رواية قطرات الغيث بقلم فاطمة الألفي الفصل 7

“الفصل السابع “

اشرقت شمس الصباح التي تسلط اشعتها الذهبيه لتدفئ الكون .
كعادتها كل صباح ارتدت جلبابها السوداء ووضعت حجابها تخفي خصلاتها البنيه ثم حملت الجره الفخار وغادرت منزلها متوجها الي ترعه قريتها لتملئ الماء .
عندما اقتربت من الترعه تفاجئت به يجلس تحت الشجره بالقرب من الترعه يستظل تحتها ويحمل المزمار الخاص به بين يديه ويضعه بفمه لتخرج الحانه العذبه ، عندما وقعت عيناه علي قدوم خطواتها ترك المزمار ودندن بصوته قائلا :

  • يا حلوه يا شايله البلاص من فضلك دلي اسچيني

ده چلبي يحبك باخلاص ، زي ما حبك حبيني
زي ماودك وديني
لمي الملاس لمي ، يا حلوه يا زينه
عچلي شرد مني من چمالك يا حلوه يا زينه
يلي چمالك عچب ، يا محلي خلخالك
چمال وعچل وأدب ومشرفه خالك
علي الدلال يا ابو كحل سبا سايب علي الدلال
ميل واسچيني يا واد عمي ، ميل واسچيني انا مش عشطانه ياواد عمي حُبك يرويني
يا واد يا واد يا ولا من صغر سني وانا في الهوي ، انا العليل وانت الدوا

اكملت طريقها علي استحياء وعندما همت ومالت بجذعها ناحيه المياه ، التقط منها علي البلاص قائلا بود : عنك يا ست البنات
وقفت مكانها وقربت وشاحها لتخفي نصف وجهها بخجل ، املى “علي ” البلاص الفخار واعطاه اياها وهو يهمس بصوت حاني : كيفك دلوك ، ان شالله تكوني بخير
هزت راسها بالايجاب ثم سحبته من بين يديه وهي تقول : تسلم
هتف قائلا عندما وجدها تبتعد بخطواتها الهادئه : استني يا روح ، اوصلك دارك
خبطت صدرها وشهقت بصدمه : وها يا سي “علي ” عاوز خي المره دي چتلني

  • سلامة چلبك يا روح ، بعد الشر عنيكي ، ده انا بروحي افديكي
    ابتسمت برقه وهمت في خطواتها مبتعده ، تخشي ان يراها احد ويخبر شقيقها وتلك المره لن يرحمها .
    اما عن علي ظل يتتبع خطواتها الي ان اختفت من امامه تنهد بعمق ثم دس المزمار داخل سترت الجلباب الصعيدي الذي يرتديه ثم قال بتنهيده :
    ميته يچمعنا دار واحده يا روح الچلب
    وجد يد ترتب علي كتفه من الخلف ، انتفض وتطلع خلفه بقلق ليجد شقيقه ناصر قائلا بحده :
  • وبعدين وياك يا ابو ربابه ، مش كفياك اللي حوصل من شاهين المره اللي فاتت ، انت عاوز ياخد خبر انك بتوچف خيته وتحكي معاها ويطير رچبتك
  • وها يا خوي هو حد شافنا ، وبعدين انا رايد الحلال
    ربت علي كتفه قائلا بحنان : وتفتكر شاهين هيوافچ يچوزك خيته
    هتف بحزن : وأني ايه يعيبني يا خوي
    قال بحب : انت زين الشباب يا خوي ، بس شاهين كلب فلوس ويبيع خيته للي معاه واحنا علي چد حالنا
    ثم اردف قائلا بصوت خافت : سمعت من رچاله علي الچهوة ان شاهين ملموم علي واد ” العناني” وانت خابر واد العناني زين
    ضيق ما بين حاجبيه وانتابه القلق وظل صامتا ، شاردا يفكر بامر ما …

عندما استيقظ غيث ، نظر لزوجته بحنو ثم مال علي وجنتها طبع قبله رقيقه ونهض من جانبها وتركها تغط بنوم هادئ ..
ابدل ثيابه ثم غادر شقته وهبط الدرج ثم دلف لطابق الاول واقترب من والدته عندما وجدها تضع الطعام اعلي المائده ، مال علي كفها يقبلها ثم هتف قائلا : اصباح الخير يا اماي
نظرت له زاهيه بابتسامه صافيه : اصباح الخير يا ولدي ، ثم طلعت خلفه وصاحت بضيق : وينها مرتك ، لساتها نايمه اياك
جلس حول المائده وهم بقضم قطعه من الفطير وغرسها بالعسل وتناولها ثم نظر لوالدته وقال بهدوء : ايوه يا اماي نايمه ، وبوراحه عليها البت لساتها ازغيره
رفعت حاجبيها بدهشه ثم قالت وهي تضغط علي انيابها تداري غيظها : وماله يا ولدي ، نصتبر عليها لاجل عيونك يا ضناي
هتف بتسأل : وينه ابوي وحمزه

  • حمزه من النچمه يا دوبك كل لچمه وراح لشغله ربنا يعينه ويچويه ، وبوك چال ان زهچان وهيمشي رچليه ويروح يشچ علي الارض
    ابتسم لها ثم نهض من مكانه قائلا : الحمد لله ، تسلم يدك يا ست الكل ، هروح اشوف مصالحي انا بچا واطمن ابوي ان كل حاچه ماشيه زين
  • مع السلامه يا ولدي
    بعدما تاكدت من مغادرته السريا باكملها ، سارت بخطوات واسعه تصعد الدرج ثم وقفت امام باب الشقه تطرقها بقوه وهي تهتف بضجر :
  • وگمان المفتاح مش في الباب والله عال ، اصحي يا مجصوفه الرچبه .
    في ذلك الوقت نهضت شچن بفزع من نومها عندما استمعت لصوت طرقات اعلي باب الشقه ، نهض مسرعه من فراشها وهي مازالت مرتديه غلالتها الحرير وقفت خلف الباب قائله : مين بيخبط
    ضغطت زاهيه علي اسنانها بغيظ وقالت : أني يا سنيوره
    فتح الباب وهي تقول : خشي يا اماي
    تطلعت اليها من قدميها الي راسها قائله بسخريه : مش كفياكي نوم عاد وتنزلي تشوفي ورانا ايه نعملوه
    هزت رلسها بالايجاب وهمست بصوتها الهادئ : حاضر
    لوت ثغرها قائله : خشي اتسبحي وغيري خلچاتك وتلبسي هدمه چديمه عشان السرايا تضرب تچلب وام السعد مش چايه اليوم ، يلا شهلي
    ثم عادت تهبط الدرج وهي تحدث نفسها : وانتي كمان يا بت منصور هتشوفي نفسك علي لا ده انا هكسر رچبتك من دلوك ، اني اللي اختارتك ودخلتك السرايا ويا يويلك لو اتعوچتي علي ..
    اما عن شچن دلفت داخل شقتها واغلقت الباب ، ثم توجهت الي المرحاض تنعش جسده بالماء وتبدل ثيابها لتذهب الي حماتها قبل ان تغضب عليها ، فلديها شعور بان تلك السيده تبغضها منذ ان اتت لخطبتها ولذلك لا تريد اغضابها ، اسرعت في خطواتها مغادره شقتها ثم هبطت الدرج ركضا لتتعثر قدميها باحدي دراجاته ولكن لم تكترث اكملت في طريقها لداخل الطابق الارضي .
    وجدت زاهيه في انتظارها ومدت يدها بثوب قديم ثم قالت : اچلعي العبايه الحلوه دي اللي چبهالك ولدي والبسي الخلعه دي عشان التنضيف
    انضاغت لاوامرها والتقطت منها الثوب القديم وعندما همت بالسير تريد ان تبدله داخل احدي الغرف ، استوقفتها بصوتها الحاد قائلا : اهنيه رايحه فين ، اچلعيه اهنيه
    نفذت ما امرتها به ثم نظرت لها تنتظر اوامرها الاخري ، اشارت اليها بالصعود الطابق الثالث : هتبدئي بشجه حضره الظابط حمزه ولدي وتروچيها زين مش عاوزه الچي فيها غباره ولم تخلصيها تچي اهنيه تچلبيلي السرايا كلهاتها مسح وكنس وتغير تشيلي الكراسي دي وتحطيها اهنيه ، اطلعي فوچ الاول
    أومت براسها وثم صعدت الي حيث الطابق الثالث وجدت المفتاح موضوع بالباب فدلفت بهدوء لداخل ثم بدأت في التنضيف ، بعد مرور ساعتين انتهت من ترتيب الشقه ، ثم دلفت لغرفه نومه وعندما همت بترتيبها تفاجئت بالبوم صور موضوع اعلي الكومود ، التقطته بابتسامه لترا ما به عندما وجدت به صور خاصه بزوجها الحبيب ، قلبت صفحاته لتجحظ عيناها بصدمه عندما وقعت علي صورته وبجانبه فتاه جميله تقف جانبه وهو محتضن خصرها ويقبل وجنتها ، انسابت دموعها وهي تدقق النظر في تلك الفتاه التي علمت بانها زوجته السابقه ولكن تسالت داخلها لماذا طلقها وهي شديده الجمال ويبدو بانه يُحبها ، نظرات عيناه تفضح عشقه لها ، اغلقت الالبوم ووضعته كما كان ، ثم كفكفت دموعها وغادر الشقه لتتوجه الي حماتها لتفعل ما تأمره بها
    وقفت امام حماتها تتصبب العرق وتمسح جبينها بظهر كفها ، رمقتها زاهيه بنظرات غاضبه ثم هتفت بضجر : اياكي فاكره انك هتاخدي ولدي مني ، لاع ولدي مهما كبر هيفضل تحت طوعي واني اللي جوزتك ليه ، يعني تبطلي چلع وتشتري رضاي احسن چلبتي مره چوي ومش هتتحمليها يا بت منصور ، خابره بچول ايه تحطي الحديت ديوت حلچه في دانك ، غوري من وشي نضفي السريا وشهلي عشان تعملي الوكل مش تفضلي واچفالي اكيده
    همت بالسير ولكن استوقفتها ثانيا وهي تقول : تسع شهور يعدو واشيل خلفت ولدي والإ هتحصلي اللي چبليكي
    انسابت دموعها بصمت ، واكملت ما بدائته من حمله التنضيف التي ارهقت جسدها الضئيل ، فهي لم تقدر علي كل هذا وحدها ، ولكن لم تستطيع ان تتفوه ببث كلمه ، ظلت صامته طوال اليوم الي ان انتهت من اعداد كل شيء .
    غربت الشمس وحل ظلام الليل ، هتفت زاهيه قائله : اطلعي اتسبحي وغيري خلجاتك زمان راچلك معواد
    أومت براسها بالايجاب ولكن وقفت زاهيه وجذبتها من ذراعها بقوه : لم اكلمك تچفي وتكلميني سمعيني حسك ، انتي مش خرسه عشان تهزي دماغك
    همست بصوت متعب منكسر : حاضر
    ركضت مسرعه من امامها ، تصعد الدرج متوجه الي حيث الطابق الخاص بها ، لمحها غيث اثناء دلوفه وهو يمسك بذراع والده الذي يتكئ عليه ، دلفو سويا .
    هتف غيث قائلا : سلامو عليكم ياست الكل
    استقبلتهم زاهيه بوجه بشوش : وعليكم السلام ، حمدلله علي سلامتكم
    ثم نظرت لزوجها قائله : عوچت كيده ليه يا حچ
    تنهد عبدالرحمن وهو يجلس اعلي الاريكه ثم قال : الارض كانت واحشاني چوي يا حچه ، بس البركه في غيث ربنا يحميه ويباركلي فيه مش مخلي حاچه ناقچه
  • تعيش يا بوي ثم نظر لوالدته بتسأل : وينها شچن
    هتفت بكذب : ماشوفتهاش يا ولدي ، واني لسه مخلصه شغل الدار من تنضيف لوكل ، هي لساتها عروسه ومن حچها تتچلع علينا ، ربنا يسعدكن يا ولدي واشوف عوضك يارب
    أوما راسه بخفه وشرد ثواني بحديث والدته ، لماذا تخفي عنه بانها لم تراها وهو راءها تصعد الدرج ، تنحنح بهدوء ثم قال :
  • هطلع اغير خلچاتي واتسبح
    هتف زاهيه بغيظ : والوكل ، اچعد كول لچمه الاول وانا هحط الوكل
  • مش متعود اكل بخلچات الشغل ، كلها عفره وغبار لازمن اتسبح الاول
    سار بخطوات واسعه ثم صعد الدرج الي حيث شقته ، اخرج المفتاح خاصته وفتح الباب ودلف بهدوء يبحث عن زوجته .
    جالت عيناه الشقه فلم يجدها ، دلف لغرفتهم وجدها فارغه ولكن استمع لصوت خرير المياه ياتي من المرحاض ، نزع عمامه راسه ووضعها اعلي المقعد الخشبي الوثير وعندما هم بنزع العباه وجد اسفل قدميه ثياب متسخه ، انحني بجذعه والتقط الثوب وجده متهرتل ، اشتم رائحه شچن به ولكن تسأل داخله لماذا ترتدي ذلك الثوب القديم .
    استمع لصوت شهقاتها اقترب من باب المرحاض وقرب اذنه من الباب يسترق السمع ، فازدادت شهقاتها ، شعر بالقلق من اجلها ، يخشي ان تكون اصيبه بالنزيف مره اخري ، فتح الباب بلهفه ، لينتقض جسدها وهي تتطلع لانفتاح الباب ، انكمش علي نفسها ، اقترب منها بقلق قائلا بصوت حاني : فيكي شيئ ليه بتبكي ؟
    ازدادت ارتجافتها ، اقترب منها يضمها بين ذراعه ، ثم حاوطها بالمنشفه وسحبها لخارج المرحاض ، اجلسها علي الفراش وظل يتطلع لها بقلق وعاود يتسأل : بتبكي ليه يا شچن ؟ في حاچه بتوچعك؟
    هزت راسها بالنفي وانسابت دموعها
  • في حاچه حوصلت طيب ؟
    عادت تهز راسها بالنفي مره اخرى
    جلس بجانبها يتنهد بضيق ثم نظر لها بحده قائلا : اومال ليه بتبكي عاد ، من غير سبب اكيده
    شهقت بخضه وارتجفت اوصالها بسبب صوته الحاد ، استرد انفاسه الغاضبه ثم حاوطها بكتفه وقربها اليه ، طبع قبله حانيه اعلي خصلاتها المبتل قائلا : ماتخغيش مني ، حچك علي مش چصدي تتخلعي اكيده
    ثم رفع ذقنها وتطلع لعيناها يبحث بهم عن ضالته ، وجد نفسه يقترب منها وطبع علي عينيها قبله رقيقه ابتلع دموعها بين شفتيه
    همست بصوت متحشرج : كُنت بتحبها ليه طلچتها ؟
    ابتعد عنها وكانه لدغته عقربه ثم نهض واقفا ، عبث وجهه بضيق وقال بصوت حاد : هدخل اسبح وهعتبر نفسي ماسمعتش حاچه ، زي ماانتي ما چولتيش حاچه
    دلف لداخل المرحاض واغلق الباب خلفه بقوه ، اشعلت النيران داخل صدره بسبب تلك الكلمات التي اوقدت نيران عشقه الذي يجاهد في اخمادها واطفاءها ولكن هيهات فهي نفسها تحاول فتح جراح الماضي الذي مازل يترك اثره بقلبه ..

👇

الفصل الثامن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top