رواية عندما يندم العاشق الفصل الثالث عشر

الفصل الثالث عشر عندما يندم العاشق

لم تكن هناك كلمات يمكنها وصف الألم الذي شعرت به أسيل في يدها أو الحزن الذي امتلأ قلبها بعد السقوط. كانت تدلك يدها الصغيرة بشكل غريزي، وكأنها تحاول منع الدموع من الانفجار.

بعد لحظات، حاولت التنفس بهدوء، ثم وقفت على قدميها بحذر. أخرجت دفترها من على المكتب وبدأت في الكتابة.

لم يكن الأطفال الآخرون مستغربين من ذلك. فقد اعتادت أسيل أن تكون صامتة، وكانت تتواصل معهم عادة من خلال الكتابة في دفتر ملاحظاتها. لكنها نادرًا ما كانت تظهر لأنها لم تكن تجد أحدًا للعب معه.

بعد فترة، وجهت دفتر ملاحظاتها نحو تامي بعد أن انتهت من الكتابة. قرأت تامي ما كتبته، وسخرت قائلة: “كيف كان لديك الجرأة لتطلبي مني الاعتذار؟ أنتِ تطلبين ذلك؟!”

ثم تقدمت نحو أسيل ورفعت أنفها بتعالي، مدّت يدها وكأنها تفكر في دفعها مجددًا.

لم تكن أسيل تتوقع هذا الهجوم المفاجئ. كانت واقفة في مكانها، غير قادرة على الرد.

في تلك اللحظة، كان أحمد وبلال يراقبان الموقف، لكن لم يتنبها لما حدث إلا بعد أن دفعَت تامي أسيل وسقطت على الأرض.

حينما كانت تامي على وشك دفع أسيل مرة أخرى، لم يستطع أحمد وبلال البقاء صامتين أكثر.

“كفى! كيف يمكنك التنمر عليها؟” قال أحمد بغضب، وقف في طريق تامي، ووجه إليها نظرة حادة.

تفاجأت تامي بظهور أحمد المفاجئ أمامها، وتوقفت للحظة.

صرخ أحمد بصوت صارم: “ألم تعلمك والدتك كيف تعتذر عندما تخطئين؟ بما أنك دفعتها، يجب عليكِ الاعتذار الآن!”

رغم أن تامي كانت مترددة، شعر أحمد بشيء من الاستبداد في صوته، جعلها تشعر بالخوف من العواقب.

نظرت تامي حولها، على أمل أن يدعمها الأطفال الآخرون، لكن عندما لم يتقدم أحد لمساعدتها، شعرت بالذنب وبدأت تتلعثم: “أنا… أنا…”

عندما رآها بلال تحمر خجلاً، تقدم منها وقال بلطف: “لا ينبغي لكِ أن تسببي الأذى لأي شخص كما تشائين. هذا سلوك غير جيد! نحن يجب أن نتعامل مع بعضنا بشكل جيد. اعتذري لها.”

كان صوت بلال أقل حزمًا من صوت أحمد، لكنه كان يحمل تلميحًا من القسوة.

تامي التي كانت على وشك البكاء، رمقت بلال بنظرة خجولة. وعندما رأته يتنهد، أضاف: “لا تبكي. ستكونين قبيحة إذا بكيت. الأطفال السيئون يظهرون دائمًا بمظهر قبيح. وإذا كنت لا تريدين أن تكوني منهم، عليك أن تعتذري بصدق. عندها ستصبحين طفلًا جيدًا مرة أخرى.”

شهقت تامي بقوة، محاولًة منع نفسها من البكاء، وقالت: “لا يمكن! لا أريد أن أكون فتاة قبيحة! لكن الأطفال السيئين يميلون إلى الظهور بمظهر قبيح…”

بعد لحظات من التردد، شخرت أخيرًا واعتذرت: “أنا آسفة. لم يكن ينبغي لي أن أدفعكِ. هل يمكنكِ مسامحتي؟”

نظرت أسيل إلى تامي لفترة، ثم هزت رأسها بخفة. ابتسم بلال وقال بسعادة: “هذا صحيح! نحن جميعًا زملاء في الفصل، يجب أن نتفاهم معًا!”

أومأت تامي برأسها بشكل محرج، مما جعل أسيل توافق على مسامحتها.

شارك الأطفال الآخرون نفس المشاعر، ورددوا كلمات بلال. في تلك اللحظة، استدار أحمد نحو أسيل وقال: “هل أنت بخير؟ هل تأذيتِ؟”

حاولت أسيل إخفاء يدها المصابة خلف ظهرها، لكنها رفعت رأسها بهدوء وأومأت برأسها لتؤكد أنها بخير.

في اللحظة التالية، انحنى بلال نحوها ونظر إليها بريبة. “لقد رأيتك تطرقين على المكتب للتو. كيف من الممكن ألا تشعري بالألم؟”

“هل تؤلمك يدك؟ دعيني أرى!”

دون إضاعة وقت، أمسك بيد أسيل المصابة. حاولت أسيل سحب يدها، لكنها لم تستطع. البقعة الحمراء الصغيرة على ظهر يدها كانت واضحة على بشرتها الفاتحة.

عندما شاهد أحمد الاحمرار، سألها مجددًا، “هل لا تشعرين بأي ألم حقًا؟”

كانت أسيل تهز رأسها برقة، لكن عيناها كانتا محمرتين.

عبس أحمد وبلال معًا في دهشة. كيف لا يكون الألم ظاهرًا؟ البشرة أصبحت حمراء ومنتفخة، وقد يتحول الأمر إلى كدمة فيما بعد.

قال أحمد بحسم، “سنأخذك إلى المعلمة الآن، ولننتظر الممرضة.”

أسيل حاولت سحب يدها، لكن بلال أصر على إمساكها بقوة وأخذها معه، بينما تبعه أحمد إلى غرفة المعلمين.

عندما رأت المعلمة الجرح في يد أسيل، سألتهما عن تفاصيل ما حدث، ثم أخذتهم إلى غرفة الممرضة بسرعة.

لم تكن الإصابة خطيرة، ولكن الممرضة تعاملت معها بحرص. رشّت بعض الدواء على الجرح، ثم دلكته بلطف لبضع دقائق.

بينما كانت تعتني بها، نظرت الممرضة إلى الصبيين الذين كانا يقفان بجانبها. أعجبت بمظهرهما وقالت لمعلمة المدرسة: “هل هؤلاء الصبيان من مدرستك؟ لم أراهم من قبل. انظروا إلى مدى جاذبيتهم! أراهن أن الفتيات سيقعن في حبهم عندما يكبرون.”

ثم أضافت، “انظروا، هذه الفتاة الصغيرة تشبههم. هل يمكن أن يكونوا أشقاء؟”

أحمد وبلال تبادلا نظرة فهم مشتركة، ثم نظرا إلى أسيل في نفس اللحظة.

لم يكن الأمر مفاجئًا بالنسبة لهم. أسيل كانت أختهما من جهة الأب، ومن الطبيعي أن يكون هناك تشابه بين الأشقاء من جهة الأب. الناس دائمًا ما يعلقون على أن عيونهم لا تشبه عيون أمهاتهم.

نظرت أسيل إليهما أيضًا، لكنها تساءلت في نفسها، هل نحن حقًا متشابهين؟

بعد أن قامت الممرضة بتضميد جرح أسيل، غادرت مع المعلمة.

عادت أسيل مع أحمد وبلال إلى الصف، وتبعتهم عن كثب كظِل صامت.

جلسوا في مقاعدهم مرة أخرى، لكن أحمد وبلال فوجئا بوجود أسيل بالقرب منهما طوال الوقت.

خلال الأنشطة الصفية، كانا يحاولان تجاهلها، لكنها كانت تراقبهم بين الحين والآخر.

بعد أن أصبح الأمر مزعجًا بالنسبة له، عبس أحمد ونظر إلى أسيل قائلاً، “لماذا تتبعيننا هكذا؟”

صوته لم يكن قاسيًا، لكنه كان خاليًا من المشاعر ومنعزلاً.

شعرت أسيل بالخوف من سؤاله المفاجئ، فتراجعت بنظراتها سريعًا، لكن سرعان ما نظرت إليه مرة أخرى بعد ثوانٍ.

لاحظ أحمد أن جبهته بدأت في العبوس. كان يشعر بشيء غريب نحو أسيل، لكنه حاول أن يتمالك نفسه. كانت تلك الفتاة الصغيرة، ابنة أبيه مع امرأة أخرى، وكان يخشى أن يخطئ في معاملتها بطريقة قد تؤذي مشاعر والدته.

أراد أن يطلب منها الابتعاد، لكنه عجز عن الحديث عندما لاحظ أنها كانت تكتب شيئًا ما في دفتر ملاحظاتها.

كتبت: “أريد أن أكون صديقة لكما.”

رفعت أسيل دفتر ملاحظاتها، الذي كان يغطي الجزء السفلي من وجهها، تاركة عينيها اللامعتين فقط تظهران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top