متى تخضعين لقلبى
الفصل السادس
استيقظت حياة فى الصباح والابتسامه تعلو ثغرها فهى عاقده النيه على بدء خطتها بدايه من اليوم ، ولكن اول شئ عليها فعله هو اقامه هدنه مع فريد او بالأدق ذلك ما سوف توهمه به ، فهى لا تريد الاستمرار فى معاملته على ذلك النحو حتى تصرف انتباهه عنها فالتجربة علمتها جيداً انه كلما عاندت معه كلما لفتت انتباهه اكثر وهذا اخر شئ تود فعله فى تلك الايام ، فكرت أيضاً فى البحث عن عمل حتى تستطيع الهرب من المنزل اكبر وقت ممكن ولكنها تراجعت فهى لا تريد شئ ما يربطها حتى تستطيع الهرب متى تحين لها الفرصه
قفزت من فراشها بسعادة بِعد ما قررت ما عليها فعله ورتبت كيفيه فعله أيضاً فقط يبقى التنفيذ ، هبطت إلى الاسفل بمزاج مرح نوعاً ما ، توجهت مباشرةً نحو غرفه الطعام فوجدته جالساً بانتظارها ، انه دقيق فى مواعيده حتى انه لا يتاخر ثانيه ، هذا ما فكرت بِه حياة بتعجب وهى تراه يجلس على قائمه الطاوله ويرتدى بذله رسميه سوداء تتناسب جيداً مع تفاصيل جسده ويُعبث بتركيز بأحد هواتفه الموضوعه امامه ، رفع نظره بمجرد وصولها الغرفه واؤمأ لها ايماءه خفيفه براسه وظل يتأملها وهى ترتدى بنطال من الجينز مع قميص من نفس النوع واللون عكست جمال بشرتها واظهرت تناسق قوامها ، ارتبكت نظرتها امام نظراته المتفحصة لها اللعنه على ذلك التوتر الذى ينتابها بحضوره ، انها لا تخشاه فى المجمل ولكن وجوده بجوارها يوترها كثيراً ، للحق ان حضوره بهيئته تلك ونظراته التى تشبهه نظرات الصقر ولا يفوتها حركه واحده تستطيع ارباك اى شخص وليس هى فقط ، على كلا حييته تحيه الصباح بأقتضاب ثم جلست على مقعدها لتناول فطورها ، بالطبع كانت عزه هى من تشرف على تقديم الطعام ، يبدو ان البارحه وعلى الغذاء كان استثناء وسيحرص فريد جيداً على الا يتكرر ثانيه ، قررت حياة تجاهلها وتجاهل نظراتها فهى لن تسمح لهم بالضغط عليها او افساد تعاليمها بسبب سوء معشرهم
تناولا الطعام بصمت ففريد كان هادئاً بطبيعته ولا يتحدث كثيراً منذ صغره وهذا ما اسعد حياة كثيراً ، ففى الحقيقه أخر شئ تود فعله هو مشاركته اى حديث مهما كان تافهاً او بسيطاً ، انتهى من تناول فطوره اولاً ثم حدثها بنبره منخفضة هادئه وهو يتحرك من مقعده قائلاً :
-حياة انا فى الشركه النهارده لو احتجتى اى حاجه بلغينى ..
ثم اقترب من مقعدها بعد انتهاء جملته واخفض راسه نحوها محاولاً تقبيل شعرها ولكنها انتفضت وابتعدت عنه فى حركه تلقائيه منها غير عابئه بوجود مدبره منزله التى تتابع المشهد بتركيز تام فابتعد عنها فى الحال بضيق وهو يرى نظره الرعب داخل عينيها واضحه ثم هم بالخروج من الغرفه وقد بدءت علامات الغضب تظهر عليه ، أوقفه صوت مدبره منزله تحدثه باحترام :
- فريد بيه لو حضرتك عندك وقت ممكن اتكلم معاك شويه :
أجابها بنبره غاضبه لم يحاول إخفائها :
-لو حاجه بخصوص البيت انا قلتلك بعد كده ترتبيها مع حياة هانم ..
هزت له رأسها نافيه قبل ان تجيبه بتصميم :
-لا يا فندم حاجه ملهاش دخل بالبيت .. دى حاجه شخصيه ..
نظر بنفاذ صبر إلى ساعه يده ثم أجابها بهدوء :
-معاكى عشر دقايق تقولى فيهم عايزه ايه ..
هزت له راسه موافقه دون حديث فأضاف بصوته العميق :
- تقدرى تحصلينى على مكتبى ..
ثم تابع سيره دون النظر إلى الخلف .
كانت حياة تتابع ذلك الحديث والفضول يتأكلها ، ما هذا الشئ الخاص الذى يجمع بينهم ، هل شكوكها بشأنهم صحيحه ام ماذا ، عنفت نفسها بقوة لإخراج تلك الافكار من راسها فذلك ليس من شأنها فهى لديها أمور اهم تهتم بها الا وهى حريتها ..
فى تلك الأثناء كانت تجلس كلاً من جيهان زوجه والده بجوار والده غريب على طاوله الطعام فى فيلتهم الخاصه ، سألته جيهان بحقد واضح مع نبرتها المتعالية المعتاده:
-وعلى كده حلوة حبيبه قلب البيه ابنك ؟!..
حدقها غريب بنظره لوم قبل ان يجيبها بعدم اهتمام :
- مش مهم حلوة ولا وحشه المهم انه كان عايزها ووصلها ..
اجابته جيهان بغيظ قائله :
-طبعاً هو فى حد مدلعه هنا غيرك !! .. وبعدين مالها نجوى يعنى بنت حسب ونسب بس هقول ايه !! طبعا ذوقه بلدى شبهه ابوه ..
سألها غريب بأستنكار : - ولازمته ايه الكلام ده دلوقتى يا جيهان ؟!..
اجابته بحده كأنها كانت تنتظر جملته لتبدء بالهجوم عليه:
-لازمته انى عمرى ما هنسى انك فى يوم جريت ورا حته خدامه عشان تتجوزها عليا انا جيهان هانم السكرى ..
انهت جملتها الاخيره وهى تشير بأصبعها نحو نفسها بغرور وثقه ، فقال لها غريب مبرراً فعلته :
- انتى عارفه كويس انى عملت كده عشان اجيب ولد يحافظ على كل ثروتى دى بعد ما الدكتور أكد انك استحاله تحملى تانى بعد نيرمين ..
هاجمته على الفور بمجرد انتهاء جملته :
- انت بتضحك عليا ولا على نفسك وعايزنى اصدقك !!.. انا عارفه كويس يا غريب انك اخترت الخدامه بتاعتك عشان احلوت فى عينيك وخصوصاً لما مقدرتش توصلها من غير جواز ..
انهت جملتها وهى ترميه بنظرات حارقه اما غريب فقد ظهر الارتباك جلياً على ملامحه ونبرته وهو يقاطع حديثها المهاجم له قائلاً:
-جيهان !! انتى بتتكلمى فى ماضى عدى عليه اكتر من عشرين سنه !! دى واحده ميته من سنين فاهمه !! سنين ..
صاحت به وهى تتحرك من مقعدها متأهبه :
-ايوه بتكلم فيه وهفضل اتكلم فيه طول مانت مفضل ابن الخدامه دى عليا وعلى بنتك لحد ما فى يوم هيكوش على كل حاجه ويرمينا فى الشارع ..
صاح بها غريب مهدداً وهو يضرب الطاوله بقبضه يده:
-جيهان !! ابنى ميعملش كده وبعدين هو اللى شايل الشركات كلها فوق كتافه والفلوس اللى عماله تدخل حسابك كل اول شهر وتزيد زى الرزدى من تعبه .. ومتفكريش انى عشان سكتت على اللى عملتيه زمان ابقى نسيته .. ملكيش دعوه بفريد انا بحذرك مش هسمحلك تأذى ابنى تانى ..
ارتبكت نظرتها قليلاً ولم تعقب ولكنها توعدت له داخلياً، فهى لن تكون جيهان السكرى ان لم تنهى ما بدئته منذ سنوات مضت .
تركها غريب منتفضاً من مقعده بغضب وأثناء استعداده للخروج من المنزل صادف فتاتان متقاربتين فى العمر احدهما تشبهه والدتها السيده جيهان بشعرها البنى وبياض بشرتها ونحاله خصرها والأخرى بشعر اشقر ووجهه رفيع ، ارتمت نرمين بداخل احضان والدها تقبله قبل ان تلقى عليه تحيه الصباح بدلال ، حياهم غريب على عجل ثم توجهه مباشرةً نحو الخارج ، بمجرد وصولهم إلى المدخل تحركت جيهان لاستقبالهم وهى تتمتم بحبور مرحبه بضيفه ابنتها :
-نجوى حبيبه قلبى .. ايه الجمال ده كله .. البيت نور طبعاً ..
ثم وجههت حديثها لابنتها :
-ها يا نيرو يا حبيبه مامى .. قوليلى اتبسطتوا فى النادى ولا ايه ..
اجابتها نيرمين بدلال مصطنع :
-ننبسط ازاى يا مامى ونجوى عامله مناحه من اول امبارح .. اوف بجد زهقتنى ..
تحدثت نجوى على الفور مدافعه عن نفسها :
-يعنى يرضيكى اللى حصل ده يا طنط .. خلاص كده فريد اتحوز وراح من ايدى ؟!..
ربتت جيهان على ذراعها بحنان وهى تحثها على الجلوس :
-تعالى بس نقعد هنا ونتكلم بالراحه ..
اجابتها نجوى بضيق قائله :
-اقعد ايه يا طنط انا بقولك فريد اتجوز وانتى تقوليلى اقعد !!
ابتسمت لها جيهان مشجعه وهى تقول بلؤم :
-تعالى بس واسمعى منى .. فريد مضاعش من ايديك ولا حاجه ..
التمعت عيون نجوى بأمل وهى تسالها مستفسره :
-قصدك ايه يا طنط ؟؟..
اجابتها جيهان بمكر :
-قصدى اننا احنا التلاته هنرتب سوا ازاى نطير بنت الخدامه دى من سكتنا .. انتى تتجوزى فريد حب حياتك واحنا نطلع باللى احنا عايزينه برضه ..
تدخلت ابنتها نيرمين قائله :
-والطالعه الاولى دى بقى سيبوها عليا ..
سألتها والدتها مستسفسره :
- هتعملى ايه يعنى يا نيرو ؟!..
اجابتها ابنتها بخبث وهى تغمز لهم بعيونها :
-هعمل زياره لست الحسن واعرف ميتها ايه بالظبط عشان نعرف احنا بنلعب مع مين ..
وافقت والدتها على الفور على اقتراحها وهزت نجوى راسها بحماس موافقه على حديثها وهى عاقده النيه بداخلها بمجرد الحصول على فريد ستقوم بألقائهم جميعاً بالخارج ..
انتهزت حياة فرصه جلوسها بمفردها وقررت الحديث مع صديقتها مريم للاطمئنان عليها من جهه ومعرفه اخبار محمود الصحيه من جهه اخرى ، فهى لازالت تشعر بالذنب تجاهه بسبب ما حدث معه وتريد الاطمئنان على احواله فهذا اقل ما تستطيع فعله بعدما تركته دون حتى اعتذار ، أمسكت بهاتفها وتحدثت قليلاً مع صديقتها التى كانت تمازحها عن زواجها برجل اعمال وعن زفافها الفخم رغم بساطته ، مزحت حياة معها قليلاً قبل ان تسألها بقلق قائله :
-مريم .. متعرفيش محمود عامل ايه دلوقتى ؟!..
اجابتها مريم قائله بغيظ :
-ما تسيبك منه وتخليكى فى جوزك !! عايزه ايه من سى محمود ده ؟ وبعدين انا معرفش عنه حاجه من ساعه ما كنا سوا ..
عنفتها حياة قائله بحده :
-مريم انا مش بهزر !! ..
ثم لانت نبرتها وهى تترجاها قائله :
-مريم الله يخليكى حاولى تعرفى هو عامل ايه دلوقتى وتتطمنى عليه وترجعى تطمنينى ..
-حييااااااااة !!!
صدح صوت فريد خلفها بقوه جعلها ينتفض وسقط الهاتف من يدها تلقائياً ، ارادت الركض من امامه بكل ما تملك من قوه ولكن كان لقدميها رأى اخر مخالف كليا فقط تسمرت قدميها فوق الارضيه ولا تستطيع التحرك قيد أنمله ،التفت تنظر خلفها برعب فلا مفر من المواجهه فوجدته ينظر إليها بوجهه لا يمكن تفسيره ، حسناً ان كل تفكيرها الساذج على انها لا تخشاه اصبح الان هراء ، لقد كان وجهه يكسوه الاحمرار من شده الغضب وعيونه تنطق بالشرر وذلك العرق بجانب صدغه كان ينبض بقوه كأنه على وشك الانفجار ، سألها بصوت أشبهه بالفحيح وهو يقترب منها :
-مين ده بالظبط اللى عايزه تطمنى عليه !!!!..
ازدردت ريقها بصعوبه وهى تنظر إليه برعب ، لم يتلقى منها اجابه فأعاد سؤاله مره اخرى وهو يضغط على كل حرف يخرج منه :
-انا سألتك سؤال ومحتاج رد .. مين ده اللى عايزه تطمنى عليه يا حياة !! انطققققى ..
انهى كلمته الاخيره بصوت هادر جعلها تنتفض من مكانها ، وفى تلك اللحظه وهى تراه يتقدم منها بعيون جاحظه تدفق الأدرينالين داخل جسدها بقوه تراجعت خطوه للوراء فى محاوله للركض بعيدا عنه ولكنه فى اللحظه التاليه كان يقبض عليها بكل قوته ، ذراع واحده تحاوط خصرها وهى تضغط فوقه بقوه وأرجله حاوطت قدميها قبل ان تتشابك معاً لتكبيلها ، وضعت يدها فوق ذراعيه لفك حصارها وفى نفس الوقت حاولت دفع نفسها بعيداً عنه ولكنه كان يضغط بقوه على مؤخره ظهرها حتى شعرت انها ستتأذى اذا حاولت اكثر ،
حاولت عدم النظر فى وجهه حتى لا ترى نظراته المرعبه لها فاخفضت راسها بعيدا عنه وهى تتمتم اسمه بخفوت وتطلب منه ان يتركها ولكن دون جدوى فغضبه كان فى قمته ، صاح بها قائلاً :
-انتى عايزه تجننينى صح !! لا واقولك واتجنن ليه ؟!.. انا هريحك من حبيب القلب دلوقتى عشان متعرفيش توصليله او تطمنى عليه تانى ..
انهى جملته واخرج هاتفه بيده الفارغه وأخذ يعبث به ، شعرت حياة بضغط دمها ينخفض من شده الرعب احقاً سيقدم على قتله !! سُتزهق روح بريئه بسببها !! هتفت إليه متوسله وهى تحرك يدها لتمسك يده وتمنعه قائله بلهفه:
-فريد !! الله يخليك لا .. لا انت بتعمل ايه .. هتموت انسان بجد عشان بسال عليه !! .. انا غلطانه مش هسأل عليه تانى والله بس سيبه .. فريد ..
كان يشعر بكامل جسدها ينتفض تحت قبضته رغم محاولتها ان تبدو ثابته ، توقف عن العبث بهاتفه قبل ان يحدثها بصياح :
-عشان بتحبيه .. عرفتى ليه مش هخليه عايش .. عشان بتحبيه هو ..
لم تعرف ما الذى يجب عليها فعله فى تلك اللحظه فلو عاندته سيقتله وهى ابدا لن تترك شخص يلقى حتفه بسبب غضبها منه ، هزت راسها له نافيه وهى شبهه مغيبه ثم رفعت كلتا يديها المرتجفتبن لتحيط بوجهه وتجبره على النظر إليها وهى تمتم له بتوسل ورعب حقيقى :
-مش بحبه .. والله العظيم مش بحبه .. انا عمرى ما كدبت عليك ومش بكدب دلوقتى مش بحبه ومش هسأل عليه تانى ومش هعمل اى حاجه بس سيبه عشان خاطرى ..
لانت نظراته وهو يرى ارتجاف يدها الناعمه التى تحيط بوجهه ونظرتها المتوسله وملامحها التى على وشك الإغماء من رعبها فأنزل يده ووضع هاتفه مره اخرى داخل ردائه ، وبالرغم من انه أرخى قبضته عليها وترك لها المساحه لتتحرك بحريه وفى ظروف اخرى كانت لتهرب من لمسته مسرعه الا انها فى تلك اللحظه كانت تشعر ان الشئ الوحيد الذى يحول بينها وبين سقوطها أرضاً هو جسده الذى يحاوطها ، فهى تشعر ان قدميها كالهلام لا يقدران على حملها ، حاولت تهدئه ضربات قلبها والسيطره على ارتجافها حتى تستطيع الذهاب من امامه ولكنها لم تتجاوز صدمه انها كانت على وشك وضع محمود فى دائره الخطر مره اخرى ، لقد اختبرت مرحله جديده كلياً من الرعب بالنسبه لها ، فهى منذ اصرار والدها على انتقالهم من القصر إلى ذلك الحى المتواضع الذى يقع به منزلهم قد اعتادت على الصراخ والعنف من جميع قاطنيه إلى جانب عنف والدها وصياحه المعتاد ، ولكن غضب فريد كان شئ اخر ، غضب يحرق معه الاخضر واليابس ويجعلها تشفق كثيراً حتى على اعدائه ، رفعت جفونها تنظر إليه حتى تستطيع قراءه ما بداخلهما وان كان ذلك مهمه مستحيله ولكن كانت تريد الاطمئنان اذا كان صدق حديثها ام انه فقط يجاريها ،
التقط هو نظره العتب التى رمقته بها ، نعم لم يخطأ تفسير نظرتها فقد كانت عتاب خالص ، زفر بضيق وهو يرى حالتها تلك امامه وبسببه هو ، لعن نفسه سراً فقد تفوق عليها فقط وارعبها بسبب تفوق قوته الجسدية لا اكثر ، لوى فمه بسخريه وهو يفكر هل استطاع فعلاً التفوق عليها بأى شئ !! حتى قوته الجسدية ونفوذه لا تعطى له الافضلية ، فالافضليه فقط موجوده داخل تلك النظرات التى تصرعه أرضا بنظره توسل واحده ترمقه بها ، رفع كفيه يحاوط راسها ثم طبع قبله رقيقه فوق جبينها حاولت هى بكل قوتها تحاشيها قبل ان يتركها وينصرف ..
حركت قدميها ببطء بعد خروجه ترتمى على اقرب مقعد يقابلها وتترك لدموعها العنان ، لقد تلقت منذ قليل هزيمتها الثانيه من فريد رسلان وخضعت له فى اقل من أسبوعان ، وفى المرتان تنازلت من اجل أشخاص اخرين غيرها ، فكرت بحزن يبدو انه علم جيداً نقطه ضعفها وان ايامها التاليه معه ابداً لن تمر بسلام ، ظلت هكذا طوال يومها تقبع بهدوء فوق احد المقاعد فى صاله الاستقبال ، لم تتناول شئ ولم تتحدث مع احد فتلك كانت طبيعتها التى لم يعرفها الكثيرين ، كانت شديده التأثر ومرهفه الحس حتى وان حاولت اخفاء ذلك عن عيون الجميع واظهار الصلابه والقوه ولكنها كانت بتتأثر بأقل صراخ او حركه عنف امامها والفضل فى ذلك يعود إلى والدها الذى كان يملئ المنزل يومياً بصراخه عليها بمجرد رؤيتها امامه ، حاولت السيده عفاف اخراجها من حالتها تلك او حثها على تناول شئ ما ولكنها رفضت بشده ، وعند حلول المساء تفاجئت بأمرأه تقارب فريد فى السن بشعر بنى ناعم وجسد رشيق طويل وعيون مشابهه للون عينيه تقتحم المنزل دون استئذان وتمشى بخطوات واثقه حتى توقفت امام حياة تسألها بعجرفه واشمئزاز واضحين وهى تشير إليها بسبابتها :
-ها انتى بقى اللى اسمك حياة ولا فى شغاله تانيه هنا شبهك ؟!..
نفضت حياة رأسها ثم نهضت من فوق مقعدها وهى تعقد حاجبيها معاً وتكتف ذراعيها فوق صدرها فى حركه معتاده منها عند الهجوم ثم اجابتها قائله بكبرياء :
-ايوه انا حياة .. وبيتهيألى البيت ده له احترامه !! مش بندخل بيوت الناس كأننا حيوانات كده ؟!! ..
اجابتها نيرمين مهاجمه :
-يااااى .. حيوانات !! ايوه طبعاً ما انا هستنى ايه من واحده بنت خدامه وتربيه خدامين !! ..
لوت حياة فمها بسخريه قبل ان تجيبها بنبره هادئه لآثاره غضبها :
-ياما فى ناس لابسه كويس بس تربيتها اقل بكتير من تربيه الخدامين اللى مش عجباكى ده وانا قدامى مثال حى على كلامى اهو ..
شهقت نيرمين بصدمه وهى تضرب قدميها فى الارض بغيظ قبل ان تقول لها :
-انا مش هرد عليكى عشان اخلاقى متسمحليش .. انا بس جايه اقولك انك لو فاكره ان كده كسبتى بجوازك من فريد وهتاخدى الجمل بما حمل تبقى غلطانه .. صدقينى على جثتى فلوسنا تطلع لابن الخدامه ومراته !! ..
فتحت حياة فمها لتسألها من انت ولكن اوقفها صوت فريد الذى دلف من الخارج يسأل بعبوس وتأهب ناظراً نحو شقيقته :
-نيرمين !! انتى بتعملى ايه هنا فى بيتى وانا مش موجود ؟!!!! ..
نظرت له اخته بغل قبل ان تجيبه قائله بمرح وهى تحاول تبديل ملامحها :
-ولا حاجه .. كنت ببارك الهانم الجديده على الجوازه الهنا دى .. مانت عارف انت حتى مسمحتلناش نحضر الفرح فقلت اعرفها بأخت جوزها ..
تقدم فريد فى اتجاههم وهو يقول لها بعبوس وحده:
-محدش طلب منك تتعبى نفسك وتعرفى نفسك لحد مش عايز يعرفك اصلا !! ودلوقتى لو خلصتى كلامك اتفضلى من غير مطرود ..
حدجته بنظره كرهه قبل ان تجيبه بعدم اهتمام :
- انا كده كده كنت ماشيه واللى عايزه اقوله خلص ..
انهت حملتها ثم وجهت حديثها لحياة تسالها بتهديد:
- عايزه حاجه يا حياة هانم !! متنسيش اللى قلته من شويه..
نظرت حياة إليها مطولاً قبل ان تقول وهى تشير إليها وإلى فريد بإصبعها : - عايزاكى تاخدى اخوكى فى طريقك وتحلوا عنى ..
ثم تركتهم وتحركت نحو غرفتها دون النظر خلفها ..
بعد عده دقائق كانت حياة تجلس على طرف الفراش ويدها تتمسك بالشرشف بقوه من شده غضبها ، تنفست سريعاً عده مرات متتالية ثم استغفرت قليلاً مثلما اعتادت من والدتها فى محاوله منها لتهدئه غضبها المتزايد من تلك العائله التى يتسم جميع أفرادها بالوقاحة ، سمعت طرقات خفيفه فوق الباب المشترك بينهم ، ارادت تجاهله وخصوصا بعد ما حدث بينهم فى الصباح ولكنها خشت ان يقتحم الغرفه عنوه اذا لم تجيبه لذلك تحركت على مضض من مقعدها واتجهت نحو الباب لتفتحه ثم وقفت امامه بهدوء ترفع احدى حاجبيها بسؤال لم تفصح عنه ، التوت شفتيه بنصف ابتسامه جانبيه وهو يراها تعقد ذراعيها امامها فعلم بأستعدادها للهجوم فى اى لحظه ، كان لايزال يحتفظ بجزء من غضبه منذ الصباح ورؤيته تلك المسماه اخته قد زاد من حنقه لذلك سألها مباشرة دون مقدمات :
-كانت هنا ليه وعايزه ايه منك وقالتلك ايه بالظبط ؟!..
اجابته بلامبالاه متعمده قائله :
-ولا حاجه .. شويه كلام تافه ملهوش لازمه ..
رفع حاجبيه معاً فى استنكار ثم كرر حديثها ببطء كأنه احجيه يقوم بحلها :
-شويه كلام تافه ملهوش لازمه !! وانتى بقى وشك كده عشان كلام تافه ملهوش لازمه ؟!..
اجابته بنبره متهكمه :
-وانت تفتكر انى كده عشان كلامها ؟!!..
علم جيداً ما ترمى إليه بحديثها ، فرعبها وان حاولت إخفاءه مازال واضحاً فى حركتها ونظرتها ، رفع رأسه للاعلى محاولاً الاسترخاء ثم زفر مطولاً بتعب قبل ان يعاود النظر إليها وقد تبدلت ملامحه إلى الرفق ثم حدثها بنبره مليئة بالحنان قائلاً :
-حياة خليكى عارفه حاجه واحدة بس .. انى مش هسمح لحد يأذيكى ايا ان كان هو مين حتى لو كان انا .. عشان كده كنت بسالك وعشان كده بلاش نظره الخوف اللى فى عيونك منى دى .. ده وعد منى .. حياتى قبل آذيتك ..
ارتبكت نظرتها قليلاً وتوترت معها حركه جسدها ولكنها سرعان ما تمالكت واجابته وهى تراه يلتفت بجسده عائداً إلى داخل غرفته قائله بصوت هادئ ولكنه ملئ بالمراره :
-فريد انت ايه مفهومك عن الاذى !!! انت متخيل ان الاذى يكون بالضرب بس ؟!!..
توقف عن السير والتفت ينظر إليها مره اخرى بملامح وجه مصدومه نوعاً ما فأضافت هى بعد ان ازدرت ريقها وبدء صوتها فى التحشرج :
-يعنى انت فاكر انى اقعد هنا مقفول عليا باب ورا باب وعلى كل باب حارس مش اذى ؟!.. او انك تهددنى بأخويا الصغير مش اذى ؟!! او انك تقف فى طريق اى حد بيحبنى او يعرفنى وتستغله عشان اعملك اللى انت عايزه ده مش قمه الاذى ؟!!!!! .. اللى بيحب حد يا فريد مبيقدرش يأذيه ولا يعذبه !! ..
صمتت بعد ان تغلبت الدموع عليها وتساقطت فوق وجنتيها بكثره ، ام هو فوقف امامها مصدوماً لا يقوى على الحركه من جملتها الاخيره ، لقد اخترقت قلبه مباشرة ، لقد سمع جملتها بصوت والدته وتوسلها مثل توسل والدته له وهى توصيه بها خيراً ، تراجع خطوات للوراء وهو مازال ينظر إليها كالأشباح التى لا روح فيها وهو يحل آزار قميصه كالاله ثم ارتدى بنطاله الرياضى بعد ان تركته هى وأغلقت الباب المشترك بينهم وتوجهه مباشرة نحو صالته الرياضيه فى الطابق الارضى .
دلف إلى الصاله الرياضيه كالانسان الألى ، ارتدى ففازاته وذكريات تلك الليله المشئومه بصورتها الكريهه تومض داخل عقله بوضوح ، توجهه نحو الكيس الرملى المعلق والخاص بالملاكمة ثم صرخ بألم حتى شعر بأحباله الصوتيه على وشك الانقطاع وهو يلكمه بكل ما أوتى من قوه لإفراغ حزنه وغضبه ، ومع كل لكمه يسددها كانت تظهر صوره امام عينيه من الماضى
تذكر وهو ممدد تلك الليله داخل فراشه برعب يترقب عوده والده فتلك الليله هو موعد قضاءها فى منزلهم ، أرهف سمعه عند سماعه وقع خطوات تقترب من امام غرفته ثم ابتعدت مره اخرى متوجهه إلى غرفه والدته فعلم جيداً انها تعود لوالده ، أغمض عينيه بقوه حتى يستطيع طرد تلك الفكره التى تسيطر على عقله منذ الصباح ثم طمأن نفسه داخلياً بعقلين طفل لم يتجاوز الثانيه عشر بعد انها لن يصيبها مكروه ، بعد فتره من الصمت استعاد فيها هدوئه قليلاً بدءت بعض الهمهات الغير مفهومه تصل إليه ولكن لم تلتقط اذنه اى شئ واضح منها ، حدث نفسه مطمئناً ان تلك الليله من الممكن ان تمضى على خير وخصوصاً ان اثار الضرب المبرح من الليله التى تسبق البارحه مازالت تغطى وجهه والدته وعنقها بوضوح إلى جانب النوبه القلبيه التى اصابتها فى الصباح فبالتأكيد سوف يشفق والده على حال والدته ويتركها وشأنها ،
بدءت تلك الهمهات تتصاعد حتى اصبحت صياح واضح من والده ، قفز فريد من فراشه ثم توجهه إلى باب غرفته يفتحه بهدوء ويخرج منه ثم أغلقه خلفه مره اخرى وتوجهه إلى حيث غرفه والديه يقف امامها برعب ، رغم ان وجوده لم ولن يفيدها ولكنه كان يشعر هنا حيث وقف بشئ من الحمايه الوهميه ، سمع توسلات والدته الباكيه تطلب من والده بضعف :
-غريب الله يخليك ادينى علبه الدوا خلينى اخدها مش قادره أتنفس ..
صرخ به والده قائلاً بحنق :
-يا ساهله .. عايزه تاخديها وتخفى عشان تسبينى وتروحى جرى على عشيقك صح ؟!..
هزت رحاب رأسها له عده مرات بفزع وهى تقول من بين توسلاتها وبكائها :
-مفيش حاجه من اللى فى دماغك دى يا غريب .. متصدقيش كلام جيهان .. انا عمرى ما خنتك ولا هخونك ..
ازدردت لعابها فى خوف ثم اضافت من بين شهقاتها المتتالية قائله :
-هخونك ازاى وانا مش بطلع من البيت ومش بشوف حد خالص ..
صرخ بها وقد جحظت عينيه إلى الخارج ثم قال بشراسه وهو يقترب منها :
-مانا عارف عشان كده جبتيه يشتغل هنا مع الحراس بحجه انه قريبك صح !! انطقى !!!!..
شهقت بفزع مصدومه من اثر كلماته ثم قالت وقد بدءت ملامح وجهها فى الشحوب من توترها وشده نغز قلبها :
-كدب .. والله كدب .. قلتلك المره اللى فاتت ده راجل قريبى غلبان عنده اولاد ومراته طلبت منى انى أساعده .. دى كل الحكايه والله ..
هز راسه نافياً بشراسه وهو يقترب منها وبقول يتوعد :
-انا هشرب من دمك وبعدين من دمه .. انا غلطت انى اتجوزت واحده زيك ولازم اصلح غلطى ده دلوقتى..
ثم انقطعت الأصوات الا من صوت صفع والده لها وبعدها بدءت والدته فى الصراخ بشده ولطمات غريب تقع فوق جسدها دون رحمه ، ظل فريد واقفاً امام الباب يضع كفيه فوق أذنه محاولاً منع صراخ والدته من الوصول إليه حتى اختفى الصوت تماماً وخرج غريب بملامح مرتبكه وهو يلهث من شده المجهود والفزع، نظر له فريد بملامح مرتعبه قبل ان يقول له وهو يزدرد ريقه بخوف :
-انا عايز اشوف مامى ..
حدجه غريب بنظره حانقه ارعبته قبل ان يقول له بتهديد واضح :
-مفيش حاجه اسمها مامى .. فاهمممم !!! انتى ايه اللى جابك هنا دلوقتى ؟!!! يلا على اوضتك ومش عايز اسمعلك صوت او اشوفك قدامى قبل الصبح .. يلااااااا ..
لم يطعه فريد بل ركض من خلفه نحو غرفه والدته ثم قفز على فراشها ليطمئن عليها فوجدها نائمه فوقه بلا حراك بوجه ابيض شاحب وشفاه زرقاء ،هتف بأسمها عده مرأت ولكن دون جدوى ، هزها بقوه حتى تستفيق ولكن أيضاً دون جدوى كان جسدها مرتخى تماما بين كفيه ، توسل إليها بصوت باكى ان تجيبه ولم يتلق منها اى رد ، حمله غريب عنوه بتوتر من خصره وذهب به نحوه غرفته وهو يصرخ بِه ان يظل بها والا سوف ينال جزاءه هو الاخر
ادخله إلى غرفته ومنها إلى مخدعه ودثره جيداً بغطاء الفراش حتى اعلى رأسه وظل فريد هناك منتظراً بجسد مرتجف حلول الصباح حتى يطمئن على والدته التى لم يصدر منها اى صوت منذ وقت ليس بالقليل .
لم يعلم متى غالبه النوم ولكنه استيقظ فى الصباح على هرج ومرج وكثير من الأصوات المتداخلة فقز من فراشه ركضاً إلى الخارج فوجد طبيب العائله يقف مع والده وهناك ٣ أشخاص اخرين يحملون على حماله طبيه والدته التى كانت مغطاه من اعلى راسها إلى اخمص قدميها بغطاء ابيض ويتحركون بها نحو الدرج هبوطاً للطابق الارضى وهم مطأطئين رؤسهم وتبدو على ملامحهم الاسف فعلم ان اسوء ما يخشاه قد تحقق على يد والده ..