رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

الفصل السابع والثلاثون

بداخل السيارة وهي جالسة في الأمام بجواره كانت مستندة برأسها لخلف المقعد تنظر من نافذة السيارة للطريق الخارجي واليه مع ترديدها لكلمات الأغنية التي يصدح بها مذياع السيارة..
وهمسلي قالي الحق عليه
نسيت ساعتها بعدنا ليه
فين دموع عيني اللي مانامت ليالي .
بابتسامة من عيونه نساهاني .
أمر عذاب واحلى عذاب، عذاب الحب للأحباب
ماقدرتش اصبر يوم على بعده
ماقدرتش اصبر يوم على بعده
دا الصبر عايز صبر لوحده.
كان يقود السيارة هو مندمج معها ومع صوتها الرقيق ومعاني الكلمات الموجهة اليه وهي خالصة بالعشق.. رفع كف يدها يقبلها بحب قائلًا :

  • ربنا مايحرمني منك يارب.
    تنهدت قائلة بصوتٍ كخرخرة القطة:
  • انا بحب الأغنية دي قوي ياعلاء عشان بتعبر قوي عن اللي جوايا ناحيتك.. انا فعلًا مااقدرش اصبر يوم على بعدك ولا حتى دقيقة احس فيها بجفاك.. يعني لو حصل.
    ضغط بكفه المطبقة على كف يدها يضعها على ركبته متأوهًا :
  • بس بقى الله يخليكي كفاية كدة انا مصبر نفسي بالعافية.. مش كفاية عملة الزفت حسين اللي هاتخليني انتظر فرحي عليكي شهور تاني.. كنت ناقصه انا ده .
    ضحكت بدلال وهي تزيح بكف يدها الحرة خصلات شعرها المتطايرة على وجهها بفعل الهواء.
  • ياسلام يعني لدرجادي انت مستعجل على جوازنا؟
    ترك الطريق لينظر اليها ويحدثها بصدق:
  • اوي يافجر.. نفسي اليوم دا يبقى امبارح مش بكرة ولا النهاردة.. نفسي اغمض عيني وافتحها الاقيكي معايا في بيتي ومعانا اولادنا.. انا مقدرش اوصفلك إحساسي كان إيه لما شوفت بنت عصام النهاردة.. قلبي رفرف جوا ضلوعي وانا بتخيل انها تبقى بنتنا انا وانتي.. حتة منك وشبهك.. ياه ياجدعان امتى دا يحصل؟.
    تبسمت بمرح قائلة :
  • بس بنت عصام دي حلوة زي الخوجات.. لكن انا ياعم على قدي .
    التف اليها محذرًا :
  • مين دي اللي على قدها.. اثبتي مكانك طيب بدل ما اتعصب عليكي.. لو بنت عصام قمر فاانتي قمرين وبنتنا هاتبقى تلت قمرات في بعض عندك اعتراض بقى؟
    قهقهت ضاحكة تقول:
  • طيب انا كنت عايزة اسألك بقى مدام عجباك لدرجاك كدة زي مابتقول.. ايه اكتر حاجة شدتك فيا؟
    التف اليها مجيبًا دون تفكير:
  • عنيكي.
    هزت رأسها قائلة بوجه متورد يشع بالسعادة:
  • اشمعنى عيوني بقى؟ افهم .. اصل انا طول عمري شايفاهم عادين يعني.. مش زي عيون شروق مثلًا لونهم العسلي بيلفت النظر خصوصًا في الشمس.
    كان قد وصل الى وجهته فاأوقف السيارة أمام البناية التي تضم شقتيهم.. نظر اليها محدقًا بعيناها يرد:
  • مش موضوع لونهم ولا شكلهم ايه؟ الموضوع اني اول ما بصيت فيهم حسيت وكأن فيهم رابط بيربط مابينا.. فيهم حاجة بتشدني ليكي زي المغناطيس.. فاكرة لما قولتلك بلاقي فيهم راحتي وقولت كلام كتير تاني عنهم.. انا مكدبتش في حرف يافجر.. انا عندي استعداد اقعد بالساعات وانا مركز فيهم واقرا كل لفته منهم.. وعمري ما امل.. عيونك المرسى اللي رست عليه مراكبي بعد شقا سنين طويلة يافجر.
    فغرت فاهاها واغلقتها عدة مرات حتى خرج صوتها اَخيرًا :
  • طب انا اقول ايه دلوقت قصاد كلامك الحلو ده؟ انا حاسة اني لو حاولت اردلك هاطلع حمارة وش قدام رومانسية المعلم علاء .. انت بتجيب الكلام دا منين؟
    صدحت ضحكته الرنانة :
  • الكلام بيخرج من قلب المحب من غير تفكير ولا تركيز.. ياقلب علاء.
    بقلب يضرب بالسعادة داخل صدرها لوحت بكفها قائلة:
  • كفاية والنبي.. خليني استوعب شوية شوية الكلام الحلو ده بعد نشفان وشد اعصاب الأيام اللي فاتت .. عشان ما يغماش عليا قدامك دلوقتي.
    قرب وجهه منها يقول بحنان:
  • سلامتك ياعمري من أي سوء.. انا عارف اني مقصر معاكي عشان الظروف اللي طبت علينا فجأة.. بس وعد عليا.. كل ده هايتعوض الأيام اللي جاية.
    هتفت بلهفة :
  • بجد ياعلاء.. يعني هايبقى فيه كلام حلو زي اللي قولتوا دلوقتي؟
    تنهد باضطراب أمامها محدقًا بها بصمت وملامح مبهمة غير مفهومة وهي منتظرة الإجابة ثم مالبث ان قال:
  • بقولك إيه يافجر.. قومي الله يرضى وخلينا نكمل كلامنا بعدين عشان بس مانعملش فضايح .
    تسائلت باستفسار وحسن نية:
  • فضايح ليه؟ هو احنا بنعمل حاجة غلط ؟
    رد مقررًا بتأكيد :
  • انا اللي هاعمل لو ماقومتيش من قدامي دلوقتي على طول.. يبقى اتحملي انتي اللوم لو والدك ولا حد من الجيران ظبطني وانا بحضنك او…….
  • لا وعلى إيه؟ سلام ياعم .
    قالتها بعجالة وهي تترجل من السيارة هاربة اثارت ضحكته المرحة مرة أخرى.
    اعتلت الدرج وقلبها يقفز من السعادة معها وهي تستعيد كل لفتة وكل همسة منه.. تغزله لعيناها ولهفته عليها ونظراته المشبعة بالعشق.. ولكنها توقفت فجأة وكأنها استفاقت من سكرة عشقه.. ليصدح هذا الصوت بداخلها:
  • ياترى لو عرف فاتن عايشة هايفضل على حبه ولهفته دي ولا هايحن لحبه القديم؟
    تنهدت بأسى تكمل اعتلاء الدرج وقد ذهب عنها مرح اللحظة وعاد اليها هم القادم .
    ……………………………..

بداخل المدرسة محل عملها كانت جالسة مع صديقتها في ركن وحدهم تحت ظلال إحدى الشجيرات يتحدثن كالعادة في الموضوع الملح:

  • ماتقولي يابت رديتي وقولتي ايه ؟
    زفرت سحر تشيح بوجهها عنها:
  • يووه عليكي يافجر ماقولتلك موضوع وخلص.. لزوموا ايه بس الرغي .
    هتفت عليها حانقة:
  • لزوموا ان الراجل بيكلمني ويتصل بيا عشان اقنعك.. هو في ايه بالظبط؟ انا حاسة ان الموضوع اكبر من حكاية سفرك معاه.
    التفت اليها تنظر صامتة باعين خاوية مما جعل قلب فجر يسقط في صدرها:
  • ايه اللي حصل ياسحر ؟ وليه الحزن دا اللي انا شايفاه في عيونك؟ هو غلط فيكي ولا خانك ولا إيه بالظبط؟
    ردت بصوت منكسر:
  • مخانيش ولا غلط فيا بس انا قولتلك احنا ماننفعش لبعض.. انا أبلة وروحي في مناخيري وهو حلو ومتشيك تليقله واحدة زيه صغيرة تدلعه ويفتخر بيها.
    لكزتها بقبضتها على ذراعها:
  • بت انتي انا مش ناقصة اللغاز.. طلعي اللي جواكي واحكي ايه اللي حصل بالظبط؟
    صدح هاتف فجر فجأة ليقطع تركيزها في التفكير لمعضلة صديقتها.. زفرت بغيظ وهي تنظر في اسم المتصل:
  • اسمعي اما اقولك لينا قاعدة نرغي فيها وتحكيلي كل اللي جواكي.. لولا ان اني بس مش ورايا حاجة مهمة دلوقتي.. لكن والنعمة ماهسيبك ياسحر.. سامعة .
    نهضت عن المقعد ترد على الهاتف بعد أن توعدت صديقتها:
  • الوو…….. ايوة ياعصام ………..تمام حاضر هاتصل بيها ونيجي على طول ماتقلقش انا عارفة العنوان.
    بعد ان ابتعدت بمسافة كافية وسحر تتابعها بعيناها بشرود اجفلت فجأة على اهتزاز المقعد بجوارها يشير لجلوس احدهم .. وبمجرد التفافاها الى الجالس تفاجأت به يحدثها:
  • انا اسف لو فاجئتك او ازعجتك.. بس انتي ممكن تسمعيني الأول .
    ضيقت عيناها متسائلة:
  • اسمعك في إيه بالظبط ياأستاذ عبد الله؟
    ………………………………
    وفي مكان اخر
    كان حسين على سريره الطبي يحاول جاهدًا بيده السليمة ان يتناول منديل ورقي من العلبة الموضوعة على الطاولة القريبة منه.. يستحي ان يوقظ والدته التي غفت بجواره على المقعد الجلدي ولا يريد النداء على الممرضة.. انتابته رغبة ان يصل الى العلبة بنفسه دون المساعدة من أحد ولكنه كلما حاول ان يرفع جسده تألم بشدة.. تكررت المحاولات وفي كل مرة كان يسقط متنهدًا بتعب حتى كاد ان يفقد الأمل.. ليفاجأ في المرة الاَخيرة بشهقة انثوية وصوتها يصدح:
  • انت بتعمل ايه ياحسين؟
    انتفضت زهيرة من نومتها وكادت ان تستيقظ فلاحقها حسين :
  • نامي ياأمي ماتقلقيش دي شروق بتهزر .
    عادت زهيرة لنومتها ودلفت شروق للداخل بخطوات خفيفة.. هتف عليها حسين ضاغطًا على اسنانه بصوت هامس:
  • مش تخلي بالك ياشروق.. دا انا مصدقت عيونها غفت من لطعتها جمبي طول الأيام اللي فاتت.
    تقربت منه قائلة بأعتذار:
  • معلش اسفة بس انا بصراحة لما شوفتك قلقت.. هو انت كنت بتعمل ايه؟
    رد بصوت خشن :
  • انا كنت عايزة اوصل لعلبة المناديل اللي هناك دي.. بس مدام انتي جيتي اتفضلي يالا هاتيلي منديل .
    حينما تناولت المنديل اردف بأمر:
  • اتشطري بقى وامسحي العرق اللي على وشي كمان.
    همت لتنفذ امره ولكنها ارتدت فجأة قائلة بتوجس:
  • حسين.. اوعى تكون دي لعبة من الاَعيبك؟
    قال متصنعًا الغضب:
  • الاعيب إيه وزفت إيه؟ في ايه شروق هو احنا هانهزر؟
    تخصرت مدافعة:
  • اه الاعيب ولا انت نسيت امبارح.. لما قولتلي اشوف عينك اللي اتطرفت عملت ايه؟
    رد بابتسامة خبيثة:
  • عملت ايه؟ ماتفكريني بقى عشان انا مش فاكر.
    قالت بابتسامة ازدادات اتساعًا تخفي خجلها:
  • ياسلاااام… يعني نسيت لما شدتني بدراعك السليم ده لحد اما اترميت عليك و…….
    لعب حاجبيه قائلًا بابتسامة عبثية:
  • وايه؟! ماتقولي.. ولا تيجي نعيد من تاني .
    لكزته بقبضتها على دراعه السليم هاتفة بضحك:
  • بس بقى قلة ادب اومال لو مكنتش مدشدش كنت عملت إيه؟
    تأوه متألمًا :
  • اه ياني يامّا.. دراعي يامجنونة.
    صدح صوت زهيرة خلفهم :
  • مالوا دراعك ياحبيبي.. عملتلك ايه البت دي؟
    وضعت كفها على فمها بإحراج غير قادرة على الإلتفاف نحو المرأة فرد حسين بجدية مصطنعة:
  • مافيش حاجة ياامي دا انا بس بهزر مع شروق.
  • كدة طب تمام يانور عيني.. ربنا يهنيكم ببعض.. بس ياريت والنبي توطوا صوتكم شوية عشان اعرف انام يعني.
    قالتها بنبرة تنضح بالخبث جعلت حسين يضحك من قلبه متشفيًا في شروق التى تسمرت محلها تكاد أن تموت من الخجل ووجهها اصبح كقطعة الفراولة من الإحمرار.
    …………………………
  • انا عارف انك متفاجئة وتلاقيكي مستغرباني كمان؟ بس بصراحة انا مصدقت اتشجع عشان اكلمك.. خصوصًا لما عرفت بموضوع فسخ خطوبتك مع الجدع البقف ده .
  • بقف!
    تفوهت بها مجفلة وقبل ان تتابع وجدته يقاطعها:
  • ارجوكي سيببني اكمل كلامي ياسحر.
  • سحر!! حاف
    تمتمت بها داخلها باستنكار وهي تستمع الي باقي حديثه:
  • اكيد انت عارفة او حسيتي من طريقة معاملتي ليكي ان معجب من زمان ونفسي اتقدم.. بس طبعًا كنت متردد عشان يعني كنت خايف لترفضيني عشان شكلي.. رغم اني في اوقات كتير كنت بحس بإعجابك بيا من خلال نظراتك او تلميحاتك بالكلام .
    اشارت بسبابتها نحوها بجزع :
  • انا كنت معجبة بيك وبلمح بالكلام؟
    باغتها فجأة وهو يتناول كف يدها قائلًا :
  • مش مهم ياسحر ان كنتي لمحتي ولا لأ.. المهم اني فوقت لنفسي اخيرًا واتشجعت وفاتحتك.. فاضل بقى انك تتشجعي انتي كمان وتعترفي باللي جواكي .. بأنك متقبلاني رغم اني شكلي يعني على قدي مش زي الجدع دا اللي فاكر نفسه ولا نجوم السيما وهو مايسواش قشر بصلة.
  • قشر بصلة !!
    غمغمت بها مصدومة قبل ان تفاجأ بالأستاذ عبد وهو يرفع من ياقة قميصه وصوت رجولي خشن محمل بالغضب:
  • مين ياض اللي مايسواش قشر بصلة ؟
    هتفت بجزع:
  • يانهار اسود رمزي.. سيبه يا رمزي.
    لوح بسبابته محذرًا نحوها :
  • اخرسي انتي مااسمعش نفسك خالص.. وانت ياض.. لساك ماسك في ايدها؟ سيبها ياض بدل ما اقطعلك ايدك دي.
    قالها وهو يفلت كفه عن كفها عنوة فصاح عبد الله:
  • وانت مالك انت يابارد.. هي مش خلاص فسخت خطوبتها منك.. ماتسبيها بقى تشوف حياتها مع الإنسان اللي بتحبه.
    شهقت سحر بغيظ من كلمات عبدالله لتفاجأ برد فعل رمزي القوي وهو يهتف:
  • بقى انا بارد وهي بتحبك انت ؟ طب دافع بقى ياشاطر عن حبها ليك .
    ثم طرحه ارضًا ليكيل لها باللكمات وسحر تهتف لتركه خوفًا على الاثنان ودرءًا للفضائح رغم انتشاءها بكل ضربة يتلقاها عبدالله بعد افتراءه عليها
    …………………………………..

على منضدة خشبية صغيرة بإحدى الإندية الخاصة بعلية القوم كان جالسًا يراقب صغيرته التي تلعب حوله مع أقرنائها من الاطفال.. منتظرًا بشرود اللقاء المرتقب.. لا يصدق حتى الاَن ان تكون حقيقة.. لقد مرت سنواتٍ طوال منذ الحادثة المأساوية التي ظلت عالقة بذهنه دون ان يتمكن من تخطيها والنسيان.. وكانت السبب الرئيسي لتحوله من آنسان عابث الى دكتور جاد لايلتفت سوى لمستقبله والمحافظة على ارث والده الذي كاد ان يفقد صحته حزنًا على اصابة ابنه وحيده.. هذه الإصابة التي نتجت عن الحادثة وجعلته يتأخر في مساعدتها وهو يثق تمام التقة في برائتها وطهارتها.

  • في مكان نقعد جمك يادكتور ؟
    رفع رأسه على مصدر الصوت فارتد بمقعده للخلف مجفلًا لاتصدق عيناها رؤيتها.. رغم النظارة السوداء التي اكلت نصف وجهها لكنه عرفها.. ملفحة بحجاب طويل على ملابس عصرية ذو ماركات غالية يعلمها هو جيدًا .. وجهها الأبيض ازداد صفاءً ونضارة اكثر من ذي قبل مع ابتسامة رائعة زادته اشراقًا كما اظهرت النظارة الشمسية رقيًها ونضجها.. وتحمل بيدها طفلًا اكبر من ابنته بقليل ولكنه اجمع بين صفات ابيه الشكلية وجمال والدته .. طرقت فجر بقبضتها على المنضدة بقوة:
  • هاتفضل متنح لها كدة كتير مش ناوي بقى تقولنا اتفضلوا .
    نفض رأسه وهو ينهض عن مقعده بارتباك:
  • ااه طبعًا اتفضلوا ياجماعة.
    مدت اليه كفها الحرة بابتسامتها المعهودة
  • طب مش تسلم الأول يادكتور.
    مد كفه المرتجفة يصافحها بتوتر :
  • أهلًا بيكي يا فاتن… انتي عاملة إيه؟
  • انا كويسة والحمد لله.. انتي اللي ايدك باردة اوي واكنك عيان .
    قالتها وجلست على الفور مع ابنها .. نظر هو لكفه التي صافحتها للتو صامتًا ولكنه اجفل على صوت فجر التي هتفت عليه:
  • انا واقفة على فكرة قدامك لسة.. ولا اقولك اقعد احسن مش وقت سلام
    لم يرد على مزحتها بل أكتفى ان يجلس على مقعده أمامهم وهو مازال مأخوذًا برؤيتها
    تكلمت فاتن بمرح:
  • انت لسة برضوا مش مصدق ان انا اللي قاعدة فصادك؟
  • بصراحة متأخذنيش دي حاجة ولا في الخيال.. خصوصًا كمان لما عرفت انك كنني متجوزة الدكتور منذر .. يعني قرببة من دايرتي وانا اللي بقالي سنين بضرب اخماس في اسداس عن مصيرك المجهول.
    خبئت ابتسامتها وهي تتنهد قانطة قبل ان ترد:
  • عندك حق فعلًا.. اللي حصل كان اكبر من اي استيعاب او اي منطق.. بس الحمد لله ربنا وضع في سكتي اللي ياخد بإيدي وينجدني.. بس انا عمري مانسيت جميلك معايا ياعصام.
    ضيق عيناه متفكرًا :
  • جميل ايه بالظبط؟ انا مش فاكر حاجة .
    أجابت ممتنة:
  • يمكن انت متكونش فاكر.. بس انا لايمكن انسى اللحظة لما…..
    توقفت قليلًا متأثرة بذكرة الماضي ثم اردفت:
  • لما دخل علاء واشتغل ضرب فيك وانت كل اللي على لسانك فاتن شريفة وملمستهاش.. اتحملت الضرب وانت بتدافع عني في اضعف اوقات حياتي من غير ماترد بضربة واحدة على علاء اللي سابك في الأرض سايح في دمك.. وانت برغم كل اللي فيك كنت رافض مني المساعدة او انقذك.. دا انت حتى فضلت تنتظر والدم بينزف من دماغك.. مش راضي تتصل بحد ينجدك غير بعد ماانا امشي عشان ماتضرش بسمعتي.. كان اهم حاجة عندك انى افضل مستورة ومانفضحش .
    ظل ساهمُا بحديثها وهو لا يجد مايرد به عليها وكيف يرد وهذه الحادثة حاضرة في ذهنه كأنها حدثت أمس وجرحهها مازال ينزف بداخله.. صفقت فجر بكفيها لتفيق الاثنان:
  • اصحوا ياجماعة اللي فات راح وعدى خلينا في الحاضر .. وشوفوا اجتماعكم النهاردة على ايه من بالظبط.
    انشق ثغره بابتسامة مضطربة وهو ينظر نحو الطفل الصغير ليغير دفة حديثهم:
  • بسم الله ماشاء صحيح.. ابنك جامع في الصفات اللي هاتخلي البنات تجري وراه لما يكبر.
    ابتسمت بإشراق قائلة وهي تنظر نحو الطفل:
  • دي حبيبي دا ابن عمري .. عبد الرحمن هدية والده ليا قبل ما يتوفاه ربنا.
  • ربنا يخليهولك يارب ويرحم الدكتور منذر.. دا كان من احسن الناس خلقًا والله حتى في شراكته معانا كان في منتهى الإخلاص والتفاني .
    تبسمت ترد على كلماته :
  • اه شركته ليكم.. جينا بقى للمهم.. عشان انا كنت عايزة اتكلم معاك في الموضوع ده.
    اومأ برأسه:
  • حقك طبعًا.. انا جايب معايا النهاردة كل حسابات الشهور الي فاتت.. دا غير طبعًا اني عايزك تطلعي على كل التطورات اللي حصلت في الفترة دي وخصوصًا قسم الدكتور منذر…
    قاطعته فجر.
  • بس بس ياعم انا معنديش دماغ للتفاصيل بتاعتكم دي.. ايه رأيكم اخد عبد الرحمن ونروح نلعب مع الأمورة نانيس بنتك.؟
    نهضت من جوارهم لتعلب مع الطفلان بحرية وسعادة متناسية الزمان والمكان حتى اتاها اتصاله فردت ضاحكة:
  • الوو ياحبيبي عامل ايه؟
    اتاها صوته الغاضب :
  • انتي فين يافجر؟
    ردت مرتبكة :
  • يعني هاكون فين يعني رحلت مثلًا ؟ هو انت بتسأل عليا ليه؟
    وصلها صوت زفره طويلة وحادة قبل ان يهتف بغضب:
  • عشان انا روحتلك مدرستك وسألت عليكي قالولي خرجت من يجي ساعتين وفي البيت مش موجودة وعند حسين وشروق في المستشفى برضوا مش موجودة.. قاعدة فين يافجر دلوقتي ؟ جاوبيني حالًا .

…… يتبع
ايه رأيكم في الحلقة من غير الناس الوحشين والاشرار
تابعوا اللي جاي احلى كمان .

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل الثامن والثلاثون
ارتبكت من حدته المفرطة في الحديث اليها حتى كادت ان تقول الحقيقة وتذكر اسم فاتن وعصام.. ولكنها تداركت نفسها فخرج صوتها بتلعثم :

  • انااا عند واحدة صاحبتي تانية غير سحر.. بزورها في بيتها عشان عيانة.
    وصلها صمته قليلًا قبل ان يسألها بريبة :
  • صاحبتك دي اسمها ايه يافجر؟
    ردت كاذبة بأسم واحدة أتى على رأسها فجأة:
  • مدام نور…ااا هي مش أستاذة خالص على فكرة معانا في المدرسة.. عشان تعرف يعني .
  • امممم.
    تابع بنبرة هادئة بشكل عجيب:
  • طب خلصي مشوارك يافجر وياريت متتأخريش .
    اومأت بلهفة :
  • طبعًا طبعًا.. ححاول متأخرش ياحبييي .
    قال منهيًا المكاملة:.
  • تمام يافجر وانا منتظرك عشان تحكيلي.. سلام بقى.
    بعد ان انهاء المكالمة تنفست الصعداء وهي تشعر اخيرًا بدخول الهواء الى صدرها.. فقد وترتها مكالمة علاء الغريبة بشكل مخيف.. وانتابها شعور القلق بشدة فهي لم تعهد هذه الحدة قبل ذلك من علاء خطيبها الحنون على الإطلاق.
    التفت لتعود للأطفال بعد ان انشغلت عنهم بمكالمتها مع علاء.. ولكنها لم تجدهم.. جالت بعيناها تبحث عنهم في جميع الأنحاء وهي تُنادي بأسماءهم:
  • نانيس.. عبد الرحمن.. نانيس .. بيدوا ..ياولاد انتوا فين؟
    سقط قلبها عند أقدامها حينما رأت الكرة الصغيرة التي كانت تتلاعب بها معهم بعد ان ابتعدوا عن طاولة فاتن وعصام بمسافة طويلة عنهم.. وبدأت تردد بصوت مرتعش وتبحث عنهم بتشتت :
  • يابيدوا .. ياناني .. يانهار اسود انتوا روحتوا فين وسيبتوني
    …………………………….
    خرجت شروق من الباب الخارجي للمشفى لتستقل احدى سيارات الأجرة للعودة لمنزلهم بعد انهت زيارتها اليومية لحسين والإطمئنان عليه.. ابتسمت بخفة وهي تتذكر مناوشاته لها وهذا الجزء الخفي من الشقاوة لديه.. والذي لم يظهره لسواها ومكره الدائم للأيقاع بها رغم حالته الصحية واصاباته العديدة ولكنه استطاع بدهائه عدة مرات خطف القبلات واللمسات الجريئة منها متعللًا بأنه زوجها حتى لو كان طريح الفراش.. والغريب انها في كل مرة تأخذ حذرها منه ومع ذلك ينجح بألاعيبه معها .
    اعتلت الرصيف القريب من المشفى تشير بيدها لسيارات الأجرة امامها.. ولكن شتت انتابهها هذا الصوت المتكرر والذي تجاهلته عدة مرات حتى التفتت نحو المصدر حينما ازداد علوه.. وجدت امرأة ترتدي عباءة سوداء واقفة بمدخل إحدى الشوراع الضيقة و تغطي على نصف وجهها بطرف حجابها القصير وهي تشير لها بيدها :
  • بس بس تعالي.
    اومأت بسبابتها نحو نفسها ترد:
  • انت بتشاوريلي أنا؟
    أجابت بصوت خفيض:
  • ايوة انتِ ياشروق.. إيه مش واخدة بالك مني؟
  • شروق!
    رددت خلفها وهي تميز بحة الصوت والشبه الذي ليس غريبًا عنها.. تحركت بخطواتها حتى اقتربت منها على مدخل الشارع فسألتها وهي تدقق النظر بها:
  • انتِ نيرمين صح؟
    اومأت برأسها وتكلمت بانكسار :
  • انا عارفة انك مستغرباني دلوقتي.. بس انا خايفة اكشف وشي لايشوفني ادهم ولا علاء ابنه وانا مش ناقصة.
    سألتها بحيرة:
  • مش ناقصة إيه؟ ثم انتِ موقفاني ليه بالظبط وانتِ هربانة من يوم حادثة حسين وماحد عارف مكانك فين؟
    تلجلجت قليلًا ثم قالت بتماسك:
  • ممماهو ماهو انتِ ماتعرفيش ياشروق باللي عمله ادهم معايا عشان اهرب.. دا كان بيشك فيا وفي الاخلاقي من غير سبب لحد اما هجيت طفشانة.. بس انا تعبت وكنت عايزاه يسامحني عشان أرجع.
  • عايزة ترجعيلوا يعني طب وانا مالي؟
    سألتها فحركت الأخرى رأسها يمينًا ويسارًا وخاطبتها:
  • طب بقولك إيه.. ماتيجي معايا نقعد في أي حتة كدة عشان افهمك .
    هزت رأسها رافضة:
  • اسفة معلش انا يدوب اروح
    تحايلت بإصرار:
  • طب حتى ادخلي لجوا الشارع شوية لاحسن حد يوصل فجأة منهم.. دول بس كلمتين عالواقف عايزاكي تبلغيهم لأدهم عشان يرجعني.
    زفرت متأففه وهي تسلتسلم لسحبها لداخل الشارع الضيق وقبل أن تبتعد هتفت برفض:
  • خلاص كفايه هنا قولي بقى واتكلمي اديكي اداريتي شوية عن مبنى المستشفى .
    وقبل أن تتفوه نيرمين بكلمة تفاجأت شروق ييد كبيرة تلتف حولها والأخرى تكمم فاهها بمنديل ابيض ذو رائحة نفاذة حاولت مقاومتها ولكنها لم تستطع الصمود أكثر من دقائق حتى ارتخت أعصابها ولم تعد تشعر بما حولها على الإطلاق.
    ……………………………..

تذرف الدمعات بدون توقف والقلق يأكل قلبها على الطفلان مع شعور بالحرج يكاد ان يفتك بها وهي لاتقوى على النظر بأعين عصام الذي انلطلق مع عمال النادي والموظفين في رحلة البحث عن الطفلين وفاتن قريبًا منها على إحدى المقاعد تبكي وتنوح اختفاء طفلها وبجوارها مجموعة من النساء أعضاء النادي يواسينها بعدة كلمات مطمئنة بقرب العثور على طفلها فلا احد يدخل ولا يخرج من النادي غير معلوم بالإضافة للكاميرات الموضوعة في مدخل النادي وخارجه.

  • اه يابني ياترى انت روحت فين بس؟
    ردت عليها إحدى النساء:
  • يامدام اطمني مدام الكاميرات ماسجلتش خروجهم من البوابة يبقى أكيد هنا في النادي.
    قالت ببكاء:
  • بس انا قلبي هايوقف من الخوف عليه.. خايفة ليكون جراله حاجة هنا كمان جوا النادي دا مساحته كبيرة والأطفال ما بيفرقش معاها اي حاجة عشان تجربها.
    واستها المرأة الأخرى :
  • تفائلي يامدام وخلي إيمانك بربنا كبير.
  • ونعم بالله.. انا بس لو اعرف اختفوا ازاي كدة ؟
    وجهت السؤال نحو فجر التي اشاحت بوجهها عنها بصمت وهي تتمنى الموت على أن يصيب الأطفال السوء.. انتفضت فجأة على صرختها باسم طفلها وهي تنهض من مقعدها مسرعة.. التفت فجر للأمام فوجدت عصام وهو يحمل الطفلان ابنته وعبد الرحمن الذي اختطفته والدتها لتعانقه بلهفة وشوق..
  • انت لقيتهم فين ياعصام؟
    سألته فجر بعد ان استقامت واقفة فأجاب هو بنبرة مرحة :
  • لقيتهم تحت الطرابيزة مستخبين ياستي في نفس المكان اللي كنتي بتعلبي فيه معاهم.. العفريتة بنتي بقى حبت تعمل فيكي المقلب اللتي بتعملوا معايا على طول وجرجرت ابن فاتن معاها ياعيني .
  • يعني كان مقلب من العيال وانا شربتوا!
    قالتها بصدمة لتسقط مغشيًا عليها بعد ذلك
    ……………………….
    بداخل السيارة التي يقودها كانت نيرمين جالسة في المقعد الخلفي مسندة راس شروق الفاقدة للوعي على كتفها بسبب ما تنشقته.
  • طب انا كدة عملت كل اللي قولت عليا.. هاتنفذ وعدك بقى معايا ولا هاتخلى بيا؟
    سألت وكان رده بحماس:
  • اطمني يانيرمين.. هو اَخرهم يوم ولا يومين بالكتير وهاتسافري معايا بلد جديدة انا جهزت كل حاجة.
  • طب دي هاتعمل فيها إيه؟ وليه أصريت على خطفها أصلًا؟ لزمتها إيه معانا؟.
    سألته بالإشارة الى شروق رد هو بابتسامة ذئب وعيناه في المراَة عليها :
  • هاعمل نفس اللي عملته من عشر سنين يانرمين.. وبعدها هي تختار بقى ياتيجي معايا ياتتحمل اللي هايحصل معاها.. وفي الحالتين هابقى انتقمت من حسين سبب كل البلاوي اللي حصلت معايا.. ويبقى يوريني هايرفع راسه ازاي قدامي بعد كدة بعد مااكون علمت عليه.. مش قولتلك مدام خربانة يبقى اَخد حقي صح.
    اومأت برأسها وهي تزدرد ريقها خوفًا منه ومن عقليته السامة.. لقد تجاوز بفعله فكر الشيطان نفسه.
    بعد عدة دقائق سألته وهي تلف رأسها للخلف:
  • على فكرة ياسعد في عربية ماشية ورانا من ساعة ماتحركنا.
  • عربية ايه؟ وماقولتيش ليه من الاول عليها؟
  • التاكسي اللي ورانا على طول دا ياسعد.. انا بس مستغربة انه مافرقناش نهائي.
    دقق النظر في مراَته الخلفية الى ما تشير إليه وهو يبطئ السير فاحتدت عيناه بغضب وهو يزيد من سرعته:
  • دا مش تاكسي عادي يابت الهبلة.. دا الواد مازن ابن صاحب الخبز جارنا راكب فيه.. اكيد شافنا ابن الوارمة وفهم.
    شهقت عاليًا مخضوضًا :
  • يعني احنا كدة متراقبين؟
    انت بتقولي فيها؟ الله يخرب بيتك وبيت سنينك ياشيخة دا…… ايه ده؟
    قطع جملته وهو ينظر الى السيارة التي ظهرت أمامه فجأة ليتابع بهلع:
  • ياولاد ال…… دول عاملين عليا كماشة!
    هتفت بجزع هي الأخرى من الخلف:
  • تقصد ايه انا مش فاهمة حاجة؟
  • عربية علاء دي اللي جاية من بعيد علينا.. دا باين الزفت مازن بلغه
    صاح بها وهي خبطت على وجنتيها بكفيها :
  • يانهار اسود.. دا انا كدة روحت في خبر كان.. ادهم مش بعيد يقطع من لحمي نساير لو عرف باللي حصل.. مش كفاية انه عرف بتاريخي معاك.
  • بطلي ندب بقى وسبييني اتصرف انا مش ناقصك.
    قالها من تحت أسنانه وهو يفتعل حركة غير محسوبة بسيارته حينما غير وجه سيرها للجهة العكسية متحديًا قوانين السلامة والمرور كي يفلت من الاثنان..
    مما جعل علاء يزوم عليه بداخل سيارته مطلقًا وابل من الشتائم النابية نحوه.. فزود سرعة السيارة هو الاَخر كي يتمكن من ملاحقته.. مازن والذي توقفت سيارته بوسط الطريق كان يتصل بإدارة المرور.. بناءًا على توجهيات علاء المتابع معه على الهاتف.. مبلغًا عن الخاطفين وأوصافهم مع ارقام اللوحة الخلفية لسيارتهم وشكل المخطوفة.
    ……………….
    فتحت سميرة باب شقتها متأففة من صوت الجرس المستمر بإزعاج وهي تهتف:
  • ماخلاص اديني وصلت عشان افتح ..هو انا كنت واقفة على الباب يعني؟ يانهار اسود البت جرالها إيه؟
    قالت الاَخيرة وهي تضرب على صدرها شاهقة حينما رأت ابنتها وهي مستندة بإعياء على جسد علاء الذي كان محاوطها بذراعه حتى لا تقع ورد على سميرة:
  • مش وقته دلوقتي ياخالتي خليني ادخلها الأول وافهمك اللي حصل.
  • اتفضل يابني البيت بيتك.. هو انت غربب.
    قالتها سميرة وهي تنزاح عن الباب بجسدها ليدلفا لداخل الشقة .. غمغمت تدلف خلفهم:
  • اموت واعرف بس المصايب مش ساييانا ليه؟ هو احنا كنا طلعنا القمر بس ولا إيه ياربي بس.
    قال بحزم:
  • احمدي ربنا ياخالتي دا احنا ربنا نجدنا.
    ردت بريبة على كلماته:
  • الحمد لله يابني بس هو إيه اللي حصل؟
    بعد ساعة كان المنزل صاخب بالأصوات الساخطة والعالية بعد أن قص علاء جميع ماحدث من وقت أن اخبره مازن برؤية شروق ترفع مغيبة عن الواقع لداخل السيارة الغريبة ثم ملاحقته هو لهم وبعض أفراد الشرطة حتى يأس المجرمون فتركوا السيارة ومن بداخلها ليتمكنوا من الهرب.
    صاحت سميرة :
  • منه لله اللي يأذي الولايا.. بس انتي يابنتي ايه اللي يوقفك مع واحدة غريبة ومتلمتمة.. مخك راح فين بس؟
    قبل أن تجيبها شروق وهي متلحفة بغطاءها على الكنبة وسط الصالة داخل أحضان زهيرة القت نظرتها نحو علاء الذي وصاها بعدم ذكر اسماء الخاطفين حرجًا من ابويها لما كان يمثله الإثنان بقربهم منه ومن عائلته فردت بصوت ضعيف:
  • معلش ياماما.. هي كانت غلطة وربنا ستر .
    شددت عليها زهيرة:
  • الف حمد وشكر ليك يارب انه نجاكي..حد عارف ولاد الحرام دول من انه بلد.
    تكلم شاكر بغضب:
  • بس انا مش هاستريح ولا يهدالي بال غير لما يتقبض عليهم ولاد الكل…. دول.. هي سرقة بنات الناس وفي وسط الشارع كدة هينة؟ دول باينهم فجرا ولاد ال……
    ازدرد علاء ريقه الذي جف وانسحبت الدماء من وجهه وهو يومئ برأسه.. وبداخله يتمنى الأرض ان تنشق وتبتلعه ولا أن يعرف شاكر الحقيقة.. أجفل على صوت ابيه الثائر وهو يدلف لداخل المنزل:
  • وشرفي أنا ما هاسكت على اللي حصل ده.. مش مرات ابن الحج ادهم المصري اللي يتعمل معاها كدة.. هي العيال دي خابت ولا إيه؟
    تركه علاء يلقي بكلماته الغاضبة وهو يرمقه بصمت في انتظار انتهاءه من مناقشاته معهم ثم طلب منه الجلوس على انفراد في شقته بعيدًا عن الجميع.
    …………………………….

ياولاد الحرام
قالها ادهم وهو يشتد بجلسته على المقعد وقد ارتسم الذهول مشوبًا بالغضب على وجهه.. فتابع :

  • مااتصلتش بيا ليه وقتها عشان الحقك انا والرجالة ونعرف نجيبهم ولاد الهرمة دول؟ دا انا كنت عاجنتهم عجن.
    رد علاء وهو مستند بوجنته على اطراف اصابعه بسأم:
  • هو دا كل اللي هامك.. انك تمسكهم وتعجنهم! مش هامك منظرنا قدام الناس لما يعرفوا ان الحركة الواطية دي عملها صاحب ابنك ومراتك انت معاه؟
  • يعني هانعمل إيه بس؟ ماهو دا حظنا بقى اننا وقعنا مع ولاد حرام
    قالها ادهم وهو يزفر بتعب وأحباط.. فقال علاء وهو ينظر امامه بشرود:
  • انا كنت في نص هدومي دلوقتي وانا وسط الجماعة وهما بيقرروني لاكون شفت الخاطفين.. حمد لله شروق التزمت بوعدها معايا ومااتكلمتش.. بس القضية شغالة وانا معرفش هقدر اخبي لحد امتى؟
    تفاجأ بكف أبيه وهو يربت على ركبته بدعم يقول:
  • هون على نفسك يابني.. شاكر عاقل وانا متأكد انه لو عرف الحقيقة هايتفهم الوضع وهايقدر.. المهم انت عرفت ازاي في وقتها؟
    تنهد بعمق وهو يرد :
  • لا يلدغ المرء من جحر مرتين.. انا سهيت مرة ولا يمكن أكررها تاني؟ أما اشوف التانية كمان ظروفها إيه؟
    غمغم الاَخيرة بصوت خفيض لايصل الى أبيه.. مع زحمة من الافكار والمخاوف تكاد ان تعصف برأسه.
    ……………………………..

في طريق عودتها الى البيت بعد ان استفاقت جيدًا من مقلب الأطفال أصر عصام على توصيلها بسيارته مع استحالة ان ترافقها فاتن.. كانت جالسة في المقعد الخلفي بجانب الطفلة التي كانت تلهو ببرائة معها وهي غير قادرة على الإندماج.. بسبب انشغالها في موقف علاء الذي تجاهل كل مكالماتها في الساعات الاَخيرة بعد ان اخلفت بوعدها معه وتأخرت في العودة للمنزل.. امسكت بالهاتف مرة أخرى تحاول الاتصال ولكنه كالعادة اغلق الإتصال دون رد.. زفرت بإحباط وتمتمت :

  • استغفر الله العظيم.. أكيد هايعملي فيها موضوع كبير.
  • أنت كنتِ بتكلميني يافجر؟
    سأل عصام مما جعلها تخرج من شرودها وردت بالنفي:
  • لا لا انااا بس افتكرت حاجة كدة وطلع صوتي من غير ماحس.. ماتاخدتش في بالك انت.
    قال ضاحكًا :
  • ليكون افتكرتِ مقلب النهاردة ولا حاجة.. دا احنا شيبنا من الخوف لما اغمى عليكي.. واحنا كنا يدوبك كنا بناخد نفسنا برجوع الولاد.
    تغضنت ملامحها وهي تتذكر فقالت بسأم:
  • والنبي ماتفكرني.. دا انا لسة لحد الاَن مش قادرة اتلم على جسمي من الخضة.. انا في حياتي مااتعرضت لموقف زي ده .
    ضحك من قلبه بصوت عالي وهو يرد :
  • بصراحة انا عاذرك .. هي حاجة صعبة فعلًا .. بس انا اعمل بقى في بنتي؟ أصلها طالعة شقية زي ابوها.. انتي ماشوفتيش هي كانت ماسكة في الواد ازاي؟
    ابتسمت لدعابته وردت:
  • ماهو عبد الرحمن كمان قمور.. عندها حق تعجب بيه.
  • انتِ هاتقوليلي.. ماهو جميل زي والدته دي بقت بطل..
    اااسف يافجر متأخذنيش
    لم تستطع منع ضحكاتها وهي تشيح بوجهها عنه مما جعله يبتسم بحرج من زلة لسانه.
    ………………………………
    حينما عادت اخيرًا لبنايتهم وصعدت الدرج تفاجأت بعلاء وهو يحتل الدرجة الاَخيرة امام شقتهم .. مشبك كفيه وينظر نحوها بتحفز وكأن سبب جلسته الغريبة هذه هو انتظارها.
  • انت قاعد كدة ليه؟ طب والسكان اللي طالعة ونازلة بيعدوا ازاي؟
    سألت باندهاش وكان رده باقتضاب:
  • مستنيكي.
    صعدت الدرجات الباقية نحوه وهي تسأل:
  • طب ماانا كنت بتصل بيك ماردتش عليا ليه؟
    زفر مطولًا قبل ان ينهض مفسحًا لها الطريق وهو يتحرك نحو شقته يقول:
  • تعالي عايزك الاول قبل ماتدخلي بيتكم.
    ردت مزبهلة وهي تراه يفتح بالمفتاح باب شقته:
  • اجي عندك ازاي؟ والظاهر كدة ان خالتي زهيرة مش موجودة في البيت جوا.
    القى نحوها نظرة مخيفة وهو يدفع بيده الباب:
  • وافرضي الشقة مافيهاش حد غيرنا تفتكري اخلاقي تسمحلي انى استغل الوضع حتى لو كنتِ مراتي.
    اطرقت رأسها في الأرض بخزي منه وهو تابع:
  • خالتك زهيرة قاعدة عندكم في الشقة جوا .. والموضوع اللي انا عايزك فيه مايستناش.
    بدون تفكير تحركت لتدلف معه الشقة رغم تخوفها الكبير من هيئته .
    …………………………..
  • بتقول إيه؟
    صرخت بها بأعين جاحظة بهلع لتكمل وهي تهز رأسها بغير تصديق:
  • لا انت اكيد بتهزر صح؟ مش معقول يكون كلامك دا جد؟
    مال برأسه مضيقًا عيناه قائلًا بنبرة متهكمة:
  • يعني هو دا كلام ينفع اهزر فيه؟ بزمتك انتِ تعرفي عني كدة؟
    هتفت باكية:
  • يانهار أسود.. يعني انا أختي اتخطفت صح؟
  • ايوة صح ولولا اني مشغل حد يتابعها ويجيبلي اخبارها مكنتش انا هقدر اوصل في الوقت المناسب عشان انجدها من ايد ولاد الهرمة دول.
  • انتي مخلي ناس تراقب اختي؟
    قالت بعدم تصديق وهو اقترب منها يؤكد :
  • ايوة يافجر .. انا مشغل ناس تراقب شروق من ساعة اللي حصل مع سعد وانا مابقتش ضامن اي حركة غدر ولا خسة منه.. زي ما بالظبط مشغل ناس تراقبك انتِ كمان عشان ماضمنش انه يمكن يأذيني فيكي!
    فغرت فاهاها وهي تستوعب كلماته وقبل أن تنطق ببنت شفاه وجدته يسأل:
  • مين الست اللي دخلتي معاها النادي النهاردة يافجر وقعدتي فيه اليوم بطوله عشان تخرجي بعدها مع عصام يوصلك في عربيته.
    ارتدت للخلف مجفلة وهي تشعر كأن عقلها أصابه الشلل وما عادت قادرة على اختلاق كذبة ترد بها.. فقالت بتعلثم :
  • دي واحدة صاحبتي ااا.. اصرت تاخدني معاها النادي وو عصام اا.. قابلته هناك بالصدفة واصر يوصلني معاه في سكته ..بس كدة .
    اومأ براسه يمط شفتاه:
  • بس كدة!! طب الست دي اسمها إيه؟
    هتفت بدفاعية:
  • وانت مالك انت باسمها؟ ماانا قولتلك انها واحدة صاحبتي ولا هو تحقيق وخلاص.
  • لا مش تحقيق يافجر.. بس انا لما الاقي خطيبتي او مراتي بمعنى اصح بتكدب وتألف قصص وتتأخر بسبب ست بتقابلها في الخفا يبقى انا لازم اعرف الست دي صفتها ايه عندك ؟ ولا انتِ نسيتي لما قولتِ الصبح انك في زيارة لواحدة عيانة اسمها نور وانت بتكلميني من قلب النادي.
    سقطت على المقعد خلفها بانهيار ولسانها انعقد عن الرد وكأنها فقدت النطق .. فتابع هو:
  • براحتك يافجر.. على العموم الست دي انا بقى عندي عنوانها وبكرة هسأل واعرف اسمها .. وان حصلت اروح لها البيت واحذرها من أذيتك هاعملها ومش هايهمني.. يبقى من الأحسن انك تتكلمي انتِ من نفسك.
  • اسمها فاتن.
    صرخت بها بانهيار .. قطب حاجبيه يسالها بتفسير:
  • ايه؟ بتقول ايه؟
    مسحت بيدها دمعة فرت على وجنتها فقالت بقوة:
  • بقولك الست اسمها فاتن.. ولا انت مش فاكر فاتن ؟!!

… يتبع
تفتكروا هايحصل ايه واختياره هايبقى على مين فاتن ولا فجر
حاجة تانية تفتروا نهاية سعد ونيرمين ايه؟
فصل طويل على فكرة لو تلاحظوا 😍

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل التاسع والثلاثون

دلفت لداخل الشقة تجر أقدامها جرًا وقد اهلكها التعب..متجهة على الفور نحو غرفتها..متجاهلة الرد على الفتاة التي فتحت لها وسألتها عن سبب تأخرها في العودة للمنزل.. وهل كان بخطرها التلكأ بالشوارع بعد رحلة طويلة من العدو.. لوحت بكف يدها تلقي التحية على خالتها محاسن الجالسة مع فتياتها بوسط الصالة بملابسهم العارية تومئ براسها دون التفوه بنت شفاة.
من وقت أن غادروا السيارة التي تركوها مضطرين هربًا من مطاردة علاء وبعض سيارات الشرطة.. هي لا تصدق حتى الاَن انها قد تمكنت من النجاة من براثن الشرطة وأدهم، بعد ان اوقعهم علاء في الفخ.. ولكن مهلًا مازال الخطر مستمر مادامت هنا في نفس المدينة معهم..
ارتمت على تختها وخلعت حذائها تدلك قدميها لبعض الوقت حتى تخفف عنهم الألم ثم استلقت وهي تتناول هاتفها تتصل به.. وكان رده سريعًا:

  • ايوة يانيرمين.. انتٍ وصلتي البيت ولا لسة؟
  • ايوة وصلت اخيرًا.. بعد ما اتهلكت من الجري في الشوارع ياسعد.. وانت بقى وصلت ولا لسة؟
  • انا وصلت اؤضتي عالسطح من يجي الساعة كدة.. المهم بقى حد حس ولا سألك انتِ اتاخرتي ليه؟
    ردت بسأم :
  • والنبي ما تجيبلي سيرة حد ولا سبت.. انا فيا اللي مكفيني.. اتصرف بسرعة ياسعد انا عايزة اخرج من البلد دي واروح أي مصيبة بعيد عن هنا.. بعد اللي حصل النهاردة ماينفعش نتأخر اكتر من كدة.
  • خلاص يابت.
    قال بمقاطعة ثم تابع :
  • هما ليلتين بس اكون جهزت ورقي وورقك عشان نسافر ونخلص من الهم دا كله.. المهم بقى البت دي عاملة ايه عندك؟ بتخرج ولا لأ؟
    زفرت متأففة؛
  • ياعم واحنا مالنا بيها بس؟ خلينا في همنا.
    وصلها صوت انفاسه الحادة وهو يتكلم من بين اسنانه:
  • ماهو كله يبقى همنا يازفتة انتي.. ولا نسيتي انها هي السبب في كل اللي حصل لما جرجرتك زي البهيمة على شقتي وخلت حسين يسجلك ويسجلها.. دا انا الدم بيغلي في نفوخي وجسمي كله عشان ماعرفرفتش انتقم من حسين النهاردة.. وهاموت لو مشيت من غير ما افش غليلي في حد منهم.. سبب النصايب دول .
    ………………………….

متكومة على نفسها على سريرها بداخل غرفتها التي أغلقتها عليها من وقت ان عادت لمنزلهم .. رافضة الكلام مع احد وحتى الطعام لم تعد لها شهية فيه.. هي فقط اكتفت بالإطمئنان على شقيقتها وبعد ذلك دلفت الغرفة تكتم احزانها مع نفسها كالعادة.. ولكن هذه المرة كان الألم قويًا يكاد ان يمزق أحشائها.. ألم الفقدان.. تشعر بقرب بفقدانه كلما تذكرت تعابير وجهه المنغلقة وهي تسرد عليه كل ماحدث معها الأيام الماضية بدايةً منذ اللقاء الذي دبرته عمتها مع فاتن.. حتى ماحدث هذا اليوم في النادي ولقاءهم بعصام.
كان يستمع لها وهو واجمًا لا ينطق ببنت شفاه وهي تسرد متعمقة النظر بملامح وجهه تريد ان تستشف ردة فعل واحدة تمكنها من معرفة ما يفكر به.. ولكنه لم يريحها أبدًا.. كما انه لم يثور كما توقعت.. حتى أسئلته كانت هادئة بشكل غريب حتى انهى الجلسة بطلبه اللقاء بها كي يتأكد.
لقد وضحت لها فاتن في العديد من المرات انها تناست عشق المراهقة لما تبعه من ويلات وماَسي عانتها بسببه.. ورحبت بزواجها هي من علاء.. ولكن هو ماذا سوف يكون رد فعله حين يراها؟ ترى سوف يحن ويرق قلبه لقصته القديمة معها؟ وماذا عن عشقه لها هي؟ هل كان سرابًا وسوف يتبخر في الهواء مع ظهور العشق الحقيقي؟
تشعر براسها على وشك الانفجار وهي تدفنها بشكل متكرر في الوسادة.. وتتجاهل الرد حتى على اتصالات سحر العديدة.
فليس لديها قدرة على الأستماع ولا التفوه بالكلمات.. فكيف ترد وعقلها معلق باللقاء المصيري غدًا بينها وببن فاتن وعلاء وعصام!
…………………………..

كانت في سبات نومها العميق حينما شعرت بلمسات بدأت خفيفة على اقدامها كانت تتجاهلها مع ثقل رأسها ثم تطورات لمريبة حينما ارتفعت لباقي جسدها مما جعلها تعتدل بجسدها مفزوعة..فجحظت عيناها وهي ترى هذا الظل الضخم أمامها.. كادت ان تصرخ ولكنها تفاجأت بارتمائه بجوارها على التخت يكمم فمها ببده الغليظة وهو يهمس:

  • اهدي الله يخرب بيتك.. انتِ هاتجرسينا يابت ولا إيه؟
    ذامت من تحت كفه برعب ولكنه اجفلها بإشعال ضوء المصباح المجاور لتختها.. فظهرت ملامح وجهه بالكامل لها.. هدأت حركتها بريبة وقد توسعت عيناها مزبهلة من المفاجأة.. رفع كفه والتمعت أسنانه التي ظهرت من تحت ابتسامة بعرض وجهه:
  • مدام هديتي كدة.. يبقى افتكرتي حبيب قلبك القديم صح!
    قال بغمزة وهي ابتعلت ريقها وعيناها تنتقل منه والى باب الغرفة:
  • اسماعيل! هو انت ايه اللي جابك هنا وفي اؤضتي كمان ؟
    خلع قميصه فجأة واقترب يلف ذراعه عليها ليقربها منه وهو يهمس بإغواء:
  • الاسم طالع من بوقك زي العسل.. وحشتيني يانرمين ووحشتني لياليكي الحلوة يابت .
    انتفضت وهي تحاول لنزع ذراعيه عنها وجسدها يرتجف بأكمله:
  • ابعد ايديك دي عني يااسماعيل.. هو انت ايه اللي جابك هنا الله يخرب بيتك؟
    شدد بذراعيه عليها أكثر وهو يردف بعينين تشتعل بالرغبة :
  • ابعد إيه بس؟ بقولك وحشتني لياليكي.. دا انا مصدقتش نفسي لما عرفت من صحابي انك رجعتي من تاني.. ربنا يخليلنا خالتي محاسن يارب.
    ازداد نفورها منه ومن رائحة التبغ الفائحة من فمه وهو يجول بشفتاه على وجهها وعنقها دون استئذان.. حاولت مجارته كي تكسب بعض الوقت قبل ان تتمكن من الهروب منه.. وقد فهمت مضمون كلماته فلا تستطيع الصراخ او المقاومة مع رجل كانت تعرفه قديمًا وتعرف حجم اجرامه و في بيت كهذا ومع امرأة مثل خالتها قبصت الثمن:
  • طب خليني افوق الأول ولا اقوم اغسل وشي.
  • لا انتي كدة حلوة اوي.
    اردف مابين قبلاته وهي تفكر في حجة اخرى ولكنها انتبهت على صيحات وصرخات تأتي من خارج الغرفة وقبل ان تستوعب تفاجأت باندفاع باب الغرفة بقوة ليدلف امامها لداخل الغرفة رجلين عرفتهم جيدًا من هيئتهم، فلطمت على وجهها تهتف بجزع :
  • يانهار اسود بوليس.
    ………………………….
    في اليوم التالي
    وهي داخل زنزانة النساء كانت تبكي وتنوح بجوار خالتها وبقية الفتيايات والنزيلات ينظرن لها بحنق من صوتها العالي والمزعج في الندب.
  • منك لله ياخالتي منك لله.. ضيعتي مستقبلي ولبستنينى مصيبة وانا اللي طول عمري عايشة ورافعة راسي.. منك لله ياخالتي منك لله .
    مصمصت محاسن تعوج شفتيها باستنكار:
  • ياختي ماتفضيها بقى.. عمالة تدعي عليا من امبارح .. دا اللي يسمعك كدة يقول انك شريفة بحق
    هبت عليها صارخة:
  • ايوة شريفة ياختي.. ولولا عملتك انتِ السودة والداء الزفت اللي فيكي ماكنتش هاتحط في المصيبة دي ولا اقعد القعدة دي جمبكم.
    لوحت بيدها عليهم فتجاهلتها محاسن تشيح بوجهها عنها.. تابعت بصرخة اكبر :
  • بس انا اللي عايزة افهموا منك دلوقتي بالظبط؟ ايه اللي دخل اسماعيل سبرتوا عندي ودخل الرجالة مع النسوان في بقية الأوض وانا منبهة عليكي ان مافيش شغل في البيت؟ ماطمرش فيكي الفلوس اللي بديهالك عشان تنبطي وتسمعي كلامي.. دول هما يومين وكنت هاسيبك.. مكنتيش قادرة تصبري؟
    نفخت محاسن من انفها بعمق ثم ضربت بكفيها وهي ترد بحدة:
  • لا ياختي كنت صابرة وساكتة.. بس اعمل ايه بقى؟ ليلة امبارح لقيت اسماعيل ورجالته دخلوا عليا فجأة وقالي عايز بنات للرجالة وانت كان جايلك مخصوص.. وقبل ما افتح بقي لقيتوا رمى الفلوس في حجري ودخلك .. هاقدر اوقفوا ازاي ده بقى قوليلي؟ وانت عارفاه ولا نسيتي؟
    فغرت فاهها تستوعب فحوى كلماتها ولكنها اجفلت على نداء رجل الأمن بإسمها.. وقبل ان تنهض تذكرت تسأل محاسن وعيناه تجوب جميع النساء حولها:
  • هي البت امينة فين؟ هي مجاتش معانا ولا إيه؟
  • امينة ياختى كانت عند الدكتور امبارح بتفك تجبيرة دراعها.
    …………………………….

دفعها رجل الأمن بخشونة وقوة داخل غرفة الظابظ حتى كادت ان تقع غمغمت حانقة ببعض الكلمات النابية نحوه قبل ان ترفع رأسها للدخل فاصطدمت عيناه بعيناه ذات النظرة الصقيرة.. ارتدت للخلف بخوف لتفاجأ بظابط الامن وهو ينهض مغادرًا:

  • خد وقتك ياحج بس ياريت ماتتاخرش
    اردف الظابط ليخرج على الفور.. تبعته هي بعيناها وكانها تترجاه لعدم الذهاب وتركها معه.. حينما صفق الظابط الباب أجفلها الاَخر بندائه :
  • ايه باعين خالتك؟ مكسوفة ماتبصي في وشي ولا إيه؟
    التفت اليها منتفضة وهي بجوار الباب.. هتف عليها بامر:
  • اتحركي يابت من جمب الباب وتعالي هنا.
    انصاعت مضطرة تتحرك بأقدام مرتعشة حتى وصلت للمكتب أمامه ..وهو يتفحصها مضيقًا عيناه.. انتظرت أمامه للحظات مروا عليها كالدهر.. مطرقة رأسها وهو يتلاعب بسبحته بهدوء مريب.. فتحت فاهاها لتقطع الصمت ولكنها انتفضت مرتدة للخلف حينما وجدته ينهض عن مقعده:
  • والنبي ياادهم أنا ماعملت حاجة والتهمة دي متلفاقالي ظلم .
    اردفت بها وهي تنتفض من الخوف أمامه لتفاجأ به متبسمًا بزواية فمه قائلًا:
  • انه تهمة بالظبط يانرمين؟خطف شروق ولا خيانتك واستغفالك ليا مع سعد ولا تهمة امبارح لما العساكر جرجروكي من حضن حبيبك القديم اسماعيل اسبرتوا
    فغرت فاهاها بصدمة وانفاسها تتلاحق بحدة لا تقوى على الدفاع عن نفسها أمامه والخوف شل تفكيرها.
    امال برأسه نحوها وعيناه تطلق شررًا عليها:
  • مكنتيش متوقعة صح؟
    صمت قليلًا واصبح ينتفس بخشونة من انفه يحارب للسيطرة غضبه :
  • بقى انا.. ادهم المصري اللي يتهزلوا شنبات تيجي واحدة زيك وتعمل معايا كدة؟ تعرفي يابت لولا بس اني عامل حساب سمعة عيالي لكنت دفنتك حية مع الكل…. اللي اسمه سعد.. احمدي ربنا بقى انك هنا اهو تكفري شوية عن ذنوبك.
    هم ليتحرك ولكنه استوقفته تتكلم بتلعثم:
  • هو انت.. عرفت اسماعيل منين؟
    قال بسخرية :
  • تاريخك يامحترمة هو اللي دلني عليه.. و من خلاله عرفت بحكاية خالتك اللي اول مااسماعيل رمى في حجرها الفلوس.. كان هاين عليها هي نفسها تخدمه .
  • بس انا مراتك وسمعتي من سمعتك.
    اردفت بتحدي فحرك رأسه هو بسأم :
  • هو انتِ فاكراني اهبل يابت؟ انتِ مطلقة غيابي من ساعة مامشيتي.. يعني ماتخصنيس بشئ دلوقت من قريب ولا من بعيد.. والمهم بقى قبل ما انسى وامشي.
    على حين غرة تفاجات بصغعة قوية منه على وجنتها كادت ان تسقطها أرضًا لولا أنها تماسكت..
  • دي بقى عشان شروق مرات ابني ستك وتاج راسك.-
    اردف بها قبل ان يخرج ويتركها تشهق باكية الم الخسارة لكل شئ .
    ………… ……………………

في نفس مكان الأمس كان جالسًا عصام حول الطاولة الخشبية ولكن هذه المرة كان بجانبه علاء الذي كان يدخن بشراهة وفي الناحية الأخرى فجر وهي كالتائهة تنظر امامها بشرود في اننظار القادم .
قطع الصمت عصام ؛

  • ايه الحكاية ياجماعة؟ هو انتوا واكلين سد الحنك انهاردة ولا إيه؟
  • في ايه عصام مالك بس؟
    قالها علاء بسأم فرد الاَخر:
  • يابني ماانا عمال ارغي وماحدش معبرني خالص؟ لا انت ولا الست فجر.. اللي كانت بتجري ورا العيال امبارح وكأنها زيهم.
    رمقت علاء بنظرة ذات مغزى قبل ان تجيب ؛
  • معلش ياعصام.. ماهو امبارح كان شئ والنهاردة شئ تاني.. ويعالم بكرة هايبقى آيه؟
    تجاهل علاء نبرتها المتهكمة ورد عصام وكأنه يريد طمأنتها:
  • ان شاء الله خير يافجر.. ربنا ما بيجبش غير الخير.
  • السلام عليكم .
    ارتفعت رؤس الثلاثة فجاة نحوها بعد أن أتت بطفلها كالعادة..
    ردد عصام وفجر التحية اما علاء فتصلب مكانه مسهمًا بها وكأنه لايصدق وقوفها امامه .
  • اتأكدت بقى انها عايشة.
    قالتها فجر بنبرة على وشك البكاء وهي ترى نظراته المركزة عليها .. وتابعت .
  • اقعدي يافاتن هو انتِ هاتفضلي واقفة ولا إيه؟
    خلعت نظارتها فظهر كامل وجهها وهي تجلس امامهم وسألته:
  • عامل ايه ياعلاء؟.
    اومأ برأسهِ نحو الصغير:
  • ماشاء الله.. ابنك ده؟
    تدخل عصام بدعابة:
  • امال يعني هايكون ابن الجيران مثلا؟ في آيه علاء انت مش شايف الشبه ؟
    اومأ بشبه ابتسامة قائلًا:
  • معلش ياعصام ممكن تقوم انت وفجر خمس دقايق بعيد عن هنا.
    تفاجأ الثلاثة بمطلبه وكان الرد سريعًا من فجر التي قامت منتفضة :
  • يالا بينا ياعصام .. خدوا راحتكم
    قالت فلم تنتظر عصام فقد تحركت مسرعة ذاهبة ما أمامهم.. اسرع عصام خلفها :
  • استني يافجر.. هو انتِ مركبة قطر في رجليكي؟
    تتبعتهم فاتن بعيناها ثم اللتفتت اليه سائلة:
  • هو في إيه بالظبط؟ وانت مشيتهم ليه؟
    تجاهل الرد وسألها :
  • انتِ عاملة إيه يافاتن ؟
    …………………………….
    على طاولة أخرى بعيدة عنهم بمسافة كافية جلست مع عصام على مضض بعد أن كانت مصممة على المغادرة من النادي.. تقضم على اطراف اظافرها وتهز بأقدامها تحت الطاولة دون ان تشعر بنفسها:
  • براحة يافجر على نفسك.. هو إيه اللي حصل بس عشان تتعصبي كدة؟
    قال عصام وكان ردها بتشنج:
  • لهوا انت مش واخد بالك ؟ دا قومنا من جمبهم من غير مايراعي شعوري ولا شعورك حتى.. هو احنا عيال صغيرين عشان يقومنا؟ ولا هو ناسي اني مراته؟ ولا يمكن عايز يحل نفسه مني؟
    تمتم عصام باندهاش:
  • يانهار اسود.. ايه كل التحليلات دي يافجر؟ ماحصلش حاجة لسة يابنتي.. ثم ان اللقاء ده كان لازم يتم مهما بعدت المدة او قصرت.
    أشاحت بوجهها حتى كي تخفي هذا الألم عنه
  • عندك حق.. اللقاء كان لازم وضروي يتم وحمد لله اننا لسة في اولها عشان يقرر براحته.
    ضيق عينيه يسألها بحيرة:
  • قصدك إيه مش فاهم ؟
    نهضت فجأة مغادرة:
  • قصدي اني عايزة امشي دلوقتي حالًا.. لو افتكر يسأل عليا بعد مايخلص جلسته معاها .. قولوا روحت وهي متقبلة منك أي قرار .. ماشي
    هم ليوقفها ولكنها لم تعطه فرصة بذهابها السريع.. عاد يجلس مرة أخرى وهو يفكر بفحوى كلماتها بوجوم .
    بعد عدة دقائق أتى اليه علاء:
  • خلصت جلستك مع فاتن ؟
    اوما براسه بابتسامة راضية قبل أن يسأله ؛
  • هي فجر راحت فين؟
    أجابه عصام:
  • فجر بصراحة مشيت ومرديتش تستنى.. وبتقولك خد قرارك براحتك وهي متقبلة منك اي شئ.
  • بقى هي قالتلك كدة؟
    قال باستنكار وهو يهز رأسه بيأس قبل ان يتحرك مغادرًا :
  • انا رايح اشوف المجنونة دي.. وانت بقى خليك مع فاتن معلش .
    ارتسمت راحة على ملامح وجهه حاول اخفاءها وهو يردد:
  • ماشي تمام.. روح انت شوف خطيبتك وانا هاضطر اقعد مع فاتن !
    ……………………….
    على ارض صلبة في مكان يبدوا كمصنع مهجور كانت جالسة في إحدى اركانه.. ضامة ركبتيها الى صدرها تبكي وتنوح حظها السئ الذي لم يفارقها منذ مولدها.. حينما اتت الى الدنيا من أم لم ترغب بها فلا تعير العيب او الحرام او ألأصول ادنى اهتمام..و لطالما قاست هي بسببها في عيشها من أعين الرجال الطامعة بها لمجرد معرفتهم بأن والدتها هي محاسن.. عملت في عدة مهن حتى لايصبح مصيرها مثلها فتمنت من قلبها ان تتزوج من رجل في الحلال فينتشلها من هذه البيئة الموبؤة فتعيش كبقية النساء ولكن حتى هذه كانت غالية عليها.. فكان نصيبها الزواج من رجل مدمن على المخدرات والتي سُجن بسببها.. وعادت هي لوالدتها مرة اخرى .
    رفعت رأسها تكفكف دموعها وتحمد الخالق انه نجاها من القبض عليها امس حينما عادت متأخرة من عيادة الطبيب.. ولكنها عادت للتشرد وهي لا تجد مكان يأويها..
    تنهدت قانطة وهي تنظر للهاتف الذي اوشك شحن بطاريته على النفاذ وهو يصدح باتصاله.. فتحت على المكالمة تجيب بياس:
  • ايوة ياسعد عايز ايه تاني؟ مش ناوي تحل عن دماغي بقى؟
    وصلها صوته:
  • مالك بس ياامينة؟ دي جزاتي يعني اني عايز اطمن عليكي بعد ماعرفت باللي حصل لوالدتك و نيرمين لما كبست عليهم الحكومة لليلة امبارح.
  • لا بصراحة قلبك طيب قوي.. فيكي الخير.
  • الله يسامحك ياامينة.. انا مش هارد عليكي.. بس اسمحيلي اسالك بحكم العشرة.. عاملة آيه؟ وبتباتي فين دلوقتي بعد مااخوات جوزك كمان استولوا على بيتك؟
    رفعت رأسها للسماء قائلة بدموعٍ حارقة :
  • حتى دي عرفتها؟ …
    قطعت الجملة وازداد نشيج بكاءها فاستغلها فرصة ليلقي عليها الكلمات المواسية .
  • خلاص ياامينة.. اهدي يابت الناس.. انت بس لو تقوليلي على مكانك كنت اساعدك .
  • في المصنع القديم.
    انتفض منتبهًا على جملتها:
  • ايه؟ بتقولي فين ياأمينة ؟
    اردفت صارخة :
  • بقولك في المصنع القديم.. اللي في اخر الشارع عندكم.. واللي كنا بنشتغل فيه زمان انا والبنات قبل مايفلس.. شوفت الدنيا بقى؟ اهي لما داقت عليا ملقتش غيره.
  • معلش ياأمينة ماتزعليش .. هادبرلك انا حتة تاني تنامي فيها .
    اغلقت المكالمة وهي تتمنى بداخلها ان يفي بوعده معها.. فقد احتمت هي بجدارن المصنع لمعرفتها الأكيدة من مداخله ومخارجه ولكن البرودة نخرت عظامها ليلة أمس ولا تريد تكرار مأساتها .. ولكن مهلًا .. هذا سعد!
    انسيت هي من هو سعد؟
    انتفضت فجأة تتناول هاتفها بدون تفكير لتضغط على احد ارقامه سريعًا.. فاجابها الطرف الاَخر.
  • الوو… ابوة ياأمينة ازيك.

…. يتبع

  • تفتكروا علاء قال لفاتن ايه؟
    وامينة هاتتصل بمين؟ وابه اللي هابحصل في الحلقة الجاية؟

امل_نصر

بنت_الجنوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top