” الفصل الحادي عشر “
اثناء غروب الشمس كان قد أنهي عمله ، امتطي جواده وركض الي منزله ، ووصل في غضون دقائق معدوده ، ترجل من اعلي جواده وسحب اللجام وسار به الي حيث الاسطبل ، وضعه به ثم التقط العشب اطعمه بيده ومسد علي ظهره بحنان وقال : اتوحشتك يا أصيل ، بس ماتچلچش هم يومين مش هتاخر عليك ، سلام يا صاحبي
صهل الاصيل وكانه يودعه ابتسم له غيث بحب ثم ترك الاسطبل بخطوات واسعه ، دلف السرايا ، وجد والدته جالسه ببهو المنزل وعندما وجدها بتلك الحاله ، هرول اليها بقلق : مالك يا أماي ؟ في حاچه حوصلت ، ابوي بخير ؟
لطمت صدرها قائله : بوك بخير بس أني اللي مش بخير
وضع يديه علي كتفها يحاول ان ينهضها معه : فيكي ايه ؟ ابعت اجيب الحكيمه
صرخت بوجهه : بعد عني ، هي فيره وجت فيكم
- حوصل ايه يا اماي ، ريحي چلبي اموال
- فيره وجتلك الاول وخدت خيك گمان امعاك
هتف بقلق : مالو حمزه حوصله ايه ؟ - عاوز يتچوز من البندر كيف ماعملت انت ، واكيد هيهملنا وهتاخده بت البندر منينا ، وأني بعد ما ربيت وكبرت رچاله تيچي بت مانعرفش اصلها ولا فصلها تاخدكم مني ، وتهملوني وتنسوني
هو دي اخرت تعبي وشچاي عليكم يا ولاد بطني ، أه يا حرچت چلبي أه
ات عبدالرحمن وربت علي ظهر غيث قائلا : هملها لحالها دلوك يا ولدي ، انت وراك سفر ، روح شوف مصالحك ، امك هتچي زينه
هتفت بعويل : أطلع انت التاني لمرتك ، خليك چنب السنيوره اللي زوچتهالك ، دلوك بتچف چصادي وبتحامي ليها ورايد تريحها اصل أمك وليه شرانيه ومابتريحهاش مش اكيده
دنا منها وقبل راسها بحنان : مين يستچرا يچول اكيده ، أنتي مافيش زيك ولا في چلبك ولا حنيتك يا ست الناس كلهاتها - أضحك عليا بكلمتين ، عيله ازغيره أياك وهتضحك علي ، هملنا وروح لمرتك
تبادل النظرات بينه هو ووالده ، أوم له والده بالايجاب ، نهض غيث من جانب والدته وسار بخطوات مبتعده ولكن عيناه مازالت معلقه بوالدته ، ثم صعد الدرج وهو يزفر انفاسه بضيق وحدث نفسه قائلا : يبچ حمزه خبرها أنو رايد يتچوز الدكتوره ، ربنا يستر من الچاي ..
دلف من باب الشقه ثم اوصد الباب خلفه ودلف بخطوات بطيئه وعيناه تجوب بالشقه تبحث عنها ، انتابه القلق عندما لم يجدها في استقباله وتنتظر عودته ، سار بخطوات واسعه الي غرفتهم وفتح الباب برفق ، لتجحظ عيناه باتساع عندما وقعت علي الفراش وهي مازالت تغط بنوم هادئ ، ابتسم بخفه ثم أقترب منها وجلس علي حافه الفراش ، وازاح الغطاء عن جسدها ، ثم دنا بوجهه يلفح بشرتها بانفاسه الدافئه وهمس بالقرب من شفتيها قائلا بلطف : شچن ، لساتك نايمه من وچت ماهملتك معچول اموال
لم تفتح عيناها ولم تشعر بوجوده من الاساس ، طبع قبله رقيقه اعلي شفتيها ثم ابتعد ليراها تتململ بضيق وتمد يدها تجلب الغطاء لتتواري خلفه .
ضحك باعلي طبقات صوته من فعلتها هذا ، اما عنها فعندما استمعت لصوت ضحكته ، فتحت عيناها بنعاس ، وازاحت الغطاء وطلت بعيناها البنيه من اسفله
عاد يكمل ضحكته الرنانه ، ثم جذب منها الغطاء وقال : اكفايكي نوم عاد وصحصحي اكيده ، رايد أچولك علي خبر زين ، لاع خبرين
نظرت له باهتمام
هتف بصوته الرخيم قائلا : الاول هنروح نزور أهلك
جحظت عيناها بعدم تصديق وهتفت بفرحه : صوح
أومئ براسه ثم قال : صوح ولسه لم تسمعي التاني گمان ، بعد لم نزور أهلك هنطلعو علي القاهره ، نتفسحو وأعمل كام موصلحه اكيده
علي حين غفلة وجدها ترمي بنفسها داخل احضانه كالقطه الصغيره ، احاطها بذراعيه ثم قبل خصلاتها وقال بحنان : أهم حاچه عندي فرحتك دي ، وماتكنيش لسه واخده علي خاطرك مني
هزت راسها نافيه ثم ابتعدت عنه وعيناها تلمع من شده سعادتها ثم قالت : الزعل علي چد المحبه ، بس خلاص دلوك مش زعلانه ولا أچدر ازعل منيك يا سيد الناس
ردد قائلا بدهشه : سيد الناس مره واحده
اردفت قائله : وسيدي وتاچ راسي گمان
تطلع اليها بحب ، كيف لتلك الصغيره ان تروض قلبه الذي كان يظن انه مازل ينبض لتلك الاخرى التي قلبت حياته ، استشعر مشاعر صادقه معها والان حقا يخبره قلبه بأنها أستحوذت علي لُبه رغم صغر سنها نجحت في الايام البسيطه أن تمحي الاخرى وتبدل عشقه لكره وبغضاء ، فهو الان يكرهها بقدر ما أحبها ، والان عليه ان يعيش السعاده مع هذه الجنيه الصغيره التي أنارت عكمه قلبه ، أنارت العشق بداخله ، لا يريد الا سواها وسوف يفعل كل ما يرضي صغيرته ..
جلس حمزه داخل مكتبه بحزن ، داخله اعصارا من الغضب ، شارد الذهن يفكر بمصيره القادم ، صدح رنين هاتفه أتنشله من شروده ولكن خيم الحزن وجهه ثانيا عندما وجدها محبوبته هي التي تهاتفه ، ماذا يجيبها وعن أي امر سيتحدث بعد ثوره والدته الغاضبه واصرارها علي انهاء تلك الزيجه قبل أن تبدء فقد وضعت النهايه وتريد ارغامه علي الموافقه علي نهايته وليس نهايه حبه الذي ينبت داخله ، عاد الرنين مرارا وتكرارا الي ان أنتهي تماما .
زفر انفاسه بضيق ثم همس داخله : هرد عليكي وأقول أيه ، أهلي معارضين الجوازه وخصوصا انك مش من أهل البلد ،هتعمل ايه يا حمزه وكده هتخذل وجدان وماتردش عليها ،يمكن محتجالي دلوقتي ، لا انا هتصل عليها وبلاش تعرف اللي حصل ولسه هحاول مع أمي ومدام أبوي في صفي يبق تمام ..
حاول هو الاتصال بها وبعد لحظات اتاه صوتها الهامس وهي تخبره بانها في طريقها الي القاهره وسوف تحدث والديها عنه وتخبرهم عن حقيقه المشاعر التي جمعت بينهم منذ ان خطت بقدمها داخل البلده ، ثم اغلقت الهاتف بسبب انعدام الشبكه .
اغلق حمزه الهاتف وهو لا يشعر بأي شي ، لا يعلم ماذا يفعل ، يفرح بهذا الخبر ام يحزن ، تبلدت مشاعره وزفر انفاسه بضيق .
استمع لطرقات اعلي باب مكتبه ، اذن للطارق بالدخول
ليجد العسكري فضل امامه وهو يؤدي التحيه : تمام يا أفندم ، أني چاي دلوك لسعاتك عشان أچولك أخبار المراچبه اللي علي جاسم العناني
همس بضيق : وصلتو لحاجه
وضع العسكري امامه ورقه مدون بها بعض التحريات التي أجراءها
دقق حمزه النظر بتلك الورقه التي امامه وقراء محتواها بصوته الرخيم
( جاسم ناجي العناني 33 عام متزوج من عنود الشنداوي منذ خمسه أشهر ، يتردد علي البلده باستمرار بعد منتصف الليل ، والده عضو مجلس الشعب عن مركز المنيا ، يبتاع عدة منازل متهالكه بمبالغ طائله وهذه يدعي للشكوك ، ومن المراقبه المشدده علمنا بآنه يتودد الي المدعو شاهين النجعاوي ويريد شراء منزله القديم ووهمه بوجود اثار مدفونه اسفله وسوف يشاركه ذلك الكنز )
عاد حمزه يقراها بصمت تلك المره ولكن وقفت عيناه عن تلك صاحبه الاسم ، زوجته التي كانت قبل سابق زوجه شقيقه .
هز راسه للعسكري ثم قال : تمام يا فضل ، سبلي الورقه وروح انت كمل المطلوب منك ، المراقبه ماتغفلش عنه
- أمر جنابك
بعدما غادر العسكري مكتبه ، عاد بظهره للخلف وهو يزفر انفاسه بضيق ثم هتف قائله : ايه حكاية جوازه من عنود دي كمان ، وياتري غيث وصله الخبر ده ولا ما يعرفش ؟
ارتدت الثوب الاسود ووضعت الوشاح واستعدت للخروج مع زوجها ، ولكن استوقفها غيث بتسأل : انتي اكيده لبستي
نظرت لثوبها ثم عادت تنظر له قائله : ايوه لبست التوب الاسود
لاحت شبه ابتسامه وهو يهتف : أسود يا حبيبتي ، وانتي أول مره تطلعي امعاي وگمان لساتك عروسه ، عشان خاطري بدلي الاسود
- التوب الاسود حشمه ووچار
اقترب منها ثم وضع ذراعه يحاوط كتفها وقال بصوت دافئ : لساتك ازغيره علي الوچار دي ، الوچار للناس الكباره كيف أماي واماكي ، چوام بدلي التوب ده والبسي حاچه تليچ بسنك يا عروسه
فتح هو دولابها ونظر لثيابها المرتصه امامه ثم جلب دريس بلون السماء واخرج وشاح أبيض واعطاه اياها قائلا : - حلو دي البسيه
التقطه منه وهي تؤمي بالايجاب : حاضر
ترك الغرفه لحظات الي ان تبدل ثيابها وبعد مرور عده دقائق كانت تهم بمغادره السرايا وهو يحاوطها بذراعيه وكانها عصفوره يظلل عليها بجناحه .
استقل سيارته وجلست هي جواره لينطلق في طريقه الي حيث منزل والدها ، واثناء مروره بالطريق توجه الي مزرعه الفواكهه خاصته ، جلب بعض صناديق من ثمار الفاكهه الطازجه ووضعها خلف السياره ثم استقل بمقعده ثانيا خلف المقود ليكمل طريقه ..
صفا السياره امام منزل منصور الهلالي وترجلا من السياره اولا ثم دار الي حيث الباب الاخر ليفتحه لكي تترجل زوجته اما هو عاد يحمل صناديق الفاكهه ووضعها امام الباب وطرقه عده طرقات متتاليه .
فتح منصور باساريره المتهلله شوقا لرؤيه أبنته ، قطعه من قلبه ، احتضنها بعاطفه قويه وربت علي ظهرها بحنو وهو يقول : أتوحشتك يا ضي عين أبوكي
هتفت بفرحه وهي تشدد في عناقه : اتوحشتك چوي چوي يا چلب بتك
ابتسم غيث لشعوره بالعلاقه القويه التي تجمع بينها وبين والدها ، مشاعر حانيه ليس كأب وابنته انما علاقه آقوي من ذلك كأنهم توام متلاصق وعندما تفرقا يشتاق كل منهما للاخر ولا يطيق العيش دون نصفه الاخر .
علاقه قويه مترابطه ومتلاحمه .
ركضو شقيقتيها الصغيرتين يتشبثو باقدامها ،تركت أحضان والدها لتلتقط احضانها فراشتيها الجميلتين وكأنها والدتهم العائده بعد سفر طويل .
ربت منصور علي كتفه مرحبا به : يا مورحب يا ولدي ، الدار نورت بوجودكم والله الفرحه مش سيعاني ، كأنك رديت فيه الروح ، راچل من ضهر راچل ووفيت بكلمتك ، ربنا يفرح چلبك كيف ما فرحتنا اكيده
شعر بالالفه والمحبه بذلك المنزل المتواضع ، رغم بانها ليست المره الاولي التي يخطي بقدميه داخل المنزل الا ان تلك المره مختلفه تمامًا ، يشعر بمشاعر دافئه ، احتواء بين الوالدي وصغاره .
تناولوا طعام العشاء مع عائلتها وبعد ذلك فارقتهم بدموع متحجره داخل مقلتيها ، عينان متحجره ترفض الابتعاد عن حضنها الدافئ منبع الامان والحنان ، أسرتها التي وجدت نفسها عندما التقت بهم والابتسامه التي أنارت وجهه عندما دلفت لداخل منزلها وتذكرت كل ركن به ، ماذا كانت تفعل هنا وهنا قبل ان تنتقل لمنزل زوجها ويصبح ذلك المنزل الذي كبرت به وشهد علي أجمل أيام طفولتها وشبابها ، أصبحت تاتي اليه زائره لم يعد كما السابق .
شعر بها غيث عندما وجدها صامته تطلع من نافذه السياره للخارج ، تتفقد الليل وسكونه .
ربت علي قدمها والتقط كفها البارد براحته وهمس باسمها ليجعلها تنظر له :
-حبيبة چلبي ، خابر سبب شرودك ايه ، عارف أني دي أول مره تعودي لدار ابوكي وتحسي انك غريبه ، بس انتي مش غريبه أنتي هتفضلي حته من البيت ديه ومكانك چوه چلوبهم مش مچرد مطرح في الدار لا ، مكانك شوفته بعنيه في فرحه أبوكي لم عنيه رأتك ولا لم ضمك لصدره كأن روحه ردت چوه صدره ، أنتي صوح بچا عندك دار لوحدك بس بردك هتفضل دار ابوكي هي الاصل والاساس بدون أهلنا مانحسش بالامان ، تعرفي مش أني كبير أهو بس چوه دار ابوي بحس بالامان وطول ماحس ابوي في الدنيا بحس أني ليه ضهر وسند ومن غيرهم أحس أني عريان هم الغطا والامان والنور في عكمته الحياه ، هم اساس كل حاچه حلوه ، مش عاوزك تزعلي ولا الحزن يسكن عنيكي ، لم نعاود من مصر بالسلامه وعد عليه أجيب بنفسي لحد بيت أهلك كل سبوع تچعدي امعاها يوم بحاله
تهللت اساريرها ووضعت راسها علي كتفه ، قبل راسها ثم هتف بصوت مرح : وها اتحشمي يا حرمه ، راچلك سايچ علي طريق الليل ومايصوحش الحركات دي
توردت وجنتها بحمره الخجل وابتعدت عنه ، ضحك هو باعلي طبقات صوته عندما راءها كالفار المذعور ، عاد هو يجذب راسها علي كتفه ثانيا وقال : بضحك امعاكي يا چلبي ، وبعدين أني راكن أهو في الاستراحه ، تحبي ننزلو نشرب حاچه
هزت راسها بالنفي ثم قالت : لاع رايده انعس
- وها وهتهمليني اتحدت مع حالي طول الطريچ
- لاع هفضل امعاك واتحدتو
شدد علي ضمها لصدره ثم قال بحنو : لا يا حبيبتي انعسي كيف ما بدك
عاد يكمل قيادته وهي غفلت بعد لحظات ، ابتسم علي هيئتها ونظر للطريق امامه قائلا : هتسايرو مع نفسي ٨ ساعات بحالهم
👇