رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 46

الرواية حصري على موقع مجلة الأسطورة، ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

*داخل قصر السوالمي.
“نوران” بثورة: – ممكن أفهم ما الذي يوجد بتلك اللعنة؟
تحمحم “غالب” يجلي صوته قائلاً بارتباكٍ:
-لم اخترتيني أنا تحديداً لتستفسري مني عما تريدين؟
“نوران” بمهادنة : – أنت من التقيته أمامي، “غالب”.. حباً في الله أخبرني كيف حدث هذا!!

“غالب” بحيرة : – ليس من شأني أن أتحدث فيما لا يخصني.

“نوران” بعناد : – ما دمت قد وقعت على شيء كهذا وكنت شاهد عليه، فأنت مسئول أمامي.

زفرت “نوران” أنفاسها بتمهل، وعلى ما يبدو أن “غالب” لن يستسلم بسهولة لذا لجأت إلى الحيلة:
-“غالب”.. لن أخبر أحداً أننا تحدثنا بهذا الشأن وخاطري عندك، جلّ ما أريد معرفته كيف ولِم تم شيء كهذا ودون علمي؟! وهل هذا العقد صحيح أم لا؟!

“غالب” بتحفظ : – وهل تعتقدين أنني من الممكن أن أتدخل في شيء غير قانوني وبالأخص إذا كان أمر حساس كهذا؟! بالأساس هل سيقدم “عمران” على تزوير عقد زواج من إحداهن، وكلهن رهن إشارة من إصبع يده الصغير؟!

“نوران” بتساؤل جاف وقد ثارت غيرتها عقب قولته الأخيرة : – العقد صحيح؟

“غالب” بإقرار : – نعم صحيح.

ألقت “نوران” بحمل جسدها على طرف الفراش، تعاود النظر إلى ما بيدها بصدمة، ومن ثم رفعت بصرها إليه تسأله بإلحاح : – لِم؟!

جلس “غالب” على المقعد المقابل لها بالجهة الأخرى، ينحني إلى الأمام مرتكزاً بساعديه إلى فخذيه عاقداً أصابعه معاً، يقول بتردد:
-صدقيني “نوران” لا أعرف أسبابهم لفعل هذا، ولكن ما أجزم به أن “عمران” يعشقكِ حتى النخاع.
-السعادة التي رأيتها بعينيه ليلة أمس ما إن حصل على العقد الآخر شبيه للذي بيدك وتطلقين عليه لعنة، لم ألمحها بعينيه من قبل.
-أعلم أنك مصدومة ولكن “عمران” ليس سيء إلى هذا الحد.
أطرقت رأسها توازن ما قاله، وحرب ضروس مندلعة بعقلها، فنهض” غالب عن مقعده مراعياً ما بها من تخبط ينوي المغادرة مطأطئاً رأسه، وما إن أمسك بمقبض الباب يديره حتى فزع وعيناه قد وقعت على حذاء رجالي لامع فارتفع بصره وقلبه يؤكد حدسه إنه “عمران” لا محالة وقبل إبداء فعل أو قول.

اتجهت قبضتي هذا الثائر يمسك بتلابيب قميص من تصنم بأرضه فاغراً فاهه وعيناه جاحظتين بهلع، و”عمران” يصرخ فيه بحدة:
-ما الذي أتى بك إلى هنا؟

“غالب” بتلجلج أثار غيظ الآخر : – أنا… “عمران” استمع إلي أخي، لقد ك… كنت…

” عمران” بغضب متفاقم : – ستنطق أم أهشم رأسك؟ لا تثير غضبي “غالب”.

هبت “نوران” واقفة تتجه إليهما، وهي تحاول فض هذا الاشتباك بينما، بينما رمقها “غالب” بنظرة لوم وگأنه يقول لها هذا ما توقعته صاحت “نوران” تقول بنزق : – ما بك” عمران”؟! ماذا حدث لكل هذا؟!

“عمران” بشزر : – اخرسي الآن، لا أريد سماع صوتك، دوركِ آتٍ.

“نوران” بعناد : – دعه أيها الهمجي، أنا من استدعيته إلى هنا، فقد كان مقبض صنبور المياه عالقاً، وطلبت منه المساعدة في تشغيله، لا شيء يستدعي كل هذه الثورة، كما أنه لا دخل لك في تصرفاتي أنت لست واصٍ عليّ.

أسدل “عمران” يديه عن “غالب” يفجر ثورته بها متجاوزاً إياه، ليقبض على رسغها يفحها حديثه من بين أسنانه المصطكة:
-لا ترفعي صوتك أيتها المتبجحة… فحتى أسبابكِ هذه ليست تبريراً لاستدعاءه إلى غرفتك… لا وأغلقتِ عليكما الباب… ألا تعد هذه خلوة…. لِم لم تستدعينني؟! لم هو؟!

حدجته باستغراب مصطنع وهي تقول بتسلية:
-ما الفارق إذاً؟! أنت أم هو ألا تعد هذه خلوة؟!
-ما الاختلاف اخبرني؟!

تبخرت شجاعتها المزعومة عندما استمعت إلى صوت غلق الباب، وها قد تركهما “غالب” بمفردهما، فتمتمت موجهة نظرها باتجاه الصوت : – سحقاً!! لقد انتهيت على الأخير.

“عمران” بتهكم : – لم؟! هل لأن “غالب” رحل تبدد إحساسك بالأمان؟!
-تستمدين منه قوتك؟!
قالها بعتاب حلو فتك بقلبها، فهمست بمكر أنثوي : – “موري”.. لا تفقد رباطة جأشك، لقد أعطيت الأمور أكثر من حقها، أقسم أن لا شيء بيني وبينه… “غالب” أخي.

“عمران” بيأس : – وأنا؟!

” نوران” بِسُحت : – أنت صديقي.

زمجر باعتراض، يهمهم مطالباً بالمزيد : – امممم.

أضافت : – صديقي المقرب، ألا يكفي هذا؟

لم يجب وإنما تاه بملامح وجهها المشرق، يهز رأسه برفض، يقترب منها مجبراً إياها على التراجع وهي تطالعه بريبة، تقول بصوت مذبذب : – ماذا هناك “عمران”؟!

“عمران” بوله : – أنت تبدين فاتنة اليوم يا قلب “عمران”.

علا ثغرها ابتسامة عذبة، وهي تسأله : – هل كنت قبيحة من قبل؟

حبس شفته السفلى بين أسنانه، يقول بشغف :

  • أنت دوماً رائعة.

ناشدته وهي تشعر بمزيج من الأحاسيس الدافئة : – ابتعد “عمران”.. أنت تشعرني بالتوتر.

لم يعر رجائها أي اهتمام بل على العكس مال برأسه إليها متمتماً بصوتٍ أجش : – لم؟!

تهربت بنظراتها عنه تقول بخجل : – لا أعلم ولكنني أشعر بهذا كلما كنت معك.

“عمران” بحزن مصطنع : – تخافين مني؟!

أسرعت تجيبه : – لا… أجل…

تأففت ومن ثم أجابت : – أنا حقاً لا أعلم.

“عمران” بامتعاض : – أنت فتاة مزاجية، يجب علي أن أعترف بهذا..
قالها مبتعداً بضعة خطوات إلى الخلف بعد أن حرر معصمها، يجلس على طرف التخت وكل ما حاول كبته من مشاعر أخذت تموج بداخله گمِعْوِلٍ يغلى ما بجوفه، عقله يشير عليه بضرورة الانصراف، ولكن قلبه اللعين لا يخنع إلى أوامر العقل، اطرق رأسه أرضاً يستند بكلا راحتيه إلى حافة الفراش على كلا الجانبين.
بينما دنت إليه تجلس أمامه القرفصاء كما كنت تفعل وهي صغيرة، تستند بساعديها إلى فخذيه، رافعة بصرها إليه، ترمقه بأعين القطة خاصتها، مرفرفة بأهدابها تقول ببراءة : – هل أنت غاضب مني؟!

أغمض جفنيه يطبقهما بحدة، وهواجس تتقاذفه إلى منحنى خاطئ تدور جميعها عنها، ليس غاضب منها ولكنه ناقم على حاله؛ فإذا استمر الحال على هذا النحو لن يتمكن من السيطرة على حاله، وأبداً سيكون من الصعب عليه تنفيذ اتفاقه مع “نادين” بشأنها.

تمتم بداخله دون صوت مسموع : – فلتذهب كل الوعود إلى الجحيم “عمران”، إنها زوجتك.

لم يتمهل بل التقط راحتيها، يضمهما معاً، يقربهما إلى ثغره، طابعاً على باطن كلاً منهما قبلة عميقة ونظراته لم تحِد عنها.

أما عن “نوران” فرقته معها أذهبت كل ذرة تعقل ، وشعرت بالرجفة تجتاح شرايينها، عقلها مغيب وأحاسيسها تنجرف إلى عمق بحره.

وهو لم يعد قادراً على كبح جماح ما بداخله لها، ولم يشعر بحاله إلا وهو يسدل يديهما معاً، يحط بركبتيه أرضاً، يحاصر جسدها بين ساقيه، يسند جبينه إلى جبهتها، يسحب شهيقاً مطولاً من هواء أنفاسها المتلاحقة وهو يتأوه بلوعة، فهمس أمام شفاهها : – أذهبتِ عقلي على الأخير ملاكي.

علت وتيرة تنفسها وكأن صوته قادم من بعيد، سلت يديها من بين خاصته ولم يمانع، يريدها أن تبادر بردعه فقد فشل هو في ذلك، ولكنها بدلاً من أن تبتعد لفت ذراعيها حول عنقه وقد تلاشت بينهما المسافات، تغمس رأسها بين حنايا عنقه دون حديث وكان الصمت أبلغ من أي كلمة تقال.

حاوط خصرها يشد على حصار جسدها بين يديه، يضمها إليه بتملك، وكأنه يخشى أن يسرقها أحدهم، حتى بعد أن صارت زوجته يسيطر عليه رهاب الفقد.
“عمران” بصوت متحشرج، يريد فض هذه الهالة الحالمية، فجسده يحترق مطالباً بها : – “نوران”؟

أين نوران؟! جسدها على الأرض وروحها تطير بخفة بين غمام السحاب هناك في الأعالي.

عاود النداء وهو يحاول الابتعاد ولكنها تشبثت به بقوة تنم عن احتجاجها، همس مجبراً :
-حبيبي لدي مواعيد هامة… كما أن هذا لا يصح.

سبة نابية كتمتها قبل أن يتفوه بها لسانها، وهي تبتعد عنه تحل وثاق ذراعيها المعقودين حول عنقه تجلس مكانها أرضاً، مطرقة رأسها، تحاول تنظيم أنفاسها، وهي تنظر إليه بتذمر بعد أن أشعرها برخص أفعالها، ومن ثم أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى، وإذا بها تفقد السيطرة على عبراتها تزم شفاهها بقهر، تنهر حالها؛ إذ كادت أن تستسلم إليه.

شعر وگأن سكين حاد شق ضلوعه مُصوبٌ بدقة إلى نابضه عندما تحولت حالتها من السكون والدفء بين أحضانه إلى الضعف والانهيار الذي يراها عليه الآن، ولكنه لا يريدها أن تندم بعد ذلك… إنها لازالت صغيرة.

“عمران” بأسى : – “نوران”.. أنا آس……

رفعت كفها بوجهه گعلامة صرامة تطالبه بالتوقف عن الاسترسال؛ فأي شيء سيقوله الآن من المؤكد أنه سيزيد الأمر سوءاً، لذا أردفت تقول : – دعنا نغلق الحديث عما دار الآن، فكما قلت أنت أنه لا يصح… أعدك أن هذا لن يتكرر… شيء مسيء فعلاً..

لن يتكرر!! شيء مسيء!!! اللعنة!! هذا ما استنتجته!! أتشعر بالسوء حيال ما حدث؟!
تباً!! ماذا سيكون إحساسها لو إنقاد إلى ما تهفو إليه روحه؟!

سطعت مقلتيه الرماديتان ببريق بارد مفعم بالسخرية، وهو يقول باحتجاج هادئ، محاولاً ألا يبدو عليه الغضب : – ماذا هناك؟! هل انقطع السحر الذي كان بيننا منذ لحظات؟!

رمقته بعتاب : – قل لي أنت هل انقطع؟!

“عمران” بإقرار : – كلا أيتها الحمقاء، جلّ ما في الأمر أنني…..

قاطعته بتهكم : – بل انقطع… أكرهك “عمران”.

👇

الفصل السابع والأربعون

فكرتين عن“رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 46”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top