رواية واحتسب عناق #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل 29

الرواية حصري على موقع مجلة الأسطورة، ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

سماءٌ لا شائبة تسود صفو زرقتها، والسحب البيضاء المتناثرة تنساب فوق رأسيهما وهما يستقلان تلك المروحية التي كشفت “سالي” سقفها المتحرك، جالسةً تحتل مقعد القيادة، تتحكم بحرفيةٍ بارتفاع الطائرة التي حلقت فوق البراري، ولكنها أخذت تسترق النظر إلى مجاورها.

تشعر بعدم الراحة وعينيه الناعستين ترقبناها عن كثبٍ، وقطعاً لاحظ تجهم وجهها؛ إذ مضى أكثر من ساعة وهما يحلقان في الهواء، وبعد أن تفاقم ضجرها من نظراته المتفحصة التفتت إليه بغتةً، تسأله وهي تجاهد في إخفاء غضبها إثر تحديقه بها، تضرع إلى الله أن تنتهي من هذا الكابوس الذي طال.
أجل !! فالمكوث معه في مكانٍ واحدٍ يُثقل صدرها، وتتمنى أن يمِل هذا الشاخص بها ويُحلَّها من القيام بهذه المهمة الصعبة.

“سالي” بعد أن تحلت بأعلى درجات ضبط النفس : – هل سنكتفي بهذا القدر؟
-أم تريد أن نواصل؟

فاجئها بجوابه الذي أوحى لها بأنها وهامةٌ، وگأنه غير عابئٍ سوى بما جاء من أجله:
-فلنلقي نظرةً أخرى على الجهة البحرية من المزرعة، ولكن احرصي على أن تحلقي بمستوى أقل ارتفاعاً هذه المرة.

لم تجيبه بالكلمات، ولكن تزامنًا مع إيماءة من رأسها بالموافقة دعست أناملها على زر معين بلوحة التحكم أمامها، ومن ثم خفضت جناح المروحية بمهارةٍ عالية قبل أن تكمل دورتها وكأنها إحدى متسابقي السيارات الذين يستعرضون مهاراتهم بالساحة حتى استوت المروحية على بعد خمسمائة قدم فوق سطح الأرض.

وبالرغم من ضيقها لجمعهما إلا أنها كانت في قمة عنفوانها تشعر بالسعادة للاستجابة السلسة للمروحية وكأنها فرس مُمَرَّن يستجيب لإشارة صاحبه، علق “عبيدة” بصدقٍ أبعد ما يكون عن الرياء والمجاملة : – أنتِ طيارة بارعة.

رمقته “سالي” بنظرةٍ جانبية، تقول بثقةٍ لو لم تكن جديرة بها لقطعت الشعرة الفاصلة بين الثقة والغرور : – أعلم ذلك.

تحمحم “عبيدة” يجلي صوته، قائلاً:
-عندما زُرت الحج “حسين” بالمشفى أكد على أنه يمكنني الاعتماد بشكلٍ كليٍّ عليكِ، ويبدو لي أن أباكِ من الأشخاص الذين لا يطلقون كلام بلا أساس؟

ازدادت ثقتها بحالها وهي تجيبه بتأكيدٍ:
-أجل هو كذلك.

أحست “سالي” بالسكينة تحفها جراء إطراء والدها عليها في غيابها، ومديحه لها عدَّل من حالتها المزاجية، وظهر هذا في مهارتها في الطيران إذ حرصت على ضبط المقود لتتهادى المروحية فوق الأراضي تحلق بتوازن في خط مستقيم، وهي تشير بسبابتها إلى المساحة الواسعة أسفلهما، وتقول بحماسٍ:
-ها قد اقتربنا من الجهة البحرية.

أومأ “عبيدة” برأسه وعينيه تفيض بنظرات الاستحسان، وهو يعود إلى نفس النقطة قائلاً:
-أخبرني والدكِ بشيء آخر.

“سالي” باهتمامٍ : – ما هو؟

“عبيدة” بجديةٍ : – لقد أكد على أنك قادرة على إدارة شئونكم بمهارة ودون الحاجة إلى مساعدة أحد.
-ولكن الغريب أنه لم يخص “حسام” و”أكرم” بشيء كهذا؟

فضوله لم يريحها ولم تشأ أن تتطرق معه في الحديث إلى أمورٍ شخصية، لذا حاولت ألا تحيد عن المهمة التي جائا من أجلها، وهذا ما جعلها تتجاهل ما قاله، متسائلةً:
-أرى أنك لست مهتماً بمتابعة تلك الجهة كما طلبت؟

أطرق “عبيدة” رأسه يلقي نظرة إلى الأسفل وهو يقول : – على العكس تمامًا، هذا هو الهدف الأول من هذه الجولة.

سألته “سالي” بعفويةٍ : – والأهداف الأخرى؟

أجابها بجديةٍ، قائلاً ببساطة : – أنتِ!!
-لا أعلم ولكن لدي رغبة ملحة في التعرف عليكِ أكثر يا “سالي”.

لا تعلم “سالي” لِم ضربت أوصالها موجة برودة قوية وتعقيبه جعلها تشعر بأنها الهدف الأساسي من هذه الجولة، وتأكد حدسها عندما أضاف:
-لا أعرف لِم شعرت بأنني إذا حاولت التحدث إليكِ ونحن على الأرض كنتِ ستتهربين مني مثلما حدث ليلة أمس.

قالها وعينيه تجول داخل المروحية واستكمل قائلاً : – أعتقد أنه لا مجال هنا للهروب.

نظرت “سالي” أمامها تتابع ما تفعل، بينما أردفت تقول بجفاءٍ:
-فلنتحدث بكل وضوح يا أستاذ “عبيدة”.

“عبيدة” برحابةٍ، وهذا بالرغم من عدم استجابة شغفه اللعين لما يحتمه عليه عقله : – أرجوكِ؟

“سالي” مردفةً بجمودٍ:
-أنا لا أحبذ وجودك، ولم أرحب بمجيئك إلى المزرعة، ولم تكن لدينا رغبة بمساعدتك لنا، لا أنا ولا أبي.
-هذا كان قرار تعسفي من البنك الذي أقر بضرورة وجود رجلاً يتولى الإدارة.

وعن عمد أتكأت “سالي” بتهكمٍ على كل حرفٍ بلفظة رجل، بينما أجابها “عبيدة” بصدقٍ :
-وبكل وضوح كما طلبتِ لم تعجبني أيضاً تلك القرارات العقيمة، ولكن هذا قبل أن أراكِ أما الآن أخشى أنني……..

بتر عبيدة عبارته، وهو يلوم حاله ولكنه استبدلها، مردفاً:
-أعني أنه هل ما زل وجودي غير مرغوب فيه بالنسبة إليك؟
لم ينتظرها لتأكد أو تنفي، بل استكمل يضيف:
-ردود أفعالكِ وتصرفاتكِ تُظهِر مشاعركِ، لكن من المؤسف أن بقائي هنا أمرٌ ضروري حتى وإن كان بشكلٍ مؤقت.

هزت “سالي” رأسها بيأسٍ معقبةً : – شيء مؤسف فعلاً بالنسبة لكلانا.

“عبيدة” بعقلانية : – أرجو أن تتحكمي في عداوتكِ ناحيتي، فإذا بقيتِ على موقفكِ ستمر الفترة القادمة بمنتهى الصعوبة.

وعندما لم تتبدل معالم الضغينة التي لاحت على وجهها أضاف : – علينا أن نتقبل الواقع ما دمنا غير قادرين على تغييره.
-يمكنكِ اعتباري بديل مؤقت لأبيكِ.

تمتمت “سالي” بصوتٍ غير مسموع، تقول بيأسٍ:
-لن يستطيع أحد ملأ الفراغ الذي خلفه.

لا يعرف لِم أحس بالضيق عندما أطلَّ الحزن من عسليتيها ريثما أتى على ذكر والدها، فحاول صرف انتباهها عما قال، يُتابع:
-الكرة بملعبكِ، في استطاعتكِ معاملتي كزميل عمل أو جار مثلما تتعاملين مع “غالب”.

-ولا تتعجلي بالحكم على الشخص ما لم تعاشريه، فأنت لم تعطِني الفرصة لأثبت حسن نوايايَّ.

استماتت قبضتها على المقود وجزء منها يقر بصدق مقولته، وشِقاً آخراً يتعجب من عجرفته وثقته الزائدة بحاله، زفرت سالي تتبرم من كونها قد أُقحِمت دون رغبة منها على الاشتراك معه في الحوار، لذا أردفت تقول:
-معك حق علينا أخذ وقت مستقطع وننحي خلفاتنا جانباً حتى نتمكن من إنجاح الأمر المفروض علينا.

“عبيدة” باستحسانٍ : – بدأت تبدين بعضاً من الحكمة، أثق بذكاء “سالي”.

التفتت تتابع القيادة دون تعقيب، ومن ثم تسائلت : – هل يمكننا العودة إلى المزرعة؟

“عبيدة” بابتسامةٍ جذابة : – ما دمنا قد اتفقنا، يمكننا العودة.
                في بيت آل “السوالمي”
هناك من تنهش الغيرة أحشائه بأنيابها الحادة، وآخر يشعر بالسعادة إذ أنه لم يستمتع بوقته مثلما يحدث الآن، ولِم لا!! وهو في حضرة حوريتين من الجنة، تنصتان له بإمعانٍ، تلمع أعينهما بانبهارٍ كلما تفوه بكلمة.

وبالرغم من أنه قد تخطى منتصف عقده الرابع إلا أنه يثق بحاله كثيراً مما زاده وسامة.
أجل فهو مثال للرجل الأربعيني المخضرم الذي لم يعفى عليه الزمن بنوباته، ولم تطمس الأيام رونق وجهه الذي يشع شباباً ورجولة، ببنيته القوية وجسده الرياضي المعضل ومنكبيه العريضين، وشعره الكثيف المائل إلى الفضة، وعينيه العسليتين العميقتين اللتين أكسبتاه قوة تخترق القلب إلى الصميم.

أخذت كلاً من “نادين” و”نوران” تنظران إليه باهتمامٍ واضح وهو يقص عليهما الكثير من المواقف الصعبة التي مر بها في حياته، ومواقفٍ أخرى طريفة جعلتهما تبتسمان من قلبيهما وكلاهما قد أقرتا بخفة ظله وظرافته.

التفت “مصطفى” من بين أحاديثه المشوقة إلى مَن تنصهر كل قواه ولم يعد قادراً على الثبات وما عاد لمصطلح ضبط النفس معنى بقاموسه، مصطفى بتلعثمٍ يقول:
-لا أعلم كيف أشكرك “عمران” على دعوتك لي، فمنذ زمن لم أقضي وقتاً رائعًا كالآن.

“عمران” بفتورٍ : – على الرحب والسعة.

بينما “نادين” بأعينٍ مسبلة بافتتانٍ : – حقاً ما تقوله؟

“مصطفى” بصدقٍ : – بالطبع!! فأنا لا أذكر أن عيناي قد رأت من هي أجمل منكِ.

قرع نابض تلك الحسناء، وهي أيضاً لا تذكر آخر مرة قد تخضب وجهها بحمرة الخجل مثل الآن، فأردفت تقول باستحياءٍ : – يا الله “مصطفى” لقد أكتسبت مناعة ضد المجاملات والإطراء منذ زمن.

رمقها “مصطفى” بنظراتٍ معجبة : – لا أجاملكِ، إنها الحقيقة المُجردة.

أحست ٠”نادين” بحرارةٍ تتغلغل بشرايينها وهي تسأل بنبرةٍ جاهدت ألا يظهر فيها الفضول والاهتمام : – ليتك قد أحضرت زوجتك معك، متأكدة أنها كانت ستستمتع برفقتنا.

أطرق “مصطفى” رأسه بأسى، يقول : – هي الآن بمكان أفضل.

كرهت “نادين” حالها عندما تراقصت الفرحة بداخلها لسماعها ما قال، إذ نسيت أن “عمران” قد ذكر من قبل أن التاجر الذي سيأتي لمعاينة المحصول أرمل وحيد، فأردفت تقول بحزنٍ مصطنع:
-رحمها الله، آسفة أستاذ “مصطفى”، لقد ذكَّرتك.

هز “مصطفى” رأسه بنفي : – لا عليكِ سيدتي، لقد مرَّ على هذا وقت طويل.

تملكها الفضول لتعاود “نادين” سؤاله مرة أخرى:
-ولِمَ لم تفكر في الزواج طوال كل هذه الفترة؟!
-يبدو أنك كنت تحبها كثيراً؟

ابتسم “مصطفى” برجولةٍ، وهو يجيبها بما أرادت معرفته:
-لقد كانت حسنة المعشر، زَوَّجها لي أبي وكنا في سنٍ صغير.

-لم أحبها حب المتيم ولكنني أحببت حبها لي إذ أنها عندما علمت بأنني لن أستطع منحها ما تريده كل امرأة لم ترغب في الانفصال عني بل اكتفت بعشرتنا.

اتسعت عينا “نادين”، وهي تسأل بعدم فهم : – ماذا؟!

وصله ما رمت إليه “نادين” باستفسارها المتعجب هذا، فأردف يقول بإيضاحٍ:
-لا.. لا يشرد خيالكِ بعيداً، المشكلة كانت في الإنجاب ليس إلا، ما عدا ذلك كانت أمورنا على خير ما يرام.

أومأت “نادين” بتفهمٍ، لذا أضاف يقول بغمزة عينٍ خلسة وهو يأكد لنفسه أن أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم:
-يبدو أنني سأفكر في معاودة الكرة آجلاً أم عاجلاً.
-ولكن هل ستقبل إحداهن بظروفي؟

قالها مصطى برضا ودون خجل ولم يظهر على ملامحه أي بادرة انكسار، فأجابته “نادين” على الفور:
-كثيرات.

لمعت مقلتا “مصطفى” ببريق الأمل ورأى أن يطرق على الحديد وهو ساخن:
-ما رأيكِ في نزهة بالمركز؟

قالها “مصطفى” الذي تعلَّم أن الحياة تمنحنا الفرصة مرةً واحدة وإن لم نقتنصها فلا فائدة تُرجى من البكاء.

بينما ألقت “نوران” نظرة على “عمران” فوجدته يتابع باهتمامٍ، وبدا مأخوذاً بما يدور وابتسامته التهكمية المعهودة ترتسم على شفتيه، وهو يلتفت إليها يناظرها بلهفةٍ، يتسائل بمكر:
-ماذا عنا؟ ألن نتنزه في المركز نحن أيضاً؟

هزت “نوران” كتفيها تقول بعدم اكتراثٍ:
-لقد ذهبتُ إلى هناك من قبل.
-ولكن على ما يبدو أن الأستاذ “مصطفى” لم يقم بجولة هناك؟

“مصطفى” وهو يرمق “نادين” بعينيه الساحرتين : – أجل، وستكون أجمل نزهة إذا قبلت السيدة “نادين” دعوتي.

هذا ما عقب به “مصطفى” بابتسامةٍ مرتبكة بعدما لاحظ امتعاض “عمران”؛ فما يطلبه “مصطفى” يناقض عادات وتقاليد قاطني الأرياف، وكذلك الدهشة التي ارتسمت على وجه “نادين” أشعرته بجسامة ما قال.
لا ينكر “مصطفى” ما ب”نوران” من فتنة وجمال ولفت نظره معالمها الشرقية التي زاد سحرها هذا المزيج العجيب بعيونها الزرقاء وشعرها الحالك الكث، ولكنه لم يجرؤ على إطالة النظر إليها فإلى جانب أنها تصغره في السن كثيراً إلا أنه لاحظ اهتمام “عمران” الشديد بها.

كانت “نوران” تشع شباباً وتدخِل على النفوس بهجة لمرآها، ولكن عينيها مختومتان بالحزن، وجهها الجميل كل مَعْلَمٍ به يتغنى بروعة ما صنعه الخالق، ولكنه حزين تكسوه سحابةً من الأسى العميق.

ابتسم “مصطفى” إلى “نوران” بودٍ فردت إليه البسمة بأخرى تسلب الأنفاس، بينما مَن يتابع تبادل النظرات والابتسامات زادت حالته سوءاً، وهو يحاول التحلي بالصبر والكياسة، ولم يرى بداً سوى التخلص من هذا الغريم، فأردف “عمران” يقول:
-حسناً “مصطفى”، اسرع حتى لا تفوِّت عليك الفرصة، إني أعلم أن “نادين” مُرشدة جيدة وستستطيع أن تأخذك في جولةٍ تفصيلية لا تُضاهى.

“مصطفى” بتفاجئٍ ولا يكاد يسيطر على كم السعادة التي لاحت على وجهه فقد فَقَدَ الأمل في تحقيق مطلبه بعدما رأى التجهم على وجه “عمران”عقب دعوته إلى “نادين”.
“مصطفى” بتلهفٍ:
-صدقاً؟ فلتساعدني يا الله.

” عمران” بزمجرةٍ : – منذ متى وأنا ألعي.

لم يُكذب “مصطفى” خبرًا بل نهض على الفور يشير بكياسة إلى “نادين” لتتقدمه، فلبت الدعوة بعد أن أومأت إليها “نوران” بالقبول وكأنها ولية أمرها وليس العكس.

خيَّم السكون على المكان بعدما خرج “مصطفى” بصحبة “نادين”.
بينما دنى “عمران” من تلك التي تجلس بارتباكٍ على حافة الأريكة الخاصة بطاقم الاستقبال الفخم الذي يتوسط باحة قصر آل السوالمي، يقطع الصمت، قائلاً :
-معذور “مصطفى”، إنه يظن الآن أنه خرج برفقة أجملهن، بالرغم من تأكدي بأن نظراتكِ أردته صريعاً.

قالها “عمران” بشيءٍ من الغيرة، فالتفتت إليه وإذا به قريبٌ إليها حد اللعنة، بينما هو ظل شاخصاً بهيئتها الملائكية وهي تدير وجهها إليه وقد أطاح الهواء المنبعث من المروحة خصلات شعرها الحريري فلامس وجهه بنعومةٍ، جعلته يستنشق بولهٍ وهو مغمض العينين يحبس عبيرها بصدره.

تمتمت “نوران” بهمسٍ تجاهد ألا ترفع راحتها لتلامس بباطنها وجهه وشعيرات ذقنه النامية، تقول بدلالٍ : – كيف؟! أنا لا أفهمك!!

زفر ببطئ وجاء دورها للامتثال إلى دفئه إذ سرت القشعريرة بسائر جسدها، وهو يبادلها الهمس، قائلاً بصوتٍ متهدجٍ جراء تأثره بغنجها السالب للأنفاس : – بلا تفهمين، أعلم أنكِ تدركين تماماً ما يفعله سحركِ بأي رجل تقع عيناه عليكِ، ولكنكِ تتجاهلين.

“نوران” بخجلٍ، مطرقةً رأسها:
-صدقني لم ألحظ ذلك.

رفع “عمران” راحته يتلمس بأنامله ذقنها المنمق يدير وجهها إليه، آسراً عينيها بنظراته الساحرة التي أخذ يوزعها متأملاً معالم وجهها، وهو يقول بلوعةٍ : – ولكنني لاحظت ذلك.

قالها وهو يميل برأسه إليها ورماديتيه مثبتة بعينيها يخفض بصره بتناوبٍ إلى شفاهها الممتلئة المغوية تارة، ومن ثم يعاود النظر إلى زرقاويتيها ليتبين ما إذا كانت تنفره وقلبه يهدر بين ضلوعه بحدة يخشى من أن ترفضه.

ولكنه إن ظن أن قبولها سيهدئ قرع هذا المثار بداخله فهو واهمٌ، إذ توقف خافقه عن النبض لثوانٍ ومن ثم عاد يضرب كأجراس الأديرة، وذلك عندما أسبلت أهدابها باستجابةٍ أذهبت عقله على الأخير، وإذا بالحمرة قد علت وجنتيها، وزادتها عليه إذ شعر بارتجافة جسدها عندما حطت راحة يده الملامسة لذقنها لتطوِّق عنقها، وإبهامه يتحسس شفاهها برقةٍ.

تمتم يحاول تنبيهها علَّ أحدهما يستفيق من نشوته وينقذ الموقف : – “نوري”!!

همهمت “نوران” وگأنها مغيبة، بل هي كذلك بالفعل : – امممم.

وعندما لم تبادر بقطع سحر اللحظة، اقترب وكلاهما يتنفس أنفاس الآخر و…………..
تُرى ماذا ستكون ردة فعل “نوران” بعد أن تنتبه على حالها؟

#رواية_واحتسب_عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة

👇

الفصل الثلاثون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top