البارت الواحد والعشرون عندما يندم العاشق
مدت أسيل يدها الصغيرة المصابة إلى لؤي ببطء، تتردد وكأنها تسلم له جزءًا من ألمها.
عندما رأى الجرح، تغيرت ملامحه إلى قلق ممزوج بالغضب، وسأل بصوت حازم لكنه دافئ:
“ما الذي حدث؟ هل ضايقكِ أحد الأطفال؟”
تجمدت أسيل للحظة، وعيناها تائهتان، ثم هزت رأسها بعنف وكأنها تطرد هذا الاحتمال من ذهنها.
“إذن، ماذا حدث؟” سأل لؤي بنبرة هادئة وهو ينحني قليلاً ليكون في مستوى نظرها.
بيدين مرتجفتين، التقطت أسيل قلمها وكتبت ببطء على دفترها: “treeped”.
ثم رفعت رأسها نحوه، وعلامات التردد تعلو ملامحها.
كان من الواضح أنها لم تكن متأكدة مما كتبته. أسيل كانت دائمًا تجد صعوبة في التعبير عن نفسها بالكلمات، فتتجنبها أو تكتفي بالإشارات.
قرأ لؤي الكلمة بصوت منخفض، ثم رفع حاجبيه قليلاً:
“هل تعثرتِ؟”
أومأت أسيل برأسها، ووجهها لا يزال متوترًا.
تنهد لؤي بخفة، ولمس بلطف مكان الجرح. “هل عالج معلمكِ يدكِ؟”
أومأت مرة أخرى.
نظر لؤي إلى يدها الصغيرة بحنو، وأكمل بصوت مليء بالدفء:
“سيحتاج هذا الجرح بعض الأيام ليشفى. لكن لا تقلقي، سأهتم به.”
لم تعارض أسيل، وبدت كأنها تستمد الطمأنينة من كلماته.
بسرعة، حملها لؤي بين ذراعيه بخفة، وكأنها أغلى ما يملك، ثم بدأ في النزول على الدرج.
في غرفة المعيشة، جلس على الأريكة ووضعها بحذر على حجره. “كاتالينا، أحضري حقيبة الإسعافات الأولية.”
غادرت كاتالينا الغرفة مسرعة، وعادت بعد لحظات تحمل الحقيبة.
فتح لؤي الحقيبة بهدوء وأخرج بخاخًا مطهرًا. رش الجرح بلطف، ثم دلك حوله بحركات دقيقة، محاولًا تخفيف الألم.
تأوهت أسيل بصوت خافت، لكن شفتيها بقيتا مطبقتين. نظرتها كانت مزيجًا من الألم والإصرار.
كان لؤي يراقبها بحذر، يتأكد من ملامحها كل بضع ثوانٍ. شعر بغصة وهو يرى تلك النظرة التي لم تكن فقط لطفلة صغيرة، بل لامرأة تحمل قوتها رغم ضعفها.
“هل يؤلمكِ؟” سأل بصوت منخفض.
هزت رأسها ببطء، رغم أن وجهها كان يقول العكس.
بينما كان لؤي ينتهي من العناية بيدها، التقت عيناها بعينيه. لاحظت شفتاه المجروحتين، فتبدلت ملامحها إلى استغراب واضح.
“لا تقلقي،” قال لؤي بابتسامة صغيرة تخفي ألمًا داخليًا. “مجرد قطة برية.”
رفعت حاجبيها بتعجب، وكتبت على الورقة أمامها: “قطة؟ من أين؟”
عبست ملامحه قليلاً. “من الخارج. لا داعي للقلق.”
كان صوته يحمل حدة خفية، وكأن الحديث أكثر من ذلك قد يكشف عن شيء يثقل قلبه.
لاحظ حيرتها، فوضع يده على كتفها بحنان.
“دعينا نترك هذا الأمر الآن. حان وقت النوم.”
حملها مجددًا، وكأن حملها يخفف من ثقله، واتجه بها نحو غرفتها بخطوات واثقة ولكن مثقلة بمشاعر يصعب التعبير عنها.
كانت أسيل لا تزال تشعر بالفضول تجاه الأمر، لكنها قررت ألا تناقش كلمات والدها أكثر. وبهدوء، سمحت له بحملها.
الطابق العلوي.
عندما عادت رولا إلى المنزل، كان الطفلان لا يزالان مستيقظين يشاهدان التلفاز، بينما كانت مايا تجلس بجوارهما.
فور دخولها، نظر الطفلان بعيدًا عن الشاشة وركضا نحوها بحماس:
“ماما!”
ابتسمت رولا وربّتت على رأسيهما بحنان.
لكن أحمد، وهو يشم رائحة الكحول منها، عبس وقال:
“شربتِ؟ سأُحضِّر لكِ علاجًا لصداع ما بعد الكحول. بهذه الطريقة لن يؤلمكِ رأسكِ صباح الغد.”
ثم استدار متجهًا نحو المطبخ دون انتظار رد.
أما بلال، فقادها بلطف إلى الأريكة وأجلسها، قبل أن يجلس في حضنها ويبدأ في تدليك صدغيها بأدب قائلاً:
“سأدلك رأسكِ حتى تتحسن حالتكِ.”
مايا، التي كانت تراقب المشهد، شعرت بغيرة طفيفة من عقلانية الطفلين رغم صغر سنهما. وقالت ممازحة:
“لماذا أبنائي الروحيون لطيفون بهذا الشكل؟”
ابتسمت رولا ونظرت إليها بتسلية:
“إذا كنتِ تحبينهم لهذا الحد، أنجبي أطفالاً مثلهما.”
هزت مايا رأسها بسرعة وقالت ضاحكة:
“لا، شكرًا. قد لا يكون طفلي عقلانيًا مثل أحمد وبلال. أفضل فقط سرقة طفليكِ!”
ضحك بلال، واستمر في تدليك صدغي والدته بينما قال بنبرة مرحة:
“خالتي مايا، لا داعي لسرقتنا. إذا كنتِ في حالة سكر، سنعتني بكِ أنا واحمد بنفس الطريقة!”
كلمات بلال جعلت مايا ترغب في معانقته وتقبيله، لكنها فضّلت أن تكتفي بالقول:
“أنتما الأفضل! أحبكما حتى الموت!”
ضحكت رولا من تعليقها المبالغ فيه، وتناولت مزيج علاج الصداع الذي أحضره لها احمد وشربته ببطء.
بعد ذلك، عندما كان الوقت متأخرًا، وقفت وقالت لهما بحب:
“حسنًا، أنا بخير الآن. اذهبا للنوم في الطابق العلوي.”
قبّلت جبين كل منهما، وأومأ الصبيان برأسيهما قبل أن يتمنيا لمايا ليلة سعيدة ويصعدا إلى غرفتهما.