رواية متى تخضعين لقلبي كاملة للكاتبة شيماء يوسف الفصل الرابع عشر

pexels-photo-984944-984944.jpg

متى تخضعين لقلبى
الفصل الرابع عشر ..

كان فريد فى طريقه إلى غرفته عندما توقف متراجعاً عده خطوات للخلف ومقرراً الذهاب والاطمئنان على جميله اولاً قبل الذهاب للنوم ، وعندها تفاجئ وهو واضعاً قبضته فوق الباب بصوت حياة تحذرها من معرفته بحملها ، لم يحتاج الامر لكثير من التفكير منه لربط الخيوط معاً ومعرفه هويه الفاعل .

انتفض جسد حياة تحت قبضته من اثر نبرته ونظراته الشرسه ، ابتلعت لعابها بصعوبه بالغه كأن هناك حجره تقبع بمدخل حلقها تمنعها من ازدراده ، أعاد سؤاله مره اخرى ولكن هذه المره بنبره منخفضة كالفحيح جعلت جسدها يرتجف ممن هو قادم ، حاولت ايجاد صوتها لتجيبه ولكن يبدو انه قد هرب منها مع الدم الذى بداخل عروقها ، هز رأسه بشراسه متوعداً وهو ينفض ذراعها من تحت قبضته بقوه ثم توجهه نحو جميله التى كانت جالسه على حافه الفراش تنتفض هى الاخرى من مظهره قائلاً بقسوه وتصميم :
-انتى فاكره انها هتعرف تدافع عنك او تخلصى من تحت ايدى !!! ..

انهى جملته واقبض بكفه على ذراعه يرفعها من فوق الفراش غير عابئاً بشهقاتها ولا توسلاتها مستطرداً حديثه بحده :
-انطقى مين ال**** اللى ضحك عليكى ..

صرخت جميله من شده ضغطه فوق مرفقها وتمتمت من بين شهقاتها وهى تحرك رأسها رافضه :
-الموضوع مش زى مانت فاهم .. بليز اسمعنى بالراحه ..

هدر بها بعصبيه جعلت كلاً من حياة وجميله ينتفضا متسائلاً :
-اخلصصصى .. قولى من اللى عمل معاكى كده !! اكيد حته العيل اللى متعلقه بيه صح !! ..

لم تجيبه وبدلاً عن ذلك ازداد علو شهقاتها ..
دفعها فريد بقوه فوق الفراش ثم قال وهو يتحرك نحو الخارج بتوعد وعيونه تطلق شرراً من شده الغضب :
-انا هعرف ازاى أربيه عشان يعرف يضحك عليكى ..

صرخت جميله برعب وهى تحاول الاستناد على مرفقيها ليساعداها فى النهوض اما عن حياة فقد اعاد تهديده قوتها لذلك تحركت مسرعه لتركض خلفه وهى تهتف بأسمه بزعر ، لم يهتم بها ولم يعيرها اى انتباهاً بل دخل غرفته صافقاً الباب خلفه بقوه فى وجهها
فتحت حياة باب الغرفه خلفه لتدخلها وقد قررت انها لن تتخلى عنهم مهما كلفها الامر ، شهقت بصدمه وهى تضع يدها فوق كفها بمجرد رؤيتها للغرفه بألوانها الزرقاء الزاهيه ، فغرفته هى تلك الغرفه التى سكنت احلامها ايام مرضها او كذلك تهيأ لها ، تمتمت هامسه بصدمه بأقرار اكثر منه سؤال :
-هى دى الاوضه .. انا كنت هنا !! انا مكنتش بحلم بولا حاجه من دى .. فريد انت كنت هنا من الاول ..

استدار بجسده ينظر إليها بجمود وهو يخلع سترته قائلاً بتهكم يشوبه الكثير من الغضب :
-لما قولتيلى خليك هنا انا بردانه ..
لوى فمه بأستهزاء ثم أردف قائلاً :
-لا مش انا ..

حسناً انها يسخر منها ، نفضت رأسها بقوه فتلك ليست قضيتها الرئيسيه وستتعامل معها بعد حين ولكن الان لتعود إلى تلك المصيبه التى حلت فوق رؤوسهم بسبب اندفاعها وعدم حرصها اثناء الحديث ، ابتلعت ريقها بصعوبه ثم اضافت بقوه حقيقه:
-فريد الموضوع مش زى مانت فاهم ..
رمقها بنظره ناريه وهو يحرك يده ليحل آزار قميصه ثم قال بجمود :
-مطلبتش رايك ولا توضيحك .. واطلعى عشان هغير هدومى ..

هزت رأسها بقوه رافضه ثم اجابته قائله بنبره شبهه متوسله :
-فريد اسمعنى .. جميله متجوزه وجواز شرعى كمان يعنى معملتش حاجه غلط ..
توقفت يده عن العبث بأزرار قميصه ثم رفع احدى حاجبيه ينظر لها بأستنكار وهو يسألها بغضب :
-والمفروض اعمل ايه .. اروح اباركله !! ولا اقوله برافو انك اتجوزت البنت من ورا اهلها !!..

تشدق بجملته الاخيره بحنق واضح ثم انحنى يلتقط هاتفه من جيب سترته بعنف وعبث به قليلاً قبل وضعه فوق اذنه ثم تحدث دون تحيه قائلاً للطرف الاخر بجديه :
-اسمع .. فى واحد اسمه هشام عبد الجليل تقريباً .. عايز بكره تكون جايبه فى شوال قدامى .. هو عايش فى إنجلترا هبعتلك عنوانه ولو ملقتهوش يبقى اكيد نزل مصر تدور عليه وتجمعه .. فاهم !!! بكره زى دلوقتى بالكتير الاقيه مرمى قدامى ..

اغلق هاتفه وألقاه بقوه فوق الفراش ثم قام بخلع قميصه وألقاه هوالاخر بعشوائيه فوق الارضيه الخشبيه
ركضت حياة نحوه برعب بعد سماعها لمكالمته ثم رفعت كفيها تتلمس ذراعيه العاربين فى محاوله بائسه لتوقيفه وجعله يستمع إليها ، هتفت بأسمه متوسله بيأس :
-طب نتفاهم .. طب انت ليه معترض عليه من غير ما تسمعها ولا تسمعه .. فريد حرام عليك دى حامل وهما بيحبوا بعض ليه تفرقهم !!!..

نظر لها بنفاذ صبر قائلا بجمود :
-مش هقعد اتناقش معاكى .. وروحى على اوضتك عشان هقلع هدومى ومش هيهمنى انك واقفه ..

صرخت به وقد بدء اليأس يتملك منها بسبب تصرفاته الجامده معها :
-مش هتحرك من هنا وانت لازم تسمعنى وتفهمنى !! انت بتعمل كل ده عشان هو فقير !! طب مانا كمان فقيره ..
هتفت جملتها الاخيره بصوت متحشرج من أثر الدموع ، اجابها بنبره خاليه :
-متقارنيش نفسك بحد ..

هتفت به مره اخرى شاعره بالحزن من جموده الذى لا يلين:
-لا انا زى اى حد !!! لو هو فقير فانا أفقر منه اتجوزتنى ليه !! ..
اجابها بنفاذ صبر قائلاً :
-ده واحد ضحك عليها وهى لوحدها واهو لما ملقاش فايده اتجوزها من ورانا ..

صرخت بِه بعصبيه لتجيبه قائله :
-وانت مين قالك انى مش زيه !! ما يمكن عملت عليك كل التمثيليه دى عشان تتمسك بيا اكتر وتتجوزنى !!..

رمقها بنظرات خاليه ثم أشاح وجهه بعيداً عنها ، نظرت إليه بعيون لامعه وقد بدءت الدموع تتجمع داخل مقلتيها وتظهر بنبره صوتها المنكسرة ، اضافت حياة بحزن حقيقى يائسه:
-انت حكمت عليه بناءاً على وجهه نظر بباك وحتى معطتهوش فرصه تسمع فيها رأيه !! وفوق كل ده حرمت اتنين بيحبوا بعض بجد من انهم يتجوزوا قدامكم وفرحتهم تكمل !! مع انك المفروض اكتر واحد تحس باللى بيحب . ده لو فعلا بتحب بجد …

صمتت قليلاً لتسمح بأصابع مرتعشه بعض الدموع التى تساقطت فوق وجنتها عنوه ثم أردفت بتوسل قائله :
-اثبتلى بقى ان خوفى ده مش فى محله وان جوازك منى حب مش تملك وخلاص !..

انتظرت انكاره او صدور اى رد فعل منه يطمئنها ولكنه لم يجيب ، فقط تحرك فى مكانه بجسد متوتر وهو يحاول الهروب بنظراته من نظراتها ، هزت رأسها بأحباط وقد وصلتها اجابته قائله بألم :
-تمام انا كده فهمت ..

مسحت اخر دمعه فوق وجنتها بعنف ثم تركته وتحركت بأكتاف متهدله من شعورها الثقيل بالخيبه والخذلان نحو باب غرفتهم المشترك لتختفى خلفه تاركه فريد شاعراً انه قد تمزق لشطران ولا يدرى لأيهما يستجيب


خلال اليوم التالى التزمت حياة بالمكوث داخل غرفتها ولم تخرج منها ابداً ولم تتناول اى شئ على الاطلاق حتى مع محاولات عفاف وتوسلاتها المتواصله التى لم تجدى نفعاً ، لامت نفسها بقوه فهى من توقعت انها تستطيع إقناعه وهيأت لها نفسها انها ربما تكون فى مكانه اوضح لها فى البارحه انها لن تحتلها ابدا ، ولكن اكثر ما كان يؤلمها هو حال جميله وزوجها فقد شعرت بصدق حبهم تجاه احدهم الاخر والآن يبدو ان مصير زوجها ووالد طفلها الذى لم يولد بعد فى قبضه انسان قاسى القلب لا يعرف الرحمه ، اما عن جميله فلم يكن حالها بأحسن منها فقد كانت تنحب طوال اليوم على حب عمرها وتوأم روحها والذى بسبب عنادها وسوء تقديرها سيلقى حتفه دون ان تحظى حتى بفرصه وداع له .

فى صباح اليوم التالى كانت حياة تجلس داخل غرفتها بأحباط وحزن شديد فلم يغمض لها جفن طوال الليل وهى تفكر بقلق ما الذى اقدم فريد على فعله مساء البارحه مع هشام ، عندما طُرق باب غرفتها بخفوت، ظنت انها عفاف فأجابتها باصرارمن وراء الباب المغلق قائله :
-ريحى نفسك يا دادا مش هنزل ومش هفطر..

لم تتلقى اى رد على جملتها فظنت انها استسلمت لرغبتها وعادت للأسفل ولكن لحظتها فُتح باب الغرفه وطل فريد من خلفه ، بمجرد رؤيتها له شاحت ببصرها بعيداً عنه ولم تلقه اى اهتمام ، تحدث على الفور وبأقتضاب بلهجته الجامده الآمرة :
-حياة قدامك عشر دقايق يا تنزلى تاكلى معايا تحت يا انا هخليهم ينقلوا الفطار هنا .. اختارى ..
رفع معصمه ينظر فى ساعه يده قبل ان يضيف بجمود :
-دلوقتى بقوا ٩ ..

ظلت تنظر شرزاً فى اثره بعدما استدار عائداً بإدراجه للأسفل وبرغم انها علمت جيدا بأضطرارها للنزول حتى لا تشاركه الطعام فى تلك الغرفه المغلقة الا انها قررت التحرك بعد مرور العشر دقائق كامله فقط من اجل اثاره حنقه .

دلفت إلى غرفه الطعام وهى تتحاشى كلياً النظر فى اتجاهه ، وفقط من اجل عناده توجهت إلى الكرسى المجاور لمقعدها المعتاد لتجلس عليه ، جلست بجمود وهى تتجاهله تماماً ، وبرغم عدم رؤيتها لوجهه الا انها كانت تشعر بنظراته الثاقبه المسلطه عليها تخترق جسدها واعماقها معاً ، نظر إليها مطولاً ثم تحرك من مقعده ببطء يزيح المقعد الفاصل بينهم بعيداً ثم توجهه نحوها يميل بجانبه الايسر على احد ارجل المقعد ثم قام بجر المقعد وهى جالسه فوقه ، شهقت من فعلته وادرات رأسها تنظر إليه شرزاً ولكنها سرعان ما تمالكت نفسها وعادت لجمودها ولامبالاتها مره اخرى ، عاد فريد يجلس فوق مقعده بأستمتاع وقد اصبح مقعدها ملتصق تماماً بمقعده اكثر من العاده حتى ان الجزء السفلى من ساقه كان مستندا بكسل على ساقها ، حاولت بهدوء تحريك مقعدها بعيداً عنه مره اخرى ولكنه كان يحاصر بقدمه الجزء السفلى من رجل المقعد ليمنعها من التحرك بِه بعيداً
لم يكن امامها حل سوى الابتعاد بجسدها ، ابتعدت حتى اصبحت تجلس على حافه المقعد ولكنه بحركه واحده اغلق المسافه بينهم مجدداً ، تحركت مره اخرى بسوء تقدير فمال جسدها وكانت على وشك السقوط ولكن يده القويه امتدت تحاصرها وتدعم جسدها ثم إعادتها مره اخرى لتلتصق به دون اى فواصل ، لو نظرت نحوه لرأت بوضوح نظره الاستمتاع التى تملاً عينيه وتلك الابتسامه العابثه التى تحتل ثغره ، مال بجزعه نحوها ثم حك انفه بوجنتها وجانب وجهها الأيمن ، أشاحت بوجهها إلى الجهه الاخرى محاوله تجنب لمساته قبل ان يوقفها صوته الهامس قائلاً بنبره شبهه متوسله :
-حيااااة ..

دون وعى منها وجدت نفسها تدير رأسها لتنظر إليه بأنفاس مضطربه بسبب انفاسه الدافئة التى تلحف وجهها ، كان عقلها يأمرها وبقوه ان تشيح بنظرها بعيداً عنه ولكن كان هناك دفء غريب خارجاً من عسليتيه أسرها رغماً عنها ومنعها من الابتعاد عن تلك العينين التى استحالت إلى لون البندق من فرط مشاعره ، ظلا مده يحدقان ببعضهما البعض فى عتاب صامت من جهتها ونظره عاشق من جهته قبل ان تشيح بوجهها بعيداً عنه مره اخرى ، رفع كلتا كفيه يحتضن وجهها بحب ويجبرها على النظر إليه مره اخرى ثم اقترب بشفتيه من شفتيها وقام بتوزيع قبلات ناعمه على طول شفتيها المنغلقتين قائلاً لها بصوت أجش من بين قبلاته :
-بحبك .. مش تملك .. ومش اجبار ..
الصق انفه بأنفها وأغمض عينيه مستطرداً بهمس وهو يتنهد بحراره :
-والنفس ده اهم من حياتى كلها ..

رغم انه لم يعد يحاصرها او يمنعها من الحركه الا انها شعرت نفسها مكبله بعدد لا نهائى من القيود الغير مرئيه ، قيود لن تجرؤ حتى على الاعتراف بها بينها وبين نفسها ، فتحت فمها لتعترض ولكنه انتهز الفرصه ولامس شفتيها بشفتيه لبدء تتقبيلها ، افاقت حياة من لمسته على صوت صراخ جميله التى كانت تركض نحوهم ، ابتعد فريد عنها على مضض تاركاً المجال لجميله التى من شده سعادتها لم تنتبه لمدى تقاربهم ، انحنت جميله تحتضن كتفى حياة بشده وهى تقفز بسعاده وتمتم بفرح :
-شكراً .. شكراً .. شكراً يا احلى اخت فى الدنيا ..

انهت جملتها وقامت بطبع قبله مطوله فوق وجنه حياة ثم تركتها وركضت لتحتضن فريد هو الاخر الذى استقبل احتضانها بجمود ثم قال لها مهدداً بنبره خاليه :
-اقعدى مكانك من غير دوشه قبل ما ارجع فى كلامى ..

ركضت جميله تجلس فى المقعد المقابل لحياة التى كانت تنقل بصرها بينهم بعدم فهم ، التقطت جميله دهشتها فسألتها بأستنكار قائله :
-متقوليش ان فريد لسه مقالكيش ؟!..
اجابتها حياة بترقب متسائله :
-مقاليش ايه بالظبط مش فاهمه ..

اجابتها جميله بنبره شبهه مختنقه من شده الحماس والفرح :
-هنعلن جوازنا انا وهشام وفرحنا بعد بكره ..
شهقت حياة بدهشه وادارت راسها بحده تنظر نحو فريد بذهول وعيونها تلمع من شده الفرح
حرك رأسه مطمئناً بايماءه خفيفه قبل ان يمد يده من أسفل الطاوله ليحتضن كفها ويضغط عليه برفق ، ظلت تنظر إليه بأبتسامه بلهاء ونظره حالمه بادلها إياها بأخرى عاشقه وهو يمسد أصابعها ويتلمس باطن كفها بلمسات مثيره أرسلت قشعريرة إلى سائر جسدها غير عابئين بوجود جميله بجوارهم ، أعادهم من شردوهم صوت جميله تسأله بقلق :
-فريد بس تفتكر اونكل غريب هيوافق على كده ولا هيقلب الدنيا علينا ؟!..

التفت فريد ينظر إليها بحده قبل ان يجيبها بنبرته الجاده محذراً :
-جميله !! انا محدش بيراجع كلامى حتى لو كان غريب ..

انكشمت فى مقعدها وهى تتمتم له بعبارات أسفه فاخر شئ تريد فعله فى تلك الايام هو اثاره حنقه

ظلت حياة تنظر إليه وهى تفكر بأستغراب كيف يستطيع التحدث مع ابنه عمه بذلك الوجهه الجامد وتلك النبره القاسيه فى حين ان يده لازالت تعبث بكفها بلمسات تجعلها على وشك الانصهار من نعومتها ورقتها .

انتهى فريد من تناول قهوته فترك يدها ليلتقط المحرمه التى امامه يمسح به فمه ، شعرت حياة بالبروده تتملك منها بمجرد تركه ليدها ولكنها فسرت ذلك بسبب بدء فصل الشتاء وعليه فالجو اصبح بارد ، تحرك فريد من مقعده وهو يوجه حديثه لجميله بنبره خاليه قائلاً بلامبالاه :
-جوزك بقى هيحضر الفرح بوش مشلفط بس دى حاجه خفيفه كده عشان يتعلم ميعملش حاجه من ورايا تانى..

انهى جملته وانحنى بجذعه يطبع قلبه حانيه فوق شعر حياة ويستنشق رحيقه قبل ان ينصرف للخارج

دفعت حياة مقعدها بعجل ثم ركضت خلفه وهى تهتف اسمه بلهفه جعلته يتوقف على الفور ، استدار ينظر إليه بأبتسامه دافئه بادلته إياها بأخرى مرتبكه وهى تضع كفيها داخل الجيوب الخلفيه لسروالها الجينز وتتحرك بتوتر ، سألته برقه بالغه جعلته يفكر فى التراجع عن التحرك من امامها قائله :
-فريد انت هتتأخر النهارده ؟!..

ابتسم لها بأستغراب ثم اجابها مندهشاً بنبره مترقبه :
-مش عارف .. بس لو فى حاجه مهمه هحاول ارجع بدرى ..

حركت جسدها بتوتر يميناً ويساراً ثم اجابته بخجل قائله :
-مفيش بس هستناك بليل مش هتعشى من غيرك ..

ظل واقفاً مكانه لبُرهه من الوقت محاولاً استيعاب هذا التغيير المفاجئ فى تصرفاتها ، اللعنه ان عنادها ارحم كثيراً من تعاملها ذلك فهو بالكاد يستطيع تمالك نفسه امام تخبطها ونظرتها التى ترمقه بها والتى يعلم جيداً انها خارجه دون وعى منها ، انحنى بجزعه يطبع قبله خفيفه على طرف شفتيها كعلامه موافقه ثم تركها وانصرف دون حديث قبل تفاقم الامور .


فى شركه الجنيدي وتحديداً فى مكتب منصور الجنيدي جلس منصور فى مقعده المريح يضع ساقاً فوق الاخرى فى زهو واضح وكان جالساً قبالته ابن اخيه وائل الجنيدى ويقف بينهما بجوار المكتب سكرتير منصور الشخصى ، هتف به منصور فى حنق واضح يسأله مستفسراً بعصبيه :
-يعنى ايه الشركه مش عايزه توردلنا تانى !! يعنى ايه الكلام ده ؟!..
ارتبك السكرتير الخاص فى وقفته وتنحنح بأرتباك قائلاً بتوتر :
-يافندم انا شاكك ان فى حد لعب فى دماغهم فعلاً ..
ساله منصور بنظرات شرسه :
-قصدك مين ؟!..
اجابته سكرتيره بتردد :
-فى كلام انهم هيمضوا مع فريد رسلان والتوريد هيتنقل حصرى ليهم ..
ضرب منصور سطح مكتبه بقبضه يده وهو ينتفض بأنزعاج واقفاً ثم تمتم وهو يضغط على حروف كلماته بغل :
-ايوه مفيش غيره ابن غريب .. طول عمره **** زى ابوه ..

التفت بشراسه ينظر إلى سكرتيره الخاص ويأمره بحده :
-عايزك تتأكدلى من الكلام ده ولو طلع صح عايزك توصل تحيه لفريد وفى بيته فاهمنى ؟!..

اومأ له سكرتيره رأسه بخنوع ثم تحرك بهدوء مغلقاً الباب خلفه وتاركاً وائل الجنيدى ينظر بضيق نحو عمه الذى من تولي اداره الشركات بعد والده المرحوم وهو يتعمد استفزاز عائله رسلان بكل مناسبه ، هتف وائل بحنق واضح قائلاً:
-يعنى كان ايه لازمته يا عمى اللى عملناه معاهم ده ؟!.. ماحنا كنا بنوردلهم والدنيا كانت ماشيه كويس ليه دلوقتى بنجر شكلهم وخلاص ؟!..

هتف بِه منصور بعصبيه وشبح الماضى يلوح امام عينيه قائلاً بحقد دفين :
-لازمته انهم دايما بياخدوا حاجه مش من حقهم .. بس خلاص وقتهم خلص ويا انا يا هما .


دلفت حياة إلى المطبخ بعد خروج فريد وطلبت من السيده عفاف ترك المطبخ لها اليوم فهى تريد مفاجاه فريد ثم شرعت بتحضير بعض الأصناف بعدما استفسرت منها على الأنواع المفضله بالنسبه له وفى المساء بعد الانتهاء من كافه التحضيرات صعدت للاعلى للاغتسال وتبديل ثيابها والهبوط مره اخرى ، عاد فريد فى الموعد يزفر بضيق بعد جداله العقيم مع والده الذى استمر لساعات بسبب رفض الاخير لامر الزيجه ولكن فى نهايه الامر رضخ لرغبه فريد كالعاده
دلف إلى غرفه الطعام يبحث عنها بعينيه بعدما بحث عنها فى المطبخ أيضاً ولم يجدها ، جاءت من خلفه تمتم بخجل قائله بنعومه :
-حمدلله على السلامه ..

استدار ينظر إليها وفتح فمه ليجيبها ولكنه تعقد لسانه وهو يراها امامه ترتدى بنطال من الجلد الاسود ابرز تفاصيل أنوثتها بكل وضوح وفوقه ستره مفتوحه فضفاضه اضافت إليها مظهر طفولى عابث وأسفلها بلوزه بيضاء بعنق منخفض كشفت عن عنقها الممشوق وعضمتى كتفيها البارزتين إلى جانب شعرها المجعد بنعومه والذى تركته ينسدل بحريه خلفها وعيونها التى تلمع بسعاده وهى تنظر إليه ، زفر بيأس فكل هذا كثير على صبره وعلى اعصابه بحق !! ، كل ما ارداه فى تلك اللحظه هو الشعور بها بين يديه واكتمالهما سوياً ، ولكنه لن يجازف فى تلك المرحله بفعل اى شئ قد يعيدهما لنقطه الصفر من جديد
زفر مطولاً لإخراج تلك الافكار من رأسه وحاول تشتيت انتباهه بأى شئ لذلك تنحنح لتنقيه حلقه ثم سألها بصوت متحشرج من اثر الرغبه:
-امال فين جميله لسه مضربه فى اوضتها ؟!..

حينها ابتعدت عنه عده خطوات للوراء لضمان مسافه أمنه بينهم ثم قالت وهى تنظر إليه بتوجس ونبره متردده :
-بص .. عايزه اقولك حاجه .. بس عشان خاطرى متتعصبش ..
تأهبت ملامحه على الفور وضاقت عينيه وهو ينظر إليها بترقب ثم سألها بنفاذ صبر قائلاً بنبره حاده وقد شعر بترتيب شئ ما بينهم من نظراتها الخائفه :
-حياة فى ايه ؟!..
توترت ملامحها اكثر وهى ترى الغضب بدء يعلو قسماته فأردفت تقول بتوسل :
-هقول بس اوعدنى انك متتعصبش ..
هدر بها بحده وقد بدء بالفعل يغضب :
-حياااااااة ..
انكمش كتفيها وأغمضت عينيها وقالت وهى تخفى وجهها بملامحها برعب مسرعه :
-جميله طلبت تروح تزور هشام فى الأوتيل وانا وافقت ..

انتظرت عده ثوانى وهى مغمضه العينين متوقعه هجومه ولكنه لم يصدر اى صوت منه ، فتحت احدى عينيها ببطء وتوجس لتتبين رد فعله ولكنها وجدته يحاول كتم ابتسامته متأملاً ملامحها الطفولية بشغف واضح ، فتحت كلتا عينيها وبسطت كتفيها مره اخرى وهى تسأله بدهشه :
-انت مش هتتعصب عليا ؟!..

بالفعل كان هذا بالظبط ما ينتوي فعله عندما نطقت جملتها ولكن رعبها الطفولى البريئ منه جعله يشعر بأن كل ما يريده فى تلك اللحظه هو اخذها داخل احضانه ليطمئنها حتى وان كانت مخطئه فى حقه هو شخصياً ، نظر لها مطولاً قبل ان يفتح فمه ليجيبها محاولاً التظاهر بالغضب :
-والله عال يا حياة بقيتى بتتصرفى من دماغك كمان !!..
تمتمت بنبره خفيضه قائله :
-انا طول عمرى بتصرف من دماغى ..
هدر بها بصوت جهورى يسألها :
-انتى قلتى ايه ؟!..

انتقضت من صوته وقالت وهى تتقدم نحوه وتضع كفيها فوق صدره فى رجاء :
-مقلتش مقلتش .. انا بقول اخر مره والله بس هى قعدت تعيط كتير وكانت خايفه وعايزه تطمن عليه وقالت هتروح تشوفه وترجع على طول وانا بعتت معاها حد من الحراسه مسبتهاش تروح لوحدها والله..

زفر بضيق ثم تمتم بحنق واضح :
-هى بتستغلك وانتى هبله ماشيه وراها وخلاص ..
زمت شفتيها معاً للأمام فى حركه طفوليه تعبرعن حزنها ثم استدارت بجسدها مبتعده ، اقبض على ذراعيه بكفه ليعيدها امامه مره اخرى ثم زفر بنفاذ صبر قبل ان يخفض رأسه نحو رأسها ويطبع قبله حانيه فوق شعرها وهو يتمتم بحنو :
-خلاص .. خلينا ناكل انا جعان ..

عادت ابتسامتها تملئ وجهها وعينيها وهى ترفع رأسها تنظر إليه قائله بحماس :
-على فكره انا اللى عملت الاكل النهارده بأيدى ..
رفعت رأسها بكبرياء ثم اضافت مازحه :
-عشان تعرف بس انى مش اى حد ..
رفع احدى حاجبيه لها وهو يبتسم ابتسامه جانبيه ثم قال بتهكم واضح :
-يعنى ربنا يستر ومتسممش النهارده ..
سارعت تقاطعه وهى تقول بلهفه :
-بعد الشر ..
عضت على شفتيها بندم بعد انتهاء جملتها فهى لم تقصد ابداً التفوه بها علناً ، اتسعت ابتسامته وهو ينظر إلى داخل عيونها بعشق واضح ثم امسك كفها يرفعه نحو شفتيه ليقبله وهو مازال ينظر لعينها بحب ، تنحنحت فى محاوله منها لإخفاء ارتباكها الظاهر ثم تمتمت بنبره حاولت اخراجها طبيعيه قدر الامكان وهى تسحب كفها من يده قائله :
-الاكل هيبرد بقى ممكن نقعد ناكل ..

سحب لها المقعد اولاً لتجلس فوقه ثم انحنى بجزعه نحو جانبها الأيمن هامساً داخل اذنيها بنعومه :
-تصدقى كويس ان جميله مش هنا ..
التفت بأرتباك تنظر إليه بدهشه فباغتها بطبع قبله خاطفه فوق شفتيها قبل ان يستقيم فى وقفته ويتجه نحو مقعده الملاصق لها .


بعد انتهاء وجبه العشاء التى كانت مربكه لحد كبير بالنسبه لحياة بسبب نظرات فريد ولمساته انسحب هو لغرفه مكتبه لاستئناف عمله ، بعد قليل طلب من عفاف احضار القهوه له فتطوعت حياة لتحضيرها وإدخالها له بنفسها فهى لم تشكره بعد عن موقفه من جميله وهشام ، طرقت باب غرفته ثم دلفت للداخل بعد سماع اذنه وهى تحمل صينيه القهوه بين يديها ، تحركت حتى وقفت امام مكتبه ثم وضعتها فوقه وبعيداً عن اوراقه المبعثره بحذر ، وتراجعت تمتم بخجل وهى تجمع طرفى رداءها معاً سوياً قبل ان تعقد ساعديها امام صدرها قائله :
-حبيت اعملك القهوه النهارده بدل دادا عفاف .. لو ده مش هيضايق يعنى ..

حمقاء !! هل تسأله ان كان فعلها ضايقه !! انها اقصى امانيه ان تظل معه طول الوقت لو انه فقط يستطيع تخبئتها بداخل جيب ردائه فتكون بجواره أينما تحرك وبجانب قلبه دائماً ، أردفت تسأله بفضول وقد رأت الارهاق بادياً على ملامحه :
-ايه الاوراق دى كلها ؟!..

مسح وجهه بكفيه ثم اجابها بنبره متعبه :
-دى حسابات الشركه .. اخر شهر من كل سنه اتعودت اراجعهم بنفسى عشان لو فى اخطاء اواى لعب اكتشفه ..
عقدت حاجبيها معاً وهى تسأله بأستنكار :
-طب فين مدير الحسابات ؟!..
آجابها معللاً بهدوء:
-انا مش بثق فى حد ثقه كامله .. عشان كده براجع وراه ..
تحركت بجسدها تتجه نحوه حتى وقف بجوار مقعده ثم سألته بترقب :
-تحب اساعدك ؟!..
رفع رأسه ينظر نحوها ثم اعاد سؤالها مستنكراً :
-تساعدينى ؟!..

اجابته بحزم مازحه وهى تحرك جسدها لتستند على حافه مكتبه ويصبح وجهها مقابلاً له :
-ايوه اساعدك .. انت ناسى يا استاذ انى دارسه اداره اعمال وعامله ماستر كمان ..

نظر لها مطولاً بعيون لامعه ثم اجابها بنبره تملؤها الفخر :
-لا طبعا مش ناسى ان حبيبتى اذكى واحده فى الدنيا ..
تنحنحت بأحراج ثم أردفت تقول محاوله تغيير مجرى الحديث :
-فريد .. شكراً على انك وافقت على جواز جميله ..
تحرك من مقعده يقف قبالتها وهو يستند بجسده على ذراع مقعده ثم مد يديه يحتضن كلتا كفيها وهو ينحنى نحوها قائلاً بحراره :
-انا عملت كده عشانك ..
هزت رأسها ببطء موافقه وقائله بهمس :
-عارفه .. وعشان كده بشكرك ..
تنهد بحراره ثم رفع يديه يزيح بعض من خصلات شعرها برفق من فوق جبهتها ثم حرك أصابعه بحذر يتلمس وجنتها بنعومه وترقب ، اجفلت قليلاً من لمسته لكنها لم تبتعد عنه ، تحدثت هى لإخفاء قلقها قائله بتوتر :
-يلا ابدء اراجع الاوراق معاك؟ ..
اجابها بأرهاق قائلاً :
-لا مش النهارده انا تعبت جداً فى الشركه ومش مركز خلينا من بكره ..

هزت رأسها موافقه فأردف هو بعدما نظر فى ساعه معصمه يسألها بتأهب :
-حياة جميله اتاخرت الساعه عدت ١١ !..
ابتلعت لعابها بصعوبه ورمقته بنظره خائفه فهى لا تدرى بما تجيبه بالفعل جميله وعدتها الا تتأخر وها هى حاولت الاتصال بها اكثر من مره ولكن هاتفها مغلق ، ضاقت عين فريد نحوها وهو يعيد سؤاله مره اخرى بنبره تهديد قائلاً :
-حياة انتى مخبيه عنى ايه تانى ؟..

لم تعقب ولكنها تحركت بجسدها مبتعده بخوف من تلك الشرارت المنبعثة من عسليتيه والتى كانت منذ قليل مصدر الدفء بالنسبه لها ، تقدم هو الاخر منها يعيد سؤاله بنظرات غاضبه ونبره محذره :
-حياة!!!..

اصطدم جسدها بالباب فحاولت مد كفها من خلف جسدها لفتحه والهروب ولكنه لاحظ حركتها تلك فاقبض على ذراعها يمنعها من التحرك ، ظلت تنظر إليه وعينيها معلقه بعينيه فى خوف وترقب وهى تلعن جميله وما اقحمتها به معه ، هدر بها بعصبيه جعلتها ترتجف سائلاً :
-انت عارفه انها مش هترجع تبات هنا ؟!!..

اذا ظنونها وصلت إليه هو الاخر ، ازدردت ريقها بصعوبه واسرعت تجيبه بهلع مدافعه عن نفسها :
-لا والله معرفش اى حاجه.. انا بس كلمتها تليفونها مقفول ..

هز رأسه بعصبيه عده مرات ثم حرر ذراعها وابتعد عنها متجهاً نحو مكتبه ليلتقط هاتفه من فوقه بعنف ، هاتف حارسه ليسأله عنها فأجابه انها لازالت بداخل الغرفه وهو ينتظر خروجها ، اجابه فريد بنبرته القويه الآمرة :
-خليك عندك وانا جايلها ..

انهى جملته وتحرك نحو الباب يزيح حياة من طريقه بسهوله ليعبر ، كانت تعلم انه فى اقصى درجات غضبه الان ولديه الحق فجميله تعول على صبره كثيراً غير مدركه لعواقب فعلتها ، ركضت خلفه هاتفه بأسمه بذعر وهى تحاول اللحاق به ، لم يتوقف ولم يعير لتوسلاتها اى اهتمام ، زادت من سرعتها وهى تركض نحو الحديقه خلفه بلهفه فأنزلقت قدمها أسفل منها والتوى كاحلها اسفل قدمها ، صرخت بقوه من شده الالم فالتفت فريد مسرعاً ينظر خلفه ، تحاملت على قدمها للنهوض ولكنها صرخت مره اخرى بدوى اكبر ، ركض فريد نحوها يتفحصها ، ظن فى بادئ الامر انها تفعل ذلك من اجل تعطيله وامتصاص غضبه ولكن دموع الالم التى اجتاحت عيونها فى لحظه جعلت قلبه ينتفض فزعاً عليها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top