رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 43

رواية حصري لموقع مجلة الأسطورة، ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

رفع “عمران” يده يفرك جبينه بأنامله مدعياً التفكير، وهو يميل بجذعه إلى الأمام، مرتكزاً بمرفقيه إلى فخذيه للحظاتٍ، وبعدها رفع رأسه إليها، وهو يرسم على وجهه أملاً زائفاً، قائلاً:
-هناك حليْن كلاً منهما أصعب من الآخر؟

“نادين” بتلهفٍ : – ما هما؟! لربما يمكننا الموازنة بينهما واختيار الأيسر.

زفر “عمران” أنفاسه بتمهلٍ، وهو يرتب أفكاره ليجعلها ترفض أولى الحلول:
-بما أن علاقتكِ ب”حسن” قد توطدت سريعاً، وعلى ما أعتقد أنه يرغب في الزواج بكِ.
-لذا يمكنكِ الاستعانة به ليقرضكِ المال الذي تحتاجينه لحين إتمام الزواج.

في ظروفٍ مختلفة كانت ستشعر “نادين” بالسعادة حالما تعلم بِنيَّة “حسن” في الارتباط بها، ولكن الوضع الآن لا يسمح لها بالاستمتاع بهذه الأنباء السارة.

أما من لاحظ شرود “نادين” أسرع يحطم آمالها في انتهاج هذا الحل الذي لم تكن تستصيغه على الإطلاق؛ فكرامتها تأبى أن تطلب شيئاً كهذا من “حسن”، وكان ذلك هو مدخل “عمران” لهدم واقعية الحل من أساسه، ألا وهو “كبرياءها اللعين”؛ لذا أسرع يقول:
-ولكن هذا الحل له آثاره السلبية؛ إذ أن “حسن” لم ينطقها بعد، ولم يتقدم لطلب يدكِ بشكل رسمي، وهذا يعني أنكِ ستبادرين.

-وعلى ما أعتقد أنه من الصعب على أي امرأةٍ أن تذهب إلى رجل مهما بلغ تعلقها به، لتخبره بكل بساطة أنها ترغب في الزواج منه، لا بل وتملي عليه شروطها وتطلب منه مبلغاً محرزاً يكفي لحل تلك الأزمة.

دحر آمالها الموئودة منذ بداية اقتراحه، ولم يكتفي بل أضاف “عمران”، قائلاً:
-وحتى وإن كان “حسن” قد تقدم لطلب يدكِ بالفعل، فكونكِ تساوميه على قبول عرضه مقابل المال، هذا كافٍ لجعله يدير ظهره إليكِ هاربًا دون رجعة.
-وربما سيظن أنكِ تستغلينه، ولن يصدق تلك الأفعال المشينة التي قام بها هذا النصاب قبل وفاته.

تنهد “عمران” بضيقٍ أجاد استحضاره، وهو يرجع ظهره إلى الخلف يسند جذعه إلى دعامة الكرسي، يقول بإشفاقٍ:
-جرِّبي؟ فربما يكون “حسن” متفهماً إلى أبعد حد ويُقدِْر الموقف.

زفر “عمران”، مضيفًا : – ولكن من واقع معرفتي القريبة به، لا أعتقد أنه سيُقْبِل على زيجة كتلك.
-ومن منظوري كرجل أن من يَقْبَل بهذا لن يكون متفهماً.. بل بلغت به البلاهة مبلغها.

“نادين” بضياعٍ : – إنه ليس حلاً بل متاهةٍ إضافية!!

“عمران” بإيماءة إيجابٍ : – قلتُ لكِ منذ البداية أن الحلين لن يكون من السهل تنفيذهما، ونتائجهما غير مضمونة.

ها قد لفت نظرها إلى الحل الثاني، إذ أسرعت تقول : – وماذا عن الحل الآخر؟!

“عمران” بتوجسٍ مصطنع : – إذا فشلت خطة زواجكِ، ربما تزوجين “نوران” إلى شخصٍ ثري يمكنه انتشالكما من هذه المصيبة.
-هل هذا الشاب……

تمهل وكأنه يحاول التركيز ليتذكر اسم الذي لم يغِب عن عقله لبرهة وليس بعد قدومها هي وصغيرته ولكن منذ أن أبلغته “نادين” بعرض “أيمن” للزواج من “نوران” هاتفيًّا وهي لا زالت في القاهرة، ليس اسمه هو الشيء الوحيد الذي يعلمه عن غريمه،
بل قد كلَّف “عمران” صديقاً له يعمل بالمخابرات ليساعده في معرفة المزيد من التفاصيل عن “أيمن”.
وللحقيقة لم يتأخر الصديق عن إمداده بكل المعلومات عن “أيمن” منذ أن كان نطفةً برحم أمه.
“عمران” باستحضارٍ : – أجل تذكرت اسمه.. “أيمن”؟ أليس كذلك؟

“نادين” بعدم استدراكٍ : – ما به “أيمن”؟!

“عمران” مستكملاً، والجواب معروف، ولكنه يُمهد لينَل ما تمنى : – يمكنكما قبول عرضه بعد أن تشترطي عليه أن يمنح عروسه مهرًا كبيرًا.
-ولا أعتقد أنه سيمانع ما دام شاري، ويحبها كما يقول، وللحقيقة عروس گ “نوران” لا يغلى عليها كنوز الأرض جميعها.

“نادين” بأسفٍ : – صحيح أن “أيمن” من عائلة مرموقة ولكنهم ليسوا أثرياء كما تتخيل.. فأبيه وأجداده كانوا من كبار موظفي الدولة النزهاء، وأشخاصٍ گهولاء لا يُوَرِّثون أبناءهم سوى المعاش الحكومي.

حاول “عمران” كبت ابتسامته على ما ذيلت به تعقيبها، ولكنه لم يفلح فرفع يمينه سريعاً يحجب بها بسمته، وهو يحك شعيرات ذقنه النابتة، وبعدها أزال الحائل لتظهر ابتسامته الجذابة، وهو يقول مُجدداً الأمل بداخلها وگأنه اكتشف سر القنبلة الهيدروجينية : – وجدتها.

هبت “نادين” من مجلسها بسيقانٍ ترتجف خوفاً من أن يسلبها آخرى أملٍ بعد “وجدتها” تلك، وهي تقسم بداخلها أنه إذا أضاف شيئاً غير ذي جدوى، ستقُم بصفعه، وتتوجه على الفور إلى “حسن” تتوسله في أن ينقذها.

“نادين” بالتماسٍ : – قل يا ابن العم، فتح الله عليك؟

“عمران” محاولاً تبسيط الأمور:
-يمكننا إيجاد مَن يتحمل عنكِ الدين لأجلٍ معلوم حتى يتم زواجكِ من “حسن”، وحينها لن يمانع في الوقوف إلى جانب زوجته في محنة كتلك.

تأففت “نادين” وهي تسأل : – ومَن هذا الأحمق الذي قد يُقْبِل على فعل شيءٍ كهذا؟!

“عمران” بحرجٍ : – أنا.

“نادين” بدهشةٍ : – وما المقابل؟!

“عمران” بتلبكٍ : – زوجيني “نوران”؟

استدارت أعين “نادين” بمحجريهما، وهي تسأل ببلاهةٍ  : – ماذا؟!

تحمحم “عمران” يجلي صوته، قائلاً:
-ما بكِ؟!
-زواجي بها سيكون ضماناً لمالي، فبالأخير أنا تاجر ولن ألقي بمالي دون ضماناتٍ.

“نوران” برجاءٍ : – دعنا من زواجك ب”نوران”؛ فهي لن توافق، سأحرر لك إيصالات أمانة بقيمة المبلغ.

” عمران” باستفزازٍ وثقة : – ومَن قال لكِ أنكِ لن توقعي على إيصالات الأمانة؟!

زوت “نادين” ما بين حاجبيها تسأله باستنكارٍ:
-ما دمت سأوقع!! لِم الزواج إذاً؟!

“عمران” ببرودٍ : – وهل “عمران السوالمي” گبير قرية السوالمية سيقوم بسجن ابنة عمه إذا ما تعسرت في الدفع؟!
-حينها اعتبري المال مهر “نوران” ولا أريد منكِ رداً للدين.

زفرت “نادين” بنفاذ صبر، وهي تلوح بيدها في الهواء أمام وجهه : – ألم تسمع؟! قلت لك أنها لن توافق!!

تنهد “عمران” لاوياً ثغره، يقول بإبهامٍ:
-وما حاجتنا لموافقتها؟!

ناظرته “نادين” بريبةٍ، وهي تسأله بعجبٍ وكأنه تنين برأسيْن : – “عمران”!! ما نوع الكيمياء التي تتعاطها؟!
-اخبرني؟ فبالأخير أنت ابن عمي وأنا سترٌ وغطاءٌ عليك، صارحني.

“عمران” بحاجبٍ مرفوع : – بمَ تهزين أنتِ؟! هل جرى شيء لعقلكِ؟! ما هذا الهراء؟!

“نادين” بتهكم : – عقلي أنا!! وماذا عنك يا سيد العقلاء؟!
-كيف سأزوجك ابنتي من دون علمها؟! كيف؟!

اعتدل “عمران” في جلسته، يضع ساقاً فوق الآخرى بعنجهية : – بنفس الطريقة التي سلبتيها بها حقها بجهلكِ.

“نادين” بتشوشٍ : – لا أفهمك.

“عمران” بإيضاح : – حكم الوصاية، أليست “نوران” تحت وصايتكِ؟!

“نادين” باستفسارٍ : – كم الساعة في يدك. الآن؟!

“عمران” بغيظٍ : – هل لديكِ موعد مع رئيس الجمهورية؟!

“نادين” بنزقٍ : – لا.. ولكن مطلبك يتوقف على إجابة هذا السؤال يا ظريف!

لم يلتقط “عمران” المغزى وراء تعقيبها الساخر هذا، ولكن هيئتها وما وُضِعت به من مصائب ينبأه بأنها تعني ما تقول، لذا حوَّل بصره مطرقًا رأسه إلى يساره، رافعاً معصمه، متمتماً وهو يهز رأسه بحنقٍ، يقول ورماديتيه تدقق بساعته الرقمية:
-إنها الحادية عشر وخمسة عشر دقيقة، وما علاقة هذ…….

بتر “عمران” عبارته، وقد تغيَّرت شاشة الساعة إلى التقويم الميلادي، وعندما التقطت عيناه تاريخ اليوم، عقب بأعينٍ جاحظة : – اللعنة!!

تزامن تعقيبه مع تعليل “نادين” وهي تقول:
-ستسقط شرعية حكم الوصاية بعد ساعة إلا ربع من الآن، فستتم “نوران” السن القانوني بعد الثانية عشر ليلًا.

هب “عمران” من مجلسه يقبض على ذراع “نادين” يدفعها أمامه بهمجيةٍ، وداخله يبتهل إلا الله بألا يكون المحامي قد مل الانتظار وغادر القصر، يعلم أنه لن يفعلها إلا بإذنه ولكن ربما طرأ شيءٌ خارجاً عن إرادته جعله يرحل.

اقتحم” عمران” غرفة المكتب كالثور الهائج تحت صياح “نادين” بأن يتركها، ولكنه لم يشغل باله بما تلعي به، وعندما وقعت أنظاره على المحامي أطلق سراح أنفاسه المحبوسة، يزفر براحةٍ، وهو يقول بأمرٍ أشبه بالتوسل كان موجَّهًا إلى الأستاذ “عبد الحميد” المحامي:
-اخرج دفتر عقود الزواج الذي بحوزتك، وإن لم يكن معك حرر عقداً كتابيًّا باليد وسنسجله باكر في المحكمة.

ارتعدت أوصال الأستاذ “عبد الحميد” من هيئة كبيرهم الذي كان أشبه بمَن أصابه مَسٌّ من الجن، وهو يلتقط حقيبة أوراقه بإيدٍ مرتجفة، ينفذ ما أُمِر به على الفور، بينما هدرت فيه “نادين” بحدةٍ : – ومَن قال لك أنني سأوافق على هذا الهراء؟!

“عمران” بجمودٍ : – ليس أمامكِ حل آخر.

“نادين” بِتعنتٍ : – حتى وإذا كان ما تقوله صحيحاً، فأنا لن أضحي بابنتي.

هنا تلاشى كبريائه وماتت غطرسته المزعومة، وهو يركع أمامها على ركبةٍ ونصف، تحت أنظار الحاضريْن اللذان اتسعت حدقتيهما بذهولٍ وكان “عبد الحميد” أشدهما عجباً.

“عمران” بتوسل : – “نادين”!! أقسم لكِ أنني لن أجبرها على شيءٍ، ستظل تحت رعايتي لمدة عامٍ، ولن نخبرها بشيء، وبعد تلك المدة إذا رغبت بالانفصال سأُطلِّقها أو سنتمم زواجنا إذا قبلت بي زوجاً لها.. وافقي حبًّا في الله.

صِعقت “نادين” مما ترى، فبالرغم من أنها كانت تشك بأن كلاهما يُكِن شيئاً للآخر، ولكن ما يحدث أمامها الآن لم يَرِد بعقلها حتى ظنَْت بأنها تحلم.
تمتمت “نادين” باستغرابٍ : – لِم تفعل كل هذا؟!

“عمران” متجاهلاً سؤالها، يقول بينما أشار بسبابته إلى الدائن : – سأدفع الدين الذي تورطتِ به إلى هذا الشخص، ولا أريد منكِ أية ضمانات، وحتى إذا رغبت في الطلاق لن أُبقِها على ذمتي دون إرادتها ولن أطالبكِ بجنيهٍ واحدٍ.

“نادين” معاودة سؤالها : – لِم “عمران”؟! أتريد إذلالها؟! لا أعتقد أنك تفعل هذا لأنك…

قاطعها “عمران”، وهو يطرق رأسه بخفارةٍ:
-أحبها، بل أعشقها.

شخصية هشة ورومانسية گ “نادين” لا يمكنها الوقوف أمام عاطفةٍ جياشة كالتي عصفت بقلب متحجر لَان على يد صغيرتها، فأومأت إليه بالإيجاب، وهي تقول : – لن نُعلِمها بشيءٍ، حتى بعد انتهاء العام سنُخيِّرها، وكأنما لا سلطان لك عليها وسيشهد هذان الرجلان على وعدك لي.

“عمران” بتأكيدٍ : – أعدكِ “نادين”، والله شاهدٌ على ما أقول.

قالها وهو يستقيم بأنفاسٍ متقطعة، يدس يده بجيبِ منطاله، يُخرج بطاقة هويته يلقيها أمام الأستاذ “عبد الحميد” على سطح المكتب، وهو يقول بمناشدةٍ : – اسرع يا رجل بارك الله فيك.

ومن ثم وجَّه خطابه إلى “نادين”، يقول:
-أين بطاقة “نوران” وصورة حكم الوصاية؟!

أجاب عنها الأستاذ “عبد الحميد”، يقول:
-بيانات الآنسة “نوران” معي منذ أن طلبت الحجة “سميرة” أن أكتب لها وصيتها، ومعي أيضا صورة من حكم الوصاية؛ فقد كنتُ أنا المحامي الموَّكل من قِبَل السيدة “نادين” كما تعلم.
-كل ما نحتاجه الآن شاهديْن.

أما ذلك الغريب الذي لا يعلم عن عادات وتقاليد أهل الأرياف شيئاً، أردف يقول بوقاحةٍ:
-لا بد وأن العروس التي تتحدثون عنها حورية من الجنة.
-هل لي أن أراها لربما يرسى علي العطاء؟

تقدم “عمران” إليه ولا تعبير يذكر على وجهه، ومن ثم أمسك بمقدمة ثياب هذا الصفيق، مكوراً قبضة يمينه، يحط بها أسفل فك الآخر بقوةٍ، جعلته يرتد إلى الوراء، وإذا به يتعرقل بالمقعد الذي خلفه، فهوى ثقل جسده عليه ومن شدة تلك المطرقة التي أعادت هيكلة وجهه سقط الرجل على رأسه بعد أن وقع به الكرسي على ظهره، ومن ثمَّ خاطب “عمران” المحامي يقول:
-فتش ثيابه… وستجد بطاقة هذا السفيه، ودَوِّن بياناته في خانة الشاهد الأول.

الأستاذ “عبد الحميد”، ويداه تعبث بسترة المتكوم أرضاً، متسائلاً : – والثاني؟

“عمران” باستفسارٍ : – معك بيانات “غالب”.. بالتأكيد؟

الأستاذ “عبد الحميد” بإيجابٍ : – أجل.

” عمران” بنبرةٍ آمرة : – دَوِّن.
قالها وهو يواليهم ظهره استعداداً للخروج من غرفة المكتب، بينما صاح صاحب الجسد الملقى على الأرض بإهمالٍ : – هكذا تعاملون ضيوفكم؟!

التفت إليه “عمران” بأعينٍ تُطلق الشرر، يقول بحدةٍ : – المتبجحون أمثالك نلقي أشلاءهم صدقة لكلابنا التي ترعى الأغنام كي نُشرِّسها.

الرجل بهزئٍ إذ ظنه يهِّول الأمور : – وأنا لن أبيع، تتحدث عن الدين ولكنك نسيت أن المزرعة والشقة والسيارة ضمن ملكيتي الخاصة ولا أود بيعهم.

“عمران” بشزرٍ : – ابلع لسانك، بدلاً من أن أقطعه أمام عينيك، وأطعمك إياه.

قالها وانصرف على الفور يهرول باتجاه السلم الداخلي للقصر، يصعد كل درجتين بخطوةٍ واحدة وكأنه مشتركٌ في سباق عدوٍ، وهو يتأفف بضيقٍ، متمتمًا : – أكان يجب أن تختار إحدى غرف الدور الثالث؟! سامحك الله يا “غالب”.

لم يتكبد “عمران” عناء طرق باب غرفة “غالب” بل اقتحمها على الفور، وعينيه تجوب أركانها بحثاً عنه، وعندما لم تقع أنظاره عليه، أطلقت شفاهه سبة نابية، ومن ثم أَعْرَض بوجهه وهو يستدير بجسده إلى الخارج، ينوي البحث عنه في مكانٍ آخر،
ولكنه تصنم بأرضه عندما استمع إلى صوت رذاذ ماءٍ قادماً من الحمام الخاص بغرفة “غالب”.
وكما تعامل “عمران” مع الباب أثناء دخوله الغرفة حدث نفس الشيء، وإذا به يمد يده إلى مقبض باب الحمام يديره بعجالةٍ دون لحظة تفكير.

أما من يقف باسترخاءٍ أسفل الصنبور العلوي للمرحاض عاري الجسد كما أنجبته أمه، شهق بصدمةٍ، وهو يستمع إلى صوت فتح باب الحمام، فاستدار مسرعاً يوالي ظهره إلى الدخيل الذي لم يتبين ماهيته بسبب رغوات الصابون التي تغطي وجهه، وهو يقول بهلعٍ : – مَن هنا؟!

“عمران” بدون تعقلٍ : – ما الذي تفعله الآن؟!

“غالب” بصدمةٍ مضاعفة، وهو يضع رأسه أسفل الصنبور مباشرة ليزيل عنه الصابون، وهو يقول بحنقٍ : – ماذا أفعل!!
-قل لي ماذا تفعل أنت هنا؟! أنا في حمام غرفتي أم استحم في ميدانٍ عام؟!

مد “عمران” يده إلى المشجب المتواجد خلف باب المرحاض، يلتقط ثوب الاستحمام المزقرش الذي علقه “غالب” ليستخدمه بعد الانتهاء من حمامه، يلقيه عليه بإهمالٍ، وهو يقول بأمرٍ:
-ارتدي هذا واخرج على الفور، أريدك الآن.

أمسك “غالب” بالثوب قبل أن يسقط أرضاً ويبتل بالماء، يرتديه مسرعاً حتى من قبل أن يلقي عليه “عمران” هذا الأمر الصفيق، ولكن حالما التقطت مسامعه تلك الكلمات الغريبة، استماتت قبضة “غالب” على مقدمة الثوب، وهو يقول بريبةٍ : – هل جننت.. ما الذي تقوله يا عديم الحياء؟!
-هل أنت مخمور أم ماذا؟!

“عمران” بغضبٍ : – احفظ لسانك!! اسرع… هيا..
لا وقتٌ لدينا.

“غالب” بأعينٍ مستديرة : – تقتحم عليَّ الحمام وأنا بهيئتي تلك!! … وأريدك!! … وليس لدينا وقت؟!
تمهل “غالب” ومن ثم أضاف بتوجسٍ : – ماذا هناك؟!

“عمران” بإيجاز : – سأتزوج؟!

زفر “غالب” براحةٍ، مطرقاً رأسه، ويديه تعبث برباط ما يرتديه؛ ليعقده محكمًا غلقه، وهو يعقب ببلاهةٍ:
-لِم لَم تقِل هذا منذ…

ابتلع “غالب” باقي كلماته المستفسرة، وقد ارتفع رأسه تلقائياً، وهو يحدق فيه متسائلًا بعدم استيعابٍ : – ماذا؟!

انقض عليه “عمران”، مما جعل الآخر ينكمش على حاله، وإذا به يقبض على مؤخرة ثوبه يجره جراً كشَّاه، وهو يقول بحدةٍ:
-لا مجال لاستفساراتك الآن.

“غالب” بتوسلٍ : – هل سأخرج من الغرفة هكذا؟!
-دعني ارتدي شيئاً سترك الله في الدنيا والآخرة.

“عمران” بيباسة رأسٍ، وهما يهبطان الدرج بسرعةٍ، وإحداهما مكبل بثيابه كاللص المضبوط بسرقته : – فيما بعد.

“غالب” بنبرة صوتٍ أقرب إلى البكاء:
-هناك نساء بالمنزل يا ابن العم!! هذا لا يصح.

“عمران” بإيجازٍ، وهما على بعد خطوات معدودة من باب المكتب : – كلهن نائمات.

ختم “عمران” عبارته، وقد أصبحا كلاهما بداخل الغرفة، وإذا بصوتٍ أنثوي كسرينة الإسعاف، يشهق صارخاً بفزعٍ، وصاحبته تدير وجهها إلى الجهة الأخرى، وهي تغطي وجهها بكلا راحتيها، فرفع “عمران” كتفيه يقول بلا مبالاةٍ : – إلا “نادين”..
انتظرونا في الجزء القادم، دمتم سالمين.

👇

الفصل الرابع والأربعون

1 فكرة عن “رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 43”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top