رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

الفصل التاسع عشر

تتهادى بخطواتها الرقيقة وهي تقطع طرقات المدرسة و كأنها منفصلة عن الواقع .. تتلقى التحية من زملاءها وبعض الطالبات.. فتومئ اليهم برأسها وعقلها يدور في حيرة تتملكها منذ ايام.. مشاعر غريبة بدأت تنبت بداخلها تجاه شخص كان منذ فترة طويلة من عمرها .. تشمئز كُرها بمجرد ذكر اسمه.. لا تعلم ولا تجد تفسير لهذا الارتباك الذي تشعر به اثناء وجوده.. والسؤال المُلح هو.. هل من الممكن ان يحدث؟
تنهدت بثقل وهي تدلف لداخل غرفة المدرسات وهي تجزم بداخلها ان الايام كفيلة لتعلم حقيقة ماتشعر به تجاهه
القت التحية على اثتنان منهم جالسات بركنٍ وحدهم يتحادثن ويضحكن كعادتهن فاقتربت من سحر وهي جالسة وحدها في اخر الغرفة.. مريحة وجنتها على كف يدها المفتوحة وهي مستندة بمرفقها على طاولة المكتب واليد الأخرى ترسم بالقلم دوائر في الصفحة الفارغة للدفتر .. القت هي حقيبتها لتجلس على المقعد امامها و تحدثها بقلق:

  • صباح الخير .. حاطة ايدك على خدك ليه ياحلوة؟
    ردت بفتور وهي على نفس وضعها:
  • صباح الخير يافجر .. عادي يعني
    قطبت حاجبيها بحيرة تسألها :
  • عادي يعني!! في ايه ياسحر قلقتيني بجد؟ هو العريس زعلك ولا ايه؟قولي يابنتي وانا اعرفك مقامه .
    بشبه ابتسامة اعتدلت في جلستها قبل ان ترد عليها:
  • لا ياستي العريس مزعلنيش ولا حاجة.. دا انا اللي فقرية لوحدي وبوز نكد .
    سألتها بذهول:
  • بوز نكد!! انتِ ليه بتقولي على نفسك كدة ياسحر؟ هو ايه اللي حصل ؟
    زفرت سحر قبل ان تلقي نظرة نحو زميلاتها في الطرف الاَخر لغرفتها..فاطمأنت لانشغالهم في الحديث والضحكات فقالت بتردد:
  • هو انا وحشة يافجر ولا شكلي كبير عن سني؟
    اسرعت فجر للنفي بقلق :
  • لا ياحبيبتي ولا اي حاجة من دول.. يابنتي ليه بتقولي كدة؟
    تنهدت بعمق قبل ان ترد:
  • عشان هو دا اللي مزعلني يافجر.. انا من ساعة ما اتخطبت لرمزي وشايفة نظرات الناس ليا واكني خدت حاجة مش من حقي.. شايفينه هو صغير وانا كبيرة رغم اننا مقاربين لبعض في السن وبالعكس بقى هو اكبر مني بسنة.. انا طول عمري بشوف نفسي حلوة يافجر.. لكن من ساعة ما اتخطبت لرمزي بقيت اشوف نفسي ناقصة ولا وحشة من نظرات الناس اللي مستكتراه عليا.. انا شوفت النظرات دي في البلد هناك وكبرت مخي عشان مجتمع ريفي.. لكن هنا في المدينة لقيته افظع من تلمحيات الجيران ولا حقد بعض المدرسات الزملة اللي بشوفه بشكل واضح في عيونهم.. ولا الطالبات اللي كان بيتمايعوا ويتمايصوا قدامه يوم ماجاه معايا المدرسة واكنهم بيقنعوه يسيب مدرستهم القرشانة ويتجوز واحدة صغيرة منهم .
    ربتت فجر على كفها فقالت بإشفاق:
  • ماتحسيش حد من الناس دي ياسحر وتتعبي نفسك.. محدش ببيحب الخير لحد.. ونظرة الحقد والحسد هاتلاقيها في اي حتى تروحيها.. خليكي واثقة في نفسك وخلي حب رمزي ليكي سلاح تواجهي بيه اي حد من الناس دي .
    قالت بتشكك:
  • تفتكري رمزي هايستمر بجد في حبه ده ولا هايرجع في كلامه من تلميحات الناس ونظراتهم؟
    ردت فجر بابتسامة مشرقة:
  • افتكر وافتكر قوي كمان.. انا من ساعة ما شوفته المرة اللي فاتت وانا قلبي حس بحبه وتعلقه بيكي من اول نظرة
    همست سحر بتمني :
  • يارب يافجر يطلع كلامك صح وما انصدمش فيه هو كمان .. انا قلبي خلاص مش متحمل اي حزن تاني .
    ضغطت فجر على كف صديقتها قائلة بدعم:
  • ياحبيبتي ربنا ما يجيب حزن تاني ابدًا ويتم فرحتكم بخير انتي ورمزي.
    ……………………..

بخطوة غريبة وغير متوقعة ذهب اليه في مقر عمله عله يجد حلًا لهذه الأسئلة الملحة داخل عقله.. من وصف رجل الاستعلامات الذي ساله فور ان دلف للمشفى.. يبدوا انه اقترب .. توقف بوسط الرواق كي يسأل عامل النظافة والذي اخبره بإكمال طريقه وسيجد.المكتب امامه من جهة اليمين .. حينما وصل واخبر سكرتير مكتبه لم يتأخر الرجل عنه ثواني حينما داخل مكتب مديره.. وبعدها خرج مهرولًا يخبره ان المدير في انتظاره..
وبداخل المكتب و بعد ان استقبله عصام بترحابٍ شديد وجلس هو مقابله على كرسي المكتب ألأمامي.. تكلم علاء بجمود :

  • انا عارف انك مستغرب جيتي المفاجاة دي بس انا …
  • مش مهم السبب ياعلاء.. المهم انك جيت .
    قالها عصام بمقاطعة ولهفة جعلت علاء يهز رأسه بحركة غير مفهومة قبل ان يرد :
  • لو سمحت عشان نبقى واضحين ..مش معنى ان جيت يبقى خلاص انا صدقت .
    رد عصام بحماس :
  • والله عارف كل كلامك .. بس انا فرحان انك ابتديت تسجيب وتسمعني ودي في حد ذاتها خطوة كبيرة وانا كنت بحلم بيها من زمان .
    حدق اليه علاء لبعض اللحظات صامتًا تذكر فيها ايام الصداقة القديمة ولكنه اجلى الفكرة عن رأسه فورًا فتكلم بجدية :
  • انا كنت عايز أسالك عن البنت الخدامة.. انت كنت تعرف لها قرايب او عنوان عشان اسال عنه؟
    هز برأسه نافيًا بإحباط :
  • للأسف ياعلاء .. البنت اختفت نهائي بعد الموضوع ده.. دورت عليها بكل السبل ومعرفتش اعثر عليها .. لأني مكنتش اعرف عنها حاجة غير انها من طرف سعد .. إللي لما سألته هو كمان انكر قرابته ليها وقالي انها مجرد معرفة رغم انه لما جابها وصاني عليها ولا اكنها واحدة من قرايبه؟
    همس علاء بصوتٍ خفيض بحيرة :
  • تاني برضوا ياسعد.. وبعدين بقى.
    اجفله عصام وهو يسأله:
  • عاملة إيه الاَنسة فجر؟ وإيه اخبارها .
    توحشت ملامح وجه علاء وهو يرد عليه بفظاظة:
  • وانت مالك بفجر ؟ تعرفها منين عشان تسأل عليها؟
    رد عصام بابتسامة مستترة:
  • عادي يعني لما اسأل عليها.. مش هي كانت حاضرة معانا في ساعة الكلام.. يعني بقت طرف في الموضوع.
    كشر علاء وهو يرد بصوتٍ خشن :
  • لا بقى هي مش طرف عشان تسأل عليها ولا تكلمها.. وكلامك يبقى معايا انا وبس.. دا لو في كلام .. سلام بقى
    قال الاَخيرة وهو ينهض تاركًا عصام ينظر في اثره بدهشة مع ابتسامة جميلة وكأنه استعاد صديقه القديم .
    ……………………….

وفي المساء
وبداخل منزل ادهم المصري كانت الاسرتان مجتمعتان على مائدة سفرة طويلة.. تراصت عليها مجموعة كبيرة من اشهى والذ الاطعمة.. ادهم كان على رأس السفرة وعلى جانبه الايمن كانت زوجته نيرمين واولاده علاء وحسين وفي الجانب الاَخر كان شاكر وزوجته سميرة وبناتها فجر وشروق وأصغر الابناء ابراهيم الذي كان جالسًا مقابل علاء الذي كان يغدق عليها باهتمامه.. اما ادهم فكان يوزع اهتمامه على شاكر وأسرته بشكلٍ مبالغ فيه.. حتى انه نسي هو ان يتناول طعامه لولا شاكر الذي هتف عليه بتحذير :

  • والله ياحج ادهم لو ماكنت تاكل قدامي ماهاحط لقمة في بوقي لا انا ولا الاولاد .
    زمجر ادهم رافضًا وهو يجلس على مقعده:
  • وايه لزوم الحلفان بس ياشاكر؟
    رد شاكر متشدقًا:
  • امال يعني عايزني اقولك ايه بس وانت عمال تضايف فينا وناسي نفسك من غير ماتحط في جوفك لقمة؟ في إيه ياراجل؟ هو احنا ضيوف؟ دا احنا نسايب واهل في بعضاينا.
    رد ادهم بابتسامة ومودة :
  • واكتر من اهل كمان.. ربنا يديم المحبة مابينا .
    تبادل حسين واخيه الأبتسامة بارتياح من موقف ابيهم وفعله المشرف مع اهل عروسه قبل ان يعود بنظرات عشقه اليها.. ومن نفس الجهة كان علاء الذي لم يرفع عيناه عن محبوبته التي كانت تتناول طعامها بهذا الارتباك الذي اصبح مصاحبها طوال جلستها امامه وهي شاعرة بنظراته المسلطة عليها ..كل هذا امام نيرمين التي تبتلع طعامه بصعوبة وهي ترى علاء المصري بجلالة قدره والذي جعلها تدور حول نفسها مررًا حتى تحظى بنظرة صغيرة منه وفشلت.. هو الاَن يحدق بهيام مراهق صغير نحو هذه الفتاة العادية الجمال.. او حتى لو كانت جميلة..فماذا تفرق عن غيرها ومالذي يميزها كي تأسر قلب هذا الوحش .
    افاقت من شردوها على صوت أدهم وهو يسألهم :
  • ها ياجماعة يارب يكون الاكل عجبكم.. ايه رايك في الاكل ياست سميرة؟ بما انك الخبيرة وسطينا .
    ردت سميرة بابتسامة:
  • ماشاء الله ياابوعلاء ..السفرة شكلها يفرح باللي عليها ولكن دا من صنع ايديكي يامدام نيرمين ؟
    اجفلت نيرمين من سؤالها المباغت قبل ان تتلبسها العنجهية فقالت بتفاخر :
  • لا في الحقيقة ياست سميرة.. انا مابطبخش بآيدي خالص ..الحاجات دي كلها بإيد الطباخ .
    جز علاء فكه منها وهو يكتم غضبه ولكنه تفاجأ من رد سميرة التي خاطبتها بمكر :
  • اه ياحبيبتي يعني انتي مابتطبخيش بإيدك.. طب حتى لو كان كدة يابنتي.. برضوا لازم تقفي،على راسه تشرفي وتراعي بنفسك عشان تطمني.. يعني مثلًا انا لاحظت ان معظم الاكل هنا ملحه زايد ودي حاجة مش كويسة على صحة جوزك .. دا غير ان في حاجات كتير هنا الطباخ اهتم فيها بالمظهر والشكل لكن الطعم مش بنفس الحلاوة.
    بهتت نيرمين وهي لاتجد ماترد به على تدخل سميرة السافر وتلميحاتها الغير مقبولة..التفتت لأدهم لتسبين رد فعله ولكنها وجدته يأكل غير عابئ ونفس الأمر مع الجميع .. واكملت سميرة.
  • حقة ياابوعلاء ..زهيرة امبارح بعتتلي طبق محشي على الغدا.. كنت هاكل صوابعي وراه انا والولاد.. دا غير نفسها كمان في الحلويات.. ماقولكش .
    اغمض أدهم عيناه بألم وكأن رائحة طعام زوجته اتت اليه من الماضي فقال باشتياق :
  • انتي هاتقوليلي على اكلها؟ ما انا عارفة وحافظه كمان . اخخخ.
    لكز شاكر من تحت المنضدة بقدمه ساق زوجته بأعين محذرة حتى تكف على الكلام ولكن الرد جاء من حسين الذي اردف هو الاَخر بخبث:
  • عندك حق ياخالتي سميرة.. دا من ساعة مااتعشيت عندها اول امبارح وانا حاسس بطعم الحمام المحشي بتاعها لسة في بقي من كتر حلاوته.. طب تصدقي انا حاسس اني لسه شامم ريحته .
    تدخل شاكر بمزاح بعد ان لاحظ تأثر ادهم من حديثهم :
  • لا بقى دي فرطت منك ياحسين .. عشان الحمام هنا قدامك عالسفرة ياحبيبي.. يعني شئ طبيعي تشم الريحة.
  • بجد ياعم شاكر.. تصدق نسيت هههه
    قالها حسين وانطلقت الضحكات ليسود المرح على الجميع عدا نيرمين التي كانت تغلي من الغيظ.. ولا تجد من يشاركها وكأنهم جميعًا اتفقوا على اهانتها .

بعد انتهاءهم من وجبة الطعام أخذهم أدهم مع ابنائه الأثنان بجولة داخل البيت حتى انه عرفهم على شقة في الطابق الثاني والتي ستكون خاصة بحسين وشروق بعد الزواج ..والتشطيبات التي تسير فيها على قدمٍ وثاق للأنتهاء منها خلال الشهور المتبقية للسنة الاَخيرة في دراسة شروق.. على أن يتم الزفاف فور انتهائها من الاختبارات الاَخيرة.. بعد ذلك دعاهم لشرب الشاي في حديقة منزله الخلفية.. خرج معه الجميع عدا فجر التي تسمرت مذهولة امام صورة اسرية معلقة بوسط بهو المنزل الكبير.. ضمت الصورة العم ادهم وهو اصغر من ذلك بسنواتٍ طويلة.. واقفًا بزهو وسعادة محاوطًا بكفه على جسد علاء الصغير وهو يشبهه في الوقفة والتفاصيل الجسديه والكف الاخرى وضعها على كتف زوجته الجميلة زهيرة وهي تحمل ابنها حسين وهو يشببها كثيرًا في طفولته بعيناه الخضروان وبشرته البيضاء.. تظهر الصورة مدى سعادة الأسرة وترابطها ومعبرة عن شخصياتهم الحقيقية دون تزيف.

  • عجبتك الصورة؟
    انتفضت مجفلة على صوته الذي اتي فجاة خلفها.. فأكمل وهو يتقدم إليها بخطواته حتى اصبح بجوارها:
  • معلش ان كنت خضيتك.. بس انا استغربت يعني لما لقيتك مخرجتيش معانا برة في الجنينة واما رجعت شوفتك واقفة متسمرة قدام الصورة .
    ردت بابتسامة خفيفة ومحرجة:
  • لا ولايهمك.. بس بصراحة ان الصورة شدتني اوي.. وغصب عني،لقتني واقفة متنحة قدامها
    تبسم علاء وقال بحنين:
  • انا كان عمري وقتها عشر سنين وحسين كان عمره ساعتها اربعة.. ابويا في يومها بقى كان واخدنا زيارة لمولد السيدة ودخلنا الاستديو ده عشان نتصور وتبقى ذكرة .
    قالت هي:
  • الصورة جميلة.. بس اللى تجنن فيها بجد خالتي زهيرة.. ماشاء الله عليها دي كانت قمر .
    مط شفتيه وقال:
  • هي فعلًا كانت قمر ومازالت.. بس انا بسبب الصورة دي عملت اول خناقة في حياتي وروحت فيها القسم .
    اللتفتت اليه مرتعبة تسأله:
  • يانهار ابيض.. ليه بقى؟
    اجابها :
  • عشان في يوميها انا كنت راجع من الدرس ورايح استلم الصور من صاحب الاستديو.. بس ابن العبيطة بقى كان بيطلع في الصور قدامي ويبص بوقاحة.. لحد اما عاكس صورة امي قدامي وانا بقى الدم غلي في نفوخي قومت مكسر كاميرة التصوير فوق دماغه.. وبعدها روحنا القسم وابويا دفع تمنها وعملنا مع الراجل محضر صلح .. ولولا كدة كنت هاتحبس .
    كانت فاغرة فاهها وهي تستمع له حتى سالته بذهول :
  • يانهار ابيض.. على كدة بقى عمي ادهم ضربك هو كمان بعدها ولا عاقبك؟
    تبسم بتفاخر رجولي :
  • بالعكس بقى دا فرح بيا اوي عشان طلعت راجل ومااتحملتش على امي كلمة .
    سالته بفضول :
  • هو قال ايه على خالتي زهيرة وخلاك اتعصبت كدة؟
    تحمحم بحرج قبل ان يجيبها بتردد:
  • ااا..قالي انها حلوة .
  • يعني ايه؟
    قالتها بعدم فهم لبعض الثواني قبل ان تأتي براسها فقالت بمرح :
  • قالك ماما حلوة؟
    اومأ بعيناه وهو يدير راسهِ عنها بحرج ولكنها اعادها فور ان سمع ضحكتها التى صدحت في ارجاء البيت الكبير بصوت عالي قبل ان تحاول كتم فمها بكفها.. حدق بها عن قرب يرسم تفاصيل وجهها الجميل وهي لا تستطيع التوقف عن الضحك.. بشقاوة لم يرها عليها قبل ذلك.. حتى اصابته هو ايضًا العدوى.. فشاركها الضحك على حرج بسعادة يتراقص لها قلبه .

لبضع لحظات ظلوا غير قادرين عن التوقف هما الاثنان .. غافلين عن زوج عينان بنيتان تراقبهم من مسافة قريبة.. تتأكل من الغيظ.. انسحبت حتى لا تفتعل معهم فضيحة ويذهب كل تعبها وشقائها هباءًا.. دلفت لداخل غرفتها وهي تقبض وتفتح على كفها حتى تستطيع السيطرة على هذه النيران المشتعلة بداخلها.. ضربت بكفيها بعنف على تسريحة مراَتها وهي تنظر لوجهها المحتقن بالغضب المكتوم وصدرها يصعد ويهبط بسرعة من فرط انفعالها ونيرانها ..حتى اخرجها صوت الهاتف ينبأها بمكالمة واردة ..فور ان رأت الاسم فتحت ترد بغضب :

  • نعم عايز انت كمان؟ ومتصل ليه في الوقت ده اساسًا؟
    وصلها صوته المتهكم :
  • صوتك متغير ليه يابرنسيسة؟ هو انتِ مش مبسوطة مع ضيوف الهنا؟
    قالت وهي تجز على اسنانها:
  • والنبي ياشيخ وحياة الغالين عندك.. ارحمني من اسلولك المستفز ده.. انا فيا اللي،مكافيني.. هلاقيها منك انا ولا من جوز المضاريب اللي سيطروا على عقول الشباب وخلوهم زي الخواتم في صوابعهم .
    سألها باهتمام :
  • تقصدي مين يانرمين بكلامك ده؟
    ردت هاتفة بصوتٍ خفيض:
  • اقصد الزفتة خطيبة حسين والحية اختها اللي لفت المعلم علاء وبقى عامل قصادها زي العيل الصغير.
  • تقصدي فجر يانرمين ؟
  • ايوة زفتة ياسيدي.. اقفل والنبي انا مش متحملة. اقفل ينوبك ثواب .

في الناحية الأخر اغلق معها المكالمة وهو ينفث دخان الشيشية عاليًا في الهواء و يردد بانتشاء :

  • يعني الحكاية فيها فجر.. وانا اقول القديم بيتحفر فيه ليه ؟ اممم .. كدة بقى اكيد ليها حل!
    ………………………..

بعد ان هدأت ضحكاتهم اكمل هو بتأثر وهو يحدق معها بالصورة:

  • انا امي غلبانة اوي يافجر ..على قد جمالها دا كله لكن عمرها ما اتكبرت ولا شافت نفسها على ابويا.. بالعكس كمان دي من ساعة ماجابها من بلدها اللي في الأرياف وهي تحت رجله وبتخدمه وتقريبًا نست بلدها من قلة المرواح هناك بعد ابوها ما مات وبقت عيلتها هي كل دنيتها لكن بقى المرض كسرها وهدها واثر كمان على جمالها..
    ردت بسرعة:
  • لا طبعًا المرض مأثرش على جمالها ..خالتي زهيرة لساها زي القمر وتجنن كمان.
  • تعرفي انك شبها .
  • نعم!!
    قالتها وكأنها تتأكد من صدق ماسمعته، فكرر هو جملته ونظرة دافئة من عيناه أسرت عيناها بصدقها:
  • بقولك يافجر.. انك تشبهي والدتي في حاجات كتير. اوي .

….يتبع
تفاعل جميل يفتح النفس كدة وتعليقات تشجعني على اني اكمل.

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل العشرون

رفرفت بروموشها تحدق بهِ مذهولة وهي لا تستوعب جملته ولا تعرف سببها او معناها فسألته باستفسار:

  • يعني إيه بقى اشبه والدتك في حاجات كتير؟
    تنفس بعمق وهو ينظر الى عيناها بهذا القرب قبل ان يجيبها فوضع يدًا في جيب بنطاله والأخرى رفعها امامها ليشير لها بأصابع يده وكانه سيشرح لها معلومات مهمة غائبة عنها:
  • شوفي ياستي.. بغض النظر عن انك تشبهي والدتي،في عزة النفس والتواضع والرقة كمان.. دا بقى في المميزات الشخصية.. اما بقى في الصفات.. فانت عليكي ضحكة زي اللي خرجت دلوقتي على قد روعتها وندرتها لما باسمعها من والدتي، فانا ببقى بشتاقلها ولا هلال العيد ..
    احمرت وجنتاها خجلًا فاأسبلت عيناها في الارض حرجًا ولكنها رفعتها فجأة حينما سمعت وصفه الثاني:
  • دا غير الغمزة بقى.
    سألته مندهشة:
  • غمزة ايه؟ انا ماعنديش غمازات .
    رد بثقة:
  • لا عندك.. لما بتضحكي من قلبك بتظهر واحدة في الناحية الشمال من وشك .
    توسعت عيناها بذهول متزايد من معرفته الدقيقة لتفاصيل صغيرة عنها.. هي نفسها غافلة عنها:
  • يعني كمان الغمزة الخفيفة دي في خالتي .
    ضحك بمرح قائلًا :
  • لا بصراحة انا امي معندهاش غمزات بس دي كانت ملحوظة انا خدت بالي منها وحبيت اعرفك بيها .
    دبت بقدمها على الارض غيظًا تشيح بوجهها عنه حتى لا يرى ابتسامة ملحة على وجهها .. تابع هو بتسلي وهو يلاحق وجهها:
  • بس دا ماييمنعش انك زي القمر وكتكوتة كدة زيها وعينيكي بقا…
    لفت رأسها بانتباه حينما ذكر عيناها..فاأردف هو بصوتٍ دافئ:
  • عنيكي دي من اول مرة انا شوفتهم فيها عن قرب ودا كان في شقتنا لو تفتكري الموقف اللي اتعصبتي عليا فيه.. لما بصيت فيهم يافجر حسيت كأنهم بحر وانا غرقت فيه او كإني اعرفهم من زمان من قبل حتى ما اتولد.. او كأنهم وطن وحسيت فيه بالامان .. شوفت في عيونك أني لقيت نفسي او لقيت عنواني اللي كنت بدور عليه بقالي زمن طويل.. في عيونك راحة قلبي اشتاقلها من سنين طويلة.. طويلة اوي يافجر .
    توقف عن الكلام وهو يحدق بها وهي كانت غير قادرة عن النطق مأسورة او مسحورة من كلماته المفاجاة.. تبادله النظر ايضًا ولكن بحيرة.. فكان الصمت هو سيد الموقف بينهم.. حتى استفاق الاثنان على صوت نيرمين التي عادت من غرفتها اليهم فلم تتحمل اكثر من ذلك .
  • هاتفضلوا واقفين مكانكم كدة كتير .
    التفت اليها الإثنان مجفلان من حدتها فتابعت بلهجة اخف كي لاتفضح نفسها:
  • اقصد يعني ان الشاي برد واحنا مستنينكم برة في الجنينة .
    استدركت نفسها فجر فتحركت لتخرج على الفور.. أما علاء فاحتدت عيناه نحو نيرمين التي بادلته النظر بتحدي واشتياقٍ تفضحه حركة جسدها الذي يهتز أمامه.. عض على باطن وجنته يكتم غضبه قبل ان يطرق بعيناه ارضًا يستغفر ربه ثم انسحب للخارج خلف فجر وتركها هي في البهو وحدها .
    ……………………..

خرجت فجر لداخل الحديقة الخلفية.. لتجد والدتها واباها واخيها إبراهيم على طاولة كبيرو تضمهم مع العم أدهم المصري الذي كان مستفردًا بشاكر في جانب،وحدهم يتسامران بالضحك والاصوت العالية وكانهم على معرفة قديمة ببعض.. بمجرد اقترابها منهم سألتها والدتها :

  • كنتي فين الوقت دا كله يافجر؟
    ازاحت فجر كرسي بلاستيكي لتجلس عليه بجوارها..قبل ان تجيبها وهي تجاهد لتداري ارتباكها وتوترها من كلمات علاء التي احدثت زلازل بداخلها:
  • ما انااا دخلت الحمام ياماما.. ظبطت نفسي كدة شوية فيه .
  • ظبطتي ايه بالظبط؟ انا مش شايفة اختلاف يعني .
    قالتها سميرة بتشكك.. فتناولت فجر طبق من الحلويات لتنكفئ تأكل فيه بشراهة غير معتادة.. دون ان ترد عليها فهى كانت في حالة لا تسمح لها بالمزيد من الأحاديث.. همت سميرة لتسألهأ مرة اخرى بتصميم ولكنها توقفت حينما رأت علاء وهو يقترب منهم ايضًا.. فانتقلت عيناها اليهم بتشكك صامت..ازداد اكثر حينما رات رد فعل ابنتها وهي تدعي التجاهل وعدم النظر اليه رغم جلوسه الصاخب بالمرح بجوارهم ومناكفته لإبراهيم ومداعبته.
    رفعت فجأة رأسها تسال والدتها:
  • هما حسين وشروق فين ياماما؟ مش شايفاهم يعني؟
    ردت سميرة على سؤالها بمغزى:
  • حسين ياختي واخد شروق يفرجها على بقية الجنينة والأشجار اللي فيها.. خطاب بقى ويحقلهم يبعدوا عننا ويحكوا براحتهم .
    شعرت فجر بعدم الإرتياح من إجابة والدتها التي تبدوا بداخلها رسائل مبطنة لها.. واكتمل الشعور حينما جلست بجوارهم نيرمين التي كانت تطلق سهام نظراتها نحوها بشكل يثير التوجس والأرتياب .
    ………………………….

وعند حسين الذي كان يحرك ببطء في ذراع ألأرجوحة الجالسة عليها شروق.. يستمتع بمشاكستها وهي تتذمر من فعله بغضب طفولي رغم هذه السعادة البادية على وجهها:

  • ياعم ماتهزها كويس كدة بلاش غلاسة.
    رد عليها بغضبٍ مصطنع:
  • بقالي ساعة بمرجحك ياست هانم وفي الاَخر بتطلعيني غلس.. دا انتي فعلًا بقى معندكيش دم .
    خرجت ضحكتها بصوتٍ عالي تؤيده:
  • ايوة هو فعلًا كدة انا واحدة معنديش دم.. هزها بقى وحركها كويس ينوبك ثواب فيا والنبي يا أخي تعبتني.
    ثبت ذراع الارجوحة يوقفها مما اثار ضيقها:
  • بتوقفها ليه ياحسين حرام عليك.. هو انا قولتلك وقف؟
    قرب وجهه يسألها بجدية:
  • هو انتي لدرجادي حبيتي المرجيحة ياشروق؟
    ردت بحماس :
  • مش المرجيحة بس.. الجنينة كلها من اول الاشجار الكبيرة والعالية والازهار الجميلة اللي فيها.. دي كأنها جنة يابني.. يمكن انت مش واخد بالك عشان متعود عليها.. لكن انا بقى عشان طول عمري مابشوفش قدامي غير العفار والعربيات من شباك اؤضتي او بلكونة فجر.. فانا حاسة باللي بقوله ده جدًا.. اللون الأخضر كله بيريح العين ياحسين.
    مال اليها برأسه يسألها بلهجة مغوية:
  • طب ايه رأيك بقى مدام انتي حبيتي الجنينة اوي كدة ماتيجي نقرب احنا ميعاد الفرح وليكي عليا أمرجحك كل يوم وادلعك كمان.
    انطلقت ضحكتها العالية مرة اخرى حتى مالت رأسها للخلف وهو يميل اليها ويؤرجها بسعادة.
  • ماقولتليش ايه رأيك بقى
  • طب والنعمة انت مجنون.
    …………………………

وفوق سطحه كان جالسًا على عقبيه يتابعهم بنظراتٍ مشتعلة وحارقة.. صدره يعلو ويهبط بجنون.. يرى هذا المدعو حسين وهو يميل اليها ويدللها بوقاحة وهي متقبلة وراضية بل وسعيدة.. كان ينقصه هو هذا المشهد المستفز.. لقد صعد على سطح منزله كي ينفرد بنفسه ويشرب في شيشته ليرتب افكاره لهذه الأحداث التي طرأت حديثًا ليفجأ بهذه الثنائي في الحديقة الخلفية لمنزل أدهم المصري والتي تطل على حارته الفقيرة.. فتذكره بالماضي ومعاناته والامه.. نفث دخان من أنفه وهو يتراجع زحفًا حتى لا يلفت اليه الانظار ورأسهِ تكاد ان تنفجر من الافكار والذكريات التي أتت بثقلها الاَن كي تقلق راحته وتؤرق مضجعه.
…….. ……………. .. …..

حينما عاد شاكر وعائلته من هذه السهرة العائلية دلفت فجر على غرفتها فورًا تتجنب علاء الدي صعد معهم وهو يحمل ابراهيم حتى ادخله غرفته ووضعه على تخته وبعد ان تلقى منهم عبارات الشكر والإمتنان استأذن للذهاب حينما يأس من خروجها اليه من غرفتها وقد تجنبته طوال مدة السهرة بعد ان افضى اليها بما يحمله في قلبه نحوها.. دخل على والدته زهيرة التي كانت في انتظاره تشاهد التلفاز ومتلهفة للأخبار على احر من الجمر :

  • مساء الخير ياست الكل .
    قالت بلهفة :
  • مساء الخير ياعلاء يابني .. ها العشا عدى على خير ولا حصل حاجة لا سمح الله؟
    القى بجسده على المقعد الخالي امامها وهو يرد:
  • كله خير ياست الكل والحمد لله.. يعنى كان هايحصل ايه بس؟
    تمتمت بالحمد قبل ان ترد عليه:
  • والنبي طول قاعدتكم هناك وانا حاطة ايدي على قلبي يابني.. خايفة لابوك مايرحبش بيهم كويس ولا اللي اسمها نيرمين تعمل معاهم مغرز ولا حاجة مش ولابد.. حكم البت دي مش مضمونة وانا عمر قلبي مارتاح لها .
    رد عليها :
  • ومين سمعك بس ياست الكل.. انا كمان عمري ما ارتحتلها ولا طيقتها.. بس بقى النهاردة هي كانت زي الساعة ماشية بأدب.. حكم السيد الوالد كان مهتم بالجماعة النهاردة ولا السفرة اللي عمالهم كانت ايه بقى حاجة ملوكي كدا.. بصراحة كان متوصي اوي بيهم .
    بشبه ابتسامة اومأت زهيرة اليه قائلة :
  • طب الحمد لله يابني عقبالك انت كمان لما تتشرف بنسايبك.
    تناول كف يدها يطبع قبلة كبيرة عليها وقال:
  • قريب يا امي ان شاء وهاتبقي انت اللي مضايفاهم ياست الكل.
    مسحت بكف يدها الحرة على راسه بتأثر استشعره هو فقرر تغير دفة الحديث:
  • اسكتي صح.. دا صاحبتك الست سميرة حرقت دم نيرمين النهاردة لما كانت هاتجيبلها تبول لا إرادي .
    ضحكت بمرح قبل ان تساله بلهفة :
    -والنبي جد.. طب ازاي بقى فهمني قول؟
    ……………………….

جالسة على تختها بملابسها التي لم تخلعها من وقت ان عادت من العزومة، ناظرة في الفراغ بشرود تفكر في ماحدث من وقتٍ قليل .. لقد فاجئها اليوم بكلماته ذات الغزل الصريح.. وهي التي كانت تحادث نفسها عن ماهية شعورها المتنامي نحوه .. بعد سامعها لهذه الكلمات التي اربكتها واوقفت عقلها عن التميز .. والتي لمست فيها رقة احساسه.. كيف لها ان تستطيع المواجهة والتفكير بشكل صحيح؟ ثم الاهم من ذلك كله.. لو صدق احساسها فعلًا .. يصدق هو ايضًا احساسه وقد كان قبل ذلك عاشقًا لغيرها وبقوة ؟

  • فجر انت لسة قاعدة بهدومك .
    انتفضت مجفلة من صوت شقيقتها التي اقتحمت الغرفة هاتفة..
  • يخرييتك ياشيخة خضتيني .
    قالتها وهي ترميها بالوسادة التي تجنبتها شروق وانطلقت ضحكاتها بمرح:
  • والنبي بجد اتخضيتي ؟ سامحيني يافيفي .. مكنتس اقصد والنعمة.
    زفرت حانقة وهي ترد عليها :
  • بقى بعد ماخضتيني وخلتيني قطعت الخلف تقولي والنبي ماكنت اقصد .. بجد حقيقي مستفزة.
    اكملت ضحكاتها وهي تجلس بجوارها :
  • طب معلش ياابلة فجر سامحيني .. بس انا بجد استغربت قوي لما لاقيتك لساكي بهدوم الخروج.
    ردت بغيظ:
  • وما اقعد ياستي بهدوم الخروج ولا حتى انام بيهم .. انتي مالك ياباردة؟ ودا يخصك في ايه اساسًا ؟
    هتفت بدلال.. تناغشها بسماجة وهي تلتصق بها:
  • ماخلاص بقى يافوفة.. سامحيني والنبي انا مقدرش على زعلك بقى.
    شهقت فجر تضربها بالوسادة حتى تبتعد عنها:
  • يابت ابعدي عني بدلعك المرق ده.. انا ماعنديش مرارة ليكي.. دا إيه التناحة دي بس ياخواتي؟
    هجمت عليها تقبلها من وجنتيها بعنوة:
  • بحبك يا اختي ياقمراية والنعمة بحبك .
    قاومت فجر ضحكتها وهي تدفعها عنها :
  • يابت بطلي غلاسة.. انزاحي عني خنقتيني.
    استمرت شروق في محاولاتها حتى اجبرت فجر على التجاوب والضحك معها.. بعد ان هدات ضحكاتهم سألتها:
  • بت ياشروق.. هي امّك زعلانة مني ولاحاجة؟
    حركت راسها بعدم فهم:
  • ليه يعني؟ هو انتي عملتي حاجة زعلتها؟
    ردت وهي تمط شفتيها :
  • معرفش ياشروق.. بس انا حساها متغيرة وانا مش فاهمة ليه؟
    ردت شروق:
  • يابنت الناس.. امّك لو زعلانة منك او متغيرة.. هاتقطع معاكي على طول او تديكي على دماغك.. هو انت معرفاش سميرة ياقطة؟
    ابتسمت فجر بارتياح تردد خلفها :
  • اه صح عندك حق.. انا امي جبارة فعلًا وماتخافش من حد.. دي كفاية اللي عملته النهادرة في اللي اسمها نيرمين.. دي نشفت ريقها بتلميحاته الصريحة.
    شاركتها شروق ضاحكة:
  • لا وشوفتي حسين وهو بيتفق معاها بتلقيح الكلام.. وربنا دي اول مرة اعرف فيها انه خبيث.ههه بس بدم خفيف.ههههه
    …………………..

في اليوم التالي
استيقظ علاء مبكرًا حتى يحظى بمقابلة مع مجنونته التي انزوت معتكفه بعيدة عنه منذ الأمس.. علّه يستطيع لقاءها او يفوز بتوصيلة لها ولوالدها بسيارته.. ارتدي سترته السوداء ثم تناول مشطٍ صغير.. يسرح بهِ على شعره بعجالة وقبل ان يتناول ساعته تفاجأ بورود مكالمة على هاتفهِ برقم غريب ..وما ان فُتح الاتصال حتى فوجئ بصوته المعروف :

  • الو ياعلاء .. انا عصام .
    رد بخشونة :
  • نعم ياسي زفت.. بترن عليا بصفة ايه وليه؟ ثم المهم بقى واللي عايز اعرفه دلوقتي حالًا.. انت جبت نمرتي منين وعرفتها ازاي؟ قولي .
    وصله الصوت الحانق :
  • ياعم مش وقت اسألتك دي دلوقتي.. وان كان على نمرتك فانا جبتها من سجلات المستشفى لما دخلت بابراهيم يوم الحادثة.. المهم بقى اني عندي ليك خبر بمليون جنيه..
    قاطعه سائلًا :
  • نعم يافندم .. خبر إيه بقى اللي بمليون جنيه عشان انا عايز اعرف؟
  • عرفت مكان البنت الخدامة ياعلاء .. او بمعنى اصح عرفت عنوانها .
  • انت بتتتكلم بجد ياعصام .
  • والله زي مابقولك كدة.. انا نازل من بيتي دلوقتي حالًا اروح على العنوان مع اللي هايدلني .
  • طب استناني بقى ..عشان جاي معاكم .
  • هاستناك فين؟ انا خارج حالًا عشان الراجل مستنيني .
  • وانا لابس وجاهز يابني ادم.. قولي اجيلك فين وبسرعة .
    …………………………

بعد نصف ساعة تقريبًا وبداخل سيارة عصام وعلى الكرسي الامامي بجوار السائق كان جالسًا علاء.. والرجل الغريب جالسًا في الخلف .. وعصام يتولى مهمة تعريف علاء بهِ:

  • اهو ده بقى يبقى عم متولي ياعلاء ..كان بواب العمارة اللي فيها شقتي القديمة.. يمكن تفتكره .
    تطلع علاء اللى الرجل الخمسيني بجلبابه البلدي الفضفاض وعمامة رأسه البيضاء على بشرة وجهه السمراء.. بذقنٍ خفيفة مطعمة بالشعيرات الفضية .
  • افتكرته طبعًا.. هو كان اياميها شباب اكتر من كده وجسمه كان نحيف على كدة .
    رد الرجل بتفكه :
  • اياميها كنت لساتي جاي من البلد وشقيان.. لكن دلوك تخنت بقى من الراحة والقعدة على الكرسي .
    اومأ له علاء بابتسامة خفيفة قبل ان يتوجه لعصام سائلًا :
  • ايه الحكاية بالظبط فهمني ؟
    رد عصام وهو ينقل بصره اليه والى الطريق:
  • شوف ياسيدي.. انا شوفت عم متولي بالصدفة في مستشفى حكومي وانا رايح ازور واحد صاحبي هناك .. اتكلمت معاه ودردشنا شوية اثناء ما انا بوصي صديقي الدكتور يهتم بيه.. ومن غير تفكير لقتني بسأله عن البنت امينة.. رغم انه زمان مكانش يعرف بعنوانها بس المرة دي لقيته بيجاوبني وييقولي على عنوان بيت جوزها ودا عرفه بالصدفة لما كان رايح يزور واحد من قرايبه في المنطقة اللي هي اتجوزت فيها .
    التفت علاء يسأل الرجل:
  • انت متأكد من كلامك ده ياعم متولي؟
    اجابه الرجل بثقة:
  • طبعًا يابيه متأكد امال ايه.. دا انا اعرفها من وسط مية .
    اومأ علاء برأسه وهو يلتفت لعصام .. فقال بحماس وهو يفرك بيداه على فخذيه:
  • على خيرة الله.. زود السرعة شوية والنبي ياعصام .. خليني نوصل لبنت الابالسة دي .
    بعد قليل كانت السيارة متوقفة بمنطقة فقيرة .. انتشرت فيها المنازل بطريقة عشوائية.. معظمها مبني بالطوب الجيري والباقى يكاد يسند نفسه من السقوط على رؤس اصحابه.. فور ان ترجل الثلاثة من السيارة التي غاصت بالمياه الموحلة حتى بللت احذية الثلاثة بالإضافة لتبقع اطراف بناطيل الاثنان رغم محاولاتهم الحثيثة برفعها .. اما العم متولي فتمكن من حفظ جلبابه الفضفاض برفعه عاليًا حتى ظهرت ساقية حتى الركبة ولم يبالي وهو يتقدم امامهم نحو البيت المذكور ..قال عصام وهو يضع منديلٍ ورقي على انفه:
  • الريحة هنا صعبة قوي.. وكأنها ريحة جثة متحللة.
    رد العم متولي بعدم اكتراث:
  • دا تلاقيه بس كلب ولا قطة ميتين في الخرابة القريبة دي.. انت مش واخد بالك من الزبالة اللى ظاهرة في مدخلها ولا ايه؟
    نظر عصام نحو البيت المُشار اليه من العم متولي .. فاشاح عيناه فورًا وهو يجاهد لعدم التقيوء امامهم :
  • ياساتر يارب .. دي زبالة بجد وفعلًا واضح ان في كلب ميت هناك..
    رد علاء بابتسامة ساخرة:
  • معلش يادكتور.. اصلك مش متعود على المناظر الوحشة دي .. فممكن تستنانا هناك في العربية على ما نخلص مشوارنا.. بدل ما يغمى عليك ولا حاجة ..واحنا خايفين عليك لا تتعب .
    حدجه عصام بنظرة حانقة قبل ان يرد :
  • لا ماتخافش ولا تقلق عليا ياحبيبي.. انا هكمل طريقي ومشواري معاكم عادي.. قال يغمى عليا قال.
    ازدادت ابتسامة علاء بنظرة اغاظت عصام.. الذي جاهد لضبط اعصابه وعدم الشجار معه .. فقال العم متولي وهو يتوجه ناحية منزل بابه اخضر .
  • هو دا البيت يابيه .. بيت امينة وجوزها .

… يتبع
ياريت التفاعل بتعليقات جميلة وتشجع .. بلاش الاختصارة بأحستني كدة وبس ولا انتو مش عاجبكم الفصل

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل الواحد والعشرون

طرق العم متولي للمرة االذي لا يعلم عددها على باب المنزل.. الذي بهت لونه الأخضر .. ولا احد مجيب وكانه لا يوجد بهٍ احياء.. قال عصام المتأفف من الرائحة :

  • الظاهر كده مافيش حد في البيت ده.. ماتيجوا نروح ياجماعة ونبقى نيجي في وقت تاني .
    القى علاء نحوه نظرة حانقة قبل ان يلتفت الى العم متولي ويسأله:
  • انت متأكد ياعم ان هو دا البيت نفسه ولا يمكن غلطلت في العنوان،
    رد الرجل :
  • طبعًا يابيه متاكد.. عشان بيت قريبى هناك في الشارع اللي وراه وانا في كل مرة باجي عنده بعدي عليه ولو عايزيني اجيبلك قريبي هو كمان نسأله مافيش مانع .
  • تسالوا مين يابهوات ؟
    قالتها المرأة الواقفة بالقرب منهم على باب البيت الملاصق لبيت امينة.. التفت اليها الثلاثة مجفلين على صوتها ليجدوها امامهم متكئة على الحائط.. بعباءة منزليه خفيفة.. نصف شعرها الأمامي ظاهر من ربطة رأسها وزينة وجهها صاخبة بالالوان.. تولى العم متولي الإجابة عليها :
  • احنا جاين نسال على اصحاب البيت ده ياست.. ماتعرفيش بقى هما راحوا فين؟ عشان بنخبط بقالنا فترة ومحدش بيرد.
    ردت المرأة وهي تقيم الاثنان علاء وعصام بنظرات متفحصة من منبت شعرهم حتى احذيتهم الغالية الثمن والتي تطلخت بالطين :
  • لهو انت متعرفش باللى حصل؟
    سألها علاء مجفلًا رغم استيائه من جراة نظراتها :
  • مالهم اهل البيت وايه اللي حصل معاهم بالظبط؟
    لوكت بعلكتها بداخل فمها وهي ترد عليهم بتمهل :
  • ازاي بس ماتعرفش يابيه؟ دا فتحي اتقبض عليه من يجي ست اشهر بتهمة تعاطي واتجار بالبرشام :
    ردد خلفها عصام :
  • اتجار بالبرشام!! طب احنا عايزين مراته هي فين؟
    رفعت المرأة حاجبها الرفيع باستهجان وهي تسأله:
  • انتوا عايزين امينه؟ طب ليه؟
    اردف خلفها بلهفة ممااثار ارتياب المرأة:
  • ايوة بالظبط كده.. هي امينة دي.. فينها بقى؟
    صك علاء على فكه وهو يليقيه بنظرة محذرة حتى يصمت واكمل على قوله ببعض الكياسة:
  • ياست احنا من جمعية بتراعي الناس الفقرا والباشا اللي جمبي ده عايز يساعدها .
    مالت رأس عصام وهو ينظر اليه ببلاهة وعدم استيعاب ليفاجأ بالمرأة تقترب منه بعبائتها الضيقة تطبق بيدها قماش قميصه الابيض قائلة بلهفة:
  • طب ما انا كمان عايزة مساعدة يابيه.. دا انا شقيانة في خدمة البيوت.. وجوزي بيطلع عينه في السواقة على كام ملطوش .. ولا هي المساعدة ماتجوزش غير على امينة.
    تدلي فكه واتسعت عيناه يحاول تخليص يده منها وهو لا يعرف بما يجيبها .. يرجوا المساعدة من علاء الذي ينظر اليه بتسلي بابتسامة مستترة.. استدرك العم متولي بفراسته فقام بابعاد المرأة قائلًا:
  • ياست ابعدي شوية خلي الراجل ياخد نفسه.. معلش بقى ياعصام .
    قالها متولي وهو يرى جزع عصام وهو ينظر لكم قميصه المبتل .. فقالت المرأة ببعض الخجل:
  • سامحني يابيه.. اصلي كنت بغسل هدوم الواد .
    صاح برعب:
  • هدوم الواد!!
    تابعت بترجي:
  • ايوة يابيه هدوم الواد.. دا انا ايدي باشت من كتر الغسيل.. لو تتعطف عليا جمعيتكم وتجبولي غسالة يبقى كتر خيركم
    هتف عليها متولي باستنكار:
  • ياست بيقولك جمعية.. يعني اجراءات وشغل كتير وبحث عن حالتك في البداية..جاوبينا الاول على سؤالنا وبعدها نشوف امرك.
    زفرت المرأة حانقة من العم متولي فقالت بامتعاض :
  • امينة مش هاتلاقوها هنا .. عشان هي اساسًا من ساعة ماجوزها اتحبس وهي بتبات عند امها وبتيجي هنا زيارت بس توضب البيت او تاخد لها هدمات تلبسهم هناك .
    سألها علاء :
  • طب ما تعرفيش عنوان بيت امها دا فين بالظبط؟
    شهقت رافعة حاجبها مرة اخرة :
  • انتوا كمان هاتروحولها بيت امها ؟ هي لدجادري اسمها مهم عندكم في الجمعية؟
    صاح عليها العم متولي :
  • خبر ايه يابت؟ ماتجاوبي عالسؤال وخلاص ..لزوموا ايه الرط دا كله .
    رد باستنكار:
  • ماهو انا معرفش بيت امها دا فين عشان اقول.
    مسح علاء بكف على صفحة وجهه شاعرًا بخيبة الأمل فاتفاجأ بعصام وهو يخاطب المرأة بلطف :
    طب ممكن يامدام لما توصل هنا امينة تتصلي بالرقم اللي انا هاكتبهولك دلوقتي تبلغيني؟
    شهقت بفرحة وهي تراه يخرج من جيبه ورقة صغيرة يدون عليها بالقلم الحبر رقم الهاتف:
  • هو دا رقم تليفونك يابيه؟
    كشر بوجهه اليها وهو يناولها الورقة :
  • حضرتك دا رقم الجمعية مش رقمي وعلى العموم انتي فاهميهم حالتك واكيد هما هايتصرفوا معاكي.
    لمست بأصابع يدها على كفه الممدودة بالرقم بجرأة اثارت ارتعابه وهي تخاطبه بنعومة:
  • تسلم الايادي ياباشا.
    بلع ريقه وهو يحرك قدميه هربًا منها وذهب معه علاء ايضًا .. العم متولي استأذن منهم لزيارة قريبه .. اما هي فأخرجت هاتفها الصغير من جيب صدرها تتصل برقمها.. فوصلها الصوت المتعب:
  • الو يا راوية .. عايزة ايه؟
    ردت بلهجة مائعة:
  • الو ياست أمينة.. ياللي طلعتي ميه من تحت تبن.. بقى بتعرفي الناس النضيفة دي وتخبي عليا جارتك حبيبتك.
  • تقصدي ايه ياراوية؟
    ……………………….
    بفناء المدرسة وعلى اريكة خشبية ضمتهم الاثنتان اسفل الشجرة الكبيرة سألتها بمرح:
  • قالك إيه ياقطة؟ عيدي كدة اللي قولتيه دا من تاني.
    ردت فجر بتذمر:
  • واعيد من تاني ليه ياختي؟ هي اغنية؟
    هزت سحر رأسها بابتسامة خبيثة:
  • لا ما انا وداني بايظة النهاردة .. عيدي والنبي .
    لكزتها بقبضتها على ذراعها :
  • لا انتي بتستهبلي ياسحر ولاودانك بايظة ولا حاجة.. انتي بس عايزة تحرقي دمي وخلاص .
    هتفت عليها بصوتّ ينبض بالفرح:
  • واحرق دمك ليه بس ياعبيطة انتي؟ هو احنا كل يوم بنلاقي رجالة بتقول الكلام الحلو ده .. ولا حتى بنلاقي ابلة فجر تستجيب ووشها يحمر كمان… يابنتي دا تطور كبير قوي مكناش نحلم بيه.
    اشاحت فجر عنها وجهها تداري عنها ضحكتها وقد لامست كلمات سحر ما تشعر بهِ بالفعل.. فتابعت سحر :
  • لا بقى دا انت شكلك كدة واقعة على بوزك .. بتبعدي وشك وتداري ضحكتك عني.. ماخلاص اتكشفتي ياقطة وسرك بان .
    التفتت اليها فجأة تسألها بقلق:
  • بجد ياسحر.. يعني انا فعلًا بحبه بقى ولا دا مجرد فرحة من اهتمام راجل بيا؟
    ردت سحر بجدية:
  • ماهو ياقلبي لو ماكنش الراجل ده ليه مكانة في قلبك مكنتيش انتي حسيتي بكلامه ده ولا وشك الحلو ده نور من الفرحة.
    تابعت بتشتت:
  • طب ازاي دا بس يحصل.. وانتي بنفسك عارفة اللي فيها يعني وكدة.
  • قصدك يعني على حبه القديم لفاتن ؟
    سألتها فأومأت برأسها توافق.. فردت سحر:
  • بقولك ايه يافجر.. ماتسيبي الماضي ياحبيتي وارميه ورا ضهرك.. عيشي اللحظة يابنتي وانسي بقى.. انا مش قصدي تنسي فاتن طبعًا.. انا بس عايزاكي تفتكري كويس مدام اكتشفتي بنفسك برائة علاء.. يبقى شيلي كمان من دماغك حكاية تأنيب الضمير.. عشان انتوا الاتنين مابتغلطوش.. والحي ابقى من الميت.
    شردت فجر وهي تنظ للبعيد تفكر في كلمات سحر .. فاصطدمت عيناها بعينن اخرى تنظر نحوهم من نافذة مفتوحة لإحدى الفصول وكأنها تراقبهم.. فعادت لصديقتها قائلة بدهشة:
  • بت ياسحر.. انتي مش ملاحظة ان الاستاذ عبد الله مدرس الرياضات بيبصلك كتير دا غير اني بدأت احس بتصرفاته بقت غريبة شوية معاكي اليومين دول!.
  • نظرت نحو ماتنظر اليه فارتد هو عائدًا لداخل الفصل.. فردت باندهاش:
  • امال لو شوفتيه وهو بيسلم على رمزي.. دا كأن في مابينهم تار بايت!
    شهقت فجر ضاحكة:
  • يكونش بيحبك يا منيلة؟
    شهقت الأخرى متفاجئة :
  • نهار اسود.. يعني كان بيحبني في صمت وبيكتم في في قلبه ياعين امه.
    ردت فجر ضاحكة:
  • وانتي ولا حاسة ياعديمة الاحساس هههه
    حركت كتفها بدلال:
  • وانا مالي يااختي.. حد قالوا يقعد ساكت مع واحدة معجبينها كتير .
    ازدات ضحكاتهم لتردف فجر:
  • هو الخسران
  • طبعًا هو الخسران
    …………………………. نهض حسين عن مقعده يستمع لكلمات اخيه وهو يقطع غرفة مكتبه ذهابًا وايابًا بتوتر وتركيز شديد مع كل حرف .. حتى انتهى علاء فعاجله حسين سائلًا:
  • طب وبعدين ياعلاء.. مشيتوا كدة من غير ماتعرفوا اي معلومة عنها؟
  • ………………..
  • بس انتوا اتأكدتوا من العنوان؟
    -………………..
  • وانتوا متأكدين بقى ان جارتها دي هاتبغلكوا لو شافتها.
    -………………..
  • طب مليني العنوان اللي انتوا راجعين منه دلوقتي.
    -………………..
  • مالكش دعوة ياعم .. مليني وخلاص..
    تناول ورقة يدون فيها العنوان ثم انهى المكالمة مع اخيه.. لينظر في الورقة وكأنه وجد ضالته.. يتمتم بالحمد .ثم مالبث ان يتحرك ذاهبًا من مكتبه.. لوجهة يعلمها جيدًا!
    ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
    بداخل السيارة وهو يقود كان ينظر لأكمام قميصة المبقعة بقرف اثار انتباه علاء الذي ما ان انتهى من مكالمة اخيه حتى انطلق في الضحك مرة اخرى يردد:
  • ههههه يابني ما انا قولتلك .. خليك في عربيتك وانت عشان ماتتعبش.. انتي مش حمل المناظر دي..
    رد عليه عصام بسخط :
  • ماتبطل انت قلشك بقى وترقيتك دي .. محسسني ان واد طري من بتوع اليومين دول ..لا ياحبيبي انا دكتور ومتعود على مشاهد تشيب .. مش الحاجات الخفيفة دي.
    صدحت ضحكة علاء الصاخبة وهو يكمل في مشاكسته:
  • طب ولما هي حاجات خفيفة .. حسيت ليه انا ان قلبك هاوقف من الرعب اول ما الست كلبشت في دراعك ههههه.
    تأفف حانقًا يهز براسه بضيق من اسلوب علاء المتهكم.. ولكن بداخله كان يشعر بسعادة تبدوا مؤقتة لاستعادة صديقه.. تابع علاء:
  • ماترد يادكتور يامحترم على كلامي وقول انك ماخوفتش منها بجد بدال ما انت بتاكل في نفسك وبس:
    اللتفت اليه عصام كابتًا ضحكته:
  • بصراحة خوفت ماكدبش عليك .
    انطلقت ضحكته تزامنًا مع ضحكات علاء الصاخبة قبل ان يكمل:
  • بس دي شئ عادي ياعم .. فجأة لقيتها بتمسك في ايدي خضتني ههههه.. وفي الاَخر طلعت غاسلة هدوم الواد كمان !
    قهقه الاثنان غير قادين على التوقف لعدة لحظات قبل يمسك نفسه اَخيرًا علاء وسأله مندهش:
  • رقم مين صح اللي ادتهولها وادعيت انه رقم الجمعية المزيفة.
    رد عصام:
  • ماهو فعلًا رقم جمعية حقيقي .. اينعم انا اتخضيت في الاول لما لقيتك بتألف الموضوع ده .. بس لما فهمت انه عشان سمعة الست والعادات في المناطق الشعبية.. دوغري افتكرت جمعية بنتي واديتها رقم حقيقي.
    ضيق علاء عيناه مستفسرًا :
  • بنت مين؟ وجمعية ايه بالظبط؟ هو انت اتجوزت وخلفت كمان؟
    رد عصام :
  • فى الحقيقة دا حصل من ٣ سنين بالظبط.. بعد مارجعت من لندن .. اتجوزت بنت خالي.. بس بقى كانت مدلعة وبتهمل حتى في تربية بنتها.. ماقدرناش نكمل مع بعض واتطلقنا ..بس للأسف خالي ومرات خالي اخدوا في البنت في حضانتهم وحرموني منها.. فاانا بقى من شوقي خوفي طول الوقت عليها من اهمال واستهتار والدتها ..اسست جمعية خيرية وكتبتها باسمها عشان ربنا يباركلي فيها.
    التفت لعلاء وجده ينظر اليه بشرود .. طرقع بأصابع يده امام وجهه:
  • ايه ياعم سرحت في ايه وانا بكلمك ؟
    استفاق علاء من شروده وهو يلتفت للطريق امامه فقال متهربًا :
  • سوق ياعصام.. خليني احصل المحل اللي سايبه من الصبح ده .
    تعجب عصام من التغير المفاجئ لعلاء ولكنه اَثر الصمت.. حتى لايزعجه بفضوله.والتفت يركز في قيادة سيارته.
    …………………

في المساء وبينما هو منهمك في عمله على احدى قطع الاثاث بمساعدة عامل اَخر في الورشة.. دلف صبي صغير من حارتهم يهتف عليه :

  • عم سعد ياعم سعد .. الحق في ناس عايزينك برة .
    رفع رأسه اليه يسأله :
  • مين ياض ياعبودي اللي عايزني برة؟
    رد الطفل بلهاث:
  • واحدة ست ياعم سعد .. قالتلي ادخلك وانهدلك بسرعة
  • ست مين ياض؟ طب معرفتش اسمها.
    قالها سعد ليجدها فرصة عمال الورشة في المزاح معه.. قال احدهم :
  • الله ياعم سعد.. انت عايزها تقول اسمها وتفضح نفسها قدامنا.
    فقال الاَخر:
  • الله يساهله ياعم سعد.. اخرج ياعم وشوفها.. دي الست عايزاك بسرعة .
    نفخ صدره وهو يتلقى مزاحهم بتفاخر وبخطواتٍ منتشية ذهب من اماهم .. حتى اذا خرج من باب الورشة .. نظر الى الطفل متسائلًا:
  • فين الست دي ياض ياعبودي اللي بتسأل عليا .
    رد الطفل وهو يشير بيده :
  • اللي واقفة هناك ومديه ضهرها .
    تقدم سعد نحو المرأة المجهولة وقبل ان يقترب منها وجدها تلتف اليه بكليتها.. لتصطدم عيناها بعينيه التي جحظت من رؤيتها وكاد ان يقع امامها في وسط الشارع وامام المارة.. استدرك نفسه يظبط خطواته.. وهو يقترب منها ومقلتيه تتحرك يمينًا ويسارًا ناحية وجوه البشر في الشارع.. مرتعبًا من فكرة التخيل حتى .. انها هنا في وسط حارته وخلف منزل ادهم المصري وفي هذا الوقت الحساس اليه..انها حتى لم تتغير شكليًا ولم يتغير جسدها النحيل .. هي نفسها ببشرتها السمراء الناعمة وعيون المها خاصتها تنظر اليه بتحدي لم يره عليها قبل ذلك.. حينما اقترب منها وجدها تبسمت بزاوية فمها قائلة:
  • ازيك يامعلم علاء وحشتني ياراجل .
    لم يرد تحيتها بل اقترب يدفعها بيده متمتمًا:
  • امشي اتحركي على طول..و من غير نفس اخلصي.
    تحركت تسير معه مضطرة وهي تهمس باستفزاز :
  • طب حتى رد السلام الأول.. لدرجادي مرعوب لحد يشوفني ويعرفني.؟
    دفعها بحدة كاد ان يوقعها هامسًا هو الاَخر:
  • وانتي بلعتي حبوب الشجاعة النهاردة وجاية تتحديني يابنت محاسن.
    اخرجت ضحكتها صوتًا وهي ترد عليه واضعة كفها بجانب فمها:
  • ايوة صح انا بنت محاسن وانت ابن نشوى التخينة بياعة الخضار هههه.. اه
    قالتها بألم حينما وجدت نفسها تدفع بقوة داخل مخزنٍ ممتلئ حولها بالأخشاب.. دلف خلفها يغلق الباب فورا بقوة.. وتقدم يخطوا امامها ببطء وجسدٍه يهتز من فرط انفعاله.. اكملت هي دون ان تهابه وقالت باستفزاز:
  • يامعلم سعد؟ انت جايبني هنا المخزن بتاعك عشان تخلص عليا ولا تتدفني فيه حي…..
    لم يعطيها فرصة لإكمال جملتها وذلك لانه اطبق على بكفهِ على عنقها قائلًا بغضبٍ حارق:
  • ايه اللى جابك عندي النهاردة يا امينة؟ بايعة عمرك ولا عايزة تحصلي جوزك في السجن؟
    ردت ضاحكة باستفزاز رغم خروج صوتها بصعوبة:
  • ماعدتش عندي حاجة… ابكي عليها ياغالي.. وان. وان دخلت السجن مش هادخ…ل لوحدي…. هاتدخل.انت..معابا…..
    ضغط بكفيه الاثنان :
  • يبقى هاخلص عليكي احسن وتبقي جيتي لقضاكي …

.. يتبع
انتظروا الحلقات اللي الجاية واحداث اقوى

امل_نصر

بنت_الجنوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top