رواية واحتسب عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل الأول

في ردهة إحدى الوحدات السكنية المتواجدة في حيٍّ راقٍ من أحياء قاهرة المعز، تجلس إحداهن على كرسي طاقم الاستقبال الفخم المزين بطبقة طلاء ذهبية ترتدي ثوباً أنيقاً وإن لم يكن يتناسب مع سنها الحقيقي ولكنها تبدو رائعة.

إذ شارفت هذه الحسناء على عقدها الرابع وبالرغم من هذا لا يبدو عليها أية شواهد تؤيد ذلك، فهي تتمتع بجمال وأنوثة فتاة بالعشرين من عمرها، ومن يراها لا يعطها أكثر من ذلك.

تنهدت “نادين” وهي تسند كوب عصيرها الفراغ على الطاولة أمامها ترجع ظهرها إلى الخلف، وسبابتها تزج بنظارتها الطبية لتضبط وضعيتها فوق عظمة أنفها المنمق الصغير، تصب كامل اهتمامها على شاشة الهاتف الذي بيدها وهي تتابع إحدى المواقع الخاصة بالأبراج والنجوم.

وها قد التمعت أعينها الزرقاء بتحفزٍ عندما عثرت على مرجاها، فهي دوماً ما كان يشغلها تلك الخزعبلات الخاصة بالطالع، تتشائم إذا كُسِر ظافرها، تسعد إذا سُكبت قطرة من فنجان قهوتها

علا صوت “نادين”، وهي تقرأ بشغفٍ بند حظك اليوم الخاص ببرجها، فهتفت تقول:

-احظر الوقوع في الحب! تخيلي؟! إنه أمرٌ مثير للغاية!

التوى ثغر “نوران” وهي تعقب، بينما تجمع بعضاً من الكتب والروايات الخاصة بها والمتناثرة هنا وهناك بشكلٍ عشوائي على قطع الأثاث:

-حمداً لله، حتماً لن يَصْدِقوا هذه المرة؛ خاصةً ونحن نستعد إلى الذهاب إلى مزرعةٍ بالأرياف.

أجابتها “نادين”، وهي ترفع بصرها إليها تناظرها من أسفل أهدابها البنية الكثيفة تجادل:

-ولمَ لا؟! أنسيتي أن “عمران” ربما يكون هناك؟!

قالتها “نادين” ومن ثم عاودت تتابع باهتمامٍ ما كانت منكبةً عليه، بينما رمقتها ابنتها الوحيدة “نوران” بنظرة تعجبٍ، وهي تهز رأسها بيأسٍ؛ فتلك هي والدتها، وهذا هو طبعها الذي لن يتغيَّر مهما مرت السنون.

لن تنكر “نوران” أن والدتها حنونة مراعية، ولكن فكرة أنها لازالت تحتفظ بشبابها ولمحة البراءة التي تكلل معالمها وتوارثتها عنها ابنتها “نوران” كانت سبباً رئيسياً للمشاحنات المستمرة بينهما؛ فتلك الأم الطائشة دوماً ما تجرفها مشاعرها إلى الوقوع في الحب.

أجل!! فالإحساس بالحب لا يتوقف عند عمرٍ معين، ما دام القلب ينبض فمرحباً بمَن يطرق بابه في أي وقت وهذا هو مبدأ “نادين” أو كان مبدئها حتى وقتٍ قريب، تلك المرأة الخيالية التي يتناقض شغفها مع ابنتها العقلانية إلى أبعد حد يقود كل من يقبلها إلى الإعجاب بها.

لم ترغب “نوران” في التطرق إلى هذه النقطة حتى لا يندلع بينهما خلافٌ جديد بهذا الشأن، فبالرغم من كل شيء هي تحب والدتها كثيراً بصرف النظر عن علاقات والدتها العاطفية التي تختتم بزيجة جديدة.

فأصبح الأمر عادياً إذ تعودت “نوران” على ملاحظة الأعين المعجبة بوالدتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، الكل يتودد إلى تلك الحسناء المنفتحة صاحبة الروح الطفولية مهما تقدم بها السن.

للآن يَرِدِها الخطاب ولكنها تتمنع وذلك منذ وفاة زوجها الأخير الذي لقى حتفه بحادث سقوط طائرة الركاب التي أُذيع عنها في كافة المواقع الإخبارية آن ذاك؛ فقد كان حادثاً مأساوياً راح ضحيته العديد من ركاب الطائرة وطاقمها بالكامل وكان زوج والدتها المتوفي هو ربانها.

لم يكن المغفور له الأول بالطبع، ولا حتى الثاني فقد كان ترتيبه الأخير من بين خمسةٍ سبقوه وانفصلت عنهم “نادين” بالطلاق لأسبابٍ بعضها هام، كأن أحدهم لم يتقبل “نوران” في حياتهما وكان هذا أقوى أسبابها ولذلك ف “نوران” ممتنة لها، أما عن البقية فواحد من بينهم بخيل، وآخر عملي لا يعرف الرومانسية، وذاك فقدت إحساسها به وهلمَّ جر.

“نادين” تلك الحاملة للقب الأرملة الطروب على غرار كونها تسر لمرأها الأعين كما أنها دائماً ما تندفع خلف أحاسيسها الهوجاء، إلا أنها كانت مصدر لتعاسة قلوب بعضهم ممن كانوا يلاحقونها ولكنها لم تكن تستجيب لإغراءاتهم المادية في الزواج منها، فالمال آخر مبتغاها؛ ولم تسعى خلفه يوماً؟!

ولِم تنسق للطمع كبعضهن؟!
فهي لديها ما يكفيها ويفيض، فقد كان كل واحدٍ من أزواجها يهبها مهراً مبالغاً به دون أن تطلب، سواء أكان وديعة بنكية، شقة، أو مزرعة كالتي تتأهبان للمكوث بها لبضعة أسابيع، هذا إلى جانب الإرث الذي آل إليها من أبيها.

مع الوقت انقلبت الأوضاع وذلك ما إن بدأت “نوران” تتخطى مرحلة المراهقة التي مرت دون حادث عاطفي يذكر على عكس والدتها الحالمية وهذا تزامناً مع حادث زوج والدتها، ومنذ ذلم الحين و “نوران” تتولى دور الواعظ وكأنها هي الأم، إذ اعتبرت نفسها رجل البيت والملاك الحامي ل”نادين”.

بعد لحظات من السكون الذي شابه صوت ارتطام الكتب ببعضها و” نوران” ترصها بحركة محتدة تحاول تفريغ شحنة ضيقها الذي بدأ في الإتقاد، لاسيما وقد أردفت “نادين” تقول:

-أتعلمين؟!

-“عمران” ليس سيء على الإطلاق.

-أتعتقدين أنه المقصود ببند الحظ؟

أجابتها “نوران” تقول بتهكمٍ:

-أنتِ في نظره امرأة فالتة بلا رقيب، فهذا الريفي الغاشم لا يعرف المجاملات والرياء.

-وبالرغم من أنني أمقته إلا إنه ربما يكون محقاً بعض الشيء في هذا.

-حكمي عقلكِ قليلاً “نادين”، لقد سأمت يا امرأة!!

لم تأخذ “نادين” حديث ابنتها على محمل التجاوز، فهما يتعاملان معاً كرفيقتين ومَن يراهما بالكاد يلحظ فارق السن بينهما، تتناقران معظم الوقت وتنامان كل ليلة بأحضان بعضهما البعض كأختين إحداهما رعناء وهي “نادين”، والأخرى تمثل صوت العقل وتلك بالطبع “نوران”.

فأردفت “نادين” تقول معقبةً:

-بالطبع هو لا يقصد ما تعنيه.

-لا تنسي أنه نشأ في بيئة غير بيئتنا، بين إناس لهم عاداتهم وتقاليدهم المختلفة كلياً عنا.

“نوران” بإزدراء:

-إنه شخصٌ معقد، فأي شيء مؤنث بالنسبة إليه نكرة.

  • ومن وجهة نظره كل النساء حمقاوات.

قلبت” نادين” عينيها بيأسٍ، وهي ترميها بتساؤل ساخر:

-هو المعقد هنا أليس كذلك؟!

-في الحقيقة أنا لا أفهم لِم تتحاملين عليه بهذا الشكل؟!

-فقط تأتي سيرته أو تستمعين إلى اسمه وتبدأ عينيكِ بإطلاق الشرر.

-ما كل هذه القسوة صغيرتي؟!

ناظرتها “نوران” رافعةً إحدى حاجبيها، تقول بامتعاضٍ:

-لا!! أنا القاسية!!

-وماذا عن هذا البغيض؟!

-أنسيتي آخر مرة كنا هناك بالمزرعة أخذ يتنابذ بالتفاهات ويناديني بالمختلة.

-ولِم كل هذا! لأنني امتطيت أحد الأحصنة الموجودة بأسطبل الخيل خاصته!

“نادين” بدفاع:

-كان محقاً، فقد كدتِ أن تقعي من أعلاه.

“نوران” بمكابرة:

-لِمَ تدافعين عنه دوماً؟! لم أتأذى حينها.

صمتت “نوران” لبرهة، ومن ثم استكملت تقول بغيظٍ وهي تقرض على أنيابها، ضاربة الأرض بقدمها في حنقٍ:

-“نادين” لا أريد الحديث عنه، تنتابني رغبةً ملحة بفقأ عينيه كلما رأيته.

-إنه قميء، يثير اشمئزازي!

“نادين” بحدة نسبية، وهي تشيح بيدها في استنكار:

-انظروا مَن تتحدث!! إنها الواعظة “نوران”.

  • تأدبي يا فتاة وتذكري أنه يقربنا، فهو بمنزلة عمكِ.

“نوران” باستنكار:

-لا أعمام لي، كما أنه يقربكِ أنتِ لا أنا.

-ولا يتوجب عليَّ تحمله، وإذا ظللتي تتحدثين عنه، لن أسافر معاكِ إلى المزرعة، يمكنكِ قضاء وقتٍ ممتع هناك مع هذا الهمجي.

“نادين” برفض:

-لن أسافر وحدي.

“نوران” بسخرية:

-أتعلمين؟! ألست أنا مَن يلح عليكِ بين الحين والآخر كي تعودا لحياتكما معاً أنتِ وأبي!

-ولكنني أقترح عليكِ الزواج من قريبكِ البائس ذاك، فهذا خير عقاب لكِ “نادين”.

“نادين” متأففةً بضجر:

-ما بكِ “نوران”؟!

-أنتِ تتحينين أي فرصة كي تأتين على ذكر عودتي إلى عصمة والدك!

-استمعي إليَّ جيداً حتى نغلق باب النقاش في هذا الأمر.

-زواجي من أبيكِ لم يكن تجربة مؤلمة عن صدق.

-ولكننا لم نُوَفَّق بعلاقتنا، “مجدي” أحبني وأنا أيضاً كنت أحبه كثيراً، ولكن طبائعنا لم تجعلنا نتجاوز ما مر بيننا من خلافات.

-أصوله الصعيدية ودمه الحامي وعصبيته كانت العوامل المسيطرة على مشاعره، لقد كان غيوراً بشكلٍ لا يمكنكِ تخيله، لا يمر يومٌ دون شجار.

-يغضب إذا تحدث إليَّ أحدهم، يحاسبني على نظرات الآخرين لي.

-حتى بلغ به الأمر أنه كان يمنعني من الخروج، كل شيء مرفوض.

-لا زيارات عائلية ولا تكوين صداقات.

-لم يتغير بشكلٍ طفيف سوى في الأشهر التي كنت حامل فيها بكِ، وبعد ولادتكِ عاد إلى سابق عهده.

-وبالرغم من كل شيء لم أندم للحظة على زواجي منه، يكفيني أنني بفضله صرت أُمَّاً لفتاةٍ رائعةٍ مثلكِ.

تمهلت “نادين”، ومن ثم استكملت تقول بنبرة حنونة داعمة:

-تُذكِّريني به، لقد أخذتِ عنه جاذبيته ولون بشرته البرونزية وكذلك شعره الحالك.

-أنتِ تركيبة فريدة “نوران” فتاة بملامح شرقية عذبة، وعينان زرقاوان.

ابتسمت “نوران” تقول بتنمرٍ على حالها:

-لا أمي! يجب أنا آخذكِ إلى الطبيب لتعييدي كشف النظر، أعتقد أن نظاراتك الجديدة لا تعمل بشكلٍ جيد.

“نادين” بمداعبة:

-لا أنها مريحة للغاية، حتى لو أنكِ لا تنظرين إلى حالكِ بالمرآة.

-فالجميع يمكنهم ملاحظة ما تنكرينه وبوضوح.

-أنت فاتنة” نوران”، وتشبهينني كثيراً، أم أنك تشككين في جمالي أنا أيضاً؟

“نوران” مقهقهةً بعذوبةٍ:

-وكيف لي أن أنكر ذلك، فطوال الوقت وأنا أقوم بدور حارسكِ الشخصي لأُبعد عنكِ ترهات المعجبين الذين يحاوطونكِ أينما ذهبتِ سيدتي الجميلة.

رفعت “نوران” بصرها إلى أعلى تقول باستسلامٍ وأكتافٍ متهدلة:

-لي الله! أكان من الضروري أن تتزوجي أبي في سنٍ صغير كل هذا القدر.

-لا!! وتتعجلين وتنجبي بأول عام زواجٍ لكما حتى أعايش كل هذا الكم من المعاناة، مَن يرانا يخالنا أختين وأنا أكبرنا!

التمعت أعين “نادين” بالعبرات، وهي تشعر بالذنب تجاه ابنتها الوحيدة، تقول بتأثرٍ:

-يا الله “نوران”! لم أكن أعلم إني أُمٌّ سيئة إلى هذا الحد.

تركت “نوران” ما بيدها على الفور إثر تعقيب والدتها، وهي تقترب منها، ومن ثم انحنت بجذعها تجلس على ركبتيها أمام “نادين” أرضاً، تحتضن كفي والدتها بين راحتيها رافعةً إياهما معاً إلى ثغرها تلثمهما بعرفان، قائلةً بإعتذار:

-أنتِ أفضل أُمٍّ بهذا الكون، أتعلمين؟!

-لقد أحببت دور ضابط الحراسة ذاك حتى أنني أفكر في التطوع بالجيش، ترى هل سيقبلوني؟

أخذت “نادين” تملس على خصلات شعر ابنتها الحريرية، وهي تقول بحنان:

-لا يمكنني العيش بدونكِ نوران، أنتِ أطيب قلب.

-محظوظٌ مَن ستكونين من نصيبه.

-كما أنكِ ذكية ومثقفة، حمداً لله إنكِ قد ورثتي المثابرة على تحصيل العلم مثل والدكِ.

  • فقد كان مهتم مثلكِ ولن أنكر كان ذو عقلية فاذة وهذا ضروري للرجال كي يجذبونا إلى دائرتهم.

-ولكن ألا ترين أنكِ بحاجةٍ إلى القليل من الرومانسية، لقد خلقت المرأة سكينة للرجل لا نداً له، خلقها الله وخصها بالجمال والفتنة.

ابتسمت “نوران” رافعةً بصرها إلى والدتها تقول:

-ألا يكفينا ملكة واحدة؟!

ترى ما قصة الأم وابنتها؟
وما سر عداوة “عمران” و”نوران”؟

الرواية حصري ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

رواية-واحتسب-عناق-بقلم-الأسطورةأسماءحميدة
الفصل الثاني 👇

الفصل الثاني

روايات أخرى قد تعجبك ما عليك سوى الضغط على اسم الرواية، جميع رواياتنا مكتملة بدون حذف👇

👇

جوازة بدل للرائعة سعاد محمد سلامه

👇

رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر بنت الجنوب كاملة

👇

رواية كواسر أخضعها للرائعة نورهان العشري كاملة

👇

رواية كشماء بقلم الكاتبة سعاد محمد سلامه

👇

ونسيت إني زوجة بقلم المتألقة سلوى عليبة

👇

رواية صبرني يا رب بقلم إيمي عبده

👇

رواية القاهرة 1030 بقلم الكاتب عمرو سامي


👇

رواية والسبب أمي بقلم الكاتبة إيمان صالح

👇

تمنيت أن يطول عذابي بقلم الروائية نورا محمد علي

👇

اسكتش كوميدي شركائي في السكن بقلم الأسطورة أسماء حميدة

👇

رواية في حبه رأيت المستحيل بقلم سارة شريف

👇

رواية وجع ودموع بقلم الغزالة لبنى دراز

👇

رواية يوم كتابة قدري بقلم الرائعة نعمة شرابي

👇

رواية جنون العشاق بقلم الكاتبة إيمي عبده

👇

رواية قلوب مشتتة بقلم الكاتبة سلوى عليبة

👇

رواية شمس تفاحة آدم بقلم الكاتبة سلوى فاضل

لمحبي القصص المسموعة 👇

قصة مولانا بقلم الأسطورة أسماء حميدة – أكشن – ما*فيا – غموض – إثار*رة

8 أفكار عن “رواية واحتسب عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل الأول”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top