إيه؟
قالت بتعصب :

– هو عارف يرد حتى.. دا كل اللي عليه يقولي الكلام في التليفون ما ينفعش و تعالي اقابلك واشرحلك بالتفصيل.. هو انا طايقة اسمعه الخاين ده عشان اقابله واقعد معاه كمان.. وإيه التبرير دا اللي هايقدمه بعد ما شوفت الصورة بنفسي والخاوجاية حضناه بكل سفالة وقلة ادب وبتبوسه في خده .


نهضت من امامها قائلة بهدوء:

– يبقى تروحي تقابليه وتفهمي منه كويس.. حسين لو خاين صحيح كان هايعرف يثبتك بكلمتين بمجرد ما واجهتيه في الفون.. ثم ان البنت اللي بعتت الصور دي واضح قوي نيتها سيئة للتفرقة ما بينكم.. ماتديش فرصة لحد يفرق مابينكم واسمعيه الأول.. وبعدين احكمي بنفسك .


اوقفتها قبل ان تخرح من الباب :

– بس انا دمي بيغلي منه يافجر ..وهاين عليا اروح اولع فيه شعره الناعم ولا ابوظ وشه اللي فرحان بيه ده .


ابتسمت فجر رغم ألالم القابع بداخلها:

– طب افهمي منه الأول ولو ما اقتنعتيش يبقى اعملي فيه ما بدالك .. ان شالله حتى تسخطيه قرد مسلسل .


……………………….

في المساء كانت سميرة بداخل غرفتها تتحدث باستفاضة عن احداث يومها كالعادة وزوجها الذي ينظف بمحمرمة ورقية اطارات نظارته .. يستمع بتركيز مع كل حرف حارج منها حتى سألها مستفسرًا:

– طب وانتي ما سألتيش بنتك ليه وعرفتي منها؟.

– اه ياخويا وتفتكر بقى لو سالتها هاتقول الحقيقة؟


قطب حاجييه فقال بدهشة :

– وتكدب ليه بقى؟ اذا كان هو نفسه قال لوالدته انه شافها صدفة فقام بتوصيلها معاه في سكته .


مالت برقبتها امامه تشير بسبابتها على جانب رأسها :

– لا والنبي.. وانا بقى هايدخل في مخي الكلام ده ولا حتى هاصدق كلام بنتك الي انا متأكدة انها هاتكدب فيه هي كمان؟


زفر شاكر رافعًا عيناه للأعلى :

– طب ياام العريف.. ممكن بقى تفهميني انتي وجهة نظرك إيه عشان افهم انا بدال اللف والدوران ده معايا في الكلام .


قربت وجهها إليه وهي تردف بعينٍ خبيرة :

– انا قصدي اوصلك ياحبيبي ان بنتك اللي كانت منشفة راسها الأول من ناحية علاء ابتدت تحن وتميل له.. وحتى هو كمان حساه ما اتأثرش،برفضها ليه ولا حتى بين انه زعل منها.. ودا طبعًا بغض النظر عن غضبه في ساعتها .. ساعة الرفض.


وضع النظارة على عينيه مسهمًا بتفكير فتابعت :
انا شوفت بنفسي نظرتهم لبعض النهاردة وهما خارجين  من عربيته.. دي مش نظرة اتنين كارهين بعض ولاحصل مابينهم عرض بالجواز والرفض .. دول بيتكلموا عادي ولا اكنهم يعرفوا بعض من سنين حتى وبينهم مواضيع للكلام .. مط شفتيه وهو ينظف بسبابته داخل اذنه :

– هو كلامك معقول .. بس برضوا ممكن تفسيراتك دي وتحليلاتك دي كلها تبقى غلط أو من هم خيالك .. لكن ان كان عليا انا اتمنى .. علاء دا راجل وبنتك لو لفت الدنيا بحالها مش هتلاقي واحد في زيه ولا اخلاقه . 


…………………………..

وفي الجانب الاَخر كان جالسًا على تخته بنصف نومة.. مكتفًا ذراعيه خلف راسه .. مستندًا على قائم السرير وقد جاف عينيه النوم بعد ان تزاحمت بعقله ذكريات الماضي وما يحدث الاَن في الحاضر .. وما سيترتب على صحة ما سمعه اليوم من عصام صديقه القديم، الذي كان له بفترة من الزمن اقرب اليه من سعد نفسه صديق الطفولة والجيرة أيضًا.. قصة حبه القديم التي انتهت بجرحٍ غائر افقده الثقة في جميع النساء لفترة طويلة من السنوات.. قبل ان يُقابل جنيته الصغيرة التي خطفت لُب قلبه من أول وهلة في رؤيتها.. وللعجب العجاب تبقى قصتها مربوطة ايضًا بجرحه القديم .تنفس بحريق من داخل اعماقه.. لا يدري متى ينتهي من عذاب قلبه وكيف السبيل لحل تسلسل عقده التي ليس لها نهاية .. اعتدل على الفراش بجذعه لينزل بقدمه على الارض ويتناول علبة سجائره مع علبة كبريت فقد فوجئ بتعطل قداحته ..خطا ناحية شرفته  وقبل ان يدخلها كانت السيجارة في فمه .. اخرج عودًا ثقاب ليشعل به سيجارته ولكنه توقف بيده في الهواء قبل ان يصل بالعود المشتعل الى السيجارة داخل فمه بعد ان تسللت رائحتها المسكرة الى صدره.. التف برأسه ناحية شرفتها فوجدها بهيئتها التي ذكرته برؤيته الأولى حينما سحرته بنعومتها وجمالها.. مستندة على سور شرفتها وشعرها المتمرد يتطاير حول رأسها بحرية.. استفاق من شروده حينما شعر بلسعة نيران عود الثقاب التي وصلت الى اصابع يده.. نثرها من يده ورمى أيضًا السيجارة من فمه.. فما فائدتها لو غطت برائحة تبغها على رائحة الطيب من جميلته .. تحمحم بصوتٍ واضح ليصل الى أسماعها وهو ماحدث.. التفتت اليه برأسها فقال هو بتردد :

– انا قولت اعمل صوت عشان مازعجكيش زي المرة الي فاتت .

– اشاحت بوجهها قليلًا بخجل قبل ان تعود اليه بابتسامة صافية منها فاجأته:

– متشكرين أوي يا معلم علاء على زوقك.. وممنونين جدًا عالتقدير .


ابتسامتها كانت بسيطة وخجلة.. لكنها جعلت الدماء تضخ داخل قلبه بسرعة مجنونة.. وصوت دقاته تصل لأسمعاه كطبولٍ افريقية.. حاول التحكم بهذا الهذيان الذي اصاب عقله.. حتى يستطيع إخراج جملة مفيدة معها ..فتنحنح قائلًا بصوتٍ مهزوز:

–  ما انا مش عايز اكرر غلطي.. حكم انتي المرة اللي فاتت بصيتلي بغدرة كدة ولا اكنك قطة شرسة وهاتهجم عليا .


هنا رنت صوت ضحكتها :
“ااه .. دلوقتي بس عرفت المجاذيب ييتجننوا ازاي “.. هذا ماحدث بهِ نفسه وهو يشعر بالخدر الذي اصاب أطرافه..  من رؤية ضحكتها الصافية والتي زادت من جمال وجهها بروعة.. خبئت ضحكتها فجأة وتغير وجهها وهي ترد :

– أنا المرة اللي فاتت كان عندي اسباب عشان اكرهك بيها من قبل ما اشوفك.

– يعني انتي دلوقتي ماعدتيش بتكرهيني؟


رفعت عيناها اليه مجفلة فحدقت اليه للحظات صامتة قبل ان تجيب.

– مش عارفة بس انا اكتشفت اني كنت ظالماك في حاجة انت ملكش ذنب فيها.. دا غير إني اكتشفت ان انت نفسك كنت مجروح.


مط بشفتيه امامها وهو يعيد كلماته برأسه فأطربت أسماعه وأنعشت بداخله الأمل.. فتابعت هي بسؤال:

– طب احنا دلوقتي هانعمل ايه؟


قطب حاجبيه فسألها ببلاهة:

– في إيه؟


رفعت عيناها وهزت رأسها بيأس فتذكر هو:

– اَااه.. انت قصدك يعني عن موضوع الكلام اللي ذكره عصام؟


اومأت برأسها إيجابًا فقال متنهدًا في البداية:

– اولًا احنا لازم نتأكد من صحة الكلام الأول.


قالت بسرعة وتعصب:

– أنا متأكدة من صدق كلامه.. عشان متأكدة جدًا من أخلاق فاتن .


اطرق بعيناه ارضً وشعر بالأسف قبل ان يتكلم:

– أرجوكي ما تاخديش كلامي بمحمل على فاتن.. بس انا راجل عشت سنين على مشهد انها خانتني مع اعز اصحابي.. ودي حاجة أثرت جدًا في نظرتي ناحية الستات وافقدتني الثقة في كل الناس.


وضح التفهم على ملامح وجهها فأثبتت هي بالقول:

– انا فاهماك على فكرة ومش بلوم عليك.


تنهد بارتياح وشعور بالسعادة يتسلل اليه رويدًا رويدًا..فقال بعملية:

– خلاص ياستي مدام بقينا متافهمين يبقى هاقولك على اللي بفكر فيه.. انا من بكرة ان شاء الله هادور على البنت الخدامة اللي كانت شغالة عند عصام .


هزت رأسها بحماس واكملت على قوله:

– حلو اوي ده.. لأن البنت دي أكيد عندها حل السر اللي دوخنا طول السنين اللي فاتت..وانا كمان هحاول الاقي طريقة تعرفني عن الفترة القليلة اللي قضتها فاتن في الصعيد قبل ماتموت.. يمكن يكون في حاجة تهمنا فيها .


اومأ برأسه عن رضا:

– تمام.. واهو منها برضوا تعرفي هي ماتت بجد ولا حاجة تانية.


اومأت هي ايضًا ..فسره جدًا نظرة الأمل بعيناها ورغم قساوة الوضع ولكنه وجد اَخيرًا شيئًا يربطهم ويقرب بينهم.. شعرت بالحرج حينما طال الصمت بينهم فاستاذنت للعودة لغرفتها.. وتركته هو يتأمل الكون حوله بنظرة أخرى بعيدة كل البعد عن السابق.
…………………….

في اليوم التالي .
خرج من داخل ورشته يهلل بترحيب :

–  دا انا الصبي لما قالي جوا ماصدقتش .. نورت الورشة ياعلاء باشاء


تقبل علاء عناقه والترحيب بمودة حقيقية لصديقه وجاره منذ الطفولة:

– وحشتني ياسعد.. ووحشتني ايامك .


شدد على كفه قائلًا بمرح :

– ما انت ياعم عزلت وقولت عدولي.. تعالي اتفضل معايا جوا الورشة عشان افرجك كمان على شغلي الجديد .

– خليها مرة تانية ياحبيببي.. المهم خلينا نتكلم احنا هنا عشان عايزك في موضوع ضروري .


جلس الاثنان على مقعدين من الخشب وفي الوسط طاولة خشبية أيضًا صغيرة خارج الورشة .. فسأله سعد بفضول :

– موضوع إيه بقى اللي كنت عايزني فيه .

– اصل بصراحة انا كنت عايز اسألك عن حاجة قديمة كدة مر عليها سنين.. بس انا قولت يمكن يكون عندك خبر ولا تعرف حاجة عنها .

– عقد حاجبيه بدهشة فسأل:

– عن مين بالظبط؟ وموضوع إيه دا اللي مر عليه سنين؟


تنحنح علاء يلمس ارنبة انفه بتردد قبل ان يقول اَخيرًا :

– يعني ..اصل انا كنت قابلت عصام .. عصام صاحبنا القديم انت تعرفه؟


جحظت عيناه واشتعل صدره بالغضب بمجرد سماع الأسم فقال بحدة :

– ماله الخاين ده؟ وهو ليه عين كمان يشوفك ويفتح معاك مواضيع وانت ازاي تسمحله اساسًا؟…


قاطعه علاء:

– في إيه ياسعد؟ استنى واديني فرصة اتكلم.


حاول تنظيم انفاسه الهادرة داخل صدره فقال :

– معلش يا علاء.. بس انت عارف اني قطعت علاقتي مع البني ادم ده من زمان من ساعة ماعرفت منك موضوع خيانته ليك .


قال الاَخيرة مشددًا على الاحرف لفت نظر علاء الذي رد :

–  يابني ما انا عارف كل كلامك ده.. انا بس عايز دلوقتي اتأكد من صحة الكلام اللي قالهولي .. واعرف ان كان صدق ولا كدب .


شحب وجهه بصدمة وهو يستمع لعلاء وهو يسرد كلمات عصام فقال :

– يعني هو بعد السنين دي كلها ما افتكرش يقولك الحقيقة غير دلوقتي وانت بكل سهولة كدة صدقت؟

– يابني انا لا صدقت ولا كدبت .. انا بس عايز اشوف البنت الخدامة دي واسالها غشان افهم .


بصق جملته قائلًا :

– وانا مالي بقى؟

– انت مالك ازاي بقى؟ هي البت دي ماكنتش قريبتك برضوا؟


ضرب على الطاولة التي امامهم بعنف وهو ينهض عن  مقعده يهدر صائحًا بغضب :

– انا ماعنديش قرايب خدامين ياعلاء .


ربت علاء على ذراعه بمهادنة :

– طب اهدى طيب واقعد ..الناس في الشارع بتبص علينا .


عاد للجلوس مرة أخرى وصدره يعلو ويهبط من الغضب وهو يردد :

– ما انت بتقول كلام يعصب ياعلاء.. انا البنت دي لما قدمتها للزفت عصام .. كان على اساس انها معرفة من ناس قرايبنا وكان صعبان عليا حالها وامها التعبانة .. يعني مش قريبتي ياعم .. دي كانت مجرد معرفة وراحت لحالها.. يعني ماعدتش اعرف عنها حاجة..


ثم أردف بغل:

–  هو لدرجادي الجدع ده عرف يلف دماغك من قاعدة واحدة ؟


ظهر الغضب على وجه علاء وهو يرد عليه بحدة :

– انا مش عيل صغير ياسعد عشان يجي حد ويلفني بسهولة .


صمت الاَخر يشيح عنه بنظره فأجفله علاء بسؤاله :

– الا صحيح ياسعد.. لما قابلك عصام زمان عشان يوسطك مابيني وبينه.. ماقولتليش انت ليه على الموضوع ده .


تحركت شفتاه بتوتر مرددًا:

– هااا

يتبع

الفصل السابع عشر

حانقة.. غاضبة.. تهز اقدامها بعصبية تحت الطاولة الجالسة عليها أمامه في المطعم الشهير والذي كان قد وعدها منذ فترة قريبة.. لصحبتها في زيارته.. وفي أعلى الطاولة كانت مستندة عليها بمرفقيها وهي تستمع لتبريره بأعين متوسعة كبركتي عسل بلونهم ..مكورة شفتيها كالأطفال على وجهها الذي تخضب بحمرة قانية من الغضب.. هيئتها الشهية اخرجته من تركيزه بضع مرات فازداد غضبها منه وازدادت رؤيتها تسلية بعيناه وهو يكبت ابتسامة ملحة بصعوبة عن وجهه.

– يابنتي زي مابقولك كدة.. هو دا كل اللي حصل.


برقت عيناها اكثر تهتف :

– ياسلام.. وانا بقى عيلة صغيرة ولا هبلة عشان اصدق حاجة زي دي.


رد بابتسامة مستترة:

– صغيرة دا إيه بس ياشوشو؟ دا انت عاقلة وست العاقلين كمان .


قالت غاضبة:

– بلاش أسلوبك ده معايا ياحسين.. عشان انا حساك بتسخر مني ومن كلامي.


لم يستطع كبح ابتسامته وهو يردف:

– أسخر من مين بس يابنتي؟ هو انتي في حد يقدر يسخر منك برضوا ياقمر؟


ارتخت ملامح وجهها قليلًا ولكنها قاومت الضعف امامه.. فقالت بإصرار:

– طب قولي الحقيقة واعترف ان كانت البنت دي حب قديم ولا انت عملت معاها علاقة.. وانا هاصدقك واسامحك لو قولت الحقيقة.

– حب او علاقة!! هههه


دون ارادته.. دوت الضحكة بصوتٍ عالي قبل أن يكبتها بوضع كفه على فمه.. راقبته لعدة لحظات وهو يقهقه بصوتٍ مكتوم ولا يستطيع التوقف.. مما اثار استيائها اكثر.. فنهضت عن كرسيها بعنف

– ماشي ياحسين.. خليك انت كدة اضحك مع نفسك وانا ماشية وسايباك .


امسك بمرفقها يوقفها بحزم قبل ان تذهب:

– استني بقى واقعدي ياشروق.. الناس بتبص علينا.. اقعدي بقى عيب.


أجفلت على النظرات الفضولية حولها فجلست مضطرة وهي تطحن اسنانها غيظًا:

– هما دقايق بس ياحسين هاقعدهم.. ولو فضلت فيهم تتكلم وتضحك بأسلوبك الساخر ده مني و من عقلي.. هاقوم واسيبك وابقى دور بعد كدة بقى على حاجة تصالحني بيها.. عشان انا مش هاسمحلك نهائي.. وان شالله حتى تتفسخ……

– اوعي تكمليها لازعل بجد وربنا .


قاطعها بجدية حقيقية بوجهٍ ذهب عنه المرح.. فتابع جديته بصوتٍ أجش ممسكًا بكفها:

– انا مش بستهزأ بيكي.. انا بس شايف ان الموضوع كله هزار ومش مستاهل لخناقة مابينا انا وانتي


رقت قليلًا من نبرته فقالت ببعض الرزانة:

– انت شايفه موضوع مش مستاهل و انا شايفة العكس.. يبقى تفهمني الحقيقة.

– يابنتي ما انا قولتلك.. كانت لعبة هزار من واحد صاحبي.. حب يعمل فيا مقلب مع مجموعة من الزملا لما كنا في حفلة لشركة السياحة اللي كنت بشتغل فيها الأول قبل ما استقل وافتح شركة لوحدي.. ودا كان في سهرة مع وفد سياحي.. صاحبي ده زق البنت الخوجاية دي تيجي ترزل عليا وفي نفس الوقت كان هو بيصور اللي حاصل.


سألته بشك:

– يعني الموضوع رزالة بس ومافيش أي حاجة تاني؟


هز رأسه بالنفي وهو يبتسم بسعادة:

– وحياة غلاوتك عندي.. مش أكتر من كدة.. دا صاحبي عمل المقلب دا مخصوص نكاية فيا عشان انا كنت دايمًا مقفل وسطهم .

– طب وانا إيه اللي يخليني اصدق؟


حدق بعيناها الجميلتان يقول بصدق رأته جليًا في عيناه

– عشان انا مش هانكر لو كنت كدة فعلًا.. الموضوع ده مر عليه اكتر من سنتين يعني مكنتش لسة شوفتك ولا عرفتك عشان تتحسب عليا خيانة.. بس انا اللي مستغربه بجد هي ازاي وصلتك الصورة!

– أهي وصلتني وخلاص..

– يعني مش هاتقولي على المصدر ؟


قالت بتحدي:

– لأ مش هاقول ياحسين.. عندك مانع ؟


رفع حاجبه بتسلية:

– ماشي ياشروق.. المهم بقى انتي صدقتيني ولا لسة برضوا مصممة عاللي في دماغك.


هزت كتفها وقالت بدلال:

– مش عارفة؟


ازداد اتساع ابتسامته فقال بمرح وهو يشير بيده للنادل:

– بس انا عارف.. مدام اتكلمتي كدة باسترخاء نسبي يبقى بدأتي تحني.. نكمل عتابنا بقى واحنا بنتغدى.. تحبي اطلبلك إيه؟


……………………….

مع قرب انتهاء اليوم الدراسي وخروج الطالبات من غرفة الحاسبات بعد انتهاء حصتها معهم.. وقفت تلملم أشيائها وتضعهم بحقيبتها اليدوية.. قبل ان تنصرف هي الاخرى وتعود لمنزلها.. وسط انهماكها وصل لأسماعها صوت صفير من الفم بصوتٍ خفيض .. رفعت راسها لتتبين مصدره ناحية الباب المفتوح بمواربة صغيرة ولكنها لم تجد احد فعادت لما تفعله فتكرر الصوت مرة أخرى واثنان وهي ترفع عيناها ولا تجد سوى الهواء.. زفرت بغيظ وهي ترجح بانها معاكسة من إحدى الطالبات لتستفزها فتناولت عصا خشبية تستخدمها ساعة الضرورة في التدريس وذهبت لتفاجأ من يشاكسها .. رفعت يدها الممسكة بالعصا بتحفز وهي تمسك بمقبض الباب لتفتحه لتباغت من يقف خلفه. لتفاجأ بشهقة انثوية ضاحكة :

– حاسبي يا ابلة فجر انتي هاتضربي صاحبتك ولا إيه؟


فغرت فاهاها بشهقة هي الأخرى مشتاقة لصديقتها التي ارتمت عليها تعانقها:

– سحر!! وحشتيني يامجنونة.. وحشني جنانك .


سحر وهي تشدد عليها بذراعيها وهي تقهقه بمرح:

– مش اكتر مني يا فجر وربنا.. مش اكتر مني .


بشويش ياجماعة على نفسكم.. دول اخرهم اسبوعين فراق مش سنين يعني .
نزعت فجر نفسها عن صديقتها مجفلة على هذا الصوت الساخر لشابٍ يقف خلف سحر مباشرةً لم تراه هي في خضم انشاغلها بمعانقة صديقتها سوى الاَن.. نظرت لسحر باستفسار فوجدتها تبتسم بسعادة فسألتها بمشاكسة:

–  اوعي تقولي انك معرفتهوش؟ والنعمة ازعل منك .


رفغت فجر عيناها اليه مرة اخرى فهزت براسها ضاحكة حينما تذكرت ملامح وجهه:

– لا ماتزعليش مني ياسوسو.. انا دلوقتي حالاً افتكرته من الصور اللي انتي بعتيهالي.. استاذ رمزي صح؟


قالت الاَخيرة وهي تشير اليه بسبابتها.. اومأ اليها هو قائلًا :

– صح فعلًا يا انسة فجر .


رحبت فجر بمصافحته الودودة وانتقلت عيناها لسحر التي تورد وجهها بفرحة جعلت ملامحها تبدوا كامرأة اخرى شديدة الفتنة والجمال .

– طب إيه هانفضل هنا واقفين عالباب والطالبات يبصوا علينا ..تعالوا ندخل جوا الغرفة على الاقل نقعد بدل الوقفة .


……………………..

دلف لداخل منزله المتواضع بغضبٍ حارق تتبعه شياطينه حتى أنه لم يلتفت للطفلة الصغيرة التي كانت جالسة على الاَريكة الخشبية والخاصة بوالدته تشاهد التلفاز.. هتفت بمرح:

– خالي سعد.. ازيك ياخالي .


لم يسمعها ولم يرها أيضًا وهو يسرع بخطواتٍ ناحية غرفته.. والتي بمجرد دلوفه إليها صفق بابها يغلقه بقوة اجفلت الطفلة ذات السبع سنوات منتفضة.. وجعلت والدتها تخرج من داخل المطبخ سائلة وهي تجفف يداها:

– إيه الصوت ده؟ هو في حد دخل عندنا هنا يامروة؟

– ايوة ياماما.. خالي سعد ودخل على اؤضته وقفلها عليه كمان من غير مايعبرني ولا يرد عليا حتى.


تمتمت المرأة وهي تخطو ناحية الغرفة:

– خالك سعد!! مش بعادة يعني يجي بدري كدة؟


طرقت بخفة على باب الغرفة فوصلها صوته من الداخل:

– مش عايز اشوف حد .

– انا اختك لبنى ياسعد…


لم تكمل جملتها حينما قاطعها صارخًا بصوتٍ جهوري يصُم الاَذان:

– قولت مش عايز اشوف حد.. ابعدوا عني بقى ابعدوا عني .


ارتدت عائدة لوالدتها في مطبخهم الصغير وهي ترتجف:

– اخويا سعد ماله ياما؟


سالتها نشوى بهدوء وهي متربعة على ارضية المطبخ تنزع بيدها ريش الدجاجة المذبوحة:

– مالوا اخوكي يابت؟


بصوت مرتعش وهي تتربع امامها على الارضية:

– دخل اؤضته زي القطر واما خبطت على باب الاؤضة عشان اشوفه او اسلم عليه.. صرخ عليا خضني وقعد يقولي ابعدوا ومش عايز اشوف حد فيكم..هو ماله يامًا؟


نشوى وهي تعيد الدجاجة داخل إناء المياه الساخنة قبل ان تخرجها مرة اخرى وتكمل ما تفعله:

– يعني هايكون ماله يعني؟ دا واد نكدي يموت لو ملاقاش حاجة ينكد بيها على نفسه وعلى اللي حواليه..لا هو وصغير راضي ولا حتى بعد ما كبر وربنا فتحها عليه راضي.. عيل فقري.

– بس انا خوفت اوي من شخطته فيا ياامّا.. هو انا باجي عندكم كل يوم عشان الاقي منه المعاملة العفشة دي؟.


قالت نشوى بتحدي:

– ليه ياعين امك؟ هو انتي قاعدة في بيته؟ دا انتي قاعدة في بيت ابوكي ومع امك مش مع مراته.. سيبك منه يابت ومن قرفه واستني كدة لما اعملك طبق ملوخية تاكلي صوابعك وراه على مرقة الفرخة دي.. عشان ترمي بيها عضمك ياعين امك .


اندمجت لبنى مع والدتها في حديث الطعام الشهي وتناست سعد وما يفعله ..فسالتها:

– طب مش كان احسن ياما تخلي سيد الفرارجي ينضفها بالمرة بدل تعب القلب ده؟


ردت نشوى باقتناع:

– في بيتنا احسن يابنتي.. عند سيد الفرارجي اكيد هاينقصها من حوايجها!


………………………..

وبداخل غرفته كان كالبركان الثائر بنيران الحقد.. صوت انفاسه الهادرة مسموعة بوضوح داخل فضاء الغرفة .. ترتعش مقلتيه باضطراب وهو يستعيد بذاكرته وجه غريمه من وقت أن سمع بإسمه.. والذي عاد الاَن بعد كل هذه السنوات لينبش في الماضي الذي تظل اَثاره عالقة بذهنه ولا تتركه حتى بنومه من أحلام تقبض على صدره لتذكره دائمًا حينما يغفل أو يُحاول المضي قدمًا بحياته فلا ينسى ابدًا ماحدث بوقتها ولا ينسى ما سبقها من سنوات كان يتألم ويحترق فيها صامتًا ولا يشعر به أحد.. نشأته الصعبة وهو صغير حينما كان فقيرًا معدمًا بجسدهِ الضئيل الذي لالطالما أغرى أقرانه الصغار في الحارة ليتنمروا عليه فيسحقوا ضعفه بالإهانة والاعتداء لولا وجود علاء المصري الذي كان رغم صغر سنه يقف بوجههم لمناصرته واخذ حقه وقت الزوم..كان مصدر حماية وأمان له.. أحبه كشقيق لم تلده أمه رغم شعور النقص الذي كان ينموا بداخله مع نمو جسده.. فقد من الله على علاء بالخلقة الحسنة والجسد الرجولي الخشن منذ صغره بالأضافة لمال ابيه وحسبه ونسبه.. عكسه هو الذي كان يرى النقص في كل شئ حوله.. لكنه كان يكيف نفسه ويتعايش مع هذا الشعور البغيض بفضل تواضع علاء معه الذي كان يغدق عليه بالحنان الأخوي بما يخفف عنه.. لكن مع دخول مرحلة الجامعة وتعرف علاء على هذا المدعو عصام ابن الطبيب الشهير.. انقلبت حياته لمرار وهو يرى نمو الصداقة بينهم بتكافئ مذل له.. بل ومهين وهو يرى التفاف الاصدقاء حولهم من فتيات وشباب وكأنهم نجمان متلألاَن.. الكل يتهافت على التعرف اليهم وهو بينهم على الهامش وغير مرئي اطلاقًا وتمر السنوات وتتطور العلاقة ليحتل هذا العصام مكانه في الحارة ايضًا بعد الجامعة.. فيأسر قلوب الطبقة الفقيرة من اصدقاء وجيران لهم.. وكأنه فرد نشأ وتربى بينهم.. وهو على حاله دومًا غير مرئي ولا أحد يشعر به ولا أحد يسمعه صمته.. حتى اتى هذا اليوم حينما راَها بسيارته؟ هي حب عمره وحلم حياته.. في سيارته.. فكانت هي الفرصة.
التمعت عيناه فجأة وهو يعيد بعقله ماحدث.. ويقسم بداخله على النجاة وان كان الله انقصه من نعم كثيرة انعم بها على غيره.. فقد ميزه هو بالدهاء والذكاء.. وكما نجح قديمًا فلابد له من النجاح الاَن ايضًا مهما كان الثمن!
…………………………

في المساء
تفاجات فجر وهي تجلس امام شاشة التلفاز تشاهد إحدي البرامج بعودة شقيقتها من مشوارها بصحبة خطيبها بوجهٍ يشع بالسعادة عكس ما خرجت به.. تدندن بصوتها وهي تقترب منها لتناكشها و تغني .

– عارف انت الحظ بعينه ..كان وشك حلو عليا


كل اللي الناس شايفينه.. مايجيش واحد في المية
مللي انا لسة ماقولتوش.. انا لو تبقى معايا بيترج
القلب ويتهز… انا لو تاخد عيني يانور عيني عيني ماتتعز.

استجابت ضاحكة وهي تدغدغها فقالت مندهشة.

– والنبي إيه؟ طالعة من عندنا ابو الغضب مرسوم على وشك ودلوقتي راجعة وعمر دياب بيغني على لسانك؟ إيه يابت الجنان ده؟


قالت بدلال:

– وماله بس لما ارجع بعمر دياب ولا سنية العالمة حتى ..مش المهم اكون مفرفشة يااختي الابلة .


اومأت برأسها موافقة وهي تضحك:

– ان شالله يارب دايمًا ياحبيبتي.. المهم بقى احكيلي اتصالحتوا ازاي؟


اعتدلت بجلستها تسالها ببلاهة:

– وانتي عرفتي ازاي ان احنا اتصالحنا بقى؟


مالت اليها برقبتها وابتسامة متسلية على وجهها.. فردت شروق:

– معلش بقى سؤال غبي؟ وانا اساسًا مكتوب على وشي الصلح والدلع كمان .


سالتها بتوجس يشوبه المداعبة:

– دلع ياشوشو؟


اومأت برأسها:

– اه والنبي يااختي دلع.. دا خدني الاول على المطعم اللي قولت عليه قبل كدة .. صالحني هناك وفهمني اصل الصورة ومناسبتها واكلنا فيه على موسيقى هادية ورومانسية وبعدها فسحني في الملاهي وهيصنا فيها وجابلي جيلاتي.. انا النهاردة كان من اسعد ايام حياتي يافيفي..

– قالت فجر بارتياح:

– طب الحمد لله ياستي انه عرف يصالحك ويبسطك كمان ..ياريت بقى تاخدي بالك بعد كدة من اي حاجة تجيلك من ناس غريبة.. عشان ماتضريش نفسك وتاخدي خطيبك بذنب هو معملهوش.

– عندك حق يافجر.. حسين دا طيب قوي وعرف يمتص غضبي منه.. وانا بعد ما شرحلي صدقت كل حرف طالع منه.

– تمام اوي الكلام ده.. هو فينه بقى مجاش معاكي؟

– لا ماهو دخل عند والدته يشوفها ويشوف علاء اخوه.. اصل اتصل بيه وطلب يقابلوه وهو معايا بنتفسح .. المهم بقى.. انتي ليه قاعدة هنا في الصالة مش في اؤضتك وفين باقي العيلة مش شايفاهم؟


اجابت فجر:

– والدك ووالدتك أخدوا إبراهيم لدكتور العظام  عشان الكسر بتاعه.. وانا بقى قاعدة هنا في الصالة كنت بستناكي عشان اطمن ياستي واديني والحمد لله اطمنت .

– حبيبة قلبي انتي .


قالتها وهي تقبلها بوجنتها قبل ان تنهض وهو تتابع:

– ربنا يرزقك انتي كمان يااحلى فجر باللي ينسيكي كل تعب السنين ويدلعك بقى.. دا الدلع حلو قوي ياجدعان .


والنعمة حلو اوي .
كانت ترددها وهي تتجه بخطواتها نحو غرفتها.. جعلت فجر تتبعها بنظراتها وهي تهمس بداخلها:

– معقول ياشروق هايجي اليوم ده اللي احب فيه واتحب زيك انتي كدة وزي سحر كمان؟


……………………….

حبيب قلبي يا ابوعلاء
قالها حسين وهو يفتح على اخيه باب الغرفة قبل يقطع جملته متابعًا بعد ذلك:

– ايه ياعم الدخان دا كله؟ دي الاوضة معمية بريحة السجاير .


قال بابتسامة ومزاح:

– ادخل يااض على طول واسترجل ولا انت هاتخاف على صدرك من الريحة كمان .


تقدم للداخل متافافًا وهو يهوي بيده:

– اخاف ياعم وماخافش ليه؟ ما في الحالتين الضرر واحد.. وانت بقى اللي بتعمله ده اسمه انتحار .. طب افتح شباك البلكونة حتى عشان تهويها شوية .

– اشار بلامباة:

– افتحها انت.. انا مكنتش واخد بالي اصلًا .


فتح حسين باب الشرفة على مصراعيه متنهدًا بارتياح قبل ان يعود بنظره جيدًا لاخيه الجالس على طرف الفراش بشرود وهو يدخن بشراهة ومطفأة السجائر بجانبه وقد امتلائت بالأعقاب .
ردد وهو يتناول كرسي ويقترب به للجلوس امامه:

– يانهار ابيض دا انت عاملها حريقة بجد.. كل دي سجاير شربتها ياعلاء؟ انت عايز تنتحر يابني.. وماتقوليش والنبي خاف على نفسك والكلام ده.. اصل ده مش شرب دي حريقة.


زفر علاء وهو ينفث دخان السجيارة التي بيده:

– لا ياسيدي مش هاقولك.. انا اصلًا ماعنديش مزاج ولا فيا حيل لأي كلام.


قطب حاجبيه بقلق:

– ليه ياعلاء؟ انا فهمت انك محتاجني لما اتصلت بيا.. بس شكلك بيقول ان في كارثة .


مط شفتيه بزاوية:

– هو مش كارثة قد ما هو حيرة وانا حاسس نفسي في داومة ومش عارفة طريق خروجي منها .


ربت على قدمه قائلًا بمؤازرة:

– سلامتك ياعلاء من الحيرة.. قولي اللي محيرك وانا احاول معاك في حل للدومة الغرقان فيها دي .


قال علاء برجاء:

– انا عشان كدة اتصلت بيك ياحسين.. انت اخويا وصاحبي ورغم انك الأصغر لكن انا بحسك بتشوف الامور بميزان العقل اكتر مني.. وانا عايز احكي لحد يفهمني.


بعد ان سرد علاء لأخيه كل ماحدث بينه وبين فجر وماقاله عصام وما رأه من سعد وحيره اكثر .. ظل منتظرًا لعدة لحظات لرد حسين الذي كان متكتفًا بذراعيه يستوعب ويفكر بصمت.

– إيه يابني ماتتكلم؟ هاتفضل ساكت كدة كتير؟.


حك حسين بسبابته على ذقنه المهذبة وهو يتحدث بتركيز:

– اصل بصراحة كمية المعلومات دي اللي قولتهالي مرة واحدة.. جعلتني انا كمان احتار زيك.. رغم شكي من زمان .


سأله باستفسار:

– شكك في إيه ؟

– كنت شاكك بوجود لغز في اختفاء فاتن من الحي وبين مقاطعتك انت لموضوع الجواز .


قال علاء:

– ماهو دا اللي انا كنت معتقد فيه من زمان.. انها خانتني.. لكن اخلاقي بقى منعتني احكيلك ولا اقول باللي شوفته بعيني.. لكن اللي حكاه عصام دلوقتي وتأكيد فجر على كلامه..قلب كل الموازين معايا.. وانا بقلبها في دماغي ومش عارف اتأكد ازاي انا كمان واعرف الحقيقة.

– طب ما انت قولت انك هاتدور على البنت الخدامة .

– حصل ياحسين.. بس انا مش عارف اسال مين غير سعد اللي لخبط الدنيا معايا وقالي انه مايعرفهاش ولا حتى تبقى قريبته زي ما انا كنت فاهم..

– وانت صدقته؟

– نعم!

– بقولك ياعلاء.. انت صدقت ان سعد ما يعرفش البنت؟

– تقصد آيه؟

….يتبع .

الفصل الثامن عشر

مال براسه وضاقت عيناه بتفكير وهو ينظر لأخيه مستفسرًا قبل ان يسأله بتوجس:

  • تقصد إيه؟
    اعتدل حسين في جلسته وهو يمط شفتاه واهتزت كتيفيه وقال:
  • اقصد ان سعد ده اكيد بيكدب ومش بعيد يكون عارف كمان بمكان البنت وبيداري؟
    ساله بعدم استيعاب:
  • ليه يعني؟ وايه اللي،هايخليه يداري في حاجة مهمة زي دي وتهم صاحبه؟
    تكلم حسين بلهجة غامضة:
  • بصراحة انا مش عارف ليه عشان اجاوبك.. بس برضوا مش مصدقه؟
  • طب ليه يابني؟ ماتفهمني اللي في دماغك عشان اعرف.
    اقترب برأسه من اخيه محدقًا بعيناه وقال:
  • عشان مش واثق فيه ياعلاء.. وعايزك انت كمان تفتح عنيك معاه.. سعد اللي انت شايفه دلوقتي غير سعد بتاع زمان.. سعد مبقاش صاحبك الضعيف اللي انت كنت بتدافع عنه ياعلاء من عنف العيال الصيع في الشارع.. سعد بقى واحد تاني وانت نفسك ماتعرفوش .
    سهم لبعض اللحظات مفكرًا في كلمات اخيه المفاجاة ثم ما لبث ان قطع صمته قائلًا باستنكار:
  • ياااحسين ياااحبيبي.. انا عايزك تجاوبني بالمنطق مش عشان يعني سعد اتقدم لخطيبتك الاول فانت هاتشك بقى فيه وتشوفه بنظرة تانية.. يابني بالاش تتحامل…..
    قاطعه بحدة:
  • افهمني ياعلاء بقى وبلاش تقفل عيونك… دا انت بنفسك قولت ان الخيانة حصلت من حد قريب انت وعصام ويعرف بحكايتك مع فاتن.
    انتفض عن تخته واقفًا وهو لم يحتمل الفكرة فهتف باعتراض:
  • لا ياحسين .. انت كدة فرطت منك اوي.. اللي انت بتقوله دا كلام خطير وتطير فيه رقاب .
    نهض هو الاَخر يقابله وقال بهدوء لا يناسب العاصفة الهوجاء في عين أخيه:
  • انا بقولك على اللي بفكر فيه ياعلاء .
    لوح بيده كإشارة بالتوقف:
  • طب خلاص خلاص.. شيل من مخك الموضوع دا خالص وانا هابقى اشوف لى صرفة في موضوع البنت الخدامة ده.. ااانت اتعشيت ولاا هاتتعشى معايا انا ووالدتك؟
    خرج سؤاله الاَخير باضطراب شعر بهِ حسين فاشفق عليه وقال مغيرًا دفة الحديث:
  • لا ياسيدي هاتعشى معاكم.. انا اساسًا هلكان جوع من لعب الملاهي مع شروق.. دي هدت حيلي ولا اكنها عيلة صغيرة ولقت فرصتها .
    شقت ابتسامة وجه علاء المضطرب فقال بمودة:
  • ربنا يخليهالك ياحسين.. انتوا الاتنين لايقين على بعض اوي وتستاهلوا كل الخير.
    ربت على ذراع اخيه فقال بمؤازرة:
  • وانت كمان ياحبيبي اطمن.. اكيد ربنا هايهيئلك الظروف وتنول اللي بتحبها.
    ساله ببلاهة:
  • تقصد مين؟
    تبسم حسين فغمز بعينهِ وهو يتحرك لخارج الغرفة
    فقال بمكر وهو ممسك بمقبض الباب:
  • قصدي اللي بالك فيها ياابوعلاء.. ولا إيه؟
    ختم بضحكة كبيرة وهو خارج.. اما علاء فتعرق واضطرب كأنه عاد مراهقًا صغيرًا في السابعة عشر من عمره..
    ………………………
    خرج من غرفته بعد ان اخذ حمامًا دافئًا انعشه وارتدى ملابس نظيفة غير ملابس العمل تلك .. وجد والدته جالسة ارضًا ومعها شقيقته لبنى وابنتها يتناولان معها الطعام على مائدة صغيرة ومستديرة( الطبلية) تمتم بروتينية وهو يمشط شعر رأسه بيده:
  • مساء الخير .
    ردت لبنى بحماس وهي تضع ملعقة الارز بفمها:
  • مساء الفل ياخويا.. تعالى كل معانا الاكل سخن وطعمه حلو قوي .
    سبقته نشوى بردها:
  • سيبيه يا لبنى احسن يقولك نفسي مسدودة زي ما بيعمل معايا كل يوم .
    تحركت عيناه ناحية المائدة ومع عليها من اصنافًا شهية فاصدرت امعاءه الخاوية اصوتًها طلبًا للطعام..تمتم وهو يفترش الأرض معهم :
  • لا انا هاكل معاكم اصل انا جعان.. ازيك يابت يامروة.
    ردت الطفلة بعتب طفولي:
  • توك ما افتكرت ياخالي؟ دا انا قاعدة هنا من الصبح وانت لما دخلت ندهت عليك وانت ولا اكنك شوفتني ولاحتى عبرتني .
    دفعها بكفه على رأسها بمزاح:
  • العتب عالنظر يااختي.. المرة الجاية هابقى اَخد بالي.
    تسامرا أربعتهم ببعض الاحاديث المختلفة وهم يتناولون طعامهم حتى قربوا على الانتهاء فقالت لبنى وهي تهم برفع اطباق الطعام :
  • الحمد لله.. اكلة حلوة اوى يامّا. ربنا ما يحرمنيش منك .
    ردت نشوى وهي تمسح يدها بطرحتها القماش:
  • بالهنا والشفا ياحبيبتى.. ما يطرح مايسري يمري.. انا هاقوم اعملك كوبايتين شاي نحبس بيهم.
    هتفت لبنى على ابنتها موبخة:
  • ماتبس يابنت انتي وقولي الحمد لله.. انتى هاتقعدي اليوم كله تاكلي؟ قومي يازفته هاتبقي زي الدبة .
    نهضت الطفلة عن طعامها ممتعضة فخاطب سعد شقيقته وهو يهم لينهض هو الاَخر:
  • ماتسيبيها تاكل.. هي كل يوم هاتكل لحمة؟
    مصمصت لبنى بشفتيها قائلة:
  • اهي حظها منيل زي حظ امها اللي اتجوزت واحد فالح بس يشرب البرشام ويبيعه وفي النهاية بقى رد سجون.. وناس تانية محظوظة بقى ربنا فتحها عليهم من وسعها وبقوا هوانم كمان .
    ضيق عيناه متسائلًا :
    -قصدك مين يعني؟
  • قصدي على نيرمين ياحبيبي.. اللي شافتني وانا داخلة الحارة ولا اكنها تعرفني.. نسيت صاحبتها وايام الشغل في المصنع قليلة الاصل .
    نهضت وهي ترفع بعض الاطباق وتابعت :
  • هي زهزهت معاها وانا وامينة الدنيا جات علينا بزيادة.
    جذبها من ذراعها يوقفها بعنف:
  • هو انتي لسة بتكلميها البت دي؟اتمليتي عليها فين تاني الله يخرب بيتك؟
    ردت بعتاب:
  • يعني هاكون شفتها فيه يعني ؟ ما انا قطعت علاقتي بيها من زمان زي انت ما امرت .. لكن بقى جوزها طلع يبقى زميل جوزي في السجن وانا وهي اتقابلنا في الزيارت ورجعنا اصحاب زي زمان.
    جز على اسنانه وهو يضغط على مرفقها بعنف:
  • البت دي لو ما بعدتيش عنها ولا لمت هي نفسها عنك انا هايبقى ليا صرفة معاها .
    نزعت يدها وهي تهتف بوجهه:
  • اموت واعرف ايه مخليك كارها انت بالشكل ده؟ ومخليها هي تدعي عليك ليل ونهار وبرضك مارضياش تقولي السبب؟
    رفع قبضته المضمومة امام وجهها قائلًا بتحذير :
  • ابعدي عن البت دي وما تعرفيهاش تاني يالبنى يامش هايحصل طيب.
    قالت بتحدي:
  • وان مابعدتش هاتمنعني من الخروج مثلًا زي زمان.. لا اصحى ياحبيبي.. انا عندي بيت وساكنة فيه لوحدي كمان.. عن اذنك بقى خليني اَخد الاطباق دي للمطبخ .
    تخطته وذهبت من امامه تتجاهل غضبه الذي تأجج مرة وهو يشعر بقرب انهيار المعبد على راسه.. مسح بكفه على شعره يكاد ان يقتلعه من منبته.. يبتغي الوصول لحلٍ سريع لإعادة سيطرته على زمام الامور كسابق عهده.
    ………………………..
  • تسلم إيدك ياست الكل..الحمام طعمه يهبل .
  • كل ياحبيبي ومطرح مايسري مري .
    قالتها زهيرة وهي تربت على ذراع حسين وهو يتناول معهم قطع الحمام المحمر امامه بشهية..اكمل هو بمسكنة:
  • اه ياامي..دا انا وحشني اوي اكلك اللذيذ ده.. مش العك بتاع الطباخ الجديد ولا اكل المطاعم ..دا انا معدتي نشفت والنعمة.
    هتف عليه علاء مستنكرًا :
  • ماتاكل وانت ساكت ياض.. هو انت هاتحكيلنا قصة حياتك هنا؟
    رد حسين بتصنع الحقد:
  • طبعًا ياسيدي..ليك حق تقطم فيا على كيفك.. ما انت متمرغ في حضن ست الحبايب وشبعان من الاكل اللي ييفتح النفس ده ويدفي في عز الشتا.
    تمتم علاء:
  • يخريبت قرك ياشيخ.. دا انت الحرمان خلاك مزعج.
    رنت ضحكة زهيرة النادرة فأطربت اسماع الشقيقان بسعادة وقالت:
  • ربنا ما يحرمني منكم ولا من مناقرتكم انتو الاتتنن ياولاد قلبي.
    امم على دعوتها علاء وتناول حسين كفها يقبلها بامتنان هو الاَخر وصمت قليلًا قبل ان يتحدث بتردد وهو يتلاعب في طبق الأرز :
  • كنت عايز اقولك على حاجة ياست الكل.. بس خايف لاتزعلي .
    قطبت زهيرة حاجبيها متسائلة:
  • حاجة أيه بالظبط؟ قول ياحبيبي وماتترددتش.
    رفع انظاره ناحيتها وناحية علاء المنتظر قوله بقلق:
  • بصراحة والدي كان طالب مني ان اعزم الجماعة.. اا شروق وعيلتها يعني عندنا في البيت.. فاانا كنت يعني..
    قاطعته قائلة بتماسك:
  • إعزمهم ياحسين دا واجب واصول ياحبيبي.
    ردد خلفها علاء باستنكار:
  • واجب واصول ياما! وعند نرمين؟
    هدرت عليه صائحة بغضب:
  • عند بيت ابوك ياعلاء مش بيتها.. وبعد عمرٍ طويل ان شاء الله هايبقى بيتك انت واخوك وعيالكم من بعدكم.
    اكمل على قولها حسين:
  • هو دا فعلًا الصح ياامي ودا من اهم الاسباب اللي خلتني اوافق على العزومة.. وانا من رأيي ان علاء كمان يحضر معانا دا لو ماعندكيش مانع طبعًا.
  • وانا كمان!
    قالها علاء باعتراض فرد حسين:
  • ايوة ياعلاء.. والدي مهما رحب بالجماعة مش هايبقى زيك برضوا وانا غصب عني هانشغل بشروق.. وانا مش عايز حماتي تضايق مني ولا ابلة فجر .
    قال الاَخيرة بمكر انتبه له علاء الذي نزل بعيناه لطبقه يأكل منه بارتباك.. فهتفت زهيرة بخبث هي الأخرى:
  • حقة ياعلاء .. دي تبقي عيبة في حقنا لو اضايقوا او زعلوا ..لازم يابني تروح حتى عشان اخوك.
    نظر اليها حسين بابتسامة مستترة قبل ان يلتفت لعلاء الذي تحمحم وقال برزانة:
  • ماشي.. ماشي ياامي هابقى اشوف الظروف ان شاء .
    ……………………….

في اليوم التالي
خرج شاكر من شقته في موعده اليومي في الصباح حتى يلحق بعمله وبعد ان خرج من البناية وهم بالتوجه للناحية الثانية من الرصيف ليصعد باية وسيلة للمواصلات العامة تفاجأ بالنداء خلفه باسمه

  • عم شاكر ..استنى اوقف ياعم شاكر .
    التف بجسده وهو يعدل نظراته فوجد علاء على مسافة قريبة منه بسيارته وهو يلوح له بيده فلوح هو الاَخر يحيه على عجل:
  • ياهلًا يابني.. هو انت عايز حاجة؟ عشان بس انا مستعجل على ميعاد الشغل.
    قال يدعوه:
  • طيب تعالى عشان اوصلك معايا في طريقي .
    رد شاكر :
  • يابني مالوش لزوم انا هالحق الأتوبيس واخلص .
    صفق علاء باب السيارة يتكلم بحمائية:
  • طب على النعمة ماانت راكب غير عربيتي تروح بيها الشغل النهاردة.. في ايه ياعم شاكر؟ هو احنا اغراب ؟
    عاد اليه شاكر يهز رأسه بيأس:
  • اخ منك يامعلم علاء.. يعني هو لازم الحمقة دي؟ ماقولنا مالوش لزوم.

بعد ان اعتلى معه السيارة وانتظر قليلًا ليتحرك بالسيارة سأله شاكر:

  • هو انت مستني حد يابني؟
    اجابه باضطراب وعيناه في مراَة السيارة الجانبية ينظر خلفه باهتمام:
  • لا طبعًا هاتحرك حالًا بس انا كنت عايز اسألك.. هي العربية لسة عطلانة؟
  • اه ياعلاء ماتفكرنيش.. دا الميكانيكي طالب في تصليحها شئ وشويات.. انا بفكر اسيبها عنده واستعوض ربنا فيها.. دي حتى بيع ماتنفعش .
    سأله بتردد ليكسب مزيدًا من الوقت:
  • ليه بس؟ دي حتى باين عليها عربية اصيلة بدليل انها عاشت العمر دا كله معاك .
  • عاشت فين بس يابني؟ دي من ساعة ماجبتها وهي مطلعة عيني.. لا انت فاكرني وارثها.. دي اشتريتها كسر بعد ربنا مارزقني بابراهيم حكم ساعتها كان ربنا فارجها عليا والمرتب لسة بخيره وبعرف اوفر منه مش زي دلوقتي مابياخدتش معايا لنص الشهر من المصاريف اللي كترت وو…. فيه ايه ياعلاء يابني؟ هو انت عرييتك دي مش ناوية تمشي النهاردة؟
  • هاا معلش ياعم شاكر.. اصل اندمجت مع كلامك .
  • الله يرضى عنك يابني دور العربية خليني الحق ميعادي.
  • حاضر ياعم شاكر حاضر
    أدار المحرك بيأس لعدم رؤيتها ولكن بنظرة خاطفة للخلف عاد اليه الأمل مرة اخرى وهو يتحرك بالمقود.. فقال بتصنع المفاجأة:
  • اي ده؟ دي الاَنسة فجر.. هي لسة كمان مراحتش مدرستها .
    قال شاكر بلؤم وقد فطن لخطط علاء المكشوفة :
  • اه صحيح دي هي.. استنى لما انده لها بقى .. بت يافجر… تعالى هنا يابنت .
    ………………………….

جلس على كرسيه الخشب خارج ورشته يرتشف من كوب الشاي بيد واليد الأخرى ممسكة بسيجارة..ينفث دخانها هي الأخرى في انتظار بقية العمال العاملون بالورشة والذين كانوا يأتون تباعًا.. اجفل منتبهًا على هذا الخيال الذي شعر بظله من الخلف..وصوته الاَتى يقول:

  • صباح الخير يامعلم سعد .
    التف اليه برأسه وجده واقفًا بأناقة بشموخ.. وضوء الشمس انعكس على بشرته البيضاء فزادته وسامة.. ..يداه الاثنتان بجيبي بنطاله..ذقنه ممدودة للأمام ونظرة غريبة منه وهو يردد:
  • بقولك صباح الخير يامعلم سعد.. انت مش سامع ولا إيه؟
    وضع كوبه على الطاولة ونهض مرحبًا بحبور متكلف:
  • يااهلًا يااهلًا ياحسين يااخويا .. معلش بقى اصلي اتفاجأت بالزيارة الكريمة.
    صافحه حسين مشددًا:
  • ليه بس ياراجل المفاجأة ؟ دا انا حتى عريس.. وشى عادي ان اجيلك مش دي ورشتك برضوا؟
    شعر سعد بغرابة السؤال ولكنه اجاب:
  • ايوة طبعًا ورشتي ياحسين.. امال هايكون ورشة مين يعني؟
    اومأ برأسهِ وهو يخطو نحو مدخلها فالقى نظرة لداخل الورشة قبل ان يعود بانظاره لسعد القابع مكانه باندهاش:
  • الورشة اتغيرت اوي ياسعد واتطورت .. انا فاكر اما كنت بلعب في الشارع هنا زمان.. كانت يدوب لتصليح الشبايبك والكراسي وبعض الحاجات الخشب الخفيفة.. لكن دلوقتي بقى بتجهز عرايس زي ما انا شايف اهو .. الله يفكره بالخير بقى الراجل الغلبان.
    سأله بتجهم:
  • راجل مين الغلبان؟
    اجاب حسين :
  • عم بدر الصعيدي ياسعد.. مش برضوا هو كان صاحب الورشة دي في الاول.. قبل انت ما ربنا يفتحها عليك وتاخدها منه وتكبرها بقدرة قادر .
    شدد على حروف الاَخيرة قبل ان يستأذن بغموض:
  • عن اذنك بقى ياسعد اصلي متأخر على شغلي .. ابقى اجيلك وقت تاني بقى عشان اتفرج على شغل الورشة ويمكن اختار ولا تعجبني حاجة منهم .. سلام بقى .
    قالها واستأذن وظل سعد على وضعه متسمرًا بمكانه لعدة لحظات وهو ينظر الى ظهره حتى اختفى من امامه تمامًا.. لا يدري سر هذه الزيارة الغريبة ولايدري غرض حسين الحقيقي منها .
    ………………………

جالسة بنفس محلها كالمرة السابقة بالمقعد الخلفي للسيارة بعد ان اوصل والدها لمقر عمله ولكن شتان بين المرتين.. في الاولى كانت تزفر بضيق وتعُد الدقائق حتى تخرج من السيارة بعد ان دلفت اليها مضطرة.. اما الاَن فهي تشعر بالارتباك والتوتر ولا تعلم السبب.. ونظراته تلاحقها منذ ان جلست بالسيارة حتى رغم وجود والدها بالمقعد الامامي قبل ان يتركها معه وينصرف هو الى عمله.. اخرجها من شرودها وهو يسألها :

  • اخبار ابراهيم إيه يا ابلة فجر؟
    اجابت بخفوت وخجل تعجبت هي له:
  • كويس والحمد لله.. امبارح الدكتور طمن والدي ووالدتي عليه.
    اومأ براسه:
  • طب الحمد لله.. انا امبارح مقدرتش اشوفه عشان بس كنت مشغول في موضوع كدة .
    اومأت هي ايضًا برأسها قبل ان تساله باهتمام :
  • عرفت حاجة عن البنت الخدامة .
    هز برأسه نافيًا :
  • للأسف لسة.. بس اديني بسال وان شاء الله هابقى اعرف
    مطت شفتيها بيأس فلحقها هو قائلًا :
  • ماتقلقيش اكيد ليها حل يافجر .
    اعجبها سماع اسمها منه دون ابلة فنفضت الفكرة عن رأسها وهي ترد:
  • انا مش قلقانة ..عشان عارفة ان ربنا اكيد هايظهر الحق .. ومدام الخيوط بقى تفك اولها يبقى هاتكر البقية بإذن الله .
    التفت عن الطريق ينظر اليها بابتسامة رائعة اربكتها :
  • فعلًا يافجر عندك حق.. مدام ربنا اظهر جزء من الحقيقة..يبقى أكيد هايكشف لنا الباقي بإذن الله.

…..يتبع

تفاعل جيد بتعليقاتكم اللي بتسعدني منكم حبايبي

امل_نصر

بنت_الجنوب

👇ب

اقي رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top