البارت_11
*في برج المراقبة خاصة (صياد الوحوش).
(أرون) بسخرية:
-أجل وبكل تأكيد، كنت هنا طوال الليل، ولكن عليكِ أن تكوني ممتنة لذلك.
-فمن الممكن أن تتصدر جرائدكِ الصفراء قائمة الأكثر رواجاً، هذا ما إذا أنشئتِ مقالاً، وأرفقتِ به صوري تحت عنوان ليلتي مع (أرون دانييل) صياد الوحوش ما رأيكِ؟
-أعتقد أنه عنوان مثير وملفت!
قال ما قاله بشيء من الجدية حتى وإن شابها التهكم اللاذع؛ مما جعل الدماء يتدافع إلى بشرة وجهها حتى صارت ملتهبة كالجمر.
فأردفت تقول بتلبكٍ وذلك بالرغم من تعنتها ومحاولاتها المستميتة لإلا تظهر تأثرها بما يريد الوصول إليه من تعقيبه المستفز هذا:
-لا!! لا تكن متحاذقًا، أنا لم أقضي الليلة معك!
اقترب منها (أرون) وهو يومئ برأسه في إيجاب، يقول بتأكيد:
-أجل عزيزتي، لقد حدث ذلك بشكل أو بآخر، كل ما في الأمر أن الصورة تحتاج إلى إيضاح، كما أن الطبيب هو مَن أمرني بذلك صغيرتي.
قال الأخيرة وهو يتكأ على كل حرف، صغيرتي!!
هل استغل هذا الخسيس غيابها عن الوعي وانتهك عذرية جسدها، وبشكل لا إرادي توجهت أنظارها تتمعن النظر بالشرشف الذي يغطي الفراش.
ولكنها لم تلحظ أي شيء من شأنه ينفي أو يؤكد ما ظنت به كون الغطاء المسدل عليه بإهمال قد حجب الرؤية عن ناظريها، وسيكون من السخيف إذا توجهت إلى السرير تزيح عنه الغطاء؛ لتتحرى ما في الأمر، ولكن عوضاً عن فعل هذا، تسائلت باستفسار:
-وما دخل الطبيب فيما تدعيه الآن؟!
مد يده يرفع خصلة من شعرها الثائر عن جبهتها يتحسس موضع إصابتها برقة، وهو يقول:
-لقد أُصبتِ إصابة بالغة (كيتي) فاضطررت إلى إحضار صديق لي يفهم بأمور الطب والعلاج ليفحصكِ.
-وهو مَن أقر بضرورة بقاء أحد إلى جوارك ليتابع حالتكِ؛ خوفاً من حدوث انتكاسة او ما إذا ارتفعت حرارتكِ بدرجة كبيرة، فهذا سيشكل خطراً على حياتك.
أقشعر بدنها، وما إن أسدل يده عنها، رفعت خاصتها لتتبين مدى الضرر الذي لحق برأسها ومن وقع ملمس هذا الورم وما لاح أمام عينيها عند رؤية انعكاس صورتها بمرآة الحمام علمت أنه من الواجب عليها أن تشكره، ولا تعلم كم مرة يتوجب عليها فعل ذلك!!
ولكن شغلها شيء آخر عن واجب الشكر الثقيل على قلبها، ألا وهو ارتجافة جسدها استجابة للمسة يده، ولا تعلم إذا كان هذا بسبب الألم أو تأثراً بملمس أصابعه الدافئة على موضع الوجع، ولكنها لم تطل في التفكير لإيجاد أسباب.
وسواء أكان السبب هذا أو ذاك، فما يُحتمه عليها العقل هو أن ترحل من هنا؛ إذ بات البقاء مع (أرون) شيء يستحيل عليها تحمله ولو لساعة إضافية، وبموجب هذا الرأي العقلاني أردفت تقول بكل وقار استطاعت تقمصه فقربه يثير اضطرابها حد اللعنة:
-أرى أنني قد تسببت لك في الكثير من الإزعاج والمتاعب؛ لذا يتوجب علي أن أرحل والآن.
لا تعلم أ ما لاح بعينيه عناد أو خيبة أم رفض لما أقرت وتعنت منه دون أسباب؟!، وإجابته على طلبها كانت محيرة أيضاً، وذلك عندما قال:
-ما تطلبينه مستحيل؛ حتى إذا سمحت لكِ بالرحيل، فحالتكِ لن تسعفكِ للسفر، أرى أنه يجب عليكِ أن تعودي إلى التخت.
-وسأجلب إليكِ أقراص مسكنة للوجع تلك التي قد وصفها لكِ الطبيب.
صاحت (كيتي) تقول باعتراض:
-لا، لا تقولها، أمعنى هذا أنك تريد احتجازي هنا ضد إراداتي، هذا يعتبر خطف وإكراه.
أضاف (شيزار) بحماسة: – وحبذا لو تبعه اغتصاب.
أشاح (أرون) بوجهه عنها، وهو يسدل أهدابه ليخفِ لمعة الحسرة التي لاحت بمقلتيه، فلم يتخيل أنها ستقذفه بإتهام كهذا خاصة بعد ما فعله من أجلها، وكذلك رد فعل استهجاني لما يضخه (شيزار) برأسه من أفكار، ومن ثم قال بتهكم:
-هذا إتهام خطير ويجب عليكِ مقاومة فاعله، هل ترغبين بأن أوصلكِ برقم النجدة لتبثي إليهم دعواكِ ضدي، أم ماذا؟
أجابته تقول بتحدٍ سافر:
-نعم بالطبع.
أشَّر (أرون) برأسه ناحية الباب، وهو يقاوم ارتجاف عضلات وجهه التي تنم عن انزعاجه الشديد ليبدو طبيعياً، حتى لا تفسر غضبه كونه خائف من تهديدها السخيف هذا، وبسط يده أمامها كإشارة لها بالتقدم، يقول بثبات:
-لكِ ما أردتِ، هيا لنفعلها.
قالها وخطواته سبقتها باتجاه باب الغرفة، وهي تتبعه بخطوات متعثرة، وبدر منها سؤال محير:
-هل ستسمح لي بذلك فعلاً؟
أجابها (أرون) بحزم وتأكيد:
-قطعًا سأفعل، ويجب عليكِ ألا تتراجعي، فالخطف فعل شنيع لابد وأن يعاقب مَن ينتهجه!
(شيزار) بتذمر:- هل من تحرش على الأقل قبل التواصل مع الشرطة أيها الأحمق!!
أجابته بتحفزٍ:
-سأفعل، و….
تلاشى صوتها بعد أن التفت إليها (أرون) يقابلها بنظرات باردة وملامح وجه صارمة لا تلين، ومن ثم أردف يقول بسخرية:
-دعيني أكمل عنكِ! ستفعلي ولكن ألن يبدو هذا تصرف سخيف ووقح أيضاً؟!
تهربت (كيتي) بنظراتها عنه، وهي تجيب عن سؤاله باستفسارٍ مختصر:
-لماذا إذاً؟!
أجابها (أرون) بحاجب مرفوع، وأعين مستديرة دهشة بسبب تبجحها، لا! وتسأل أيضاً عن السبب:
-لماذا!!
-لنقل مثلاً إنك ستبدين ناكرة للجميل كونكِ تقدمين شكوى ضد شخص أنتِ مَن تعديتِ على حدود أملاكه لتتلصيين وتلتقطين صوراً له بالرغم من رفضه صراحةً لذلك، ولكنكِ أصريتِ على اختراق خصوصياته.
-وفي المقابل عندما رآكِ تُعرِّضين حياتكِ للخطر، لم يتوانَ عن مساعدتكِ وأنقذ حياتكِ و….
قاطعته (كيتي) تقول بحماقة:
-كان يمكنني الاعتماد على نفسي.
لم يجادلها، وكذلك لم يُعقب على اعتراضها السخيف، بل تابع وگأنها لم تتفوه بحرف، يكمل قائلاً :
-وأحضرتكِ إلى بيتي، وغسلت…
تمهل عن عمد وهو يرسم على شفاهه ابتسامة شامتة عندما رأي الدماء تتفجر من خديها اللتان أمتقعتا بحمرة الخجل، ومن ثم كرر باستفزاز:
-وغسلت جروحكِ بنفسي، وسارعت في إحضار طبيب لمداوتكِ!
-في الحقيقة لا يبدو لي أن هذا يعد اختطاف، ولكن إذا كنتِ ترين شيئاً آخر لا أراه وقد تؤيدكِ فيه الشرطة، فلتفعلي وعلى الفور.
وعندما لم يجد منها رداً رفع كتفيه باستسلام، وهو يقول بتحدٍ:
-لا أعتقد أن الشرطة ستلتفت لسخافة كهذه، ولكن يمكنني استدعائهم على الفور.
رمقها (أرون) بعناد، وتمهل ينتظر ردها بنظرات تهكمية مغيظة، وهو يتأهب لفعل ما قال بكل غطرسة، ولم يلن لنظراتها المتوسلة لأن يرأف بها، بل ظل متجمداً بأرضه على أعتاب باب الغرفة، ولكنها إذا عاندت وأصرت على ما قالت ستبدو بالفعل حمقاء غبية، وسيجعل من نفسه بطلاً قومياً، أو كان ينقصه ذلك؟!
فهو بالفعل (أرون دانييل) صياد الوحوش.
وما مِن شهرة تضاهي هذا اللقب!
لذا أطرقت (كيتي) رأسها بخزي، تتمتم بتراجعٍ:
-أنا أعتذر لك عن كل ما صدر مني.
-ولا أريد إبلاغ أحد بشيء، انس أمر الاتصال بالشرطة.
-ولكنني حقاً بخير ولا أريد أن استريح بالتخت، جل ما أريده هو الرحيل، أرجوك!
أجابها المتغطرس (أرون) بجفاء، يقول:
-أتعتقدين أن وجودكِ بقلعتي هو شيء مفرح بالنسبة لي؟!
-إذا كنتِ تظنين هذا، فأنا أشعر بالأسف لأخباركِ بأنكِ تخدعين حالكِ، فأنا أعتز جداً بخصوصيتي.
-وسأسمح لكِ بالمغادرة وهذا في أقرب وقت ممكن، ولكن هناك قواعد وشروط ستلتزمين بها.
(شيزار) بامتعاض : – قل ما شئت ولكن رحيلها حلم بعيد عن شاربك.
(أرون) جازاً على أنيابه، يهمس بضيق:
-سأقتلكما معاً.
(شيزار) بتهكم: – أنا وأنت شخص واحد أيها المعتوه.
(أرون) بسخط : – سأنتحر إذاً.
(شيزار) : – نحن خالدان، ابحث عن تهديد آخر.
قطبت (كيتي) جبينها، تسأله بتوجسٍ:
-شروط!! ما هي؟!
والقاها (أرون) ظهره يستعد لاستكمال طريقه خروجاً من الغرفة، قبل أن ينفجر رأسه بما يلعي به (شيزار)، وهو يقول:
-لا تتعجلي، سنتحدث بشأنها ولكنني الآن جائع، سنتناول الفطور ولنا حديث سيطول.
التفت برأسه إليها يحدثها من أعلى كتفه:
-أعتقد أنك ستحبذين تناول بيض الأومليت مع كوب حليب، أليس كذلك؟!
يا لك من متغطرس؟! أتختار أيضاً ما يجب علي تناوله؟!
هذا ما جال برأسها، لينطق لسانها بخفوت:
-وماله ما أنا تحت مزاج الست الوالدة!! هدق على الفطار يعني؟! بجملة الاضطهاد يا عم الامبراطور؟!
ومن ثم رفعت (كيتي) صوتها تقول بسخرية:
-أوه!! بيض أومليت وحليب؟! أعتقدت أنه سيتم إطعامي العدس والخبز كسجينة لديك!!
غامت عينا (أرون) بغضبٍ شديد، وقد تبدلت ملامح وجهه ليظهر عليه السأم جراء كلماتها السامة، لذا تجاهلها عمداً وهو يلقي عليها بضعة كلمات مقتضبة لم تفسر معناها إلا عندما صفق الباب خلفه بقوة، وكان تعقيبه:
-إذا كنتِ مصرة على فكرة الخطف والسجن، فلكِ هذا…..
(كيتي) : – ماذا تق……..
اعترضت ولكن مع مَن تتحدث؟! إنها تحادث نفسها، فقد غادر على الفور ولم ينتظر رداً.
وللحظة انتابها هلع شديد، وبدأ جسدها في الإرتجاف من فكرة احتجازها بهذه الغرفة، ركضت باتجاه الباب الذي أغلقه وراءه بحدة اهتزت لها جدران المبنى بأكمله.
ولم تُعِر ألم أصابعها انتباهاً، وهي تطبق يدها بقوة على مقبض الباب حتى كادت أن تنتزعه من موضعه، ولكنه فُتِح بسهولة تعجبت لها؛ إذ ظنت أنه قد أحكم غلقه من الخارج، والغريب أنه لم يفعل كما هددها.
تشتتٌ أصابها لبرهة وهي تقف على مشارف عتبة باب الغرفة تطل برأسها إلى الخارج، فأبصرت ذلك الدرج الحجري المزين بتمثالين من الرخام على رأس دعاماته العلوية، وداخلها يتسائل ماذا إذا ركضت هابطة الدرج ومنه إلى الخارج؟!
ولكن صوت أجابها من عمق عقلها الباطن، يقول بهزئ:
-بصي لنفسك وبطلي الهبل اللي أنتِ فيه ده، هو مش محتاج يقفل عليكي عشان يحبسك هنا!!
-وحتى لو فلقتي من جوه وعرفتي توصلي للبوابة اللي برة، هتروحي فين بلبس الأرجوزات ده؟!
-لاء!! وكمان حافية وماعكيش ولا نكلة!
زفرت بإحباط وهي تعاود أدراجها إلى الداخل، وببهوت وامتعاض أغلقت الباب خلفها، وهي تتمتم:
-قصة الهروب لازمها تخطيط ودراسة.
ولكنها تسأل وتجيب على حالها، عندما سخرت مما تفوهت به تواً، وهي تقول بلويةِ ثغر:
-تخطيط إيه ودراسة إيه مش لما تعرفي تتحركي بلبس الديناصورات ده الأول، وبعدين تبقي تفكري هتهربي إزاي يا أم مخ بلاستيك؟!
جلست على حافة التخت بتهدلٍ وهي تميل بجذعها إلى الأمام تمسح على وجهها بكلا راحتيها بضيق، وما إن وقعت أنظارها على تلك الأدوات الطبية الموضوعة على طاولة صغيرة إلى جانب السرير لم تنتبه إليها من قبل.
وجدت لفافة من الشاش الطبي ومقص أيضاً، فلمعت عيناها بحماس وهي تقول قارضة على أنيابها بغيظٍ:
-ماشي يا عم الإمبراطور مش أنت ما بتحبش تفرط في أغراضك، أنا هفشخرها لك على الآخر.
قالتها وهي تمد يدها تلتقط المقص رامقة إياه بعزم، وهي توجه سن المقص المدبب إلى منطاله الذي ترتديه صانعة ثقب به لتمرق إحدى طرفي المقص الحادتين ما بين القماش داعسة على مقبضيه.
وقد ارتسم على وجهها تعبير شرس وهي تكمل مسيرة النصلين تقص من طول هذا المنطال قليلاً، لا بل كثيراً.
إذ بدأت القطع من فوق الركبة بإصبعين، وفعلت المثل برجل المنطال الأخرى، ولكن على ما يبدو أنها عازمة على شيء أخرى، إذ أخذت تحدق في القميص بعدم رضى، ومن ثم قررت نزع أكمامه كاملة فالجو حار وهذا القميص بأكمامه المدلاة إلى ما بعد معصميها يجعلها تبدو، وكأنها فتاة صغيرة تحاول التشبه بالكبار فارتدت عباءة والدتها السمينة.
لم تفكر مرتين بل شرعت تنفذ ما أرادت وهي تشعر بانتشاء، مبتسمة بسعادة لا تقاوم، أخذت تحدث حالها، وهي تقول بعد أن انتهت من تنفيذ جريمتها:
-بااااس تمام أوي كده، الله عليكي يا بت يا كوكو، مقص دار ماحصلتيش.
صمتت قليلاً تنظر بعبوس إلى انحراف خط القص على قماش المنطال والقميص وبالرغم من عدم وضوحه، فإذا رأهما أحد سيعتقد أنه شورت، وقميص تم شرائه على وضعه دون أكمام.
ولكن تلك عادتها فهي وإن كانت لا تحب أن تتنمر على أحد، أما إذا كان الانتقاد هي المعنية به، ففي تلك الحالة ستكون سيدة المتنمرين الأولى وبلا منازع، إذ أردفت تقول بتهكم على حالها:
-مقص دار إيه يا اللي يتقص لسانك من لغلوغه، ده الخط شبه الزجزاج.
-وعملالي فيها مصممة أزياء؟!
-اكتمي ها!! اكتمي أحسن لك.
تمهلت وهي تمد الطرف إلى عنق المنطال المحاوط لخصرها الذي يتسع عن مقاسها بأربع أو خمس درجات إن لم يكن أكثر وهذا ما جعلها تتشبث به أمامه؛ خشية من أن يسقط إلى كاحلها وتقف أمامه شبه عارية.
لذا التقطت لفافة الشاش تجذب طرفها تاركة تكورها ينسدل على الأرض وهي تلف طرفه حول خصرها لتأخذ المقاس بدقة.
ومن ثم قطعت ثلاث مقاطع من اللفة بنفس طول المحيط وصارت تجدل منها ضفيرة لتستخدمها كحزام لهذا اللعين الذي لا ينفك منحصراً عن خصرها لأسفل، وفي أثناء انشغالها بربط ما صنعت بعد أن مررته بالفتحات المخصصة له بعراوي المنطال، تسلل إلى مسامعها أصوات آدمية تقترب من باب الغرفة.
❈-❈-❈
لذا هرعت ليحتل جسدها السرير، وهي تسدل عليها الغطاء لتخفي جريمتها، ولكن هيهات فإن خبأت جزئها السفلي، فماذا عن ذراعيها الظاهرين.
أخذت ترقب الباب بأعين لا تحيد عن مقبضه حتى أداره مَن بالخارج، ومَن عساه يكون؟
إنه هو! (أرون) بشحمه ولحمه، وبيده حامل طعام يتقدم به إلى الداخل بعد أن أغلق الباب بقدمه، ومن ثم أسند الحامل إلى جوارها على السرير.
لوى ثغره بتسلية وهو يرى عبثها بملابسه، وبالرغم من ملاحظتها لتعبيره هذا، إلا أنه لم يعقب، بل سألها يقول:
-كيف حالكِ الآن؟ هل تشعرين بتحسنٍ؟
ردت عليه بابتسامة عذبة ووجهٍ مشرق، صارفة النظر عما يتملكها من إعياء، وتبدل أحواله معها فيما لا يقل عن نصف ساعة قد أصابها بخلل دماغي، تقول:
-أجل أنا على خير ما يرام، هل يمكنني الرحيل؟
أجابها بدبلوماسية، مردفاً:
-القرار ليس عائد لكِ، ولا لما أريده أنا.
(كيتي) بتساؤلٍ ساخر : – لمن إذاُ؟!
(أرون) بإقرار:
-بالطبع سنتبع إرشادات الطبيب.
التمعت عيناها ببارقة أمل عند سماعها لما عقب به وهي تكرر بشرود : – الطبيب؟
رمقها (أرون) بنظراتٍ من أعين خبير، بعد أن أفصحت عينيها الآملتين عما تخطط له، فعلى ما يبدو أنها تفكر بطلب المساعدة من الطبيب، ولكن إذا كان عقلها يقودها إلى ذلك فهي مسكينة!
(أرون) بتحذير:
-أجل الطبيب، فهو على وشك القدوم في أي لحظة هذا إذا لم يُعقه شيئاً بالوقت الحالي، ولكنه حتماً سيأتي.
-ولمعلوماتك فهو صديقي الصدوق، لذا لا تتتعبي حالك في استمالته.
شهقت باستنكار، تقول بنفي:
-أنا لم استمل أحداً بحياتي، ولن أفعلها الآن.
فرك (أرون) راحتيه بتسلية ويبدو أنها حركة يعتادها عند شن هجوم، ومن ثم جلس إلى جوارها على الفراش وهو يزيح حامل الطعام عند نهايته، يقول معقباً:
-حقاً؟! يبدو أنه قد اختلط علي الأمر عندما أتيت إلى هنا بصباح أمس تطرقين باب قلعتي وأنت تسبلين أهدابكِ بإغواء، وتطلبين صورة لي كمعجبة.
-لا أعلم لِمَ تكوَّن لدي انطباع حينها بأنكِ تحاولين استمالتي وبطريقة مبتزلة!!
(كيتي) باستشاطة:
-ليس ذنبي أنه لديك مشكلة في الاستيعاب، هذا غير صحيح، أنا لم أفعلها.
صمتت لتقييم ما على وشك قوله، ولا تعلم لم تشوشت لديها مراكز الإدراك وجسدها يرتجف وقد سرت بأوصالها قشعريرة لذيذة إثر استجابتها الحسية لقربه المهلك هذا، ازدردت لعابها، وهي تسب وتلعن إذ لاحظ (أرون) تأثرها بهيئته وذلك عندما قابلته لأول مرة، ولكن ماذا عساها أن تفعل فهو وسيم برجولة طاغية!! وما مِن أنثى طبيعية لن يجذبها سحره الخاص.
أدركت لِم آلمها رفضه بالأمس؟! إذ ظن أنها تعرض عليه حالها مقابل صورة، فرفض التعاون معها، هي لم تعني هذا بالطبع، ومع ذلك لا تنكر إعجابها به، وهذا الاعتراف يؤلمها أكثر، فهو لا يُكن لها سوى البغض والعداء.
مد (أرون) يده إلى كوب الحليب يناولها إياه، وهو يطبق أصابعها المرتعشة بلين حوله، ولم يتنحى بل ظل يدعم يدها الممسكة به، وها قد بدأت اللهفة تسري بأوصالها، أجل! لهفة قربه فهو قادر على إضرام النيران بكل خلية في جسدها من مجرد تلامس خفيف.
لا (أرون)!! هذا ليس عدل!!
وذلك كان احتجاج قلبها على ما يفعله بها، ومن ثم غامت عينيها بدموع القهر على أنوثتها المحطمة إثر جفاءه معها، وفي المقابل تشعر بلوعة تسري في شرايينها كلما هفت روحها إليه، تستغرب حالها فقد رأته بالأمس فقط.
وتسائلت كيف أمكنه أن يبدل حالتها ما بين ليلة وضحاها؟!
والأكثر عجباً أن حتى هذه الليلة غابت فيها عن الوعي.
تمتم (أرون) يجذبها من بين طيات أفكارها إلى أرض الواقع، يقول بحث عندما توقفت يدها القابض عليها في منتصف طريقها إلى ثغرها:
-اشربي الحليب (كيتي)، هذا سيفيدك كثيراً.
ردت بأسى على حالها، تقول بسخرية:
-لا أعتقد أن هناك شيء سيفيد في حالتي هذه.
أجل ما عقبت به صحيح، كوب حليب لن يرمم خدوش أنوثتها، ولن يطيب كسرة قلبها بسبب دونية تعامله معها، جل ما يفيد في حالة كهذه أنه…….
نهرت حالها، فقد خيم على مخيلتها لحظة عناق يضمها فيها إلى صدره بحنان، أن….
زفرت بإحباط وهي تجاهد لصب كامل اهتمامها على الكوب الذي بين راحتيها، في محاولة منها بالثبات ومنع ارتجافة يدها اللعينة وهي تشجع حالها مُرجِعة ما بها إلى كونه رغبة مشوشة أو انجراف لحظي تجاه شخص غريب عنها وحتى ما تعرفه عنه لا يثيرها بل أتت إلى هنا مرغمة.
صوت بالداخل ينازعها قائلاً:
-حتى لو كانت رغبة غاشمة وستنسيه بمجرد خروجكِ من هنا، ولكن بالرغم من بساطة تلك الرغبة إلا أنها حقاً مخيفة.
أجل! ما يحدث بداخلها مرعب، كل ما يجب عليها فعله الآن أن تخرج في الهواء الطلق لا أن تضجع على سرير دافئ وهو إلى جوارها بهذا القرب، ويحتضن يديها بكلا راحتيه، كلها أمور ستؤدي إلى تدهور حالتها وحتماً سيلحظ تأثيره عليها، هذا إذا لم يكن شعر بذلك فعلاً.
تجرعت كوب الحليب دفعة واحدة لتنهِ هذا العذاب عله يترك يدها، فأفكارها الجامحة عنه ومعه بدأت تعرض صوراً أكثر قرباً لهما معاً.
(أرون) بتساؤل:
-هل يمكنكِ أن تأكلي؟
حرصت على أن يكون الحوار بينهما لاذعاً، فسألته بعدوانية:
-أتقصد الخبز والعدس؟
لامت (كيتي) حالها سريعا بعد ما تفوهت به من حماقات، إذ أجابها بحدة يقول:
-لا تتعجلي بشأنهما يمكنهما الانتظار حتى تتعافي، فلتجربي الآن التوست والبيض.
ومن ثم نهض من جلسته إلى جوار ها، يقول بجفاء وهو يخرج قنينة صغيرة من جيبه يناولها إياها:
-بعد أن تتناولي طعامك، خذي قرص واحد وحاولي أن تنامي قليلاً.
التقطت من يده عبوة الدواء، تنظر إليها بريبة، تتسائل:
-فيم تستخدم هذه؟!
(أرون) بعدم استدراك:
-إنها أقراص مسكنة تركها لك الطبيب.
رفعت (كيتي) إحدى حاجبيها ترمقه باتهام ضمني، تسأله بابتسامة ساخرة:
-صديقك الذي كنت تتحدث عنه ويعرف بأمور الطب أم طبيب حقيقي؟
(أرون) بنبرة صوت محتدة:
-هل أنتِ مخبولة أم إصابة رأسكِ قد أثرت على عقلكِ؟!
-هل تعتقدين أنني أسعى لتخديركِ مثلاً؟!
-لا! وصديقي متواطئ معي في ذلك أيضاً!!
-إنه شخص محترم هذا إذا كنت لا تثقين بي مع إنكِ حاولتِ إغوائي وأنا مَن رفضكِ!
-إنها أقراص لعلاج ألم الرأس، ورأسكِ يؤلمكِ؟ كما أتمنى؟!
شعرت بالخزي لما تفوهت به، لذا حاولت إثبات حسن نيتها السيئة بالفعل، إذ فتحت غطاء الزجاجة تلتقط منها أحد الأقراص، تدسه بفمها وهي تمسك بكوب المياه الموضوع على حامل الطعام، تبتلع منه القليل، ولكنه لم ينتظر استكمال هذه الفقرة وخرج على الفور يغلق الباب خلفه بحدة مماثلة للمرة التي سبقتها.
بينما تمتمت تقول بحنق:
-خربتيها وارتاحتي؟! نامي بقى يا فالحة.
زفرت تخرج أنفاسها ببطئ تحاول الاسترخاء فها قد سنحت لها الفرصة للشعور ببعض الراحة بعد أن تخلت عن أي مجهود كانت تبذله في حضرته لتبدو متماسكة وتجابهه بتحدٍ.
استلقت على ظهرها بأريحية تحاول الحصول على قسط من النوم وهي تسب ذلك ال (إبرام) بأبشع الصفات فها قد أوقعها بكارثة كبرى جراء الخدمة التي طلبها منها مقابل ما لديه من معلومات.
منذ البداية ولم تعجبها تلك المهمة لذا ظلت ترجئها إلى آخر وقت، وأتت إلى هنا وهي تدعو الله ألا تجده بالقلعة، فجل ما كانت ستفعله هو التقاط صورة للبوابة الخارجية لتعرضها على إبرام كإثبات أنها فعلت ما طلبه منها ولكن المقصود لم يكن موجود بالمكان، وحينها لن يكن بمقدور هذا اللعين (إبرام) أن يلومها.
ولكن لحظها العسر، ها قد قابلته وذلك بعد أن استقلت سيارتها تقودها على حسب إرشادات الموقع الذي أرسله إليها (إبرام).
وعندما وصلت إلى هنا بدت القلعة من الخارج ضخمة تحتل مساحة مربعة كبيرة من الشاطئ، حالها كحال قلاع عديدة مقامة بنفس المكان بغرض كشف المياه الإقليمية وكانت تستخدم قديمًا لرصد حركة سفن القراصنة.
صُدمت للوهلة الأولى من شكل هذه القلعة المهيب وفكَّرت في التراجع، ولا تعلم لِمَ لم تطاوعها أطرافها، فلا ساقيها استجابة لأمرها بالرحيل، ولا يدها لبت النداء بالامتناع عن قرع بابها، وها هي الآن سجينة (صياد الوحوش)
البارت_12
عند الرفيقتين (ماتي) و(سارو)
كل ما تتذكره (سارو) من ماضيها، هو لقب تدليلها، واسم أبيها الذي لا تعرف غيره بلا لقب ولا اسم عائلة.
حتى والدتها كانت هي وأختها التي تقاربها في العمر تناديها (ديدا) ولم تسعفها الذاكرة حينها باسترجاع اسم أختها الحقيقي إذ كان المشاع هو (كيتي)، ولا تعرف لها اسماً آخر.
وبدلاً من أن تحمد أمها بالتبني الله الذي عوضها بحملها بعد طول حرمان لأعوامٍ عجاف، على عكس المتوقع بدأت تنفر (سارو) الذي تعلق بها زوج هذه السيدة وكان يعملها كابنة حقيقية له.
ولكن منذ متى والدنيا تضحك للبؤساء، إذ قررت الأم المنتظرة إيداعها بدار رعاية حتى يحظى مولودها بالاهتمام الكامل لأبيه، والله وحده أعلم ما الذي قالته الزوجة إلى زوجها بعد إختفاء (سارو).
فحتماً لو أخبرته بفعلتها كان هذا الأب الحنون سيعيد ابنته البكر إلى كنفه، وطالما انتظرت (سارو) قدومه ولكنه أبداً لم يأتِ.
نشأت الصغيرتان في تلك الدار عانتا ما عانتاه، فرحتا سويًا وحزنتا معاً حتى أتمت كلاً منهما سن الرشد منذ بضعة شهور.
وقد خرجت (ماتي) قبل مغادرة (سارو) للدار بشهر ونصف، ولكنها طوال هذه المدة التي سبقتها بها كانت تزورها وتحكي لها عما آل إليه حالها، ولولا حفنة النقود التي كانتا تدخرها الفتاتين من أعمالهما اليدوية بالدار التي كانت تعرضها لهما الإدارة في المعارض الخاصة بهذا النشاط الإنساني ما استطاعت (ماتي) إيجاد مآوى لها.
ولم تنسَ (ماتي) أن صديقتها (سارو) قد أعطتها حصتها في المال المدخر، فعلى أية حال قد ارتأت (سارو) أنها طالما لا زالت بين أربعة جدران تحميانها، فالأَوْلَى بالمال مَن خرجت لتجابه متاعب الحياة وحدها.
وللحقيقة قد عاونتها هذه القلة من النقود على استئجار الشقة التي تمكثان بها الآن وما إن خرجت (سارو) وجدت رفيقتها تنتظرها لتكملا معاً قصة كفاح من نوع آخر.
فكرتا ملياً، وبعدها قررتا العمل في مجال يحبونه فقد تخرجت الفتاتان أثناء دراستهما بالدار من معهد الفنون الموسيقية، فبحثت كل واحدة منهما عن عمل كمدرسة موسيقي أو عازفة آلات موسيقية بإحدى الفرق، ولكنهما تعبا من مشقة البحث غير المجدي هذا، ولم يكن أمامهما خيار سوى العمل مع فرقة بإحدى النوادي الليلية.
لم يعجبهما الحال ومضايقات السكارى من رواد المكان، ولكنهما قررا حينها أن يذهبا إلى مكان آخر، ولكن سيكون تقديمهما لصاحبه كرجلين يبحثان عن فرصة توظيف.
وكانت خطتهما أن يتنكرا لثلاثة أشهر حتى تستطيعا تجميع حصة من المال تمكنهما من بدأ عمل مستقل حتى ولو كان في نطاق يتوافق مع إمكانياتهما المتاحة.
وها لهما شهرين يعلنان عن نشاطهما على المواقع المختصة بالفنون والمجموعات الأهلية ولكن بشكل فردي دون تمويل وكل فترة يأتيهما اتصالاً لحفلات أعياد ميلاد يبحث مقيموا تلك الحفلات عمَن يحييها لهم بأجور رمزية.
ولكنهما قانعتان لا تتذمران وكلاً منهما تبث رفيقتها الأمل بأن أمورهما لابد وأن يأتي اليوم وتتحسن.
فالخالق أبداً لا ينسى عباده مهما شتوا، فما بالنا بمَن لا ترغبان من الحياة سوى كسب لقمة العيش بطرق مشروعة!!
(سارو) بهمسٍ:
-ما بكِ متصنمة هكذا؟!
-أليس هذا اتصال عمل؟!
غطت ماتي بوق سماعة الهاتف براحة يدها تقول:
-يبدو أنه شخص مخبول.
-لقد اتصل يطلب ممثلة لتقم بإداء دور في حفلة؟!
(سارو) بجبين مقطب:
-وما الخبل في هذا؟! ألسنا ندلل كل يوم على كافة التطبيقات لنحصل على عروض حفلات؟!
وكزتها (ماتي) بخفة، تقول بلوية ثغر:
-هذا المتحاذق يرغب بأن تقوم الفتاة المطلوبة بتقمص دور حبيبة أحدهم، ولكن ما يثير شكوكي هو المبلغ المعروض!!
رفعت (سارو) إحدى حاجبيها بدهشةٍ، معقبة:
-هذا حتماً مخبول كما ذكرتِ، كم سيكون ليطلب شيئاً غريباً كهذا؟! ارفض……….
توقفت الكلمات بحلقها عندما أجابتها (سارو) بما جعل بؤبؤيها يتسعان بصدمة.
(ماتي) بابتسامة تهكمية:
-خمسة آلاف دولار للساعة الواحدة، قطعاً عرضٌ مشكوكٌ به.
-على أية حال كنت سأهم بإغلاق الهاتف في وجهه.
قالتها وهي ترفع يدها عن البوق لتضع السماعة بمكانها كي تنه المكالمة فاعترضت يد (سارو) طريق خاصتها تَحُول دون ذلك وهي تقول باستنكار:
-ماذا ستقطعين؟! أنا التي سأقطع رقبتي يا مخبولة.
-اجيبي على طاقة القدر يا صاحبة الرأس الخاوي أنتِ!!
بينما (ماركوس) النافذ الصبر وهذا في المعتاد، إلا أنه الآن لا يرغب بغلق الخط، وذلك بالرغم من نداءاته المتكررة التي لم تُقابَل بالرد، وآخر ما صدر بين هاتين المعتوهتين قد وصله بالحرف ومع هذا ينتظر اكتمال حالته الاستثنائية.
(ماتي) بارتباك:
-ألو..
(ماركوس) بتذمرٍ مصطنع:
-ما كل هذا يا أخ (ماتي)؟! هل هكذا تتعاملون مع زبائنكم ال(V. I. P)؟!
تمتمت (سارو) التي مالت بجذعها إلى (ماتي) تلصق أذنها بسماعة الهاتف، تسترق السمع لما يدور بفضول، تقول بعجبٍ:
-أخ (ماتي)!!
رمقتها (ماتي) بنظرة جانبية من زاوية عينيها، تقول بعد أن عاودت كتم بوق السماعة:
-ألم أقل لكِ أنه معتوه!!
حثتها (سارو) تقول لها بهمسٍ:
-اسأليها عن موعد الحفلة ومكانها وسوف نفكر ملياً في الأمر ولكن لا تقطعي عليه الطريق.
عادت (ماتي) تستكمل حديثها في مكالمة العجائب تلك، قائلة:
-عذراً سيد………
(ماركوس) بتعريف عن نفسه:
-معكِ (ماركوس ألبرتينو)، يا برو.
(ماتي) و(سارو) بأعين جاحظة، ترددان بنفس واحد:
-مَن!!
(ماركوس) مكرراً: – (ماركوس البرتينو)!!
الفتاتان مكررتان: – اللعنة!!
(ماركوس) بانزعاج: – عفواً!!
قرصت (سارو) رفيقتها بخفة، تعاود الهمس:
-اضبطي حالكِ (ماتي) ستودرينا، إذا كان حقاً هو (ماركوس ألبرتينو) فلا مفر.
(ماتي) بارتباك:
-استمحيك عذراً سيد (ماركوس)، كنت أتحدث إلى شريكتي بالعمل، لست أنت المقصود على الإطلاق.
-أتمنى ألا أكون قد أزعجت سيادتك.
(ماركوس) بتسلية:
-ماذا حل بك يا برو؟! وما كل هذه الأعذار يا مان؟!
أجابته (ماتي) بأريحية، فعلى ما يبدو أنه شخص سهل المراس على عكس ما تتداوله الأخبار عن هذه العائلة، ولكن بالأخير هم رجال مافيا، على أية حال لا مجال للتراجع كما قالت (سارو) فإذا كانتا هما المقصودتان فسيأتي بهما ولكانتا في رَبْع الأُسُود:
-حبيبي يا رفيق، لاسمك وقع مُربك يا رجل، دعني استوعب الأمر.
قهقه (ماركوس) على تلقائيتها فهو لم يقابل هكذا نوع من النساء من قبل، ومن ثم أردف يقول:
-حسناً! لا عليك يا صاح، تعامل بطبيعتك.
(ماتي) وقد أعجبتها اللعبة، ولكنها لا زالت متوجسة:
-قل لي (مارك)!! أين ستكون حفلتكم؟ وما موعدها؟
انفرجت شفاه (ماركوس) بابتسامة بلهاء؛ فبالرغم من تعدد علاقاته إلا أنه لا امرأة من بينهن أقدمت على خطوة كتلك، وهو يعني هنا أنه لم يجد بينهن مَن تخطت كل الخطوط الحمراء واختارت له اسم تدلله به.
دوماً ما كنت العاهرات تتغنجن للفت انتباهه ولكن لم تفعلها غيرها وهكذا دون رسم أو تخطيط أنثوي ماكر ومبتذل.
كلهن شريكات فراش لليلة واحدة ومن كثرتهن لا يتذكر أسماء ولا عدد، وربما يقابل منهن مَن مارس علاقة معها، ولكن لا يذكرها فعندما يفرط بالمشروب لا يفرق معه ملامح ولا صفات، فالتركيب الجسدي واحد لبنات حواء، فما الفارق بينهن إذاً؟!
(ماركوس) محركاً شفاهه يتلذذ بترديد ما قالته باستمتاع: – (مارك)!!
❈-❈-❈
*عند (كيتي) سجينة صياد الوحوش.
لعنت (كيتي) ذاكرتها التي تستحضر لقائهما في صباح أمس، وذلك بعد أن طرقت بوابة القلعة التي يستقيم عند مدخلها بابان كبيران من الخشب العتيق، وشكلها المهيب هذا قد بعث الرهبة في قلبها ولكنها لم تقوى على الابتعاد، وكأنه كان يجذبها إلى مجاله دون أن تراه.
في ذلك الحين كان يمكنها التراجع عندما لم يأتها الرد في المرة الأولى، ولكنها وبكل غباء قبضت على مقرعة الباب المدلاة والتي كانت على شكل كف يد مصنوع من النحاس المصقل لتدق بها على البوابة ولم تكتفي بطرقة واحدة بل والتها بالثانية والثالثة.
مر وقت ولم تتخاذل وكذلك لم تلتقط مسامعها أي صوت ينم عن وجود حركة خلف الباب، لا تعلم لِمَ سيطرت عليها الفكرة لتطرق وبيدها على الباب للمرة الرابعة وليتها لم تفعل، فحين حمَّست حالها ورفعت كفها لتقبض على المقرعة وجدت أحد البابين يتحرك إلى الداخل مصدراً صوت صرير عالٍ نتيجة احتكاك مفصلات هذه البوابة الأثرية القديمة ببعضها.
رفعت بصرها لتتبين من الفاعل، وما إن وقعت نظراتها عليه حُبِست أنفاسها تلقائياً، وكل خلية بجسدها انجذبت نحو هيئته المهلكة وتحركت حواسها تجاهه انتباهاً وإفتتان.
لقد رأت صورته من قبل، ولكن الصورة شيء والواقع شيء آخر، ولكن هذا ظلم!!
لِمَ لم يخبرها هذا القميء (إبرام) عمَن ستوجه لتُحضِر حالها وتستعد لهذه اللحظة؟!
فمَن يقف أمامها الآن يتمتع بحضورٍ طاغٍ، وكل ما فيه ينضح برجولة خاطفة للأنفاس، وبلا مجهود يذكر من قِبَله انجذبت إليه وكأنه مغناطيس قوي.
رمقها باستياء وهي متصنمة بأرضها، يقول بنبرة صوت باترة لكل التوقعات الحالية التي أخذت أفكارها تشطح بها:
-مَن أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟!
تراجعت خطوتين إلى الخلف وهو يراقبها بأعين متفرسة وكأنه يتفحصها بنظرات خاطفة ولكنها متمعنة بالوقت ذاته، وكأنه يخترقها ليعلم ما بدواخلها.
استحضرت كل ما لديها من شجاعة وثبات انفعالي لتصمد متمسكة بتلك البشاشة التي رسمتها على وجهها لتبدو ودودة، وهي كذلك بالفعل ولكن في حضرته فقدت ثقتها بحالها.
بسطت يدها إليه بالمصافحة، وهي تقول بتساؤل:
-السيد (أرون دانييل)؟
لم يحرك ساكنًا ولم يبادلها التحية، فرفعت يدها بارتباك تعيد ترتيب خصلاتها قبل أن تخفضها، وهي تضيف:
-أنا (كاميليا عيسى).
ردد بتلجلج لصعوبة نطق الاسم، فوقع اسم كهذا جديد على أذنه وغريب أيضاً:
-(كاملا إيسى)!
أضافت، تقول بعد أن تجهم وجهه وكأنه يحاول تذكرها:
-يمكنك مناداتي ب (كيتي)، فاسمي صعب حق…..
قاطعها دون استئذان أو اعتذار يقول:
-لا أعتقد أن لدي موعد مع شخص بهذا الاسم.
فركت (كيتي) راحتيها ببعضهما في توتر ملحوظ، وهي تقول:
-أجل أنت محق، فأنا لم أحدد موعداً.
رفع كتفه بمعنى أنه غير مهتم، وهو يقول:
-إذاً يمكنك الرحيل.
قالها وهو يستدير ليوالها ظهره، وخطوات قدميه تتجه نحو الداخل ويدها ممسكة بحلق الباب يهم بغلقه، وتغابت للمرة الثانية وهي تتبعه ومن ثم رفعت يدها بتلقائية تمسك بذراعه، تقول بالتماس:
-لحظة. من فضلك سيد (أرون).
سحبت يدها عن ذراعه سريعاً بعد أن استشعرت دفء بشرته على باطن كفها ولاحظت التباين الواضح ما بين بشرته البرونزية وأنامل يدها البيضاء.
ارتجف جسدها بطريقة سريعة ومريبة وكأنها تلقت تواً صدمة كهربائية من مولد عالي الجهد، ولكن إحساسها هذا لا يقارن بما شعرت به عندما رفعت بصرها إليه تتأمله عن قرب تمطره بنظرات إعجاب، التوى ثغره على إثرها بابتسامة ثقة يشوبها السخرية ولكنه لم يغلق الباب بوجهها، فأكملت:
-لقد جئت إلى هنا من…………..
قاطعها (أرون) وهو ينظر إليها من أعلاها حتى أغمص قدميها باحتقار يقول:
-أعلم، بالطبع لم أتيتِ إلى هنا آنسة (كيتي)، أنتِ مثلكِ مثل العديد من المتطفلين الذين يحضرون إلى هنا لهم فترة، ولا يحترمون خصوصية الآخرين.
-ولكن سأصدقكِ القول أنتِ أجمل متطفلة حضرت إلى هنا.
لم يريد أن يفصح لها عن كونها الأولى ولا يعرف لما جذبته عينيها ورائحتها الفريدة ولكن لا مجال، شملها بنظرة أخرى وهو يقول بصوت أجش مستكملاً:
-بل رائعة بداية من خصلات شعرك السوداء الحالكة وحتى أظافر قدميك الظاهرة من حذائك الصيفي المكشوف هذا.
رجفة أخرى إثر إطراءه البسيط ذاك، فهو لم يكن بحاجة للتعبير بالكلمات ليجعل بشرتها تنضح بحمرة التأثر والانجذاب، ودت لو تستطيع أن تتلمس وجنتيها بكفيها اللذان صارا أبرد من الثلج لتلطف حرارة خديها اللذان اشتعلا كالجمر.
تلك الحرارة التي تستشعرها الآن جراء تعقيبه زادت حالتها سوءاً ولكنها عدلت عن ذلك؛ فقطعاً ستبدو خرقاء بائسة ما إن رفعت يدها إلى وجنتيها، وستلفت انتباهه لوقع ما قال عليها إذا لم يكن قد انتبه.
ولكنها أسبلت رموشها تخفي الخيبة التي ظهرت بعينيها عندما تذكرت كلمات الحقير (إبرام)، وهو ينصحها بأن ترتدي فستان ملفت وتضع بعض الزينة لتجذب انتباهه، و بالطبع ذكَّرها بأن تحافظ على ابتسامتها الفاتنة وبهذا سيسمح لها (أرون) باختراق حصنه، فعلى ما يبدو أن المشاع عنه أنه زير نساء، وإلا ما نصحها الآخر بذلك.
ولكنها لم تنفذ تعليماته حرفياً، حقاً لقد ارتدت ثوباً جديداً ولكنه محتشمٌ، ولم تضع الكثير من مساحيق التجميل فهي ليست بحاجة إليها إلى جانب أن حرارة الطقس تجعل وجنتيها يشعان بحمرة طبيعية، لم تستخدم سوى محدد الجفون الرمادي لتبرز لون عينيها اللامعتين، وقليلاً من مكثف الرموش ولكنها أولت اهتماماً شديداً بشفتيها وزينتهما بحمرة شفاه وردية زادت من اكتنازهما.
صدح صوتها بنبرة أنثوية هادئة ومميزة وهي تقول:
-أنا لم آتي إلى قلعتك لأتطفل أو اخترق خصوصيتك، كل ما في الأمر أنني أمتلك مهارة في التصوير وسمعت حديث الناس عنك وجئت إلى هنا لأطلب منك التقاط صورة تذكارية لك.
-ويجب أن أعتذر منك لأنني لم أحدد موعداً، ولكنني حاولت الحصول على رقم مسجل لك ولم أتمكن، فعلى ما يبدو أن رقمك غير مسجل بدليل الهاتف.
لوى (أرون) ثغره بتهكم، يقول بسخرية:
-أصدقكِ آنسة (كيتي)، بالفعل رقمي غير مسجل، أتعرفين لِم؟
زوت (كيتي) ما بين حاجبيها، تحاول استنباط ما يقصده وعندما لم تدرك، تساءلت قائلة:
-لِم؟!
(أرون) مستكملًا:
-لأنني لا أريد إزعاج، ولا أحبذ استضافة الغرباء.
رنت آخر كلماته بأذنيها وهي تردد بداخلها “استضافة!!” لابد وأنه فهمها على نحو خاطئ! مَن أتى على ذكر استضافة؟
اللعنة!! هل هذا ما هداه إليه عقله؟! لقد استوعبت ما يرمي إليه الآن، إنه يعتقد أنها من مجانين المشاهير الذين يطاردونهم في كل مكان.
كم هذا محرج ومخزي أيضاً!! سحقاً لك (إبرام)!!
قاومت رغبة ملحة في أن تلتفت بالاتجاه العكسي لبوابة القلعة وتطلق العنان لساقيها؛ لتفر هاربة من أمامه وعلى الفور، ولكن عوضًا عن هذا ظلت ثابتة بأرضها وهي تقول بدفاع:
-لا سيد (أرون) يبدو أنك أخطأت في تقد……..
قاطعها (أرون) قائلاً بنبرة حادة:
-لا آنسة، المخطئ الوحيد هنا هو أنتِ، أنا لم آتي إليكِ وأطرق بابكِ لأتودد بهذا الشكل…
لم يستكمل نعته المشين، ولكنها ليست على استعداد للرحيل الآن قبل أن تغير له الصورة البشعة التي أخذها عنها، لذا أردفت تقول باحتجاجٍ:
-من فضلك لا تسئ الظن بي، أنا لم أتصرف أي تصرف يجعلك تقول هذا، كل ما في الأمر هو فقط صورة أردت الاحتفاظ بها.
لم يعقب بكلمة ولم يبدو عليه أي تأثر ولو حتى برمشة عين ظل يحتفظ بثباته وهو يرتكز بنظرات عينيه الثاقبتين عليها، هدوئه أربكها وفي الوقت الذي كانت كل خلية في جسدها ترتجف، بدا هو كالصنم ولم تهتز عضلة واحدة فيه، زاغت نظراتها تحاول إيجاد سبيل لتصرف به انتباهه عنها، فها قد هالت قواها ولم تعد قادرة على إدعاء الصلابة والثبات، وبالطبع هو لاحظ ذلك.
مررت طرف لسانها على شفتيها تحاول ترطيبهما، بينما……….
البارت_13
عند الصديقتين (ماتي) و(سارو)
انفرجت شفاه (ماركوس) بابتسامة بلهاء؛ فبالرغم من تعدد علاقاته إلا أنه لا امرأة من بينهن أقدمت على خطوة كتلك، وهو يعني هنا أنه لم يجد بينهن مَن تخطت كل الخطوط الحمراء واختارت له اسم تدلله به.
دوماً ما كنت العاهرات تتغنجن للفت انتباهه ولكن لم تفعلها غيرها وهكذا دون رسم أو تخطيط أنثوي ماكر ومبتذل.
كلهن شريكات فراش لليلة واحدة ومن كثرتهن لا يتذكر أسماء ولا عدد، وربما يقابل منهن مَن مارس علاقة معها ولكن لا يذكرها؛ فعندما يفرط بالمشروب لا يفرق معه ملامح ولا صفات فالتركيب الجسدي واحد لبنات حواء، فما الفارق بينهن إذاً؟!
(ماركوس) محركاً شفاهه يتلذذ بترديد ما قالت باستمتاع: – (مارك)!!
وكان الصمت من نصيبه هذه المرة إذ أقدم هو على تكميم بوق السماعة يتحدث إلى حاله، قائلاً بانتقادٍ لاذع:
-ماذا هناك؟! هل أُصبت برأسك (ماركوس)؟! هل بعد كل مر عليك من أصناف النساء لا زلت مراهق تلتمس بعض الدلال؟!
-تحكم بحالك يا رجل! أتريدها أن تعتقد أنك محروم بائس!!
(ماتي) بدهشة، وهي تضع يدها على البوق، تلتفت برأسها إلى (سارو) التي تكمم فمها براحة يدها تحاول منع حالها من الضحك فكلا المتحدثان بهما من خفة الظل والعقل أيضاً ما يجعل المستمع إليهما غير قادر على التحكم بنفسه.
كل ما يضجر (سارو) في هذا الحوار أنه لا يوجد لديهما بعض من المقرمشات، وفي حال أن وُجِدت لكان الإنصات إلى هذه الفقرة أكثر متعة.
(ماتي) بعبوس:
-لا صوت! يبدو أنه قد أغلق الخط!
التقطت (سارو) السماعة من يد (ماتي) تردد:
-ألو…سيد (ماركوس)!!
انتبه (ماركوس) بعد هذا النداء ولكنه اندهش كونه ميز اختلاف الأصوات أو ربما الطريقة أيضاً، ليقول بحدة بعد أن قطعت عليه (سارو) شروده :
-مَن أنتِ؟! وأين (مارتينا) ؟!
: – ما به؟!
هذا ما قالته (سارو) ل (ماتي)، وهي تلقي إليها السماعة بانتفاصة فزع عقب التغير المفاجئ بنبرة صوته من المرح إلى الغضب وبلحظة، ولا تعي سبباً لذلك فهي لم تخطئ بشيء.
التقطت (ماتي) السماعة تجيبه على الفور، وبرغم توترها بسبب ردة فعل (سارو)، إلا أنها جاهدت لتبدو طبيعية، فأردفت تقول:
-على رسلك يا برو!! لِم النزق؟! ها أنا معك!
تمتم بصوت غير مسموع، يقول:
-اللعنة!! أين (مارك) اللقب خاصتي؟!
تحمحم يجلي صوته وهو يقول بنبرةٍ سلسة وتلك المترقبة تلوي ثغرها باستنكار، فعلى ما يبدو أن صوتها لا يعجبه:
-حسناً (ماتي)، ما المعلومات التي تريدين معرفتها؟!
(ماتي) بعملية:
-كل شيء سيد (مارك).
سبة نابية خرجت من بين شفاهه ولم يتمكن من منعها، ولكنه رفع يده تلقائياً إلى بوق السماعة، وهو يضيق عينيه بتوجس لا إلا تكون قد استمعت إلى هذه اللفظة البذيئة، ولكن على ما يبدو أنه فعلها بالوقت المناسب إذ لم تعقب (ماتي) على ما قال.
بينما تبدلت معالم وجه هذا ال (مارك) من التسلية والمرح إلى الخيبة، فها قد عاد طربوش التحفظات ليتدلى مُعلقاً بطرف لسانها ولكنه أخذ يواسي حاله ب (مارك) مقرراً بأنه سيفكر في تعميم هذا اللقب ما بين المعارف والأصدقاء ولكن (چاكوب) قطعاً لن يعجبه ذلك، إذ منع كل الرفقة والمقربين من تدليله هو شخصياً.
(ماركوس) بإيضاح:
-لا تقلقي (ماتي)، الحفل سيقام بمكان مفتوح بفضاء إحدى الفنادق المعروفة وسيحضره العديد من المشاهير.
التمعت عينا الفتاتين بفرحة عارمة وأخذتهما الحماسة، فإذا كان الأمر هكذا فإلى جانب الأجر الذي سيتقاضوه، ستكون هذه فرصة لن تعوَّض فربما يحالفهما الحظ، ويكتشف أحد موهبتهما، أو تتعرفان هناك على مَن يمكنه مساعدتهما للوصول إلى عالم الشهرة والاحتراف، مَن يعلم؟!
إذ أن (سارو) تمتلك صوتاً كروانياً صداح، ذو بحة برغم قوتها إلا أنه صوت ناعم ومؤثر، تبرع في تأدية كافة الألوان الطربية، بينما (ماتي) عازفة بيانو ماهرة وتجيد العزف أيضاً على الآلات الوترية.
أمأت (سارو) إلى (ماتي) برأسها كعلامة قبول وهي تشير لها بالاستمرار، فتأهبت الأخيرة تستجمع شتاتها، مستكملة باقي استفساراتها:
-يا الله (مارك)!! لِم الغموض يا رفيق؟! هل اسم الفندق سر من الأسرار الحربية!!
(مارك) بانتشاء، فها قد عادت إلى سجيتها مجدداً:
-لا سر ولا شيء يا أخ (ماتي)، إنه فندق…….عند سفح جبال (واساتش) على حدود (يوتا).
-آه، نسيت أن أخبرك إنها الليلة.
(ماتي) بخيبة فكيف لإحداهما أن تستعد لحفلة كهذه في ظرف ساعات قليلة؟!
والأهم كيف لأي منهما السفر إلى هناك، وكلاهما مهمشتان بلا أوراق سوى بطاقتي هويتهما وشهادتي التخرج، و(سارو) حظها أسوء فحتى اسم والدها المدون ببطاقتها الشخصية اسم وهمي لا وجود له؟! لذا أجابته باعتذار:
-لن نتمكن من مساعدتك في هذا، فإجراءات السفر وحجز التذاكر سيستغرق وقتاً طويلاً.
- وكذلك ما مِن أحد يعمل هنا يحمل جواز سفر.
قهقه (ماركوس) على ما عقبت به (ماتي) ولكنه يعذرها عن أي أوراق تتحدث؟!
فمن ستأتي ضيفة إلى الحفل ستكون برفقة آل (ألبرتينو)، أي لا مطارات ولا جوازات سَتُحُول دون انتقالها، لذا أردف يقول مِن بين ضحكاته:
-لا تشغل بالك بأوراق ولا غيره وحتى السفرة لا تعول همها يا صاح.
-جل ما أريده أن تكون الفتاة جاهزة وعلى المستوى المطلوب خلال ثلاث ساعاتٍ ونصف لا أكثر.
-وستخرج من مكانكم بالسيارة وتسافر بمعرفتنا وسنوصلها إليكم حتى الباب.
ابتسمت كلا من (ماتي) و(سارو) وقد انبلجت أساريرهما، وذلك بالرغم من تخوفهما بشأن الفكرة برمتها؛ فكيف ستقدم لهما الحياة فرصة كهذه على طبق من ذهب ودون عوائق؟!
الفتاتان مردفتان بانتصار:
. Yes-
ومن ثم استعادت (ماتي) وقارها تعاود خفض يدها عن البوق، قائلة:
-ما دامت مُيَسَّرة على هذا النحو، لِمَ تعقد الأمور (مارك)؟!
(ماركوس) بتسلية:
-مَن منا الذي قال أنها معسرة؟!
(ماتي) باندفاع : – أنا.
(ماركوس) بمشاكسة:
-إذاً تستحقين العقاب على طريقة عزيزك (مارك).
أحمرت وجنتي (ماتي) خجلاً، فبالتأكيد لا يعني ما خمنته لذا تطرقت إلى استفسار آخر:
-ماذا تريد أن ترتدي مرافقتك؟! وهنا أعني الألوان، لكن ما سترتديه الفتاة لن يكون سافراً مهما بالغت في العطاء.
(ماركوس) بتفسير:
-أولاً، لن تكون مرافقتي أنا.
-ثانيا نحن لا نتحدث هنا عن راقصة ولا فتاة ليل، المرافقة ستُقدَّم للضيوف على أنها سيدة مجتمع لا غانية في ملهى ليلي، لذا يجب أن تتصرف الفتاة مع الحضور على هذا الأساس.
-سيدة مجتمع لا تنسَ ذلك.
ابتسمت (ماتي) لرفيقتها (سارو) التي تجدد لديها النشاط، إذ حضرت كليهما إلى المنزل أمس في وقتٍ متأخر من الليل وقد أنهكهما التعب.
فقد ظلتا طوال فترة ما بعد الظهيرة حتى منتصف الليل تتناوبان عرض الفقرات في حفلة عيد ميلاد لأطفال في السابعة من عمرهم ما بين عروض المهرج والساحر ولعبة الألغاز وكذلك فقرات غنائية تولَّت فيها (سارو) المهمة كاملة.
وبالأخير قد حضر والد الطفل الذي قال أنه قد تأخر بسبب ظروف عمله، وفور ما إن وقعت عيناه على (سارو) التي كانت ترتدي زي أميرة مع لمحة رقيقة من مساحيق التجميل حتى هام بسحرها وظل يلاحقها بنظراته طوال المدة المتبقية من الحفل.
أما عن زوجته الخرقاء فبدلاً من أن تفقأ عين هذا الزوج المتبجح، ألقت اللوم على مَن لا ذنب لها وافتعلت المشاكل معها ومع (ماتي)، كما أنها وجدتها حاجة لتبخس لهما أجرهما، فتعبا وكدا وضاع مجهودهما هباءً بسبب وقاحة الرجل وغيرة تلك الحمقاء زوجته.
(ماتي) بثقة:
-لا تقلق سنكون عند حسن ظنك (مارك).
(ماركوس) بمرح، يقول:
-أكثر ما يقلقني هو الثقة الزائدة بالنفس.
-على العموم سنرى.
-بالأول أريد معرفة بعض الأمور عن الفتاة هل….
قاطعته (ماتي) تسأله بفضول أو ربما شيء آخر لم تتمكن من تحديده بعد:
-لقد قلت إن الفتاة التي تريدها لن تذهب برفقتك، ستذهب برفقة من إذاً؟!
(ماركوس) : – برفقة أخي الدون (چاكوب).
الفتاتان في كورال بنغمة واحدة كالسابق، معقبتان:
- مَن؟!
(ماركوس) مقاطعاً ليستكمل عنهما : – اللعنة!
-ماذا هناك؟! ألن ينتهِ عرض الصدمات المفاجئة هذا؟!
-ما الاختلاف إذا ذهبت تتأبط ذراعي أو ذراع رجل آخر ما دامت مدعوة إلى حفل محترم وعلى الملأ ودون أية تجاوزات! وستذهب صحيحة وتعود دون أن ينقص منها إصبع واحد؟!
(ماتي) بداعبة لتُجلِ بها توتر الأجواء، مضيفةً:
-كلامك لا غبار عليه (ماك)، أصبحت كثير التذمر يا مان.
-هدأ من روعك الأمر لا يستحق أن تصاب بذبحة أو جلطة.
(ماركوس) بأعين جاحظة:
-اللعنة!!
(ماتي) بتراجع:
-ماذا هناك؟! أنت من عدت إلى فقرة الصدمات المفاجئة، ومنذ قليل كنت تنتقدني بسبب هذا!!
(ماركوس) بشفاهٍ مزمومة:
-(ماتي)! عزيزي!
(ماتي) بمجاراة:
-نعم حبي!!
لِم كل شيء من تلك البلهاء له رونق آخر، (مارك)! (ماك)! حبي!
نفض (ماركوس) عن رأسه أفكاره الأكثر بلاهة تلك، وهو يقول بحزمٍ:
-اغلق فمك (ماتي) حتى أستطيع قول جملة مفيدة.
رفعت (سارو) يدها تكمم فم رفيقتها التي كانت تستعد لإطلاق قذيفة انتقاد من العيار الثقيل، فاستكمل (ماركوس)، يقول :
-صحيح أنني طلبت سيدة مجتمع حشمة بعض الشيء ولكن ليست متذمتة، وعلى نحو آخر أريدها جميلة جداً، بل فاتنة.
-لها شعر أشقر طويل يطوف حول كتفيها.
-لا شعر مستعار ولا مصبوغ أيضاً، أريدها طبيعية.
(ماتي) رامقة (سارو) التي انطبق عليها مطلبه الأول فها بات الاختيار منصب عليها، فأزاحت كف (سارو) عن ثغرها، تجيبه بتأكيد فبالأخير فكرة قبول عرض كهذا كانت فكرة (سارو) من البداية:
-لا تقلق شعر طبيعي غير مستعار أصفر لامع كسلاسل الذهب.
(ماركوس) باستحسان:
-جميل، بلا رائع، وماذا عن ابتسامتها، أريد أن تكون لها ابتسامة صافية دافئة، ذات أسنان ناصعة البياض.
(ماتي) بمرح:
-ابتسامتها حقاً مذهلة، بل تصلح كواجهة لدعاية أشهر أطباء الأسنان لتناسق أسنانها وعظام الفك، أما بياض ميناها يضيئ ظلام الليل.
(ماركوس) :
-حسناً جداً لقد اقتنعت يا صاح، والآن ماذا عن طولها، فأنا لا أبحث عن فتاة قصيرة القامة، نحن لا نتحدث عن طفلة صغيرة، صحيح؟!
(ماتي) باعتراض:
-طفلة!! بالطبع لا (مارك)، فتاتي امرأة شابة يافعة وجميلة، أطول قليلًا عن النسب العادية، ولكنها ليست بطول عارضات الأزياء.
كل ما قاله وصف واقعي ودقيق، ولكنه لا ينطبق على (ماتي)، إنها (سارو) لا غيرها!
(ماركوس) بحماسة:
-هذا أكثر من جيد، ماذا عن عينيها؟
(ماتي) بمللٍ، هل يريد ممثلة لعدد محدد من الساعات أم يبحث لأخيه عن عروس العمر، زفرت بضيق وهي تقول:
-عيونها رمادية كالهررة وأهدابها كثيفة.
(ماركوس) : – لا جحوظ، صحيح؟!
أجابت (ماتي) بنزق: – لا.
استشعر (ماركوس) تغير رتم صوتها من المرح إلى الضجر فقال:
-سؤال أخير بعد؟
(ماتي) بلوية ثغر ممتعضة: – تفضل؟
(ماركوس) بتلهفٍ جعلها تشك بأمره:
-ماذا عن جسدها؟!
تبدلت ملامح الفتاتين يناظران بعضهما بضيق وريبة ومن ثم أردفت (ماتي) تقول باستهجان مبطن:
-عفواً!! أنا لا أفهمك!
(ماركوس) وقد تملكه الحرج، ولا يعلم لم تلجلج في الحديث معها فلو كان المتحدث إليه شخص آخر لاستفاض في شرحه بوقاحة ودون خجل، فتسائل بتلبكٍ:
-أعني… شكلها الخارجي، أنت تعلمين… تعرفين كيف…
-حسناً سأصوب على مغزى سؤالي ولكن أرجو منكِ أن تتفهمي؟
(ماتي) باقتضاب:
-سأحاول.
(ماركوس) متغلباً على توتره، يحاول إيصال مقصده دون أن تسيء فهمه:
-أعني الانحناءات المناسبة في مكانها الصحيح.
همهمت (ماتي) ولم تجيب، بل تمهلت لتعرف إلى أين يود أن يصل بسؤاله المريب هذا، فاستكمل (ماركوس) مؤكداً:
-أتعلمين بالطبع أن الفتاة المقصودة لن تنفع إذا كانت نحيفة، المقصود هنا امرأة كاملة الأنوثة ذات انحناءات جسد مثيرة.
(ماتي) بامتعاض: – اممممم..
طلباته وإن كانت منذ البداية غريبة ولكن عند كلمة مثيرة وكفى، إذ بدأ ناقوس الخطر يدق أجراسه برأس كلًا من (ماتي) وتلك المتلصصة (سارو)، ولكن لا مجال هنا للمخاطرة فإن راوغ في ردوده، سوف تقطع المكالمة وتنهي هذا العبث وليكن ما يكون، لذا أردفت (ماتي) تقول بتساؤلٍ:
-أمتأكد سيد (ماركوس) أنه حفل علني؟!
(ماركوس) بجدية : – أجل، بالطبع.
(ماتي) بجفاء، وهي تفكر جدياً برفض العرض:
-أفهم من ذلك أنها ليست لليلة حمراء للرجال، صحيح؟!
(ماركوس) باستنكار:
-لا (ماتي) لقد أسأتي الظن بي، أنه حفل ضخم مقام على شرف السيد (سيمانز)، وسيذاع بثه على إحدى القنوات الفضائية.
(ماتي) باستجوابٍ، وكأنها تبحث عن سبب للرفض:
-أتعني أن الحفل سيحضره عدد كبير من النساء والرجال؟
(ماركوس) وقد ضاق ذرعاً، هل إذا كان يريدها بفراشه، ستتمكن هي أو غيرها من منعه؟! لذا جز على أنيابه يقول:
-حفل مقام كحدث ترصده عدسات كاميرات السوشيال ميديا، ومدعو إليه كبار رجال الأعمال والفنانين، وستدون عنه الصحافة مقالات.
-ولا شيء سري بشأن الحفلة، ما المريب في ذلك وما الداعي لكل هذه التحفظات حباً في الله؟!
(ماتي) بترضية:
-أعتذر (ماك)، لقد فهمت!
أومأت إليها (سارو) باستحسان، فإذا كان الأمر هكذا فيجب عليهما ألا يفوتا فرصة ذهبية كهذه، وبقى أن تأخذ (ماتي) تصريحاً لها أيضاً بالذهاب، لذا أردفت تقول:
-هناك طلب واحد، ولا تعتبره شرط.
(ماركوس) وقد ملَّ بالفعل، وذلك بعد أن كان قد مال إليها بالبداية ولكن من كثرة تساؤلاتها الملحة بدأت تطفق بمخيلته صورة عنها يتخيلها كأنثى طاعنة في السن شمطاء وناقمة.
لذا زفر بضيق، وهو يمسح بنزق على وجهه براحة يده حتى تسكن ثورته، ومَن كان يبادر لإيضاح حسن النية وفتح مجال للحديث، بدأ يفكر في العدول عن الأمر، ولكن فضوله قاده ليسأل:
-ما هو؟
(ماتي) بحماسٍ منطفئ بعد أن استشعرت تبدل مزاجه، وإن كان هو لا يعرف شكلها ولا شيء عنها، إنما هي قد رأت له صور عدة على تطبيقات التواصل الاجتماعي.
فتمتمت وهي تتخيل عبوس وجهه الوسيم بريأكشن قد رأته في إحدى هذه الصور ذات مرة، حينها لم تشغل بالاً للأمر، ولكنها الآن تستحضر هيئته تلك وكأنه يجلس أمامها:
-هل يمكنني أن أرافق الفتاة حتى أطمئن أنها ستكون مرتاحة هناك ولن يضايقها أحد أوتكون عرضة لأي…. إساءة؟!
بالبداية كان سيطلب منها أن ترافقه ولكنه فقد الشغف في هذا، فعلى أية حال بات الأمر سواء بالنسبة إليه، تحضر أم لا تلك شاغلة الدون وهو من سيقرر إذا كان سيصطحب إحداهما أو واحدة فقط أو لا أحد.
فهو سيسافر على متن طائرة الحرس الشخصي، حيث أنه يشعر (ماركوس) بينهم بالرفقة والألفة، كما أنه يريد أن يشرب القليل من الفودكا وحتماً الدون سيمانع في ذلك، فليفعلها مع رفقاءه وبنفس الوقت لن يفرط به حد الثمالة كما وعد أخيه، فهو عازم على الإقلاع عنها نهائياً، ولكن كما قال (چاكوب) سيقلل جرعاته منها حتى يزهدها.
(ماركوس) بلا مبالاة:
-لا مشكلة، يمكنك الانضمام إلى الحفل، ولكن أفهم من حرصك على الفتاة كل هذا القدر أنها مثيرة بالفعل، أم تشبهك يا أخ (ماتي)؟!
قال الأخيرة بسخرية لاذعة اصطكت لها أسنان (ماتي)، أما عن (سارو) أخذت تبتسم بمرح على هذا الثنائي الفكاهي، وهي تطرق في خفة براحة يدها على سطح المكتب الذي باتت تعتليه الآن تجلس فوقه بوضعية القرفصاء في حركة تنم عن مدى تسليتها.
ولكن عندما رأت انعقاد جبين رفيقتها، أخذت تؤشر ل (ماتي) بأن تتريث؛ فسفيه كهذا سيكون الرد عليه فعل لا قول.
فقط لو قعت عينا الأخ (ماركوس) على أخيه (ماتي) الذي يسخر منه الآن ما طاوعه لسانه على قول هذا، ولكن صبراً جميلاً!
أجابته (ماتي) بجفاءٍ:
-لا سيد (ماركوس) كن مطمئنا تماماً من هذه الناحية، فالفتاة تختلف عني كلياً.
-وبالحديث عنها فهي فعلاً ذات شكل مثير بكل تأكيد، ولكن هذا لا يعني أن يناظرها البعض بشكل وقح ويتفرس بها بشكل مبتزل أو يأخذ عنها فكرة سيئة، هل ستضمن لها ذلك؟!
ها قد اتضحت الرؤيا فكل ما يهم تلك القبيحة هي فتاتها، قطعاً تلك ال (ماتي) لا تمت للأنوثة بِصلة؛ إذ لم تضف ضمائر تثنية لمطلبها الأخير فلو كانت مثيرة مثل مَن تتحدث عنها لطلبت شملها بالحماية كرفيقتها، لذا أردف يقول بتهكمٍ:
-لم القلق وأنت معها (ماتي)؟! ألست رجلاً بما يكفي لتطلب حماية لمن هم بكنفك؟!
لا إلى هنا ولا مزيد من التحكم بالذات إذ صدرت عن (سارو) ضحكة أنثوية رنانة، وهي ترى دخان الغيظ يتصاعد من أذني وأنف (ماتي).
بينما من استمع إلى الصوت بدأ يتفائل فأنثى كتلك وبهذه المواصفات والرقة حتماً ستسلب عقل الدون وتنسه تلك الملعونة التي خانته ومن أنجباه، لذا أردف يضيف:
-على العموم معك حق ففتاة بهكذا، مواصفات وضحكة عذبة كتلك التي استمعت إليها، تحتاج إلى كتيبة لحمايتها، هذا إذا كانت برفقة أحد آخر غير الدون (چاكوب).
-لكن ما دامت بصحبته لن يجرؤ أياً مَن كان على أن يرفع عينه بها قاصداً تفرس أو تجاوز.
-دوِّن لديك هذا الرقم أخ (ماتي).
ناولتها (سارو) تلك الأچندة الموضوعة إلى جوارها على سطح المكتب، تلتقط أحد الأقلام من العلبة الحمراء الموجودة على طاولة بيضاوية صغيرة في ركن قريب دون الحاجة إلى أن تبرح مكانها؛ فالغرفة حقاً صغيرة بل متناهية الصغر.
فهي بالكاد تتسع إلى المكتب وتلك الطاولة، وأريكة صغيرة مستعملة ولكنها بحالة جيدة، بالإضافة إلى الخزانة التي تحوي أدوات العمل أما عن مساحة الحركة فهي لا تذكر.
انتزعت (ماتي) ما بين يدي (سارو) بحدة وكأنها تراه فيها، ولكن ما دخل هذه المسكينة!!
لم تتذمر (سارو) ولم تبدِ أي استياء فهي تعلم رفيقتها، ما بها ليس غيرة، ولِم الغيرة فكلاهما تتمتعان بقدرٍ عالٍ من الجمال، وهذه هي مأساتهما، إذ لم تسلما من مضايقات الرجال لا في عمل ولا تعامل ولا حتى بالسكن لذا لجأتا إلى التنكر، وحتى في هذه الحالة لم تتجنبا المعاكسات بشكل كلي.
فتيات كانت تتودد إليهن على أساس أنهما شابان وسيمان حتى عندما أشاعا أنهما من ذوي القدرات الخاصة أحدهما أصم لا يسمع، والآخر أبكم لا يستطيع الكلام.
والأغرب أن هناك بعض من الشباب لهم ميول غريبة كانوا يتقربون إليهما أيضاً، ولكن هذا لا شيء مقارنة بظهورهما كفتاتين بهذا الإبداع الخلقي من المولى عز وجل، وفي أماكن كهذه يكثر بها الثمالى والمغيبين.
ترى لمَن يعود الرقم؟! وهل سيمر الأمر على ما يرام؟
البارت_14
في قلعة صياد الوحوش
قاطعها (أرون) قائلاً بنبرة حادة:
-لا آنسة، المخطئ الوحيد هنا هو أنتِ، أنا لم آتي إليكِ وأطرق بابكِ لأتودد بهذا الشكل…
لم يستكمل نعته المشين، ولكنها ليست على استعداد للرحيل الآن قبل أن تغير له الصورة البشعة التي أخذها عنها، لذا أردفت تقول باحتجاجٍ:
-من فضلك لا تسئ الظن بي، أنا لم أتصرف أي تصرف يجعلك تقول هذا، كل ما في الأمر هو فقط صورة أردت الاحتفاظ بها.
لم يعقب بكلمة ولم يبدو عليه أي تأثر ولو حتى برمشة عين ظل يحتفظ بثباته وهو يرتكز بنظرات عينيه الثاقبتين عليها، هدوئه أربكها وفي الوقت الذي كانت كل خلية في جسدها ترتجف، بدا هو كالصنم ولم تهتز عضلة واحدة فيه، زاغت نظراتها تحاول إيجاد سبيل لتصرف به انتباهه عنها، فها قد هالت قواها ولم تعد قادرة على إدعاء الصلابة والثبات، وبالطبع هو لاحظ ذلك.
مررت طرف لسانها على شفتيها تحاول ترطيبهما، بينما خفضت بصرها إلى حقيبة يدها تعبث بمحتوياتها لتحاول إيجاد البطاقة التعريفية الخاصة بها، ولكن إذا ظنت أنها ستتمكن من الهروب من عمق نظراته الحادة فهي مخطئة.
إذ بسط يده يلتقط البطاقة من خاصتها ولكن عينيه لم تَحِد عنها ولو بطرفة عين، قالت تحثه على النظر لما بيده:
-انظر؟ هل تأكدت الآن أنني لم آتي إلى هنا بغرض إساءة الأدب إنني مصورة محترفة، لقد أخطأت بحقي سيد (أرون).
بلهاء عندما ظنت أنها بهذا ستتمكن من تغيير الصورة التي كوَّنها عنها وتحسن من سوء التفاهم الذي حدث، فهو لم يكلف نفسه بالنظر إلى البطاقة بل خفض بصره يشيح بوجهه إلى اليمين حيث سلة القمامة المعلقة بالجدار الملاصق للبوابة يلقي البطاقة بها بإهمال، وهو يقول:
-لقد انتهت الزيارة.
تعتمت عيناها بغيوم الاستياء وهو يعاملها بهذه الطريقة المهينة ولكنها لن تستسلم لتحظى بما جائت من أجله، فأضافت سريعاً:
-سيد (أرون) إنها مسألة مهمة بالنسبة لي، فهناك صديق صحفي شاب يود كتابة مقالة عنك وطلب مني هذه الخدمة بأن التقط صورة واحدة لك.
-لن آخذ من وقتك كثيراً فقط بضعة ثوان لأكثر، ولست بحاجة إلى تبديل ملابسك، هيئتك تلك أكثر من رائعة.
إنها تقول الحقيقة فطلته البوهيمية هذه حقاً رائعة وجذابة، وقميصه الزيتي الباهت يتناسب كثيراً مع بشرته البرونزية، وأكمامه القصيرة تبرز بوضوح عضلات ذراعيه القويتين، وقد ترك أول زرارين منه مفتوحين ليبدو كأحد زعماء المافيا بطلته الرجولية الخشنة تلك.
ظنته سيتأثر بما قلت وسيسمح بعد منع، ولكنه لم يتحرك أيضاً، وأخذ يرمقها بنظرات وكأنه ينتظر منها إضافة المزيد أو ربما أطربه إبداءها الإعجاب بهيئته، وإذا كان ينتظر أن تستكمل فها هي ستفعل وذلك بعد أن ابتلعت تقول:
-يمكنني أن أدفع لك مقابل هذا.
سألها بإبهام : – حقاً؟!
أجابته على الفور بغباء وهي تبتسم إذ ظنت أنها وصلت أخيراً إلى هدفها:
-أجل بالطبع، ما دام أجراً معقولاً.
رد الابتسامة بأخرى رجولية عذبة، وهو يقول متسائلاً بتلميح:
-وإذا لم التزم بحدود؟!
اللعنة!! لِمَ يضعها منذ أن تقابلت أعينهما في خانة فتيات الليل أو بائعات الهوى.
صدمها رده، مما جعلها تتجمد بمكانها عاجزة عن الحراك، ليس لكونها لازالت مصرة على الحصول على الصورة ولكنها ببساطة فقدت التحكم بساقيها.
والأكثر خزي أنه ظن ثباتها هذا قبول لِما دار بينهما دون تصريح، فدنى إليها ينهي تلك المسافة الصغيرة بينهما، مجبراً إياها على التقهقر خطوة إلى الخلف وهي ترفع رأسها إليه تناظره بأعين زائغة بتشتت، إذ لم تتوقع أنه سيقترب منها إلى هذا الحد مخترقاً مساحتها الشخصية.
وأثناء حالة التيه التي تملكتها رفع يده يتحسس عنقها بأطراف أنامله ببطئ مهلك، وهو يأسر نظراتها بخاصتها، وحاجبيه يرتفعان قليلاً مع انكماش بشرتها التي سرت بها قشعريرة لذيذة وكأنه بهذا يقول: – أشعر بلهفتك.
تمتم عن قرب وأنفاسه تداعب ملامح وجها برقة وعينيه تجذبها إليه بسحر غريب، يقول بهمسٍ مغوي:
-(كيتي) أنت حقاً جذابة ودافئة أيضاً.
قالها وأنامله تعرف طريقها بتمرس خبير، فتسارعت وتيرة تنفسها بعد ما ألقاه على مسامعها من غزل وباتت مغيبة عن أرض الواقع.
وبينما هي على تلك الحالة، تبدلت نظراته من الشغف إلى النفور وهو يقول بغلاظة:
-كان يتوجب على رفيقك هذا أن يخبركِ، بأنني لا أحب التعامل مع جرائدكم الصفراء مهما كانت المغريات، عرضك الرخيص مرفوض آنسة (كيتي).
قالها وهو يرفع يده عن فتحة قميصها، فاستغرق الأمر ثوان لتستوعب ما الذي يعنيه وتستفيق من نشوة إحساسها به.
وكان رد فعلها التلقائية هو أن رفعت يدها تود صفعه على وجهه ولكنها ما إن همت لتفعل، وجدت قبضة كالكماشة تقبض على معصم يدها، يعتصرها بين أصابعه بخشونة، وهو يميل إلى وجهها يفحها حديثه الغاضب من بين شفاهه المزمومة، هادراً فيها بحدة وهو يقول:
-أتعلمين لولا أنك امرأة لعلمتكِ آداب التعامل، ولكن من الواضح أنكِ خرقاء ومتبجحة.
-انصتي جيداً لما سأقول.
لم ينتظر منها رداً، بل استكمل يضغط بتحذيراً على كل كلمة تخرج من بين شفتيه:
-إياكِ! أسمعتِ؟! إياكِ وأن أراكِ مرة أخرى بالقرب من هنا، فإن فعلتِ سألقي بكِ في زنزانة القلعة لحين أن أقرر ما إذا كنت سأسمح لكِ بالرحيل أم سأدعكِ تتعفنين بها حتى الموت.
قالها وهو ينفض يدها من بين خاصته بحدة، يستدير موالياً ظهره إليها، متوجهاً إلى الداخل، صافقاً الباب خلفه، ويبدو أنه يحبذ تلك العادة ولا تعلم ما ذنب هذه الأبواب في قلة صبره.
كادت أن تقع وهي تنتفض من على السرير بعد أن أحست بنفس إجفالها عندما استمعت إلى صوت صك الباب، وكأنها لا زالت محشورة بهذا المشهد.
ليتها التزمت بما قال وركضت بعزم ما أوتيت من قوة لتبتعد عن هنا قدر استطاعتها.
حمقاء وتقر بذلك، ولكنها ستفعلها وفي أقرب فرصة.
وبينما هي على تلك الحالة من الشرود داهمها النعاس، وتثاقلت أجفانها واستسلمت إلى سلطان النوم وهي تعزم على الهروب منه مهما كلفها الأمر، وستفعلها حتماً ولكن بعد أن تستيقظ!!!!!!!
ترى ستتمكن (كيتي) من الهرب؟! وهل هي حقا ترغب بهذا؟!
❈-❈-❈
لازلنا عند الآملتين (سارو) و(ماتي)
أقرت (ماتي) بعد جدية ما يقوله (ماركوس) أنه على أي حال ما مضى كان فترة وانتهت، ويبدو أن هناك عهداٌ جديداً سيبدأ، هذا إذا ما وفقت إحداهما ووجدت لنفسها فرصة كمطربة في حالة (سارو)، أو عازفة كما تبدع (ماتي) أو لفتت واحدة مِن بينهما نظر منتج أو مخرج ليعطها دوراً ولو صغيراً في أحد أعماله، وإن كانتا كعارضتي أزياء فهذا أقصى طموحهما
جل ما يهم فرصة!! أي فرصة! ومَن ستصل منهما إليها ستكون دعماً للأخرى، لذا عليهما بذل كل ما بوسعهما من جهدٍ لتسلط عليهما الأبصار في حفل كهذا.
(ماتي) بنزق:
-ها قد استعديت لأسجل.
عبث إبهام (ماركوس) بشاشة هاتفه المحمول يفتح قفل الشاشة، ناقراً على جهات اتصاله يبحث عن رقم معين، ومن ثم أملى عليها الرقم، مضيفاً:
-هذا رقم أحد أتيليهات الملابس النسائية الخاصة بالمناسبات والسهرات.
-اتصلي بهم واعطيهم القياسات والمواصفات الخاصة بالألبسة التي تريدانها وستصلكما على الفور.
-وسأوصيهم بإرسال واحدة من قسم التجميل لتساعدكما في الاستعداد، ولكن يجب أن يتم هذا سريعاً.
سحقاً!! من المخجل أن تخبره بأن مصلحة الهواتف قد قطعة عنهما الحرارة منذ يومين بعد أن تعثرا في دفع الفاتورة وصار بإمكانهما تلقي المكالمات فقط وحتى هذا لن يستمر طويلاً فسيقطعون الخدمة عليهما نهائياً بعد أسبوع من الآن.
وكذلك قد انتهت باقة الهاتف المحمول الوحيد لديهما والذي يستخدمانه هما الاثنتان هذا إذا ما غادرت واحدة دون الأخرى فتأخذه معها وذلك نادراً ما يحدث، ولكنها أجابته بحجة مقنعة تقول:
-هاتف العمل على خدمة الاستقبال فقط، ورقم هاتفي لا أعطيه لأحد ولا اتصل من خلاله پأرقام الغرباء.
-فقط جهات اتصالي، وكذلك تفعل الفتاة التي اتصلت بشأنها.
(ماركوس) بتفهم:
-ساعطيهم هذا الرقم وأبلغهم ليتواصلوا معكما.
بدأت (ماتي) في تسجيل ملاحظاته بشأن الثياب والتبرج، وكيفية التعامل وبعض الآداب التي يجب مراعاتها، ولم تنس (ماتي) مناقشته بخصوص الأجر ولم تحتاج إلى توصية.
فها قد فاصلته لتضاعف المبلغ لها ول (سارو) استناداً على أنهما فريق عمل، وكذلك كون الحفلة ستتطلب منهما العمل بعد الساعات المعتادة وهذا بالرغم من عدم وجود مدة محددة يلتزمون بها، وأقرب يوم الأمس فقد عادت كلاهما قرب الواحدة بعد منتصف الليل.
ولم تنسَ (ماتي) أن تأتي على ذكر بند التعويض عن المخاطر و الخسائر، حتى وهي تعلم أنه لا وجود لأي مخاطر فعلية قد تحدث، ولكن لا بأس فقد وضعته وحسب ضمن التكلفة.
جحظت عينا (سارو) بذهول إثر المبلغ الجزافي الذي اتفقت عليه (ماتي) مقابل حضورهما لحفل لو قال لهما أحدهم أنهما ستذهبان إليه بشكل مجاني لسعتا خلفه إلى آخر العالم.
فمنذ أن خلقهما الله وبدأت كل واحدة منهما تعرف لتلك الأوراق النقدية قيمة لم تتحصلا على واحدٍ بالمائة من نسبة هذا المبلغ، حتى بعد عملهما لسنوات بالأشغال اليدوية بالدار وتلك الفترة التي قضياها في العمل كشابين بالملاهي والأندية الليلية، كل ذلك مقارنة بحفل الليلة لم يكن ذا مردود.
تأكدت (سارو) بعد نظرات الغيظ التي أطلت من زرقاويتي (ماتي) ومن خلال ما تفوه به (ماركوس ألبرتينو) من حماقات، أن رفيقتها أخذت كل تجاوز قاله في حقها على كرامتها وقررت الانتقام، و(سارو) تقسم أن (ماتي) وضعت فكرة تخليص حقها منه هدفاً صوب عينيها وها قد بدأت عندما حملته كل تلك التكلفة.
ولكن هذا لا يذكر مقارنة بما تخطط له (ماتي)، بالفعل إنها شخصية مرحة حقاً ولكنها قلوقة لذا أخذت تحقق وتدقق بشأن الحفل وذلك ما إن انطبقت المواصفات المطلوبة على رفيقتها وليس قبل هذا، فقد كانت شديدة الحرص في تحري جدية العرض كون (سارو) شخصية رقيقة وهشة.
ولكن إذا كانت هي المقصودة بالوصف ما شغلت بالاً للأمر، بل ستتألق في ثوب ملكي وتضع تبرجها وتكمل حلتها ولن تنسَ ربط جعبة خنجرها على فخذها أسفل رداءها كما تفعل دوماً، ولم تكن أول مرة تستخدمه فقد فعلتها مسبقاً، فقط طعنة واحدة تشل بها حركة من أمامها وأراد الغدر بها.
كصاحب إحدى المحال التي كانت تعمل بها قبل خروج (سارو) من الدار ولسوء حظه لم يكن يضع كاميرات بالمخزن الخاص بالألبسة التي يتاجر بها.
ولحسن حظ (ماتي) إنها عندما سألته عن عمل وافق على الفور طمعًا بها ولم تكن تحمل وقتها بطاقة هوية وهو كان متسهل لأبعد حد ولم يسأل حتى عن اسمها الحقيقي كاملاً، فقط (ماتي).
لم تمر ساعتان على وردية عملها وأشار لها هذا البغيض على باب في نهاية المحل الكبير، وذلك في فترة الراحة التي خرجت فيها بقية الفتيات لتناول الطعام، ولكن (ماتي) لم تغادر بصحبتهن بل فضلت البقاء بالمكان كونها لا تمتلك ما يكفي من المال لشراء وجبة جاهزة.
وقد طلب منها أن تقم بحصر مجموعة من الصناديق المرتصصة في أحد أركان المخزن ولم تكذب (ماتي) خبر بل توجهت على الفور حيث أشار.
كان المكان مظلماً فأخذت (ماتي) تتحسس موضع قابس الكهرباء على الجدار وما إن عثرت عليه وصدح الضوء أحست به خلفها واستمعت إلى صوت غلق باب المخزن.
وقبل أن تلتفت انقض عليها هذا العجوز المتصابي يحتضنها من الخلف فرمقته من أعلى كتفها بنظرة تهكمية ظنها هذا الأبله رضا، بينما كانت يدها تعبث بطرف تنورتها ترفعها لأعلى تمسك مقبض الخنجر بقبضة مستميتة وما إن أفرج عن حصار خصرها ليقابل فريسته وجهاً لوجه.
وعندما علت يده القذرة ليتحسس جسدها قُبِل بجسد آخر أكثر صلابة وحدة إذ رفعت (ماتي) قبضتها غارزة نصل سكينها بكف يده ولم تكتفي بل أدارته بشراسة رافعةً ساقها تحط بباطن قدمها أسفل قفصه الصدري ليتراجع عنها بألم وصدمة، وعندما رأى الدماء تتفجر كشلال من راحة يده، اختل توازنه وسقط أرضاً على ظهره ولكنه لم يفقد الوعي.
استدارت سريعاً تلتقط أحد الأكياس بها قطعة ثياب تخرجها على الفور تمسح بها على كل ما طالته يداها طامسة أي بصمة لها بالمكان سواء داخل المخزن أو بالخارج وغادرت المكان بلا رجعة، وتلك كانت أول مرة تتعرض فيها لموقف كهذا ولم تكن الأخيرة.
هذه هي (ماتي) لا تترك حقها، قوية ولكن هذا في الظاهر فقط، أما بداخلها فهي طفلة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام.
أغلقت (ماتي) المكالمة مع محدثها السيد المتعجرف (ماركوس ألبرتينو)، وهي تصيح بانتصار:
-فعلتها، حصلت عليها.
ثم شردت للحظة تفكر بالمال الكثير الذي ستحظى به كليهما بعد هذه الحفلة وربما لن يتوقف العائد على المال فحسب، حسناً فلتأمل أن تجنيا ما هو أكثر قيمة من المال.
سألتها (سارو) بدهشة:
-ما الذي حصلت عليه؟!
(ماتي) بإجابة غير مترابطة بما ألقته عليها (سارو) من تساؤل:
-هذا المتسلط ذو اللسان الطويل لم يتردد للحظة عندما ورطته بكل هذا المبلغ، هذا يعني أنه لا يبالي بالمال، أتعلمين؟
-رغم غيظي الشديد منه، ولكن يعجبني كثيراً هذا النوع من الرجال.
ابتسمت إليها (سارو) تقول بتهكمٍ:
-آمل ألا يكون عجوزًا قذرًا!!
وكزتها (ماتي) بمرفقها في خفة، تقول:
-لا أعتقد هذا، على أية حال قد يكون شاباً وقذراً أيضاً، ولكن إذا صدق القول وكان هو بالفعل (ماركوس ألبرتينو)، فلقد رأيت صوراً له على مواقع التواصل الاجتماعي إنه شاب ويبدو في الثلاثين من عمره لا أكثر، وما تتداوله عنه الأخبار أنه أعزب وشريك بالنصف مع أخيه في ثروة عائلة (ألبرتينو).
أطرقت (ماتي) رأسها وكأنها تفكر بشيء ما، ومن ثم رفعت بصرها إلى (سارو) تقول بتمني:
-لو تحسنت الأمور بالحفل، ربما سأطلب منه أن يوفر لنا عملاً أو يساعدنا في عمل دعاية على نطاق أوسع، وبهذه الطريقة سيكون لنا زبائن كُثر داخل المقاطعة وخارجها.
أجابتها (سارو) بخشونة:
-افيقي (ماتي) لا شيء يأتي من إناس كهؤلاء دون مقابل.
❈-❈-❈
❈-❈-❈
ضاعت (ماتي) في بحور أحلام اليقظة، وعندما تنتابها نوبة كتلك يصبح من المستحيل إخراجها منها متى تراودها، لم تشغل (ماتي) بالاً لما قالته صديقتها.
بل ظلت تتراقص بحركات خرقاء أعلى تلك الأريكة المتواجدة بغرفة المعيشة الصغيرة وهي تقص على (سارو) تخيلاتها عن الحفل، وأمنياتها للبقاء هناك أكبر وقت ممكن و أحلامها في الاختلاط بهذا النوع من الناس ومعايشة ما تتمتع به هذه الطبقة المخملية من زبدة المجتمع ولو لليلة واحدة.
في الحقيقة لم تستطع (سارو) لومها ولم تنكر بأنه حدث مثير للاهتمام بالنسبة إلى كليهما، فأمر كهذا لن يتكرر في حياة أشخاص مثلهما، وقليلاً منهم مَن سيحظون بفرصة كهذه، ذلك إلى جانب الحياة الاجتماعية الرتيبة التي تعيشانها كلها أمور جعلت من عرض كهذا حدث تاريخي له بهجة ولابد وأن تصحبه كل هذه الحفاوة.
بينما غامت أعين (سارو) بالدموع إثر حدث مشابه وحفلة مماثلة ولكنها لم تذهب حينها بفستان أميرة الأحلام بل ذهبت برداءها الرث القديم، وذلك عندما نسجت لنفسها عالم من الأحلام الوردية، وأعطت لنفسها الحق لتشعر بالحب، فتلك الرفاهية ليست متاحة لأمثالها.
الحديث بشأن هذه الحفلة أجج بداخلها جراح ماضٍ تود لو تمحه من ذاكرتها و للأبد.
هدرت (سارو) بحدة، تنهى رفيقتها عن كل تلك الجلبة التي تحدثها، تقول بصياح:
-(مااااتي)!! كفى!
تلفظت (سارو) بهذا الأمر وهي تحط بقدميها أرضاً عن سطح المكتب ومن ثم وقفت وقد سيطر عليها الاضطراب والذعر جراء فتح جرحها العميق بسبب هذه المكالمة.
أجفلت (ماتي) جراء حدة صوت رفيقتها، وأخذت تحدق بها في ارتياب إذ تحولت ملامحها كلياً إلى البغض والعدائية، فسألتها (ماتي) قائلة:
-ماذا هناك؟! ما الأمر (سارو)؟!
علت الحمرة وجه (سارو) وظهر عليها الضجر والحنق وهي تقول بنبرة صوت لائمة:
-ألا تتذكرين؟!
زوت (ماتي) ما بين حاجبيها تحاول التركيز لتستشف المغزى وراء حديث صديقتها ولكن لا جدوى فتساءلت:
-أنا لا أفهم! ماذا تقصدين؟!
أطرقت (سارو) رأسها بحزن، تخفي عينيها الرماديتين اللتين احتلت الحمرة بياضهما وهي تحاول كبت دموعها الحارة من أن تنسدل على وجنتيها بشكلٍ مخزٍ، وهي تتذكر ذلك الوغد الذي حطم نابضها إلى أشلاء لا يمكن جمعها، تتمتم قائلة:
-منذ أربع سنوات، غنيت في حفلة مماثلة لوغد شبيه لهؤلاء الذين لا ينظرون إلينا إلا بدونية وكأننا عبيد لديهم.
حتى بعد هذا التنويه الذي استمتعت اليه (ماتي) بتلك الكلمات التي اختنقت بها مخارج صوت صديقتها، إلا أنها لم تفهم شيئاً مما تقوله (سارو)، فأردفت تسألها في المطلق:
-حقاً؟!
زجرتها بنظرات تنضح حزناً واتهاماً وكأنها أرادت من صديقتها الوحيدة أن تخلد الذكرى بداخلها كما حُفِرت بقلبها وعقلها بنقوشٍ قاسية لا تمحى، ومن ثم أردفت تقول:
-أجل، وصارحتكِ يومها وأخبرتكِ كم كان هذا ال (چاك) سمج ووقح.
صمتت تتذكر هذا الشاب الثري الذي كان يزور أطفال الدار وذلك منذ أن كانت بعامها الحادي عشر وكان هو بأول عقده الثاني كما أخبرها حينها عندما سألته، كانت تنتظر زيارته الشهرية إلى الدار لتراه.
حينها كانت طفلة لا تعرف معنى الحب، نمى إحساسها به داخلها كنبتة صغيرة زرعتها تخفيها عن العيون وتسقيها من ماء دمعها عندما يغيب عن الزيارة.
كتمت (سارو) الذكرى المؤلمة بداخلها، وهي تزيح بحدة عن وجنتيها تلك العبرات التي خانتها وسالت ترسم خطوطها على وجهها بظهر راحتها، وهي تواجه رفيقتها (ماتي) بقرار حازم لا يقبل الجدال:
-أنا لن أذهب إلى هذا الحفل، فربما أجده هناك.
(ماتي) بخيبة، تقول باعتراض:
-كيف؟! لقد..
بترت (ماتي) عبارتها، وقد حضرتها الذكرى أخيراً، وهي تقول بامتعاض:
-أوه… تذكرت، أتقصدين ذلك الشاب الثري الذي تعلقت به حين كنا ندرس في المعهد ونحن في الدار؟!
أومأت (سارو) بتأكيد تقول:
-أجل.
(ماتي) بلوية ثغرا، معقبة:
-وما علاقة هذا بذاك؟!
-كما أن هذا الأمر مر عليه أعوام، على ما أذكر كنتِ حينها في السابعة عشر!!
أجابتها (سارو) بأسى، تقول باختناق:
-لا (ماتي) لقد أحببته منذ طفولتي صحيح أنني لم أكن أقول لكِ شيء مما كنت أشعر به تجاهه، لكن الله زرع محبته في قلبي منذ أن رأيته أول مرة.
(ماتي) بحزن على حال رفيقتها:
-أتذكر حالتكِ عندما عدتِ تلك الليلة بعدما ساعدتكِ على مغافلة الحارسة.
-وتسللنا ليلًا إلى غرفة البواب واختلسنا السلم الخشبي لتتمكني من الصعود إلى السور العالي وتسلقتي الشجرة الملاصقة له، لحضور عيد ميلاد هذا الوغد.
-لكن الغريب أنه بالرغم من تكتمكِ على حبه إلا أنكِ حتى بعد أن أفصحتِ لي عن قصتكِ معه لم تخبرني للآن مَن هو!!
-لقد كان هناك العديد من الذكور والإناث يزورون الدار منهم من يفي نزوراً تعهدوا بها في الكنيسة أمام ياسوع والعذراء، ومنهم من جاء ليتبنى طفلاً، وآخرون يأتون كل فترة لتقديم المساعدات.
-وبالرغم من أننا كنا مقربين من بعضنا إلا أنني كلما سألتك عما حدث في تلك الليلة المشئومة كنتِ تتهربين!!
-وحتى يومنا هذا لم تذكري لي عنه شيئاً ولا حتى اسمه.
ألقت (سارو) بحمل جسدها على الأريكة بإهمال ترفع ساقيها عن الأرض تحتضنهما إلى صدرها مطوقتان إياهما بكلا ذراعيها، تسند ذقنها إلى ركبتيها شاخصة، ترتكز بنظراتها إلى نقطة ما في اللاشيء، تقول بصوتٍ خالٍ من أي مشاعر وكأن ذكراه أماتت كل حاسة لديها:
-لم أخبركِ شيئاً لأنني لم أكن أعلم عنه شيئاً، جل ما كنت أعرفه عنه هو اسمه الحركي (چاك) فقط (چاك)!!
-حتى المكان الذي أقيم فيه حفل عيد ميلاده وموعده، لم يخبرني به.
-فقد استمعت إليه يخبر أحد أصدقائه ممن أتوا معه إلى الدار لزيارة (دايسون)، ذلك الطفل من ذو الاحتياجات الخاصة الذي توفت عائلته بأكملها في حريق شب بقصرهم.
-وأشيع وقتها أن عائلته كانت على خلاف مع أحد زعماء المافيا وهم من كانوا وراء هذا الحادث.
-لقد أحببت (چاك) هذا من كل قلبي، لكنه استخف بي وبقلبي.
قالت الأخيرة بألم وهي تطبق جفنيها بقوة، فجلست (ماتي) إلى جوارها تربت على ظهرها بحنوٍ وإشفاق، تقول بمواساة………
هل ستستطيع (ماتي) إقناع رفيقتها؟!
وهل (سام) هذا من ضمن المدعويين على نفس الحفل؟!
لينك الجزء الرابع 👇
رواية عقول غيبها العشق بقلم الكاتبة أسماء حميدة الجزء 4 الفصل الخامس عشر رواية ڤانتازيا مافيا رومانس كوميدي
يمكنكم قراءة رواية أخرى 👇
رواية وعد ريان بقلم الكاتبة أسماء حميدة الجزء 15 رواية رومانس كوميدي اجتماعي مكتملة
👇
رواية واحتسب عناق بقلم #الأسطورة_أسماء_حميدة الفصل الأول