رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 44

هذه االرواية حصري على موقع مجلة الأسطورة، ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

*في مزرعة الحج حسين.
قضت “سالي” ليلتها تؤنب حالها على انجراف مشاعرها تجاه المتعجرف “عبيدة”، وقد اتخذت قراراً بوجوب إيقاف هذه المهزلة وتحاشيه قدر استطاعتها وجعل العلاقة بينهما في إطار العمل واضعةً لنفسها خطوط حمراء عليها ألا تتجاوزها.

في صباح اليوم التالي استيقظت “سالي” إثر نومها المتقطع بأعينٍ حمراء ووجهٍ شاحب تتثائب بتكاسلٍ إبان استماعها إلى طرقٍ متوالٍ على باب غرفتها وصوت والدتها “فاطمة” يحثها على الانضمام إليهم.

أرادت “سالي” الاعتذار من والدتها ولكنها لم تجد ما تعلل به، كما أنها لا تريده أن يشعر عبيدة بنصرٍ مضاعف، فمعنى تهربها منه أنها تخشى لقاءه،
وبجميع الأحوال هذا ليس حلًا؛ لذا توجهت إلى المرحاض المتواجد بالدور العلوي كي تغتسل وعادت تحاول إخفاء علامات الإرهاق البادية على وجهها مستخدمةً بعض مساحيق التجميل.

ها هي تخطو بثباتٍ مزعوم إلى المطبخ، فوجدتهم يلتفون حول طاولة الطعام يشرعون في تناول وجبة الإفطار.

تقدمت تتخذ لها مقعداً بعد أن ألقت عليهم التحية، ولكن فضولها قادها إلى إلقاء نظرة عابرة على الجالس بينهم بأريحيةٍ لتلحظ ما إذا قد بدى عليه شيء من التأثر ولكن النظرة طالت وجزء بداخلها ينهرها مذكراً إياها بما قطعته على حالها من وعودٍ، والآخر منجذبٌ إلى مجاله، وفجأة استدارت العينان الزيتونيتان في اتجاهها وصاحبهما يقول:
-ترى ما رأي الآنسة “سالي” بهذا الشأن؟

أجفلت عندما انتبهت أنه يحادثها فتمتمت بتلعثمٍ عقب تَوَجُه نظرات كلاً من “فاطمة” و”أكرم” باتجاهها، تقول:
-أ… أعتذر؛ لم أنتبه لما قلت.

قالتها تزامناً مع تخضب وجهها بحمرة الخجل المقرون بالحرج، ولكن ما زاد الأمر سوءاً هو انفراج شفاهه بابتسامةٍ ساخرة وللحقيقة هي من أعطته الفرصة، ولكن تُرى ما سبب تلك اللمعة بعينيه؟!

استطرد “عبيدة” يقول بإيضاحٍ:
-كنا نتحدث عن الدعوة التي جاءتكم بشأن حضور حفل آل “السوالمي” غداً.

“سالي” بعدم اهتمامٍ : – يمكنك الذهاب ما دمت مدعو، فعلى أية حالٍ هم أبناء عمومتك وواجبك مجاملتهم، وأنا سأنجز ما بالمزرعة من مهام.

اتسعت ابتسامته يرمقها بتسليةٍ، يعقب:
-يبدو أن هناك ما يشغل فكركِ، أنا أتحدث بشأن رفض والدتكِ للذهاب إلى الحفل لأن الحج “حسين” مريض ولا زال غائباً.

-ولكنني أجدها فرصة لترفه عن حالها ما دامت لم تخطئ، ويمكننا أن نذهب جميعاً كأسرة.

-هذا ما إذا كانت تعتبرني گ”حسام”، أليس كذلك أمي؟

كان سؤاله المذيل موجهاً إلى السيدة “فاطمة” التي أجابته بِودٍ : – أنت كذلك بالفعل يا “عبيدة”، ولكنني أرى أنه من غير اللائق أن أذهب في مثل هذه الظروف.

-يمكنكم الذهاب بدوني.

جاهدت “سالي” لتتفادى النظر إلى وجه “عبيدة” فبالرغم من سماجته وهو يسجل نقطة لصالحه عندما ضبطها تختلس النظر إليه والأدهى شرودها به، إلا أنه لا يمكنها أن تنكر بأن صاحب الوجه ذو جاذبيةٍ خاصة.

“سالي” في محاولة منها للاندماج بحديثهم:
-ماذا فيها إذا ذهبتِ يا أمي؟ قطعاً ستستمتعين بعض الشيء وتجددي طاقتكِ للاستمرار، كما أن أبي دوماً ما كان يحثكِ على المبادرة بتنمية علاقتنا بالجيران ولا يصح أن ترفضي الدعوة.

“عبيدة” يضم صوته إليها : – لا تقلقي أمي.. كل مَن ستقابلينهم هم جيرانكِ ورقفاءكِ وبالطبع لن يسيء أحدهم الظن بكِ، كما أنكِ ستكونين وسط أبنائكِ، وهذه مناسبة لدى عائلة بالجوار لا حفلٌ بملهى ليلي.

“فاطمة” بترددٍ : – لا أعتقد أنهم سيسيئون الظن.. لكن.. لا يجب أن…..

“عبيدة” مقاطعًا : – هيا أمي… ولا تقولي لكن ولا تتحجي بما لا يجب فعله، كما أننا لن نتقبل منكِ أي اعتراض، أليس كذلك آنسة “سالي”؟!

قالها “عبيدة” وهو يناظر “سالي” بالتماسٍ اخترق روحها ولا تعلم سبباً لتلك الرجفة التي خالجتها وهو يتحدث إليها بحماسة، فلم تنتبه إلى عسليتيها اللتان صدحتا ببريق الإثارة وهي تؤيده في رأيه، تقول : – أتفق معك.

صدمها ما تفوهت به وكأن هناك من أجاب عنها؛ ألم تكن تنوي تجنبه منذ قليل؟!
في هذه اللحظة أرادت العودة بالزمن كي تسحب موافقتها المتهورة التي ستلزمها بالذهاب معهم كأسرة واحدة كما قال هذا الخبيث.

بينما رمقتها “فاطمة” بنظراتٍ ذات مغزى، تتسائل : – أراكِ متحمسة للذهاب إلى هناك!! يبدو أن “غالب” قد ألح عليكِ في……

بترت “فاطمة” عبارتها بعد أن شعرت بالحرج فما كان يجب عليها إلقاء تلميح كهذا في وجود “عبيدة”… بالأخير هو غريب عنهم.

بينما تجهم وجه “سالي” وهي تتصنع محاولة التذكر عما إذا كان “غالب” قد أتى على ذكر هذا الحفل أم لا، ثم أردفت تقول بإدعاءٍ ولا تعلم لما كذبت بشأن دعوته لها وعرضه لاصطحابها إلى هناك : – لا أمي هو لم يتحدث معي بهذا الشأن.

بينما صاح “أكرم” بمرحٍ يقول : – ليتنا قد تذكرنا مليوني دولار، فها قد أتى “غالب”.

التفتت “سالي” خلفها باتجاه شباك المطبخ الذي تواليه ظهرها، تقول وقد انتابها شعور بالذنب بعد مناقشاتهم الحادة ليلة أمس عندما أتت بصحبة “عبيدة” بعد دعوة العشاء:
-سأذهب لأفتح له الباب.

قالتها وهي تنهض عن مقعدها، بينما استدارت إليها زيتونيتي مَن ارتسم الاحتجاج جلياً بقاعهما ولكنه لم يعقب.

خطت “سالي” باتجاه الباب الخلفي للمطبخ المفضي إلى الشرفة تفتحه، وبسمة التماس تعلو ثغرها، فبادلها إياها “غالب” قائلاً ببشاشة:
-صباحكِ مشرق أيتها الجميلة.

تفاقم إحساسها بالذنب تجاه صديقها الذي تحاملت عليه وتمنت لو غادرها هذا التوتر الذي شاب علاقتهما منذ قدوم “عبيدة”، ورغبت في أن تظهر بعض من الود الغير مفتعل ولكن “غالب” بادرها متسائلًا فمن غيره سيشعر بتبدل أحوالها :

  • ما بكِ؟! تبدين شاحبة!! هل أنتِ على ما يرام؟

ضحكت بترددٍ في محاولة منها لمسايرته وهي تقول : – لا تكن قلوقاً يا “غالب”؛ فأنا بخير.

“غالب” على غير توقع مما أشعرها بالحرج وذلك عندما قال : – جئت لأستأذن من الخالة “فاطمة” كي أرافقكِ غداً إلى حفل عيد ميلاد “نوران” ابنة السيدة “نادين” الذي سيقيمه “عمران” بالقصر.

زمت “سالي” شفتيها باستياء وقد علت الحمرة وجنتيها لفضحه إدعائها الكاذب بشأن عدم دعوته لها مسبقاً، فأضاف “غالب” باستنكار:
-ألن تذهبي معي كما اتفقنا؟

تراجعت “سالي” خطوتين إلى الخلف وهي تتهرب بنظراتها عن الجميع، تقول بضيقٍ حاولت إخفاءه : – أتذكر بأنك أخبرتني بذلك ولكننا لم نتفق بهذا الشأن لقد عرضت علي أن تصطحبني ولم أعطك رداً.

-على أية حال لقد كنا نتحدث عن الحفل منذ قليل، وها قد استطعنا أنا و”عبيدة” إقناع أمي بالمجيء معنا إلى هناك، إذ كانت مُصرة على عدم الحضور كون والدي لازال بالمشفى.

اشتعلت حدقتي “غالب” بالغيرة، يقول بصدمة:
-أنت و”عبيدة”؟! هل كنتما تخططان إلى الذهاب سوياً إلى هناك؟!

“سالي” بتوضيح : – ليس تماماً وإنما كنا نتحدث عن الذهاب إلى هناك كعائلة، “أكرم” وأمي وأنا و”عبيدة”.

ابتسم “غالب” بسخريةٍ، وهو يقول بنبرةٍ ذات مغزى : – وهل صار “عبيدة” الآن فرداً من العائلة؟!

لم يجاهد “غالب” ليخفي تهكمه الواضح في نبرة صوته المعاتبة وهو يستطرد مضيفًا:
-وماذا عني؟
-هل كنتُ ضمن هذا المخطط العائلي أم أنني أصبحت مجرد صديق فضولي يمكنكِ التخلص منه وتكوين صداقات جديدة؟!

لا تعي لِمَ شعرت بالذنب وتأنيب الضمير؛ فبالرغم من أنها لم تعده بشيء ولكن الأسى في صوته جعلها تتألم لأجله؛ فشخصٍ گ”غالب” ذو الكبرياء والاعتزاز بالنفس ليس من السهل عليه أن يتحدث بهذا اليأس أمام أحد ولم يعتاد على فعلها وهما لحالهما.

ولكن يبدو أن فقدان الأمل يودي بصاحبه إلى طريق مظلم فيصبح غير مدرك لما قد يحدث إذا ما تعلقت روحه بما ليس مقدراً له وظل يرفض واقعاً منوط بالنفاذ، فهي أبداً لم تمنيه بها.

👇

الفصل الخامس والأربعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top