من الفصل الثاني عشر إلى السادس عشر.
الفصل الثاني عشر ‘عالم تاني’
غابت عن الواقع لثلاثة أيام، ثم بدأت بفتح عينها انتفضت بألم حين وجدت حولها عالم اخر غير الذي كانت فيه وجدت نفسها مستلقية علي سرير معدني وبجانبها كومود صغير معدني ايضا جالت بنظرها تستكشف المكان فهو نظيف ذو رائحة طيبة قوية هيئة المكان ورائحته ذكرتها بالمشفى واكد لها ذلك تلك الابرة المغروزة بيدها تشعر بألم بسائر جسدها وضعت يدها تلقائيا علي بطنها تتذكر انها فقدت طفلها شعرت بالخوف والرهبة مما يمكن ان ينتظرها فهي لا تعرف شيء خارج تلك الغرفة التي قضت بها أكثر من ثلاثة عشر عاما من عمرها قطع افكارها صوت أحمد فكان جالس بعيدا عنها يراقبها ككل يوم منذ دخولها المشفى ينتظر افاقتها.
حدثها أحمد بابتسامة وهو يقترب منها:
-حمد الله علي السلامة
نظرت له برهبة وقلق:
-أنا فين؟ دي مستشفى، صح؟
– برافوا عليكِ، صح، عاملة ايه دلوقتي؟
-أنا جيت هنا ازاي؟
– البوليس جه وقبض علي الموجودين والاطفال بين الملجأ والاحداث، وانت جيتي هنا عشان حالتك كانت خطر وفقدتي دم كتير للأسف.
اكمل بألم:
-ليه ما وثقتيش فيَّا كنت شايفاني ضعيف واقل من انك تعتمدي عليا.
-قولت لك ماعنديش مكان اروحه ليه مدخل نفسك في كل حاجة تخصني، وبعدين مش حيصدقوني وحدخل السجن ليه عملت فيا كدة الحبسة هناك اهون من السجن.
أحمد بألم اكبر:
-قولت لك حساعدك ومش حسيبك انت اتخطفتي زمان حتتعاقبي ليه وتتسجني ليه؟
-ومين حيصدق واحدة زيي مالهاش حد ولا ضهر وكمان كانت بتشتغل معاهم وتخدم علي المخطوفين.
– أنا ومش حسيبك ومش حتتسجني، في عندك بيجامة في الدولاب البسيها بدل هدوم المستشفى.
خرج وترك الغرفة بغضب
اغمضت عينها بألم وخوف من الذي ينتظرها الأيام القادمة.
بعد فترة بسيطة عاد إليها، شعرت براحة كبيرة اخفتها بداخلها راقبته بعينها بصمت بدأ هو الكلام:
– أنا مش عايزك تخافي أنا متابع القضية والمحامي طمني وماتنسيش انك اصلا اللي ساعادتينا عشان نهرب من هناك ونبلغ عن مكانا ده غير الحالة اللي كنت فيها لما البوليس وصل، عارف انه صعب تثقي فيا بس أنا مش حسيبك لحد ما ترجعي لأهلك اكيد حيفرحوا برجوعك.
تفاحة بألم و كسرة:
-ارجع ازاي دلوقتي، ازاي بعد اللي جاد عمله ارجع عشان احط راسهم في الارض واحرق قلبهم واوجعهم تاني.
نظر لها أحمد وهو يصرخ بداخله يتمني ان يضمها إليه ويعلمها انها اغلي ما لديه وانه يفخر بها ومدين لها لكنه فضل الصمت والا يخبرها انه هو اهلها وحبيبها الذي بحث عنها وانتظرها اعوام واعوام.
– مش حنتكلم دلوقتي في حاجة انت تعبانة ولسه قدامك شوية علي ما تخرجي من المستشفى وعلي فكرة أنا الدكتور المتابع ليكي يعني لازم تسمعي كلامي.
رفعت عينها إليه وبداخلها الكثير من الكلام والاسئلة ورجاء لم يفهمه ساد الصمت قليلا ثم قطعه دخول سيف دون استئذان
سيف قبل النظر لتفاحة:
-ايه ياعم الدكتور يعني من ساعة ما رجعت وانت اطمنت علي رنا ودخولها المستشفى وبعدها من المستشفى للنيابة ومتابعت التحقيقات ولا كأنك راجع من الساحل مش كنت مخطوف.
ثم نظر إلى تفاحة:
-اوبا ايه القمر ده اتاريك استحليت الخطف ولازق هنا يا دكتور.
ابتسمت تفاحة ثم اخفت بسمتها سريعا مع كلمات سيف التالية.
قاطعه أحمد من سيل الكلمات التي يلقيها دون توقف:
-في حد يدخل علي مرضى كده افرض كنت بكشف عليها انت عبيط يا ابني وبعدين دخلت ازاي أصلا؟
-قصدك العسكري اللي بره، عادي قولت له دكتور هنا وأنا اصلا لابس البالطوا بتاعك اللي في مكتبك.
– انتحال شخصية دكتور يعني تحب احبسك دلوقتي.
شحب وجه تفاحة وتحدثت بصوت ضعيف يملأه الخوف:
-ليه في عسكري بره؟ أنا حتحبس ….
قاطعها أحمد:
-دي اجراءات مش اكتر وحتطلعي بكفالة. لحد القضية ما تنتهي ما تقلقيش أنا حمشي دلوقتي وحرجع لك تاني مش عايزك تخافي وحرجع اقول لك تاني مش حسيبك.
لم ينتظر أحمد بعد ما قال اما سيف فتحولت معالمه من الابتسام والمرح إلى الوجوم والشرود إلى ان امسكه أحمد من مرفقه وخرج به من الغرفة واغلقها خلفه.
وعلي بعد بعض خطوات منها وقف سيف امام أحمد ليتحدث معه
-أحمد في ايه بالظبط؟ بتفكر في ايه ؟ وكلامك جوه معناه ايه؟
– تعالي الكافيتريا نطلب قهوة وبعدين نقعد في المكتب نتكلم
اثناء سيرهم تحدث سيف
-اتكلم بتفكر في ايه؟ أنا مش مرتاح.
– هي يا سيف
-اللي بتقوله مستحيل وانت عارف كويس شمس ماتت من سنين واندفنت، يا أحمد حرام عليك نفسك انت مش مكتفي إنك حابس نفسك السنين دي كلها ومش عايش زي باقي اصحابك عايز كمان تعيش نفسك في وهم وأنا متأكد إنك بتفكر في ابعد من كده.
أحمد وقد نفذ صبره:
-أولًا شمس ما ماتتش شمس كنا لسه عندها جوه، وأنا ماكنتش حابس نفسي أنا كنت بدور عليها وبوفي بوعودي ليها وبقيت زي ما هي كانت عايزة مني زمان.
-حرام عليك يا أحمد ما تعملش كده انت عايش وهم حتى لو فرضنا انها هي فاحب اقول لك انها اتغيرت وبقت واحده تانية لا تفكيرها ولا شخصيتها اكيد بقت مشوهة زي المكان اللي كانت فيه واكيد بقت…
قاطعه أحمد:
-يا ريت تسكت يا سيف وتبطل تغلط فيها واثار اللي حصل لها أنا كفيل اني اعالجه
وقف سيف امامه كتف يديه :
-ونسيت بابا انتم علاقتكم اصلا متدمرة من زمان بسببها بردوا حنعيده تاني يا أحمد.
– انت كده بتظلمها اللي بيني وبين بابا بسبب اللي عمله في ماما وانت شاهد عليه واهماله لينا ولرنا تقدر تقولي هو فين دلوقتي ولا فين من وقت ما اختفينا وعمل ايه، اقفل على الكلام ده دلوقتي أنا لازم ارجع لها.
تنهد سيف بقلت حيلة ثم تحدث:
-طيب ماما عايزة تشوفك وحالتها وحشه جدا عشانك وعشان رنا طمنها عليك يا أحمد روح لها هي ليها حق عليك برده.
– حاضر حكلمها رنا حالتها حتطول للأسف، أنا مش ناسيها وبكلم على كل يوم اطمن عليها ما تقلقش يا سيف وأنا حكلم ماما اطمنها.
صمت قليلا ثم اكمل:
-أنا متاكد انها شمس وبالرغم من كده أنا كلمت عمي مروان وطلبت منه ينزل ضروري وحنعمل كل الاجراءات اللي نتاكد بها بالرغم اني متاكد بس لازم نعمل كده عشان نثبت كل شيء بشكل قانوني وترجع للحياة من تاني.
تنهد أحمد بقوه:
-تعالي رجع البالطوا اللي اخدته وشوف اللي وراك وأنا راجع بالليل.
مرا امام غرفة تفاحة فوجدها أحمد خالية ولم يجد العسكري الواقف امام الباب فسال احد التمريض.
– فين المريضة اللي كانت هنا والحراسة اللي كانت على الباب.
-الظابط كان هنا يا دكتور واخدها والحراسة مشيت
أحمد وتملكته العصبية والقلق:
-ومين كتب لها خروج وأنا المتابع لها.
-دكتور محمود، الظابط كان متعصب وحضرتك ما كنتش في المكتب والدنيا مقلوبة والظابط مُصر تمشي معاه محدش قدر يقف قدامه فالمدير قال لدكتور محمود يكتب لها خروج، هما خرجوا من حوالي 10 دقايق مش كتير
تحركت الممرضة فتحدث سيف
-خلاص يا أحمد ماجراش حاجة طبيعي يكملوا تحقيق.
-لا مش طبيعي ليه الظابط كان مُصر تمشي معاه وعمي سالم قالي حتفضل هنا ادام حالتها مش مستقرة وعرف ازاي انها فاقت لحد الصبح كانت في غيبوبة اللي بيحصل مش طبيعي.
تحرك أحمد سريعا ومعه سيف وضع البالطوا بمكتبه واتصل بسالم والد صديقه علي ‘المشير سالم’ اثناء تحركه وركوبه السيارة وبعد عدة مرات اجابه
-ايوة يا أحمد أنا مش فاضي دلوقتي حكلمك بعدين في اجتماع مهم.
وقبل ان يغلق تحدث أحمد سريعا
– أنا اسف يا عمي بس في حاجة مهمة
قص أحمد له ما حدث
– أنا حاسس في حاجة غلط.
-طيب يا أحمد حشوف واكلمك ما تتصلش غير للضرورة يا أحمد.
اغلق الخط واتجه إلى القسم ومعه سيف سال عنها هناك ولم يستطع الوصول إليها وانكروا وجودها مما اقلقه واشعره بالخطر وقف امام القسم يحاول تنظيم افكاره وفي انتظار اتصال المشير سالم والد صديقه فلحقه احد الامناء وكان كبير السن دون ان يشعر به احد وادعي بحثه عن احد العاملين اقترب من أحمد وتحدث بصوت خافت دون الالتفات إليه
-البنت اللي بتدور عليها هنا متوصي عليها جامد والظابط اللي جابها مستحلف لها الحقها يا ابني شكلها مش شمال زي ما قال. النسوان في الحجز اتلموا عليها وبهدلوها، اصلوا قالهم اللي مش حتعمل اللي قال عليه حيعلقها، شوف حد كبير يساعدكوا واوعي تجيب سيرتي وربنا يستر علي ولايانا.
ثم تركه وذهب لعمله فصعد أحمد وسيف السيارة شرد أحمد بينما راقبه سيف بقلق
-حتعمل ايه يا أحمد الموضوع شكله كبير فعلا أنا قلقت عليها بالرغم اني مش مقتنع انها شمس بس هي في محنه ومالهاش حد.
لم يتحدث أحمد نظر إليه وكأنه بحالة صدمة ثم امسك هاتفه واتصل بالمشير سالم مجددا حتى اجابه
اجابه سالم بضيق وبعض الحدة:
-أحمد أنا في اجتماع مهم عارف انك قلقان بس مش معقول كده
أحمد وبدا علي صوته القلق والخوف:
-يا عمي الموضوع مش عادي زي ما قولت لحضرتك
قص له أحمد ما علم باختصار
سالم بتفكير وتروي:
-طيب يا أحمد خليك عندك وأنا حتصرف.
مرت فترة قصيرة ولكنها طويلة علي أحمد متأكد من جدية اللواء سالم في مساعدته ولكنه يشعر بالخوف والقلق عليها.
علي الجانب الأخر في غرفة الحبس اجتمعت المسجونات علي تفاحة وضربوها بعنف محاولين عدم اظهار كدمات علي وجهها والاجزاء الظاهر منها كمان امرهم الضابط وبعدها استدعاها الضابط لمكتبه بدأ التحدث لها بسخرية وتهديد ولمح بوجود توصية قوية عليها لإذلالها والقصاص منها لما فعلته وتوعدها بان يذيقها كافة أشكال العذاب فقام بصفعها عدت صفعات ثم جذبها من شعرها، كانت هي بحالة من الصدمة والخوف مما يحدث لها والرعب مما ينتظرها والالم والاجهاد ظاهران عليها بقوة فجسدها لازال بحالة اعياء بسبب ضرب جاد لها واجهاض جنينها وما تعرضت له من ضرب بغرفة الحجز، وما كاد ان يتركها حتى وجد باب مكتبه يفتح بقوة واندفع المشير سالم للداخل ونظر له باستجواب وتحذير.
نظر إليه الضابط وتحدث مدافعا عن نفسه محاولًا اخفاء صدمته حاول تبرير ما يفعل بانه يباشر عمله، استمر الحوار بينهما تحت انظار تفاحة التي تدعوا بسرها ان تمر محنتها تلك علي خير وتملكها الاعياء بدرجة كبيرة، شعرت وكأنها تنزف مرة أخرى.
بخارج مكتب الضابط ينتظر أحمد بحالة قلق شديدة، يجوب المكان ذهابا وايابا غير قادر علي الانتظار ومعه سيف يحاول طمأنته دون جدوي إلى ان فتح الباب وخرج المشير سالم وبجانبه تفاحة (شمس) فوقف أحمد امامهم ونظره معلق عليها اما هي فابتسمت له بامتنان واعياء واضح.
المشير سالم:
-شوية اجراءات وتمشي معاكم اصلا النيابة طلعتها بكفالة ادفعوها وتمشوا، حستعجل لكم الاجراءات
انهي أحمد كافة الاجراءات سريعا وشكر المشير سالم الذي غادر بعدها علي ان يذهب إليه أحمد لاحقا، اقترب أحمد من تفاحة هو وسيف وبدأ أحمد الحديث.
– أنا عارف اني خذلتك بس استحالة ده يحصل تاني
تفاحة بإعياء شديد وابتسامة منهكة:
-أنا مش فاهمة قصدك قوي بس لولا انت كان الظابط عمل اكتر من اللي جاد عمله دلوقتي.
ابتسم أحمد بألم:
-انت حاسة بايه شكلك تعبانة قوي
-مافيش حاجة أنا كويسة.
لم تكد تكمل جملتها حتى انحنت للأمام واغمضت عينها بألم شديد، وأحمد يمعن النظر لوجهها يسيطر عليه انه كاد ان يفقدها مرة أخرى، افاق من شروده علي صوت سيف.
-أحمد الحق هدومها كلها بقت دم.
اتسعت عين أحمد بصدمة فحملها وتوجها لسيارته ومنها إلى المستشفى، وهناك قام أحمد بالإسعافات الازمة لها واعطاها مهدئات لتظل نائمة للصباح ورافقها ليطمئن عليها وباليوم التالي فتحت عينها ببطيء تأملت المكان حولها تذكرت ما حدث وابتسمت بوهن فسمعت صوت أحمد
أحمد مبتسما:
-حمد الله ع السلامة، اسف للي حصل امبارح اوعدك مش يتكرر تاني.
لم تتحدث وظلت واجمة بداخلها اسئلة لا تجرؤ علي اجابتها وتخشاها فاكمل هو مبتسما
-جبت لك هدوم غير اللي إتبهدلت لما تفوقي شوية هخلي الممرضة تساعدك تغيري.
-أنا عايزة امشي.
أحمد بإدعاء التفكير:
-ماشي بس حتروحي فين، انت بعيد عن اهلك سنين وكنت صغيرة فأكيد مش فاكره عنوان او اي دليل ليهم عايزة تروحي فين بقي.
صمتت قليلا ثم أجابت:
-مش هيفرق معاك أنا عايزة امشي
رد عليها بثبات غير مهتم برغبتها:
-قولت لأ، اسمحي لي اقولك جملتك بصي كده انت فين هنا أنا بس اللي احدد ايه اللي يحصل.
وقبل ان تتحدث اكمل بجدية:
-لو حاولتي تمشي حعاقبك وما تجربيش عشان أنا بنفذ اللي بقوله.
ردت عليه بسخرية:
-اظن شوفت اني متعودة علي العقاب
-أولًا أنا مش حيوان زيهم عشان اءذيكي، أنا استحالة اعمل كدة
ارتعشت تفاحة من نبرته الحاسمة والتي تحمل ايضاً اهتمام وخوف عليها يظهر هذا بوضوح بحديثه وافعاله وزادها هذا اصرارا علي الفرار دون حساب أي عواقب. توقع أحمد محاولة هروبها كما اسماها ولذلك طلب من أحد العمال متابعة أي حركة بغرفتها واذا حاولت الخروج يتصل به فورا ولا ينتظر حتى يذهب إليه ويحاول تعطيلها حتى يحضر هو وحدث ما توقع فأسرع إليها.
دخل غرفتها فوجدها بدلت ملابسها بتلك التي احضرها لها تحاول استجماع قوتها لترك المكان فتحدث غاصبا
-مفيش فايدة أنا حذرتك.
امسك كفها متسائلًا:
-اللي كان متركب فإديك شيلتيه صح.
ردت بإصرار
– عايزة امشي سيبني امشي من هنا
أحمد بجدية امره:
-انت حددت عقابك.
اشار بعينه للسرير:
-ارجعي علي سريرك.
ثم ضغط الانذار اتت الممرضة بعد ان جلست تفاحة علي السرير بقلق تنتظر عقابها المجهول وحدث هو الممرضة التي حضرت سريعا
– معاد علاجها امتي؟
-بعد ربع ساعة
– ما تركبيش كانيولا جديدة وتتصلي بيا وقت العلاج لو كنتش هنا.
نظر لها بنفس الجدية:
-ما تحاوليش تتحركي من مكانك غير للحمام.
أماءت راسها بطاعة ولا تعلم السبب ولا تفكر سوي كيف سيعاقبها.
مرت الدقائق سريعا ووجدت أحمد يفتح الباب ولازال بجدية وتلته الممرضة قائلة
– الحقن جاهزة
– دول اخر جرعة
-لأ فاضل كمان مرة
– حتاخدهم حقن.
نظر أحمد لتفاحة التي نظرت له بشحوب بعد سماعها لرد الممرضة فهي لم تتخطي الخوف من الحقن لازالت ترعبها كطفلة صغيرة نظرت له برجاء، فلم يعيرها انتباه وأكد لها ان هذا عقابها وحدثها بجديته نامي علي جنبك خلي ضهرك ليها وقف هو من الجهة الأخرى بجانبها وادعي انشغاله بقراءة بعض الاوراق اما هي فأغمضت عينها بقوة وخوف فجذب هو كرسي ووضعه بجانبها وجلس عليه وامسك يدها وضغط عليها عندما ارتجفت بعد ان اخذت الحقنة الاولي ليطمئنها انه بجانبها فلم يتخيل ان تظل بنفس خوفها السابق فهي تحملت اكثر بكثير من مجرد الحقن تحملت عذابا يهد رجال اقوياء لكن لازالت تحمل جزءا من طفولتها الضائعة بالرغم مما عانت ابتسم بألم وقرر وقف عقابه
– استني هاتي كانيولا من بره أنا حركبها لها.
ردت الممرضة بطاعة وخرجت لإحضار ما طلب اما هو فمسح علي راسها بحنان وحدثها
-ممكن تسمعي الكلام بقي أنا ما تخيلتش انك تكوني بتخافي من الحقن كدة، أنا اسف.
اعتدلت تفاحة جالسة علي الفراش واخفضت راسها
– ماتوطيش راسك تاني ابدا ارفعي راسك.
كادت ان تتحدث ولكن دخلت الممرضة اعطت الادوات لأحمد وخرجت بعد ان طلب منها خذا.
تفاحة وقد رات ما بيده:
-البتاعة دي بتوجع قوي مش عايزاها.
-دي بدل الحقن مرة احسن من تلت مرات، نظر إليها بابتسامة حانية اوعدك مش حتحسي بوجع بس ما تبصيش عليها تمام هاتي ايدك.
مدت ذراعها له تخشي ان تنظر إلى عينيه اما هو فبدأ التحدث معها كي يشتت انتباهها عما يفعل أما هي فداهمتها مشاعر مبعثرة وأفكار مختلطة فلم تشعر بألم وانتبهت علي صوته
– خلاص خلصت واخدتي المسكن كمان لما يجيبوا الاكل تأكلي وتنامي ماشي اسمعي الكلام بقي.
أماءت راسها موافقة ولم تستطع التحدث فاكمل هو مبتسما
– ايوة كدة شطوره بصي انت حتخرجي بكرة ان شاء الله حكون معاكي ما تقلقيش مش حسيبك ما تفكريش في حاجة دلوقتي تمام، ماتفكريش تخلعي دي تاني (واشارة لها علي الكانيولا) عشان ما نضطرش ندكي حقن تمام.
أماءت راسها موافقة مجددا ابتسم لها ووعدها ان يأتي إليها مجددا بعد ان ينهي عمله. مر اليوم وهي علي صمتها الذي يخفي تساؤلات ومخاوف وكذلك خوف من العالم الجديد الذي ستعيش به، بينما أحمد يرتب افكاره فيما ينوي عليه، وسيف يتملكه الخوف علي اخيه من رد فعل ابيهم وايضا اذا كانت امال أحمد ما هي إلا اوهام وامال بداخله فقط ، اما مها والدة أحمد فهي قلقة عليه تشعر بوجود خطبا ما لا تفهم سبب تواجده بعمله في مثل تلك الظروف هي متأكدة انه يخفي عنها شيئا وتشعر بان سيف علي علم بذلك. انتهي اليوم مكث أحمد بجوار تفاحة.
اليوم التالي وبعد ان انهي أحمد عمله جلس علي مكتبه ارجع رأسه للخلف متذكرا لحوار دار بين تفاحة واسر علي ملابسها الرجالية.
الماضي:
آسر: تفاحة ممكن اسالك علي حاجة.
نظرت إليه تضيق عينها بتهديد فأكمل بتوتر.
– عادية والله دردشة يعني نتسلي خصوصا إن جاد مش هنا ومش حيضايقك.
-لو سؤالك ماعجبنيش مش حرد.
آسر مبتسما:
-ماشي ليه هدومك كلها كدة مفيش مرة شوفتك لابسة فستان.
ابتسمت بألم أخفضت بصرها لثوانٍ ثم رفعت وجهها إليه كانت تسبح بذكرياتها في الماضي وهي تتحدث:
-هدومي مش أنا اللي نقيتها اكيد أنا جيت هنا وأنا طفلة وقتها كنت بلبس الموجود وخلاص ولما بقيت 13 سنة أدم خاف عليا قالي ان شكلي حيطمعهم فيا جابلي الهدوم دي ومن وقتها مش بلبس غيرهم.
ابتسمت بوهن:
-عارف كتير كان بيبقي نفسي اللبس فستان.
-كنت بتقولي له.
أماءت مؤيدة:
-كان بيقولك ايه؟
ابتسمت:
-بيضربني كان فاكر ان بغيظه واضايقه كان يزعق ويقولي ان دول حيوانات واني بطمعهم فيّا. انتبهت لنفسها مش كفاية رغي بقي.
-لو خرجنا من هنا اول حاجة حعملها حجيب لك احلي فستان في الدنيا انت عارفة هو عنده حق مش في الضرب طبعاً بس انت فعلا حلوة واللي هنا اكيد حيطمعوا فيكي شوفي جاد حيموت ازاي وانت لابسة رجالي.
اغاظ بكلماته البريئة تلك أحمد الذي عجز عن الرد لتكميمه اما تفاحة
-لو أدم كان سمع منك البؤين دول كان زمانك مطحون دلوقتي، يلا ابدأ شيل الصناديق زي ما اتفقنا.
آسر بتذمر طفولي:
-مش ناوية تنسي موضوع الصناديق دي.
-لأ يا خفيف يلا.
عودة للحاضر
تنهد أحمد بعمق لا يعلم هل يفرح ام يحزن ولكنه اخيرا حقق لها إحدى أمنياتها فقد اشتري لها امنيتها فستان بلونها المفضل اللون الوردي بدرجاته الفاتحة وبه بعض الخطوط والرسومات الرقيقة باللون الوردي الغامق ولم ينسي احضار حذاء وربطة شعر مناسبين.
بغرفة تفاحة وقف امامها مبتسما:
-جه وقت الخروج زي ماكنتي عايزة.
نظرت إليه بخوف حاولت اخفاءه فهي لازالت تخشي تخطي اي عتبه وتشعر وكأن ينتظرها عقابا إن فعلت وأيضا ً فهي ترتعب من التواجد بالطرقات وتعاد علي ذاكرتها تلك الخطوات التي خطتها مع أدم ناحية المجهول وكان بها هلاكها حتى الآن، لم يخفي علي أحمد كل ذلك وكان يتعامل مع أفكارها ويتحدث معها كمان كان يفعل في صغرها فمد إليها يديه بحقيبة ورقية تحوي ما اشتراه لها.
– ده عشانك افتحيه.
رات ما داخله؛ فنظرت إليه بابتسامة فاكمل
– ادخلي غيري هدومك واجهزي.
اتجه إلى الحمام وفتح الباب:
-تقفلي عليكي من جوة كده، وأنا هنتظرك هنا خدي وقتك.
دخلت تفاحة بدلت ملابسها ورفعت شعرها كما اعتادت ووضعت ربطة الشعر كي لا يتحرر وخرجت له خجلة، نظر لها مبتسما فكانت ملابسها جملية جدا عليها ومناسبة لها تماما وقف امامها امعن النظر بها وهي خجلة مما ترتديه فهي بالرغم من اشتياقها لهذه الملابس الا انها باتت تخجل منها. قطع هو الصمت
– تسمحي لي اعمل حاجة من غير ما تضايقي.
اماءت رأسها موافقة فوقف خلفها وحرر شعرها وعدل وضعه بربطة الشعر جمع بها شعرها وتركه منسدلا علي ظهرها لم يشدد الربطة فتحرر جزء من غرتها كست جانب وجهها، عاد ووقف امامها ولازال محتفظا بابتسامته، وضعت يدها علي شعرها تتحسسه ابتسم لها.
-تمام كدة جاهزة نتحرك.
التفتت إلى الباب نظرت له بترقب وعادت بنظرها إلى أحمد نظرت إليه وكانها تستنجد به من خوفها من المرور
-ما تخافيش أنا معاكي.
نظرت إليه تستمد منه القوة فحاوط كتفها بيد وبالأخرى اخذ أغراضها وشجعها للتحرك، كانت تبدوا بجانبه كطفلة صغيرة فهي بطولها المتوسط وجسدها النحيل لسوء تغذيتها وضعفها الشديد لما تعرضت له بالفترة الاخيرة وهو بطوله الفارع وبنيته الجسدية القوية وعضلاته الضخمة.
تحركت شمس بخطوات بطيئة حذرة وقلقة عبرت الغرفة اخيرا وبترقب خطت للخروج من المشفي عندما اقتربت من البوابة سرت رجفة بكامل جسدها فشدد هومن قبضته عليها يطمئنها وكانه يحدثها “أنا معك فلا تخافي ” جلست بالسيارة وهي متوترة تجاهد للسيطرة علي رجفتها يتملكها الخوف وتسيطر عليها ذكريات الماضي وخطوات الضياع، حاول أحمد السيطرة علي انفعاله من شدة تألمه من اجلها ويشعر بالإشفاق عليها من العذاب الذي تعرضت له ومن خوفها من المستقبل المجهول بالنسبة لها، حاول اخراجها من دوامتها فتحدث إليها:
-بصي احنا دلوقتي حنروح البيت عندي هو في الاصل بيت جدي والد ماما حبيت تكوني هناك لحد ما نعرف حنعمل ايه، وقبل ما تفكري في اي حاجة مش حنكون لوحدنا.
نظرت إليه بصمت لا تقوي حتى علي النطق تشعر بالراحة معه بداخلها صوت يحثها علي الوثوق به وطاعته، اما أحمد فقد إختار هذا المكان لأنه متأكد من انها لن تتذكره فهي لم تذهب إليه منذ الثالثة من عمرها منذ وفاة جدهم. مر الوقت طويلا على كلاهما بالرغم من صغر المسافة هي من شدة خوفها وهو من فرط قلقه عليها وكيف ستواجه وتتحمل القادم، اصطنع هو الابتسام بعدما صف السيارة ترجل منها وتحرك جهتها وفتح الباب وامسك يدها لتترجل معه نظرت إليه لاجئة فطمئنها بابتسامة وحثها علي المتابعة.
دخلا للبيت الذي هو عبارة عن فيلا صغيرة ذات حديقة مناسبة الدور الارضي به بهو متوسط وملحق به غرفة مكتب ودور علوي به خمسة غرف بينهم مجلس صغير بالداخل اقتربت منهما سيدة كبيرة في السن المسئولة عن المكان
– حمد الله علي السلامة يا ابني
– الله يسلمك يا دادة اوضة الانسة جاهزة.
نظرت إليه معاتبة:
-ايوة والغدا كمان جاهز.
جلسا لتناول الطعام كانت تفاحة شاردة لا تقوي علي تناول الطعام فحاول طمأنتها قائلا
– ممكن ما تقلقيش كدة ثقي فيا لو سمحتي.
حاولت الابتسام وظهرت ابتسامتها باهته فقطع الصمت مرة اخري
– تعالي ادخلك ترتاحي شوية
تحركت معه صامته صعد بها لغرفتها والتي كانت جميلة ورقيقة اختارها خصيصا لها من الصور عن طريق مكتب هندسي اختار تجهيزاتها من خلالهم انتقي لها جميع ديكوراتها بلونها المفضل وكان بالغرفة بلكونة صغيرة مطله علي الحديقة وقف أحمد امام شمس (تفاحة) مبتسما.
– يارب الأوضة تكون عجبتك.
امسك كتفها بيديه:
-عايزك ترتاحي في مفاجئة بالليل.
اخرج من جيبه ذلك الكيس القماشي الخاص بها والذي اخبرته قبل خروجهم من ذلك الوكر انه ملكها واكمل قائلا
-اتفضلي دي حاجتك اللي كنت شايلاها.
رفعت رأسها إليه بابتسامة ممتنه:
-افتكرت انها ضاعت دي غالية عليا قوي.
ادمعت عينها فتلك قلادتها التي اهداها إليها والدها وطلب منها الحفاظ عليها مهما حدث. ازداد ألم أحمد وعذابه من اجلها فتحدث إليها
– انت سيبتي قوتك هناك اتعودت عليكي قوية
مسحت دموعها وابتسمت فطلب منها ان ترتاح قليلا فاستلقت علي الفراش كانت ترتعش بقوة، أحكم هو الغطاء عليها وظل بجانبها يمسد علي رأسها بحنان حتى اطمئن عليها، اما هي فوسط خوفها وقلقها كان ينمو بداخلها قدر بسيط من الراحة والامان احبت ذلك الاحساس وخشته لا تعلم كيف.
بالمساء استيقظت هي علي صوت تعلمه تحفظه عن ظهر قلب اشتاقت إليه كثيرا جاهدت خوفها تأكدت من وجود قلادتها معها واحكمت غلق كفها عليها اتجهت نحو مصدر هذا الصوت تأكدت من حقيقته تحركت إليه تبطئ خطواتها شيئا فشيئا كلما اقتربت.
بالأسفل وصل مروان فقد حادثه أحمد بنفس اليوم الذي استطاع الخلاص فيه من تلك العصابة وطلب منه الحضور لأمر هام فسوي مروان امور عمله وحجز طائرة عاد بها لمصر، قص له أحمد ما حدث وتأكده من كون تفاحة هي شمسهم الغائبة
– ياعمي أنا متأكد من اللي بقوله وحضرتك حتتأكد من كلامي لما تشوفها.
مروان وقد ظهر عليه الكبر وشاب شعره كاملا من حزنه علي غائبته وايضا حزنناً لمرض زوجته تحدث بألم وقهر
-يا ابني اللي بتقوله مستحيل أنا من قبلك نفسي تكون بينا لكن أنا دفنتها بإيدي زمان ماقدرتش حتى اخد عزاها استحملت نظراتكم ليا خصوصا انت اللي كان كلها إتهام اني تخليت عنها والحقيقة اني ماقدرتش اقعد في البلد اللي ضاعت مني ودفتها فيها خفت علي خالتك لو عرفت تموت فيها خوفت علي اخواتها يشوفوا نفس مصيرها واتحسر عليهم هما كمان، انت بتكلمني عن حته مني عن روحي اللي فارقتني يوم ما دفنتها.
أحمد محاولًا اقناعه:
– ياعمي حضرتك يومها شوفت جثة بنت مشوهة بالكامل لابسة هدوم شمس ومعاها عروستها ومن الصدمة سلمت انها هي واتدفنت بدون تحليلDNA مش ممكن هما اللي عملوا كدة عشان تيأس ووصلوا للي عايزينه، طيب حضرتك شوفها الاول، علي العموم كدة كدة لازم نعمل لها التحليل ده عشان نصحح وضعها ونعمل لها اوراقها كل اللي طلبه انك تقابلها وتقرر بعدها.
أجابه بألم ناتج عن عذاب سنوات طويلة وتنهيده حارقة:
-يا ابني أنا اتمني والله خايف عليك انت تعبت سنين وخايف حسرتي تزيد لو حطيت امل، اغمض عينه بتعب سنوات ثم فتحها قائلا، أنا نفسي اغمض عيني وافتحها الاقيه كابوس واصحي منه شوقي ليها كبير قوي قلبي واجعني وبدعي القوة عشان أميرة اللي عجزت من قبل اوانها من حزنها، شمس دي كانت روحي وروحها.
في تلك اللحظة دخلت شمس موجهه نظرها إلى ابيها مروان وانسابت دموعها تحمل بين راحتى يدها قلادتها رفعتهم إلى ابيها وعلي وجهها بسمة مليئة بالحزن والالم وصوت مختنق:
– ضاعت مني كل حاجة الا دي
وفتحت راحتيها امامه ليجد تلك القلادة التي يحفظها عن ظهر قلب ثواني قليلة مرت غير مستوعب ما يحدث نظر بعينها فما زلت تحتفظ بنفس النظرة، نفس لون العين تملك منه الاحساس بالاشتياق و عاد إليه الامل ضمها بكل قوته وادمعت عيناه بل فاضت ترك العنان لتلك الدموع التي احتجزها واخفاها لسنوات صمتت الالسن وتحدثت المشاعر والدموع حتى أحمد ادمعت عيناه فهو سعيد لعودتها يتمني ان يكون مكان والدها ويشدد من ضمها لحضنه حتى تذوب بداخله سالت دموعه هو ايضا وبعد فترة تحدث إليه مروان
-كان عندك حق يا ابني كان ليها حق تقول عليك من زمان بطلها رجعت لي روحي وشمسي يا أحمد.
ارتجفت شمس بقوة ارتعشت كل ذرة بجسدها دفنت وجهها بصدر والدها عندما تأكدت مخاوفها هو بطلها وحبيبها الذي طالما غار منه أدم رغم بعده وعدم تواجده معهم، لقد شاهد اسواء ما قد يراه حبيب لقد شاهد انتهاك جاد لها والأسواء فهو من عالجها وقد شاهدها وهي تدفع جاد لقتل طفلها، كانت ترجف اكثر واكثر مع كل خاطر وفكرة تترد بعقلها ضمها ابيها بقوة وشعر بالخوف الشديد عليها وكذلك أحمد الذي تملكه الرعب من اجلها ولم يستطع عقله ترجمة سبب خوفها وارتعادها لهذا الحد لم يخطر بباله ان ياتي اليوم الذي تخشاه شمس وتختبئ منه.
حاول مروان تهدئتها
-مالك يا شمس حصل ايه؟ طاب اهدي ما تخافيش يا حبيبتي أنا معاكي.
تحرك بعض خطوات وجلسا علي الاريكة لازالت تخفي وجهها بصدره ، جثي أحمد امامها ووضع يده علي ظهرها يربت عليها
– ايه اللي حصلك اهدي عشان خاطري، شمس ردي عليا ما تعمليش فيا وفي نفسك كده.
زادتها كلماته ارتجافا مما ادمي قلبه فشعر وكأنها تراه كما يري نفسه مسئولا عما حدث لها من جاد امام عينيه اغمض عينيه بألم يكاد يقتل روحه، انتشله من ظنونه صوت مروان.
-خليني اطلعها اوضتها يا ابني.
سندها لتقف، ثبت أحمد مقلتيه عليها، قلبه ينزف ألمًا، وتحدث بوهن:
– خليني اشيلها اطلعها اوضتها مش حتقدر تمشي كدة.
شعر مروان بها تخبئ نفسها بأحضانه اكثر وازداد ارتجافها فاعترض بلطف
-خليني اطلعها أنا حفضل معاها لحد ما تنام
وبالفعل صعد مروان معاها تخطوا بوهن شديد تحت نظرات أحمد الذابلة المذبوحة انتظر أحمد بالأسفل حتى عاد إليه مروان الذي تحدث ما ان اقترب من أحمد بقلب يعتصر متوقع سماع اسوء ما قد يعلم اب عن ابنته.
مروان بنره حزينة صارمة:
-قولي يا أحمد اللي شوفته او تعرفه عنها وخلاها بالحالة دي.
أحمد بوهن والالم يفتك به:
-حالتها دي بسببي، خوف مني.
-يا أحمد بنتي جري لها ايه، ما تتعبش اعصابي يا ابني اكتر من كده أنا متوقع اي حاجة ،هي هناك لأكتر من 13 سنة اكيد حصل لها اذية كتير.
أحمد مدافع عنها:
-يا عمي هي ما اختارتش حاجة وبالرغم من كده كانت قوية حافظت علي نفسها سنين وللاسف ضاعت في وجودي وما قدرتش اعمل لها حاجة.
اخفض راسه بخذل وانكسار:
-كنت متكتف عاجز حتى صوتي مكممينه مش قادر اساعدها وخايف علي رنا اللي كانت في صدمة، عجز و قلة حيلة والله يا عمي حاولت اني افك نفسي عشان أساعدها من غير فايدة نحاسبها علي ايه يا عمي وهي المظلومة.
-مش هي اللي المفروض تتحاسب يا ابني مش غلطها ولا حتى انت مهما كنت قوي انت بينهم ضعيف لو حد المفروض يتحاسب يبقي أنا اللي صدقت موتها وبعدت تخليت عنها، لا سمعت لك ولا سمعت كلام أميرة انتم حسيتوا بها وبوجعها وأنا كنت بقول انهم مش عارفين ومكذب إحساسكوا.
اجهش في البكاء:
-ماحستش ببنتي قلبي ما دلنيش انها عايشه فقدت الامل وصدقت بموتها.
– ياعمي ماتظلمش نفسك حضرتك كنت خايف علي خالتي اللي كانت تعبانة والدكتور قال لازم تبعد كمان كنت خايف تفقد حد تاني من اخواتها فكرت بالعقل والمنطق وده كان مطلوب ولازم ولو كنت فضلت هنا كنا حنوصل لنفس النتيجة لانها طول السنين دي بين اربع حيطان ممنوع عليها الخروج حتى من عتبة اوضتها ولو حصل بيعذبوها بدون رحمة.
صمت قليلا واكمل:
-ياعمي أنا استحالة اتخلي عنها أنا بحبها عايز اتجوزها منتظر بس تعدي ازمتها دي حساعدها لحد ماتقف علي رجلها وتستعيد اسمها تاني ونتجوز.
مروان وبداخله يشعر بالانهزام والقهر:
– ما بقاش ينفع يا أحمد.
أحمد مدافع عن نفسه:
-يا عمي ما تظلمنيش والله كان غصب عني اللي حصلها وأنا مش حسيب حقها واللي عمل فيها كده حدور عليه يا أحبسه يا اقتله عشان ترفع راسها من تاني.
مروان ولازال علي حاله:
-مش بحملك حاجة يا ابني ومش عايزك تحمل نفسك فوق طاقتك مالكش ذنب في اللي حصلها ارتباطكما بقي شبه مستحيل مش حاقدر اكسرها تاني.
أحمد وتملكه شعوره بالانهزام:
-موافقة حضرتك عليا تكسرها!!!
-ماتفهمنيش غلط يا ابني حالتها دلوقتي تكسرها قدام اي حد خصوصا انت وانت شوفت بنفسك حالتها، هيثم مش حيوافق يا ابني واول مرة حيكون عنده حق ومش حقدر ارفع عيني في عينه، وأنا متأكد وقتها حيسمعها ويسمعني كلام احنا في غني عنه مش عايزها تتوجع تاني يا ابني.
– أنا مش حسيبها يا عمي وشاهد علي براءتها وعلي دفاعها عن نفسها بالرغم من ان النتيجة كانت معروفة وانها الاضعف لكنها استقتلت دافعت لحد ما فقدت كل قوتها، شمس شرف لاي حد انه يرتبط بيها، دافعت عن نفسها وحمت رنا في الوقت اللي كنت أنا عاجز فيه، استحالة اسيبها حدافع عنها واستحالة اسمح لاي حد يهينها حخلي راسها دايما مرفوعة حتى لو رفضتني حكون معاها وعمري ما اتخلي عنها، ده وعد مني ليك وربنا يشهد عليه.
مروان بكسرة ووجع:
– يا ابني ماتحمّلش نفسك فوق طاقتها وما تتدخلش مع هيثم في مشاكل لانه حيكون خايف عليك وأنا معرفش لو مكانه حيكون رد فعلي ايه بنتي أنا كفيل بيها حاخدها في حضني حاخدها واسافر بعد ما اخلص اوراقها و تتم بشكل قانوني.
اتسعت عين أحمد بصدمة:
-ليه يا عمي تحكم عليا بالتعاسة والعذاب من تاني ليه تفرق بينا تاني اديني فرصة ارجع لها حقها اديني فرصة اقربها مني تاني والله العظيم حشيلها في عيني وفي قلبي، اللي بيني أنا وبابا مالوش علاقة بشمس بابا بعيد من زمان بعدنا كلنا عنه حرمنا منه وهو عايش ضحي بينا من زمان وأكد بعده لما تخلي حتى عن رنا لما اتخطفنا.
-أنا تعبان يا أحمد عايز ارتاح أنا تعبان ومحتاج ابقي لوحدي افكر في اللي حعمله.
– اتفضل بس ياريت تعيد النظر في قرارك او علي الاقل تأجله شوية اديني فرصة، فرصة واحدة بس.
لم يستطع مروان التحدث اكثر اماء له براسه وصعد إلى الغرفة التي خصصها له أحمد يفكر فبما سيحدث.
مر الوقت طويلاً علي الجميع خصوصا أحمد ظن بعثوره علي شمسه تنتهي الآمه ولكن تهشم امله بأرض الواقع، وها هو على اعتاب فراق جديد واستمرار البعد حتى بوجودها. وما زاد المه وضاعفه رد فعلها عندما علمت هويته، سأل نفسه هل تحمله ذنب ما حدث؟ وعدم قدرته علي حمايتها، هل تراه كما يري نفسه؟ التي يلومها ويأنّبها منذ تلك الواقعة بل يجلدها لضعفها وعدم قدرتها علي حمايتها او حماية اخته، فلم يشعر بالعجز يوما كما شعر به بذلك اليوم. افكار سوداء وتأنيب ضمير واحساس متجدد بالفقد والانهزام ليلة كبيسة لم يستسلم خلالها للنوم حتى أنارت الشمس سمائها.
لم تكن شمس بحال افضل صحيح لم يتركها والدها حتى غفت ،لكن غفوتها لم تدم طويلا فرات بمنامها أدم وهو في شدة غضبه يهوي علي ظهرها بحزامه ويعنفها قائلا
“قولت لك ما تنطقيش اسمه مش ترجعي له تاني”
ولم يكد يكمل جملته حتى هوي بحزامه عليها فانتفضت من نومها تشعر بألم جسدها ثم ضمت جسدها بيدها تحرك جسدها بتوتر تسترجع كل ما راه أحمد بالوكر وجميع لحظات انكسارها وتدنيسها.
اما مروان فبرغم من شدة اجهاده وحاجته للراحة الا إنه لم يستطع النوم او الرحة الا قليلا فهو يري نفسه المذنب الوحيد فهو من استسلم ولم يشعر بألم ابنته اضاعها مرتين عندها خرجت من بيته وخطفت وعندما صدق في موتها ولم يكمل بحثه عنها. تملكه الرعب، يخشي من القادم لا يعلم هل مازال هناك خطر يداهمها؟ هل تلك العصابة ستحاول الانتقام؟ هل من امر بخطفها سابقا سيحاول مجدداً؟ وشمس نفسها كيف ستواجه العالم بعد حبس دام لأكثر من ثلاثة عشر عاما وسط عالم مخيف ؟ وأخوتها كيف سيتقبلون عودتها؟ واه من اخوتها خصوصا آسر. ظل علي حالة حتى زاد عليه التعب والارهاق ومجهود السفر واقتحمه النوم بالإكراه.
اما سيف فكان يشعر بأخيه ويخاف عليه مما ينتظره بالفترة القادمة ومع ضوء الصباح وذهب إليه فهو عاد إلى فيلتهم ليطمئن والدته علي أحمد، الذي لم يخبر احد بعثوره علي شمس سواه هو ووالدها تحسبا من وجود من يحاول منعهم من اثبات هويتها قانونياً.
مع دلوف سيف للمكان جال بعينيه باحثا عن اخيه؛ فوجده جالس شارد الذهن، يبدو عليه الارهاق الشديد، مخفض الرأس، يخفيها بين كفيه، فجلس بجانبه ووضع يده علي كتفه
-كنت متوقع إنك بالحالة دي.
الفصل الثالث عشر ‘استدعاء’
أحمد بإرهاق:
-سيف أنا تعبان ومش قادر.
– شكلك باين أكيد ما نمتش ، يا أحمد حرام عليك نفسك انت سنين تعبان وبتحمل نفسك ذنب مش ذنبك. واعتقد انك كفرت عنه لما رجعتها، يبقي كفاية عليك كده.
– كنت فاكر اني هارتاح لما ترجع، وتفضل معايا لأخر العمر، بس شكلي طول عمري حدور عليها.
– ارحم نفسك، انت عملت اللي عليك وزيادة.
– أنا طالع اصحي عمي وشمس.
من الفصل الثاني عشر إلى السادس عشر.
الفصل الثاني عشر ‘عالم تاني’
غابت عن الواقع لثلاثة أيام، ثم بدأت بفتح عينها انتفضت بألم حين وجدت حولها عالم اخر غير الذي كانت فيه وجدت نفسها مستلقية علي سرير معدني وبجانبها كومود صغير معدني ايضا جالت بنظرها تستكشف المكان فهو نظيف ذو رائحة طيبة قوية هيئة المكان ورائحته ذكرتها بالمشفى واكد لها ذلك تلك الابرة المغروزة بيدها تشعر بألم بسائر جسدها وضعت يدها تلقائيا علي بطنها تتذكر انها فقدت طفلها شعرت بالخوف والرهبة مما يمكن ان ينتظرها فهي لا تعرف شيء خارج تلك الغرفة التي قضت بها أكثر من ثلاثة عشر عاما من عمرها قطع افكارها صوت أحمد فكان جالس بعيدا عنها يراقبها ككل يوم منذ دخولها المشفى ينتظر افاقتها.
حدثها أحمد بابتسامة وهو يقترب منها:
-حمد الله علي السلامة
نظرت له برهبة وقلق:
-أنا فين؟ دي مستشفى، صح؟
– برافوا عليكِ، صح، عاملة ايه دلوقتي؟
-أنا جيت هنا ازاي؟
– البوليس جه وقبض علي الموجودين والاطفال بين الملجأ والاحداث، وانت جيتي هنا عشان حالتك كانت خطر وفقدتي دم كتير للأسف.
اكمل بألم:
-ليه ما وثقتيش فيَّا كنت شايفاني ضعيف واقل من انك تعتمدي عليا.
-قولت لك ماعنديش مكان اروحه ليه مدخل نفسك في كل حاجة تخصني، وبعدين مش حيصدقوني وحدخل السجن ليه عملت فيا كدة الحبسة هناك اهون من السجن.
أحمد بألم اكبر:
-قولت لك حساعدك ومش حسيبك انت اتخطفتي زمان حتتعاقبي ليه وتتسجني ليه؟
-ومين حيصدق واحدة زيي مالهاش حد ولا ضهر وكمان كانت بتشتغل معاهم وتخدم علي المخطوفين.
– أنا ومش حسيبك ومش حتتسجني، في عندك بيجامة في الدولاب البسيها بدل هدوم المستشفى.
خرج وترك الغرفة بغضب
اغمضت عينها بألم وخوف من الذي ينتظرها الأيام القادمة.
بعد فترة بسيطة عاد إليها، شعرت براحة كبيرة اخفتها بداخلها راقبته بعينها بصمت بدأ هو الكلام:
– أنا مش عايزك تخافي أنا متابع القضية والمحامي طمني وماتنسيش انك اصلا اللي ساعادتينا عشان نهرب من هناك ونبلغ عن مكانا ده غير الحالة اللي كنت فيها لما البوليس وصل، عارف انه صعب تثقي فيا بس أنا مش حسيبك لحد ما ترجعي لأهلك اكيد حيفرحوا برجوعك.
تفاحة بألم و كسرة:
-ارجع ازاي دلوقتي، ازاي بعد اللي جاد عمله ارجع عشان احط راسهم في الارض واحرق قلبهم واوجعهم تاني.
نظر لها أحمد وهو يصرخ بداخله يتمني ان يضمها إليه ويعلمها انها اغلي ما لديه وانه يفخر بها ومدين لها لكنه فضل الصمت والا يخبرها انه هو اهلها وحبيبها الذي بحث عنها وانتظرها اعوام واعوام.
– مش حنتكلم دلوقتي في حاجة انت تعبانة ولسه قدامك شوية علي ما تخرجي من المستشفى وعلي فكرة أنا الدكتور المتابع ليكي يعني لازم تسمعي كلامي.
رفعت عينها إليه وبداخلها الكثير من الكلام والاسئلة ورجاء لم يفهمه ساد الصمت قليلا ثم قطعه دخول سيف دون استئذان
سيف قبل النظر لتفاحة:
-ايه ياعم الدكتور يعني من ساعة ما رجعت وانت اطمنت علي رنا ودخولها المستشفى وبعدها من المستشفى للنيابة ومتابعت التحقيقات ولا كأنك راجع من الساحل مش كنت مخطوف.
ثم نظر إلى تفاحة:
-اوبا ايه القمر ده اتاريك استحليت الخطف ولازق هنا يا دكتور.
ابتسمت تفاحة ثم اخفت بسمتها سريعا مع كلمات سيف التالية.
قاطعه أحمد من سيل الكلمات التي يلقيها دون توقف:
-في حد يدخل علي مرضى كده افرض كنت بكشف عليها انت عبيط يا ابني وبعدين دخلت ازاي أصلا؟
-قصدك العسكري اللي بره، عادي قولت له دكتور هنا وأنا اصلا لابس البالطوا بتاعك اللي في مكتبك.
– انتحال شخصية دكتور يعني تحب احبسك دلوقتي.
شحب وجه تفاحة وتحدثت بصوت ضعيف يملأه الخوف:
-ليه في عسكري بره؟ أنا حتحبس ….
قاطعها أحمد:
-دي اجراءات مش اكتر وحتطلعي بكفالة. لحد القضية ما تنتهي ما تقلقيش أنا حمشي دلوقتي وحرجع لك تاني مش عايزك تخافي وحرجع اقول لك تاني مش حسيبك.
لم ينتظر أحمد بعد ما قال اما سيف فتحولت معالمه من الابتسام والمرح إلى الوجوم والشرود إلى ان امسكه أحمد من مرفقه وخرج به من الغرفة واغلقها خلفه.
وعلي بعد بعض خطوات منها وقف سيف امام أحمد ليتحدث معه
-أحمد في ايه بالظبط؟ بتفكر في ايه ؟ وكلامك جوه معناه ايه؟
– تعالي الكافيتريا نطلب قهوة وبعدين نقعد في المكتب نتكلم
اثناء سيرهم تحدث سيف
-اتكلم بتفكر في ايه؟ أنا مش مرتاح.
– هي يا سيف
-اللي بتقوله مستحيل وانت عارف كويس شمس ماتت من سنين واندفنت، يا أحمد حرام عليك نفسك انت مش مكتفي إنك حابس نفسك السنين دي كلها ومش عايش زي باقي اصحابك عايز كمان تعيش نفسك في وهم وأنا متأكد إنك بتفكر في ابعد من كده.
أحمد وقد نفذ صبره:
-أولًا شمس ما ماتتش شمس كنا لسه عندها جوه، وأنا ماكنتش حابس نفسي أنا كنت بدور عليها وبوفي بوعودي ليها وبقيت زي ما هي كانت عايزة مني زمان.
-حرام عليك يا أحمد ما تعملش كده انت عايش وهم حتى لو فرضنا انها هي فاحب اقول لك انها اتغيرت وبقت واحده تانية لا تفكيرها ولا شخصيتها اكيد بقت مشوهة زي المكان اللي كانت فيه واكيد بقت…
قاطعه أحمد:
-يا ريت تسكت يا سيف وتبطل تغلط فيها واثار اللي حصل لها أنا كفيل اني اعالجه
وقف سيف امامه كتف يديه :
-ونسيت بابا انتم علاقتكم اصلا متدمرة من زمان بسببها بردوا حنعيده تاني يا أحمد.
– انت كده بتظلمها اللي بيني وبين بابا بسبب اللي عمله في ماما وانت شاهد عليه واهماله لينا ولرنا تقدر تقولي هو فين دلوقتي ولا فين من وقت ما اختفينا وعمل ايه، اقفل على الكلام ده دلوقتي أنا لازم ارجع لها.
تنهد سيف بقلت حيلة ثم تحدث:
-طيب ماما عايزة تشوفك وحالتها وحشه جدا عشانك وعشان رنا طمنها عليك يا أحمد روح لها هي ليها حق عليك برده.
– حاضر حكلمها رنا حالتها حتطول للأسف، أنا مش ناسيها وبكلم على كل يوم اطمن عليها ما تقلقش يا سيف وأنا حكلم ماما اطمنها.
صمت قليلا ثم اكمل:
-أنا متاكد انها شمس وبالرغم من كده أنا كلمت عمي مروان وطلبت منه ينزل ضروري وحنعمل كل الاجراءات اللي نتاكد بها بالرغم اني متاكد بس لازم نعمل كده عشان نثبت كل شيء بشكل قانوني وترجع للحياة من تاني.
تنهد أحمد بقوه:
-تعالي رجع البالطوا اللي اخدته وشوف اللي وراك وأنا راجع بالليل.
مرا امام غرفة تفاحة فوجدها أحمد خالية ولم يجد العسكري الواقف امام الباب فسال احد التمريض.
– فين المريضة اللي كانت هنا والحراسة اللي كانت على الباب.
-الظابط كان هنا يا دكتور واخدها والحراسة مشيت
أحمد وتملكته العصبية والقلق:
-ومين كتب لها خروج وأنا المتابع لها.
-دكتور محمود، الظابط كان متعصب وحضرتك ما كنتش في المكتب والدنيا مقلوبة والظابط مُصر تمشي معاه محدش قدر يقف قدامه فالمدير قال لدكتور محمود يكتب لها خروج، هما خرجوا من حوالي 10 دقايق مش كتير
تحركت الممرضة فتحدث سيف
-خلاص يا أحمد ماجراش حاجة طبيعي يكملوا تحقيق.
-لا مش طبيعي ليه الظابط كان مُصر تمشي معاه وعمي سالم قالي حتفضل هنا ادام حالتها مش مستقرة وعرف ازاي انها فاقت لحد الصبح كانت في غيبوبة اللي بيحصل مش طبيعي.
تحرك أحمد سريعا ومعه سيف وضع البالطوا بمكتبه واتصل بسالم والد صديقه علي ‘المشير سالم’ اثناء تحركه وركوبه السيارة وبعد عدة مرات اجابه
-ايوة يا أحمد أنا مش فاضي دلوقتي حكلمك بعدين في اجتماع مهم.
وقبل ان يغلق تحدث أحمد سريعا
– أنا اسف يا عمي بس في حاجة مهمة
قص أحمد له ما حدث
– أنا حاسس في حاجة غلط.
-طيب يا أحمد حشوف واكلمك ما تتصلش غير للضرورة يا أحمد.
اغلق الخط واتجه إلى القسم ومعه سيف سال عنها هناك ولم يستطع الوصول إليها وانكروا وجودها مما اقلقه واشعره بالخطر وقف امام القسم يحاول تنظيم افكاره وفي انتظار اتصال المشير سالم والد صديقه فلحقه احد الامناء وكان كبير السن دون ان يشعر به احد وادعي بحثه عن احد العاملين اقترب من أحمد وتحدث بصوت خافت دون الالتفات إليه
-البنت اللي بتدور عليها هنا متوصي عليها جامد والظابط اللي جابها مستحلف لها الحقها يا ابني شكلها مش شمال زي ما قال. النسوان في الحجز اتلموا عليها وبهدلوها، اصلوا قالهم اللي مش حتعمل اللي قال عليه حيعلقها، شوف حد كبير يساعدكوا واوعي تجيب سيرتي وربنا يستر علي ولايانا.
ثم تركه وذهب لعمله فصعد أحمد وسيف السيارة شرد أحمد بينما راقبه سيف بقلق
-حتعمل ايه يا أحمد الموضوع شكله كبير فعلا أنا قلقت عليها بالرغم اني مش مقتنع انها شمس بس هي في محنه ومالهاش حد.
لم يتحدث أحمد نظر إليه وكأنه بحالة صدمة ثم امسك هاتفه واتصل بالمشير سالم مجددا حتى اجابه
اجابه سالم بضيق وبعض الحدة:
-أحمد أنا في اجتماع مهم عارف انك قلقان بس مش معقول كده
أحمد وبدا علي صوته القلق والخوف:
-يا عمي الموضوع مش عادي زي ما قولت لحضرتك
قص له أحمد ما علم باختصار
سالم بتفكير وتروي:
-طيب يا أحمد خليك عندك وأنا حتصرف.
مرت فترة قصيرة ولكنها طويلة علي أحمد متأكد من جدية اللواء سالم في مساعدته ولكنه يشعر بالخوف والقلق عليها.
علي الجانب الأخر في غرفة الحبس اجتمعت المسجونات علي تفاحة وضربوها بعنف محاولين عدم اظهار كدمات علي وجهها والاجزاء الظاهر منها كمان امرهم الضابط وبعدها استدعاها الضابط لمكتبه بدأ التحدث لها بسخرية وتهديد ولمح بوجود توصية قوية عليها لإذلالها والقصاص منها لما فعلته وتوعدها بان يذيقها كافة أشكال العذاب فقام بصفعها عدت صفعات ثم جذبها من شعرها، كانت هي بحالة من الصدمة والخوف مما يحدث لها والرعب مما ينتظرها والالم والاجهاد ظاهران عليها بقوة فجسدها لازال بحالة اعياء بسبب ضرب جاد لها واجهاض جنينها وما تعرضت له من ضرب بغرفة الحجز، وما كاد ان يتركها حتى وجد باب مكتبه يفتح بقوة واندفع المشير سالم للداخل ونظر له باستجواب وتحذير.
نظر إليه الضابط وتحدث مدافعا عن نفسه محاولًا اخفاء صدمته حاول تبرير ما يفعل بانه يباشر عمله، استمر الحوار بينهما تحت انظار تفاحة التي تدعوا بسرها ان تمر محنتها تلك علي خير وتملكها الاعياء بدرجة كبيرة، شعرت وكأنها تنزف مرة أخرى.
بخارج مكتب الضابط ينتظر أحمد بحالة قلق شديدة، يجوب المكان ذهابا وايابا غير قادر علي الانتظار ومعه سيف يحاول طمأنته دون جدوي إلى ان فتح الباب وخرج المشير سالم وبجانبه تفاحة (شمس) فوقف أحمد امامهم ونظره معلق عليها اما هي فابتسمت له بامتنان واعياء واضح.
المشير سالم:
-شوية اجراءات وتمشي معاكم اصلا النيابة طلعتها بكفالة ادفعوها وتمشوا، حستعجل لكم الاجراءات
انهي أحمد كافة الاجراءات سريعا وشكر المشير سالم الذي غادر بعدها علي ان يذهب إليه أحمد لاحقا، اقترب أحمد من تفاحة هو وسيف وبدأ أحمد الحديث.
– أنا عارف اني خذلتك بس استحالة ده يحصل تاني
تفاحة بإعياء شديد وابتسامة منهكة:
-أنا مش فاهمة قصدك قوي بس لولا انت كان الظابط عمل اكتر من اللي جاد عمله دلوقتي.
ابتسم أحمد بألم:
-انت حاسة بايه شكلك تعبانة قوي
-مافيش حاجة أنا كويسة.
لم تكد تكمل جملتها حتى انحنت للأمام واغمضت عينها بألم شديد، وأحمد يمعن النظر لوجهها يسيطر عليه انه كاد ان يفقدها مرة أخرى، افاق من شروده علي صوت سيف.
-أحمد الحق هدومها كلها بقت دم.
اتسعت عين أحمد بصدمة فحملها وتوجها لسيارته ومنها إلى المستشفى، وهناك قام أحمد بالإسعافات الازمة لها واعطاها مهدئات لتظل نائمة للصباح ورافقها ليطمئن عليها وباليوم التالي فتحت عينها ببطيء تأملت المكان حولها تذكرت ما حدث وابتسمت بوهن فسمعت صوت أحمد
أحمد مبتسما:
-حمد الله ع السلامة، اسف للي حصل امبارح اوعدك مش يتكرر تاني.
لم تتحدث وظلت واجمة بداخلها اسئلة لا تجرؤ علي اجابتها وتخشاها فاكمل هو مبتسما
-جبت لك هدوم غير اللي إتبهدلت لما تفوقي شوية هخلي الممرضة تساعدك تغيري.
-أنا عايزة امشي.
أحمد بإدعاء التفكير:
-ماشي بس حتروحي فين، انت بعيد عن اهلك سنين وكنت صغيرة فأكيد مش فاكره عنوان او اي دليل ليهم عايزة تروحي فين بقي.
صمتت قليلا ثم أجابت:
-مش هيفرق معاك أنا عايزة امشي
رد عليها بثبات غير مهتم برغبتها:
-قولت لأ، اسمحي لي اقولك جملتك بصي كده انت فين هنا أنا بس اللي احدد ايه اللي يحصل.
وقبل ان تتحدث اكمل بجدية:
-لو حاولتي تمشي حعاقبك وما تجربيش عشان أنا بنفذ اللي بقوله.
ردت عليه بسخرية:
-اظن شوفت اني متعودة علي العقاب
-أولًا أنا مش حيوان زيهم عشان اءذيكي، أنا استحالة اعمل كدة
ارتعشت تفاحة من نبرته الحاسمة والتي تحمل ايضاً اهتمام وخوف عليها يظهر هذا بوضوح بحديثه وافعاله وزادها هذا اصرارا علي الفرار دون حساب أي عواقب. توقع أحمد محاولة هروبها كما اسماها ولذلك طلب من أحد العمال متابعة أي حركة بغرفتها واذا حاولت الخروج يتصل به فورا ولا ينتظر حتى يذهب إليه ويحاول تعطيلها حتى يحضر هو وحدث ما توقع فأسرع إليها.
دخل غرفتها فوجدها بدلت ملابسها بتلك التي احضرها لها تحاول استجماع قوتها لترك المكان فتحدث غاصبا
-مفيش فايدة أنا حذرتك.
امسك كفها متسائلًا:
-اللي كان متركب فإديك شيلتيه صح.
ردت بإصرار
– عايزة امشي سيبني امشي من هنا
أحمد بجدية امره:
-انت حددت عقابك.
اشار بعينه للسرير:
-ارجعي علي سريرك.
ثم ضغط الانذار اتت الممرضة بعد ان جلست تفاحة علي السرير بقلق تنتظر عقابها المجهول وحدث هو الممرضة التي حضرت سريعا
– معاد علاجها امتي؟
-بعد ربع ساعة
– ما تركبيش كانيولا جديدة وتتصلي بيا وقت العلاج لو كنتش هنا.
نظر لها بنفس الجدية:
-ما تحاوليش تتحركي من مكانك غير للحمام.
أماءت راسها بطاعة ولا تعلم السبب ولا تفكر سوي كيف سيعاقبها.
مرت الدقائق سريعا ووجدت أحمد يفتح الباب ولازال بجدية وتلته الممرضة قائلة
– الحقن جاهزة
– دول اخر جرعة
-لأ فاضل كمان مرة
– حتاخدهم حقن.
نظر أحمد لتفاحة التي نظرت له بشحوب بعد سماعها لرد الممرضة فهي لم تتخطي الخوف من الحقن لازالت ترعبها كطفلة صغيرة نظرت له برجاء، فلم يعيرها انتباه وأكد لها ان هذا عقابها وحدثها بجديته نامي علي جنبك خلي ضهرك ليها وقف هو من الجهة الأخرى بجانبها وادعي انشغاله بقراءة بعض الاوراق اما هي فأغمضت عينها بقوة وخوف فجذب هو كرسي ووضعه بجانبها وجلس عليه وامسك يدها وضغط عليها عندما ارتجفت بعد ان اخذت الحقنة الاولي ليطمئنها انه بجانبها فلم يتخيل ان تظل بنفس خوفها السابق فهي تحملت اكثر بكثير من مجرد الحقن تحملت عذابا يهد رجال اقوياء لكن لازالت تحمل جزءا من طفولتها الضائعة بالرغم مما عانت ابتسم بألم وقرر وقف عقابه
– استني هاتي كانيولا من بره أنا حركبها لها.
ردت الممرضة بطاعة وخرجت لإحضار ما طلب اما هو فمسح علي راسها بحنان وحدثها
-ممكن تسمعي الكلام بقي أنا ما تخيلتش انك تكوني بتخافي من الحقن كدة، أنا اسف.
اعتدلت تفاحة جالسة علي الفراش واخفضت راسها
– ماتوطيش راسك تاني ابدا ارفعي راسك.
كادت ان تتحدث ولكن دخلت الممرضة اعطت الادوات لأحمد وخرجت بعد ان طلب منها خذا.
تفاحة وقد رات ما بيده:
-البتاعة دي بتوجع قوي مش عايزاها.
-دي بدل الحقن مرة احسن من تلت مرات، نظر إليها بابتسامة حانية اوعدك مش حتحسي بوجع بس ما تبصيش عليها تمام هاتي ايدك.
مدت ذراعها له تخشي ان تنظر إلى عينيه اما هو فبدأ التحدث معها كي يشتت انتباهها عما يفعل أما هي فداهمتها مشاعر مبعثرة وأفكار مختلطة فلم تشعر بألم وانتبهت علي صوته
– خلاص خلصت واخدتي المسكن كمان لما يجيبوا الاكل تأكلي وتنامي ماشي اسمعي الكلام بقي.
أماءت راسها موافقة ولم تستطع التحدث فاكمل هو مبتسما
– ايوة كدة شطوره بصي انت حتخرجي بكرة ان شاء الله حكون معاكي ما تقلقيش مش حسيبك ما تفكريش في حاجة دلوقتي تمام، ماتفكريش تخلعي دي تاني (واشارة لها علي الكانيولا) عشان ما نضطرش ندكي حقن تمام.
أماءت راسها موافقة مجددا ابتسم لها ووعدها ان يأتي إليها مجددا بعد ان ينهي عمله. مر اليوم وهي علي صمتها الذي يخفي تساؤلات ومخاوف وكذلك خوف من العالم الجديد الذي ستعيش به، بينما أحمد يرتب افكاره فيما ينوي عليه، وسيف يتملكه الخوف علي اخيه من رد فعل ابيهم وايضا اذا كانت امال أحمد ما هي إلا اوهام وامال بداخله فقط ، اما مها والدة أحمد فهي قلقة عليه تشعر بوجود خطبا ما لا تفهم سبب تواجده بعمله في مثل تلك الظروف هي متأكدة انه يخفي عنها شيئا وتشعر بان سيف علي علم بذلك. انتهي اليوم مكث أحمد بجوار تفاحة.
اليوم التالي وبعد ان انهي أحمد عمله جلس علي مكتبه ارجع رأسه للخلف متذكرا لحوار دار بين تفاحة واسر علي ملابسها الرجالية.
الماضي:
آسر: تفاحة ممكن اسالك علي حاجة.
نظرت إليه تضيق عينها بتهديد فأكمل بتوتر.
– عادية والله دردشة يعني نتسلي خصوصا إن جاد مش هنا ومش حيضايقك.
-لو سؤالك ماعجبنيش مش حرد.
آسر مبتسما:
-ماشي ليه هدومك كلها كدة مفيش مرة شوفتك لابسة فستان.
ابتسمت بألم أخفضت بصرها لثوانٍ ثم رفعت وجهها إليه كانت تسبح بذكرياتها في الماضي وهي تتحدث:
-هدومي مش أنا اللي نقيتها اكيد أنا جيت هنا وأنا طفلة وقتها كنت بلبس الموجود وخلاص ولما بقيت 13 سنة أدم خاف عليا قالي ان شكلي حيطمعهم فيا جابلي الهدوم دي ومن وقتها مش بلبس غيرهم.
ابتسمت بوهن:
-عارف كتير كان بيبقي نفسي اللبس فستان.
-كنت بتقولي له.
أماءت مؤيدة:
-كان بيقولك ايه؟
ابتسمت:
-بيضربني كان فاكر ان بغيظه واضايقه كان يزعق ويقولي ان دول حيوانات واني بطمعهم فيّا. انتبهت لنفسها مش كفاية رغي بقي.
-لو خرجنا من هنا اول حاجة حعملها حجيب لك احلي فستان في الدنيا انت عارفة هو عنده حق مش في الضرب طبعاً بس انت فعلا حلوة واللي هنا اكيد حيطمعوا فيكي شوفي جاد حيموت ازاي وانت لابسة رجالي.
اغاظ بكلماته البريئة تلك أحمد الذي عجز عن الرد لتكميمه اما تفاحة
-لو أدم كان سمع منك البؤين دول كان زمانك مطحون دلوقتي، يلا ابدأ شيل الصناديق زي ما اتفقنا.
آسر بتذمر طفولي:
-مش ناوية تنسي موضوع الصناديق دي.
-لأ يا خفيف يلا.
عودة للحاضر
تنهد أحمد بعمق لا يعلم هل يفرح ام يحزن ولكنه اخيرا حقق لها إحدى أمنياتها فقد اشتري لها امنيتها فستان بلونها المفضل اللون الوردي بدرجاته الفاتحة وبه بعض الخطوط والرسومات الرقيقة باللون الوردي الغامق ولم ينسي احضار حذاء وربطة شعر مناسبين.
بغرفة تفاحة وقف امامها مبتسما:
-جه وقت الخروج زي ماكنتي عايزة.
نظرت إليه بخوف حاولت اخفاءه فهي لازالت تخشي تخطي اي عتبه وتشعر وكأن ينتظرها عقابا إن فعلت وأيضا ً فهي ترتعب من التواجد بالطرقات وتعاد علي ذاكرتها تلك الخطوات التي خطتها مع أدم ناحية المجهول وكان بها هلاكها حتى الآن، لم يخفي علي أحمد كل ذلك وكان يتعامل مع أفكارها ويتحدث معها كمان كان يفعل في صغرها فمد إليها يديه بحقيبة ورقية تحوي ما اشتراه لها.
– ده عشانك افتحيه.
رات ما داخله؛ فنظرت إليه بابتسامة فاكمل
– ادخلي غيري هدومك واجهزي.
اتجه إلى الحمام وفتح الباب:
-تقفلي عليكي من جوة كده، وأنا هنتظرك هنا خدي وقتك.
دخلت تفاحة بدلت ملابسها ورفعت شعرها كما اعتادت ووضعت ربطة الشعر كي لا يتحرر وخرجت له خجلة، نظر لها مبتسما فكانت ملابسها جملية جدا عليها ومناسبة لها تماما وقف امامها امعن النظر بها وهي خجلة مما ترتديه فهي بالرغم من اشتياقها لهذه الملابس الا انها باتت تخجل منها. قطع هو الصمت
– تسمحي لي اعمل حاجة من غير ما تضايقي.
اماءت رأسها موافقة فوقف خلفها وحرر شعرها وعدل وضعه بربطة الشعر جمع بها شعرها وتركه منسدلا علي ظهرها لم يشدد الربطة فتحرر جزء من غرتها كست جانب وجهها، عاد ووقف امامها ولازال محتفظا بابتسامته، وضعت يدها علي شعرها تتحسسه ابتسم لها.
-تمام كدة جاهزة نتحرك.
التفتت إلى الباب نظرت له بترقب وعادت بنظرها إلى أحمد نظرت إليه وكانها تستنجد به من خوفها من المرور
-ما تخافيش أنا معاكي.
نظرت إليه تستمد منه القوة فحاوط كتفها بيد وبالأخرى اخذ أغراضها وشجعها للتحرك، كانت تبدوا بجانبه كطفلة صغيرة فهي بطولها المتوسط وجسدها النحيل لسوء تغذيتها وضعفها الشديد لما تعرضت له بالفترة الاخيرة وهو بطوله الفارع وبنيته الجسدية القوية وعضلاته الضخمة.
تحركت شمس بخطوات بطيئة حذرة وقلقة عبرت الغرفة اخيرا وبترقب خطت للخروج من المشفي عندما اقتربت من البوابة سرت رجفة بكامل جسدها فشدد هومن قبضته عليها يطمئنها وكانه يحدثها “أنا معك فلا تخافي ” جلست بالسيارة وهي متوترة تجاهد للسيطرة علي رجفتها يتملكها الخوف وتسيطر عليها ذكريات الماضي وخطوات الضياع، حاول أحمد السيطرة علي انفعاله من شدة تألمه من اجلها ويشعر بالإشفاق عليها من العذاب الذي تعرضت له ومن خوفها من المستقبل المجهول بالنسبة لها، حاول اخراجها من دوامتها فتحدث إليها:
-بصي احنا دلوقتي حنروح البيت عندي هو في الاصل بيت جدي والد ماما حبيت تكوني هناك لحد ما نعرف حنعمل ايه، وقبل ما تفكري في اي حاجة مش حنكون لوحدنا.
نظرت إليه بصمت لا تقوي حتى علي النطق تشعر بالراحة معه بداخلها صوت يحثها علي الوثوق به وطاعته، اما أحمد فقد إختار هذا المكان لأنه متأكد من انها لن تتذكره فهي لم تذهب إليه منذ الثالثة من عمرها منذ وفاة جدهم. مر الوقت طويلا على كلاهما بالرغم من صغر المسافة هي من شدة خوفها وهو من فرط قلقه عليها وكيف ستواجه وتتحمل القادم، اصطنع هو الابتسام بعدما صف السيارة ترجل منها وتحرك جهتها وفتح الباب وامسك يدها لتترجل معه نظرت إليه لاجئة فطمئنها بابتسامة وحثها علي المتابعة.
دخلا للبيت الذي هو عبارة عن فيلا صغيرة ذات حديقة مناسبة الدور الارضي به بهو متوسط وملحق به غرفة مكتب ودور علوي به خمسة غرف بينهم مجلس صغير بالداخل اقتربت منهما سيدة كبيرة في السن المسئولة عن المكان
– حمد الله علي السلامة يا ابني
– الله يسلمك يا دادة اوضة الانسة جاهزة.
نظرت إليه معاتبة:
-ايوة والغدا كمان جاهز.
جلسا لتناول الطعام كانت تفاحة شاردة لا تقوي علي تناول الطعام فحاول طمأنتها قائلا
– ممكن ما تقلقيش كدة ثقي فيا لو سمحتي.
حاولت الابتسام وظهرت ابتسامتها باهته فقطع الصمت مرة اخري
– تعالي ادخلك ترتاحي شوية
تحركت معه صامته صعد بها لغرفتها والتي كانت جميلة ورقيقة اختارها خصيصا لها من الصور عن طريق مكتب هندسي اختار تجهيزاتها من خلالهم انتقي لها جميع ديكوراتها بلونها المفضل وكان بالغرفة بلكونة صغيرة مطله علي الحديقة وقف أحمد امام شمس (تفاحة) مبتسما.
– يارب الأوضة تكون عجبتك.
امسك كتفها بيديه:
-عايزك ترتاحي في مفاجئة بالليل.
اخرج من جيبه ذلك الكيس القماشي الخاص بها والذي اخبرته قبل خروجهم من ذلك الوكر انه ملكها واكمل قائلا
-اتفضلي دي حاجتك اللي كنت شايلاها.
رفعت رأسها إليه بابتسامة ممتنه:
-افتكرت انها ضاعت دي غالية عليا قوي.
ادمعت عينها فتلك قلادتها التي اهداها إليها والدها وطلب منها الحفاظ عليها مهما حدث. ازداد ألم أحمد وعذابه من اجلها فتحدث إليها
– انت سيبتي قوتك هناك اتعودت عليكي قوية
مسحت دموعها وابتسمت فطلب منها ان ترتاح قليلا فاستلقت علي الفراش كانت ترتعش بقوة، أحكم هو الغطاء عليها وظل بجانبها يمسد علي رأسها بحنان حتى اطمئن عليها، اما هي فوسط خوفها وقلقها كان ينمو بداخلها قدر بسيط من الراحة والامان احبت ذلك الاحساس وخشته لا تعلم كيف.
بالمساء استيقظت هي علي صوت تعلمه تحفظه عن ظهر قلب اشتاقت إليه كثيرا جاهدت خوفها تأكدت من وجود قلادتها معها واحكمت غلق كفها عليها اتجهت نحو مصدر هذا الصوت تأكدت من حقيقته تحركت إليه تبطئ خطواتها شيئا فشيئا كلما اقتربت.
بالأسفل وصل مروان فقد حادثه أحمد بنفس اليوم الذي استطاع الخلاص فيه من تلك العصابة وطلب منه الحضور لأمر هام فسوي مروان امور عمله وحجز طائرة عاد بها لمصر، قص له أحمد ما حدث وتأكده من كون تفاحة هي شمسهم الغائبة
– ياعمي أنا متأكد من اللي بقوله وحضرتك حتتأكد من كلامي لما تشوفها.
مروان وقد ظهر عليه الكبر وشاب شعره كاملا من حزنه علي غائبته وايضا حزنناً لمرض زوجته تحدث بألم وقهر
-يا ابني اللي بتقوله مستحيل أنا من قبلك نفسي تكون بينا لكن أنا دفنتها بإيدي زمان ماقدرتش حتى اخد عزاها استحملت نظراتكم ليا خصوصا انت اللي كان كلها إتهام اني تخليت عنها والحقيقة اني ماقدرتش اقعد في البلد اللي ضاعت مني ودفتها فيها خفت علي خالتك لو عرفت تموت فيها خوفت علي اخواتها يشوفوا نفس مصيرها واتحسر عليهم هما كمان، انت بتكلمني عن حته مني عن روحي اللي فارقتني يوم ما دفنتها.
أحمد محاولًا اقناعه:
– ياعمي حضرتك يومها شوفت جثة بنت مشوهة بالكامل لابسة هدوم شمس ومعاها عروستها ومن الصدمة سلمت انها هي واتدفنت بدون تحليلDNA مش ممكن هما اللي عملوا كدة عشان تيأس ووصلوا للي عايزينه، طيب حضرتك شوفها الاول، علي العموم كدة كدة لازم نعمل لها التحليل ده عشان نصحح وضعها ونعمل لها اوراقها كل اللي طلبه انك تقابلها وتقرر بعدها.
أجابه بألم ناتج عن عذاب سنوات طويلة وتنهيده حارقة:
-يا ابني أنا اتمني والله خايف عليك انت تعبت سنين وخايف حسرتي تزيد لو حطيت امل، اغمض عينه بتعب سنوات ثم فتحها قائلا، أنا نفسي اغمض عيني وافتحها الاقيه كابوس واصحي منه شوقي ليها كبير قوي قلبي واجعني وبدعي القوة عشان أميرة اللي عجزت من قبل اوانها من حزنها، شمس دي كانت روحي وروحها.
في تلك اللحظة دخلت شمس موجهه نظرها إلى ابيها مروان وانسابت دموعها تحمل بين راحتى يدها قلادتها رفعتهم إلى ابيها وعلي وجهها بسمة مليئة بالحزن والالم وصوت مختنق:
– ضاعت مني كل حاجة الا دي
وفتحت راحتيها امامه ليجد تلك القلادة التي يحفظها عن ظهر قلب ثواني قليلة مرت غير مستوعب ما يحدث نظر بعينها فما زلت تحتفظ بنفس النظرة، نفس لون العين تملك منه الاحساس بالاشتياق و عاد إليه الامل ضمها بكل قوته وادمعت عيناه بل فاضت ترك العنان لتلك الدموع التي احتجزها واخفاها لسنوات صمتت الالسن وتحدثت المشاعر والدموع حتى أحمد ادمعت عيناه فهو سعيد لعودتها يتمني ان يكون مكان والدها ويشدد من ضمها لحضنه حتى تذوب بداخله سالت دموعه هو ايضا وبعد فترة تحدث إليه مروان
-كان عندك حق يا ابني كان ليها حق تقول عليك من زمان بطلها رجعت لي روحي وشمسي يا أحمد.
ارتجفت شمس بقوة ارتعشت كل ذرة بجسدها دفنت وجهها بصدر والدها عندما تأكدت مخاوفها هو بطلها وحبيبها الذي طالما غار منه أدم رغم بعده وعدم تواجده معهم، لقد شاهد اسواء ما قد يراه حبيب لقد شاهد انتهاك جاد لها والأسواء فهو من عالجها وقد شاهدها وهي تدفع جاد لقتل طفلها، كانت ترجف اكثر واكثر مع كل خاطر وفكرة تترد بعقلها ضمها ابيها بقوة وشعر بالخوف الشديد عليها وكذلك أحمد الذي تملكه الرعب من اجلها ولم يستطع عقله ترجمة سبب خوفها وارتعادها لهذا الحد لم يخطر بباله ان ياتي اليوم الذي تخشاه شمس وتختبئ منه.
حاول مروان تهدئتها
-مالك يا شمس حصل ايه؟ طاب اهدي ما تخافيش يا حبيبتي أنا معاكي.
تحرك بعض خطوات وجلسا علي الاريكة لازالت تخفي وجهها بصدره ، جثي أحمد امامها ووضع يده علي ظهرها يربت عليها
– ايه اللي حصلك اهدي عشان خاطري، شمس ردي عليا ما تعمليش فيا وفي نفسك كده.
زادتها كلماته ارتجافا مما ادمي قلبه فشعر وكأنها تراه كما يري نفسه مسئولا عما حدث لها من جاد امام عينيه اغمض عينيه بألم يكاد يقتل روحه، انتشله من ظنونه صوت مروان.
-خليني اطلعها اوضتها يا ابني.
سندها لتقف، ثبت أحمد مقلتيه عليها، قلبه ينزف ألمًا، وتحدث بوهن:
– خليني اشيلها اطلعها اوضتها مش حتقدر تمشي كدة.
شعر مروان بها تخبئ نفسها بأحضانه اكثر وازداد ارتجافها فاعترض بلطف
-خليني اطلعها أنا حفضل معاها لحد ما تنام
وبالفعل صعد مروان معاها تخطوا بوهن شديد تحت نظرات أحمد الذابلة المذبوحة انتظر أحمد بالأسفل حتى عاد إليه مروان الذي تحدث ما ان اقترب من أحمد بقلب يعتصر متوقع سماع اسوء ما قد يعلم اب عن ابنته.
مروان بنره حزينة صارمة:
-قولي يا أحمد اللي شوفته او تعرفه عنها وخلاها بالحالة دي.
أحمد بوهن والالم يفتك به:
-حالتها دي بسببي، خوف مني.
-يا أحمد بنتي جري لها ايه، ما تتعبش اعصابي يا ابني اكتر من كده أنا متوقع اي حاجة ،هي هناك لأكتر من 13 سنة اكيد حصل لها اذية كتير.
أحمد مدافع عنها:
-يا عمي هي ما اختارتش حاجة وبالرغم من كده كانت قوية حافظت علي نفسها سنين وللاسف ضاعت في وجودي وما قدرتش اعمل لها حاجة.
اخفض راسه بخذل وانكسار:
-كنت متكتف عاجز حتى صوتي مكممينه مش قادر اساعدها وخايف علي رنا اللي كانت في صدمة، عجز و قلة حيلة والله يا عمي حاولت اني افك نفسي عشان أساعدها من غير فايدة نحاسبها علي ايه يا عمي وهي المظلومة.
-مش هي اللي المفروض تتحاسب يا ابني مش غلطها ولا حتى انت مهما كنت قوي انت بينهم ضعيف لو حد المفروض يتحاسب يبقي أنا اللي صدقت موتها وبعدت تخليت عنها، لا سمعت لك ولا سمعت كلام أميرة انتم حسيتوا بها وبوجعها وأنا كنت بقول انهم مش عارفين ومكذب إحساسكوا.
اجهش في البكاء:
-ماحستش ببنتي قلبي ما دلنيش انها عايشه فقدت الامل وصدقت بموتها.
– ياعمي ماتظلمش نفسك حضرتك كنت خايف علي خالتي اللي كانت تعبانة والدكتور قال لازم تبعد كمان كنت خايف تفقد حد تاني من اخواتها فكرت بالعقل والمنطق وده كان مطلوب ولازم ولو كنت فضلت هنا كنا حنوصل لنفس النتيجة لانها طول السنين دي بين اربع حيطان ممنوع عليها الخروج حتى من عتبة اوضتها ولو حصل بيعذبوها بدون رحمة.
صمت قليلا واكمل:
-ياعمي أنا استحالة اتخلي عنها أنا بحبها عايز اتجوزها منتظر بس تعدي ازمتها دي حساعدها لحد ماتقف علي رجلها وتستعيد اسمها تاني ونتجوز.
مروان وبداخله يشعر بالانهزام والقهر:
– ما بقاش ينفع يا أحمد.
أحمد مدافع عن نفسه:
-يا عمي ما تظلمنيش والله كان غصب عني اللي حصلها وأنا مش حسيب حقها واللي عمل فيها كده حدور عليه يا أحبسه يا اقتله عشان ترفع راسها من تاني.
مروان ولازال علي حاله:
-مش بحملك حاجة يا ابني ومش عايزك تحمل نفسك فوق طاقتك مالكش ذنب في اللي حصلها ارتباطكما بقي شبه مستحيل مش حاقدر اكسرها تاني.
أحمد وتملكه شعوره بالانهزام:
-موافقة حضرتك عليا تكسرها!!!
-ماتفهمنيش غلط يا ابني حالتها دلوقتي تكسرها قدام اي حد خصوصا انت وانت شوفت بنفسك حالتها، هيثم مش حيوافق يا ابني واول مرة حيكون عنده حق ومش حقدر ارفع عيني في عينه، وأنا متأكد وقتها حيسمعها ويسمعني كلام احنا في غني عنه مش عايزها تتوجع تاني يا ابني.
– أنا مش حسيبها يا عمي وشاهد علي براءتها وعلي دفاعها عن نفسها بالرغم من ان النتيجة كانت معروفة وانها الاضعف لكنها استقتلت دافعت لحد ما فقدت كل قوتها، شمس شرف لاي حد انه يرتبط بيها، دافعت عن نفسها وحمت رنا في الوقت اللي كنت أنا عاجز فيه، استحالة اسيبها حدافع عنها واستحالة اسمح لاي حد يهينها حخلي راسها دايما مرفوعة حتى لو رفضتني حكون معاها وعمري ما اتخلي عنها، ده وعد مني ليك وربنا يشهد عليه.
مروان بكسرة ووجع:
– يا ابني ماتحمّلش نفسك فوق طاقتها وما تتدخلش مع هيثم في مشاكل لانه حيكون خايف عليك وأنا معرفش لو مكانه حيكون رد فعلي ايه بنتي أنا كفيل بيها حاخدها في حضني حاخدها واسافر بعد ما اخلص اوراقها و تتم بشكل قانوني.
اتسعت عين أحمد بصدمة:
-ليه يا عمي تحكم عليا بالتعاسة والعذاب من تاني ليه تفرق بينا تاني اديني فرصة ارجع لها حقها اديني فرصة اقربها مني تاني والله العظيم حشيلها في عيني وفي قلبي، اللي بيني أنا وبابا مالوش علاقة بشمس بابا بعيد من زمان بعدنا كلنا عنه حرمنا منه وهو عايش ضحي بينا من زمان وأكد بعده لما تخلي حتى عن رنا لما اتخطفنا.
-أنا تعبان يا أحمد عايز ارتاح أنا تعبان ومحتاج ابقي لوحدي افكر في اللي حعمله.
– اتفضل بس ياريت تعيد النظر في قرارك او علي الاقل تأجله شوية اديني فرصة، فرصة واحدة بس.
لم يستطع مروان التحدث اكثر اماء له براسه وصعد إلى الغرفة التي خصصها له أحمد يفكر فبما سيحدث.
مر الوقت طويلاً علي الجميع خصوصا أحمد ظن بعثوره علي شمسه تنتهي الآمه ولكن تهشم امله بأرض الواقع، وها هو على اعتاب فراق جديد واستمرار البعد حتى بوجودها. وما زاد المه وضاعفه رد فعلها عندما علمت هويته، سأل نفسه هل تحمله ذنب ما حدث؟ وعدم قدرته علي حمايتها، هل تراه كما يري نفسه؟ التي يلومها ويأنّبها منذ تلك الواقعة بل يجلدها لضعفها وعدم قدرتها علي حمايتها او حماية اخته، فلم يشعر بالعجز يوما كما شعر به بذلك اليوم. افكار سوداء وتأنيب ضمير واحساس متجدد بالفقد والانهزام ليلة كبيسة لم يستسلم خلالها للنوم حتى أنارت الشمس سمائها.
لم تكن شمس بحال افضل صحيح لم يتركها والدها حتى غفت ،لكن غفوتها لم تدم طويلا فرات بمنامها أدم وهو في شدة غضبه يهوي علي ظهرها بحزامه ويعنفها قائلا
“قولت لك ما تنطقيش اسمه مش ترجعي له تاني”
ولم يكد يكمل جملته حتى هوي بحزامه عليها فانتفضت من نومها تشعر بألم جسدها ثم ضمت جسدها بيدها تحرك جسدها بتوتر تسترجع كل ما راه أحمد بالوكر وجميع لحظات انكسارها وتدنيسها.
اما مروان فبرغم من شدة اجهاده وحاجته للراحة الا إنه لم يستطع النوم او الرحة الا قليلا فهو يري نفسه المذنب الوحيد فهو من استسلم ولم يشعر بألم ابنته اضاعها مرتين عندها خرجت من بيته وخطفت وعندما صدق في موتها ولم يكمل بحثه عنها. تملكه الرعب، يخشي من القادم لا يعلم هل مازال هناك خطر يداهمها؟ هل تلك العصابة ستحاول الانتقام؟ هل من امر بخطفها سابقا سيحاول مجدداً؟ وشمس نفسها كيف ستواجه العالم بعد حبس دام لأكثر من ثلاثة عشر عاما وسط عالم مخيف ؟ وأخوتها كيف سيتقبلون عودتها؟ واه من اخوتها خصوصا آسر. ظل علي حالة حتى زاد عليه التعب والارهاق ومجهود السفر واقتحمه النوم بالإكراه.
اما سيف فكان يشعر بأخيه ويخاف عليه مما ينتظره بالفترة القادمة ومع ضوء الصباح وذهب إليه فهو عاد إلى فيلتهم ليطمئن والدته علي أحمد، الذي لم يخبر احد بعثوره علي شمس سواه هو ووالدها تحسبا من وجود من يحاول منعهم من اثبات هويتها قانونياً.
مع دلوف سيف للمكان جال بعينيه باحثا عن اخيه؛ فوجده جالس شارد الذهن، يبدو عليه الارهاق الشديد، مخفض الرأس، يخفيها بين كفيه، فجلس بجانبه ووضع يده علي كتفه
-كنت متوقع إنك بالحالة دي.
الفصل الثالث عشر ‘استدعاء’
أحمد بإرهاق:
-سيف أنا تعبان ومش قادر.
– شكلك باين أكيد ما نمتش ، يا أحمد حرام عليك نفسك انت سنين تعبان وبتحمل نفسك ذنب مش ذنبك. واعتقد انك كفرت عنه لما رجعتها، يبقي كفاية عليك كده.
– كنت فاكر اني هارتاح لما ترجع، وتفضل معايا لأخر العمر، بس شكلي طول عمري حدور عليها.
– ارحم نفسك، انت عملت اللي عليك وزيادة.
– أنا طالع اصحي عمي وشمس.
إتجه أحمد لأعلي فتحدث سيف بتهكم
– وهي شمس هانم مين كان بيصحيها هناك.
التفت أحمد بضيق:
– ماكنش يا سيف وهي صاحية بس مش حتخرج من الاوضة لوحدها.
بالأعلى، وقف امام غرفة شمس وطرق الباب
– شمس أنا أحمد هافتح الباب
دخل إليها وكانت علي حالتها وعندما راته اعتدلت وجلست علي طرف الفراش مخفضة الرأس تشعر وكأن العالم يدور بها أما هو فكان انكسارها كسُم يقتله بالبطيء اقترب منها بخطوات بطيئة جلس بجانبها
– إنت خايفة مني ؟ طيب إنت فاكره كنا ازاي زمان؟ – إبتسم ومسد علي رأسها- أنا إستحالة ااذيكي محدش يأذي شمسه صح ؟!
ارتعشت واغمضت عينها بألم وسالت بعض الدموع منها فسرها أحمد بخوف واتهام وتذكر أدم وخوفها علي سيرته وموافقتها علي أي طلب يقترن باسمه فانتابته الغيرة وشعر بالألم
أحمد والالم والوجع يفتك بصدره:
-حاولي تثقي فيا أنا مش حأذيكي بالعكس حكون سندك وحمايتك حجيب لك حقك وغلاوتك عندي حجيب حقك، ماتبعديش يا شمس.
لم تزيدها كلماته سوي خزيا من ذاتها وارتجافا، كما أشعلت رجفتها المتزايدة غيرته وغضبه؛ فتحدث بنبره تدل عما يحدث داخله
-متهيالي مش محتاج احلفك برحمته عشان تثقي فيا.
ثم تركها وغادر بخطوات متأججة، أغمضت عينها بحسرة وألم وحدثت نفسها كما لو كانت تخبره بما يجول داخلها:
– آاااااه يا أحمد لو تعرف كان يغير منك ازاي ومن مجرد اسمك لو غلطت مرة وقولته، كان بيغير حتى لو سرحانة بيكون متأكد اني بفكر فيك عمري مانسيتك لحظة سامحني أنا خايفة عليك مني والله خايفة عليك مش منك.
اتجه أحمد لغرفة مروان ايقظه وطلب منه المرور علي شمس يصحبها معه ثم عاد لسيف مرة أخرى وانتظر معه حتى أتي إليهم مروان، فسأله احمد متعجب من عدم مرافقتها له.
– هي شمس مانزلتش معاك ليه يا عمي.
-زمانها نازله يا ابني ماحبتش استعجلها سيبتها براحتها.
– مش حتخرج من الاوضة لوحدها يا عمي.
سيف بإشفاق علي أخيه:
-خلاص يا أحمد زمانها نازله
اجابه بانفعال:
-مش حتتحرك من الاوضة لوحدها هناك مجرد ما تخرج من أوضتها بيضربوها من غير رحمة وساعات بيعذبوها بطرق تانية وعلي قالي انها حتفضل كد كتير ولازم نساعدها تتخطي خوفها ده.
مروان بالم:
-أنا … أنا ماتخيلتش يا ابني أنا طالع اجيبها
أحمد وهو يتحرك مسرعا:
-خليك يا عمي أنا طالع.
لم ينتظر أحمد اجابة واسرع إليها فوجدها تقف بداخل الغرفة تنظر للباب بخوف تحاول ان تخطو خارجه وكان هناك من يمنعها، اقترب منها أحمد بنظرات مختلطة ما بين الم واشفاق عليها وحب واحساس بوجعها اخذ يدها وشدد عليها وحاوط كتفها بيده الاخري.
– ما تخافيش أنا دايما معاكي
نظرت له برجاء وخوف فابتسم لها وشدد من قبضة يده وحثها علي الحركة، بالأسفل كان سيف يواسي مروان الذي استقبل ابنته واخذها من أحمد وسندها واجلسها بجانبه يمدها بالأمان الذي افتقدته لسنوات
حاول أحمد تجاوز ألمه واتفق مع ومروان علي خطواتهم التالية بالقضية لعمل الاجراءات القانونية لإثبات عودة شمس رسميا بعد ان اتصلا بالمحامي الذي حدد لهم بعض الخطوات تحرك مروان وأحمد ومعهم شمس لبدء تلك الخطوات وذهب سيف لعمله.
وبالسيارة طلب أحمد من مروان الجلوس بجانب شمس بالمقعد الخلفي للسيارة ليساعدها علي تخطي شعورها بالخوف وكان يتابعها من المرآه امامه ينفطر قلبه عليها يتمني ان يكون مكان والدها، اما هي فكانت بعالم اخر مرتعبة، متوجسة، تشعر بالضياع، لا تتذكر سوي خطواتها سابقا ً نحو الضياع، تزداد رجفتها مع كل خطوة يتقدموها، تتشبث بوالدها، تنتفض كلما قابلوا احدا، أو مر من امامهم شخصاً، الأمر الوحيد الذي جعلها صامدة دون انهيار وجود والدها وأحمد، يشجعونها، يدعمونها، يمدانها بالأمان والحنان معا. مر الوقت انهوا ما أرادوا ثم عادوا للبيت وكانت حالة شمس سيئة للغاية ترتعد بقوة جلس معها والدها ولم يتركها حتى استسلمت للنوم اطمأن عليها قبل جبينها ارتسمت علي وجهه ابتسامة ذابلة وتركها لترتاح.
بالمساء جلس أحمد ومروان بغرفة المكتب
-والدتك فين يا أحمد ؟! واختك رنا عاملة ايه دلوقتي؟
– ماما في الفيلا.
تنهد بألم واكمل:
-رنا في المستشفى يا عمي مش قادرة تتخطي اللي شافته هناك لحد النهارده مش قادرة تتجاوز خوفها.
– غريبة ان والدتك ماجاتش لشمس ولا مرة
– لأني ماقولتهاش علي موضوع شمس يا عمي وبعد اذنك مش عايزين نعرف حد دلوقتي سيف الوحيد اللي عارف.
-مش فاهم يا ابني ليه؟
– ياعمي اللي خطف شمس زمان حد قريب مننا وعارف خطواتنا واحنا لحد النهاردة مش عارفين هو مين ولا حتى السبب وواضح انه ليه علاقات كتير بدليل انه حاول بعد ما رجعت يوصي عليها ظابط لولا ستر ربنا الله اعلم كان ايه حصل لها، عشان كدة حابب خطواتنا تكون مجهولة للي حوالينا لولا خوف سيف عليّا وانه مكاني ويغطي علي عدم وجودي قصاد ماما وبابا لما يرجع ماكنتش عرفته.
-أنا لحد دلوقتي مش متخيل ان في حد يعمل كل ده في طفلة ايه الدافع محدش ساومني علي اي حاجة او كلمني من زمان بس اللي سمعته منك ان الشخص ده مغلول منها 13 سنة بيدفع فلوس عشان تتهان وتتذل غير حبسها.
صمت قليلا ثم استرسل:
-طيب والدتك مش عايز تعرفها ليه؟
– عشان ممكن تتكلم مع اي حد بحسن نيه أنا حتى مش عايز بابا يعرف، عمي أنا خايف الشخص ده يحاول يزور تحليل ال DNA وده مهم جدا عشان الشكل القانوني لورقها.
-بص يا أحمد أنا عايز اعمل التحليل ده بره بردوا، المشكلة يا ابني اني لازم اسافر عشان اظبط اموري هناك واعمل التحليل بردوا واجيب أميرة والولاد.
تنهد بألم:
– أنا شايل هم اسر لما يعرف هو اصلا مشيل شمس ذنب تعب والدته وشايف انها السبب في بعدها عنهم بالرغم من انهم في بيت واحد.
– ماتقلقش ياعمي أنا مكانك هنا مش حسيبها لحظة.
-أنا متاكد يا ابني، مش عايزك تزعل مني يأحمد انت غالي عليا قوي واللي قولته علي ارتباطك بشمس مش رفض ليك بس خوف عليك وعلي بنتي خايف عليها تتعذب تاني ومش عايزك انت كمان تتعذب وانت السبب في انها رجعت لولاك كان زمانها لسه مع اللي خطفوها وكنت حفضل فاكر انها ميته.
– يا عمي صدقني عمري ما اجرحها ابدا وعذابي في بعدي عنها مش العكس، أنا كل اللي طالبه من حضرتك ماتخدهاش وتسافروا وخلي الباقي للوقت.
– حاضر يا ابني طيب الفترة اللي حسافر فيها هي حتكون فين
– هنا ياعمي وأنا حفضل معاها.
– وشغلك يا ابني، غير انها ما ينفعش تقعد معاك لوحدكم مش شك فيك وفي اخلاقك بس دي الاصول وكمان لو هيثم جه وانتم لوحدكوا حيسمعكوا كلام مالوش لازمة وماحدش حيقدر يغلطوا وقتها، كمان لما ارجع، أميرة هتكون محتاجة اختها جنبها، خالتك يا ابني حالتها وحشة فوق ما تتخيل، من يوم ما شمس غابت وهي انطفت مش حاسة بالدنيا بتقوم كل يوم تصرخ باسمها ودخلت في اكتئاب وصحتها في النازل.
– ان شاء االله تتحسن لما تشوف شمس وتاخدها في حضنها تاني، حاضر يا عمي أنا بس مش عايز شمس تروح الفيلا هناك هي من زمان بتخاف من بابا واحنا مش بنعرف مسافر امتي وراجع امتي مش عايزها دلوقتي تتقابل معاه كفاية اللي شافته، حضرتك مسافر امتي؟
-علي اخر الاسبوع كنت حاجز قبل ما انزل
– طيب يا عمي مفيش غير اني يومها ارجع بشمس علي هنا واجيب ماما هنا، زمان شمس صحيت.
مروان بابتسامة منهكة:
-طيب اطلع لها ونزلها معاك.
صعد أحمد لها ممتننا لعمه ولثقته به سعيدا لقربها واعتمادها عليه وبالأعلى طرق باب غرفتها ودخل إليها
– كنت متأكد انك صاحية
نظرت إليه بابتسامة منهكة ولم تتحدث جلس بجانبها علي الفراش واخرج من جيبه هاتف لها
– خلي ده معاكي مسجل عليه رقمي ورقم عمي مروان هنا وبره حتعرفي من الصورة بصي ده رقمي وده رقم عمي لما تصحي كلميني أنا او عمي عشان ماتفضليش لوحدك.
نظرت إليه بامتنان دون حديث
أحمد سألها بامل:
-انت مش خايفة مني صح؟
أماءت له بابتسامة تؤكد عدم خوفها
بادلها الابتسام وامسك يدها:
– طاب يلا عشان نتعشي عمي منتظرنا تحت.
تحركت معه ثم تصلب جسدها قبل المرور من باب الغرفة فحاوط كتفها بيد وامسك كفها بالاخري وهمس بأذنها
“طول ما أنا جنبك اوعي تخافي ، عايزك دايما قوية وانا عمري ما حسيبك وعد”
نظرت إليه شاكرة.
بالاسفل جلس الثلاثة بعد تناول الطعام واجلس مروان ابنته شمس بجانبه وضمها إليها يعوض فقدانها لسنوات ويشعرها بحنانه ودفئ حضنه. وسط نظرات أحمد السعيدة لاجلها واحساسه بالغيره ورغبته الشديده لضمها إليه ، وبعد فترة من الصمت قطعه مروان محدثا ابنته
-شمسي حبيبتي أنا كنت عايز اعرفك اني مضطر اسافر.
شحب وجه شمس وامتلكها الرعب لما سيسافر هل سيتركها؟، اكمل سريعا عندما رأي شحوبها
-حارجع بسرعة يا شمس بس عشان اجيب ماما واخواتك أنا بعد اللي حصل وافتكرت اني خسرتك للابد مقدرتش اعيش هنا صفيت شغلي واخدت والدتك واخواتك وسافرت الحاجة الوحيدة اللي فاضلة هنا الشقة ماقدرتش ابيعها عشان فيها ذكرياتنا، ووالدتك طلبت اني احافظ عليها ذكري منك والله يا بنتي لو كان ينفع ما اسافرش مكنتش سبتك خالص خصوصا دلوقتي بس أميرة تعبانة يا شمس والدكتور قال لازم امهد لها رجوعك.
شمس وعلي وجهها ابتسامة منهكة:
-ماما مالها؟ هو أنا ليا اخوات ؟ يعرفوني يا بابا حكيت لهم عني؟
ابتسم مروان بالم متذكر ذلك اليوم المشؤم الذي فقدها فيه:
-يومها لما روحنا للدكتور قال ان ماما حامل في توأم ولد وبنت وسميناهم اسر وسما، اما يا سيتي من جهة يعرفوكي فأنا وماما حكينا لهم كل تفاصيلك تقريبا وكل الحاجات اللي بتحبيها واللي بتخافي منها.
-ماما تعبانة مالها؟
-من يوم غيابك والمرض لازمها يا شمس.
ابتسم بأمل:
– بس خلاص ان شاء المرض حيسيبها خلاص ادام رجعتي لنا.
شمس وتملكها الانكسار لانها سبب مرض والدتها:
-أنا السبب ماكنش قصدي والله لو اعرف ان…
قاطعها مروان تحت نظرات أحمد المتالمة:
– أنا مش بلومك يا بنتي والله ومش قصدي اوصل لك ده، انت نفسك اكتر واحدة اتعذبتي يا بنتي، ارمي الافكار دي من دماغك احنا كلنا فرحانين برجوعك وأنا سفري ضروري أنا كلمت الدكتور اللي متابع أميرة وقال لازم اكون موجود وحخلص شوية حاجات في الشغل وحكلف محامي ينقل ورق اخواتك ومدارسهم مش حغيب عليكي حرجع بدري علي قد ما اقدر بالكتير اسبوع وأنا مطمن عليكي هنا أحمد معاكي وخالتك مش كده يا أحمد؟!
– في عنيا يا عمي والله. -واكمل يداخله (وفي قلبي)
شمس وهي منكسه راسها:
-اخواتي بيكرهوني يا بابا؟
-اكيد لا يا بنتي هم يمكن متضايقين لتعب أميرة بس اكيد مش بيكرهوكي.
تاكدت شمس من احساسها وازداد انكسارها، شرد مروان لثواني قصيرة وافاق من شروده علي صوت أحمد الحازم:
– ارفعي راسك يا شمس مش عايزك توطي راسك ابدا انت شرف لاي حد انت عنوان للقوة والصبر كلنا فخورين بيكي.
ابتسم مروان بحب وشكر لكلمات أحمد الصادقة وهو علي يقين انها نابعة من القلب.
شمس بألم ووجع عميق وبصوت مختنق:
-مش بفهم كتير من كلامك.
اكملت بهمس قتل أحمد ومروان من قبله:
– بس الشرف راح خلاص غصب عني والله.
نكس مروان رأسه بينما أحمد اقترب منها ورفع وجهها برقه وهدوء متألم لحالها مقتول من كلماتها ويحاول ادعاء القوة:
-الشرف ما راحش ولا حاجة انت كنت بتحاربي وانت عارفة ومتأكدة انه اقوي منك هو ماكنش لوحده بس انت كنت لوحدك وللاسف أنا كمان ما…
خانته الكلمات ولم لجد ما يقوله كيف يبرر لها وهو لا يكف عن إلآم نفسه لضعفه وعدم قدرته علي حمايتها حاول السيطرة علي ألمه وحاول تجميع شتات نفسه واكمل بصوت مهزوم:
-حجيب حقك والله العظيم حجيبه يا شمس، انت مابعتيش نفسك انت اتغصبتي وأنا مش هرتاح الا لما اقضي عليه وابعد شره عن الناس كلها.
تحدث بأمر أخر لينتشلها من سواد افكارها:
– أنا اسف لو بقول كلام مش فاهماه، أنا قصدي انك قوية واحنا عارفين ده ومبسوطين بيكي وعايزينك علي طول قوية ماشي ارفعي راسك دايما احنا كلنا معاكي وجنبك حماية وسند.
نظرت له بحب واحترام من وسط المها وانكسارها ابتسمت له وكأنها تحاول مواساته وتعلمه انها لا تحمله ذنب ما حدث. اراحته بسمتها قليلا اكملوا جلستهم بصمت وبعد قليل صعدوا يرتاحوا قليلا فالاوقات العصييه لم تنتهي بعد.
في اليوم التالي اصر مروان علي أحمد الذهاب لعمله وبقي هو مع شمس بالرغم رغبته في معرفة ما مرت به خلال السنوات الماضية الا انه لم يرد الضغط عليها كان دوما ما يبثها حنانه يمازحها ويخفف عنها حكي لها عن اخواتها ووضح لها طباع اخوها اسر وعقله وبالرغم من صغر سنه الا انه يفكر كشاب بالعشرينات من عمره متذمت احيأنا متصلب الرأي احيأنا عنيد جدا. كانت تستمع إليه مبتسمة معظم الوقت واحيأنا شارده فهمت هي ما حاول ابيها شرحه لها وتأكدت ان اخوها لن يتقبلها بسهولة او لن يفعل.
استمر الحال هكذا لثلاثة أيام يذهب أحمد لعمله ثم إلى والدته يطمانها عليه ويتصل بعلي يطمأن علي رنا ويطلعه علي الحالة اليومية لشمس وليحدد له طريقة تعامله معها ثم يعود إليها بنهاية اليوم يجلسون معاً يتحدث إليها ويحاول اشباع عينيه برؤيتها والاستماع لحديثها القصير والقليل، قصت شمس لوالدها القليل مما حدث لها السنوات الماضية لم ترد احزانه فكفا ما مر به بسببها كانت دائمة الحديث عما فعله أدم معها مع والدها وتحاول تجنب اسمه حالة وجود أحمد فهو يغار من مجرد نطقها لاسمه مشاعرها متضاربة مختلطة يسيطر عليها الخوف وبشدة من القادم تستمد القوة والامان من ابيها وأحمد، دائمة الشرود
علي الجانب الأخر كان هيثم متابع لما حدث يسب بداخله تلك العصابة المهدومة وفشل خطته التي دامت لسنوات طويلة
هيثم لنفسه:
-ماهو مش بعد السنين دي كلها والفلوس اللي دفعاتها ترجع تاني بنت مروان وتلف شبكاها علي ابني من تاني أنا سبته هو ورنا هناك مخصوص عشان جاد يغتصبها ادام عينه اكسر عنده و كبريائه واكسره ادام اخته اللي بتعامله كانه هو ابوها صحيح مش بكرهه ماهو ابني بس مش طايق وقوفه قدامي عامل فيها كبير، بيكبر عليا. بس هما أغبيه والزفت جاد ده متخلف ازاي سابو التليفون معاه وازاي وصله الخط كل حاجة كانت ماشية صح بس اتلخبطت مرة واحدة بس استحالة اسيب ابني للبت دي علي جثتي صحيح أحمد مش طوعي.
ابتسم بتهكم مسترسلًا:
-ولا حتى اخواته، بس استحالة يتجوزها حتى لو قتلتها كلها اسبوع اخلص اللي ورايا هنا وانزل مصر وافضالها بنت مروان.
اليوم السابق لسفر مروان اتي استدعاء لشمس من النيابة بضرورة الذهاب لإدلائها باقولها وكان الموعد المحدد بنفس يوم سفر والدها.
بعد استلامهم للاستدعاء جن مروان، فكيف ستذهب دونه؟ كيف ستواجه وحدها؟ وقع في حيرة كبيرة وما زاد حيرته اتصال ابنه اسر به يحثه علي الاسراع في العودة لزيادة تعب أميرة وضرورة وجوده معهم. ماذا يفعل فبنفس الوقت شمس تحتاجه هنا وبشدة شتت تفكيره وبقوة حضر أحمد سريعا عندما هاتفه مروان واعلمه بما حدث
دخل أحمد البيت بقلق وجد شمس ووالدها مروان بالأسفل وحالة مروان يرثي لها
– خير يا عمي قلقتني حصل حاجة تاني غير الاستدعاء.
– وهو ده قليل يا أحمد أنا مش عارف الظروف معانده ليه أميرة تعبانة قوي هناك والدكتور أكد عليا لازم ارجع واستدعاء شمس نفس يوم سفري لا قادر آأجل هناك ولا قادر اسيب شمس لوحدها في موقف صعب كدة.
اجابه مبتسمًا:
– شمس مش لوحدها يا عمي وأنا فين أنا معاها مش حسيبها هاروح معاها أنا والمحامي ما تقلقش عليها سافر لخالتي أميرة هي هناك لوحدها اسر لسه صغير هم محتاجين لك أكتر، شمس معايا في امان مش حسيبها لحظة واحدة.
التف لها وجدها نظراتها تحمل الكثير من المعاني فهم البعض ولم يفهم الأخر ولكنه علي يقين انه لن يتركها ولن يضيعها مرة اخري والا ستكون نهايته حتما.
سند مروان مرفقه علي قدمه ووضع راسه علي كفه:
-أنا تعبان يا أحمد ومشتت مش عايز اسيب حد فيهم لوحده أنا فرطت زمان في حق شمس ودلوقتي هسيبها في الموقف ده لوحدها تاني.
– مش لوحدها يا عمي عمري ما اسيبها لوحدها تاني ثق فيا.
اقتربت شمس من والدها وجلست بجانبه وربتت علي كتفه بيد مرتعشة:
– أنا مش زعلانة يا بابا والله وأنا مع أحمد إطّمن عليا روح لماما واخواتي وطمني عليهم نفسي اشوفهم قوي وقولهم انهم واحشيني قوي.
اخذها والدها ببن احضانه يشعرها بحنانه والأمان وكانه يعدها بسرعة عودته وهمس بأذنها:
– سامحيني يا بنتي حقك عليا
شمس بابتسامة رقيقة:
– كفاية حضنك ده يا بابا بالدنيا كلها.
تحدث أحمد بغيرة لم يستطع إخفائها فهو يشتاق لضمها كثيرا:
-كفاية بقي احضان والله اشاركوا وأنتم الخسرانين ده احب ما على قلبي.
وجه بصره علي شمس التي احرجت وبشدة بينما مسح مروان عبراته التي خانته قائلا ببسمة:
-بطل قلة ادب يا ولد أحسن والله ااجل سفري واخدها معايا.
ابتسمت شمس برقة فابتسم لابتسامتها الجميلة وقال ومازال بصره عالقا بها:
-بهزر يا عمي كان نفسي اشوف أجمل ابتسامة وشوفتها.
ازداد احراج شمس واحمر وجهها وابتسم مروان براحة وبداخله اشفاق علي كلاهما من القادم لن يرحمهما أحد ولكنه لن يتخلى عن ابنته مهما كلفه الأمر فكفاها ما حدث لها علي مدار أعوام.
– لا ما تهزرش أنا مركز خلي بالك.
ابتسم أحمد وعاد بعينيه إليها:
-والله مخلي بالي.
تحدث مروان بجدية مرة أخري:
-أنا واثق فيك يا أحمد ومتأكد إنك أكتر حد يخاف عليها وآمنه عليها، لولا إني لازم أرجع لأميرة وأخلص المتعلق هناك ماكنتش رجعت، كمان أكيد أميرة مشتاقة لشمس ما ينفعش أفرح لرجوعك لوحدي يا شمس نفسي بالها يرتاح وترجع تاني بسمتها تنور من تاني. مش حتاخر يا بنتي حقصّر الوقت علي قد ما أقدر المهم أنت خلي بالك من نفسك و اسمعي كلام أحمد.
أماءت شمس مبتسمة لوالدها تخفي بعض القلق الذي بداخلها وهو شعر بها حرص علي ضمها كثيرا ووعدها بسرعة عودته مرارا، وذلك تحت انظار أحمد المحبة الممزوجة بالغيرة.
مر اليوم وأتي موعد طائرة مروان ودعهم وترك عقله وقلبه مع ابنته العائدة. بعدما غاب مروان عن مرمي بصرهم إلتفت أحمد لشمس وجد عينها متعلقة بمكان دخول والدها حاوط كتفها بكفيه وحدثها يطمئنها
-مش حيغيب، ما تقلقيش، أنا جنبك ومعاكي حتى لما يرجع أنا معاكي دايما.
نظرت إليه بشكر وبعينها دمعات حبيسه
فأكمل
– أنا عارف إنك خايفة من مشوار النهاردة وكان نفسك يكون معانا هو مش بإيده، أنا معاكي مش حسيبك أبدًا (نظر لها مبتسما) تعالي نفطر الأول عشان اليوم طويل وهناك حنقابل المحامي حيكون معاكي جوة وكمان عمي سالم والد علي موصي عليكِ شرح لهم موقفك وهما متعاطفين معاكِ وحيعاملوكِ كويس، كلهم عارفين انك تعذبتي وانك أقوي وأجمل بنوتة في الدنيا.
ابتسمت بوهن فجذبها إليه مبتسما يلا بينا
مر الوقت ذهبوا إلى النيابة دخلت شمس مع المحامي، دعمها أحمد وقواها بكلماته لتواجه ما هو أتي، ثم انتظر بالخارج يجوب المكان ذهابا وايابا، يعد الثواني، يؤلمه قلبه يشعر بخوفها وعذابها.
بالداخل بعد البدايات المعتادة
وكيل النيابة:
– احكي لنا يا شمس اللي شوفتيه هناك وقولي كل الأسماء اللي تعرفيها أي معلومات حتقوليها تساعدنا نوصلهم وننقذ ناس تانية منهم
بدأت شمس تقص عليهم ما حدث لها باليوم الذي ذهبت فيه إليهم وما حدث بعد ذلك إلى وقت الذي قتلوا فيه أدم.
وكيل النيابة:
-ده بس يا شمس يعني ما تعرفيش حاجة عن الناس اللي خطفوهم ثابت عندي هنا انهم كانوا بيخلوكي تخدمي الناس اللي بيخطفوهم
شمس وترتعش صوتها:
-كانوا بيخلوني أخدم المهمين بس اللي حيقبضوا منهم فلوس كتير اللي أعرفه إنهم بيشتغلوا مع ناس اللي عندهم تجارة كبيرة اللي اسمهم…
وكيل النيابة:
-رجال أعمال
-أيوة هي دي
وكيل النيابة بابتسامة:
-كملي سامعك
-ساعات كانوا بيدخلوا ستات اللي هما عايزنهم يحملوا عندي اخدمهم وكمان عشان أخاف.
وكيل النيابة:
– أنا عايز أفهم أكتر أحكي كده براحة اللي عارفاه.
أمات موافقة وأكملت:
– ساعات بيخطفو عشان بياخدوا حتت من جسمهم زي كلي قلب بيكون في دكتور بيكشف عليهم وبياكلوهم كويس وبعد كده ياخدوهم مش ييرجعوا تاني.
ازداد ارتجافها:
– وفي بنات بيخطفوهم بيكون حد قالهم عليهم أو نصيبهم وقعهم في ايدهم بيـ… بيربطوهم وبيقطعوا هدمهم ويخلوا جاد اكتر الأوقات ياخدهم بالعافية.
سقطت دموعها بغزارة:
-بسمع صريخهم وهما يتحايلوا عليهم يسيبوهم.
وضعت يدها علي أذانها وكأنها تسمع توسلاتهم وصراخهم الآن:
– ماكنش حد حتى بيرد عليهم كانوا يصرخوا ويستنجدوا جامد. كنت بسمع صوت ضربهم وأنا في اوضتي.
ضمت نفسها بيديها:
-كانوا كانوا بيدعوا انهم يموتوا من الوجع.
صمتت تستجمع قواها وازدادت شهقاتها:
-لما يتأكدوا انهم حملوا كانوا يدخلوهم عندي اخدمهم لحد ما يولدوا وياخدوا العيل.
نظرت إليه بوجهٍ احمر من كثرة البكاء:
– كانوا بيسبوها عندي لحد ما دمها يتصفى ويموتوا بعدين ياخدوهم يدفنوهم .
عادت تبكي بقوة ثم اكملت:
– مرة واحدة فضلت تفرك لحد ما سقطت وما بقتش حامل.
سرت يجسدها انتفاضة قوية:
-ضربوها من غير رحمة واستنوا لحد ما الدكتور قال انها بقت كويسة ممكن تحمل تاني اخدوها كلهم واحد ورا واحد كنت بتستخبي ورا الصناديق وأسمع آهاتها ما كانتش قادرة تتكلم تلات … تلات أيام ورا بعض عقاب ليها وبعد كده حسب ما الدكتور قال ولما حملت وولدت وعملوا زي اللي قبلها.
وكيل النيابة:
-اهدي وإشربي الماية دي اهدي
اخذت شمس الكوب بصعوبة بالغة و سكب معظمه علي ملابسها من شدة ارتجافها.
وكيل النيابة:
-وبعدين كملي
-لو المخطوفين للتهديد المعاملة مختلفة ملوكي أكل وشرب شوية تهويش خفيف بس. كنت براعي أي حد يدخل عندي ولو جاد او حد حاول يضايقهم بقف له باللي أقدر عليه
وكيل النيابة:
-وأنت بالنسبة لهم ايه؟
-اللي أعرفه إن حد كبير بيشتغل معاهم هو اللي قال لهم ويحدد لهم يعملوا إيه ضرب حرق.
نكست راسها وارتعشت وكان احدهم يصعقها بالكهرباء:
-لحد …لحد اخر مرة لما جاد… جاد… اكل التفاحة
المحامي:
– قصدها اليوم اللي جاد اعتدي عليها ، ياريت حضرتك كفاية كدة سيادتك شايف حالتها بقت ازاي كده كتير عليها
وكيل النيابة:
-خلاص فاضل كام سؤال عشان ما نضطرش نستدعيها تاني قريب قولي لي يا شمس كانوا يتعاملوا معاكي ازاي؟
-علي طول في اوضتي ممنوع أخرج منها من غير المعلم أو المعلمة يأمروا ولو حصل بتعاقب ساعات ضرب بالعصاية او الكرباج وكتير حرق وساعات الاثنين، ضهري كله علامات مكان الحروق
وكيل النيابة:
-وأسر الطفل اللي دكتور أحمد قال عليه
شمس بدموع القهر:
-جه غلط كانوا حيقتلوه دخل عندي يساعدني.
ازدادت دموعها وشهقاتها وارتجافها بدرجة اخافتهم عليها وظهر صوتها متقطعا يكاد لا يسمع:
-لحد ما جاد قتله قدامي عشان يقهرني عليه.
المحامي:
– ارجوك كفاية حتى لو حتيجي تاني. هي مش حتقدر تستحمل أكتر من كده وسيادتك شايف حالتها.
وكيل النياية بتعاطف معها:
-خلاص خلاص اهدي، خلاص تقدروا تتفضلوا.
ساعدها المحامي لتقف وتتحرك معه وامام الباب كان أحمد في حالة يرثي لها وما أن رآها بهيئتها تلك ساندها بلهفه وألم لحالتها اجلسها بجانبه يضمها إليه لعلها تهدأ قليلا.
– هي مالها ايه اللي حصل جوه؟!
المحامي بتعاطف معها: يا ابني دا اللي شافته السنين اللي فاتت يشيب أنا تعبت وأنا بسمع بس خدها وحاول تهديها شوية ربنا يكون في عونها
همست شمس بوهن:
– مشيني والنبي يا أحمد رجعني البيت تعبانة قوييي
حاوطها بيديه ووقف وأوقفها معه:
-تعالي يا شمس
تحركت معه بوهن ترتجف بشدة تعاد امام عينها كل ما مرت به وعاشته منذ دخولها ذلك الوكر كانت تجاهد لإخراج نفسها من دوامة ذكريات الماضي القريب، لكنها فشلت خصوصا عندما صعدت السيارة بجانبه ومع الزحام وازياد الوجوه حولها ازداد خوفها وتحول لرعب تري وجه جاد والمعلمة بكل من حولها ازداد ارتجافها وعلا آنينها تعاد مشاهد الفتيات المختطفات لحظة اغتصابهن ولحظة اخذ اطفالهن وكذلك صورتهم لحظة وافتهن وتعاد لحظة انتهاكها أمام عينها تشعر بلمساته المقيتة علي جسدها تشعر بأنفاسه الكريهة، تابعها أحمد منذ ركوبها معه يحدثها ولكنها لم تكن تسمعه من الأساس
– اهدي يا شمس عشان خاطري حقك عليا والله كان لازم تروحي النهاردة ماكنش ينفع ماتروحيش، خلاص اهدي طيب.
وضع يده علي كتفها يربت عليها ليبثها الأمان ولكن هي شعرت وكأن جاد معها صرخت صرخة مكتومة وتكورت علي نفسها تردد نفس الكلمات التي قالتها يومها
“ابعد عني ، ابعد عني بقا“
وزع أحمد نظراته بينها وبين الطريق يضرب بيده المقود بغضب وقلة حيلة
– فوقي يا شمس أرجوكِ فوقي حرام عليكِ نفسك.
الفصل الرابع عشر’ مواجهة’
فقد الأمل في إفاقتها فاتصل بعلي صديقه
– أنت في المستشفى؟
-الناس تقول صباح الخير السلام عليكم الو حتى.
أحمد بعصبية وقلق واضحين:
-مش وقته يا علي أنت فين تعالي على المستشفى بسرعة.
رد عليه بجدية:
-أحمد الزيارات لأختك ممنوعة مش عايزين نرجع للصفر تاني لما صدقت تقدمت شوية قولت لي كذا مرة وكان ردي دايما لسه مش دلوقتي.
أغمض عينيه بألم فهو لا يقوي علي مساعدة أحب الناس إليه أخته وحبيبته رد عليه بألم وقهر:
-شمس تعبانة يا علي كنا في النيابة ومنهارة بتإن وتصرخ تقريبا مش سامعاني.
علي وتملكه الإشفاق علي رفيقه:
-أنا اسف مسافة السكة وأكون هناك سلام.
حاول أحمد تهدئتها ولكنها كانت حبيسة ذكرياتها. قاد إلى مشفى صديقه وهو تحت ضغط عصبي شديد مكتوف الأيدي لا يستطيع وقف معاناتها وعذابها.
وصل أخيراً صف سيارته واقترب منها حاول طمأنتها، كانت تإن بوجع مرددة
– ابعد عني ، ابعد عني بقا“
– اهدي يا شمس اهدي أنا أحمد مش هو اهدي عشان خاطري.
جذبها إليه وأخذها للداخل بالرغم من اعتراضها ومحاولتها الواهنة لإبعاده، بالداخل وجد علي ينتظره أخذها معه لغرفتها حاول إخراج أحمد
– مش حسيبها يا علي ما تحاولش هي بتخاف من الحقن براحة عليها.
بجدية واضحة أجابه:
– أحمد لو سمحت أخرج خلينا نتعامل معاها وإطمن عليها ثواني وحتنام اتفضل بقي.
لم ينتظر علي تحركه دفعه للخارج وأغلق الباب وعاد إليها مارس دوره بجدية حقنها بمهدئ ومنوم وبعد ثواني وجد أحمد يدخل إليهم مرة اخري وعلي وجهه القلق الشديد والتوتر نظر علي إليه ولم يتحدث. اقترب أحمد منها ووقف أمامها ومسد علي رأسها بحنان وقلق ثم حدث علي.
– مش قادر يا علي اسيبها بالحالة دي وانتظرها بره مش قادر.
ابتسم علي بإشفاق عليه ولم يتحدث وبعد قليل اطمئنوا انها دخلت في سبات عميق فقام علي ومسك يد أحمد وهمس له
– لازم نسيبها ترتاح يا أحمد تعالي معايا اسمع منك عشان افهم اللي حصل لها
اعترض أحمد بالبداية فضغط عليّ على نقطة ضعفه
– مش حسيبها يا علي
– مش عايزك تسيبها أنا عارف انك ماصدقت لقيتها أنا عايزك تساعدها لازم اسمعك عشان تعرف تتعامل معاها لما تفوق هي دلوقتي نايمة مش حاسه بحاجة لمدة ساعتين هي محتاجة ترتاح ولازم افهم منك اللي حصل ولا انت عايزها تفضل تعبانة كدة؟!
استسلم أحمد وتحرك معه علي مضض دخل معه مكتبه قص له ما حدث
-اللي حصل لها ده طبيعي جدا هي عاشت سنين في قهر وخوف، يا دوب بدأت تحس بالأمان سفر باباها واستدعائها اللي رجعها بذكرياتها لأسوأ سنين وأسوأ حاجات مرت بها، وبردوا بتحاول تفضل ثابتة وقوية وده ضغط كتير عليها هي محتاجة تنفس عن ضعفها وتعبها وبتقاوم وعقلها الباطن بيضغط عليها عشان تفرغ شحنتها هي وقعت في النص الحالة إلى هي فيها متوقعه وممكن تكون أسوأ لكن هي قوية فعلا لما حتفوق حترجع تاني زي ما كانت قبل كدة بس لو اتعرضت لضغط تاني ممكن يحصل أكتر، ممكن للأسف يحصل انهيار عصبي.
عند هذه النقطة ثار وتحدث بصراخ وصوت عالٍ:
-ليه هي بيحصل لها كده؟ ليه؟ كانت طفلة طيبة ورقيقة، تعاملت مع اسوأ انواع البشر، تعبت وعانت واتبهدلت واتعذبت يا علي ليه؟ ليه بيحصل لها كده؟ ليه أنا دايما عاجز قدامها؟ ليه مش قادر اساعدها ؟
علا صوته بشده وبصراخ حاد
– عاجز عن حمايتها حتضيع مني تاني ليـــــه ليه ليه يا علي جاوبني، لازمتي ايه وأنا عاجز امنع عنها المها او ادويها هي او رنا اغلي اتنين عندي واقف امامهم مشلول وعاجز.
وصل أحمد لأقصى درجات العصبية وأصبح علي حافة الانهيار وقف علي امامه مسك بساعديه يحاول تهدأته
علي بصوت عالي:
-اهدي يا أحمد مش كدة انت عملت كل اللي تقدر عليه لكن ده قدرهم ونصيبهم ما نقدرش نمنعه عنهم.
لم يتجاوب معه أحمد بل زاد انفعاله دفع يد علي بعيدا وظل بجوب المكان ذهابا وايابا مرددا مرارا
– ماتقولش اهدي قولي اعمل إيه ابعد الوجع والاذي عنهم ازاي ماتقولش اهدي.
بعد كفاح طويل معه استطاع علي اخيرا تهدأته واقناعه بالجلوس معه
– ايوة كدة اقعد عشان نعرف نتكلم لازم ترتاح يا أحمد انت كدة بتدمر أعصابك يا أخي على الأقل عشان تقدر تقف جنبهم وتساعدهم شمس ورنا محتاجينك
جلس أحمد علي الأريكة ارجع رأسه للخلف وسند يده علي جبهته مغمض العين من فرط العصبية والتوتر.
– أنا تعبان قوي يا علي تعباااااااان بجد حاسس اني في سباق ومهما عملت مش قادر اتقدم.
-أنا حطلب لك عصير ليمون يهديك ثواني وراجع
خرج علي لثواني وعاد إليه مرة اخري
علي: أحمد إرتاح شوية نام علي ما تفوق طيب.
– مش قادر صدقني.
– علي فكرة شمس قوية مش ضعيفة بس محتاجة تفرغ الشحنة اللي جواها وإنت مش مقصر معاها يا أخي ده أنت ملازمها من وقت ماخرجت أما رنا فأنا قولت لك هي مش خايفة منك بالعكس هي مكسوفة منك وشايفة إنها السبب في كل اللي حصل.
قطع حديثهم دخول الممرضة بالعصير قدمته لأحمد أولًا ثم علي وأماءت لعلي بابتسامة ثم خرجت وأكمل علي حديثه مع أحمد وبعد فترة وجد أحمد نفسه لا يقوي علي الحديث ولا حتى علي فتح عينيه فاستسلم رغم عنه.
تحدث علي باسف :
-أنا اسف يا صاحبي كان لازم ترتاح شوية عشان كدة حطيت لك المهدئ في العصير. إنت كده بتنتحر بالبطيء وبتحرق اعصابك.
عدل وضعه علي الأريكة ثم غادر الغرفة، بعد حوالي الساعة عاد علي لمكتبه فوجد أحمد افاق اعتدل في جلسته يسند مرفقيه علي قدمه يخفي وجهه بكفيه.
– بقيت احسن دلوقتي.
– الحمد لله اسف يا علي أنا عارف اني تعبك معايا.
علي بابتسامة:
-عادي يا عم ما أنا تعبتك بردوا لما مراتي كانت حامل في المتابعة والولادة وشكلنا كدة حنتعبك تاني لانها مش مرتاحة مع الدكتورة اللي رشحتها لنا ومستنياك بس تفوق ونعذبك معانا .
ابتسم أحمد بوهن:
-هي شمس حتفوق امتي.
– أنا كنت مديها مهدئ قوي هي علي وشك انها تفوق ، مسافة ما نشرب اتنين قهوة.
– ياريت من غير مهدئ المرة دي.
– خليك هادي كدة وأنا مش ححط لك حاجة تمام.
تناولوا القهوة معا ظل أحمد يساله عن شمس ورنا وبعد قليل دخلت الممرضة إليهم.
– دكتور علي الحالة اللي مع دكتور أحمد فاقت ورافضة تتكلم.
انتفض أحمد واقفا وأسرع إليها ولم يلتفت لعلي الذي ناداه ليطمئنه. دخل غرفتها فوجدها ضامة قدميها إليها تحتضنهم خافضة وجهها تجاه قدميها تخفيه بهما كاد أن يتحدث يطمئنها بوجوده لكنه وجدها ترفع وجهها تجاهه بأمل أن تجده وارتسمت علي وجهها ابتسامة راحة لوجوده معها، دخل علي خلفه شاهد ما حدث ابتسم براحة يراقب ما يحدث، بينما اقترب أحمد منها ومسد على رأسها بحنان
– انت كويسه؟
أماءت بابتسامة تطمئنه
تحدث علي ببشاشة:
-حمد الله علي السلامة يا انسة شمس.
ارتجفت شمس قليلا فتحدث أحمد ليطمئنها
ـ ده دكتور علي صاحبي دي المستشفى بتاعته هو اللي بيعالج رنا.
نظرت إليه شمس:
-هي رنا كويسة عاملة ايه دلوقتي؟
علي ببشاشة:
– كويسة يا سيتي ومالهاش كلام غير عليكِ.
ابتسمت شمس:
-هو أنا ممكن اشوفها.
علي بتفكير:
-الزيارة ممنوعة بس ممكن أعمل اك استثناء.
نظر إليه أحمد بأمل ان يسمح له برؤيتها فاكمل علي
-الإستثناء لها لوحدها.
نظرت شمس لأحمد فهي لم تفهم قصد علي
– هو مانع عنها الزيارة، أنتِ بس ينفع تشوفيها.
إبتسمت له بإشفاق فهي تعلم جيدا مشاعره التي يحاول جاهدا إخفائها عنها.
رافقهما اليها، دلفت شمس إليها فوجدتها منكمشة علي نفسها بوضع الجنين، ترتجف، نظرت اليها بآسى، تعلم إحساسها جيدا، فقد عايشته سابقا وعانت سوءاته، فانفطر قلبها حزنا وإشفاقا عليها. اقتربت منها بخطوات بطيئة مسدت علي رأسها بحنان انتفضت رنا بخوف وصدرت عنها صرخة مكتومة، وما أن رأت شمس رددت اسمها بخفونت والقت نفسها بين ذراعيها تتشبث بها.
-أنا خايفة قوي كل ما بنام ألاقي نفسي هناك بخاف انام.
لم تجد شمس ما تهون به عليها حالها سوى، عناق قوي يبثها مشاعر الحنان، تربت علي ظهرها وتمسد علي رأسها بحب، وظلوا هكذا لبعض الوقت.
أمام بالخارج، فبعد دخول شمس مباشرتا نكس أحمد رأسه بخزي؛ فحدثه علي يخفف ويهون عليه.
– يا ابني فُك شوية، هون علي نفسك يا أحمد، لسه المشوار طويل.
– قولي إزاي؟ وأنا عاجز ومشلول قدام أهم ناس عندي، اختي اللي بقيت مصدر خوف لها، صورتي في عنيها اهتزت، أو يمكن انهارت كمان، بعد ما شافتني ضعيف وعاجز عن حمايتها، اتصدمت فيا، ده غير شمس، إنت بنفسك شوفت عاملة إزاي.
– غلط، تفكيرك غلط، رنا مش خايفة منك، هي مكسوفة منك، محملة نفسها ذنب اللي حصل هناك، حتى اللي حصل لشمس، شايفة إنها السبب، أما شمس.
ابتسم براحة وغمز له:
– فشوفت إنها بتحبك زي ما أنت بتحبها يا عم.
نظر أحمد له باهتمام تبعتها ضحكة استخفاف، فاسترسل علي موضحًا:
-ما تستخفش بكلامي، أما فاقت ما ارتاحتش غير لما شافتك، خافت مني، وبكلمة منك اطمنت، وجودك معاها طمنها، مش بتتكلم ده طبيعي، هي مش راجعة من السخنة ولا من رحلة ، حالتها دي طبيعية، اعذرها واستحملها، بسببك هاعمل أكبر غلطة مهنية في حياتي.
– علي، مش وقت هزارك ابدا، انت شايف اني تعبان.
-ما هو بسبب تعبك ده حرتكب خطأ مهني، يا سيدي هَخليك تسمعهم من غير يشفوك، ربنا يسامحني بقي.
نظر أحمد له بذهول، فوجد علي يجذبه نحو باب غرفة اخته، فتحه بهدوء، دون ان تلاحظ اي منهما، كانت شمس تحدث رنا بابتسامة عذبة
-بقيتي احسن؟
– هو أنت فعلا بنت خالتو أميرة اللي كنت تايهة من زمان؟
أماءت لها بابتسامة حزينة فأكملت رنا:
-آبيه أحمد كان دايما بيدور عليكِ، هو أبيه زعلان مني، صح؟ كلكوا زعلانين مني، أنا خايفة قوي.
-أحمد زعلان عشانك، خفي وارجعي عشان يبقي مبسوط.
-هو ممكن يكون سامحني؟ عشان لاقيناكي، قالي ان عمره ما يسيبني واني بنته مش اخته بس، وحيفضل يحبني ويحميني دايما.
– انت رديتي علي نفسك اهو، أحمد قد كلامه دايما، بيعمل اللي يقول عليه.
– لو خرجت حتحميني؟ حتفضلي معايا؟
نكس أحمد راسه بخزي تأكد إنه لم يعد مصدر أمانها، وزادته إجابة شمس حزناً.
– عارفة زمان كنت دايما خايفة، وحاسة إني ضعيفة، لحد ما حد قالي إني قوية ومش عارفة، وعلمني ازاي ابين قوتي واستخدمها وقت اللزوم.
– أدم، عشان كدة دايما خايفة علي سيرته.
-أيوة آدم، حعلمك ازاي تبقي قوية وتدافعي عن نفسك.
– بس انت قولتي إنه كان بيضربك جامد.
ابتسمت بألم:
– مش حعمل كدة ما تخافيش.
أحكم علي غلق الباب ونظر إلى أحمد مبتسماً
– اديك سمعت بودانك أهو، اختك خايفة علي زعلك، أو إنك تتخلي عنها، وشمس اعتقد سمعت كلامها عنك، ارحم نفسك بقي، اهدي علي نفسك.
-سمعت اني مابقتش أمان أختي، وإن حد تاني علم شمس تبقي قوية.
تحدث علي بجدية قصدها
-بص يا أحمد، خطف شمس زمان قدر، كان حيصل، حيحصل، خطفك انت ورنا بكل الوحش اللي فيه رجع لكم شمس، وانت شوفت حصل لها ايه، ولولا وجودك معاها كانت ماتت هناك، وانت بنفسك انقذتها من الموت ٣ مرات، رنا بالرغم من اللي هي فيه دلوقتي، لكنها هاتخف ان شاء الله، وحتبقي اقوي من الأول كمان، الدور والباقي عليك، ياما تفضل تقوم بدور البطل زي ما كانت شمس شايفاك من زمان، يا أما تفضل في دور المنهزم، اللي انت حابس نفسك فيه.
ربت علي كتفه بتشجيع مسترسلًا:
– خليك البطل يا أحمد، كلهم محتاجينك عشان يقدروا يقوموا ويكملوا، فكر كويس.
أنهى كلماته ثم التف وطرق الباب ليدلف إليهما، وتحدث بابتسامة:
– لا دا احنا اتحسنا قوي، هو تاثير الآنسة قوي كدا، انا أسمح لها بالزيارة بعد كده.
شمس باستحياء وعينها مثبته علي الباب منتظرة أحمد:
-هي حتخف بسرعة، وترجع لنا، زي ما اتفقت معاها.
– لا دا انت تشتغلي معانا، نستاذنك يا رنا كفاية كدة النهاردة.
مسدت شمس علي رأسها وحدثتها بأذنها:
-غمضي عينك نامي لو لقيتي نفسك هناك دوري عليا حتلاقيني أنا وأحمد معاكي متخافيش ابداً.
ثم قبلت جبينها مبتسمة وتحركت نحو الباب وقفت أمامه والتصقت قدمها بالأرض تنظر له وصدرها يعلوا ويهبط ثم أغلقت عينها بقوة وأخذت قرارها للعبور كان د/علي يلاحظها ابتسم بخفة ثم فتح الباب فظهر أحمد و التفت إليها مبتسما، مد يده اليها تنفست الصعداء، نظرت إليه شاكره، وخطت نحوه مطمئنه، حاوط كتفها بيد وبالأخرى امسك يدها وشدد عليها يمدها الحنان، وكأنه يعتذر لها عن احداث اليوم، وما حدث لها علي مدار أعوام، وبالسيارة بعد أن جلس كلاهما أرجع ظهره للخلف، أغمض عينيه، ووضع يده علي رأسه، تنهد بقلة حيلة، لثواني نسي وجود شمس جانبه، وانتبه علي كفها الموضوع علي كتفه يدعمه وصوتها الهادئ
-حتبقي كويسة ما تقلقش.
نظر إليها مبتسما يتأكد من كونها حقيقة بجانبه، تشعر به تجيبه دون سؤال، ارتفعت روحه المعنوية، لاهتمامها، وقبل أن يتحدث ارتفع رنين هاتفه برقم والدته؛ فأجاب عليها، وجدها تهمس بنبرة مرتجفة، يصل إليه صوت والده الصارخ أكثر وضوحا من صوتها.
– أحمد، انت فين؟ تعالي دلوقتي علي البيت، ايه اللي بيحصل فهمني؟ ابوك حالته صعبه قوي، وسيف مش هنا.
أحمد بقلق بالغ:
-ماما خليك بعيدة عنه على قد ما تقدري، مسافة السكة أكون عندك، لو سمحتى بلاش أي كلام، لحد ما اوصل.
أنهى المكالمة، ثم أدار السيارة بسرعة وهو يحدث شمس.
– أنا اسف يا شمس، مضطر أروح الفيلا عند ماما، مش إللي إحنا قاعدين فيها، ما كنتش عايزك تشوفي بابا علي الأقل النهاردة، بس مش هأقدر أسيب ماما لوحدها، أنا اسف.
شحب وجهها ولم تتحدث فهي تخشي والده منذ طفولتها ومتأكدة إنه لا يحبها بل ويبغضها.
وكأن اليوم لا يريد ان ينقضي فهو مليء بالأحداث السيئة. عم الصمت طوال الطريق تحاول شمس تقوية نفسها تتخيل ما يمكن أن يحدث تهدئ نفسها وتطمئنها بوجود أحمد بجانبها، أما أحمد ففي حالة من التوتر فبالتأكيد لا يريد مواجهة والده اليوم ولكن لا مفر من ذلك يخشى حدوث مشادة بين والديه قبل وصوله يخشي علي والدته بشدة من بطش والده.
اخيراً وصل البيت ترجل من السيارة وجذب شمس إليه أخذ يدها وضغط عليها، نظر إليها
– مش عايزك تخافي ولا تقلقي مهما حصل جوة أنا معاكي إستحالة اسيبك أموت ولا إنك تبعدي عني تاني اللي حيحصل جوة مالوش علاقة بيكي أبدًا.
أماءت له ممتنه فاكمل:
– خليكِ جنبي جوة ما تبعديش عني.
تحركوا للداخل فوجد والده يقف بمنتصف المكان ينظر لوالدته بغضب شديد يستمع إليها
– إستحالة أصدق أحمد لا يمكن يعمل حاجة زي دي أنا متأكدة من أخلاق ابني حرام عليك بقي ارحمنا إنت إيه ؟ يا اخي ارحمنا بقى.
إتجه أحمد لأعلي فتحدث سيف بتهكم
– وهي شمس هانم مين كان بيصحيها هناك.
التفت أحمد بضيق:
– ماكنش يا سيف وهي صاحية بس مش حتخرج من الاوضة لوحدها.
بالأعلى، وقف امام غرفة شمس وطرق الباب
– شمس أنا أحمد هافتح الباب
دخل إليها وكانت علي حالتها وعندما راته اعتدلت وجلست علي طرف الفراش مخفضة الرأس تشعر وكأن العالم يدور بها أما هو فكان انكسارها كسُم يقتله بالبطيء اقترب منها بخطوات بطيئة جلس بجانبها
– إنت خايفة مني ؟ طيب إنت فاكره كنا ازاي زمان؟ – إبتسم ومسد علي رأسها- أنا إستحالة ااذيكي محدش يأذي شمسه صح ؟!
ارتعشت واغمضت عينها بألم وسالت بعض الدموع منها فسرها أحمد بخوف واتهام وتذكر أدم وخوفها علي سيرته وموافقتها علي أي طلب يقترن باسمه فانتابته الغيرة وشعر بالألم
أحمد والالم والوجع يفتك بصدره:
-حاولي تثقي فيا أنا مش حأذيكي بالعكس حكون سندك وحمايتك حجيب لك حقك وغلاوتك عندي حجيب حقك، ماتبعديش يا شمس.
لم تزيدها كلماته سوي خزيا من ذاتها وارتجافا، كما أشعلت رجفتها المتزايدة غيرته وغضبه؛ فتحدث بنبره تدل عما يحدث داخله
-متهيالي مش محتاج احلفك برحمته عشان تثقي فيا.
ثم تركها وغادر بخطوات متأججة، أغمضت عينها بحسرة وألم وحدثت نفسها كما لو كانت تخبره بما يجول داخلها:
– آاااااه يا أحمد لو تعرف كان يغير منك ازاي ومن مجرد اسمك لو غلطت مرة وقولته، كان بيغير حتى لو سرحانة بيكون متأكد اني بفكر فيك عمري مانسيتك لحظة سامحني أنا خايفة عليك مني والله خايفة عليك مش منك.
اتجه أحمد لغرفة مروان ايقظه وطلب منه المرور علي شمس يصحبها معه ثم عاد لسيف مرة أخرى وانتظر معه حتى أتي إليهم مروان، فسأله احمد متعجب من عدم مرافقتها له.
– هي شمس مانزلتش معاك ليه يا عمي.
-زمانها نازله يا ابني ماحبتش استعجلها سيبتها براحتها.
– مش حتخرج من الاوضة لوحدها يا عمي.
سيف بإشفاق علي أخيه:
-خلاص يا أحمد زمانها نازله
اجابه بانفعال:
-مش حتتحرك من الاوضة لوحدها هناك مجرد ما تخرج من أوضتها بيضربوها من غير رحمة وساعات بيعذبوها بطرق تانية وعلي قالي انها حتفضل كد كتير ولازم نساعدها تتخطي خوفها ده.
مروان بالم:
-أنا … أنا ماتخيلتش يا ابني أنا طالع اجيبها
أحمد وهو يتحرك مسرعا:
-خليك يا عمي أنا طالع.
لم ينتظر أحمد اجابة واسرع إليها فوجدها تقف بداخل الغرفة تنظر للباب بخوف تحاول ان تخطو خارجه وكان هناك من يمنعها، اقترب منها أحمد بنظرات مختلطة ما بين الم واشفاق عليها وحب واحساس بوجعها اخذ يدها وشدد عليها وحاوط كتفها بيده الاخري.
– ما تخافيش أنا دايما معاكي
نظرت له برجاء وخوف فابتسم لها وشدد من قبضة يده وحثها علي الحركة، بالأسفل كان سيف يواسي مروان الذي استقبل ابنته واخذها من أحمد وسندها واجلسها بجانبه يمدها بالأمان الذي افتقدته لسنوات
حاول أحمد تجاوز ألمه واتفق مع ومروان علي خطواتهم التالية بالقضية لعمل الاجراءات القانونية لإثبات عودة شمس رسميا بعد ان اتصلا بالمحامي الذي حدد لهم بعض الخطوات تحرك مروان وأحمد ومعهم شمس لبدء تلك الخطوات وذهب سيف لعمله.
وبالسيارة طلب أحمد من مروان الجلوس بجانب شمس بالمقعد الخلفي للسيارة ليساعدها علي تخطي شعورها بالخوف وكان يتابعها من المرآه امامه ينفطر قلبه عليها يتمني ان يكون مكان والدها، اما هي فكانت بعالم اخر مرتعبة، متوجسة، تشعر بالضياع، لا تتذكر سوي خطواتها سابقا ً نحو الضياع، تزداد رجفتها مع كل خطوة يتقدموها، تتشبث بوالدها، تنتفض كلما قابلوا احدا، أو مر من امامهم شخصاً، الأمر الوحيد الذي جعلها صامدة دون انهيار وجود والدها وأحمد، يشجعونها، يدعمونها، يمدانها بالأمان والحنان معا. مر الوقت انهوا ما أرادوا ثم عادوا للبيت وكانت حالة شمس سيئة للغاية ترتعد بقوة جلس معها والدها ولم يتركها حتى استسلمت للنوم اطمأن عليها قبل جبينها ارتسمت علي وجهه ابتسامة ذابلة وتركها لترتاح.
بالمساء جلس أحمد ومروان بغرفة المكتب
-والدتك فين يا أحمد ؟! واختك رنا عاملة ايه دلوقتي؟
– ماما في الفيلا.
تنهد بألم واكمل:
-رنا في المستشفى يا عمي مش قادرة تتخطي اللي شافته هناك لحد النهارده مش قادرة تتجاوز خوفها.
– غريبة ان والدتك ماجاتش لشمس ولا مرة
– لأني ماقولتهاش علي موضوع شمس يا عمي وبعد اذنك مش عايزين نعرف حد دلوقتي سيف الوحيد اللي عارف.
-مش فاهم يا ابني ليه؟
– ياعمي اللي خطف شمس زمان حد قريب مننا وعارف خطواتنا واحنا لحد النهاردة مش عارفين هو مين ولا حتى السبب وواضح انه ليه علاقات كتير بدليل انه حاول بعد ما رجعت يوصي عليها ظابط لولا ستر ربنا الله اعلم كان ايه حصل لها، عشان كدة حابب خطواتنا تكون مجهولة للي حوالينا لولا خوف سيف عليّا وانه مكاني ويغطي علي عدم وجودي قصاد ماما وبابا لما يرجع ماكنتش عرفته.
-أنا لحد دلوقتي مش متخيل ان في حد يعمل كل ده في طفلة ايه الدافع محدش ساومني علي اي حاجة او كلمني من زمان بس اللي سمعته منك ان الشخص ده مغلول منها 13 سنة بيدفع فلوس عشان تتهان وتتذل غير حبسها.
صمت قليلا ثم استرسل:
-طيب والدتك مش عايز تعرفها ليه؟
– عشان ممكن تتكلم مع اي حد بحسن نيه أنا حتى مش عايز بابا يعرف، عمي أنا خايف الشخص ده يحاول يزور تحليل ال DNA وده مهم جدا عشان الشكل القانوني لورقها.
-بص يا أحمد أنا عايز اعمل التحليل ده بره بردوا، المشكلة يا ابني اني لازم اسافر عشان اظبط اموري هناك واعمل التحليل بردوا واجيب أميرة والولاد.
تنهد بألم:
– أنا شايل هم اسر لما يعرف هو اصلا مشيل شمس ذنب تعب والدته وشايف انها السبب في بعدها عنهم بالرغم من انهم في بيت واحد.
– ماتقلقش ياعمي أنا مكانك هنا مش حسيبها لحظة.
-أنا متاكد يا ابني، مش عايزك تزعل مني يأحمد انت غالي عليا قوي واللي قولته علي ارتباطك بشمس مش رفض ليك بس خوف عليك وعلي بنتي خايف عليها تتعذب تاني ومش عايزك انت كمان تتعذب وانت السبب في انها رجعت لولاك كان زمانها لسه مع اللي خطفوها وكنت حفضل فاكر انها ميته.
– يا عمي صدقني عمري ما اجرحها ابدا وعذابي في بعدي عنها مش العكس، أنا كل اللي طالبه من حضرتك ماتخدهاش وتسافروا وخلي الباقي للوقت.
– حاضر يا ابني طيب الفترة اللي حسافر فيها هي حتكون فين
– هنا ياعمي وأنا حفضل معاها.
– وشغلك يا ابني، غير انها ما ينفعش تقعد معاك لوحدكم مش شك فيك وفي اخلاقك بس دي الاصول وكمان لو هيثم جه وانتم لوحدكوا حيسمعكوا كلام مالوش لازمة وماحدش حيقدر يغلطوا وقتها، كمان لما ارجع، أميرة هتكون محتاجة اختها جنبها، خالتك يا ابني حالتها وحشة فوق ما تتخيل، من يوم ما شمس غابت وهي انطفت مش حاسة بالدنيا بتقوم كل يوم تصرخ باسمها ودخلت في اكتئاب وصحتها في النازل.
– ان شاء االله تتحسن لما تشوف شمس وتاخدها في حضنها تاني، حاضر يا عمي أنا بس مش عايز شمس تروح الفيلا هناك هي من زمان بتخاف من بابا واحنا مش بنعرف مسافر امتي وراجع امتي مش عايزها دلوقتي تتقابل معاه كفاية اللي شافته، حضرتك مسافر امتي؟
-علي اخر الاسبوع كنت حاجز قبل ما انزل
– طيب يا عمي مفيش غير اني يومها ارجع بشمس علي هنا واجيب ماما هنا، زمان شمس صحيت.
مروان بابتسامة منهكة:
-طيب اطلع لها ونزلها معاك.
صعد أحمد لها ممتننا لعمه ولثقته به سعيدا لقربها واعتمادها عليه وبالأعلى طرق باب غرفتها ودخل إليها
– كنت متأكد انك صاحية
نظرت إليه بابتسامة منهكة ولم تتحدث جلس بجانبها علي الفراش واخرج من جيبه هاتف لها
– خلي ده معاكي مسجل عليه رقمي ورقم عمي مروان هنا وبره حتعرفي من الصورة بصي ده رقمي وده رقم عمي لما تصحي كلميني أنا او عمي عشان ماتفضليش لوحدك.
نظرت إليه بامتنان دون حديث
أحمد سألها بامل:
-انت مش خايفة مني صح؟
أماءت له بابتسامة تؤكد عدم خوفها
بادلها الابتسام وامسك يدها:
– طاب يلا عشان نتعشي عمي منتظرنا تحت.
تحركت معه ثم تصلب جسدها قبل المرور من باب الغرفة فحاوط كتفها بيد وامسك كفها بالاخري وهمس بأذنها
“طول ما أنا جنبك اوعي تخافي ، عايزك دايما قوية وانا عمري ما حسيبك وعد”
نظرت إليه شاكرة.
بالاسفل جلس الثلاثة بعد تناول الطعام واجلس مروان ابنته شمس بجانبه وضمها إليها يعوض فقدانها لسنوات ويشعرها بحنانه ودفئ حضنه. وسط نظرات أحمد السعيدة لاجلها واحساسه بالغيره ورغبته الشديده لضمها إليه ، وبعد فترة من الصمت قطعه مروان محدثا ابنته
-شمسي حبيبتي أنا كنت عايز اعرفك اني مضطر اسافر.
شحب وجه شمس وامتلكها الرعب لما سيسافر هل سيتركها؟، اكمل سريعا عندما رأي شحوبها
-حارجع بسرعة يا شمس بس عشان اجيب ماما واخواتك أنا بعد اللي حصل وافتكرت اني خسرتك للابد مقدرتش اعيش هنا صفيت شغلي واخدت والدتك واخواتك وسافرت الحاجة الوحيدة اللي فاضلة هنا الشقة ماقدرتش ابيعها عشان فيها ذكرياتنا، ووالدتك طلبت اني احافظ عليها ذكري منك والله يا بنتي لو كان ينفع ما اسافرش مكنتش سبتك خالص خصوصا دلوقتي بس أميرة تعبانة يا شمس والدكتور قال لازم امهد لها رجوعك.
شمس وعلي وجهها ابتسامة منهكة:
-ماما مالها؟ هو أنا ليا اخوات ؟ يعرفوني يا بابا حكيت لهم عني؟
ابتسم مروان بالم متذكر ذلك اليوم المشؤم الذي فقدها فيه:
-يومها لما روحنا للدكتور قال ان ماما حامل في توأم ولد وبنت وسميناهم اسر وسما، اما يا سيتي من جهة يعرفوكي فأنا وماما حكينا لهم كل تفاصيلك تقريبا وكل الحاجات اللي بتحبيها واللي بتخافي منها.
-ماما تعبانة مالها؟
-من يوم غيابك والمرض لازمها يا شمس.
ابتسم بأمل:
– بس خلاص ان شاء المرض حيسيبها خلاص ادام رجعتي لنا.
شمس وتملكها الانكسار لانها سبب مرض والدتها:
-أنا السبب ماكنش قصدي والله لو اعرف ان…
قاطعها مروان تحت نظرات أحمد المتالمة:
– أنا مش بلومك يا بنتي والله ومش قصدي اوصل لك ده، انت نفسك اكتر واحدة اتعذبتي يا بنتي، ارمي الافكار دي من دماغك احنا كلنا فرحانين برجوعك وأنا سفري ضروري أنا كلمت الدكتور اللي متابع أميرة وقال لازم اكون موجود وحخلص شوية حاجات في الشغل وحكلف محامي ينقل ورق اخواتك ومدارسهم مش حغيب عليكي حرجع بدري علي قد ما اقدر بالكتير اسبوع وأنا مطمن عليكي هنا أحمد معاكي وخالتك مش كده يا أحمد؟!
– في عنيا يا عمي والله. -واكمل يداخله (وفي قلبي)
شمس وهي منكسه راسها:
-اخواتي بيكرهوني يا بابا؟
-اكيد لا يا بنتي هم يمكن متضايقين لتعب أميرة بس اكيد مش بيكرهوكي.
تاكدت شمس من احساسها وازداد انكسارها، شرد مروان لثواني قصيرة وافاق من شروده علي صوت أحمد الحازم:
– ارفعي راسك يا شمس مش عايزك توطي راسك ابدا انت شرف لاي حد انت عنوان للقوة والصبر كلنا فخورين بيكي.
ابتسم مروان بحب وشكر لكلمات أحمد الصادقة وهو علي يقين انها نابعة من القلب.
شمس بألم ووجع عميق وبصوت مختنق:
-مش بفهم كتير من كلامك.
اكملت بهمس قتل أحمد ومروان من قبله:
– بس الشرف راح خلاص غصب عني والله.
نكس مروان رأسه بينما أحمد اقترب منها ورفع وجهها برقه وهدوء متألم لحالها مقتول من كلماتها ويحاول ادعاء القوة:
-الشرف ما راحش ولا حاجة انت كنت بتحاربي وانت عارفة ومتأكدة انه اقوي منك هو ماكنش لوحده بس انت كنت لوحدك وللاسف أنا كمان ما…
خانته الكلمات ولم لجد ما يقوله كيف يبرر لها وهو لا يكف عن إلآم نفسه لضعفه وعدم قدرته علي حمايتها حاول السيطرة علي ألمه وحاول تجميع شتات نفسه واكمل بصوت مهزوم:
-حجيب حقك والله العظيم حجيبه يا شمس، انت مابعتيش نفسك انت اتغصبتي وأنا مش هرتاح الا لما اقضي عليه وابعد شره عن الناس كلها.
تحدث بأمر أخر لينتشلها من سواد افكارها:
– أنا اسف لو بقول كلام مش فاهماه، أنا قصدي انك قوية واحنا عارفين ده ومبسوطين بيكي وعايزينك علي طول قوية ماشي ارفعي راسك دايما احنا كلنا معاكي وجنبك حماية وسند.
نظرت له بحب واحترام من وسط المها وانكسارها ابتسمت له وكأنها تحاول مواساته وتعلمه انها لا تحمله ذنب ما حدث. اراحته بسمتها قليلا اكملوا جلستهم بصمت وبعد قليل صعدوا يرتاحوا قليلا فالاوقات العصييه لم تنتهي بعد.
في اليوم التالي اصر مروان علي أحمد الذهاب لعمله وبقي هو مع شمس بالرغم رغبته في معرفة ما مرت به خلال السنوات الماضية الا انه لم يرد الضغط عليها كان دوما ما يبثها حنانه يمازحها ويخفف عنها حكي لها عن اخواتها ووضح لها طباع اخوها اسر وعقله وبالرغم من صغر سنه الا انه يفكر كشاب بالعشرينات من عمره متذمت احيأنا متصلب الرأي احيأنا عنيد جدا. كانت تستمع إليه مبتسمة معظم الوقت واحيأنا شارده فهمت هي ما حاول ابيها شرحه لها وتأكدت ان اخوها لن يتقبلها بسهولة او لن يفعل.
استمر الحال هكذا لثلاثة أيام يذهب أحمد لعمله ثم إلى والدته يطمانها عليه ويتصل بعلي يطمأن علي رنا ويطلعه علي الحالة اليومية لشمس وليحدد له طريقة تعامله معها ثم يعود إليها بنهاية اليوم يجلسون معاً يتحدث إليها ويحاول اشباع عينيه برؤيتها والاستماع لحديثها القصير والقليل، قصت شمس لوالدها القليل مما حدث لها السنوات الماضية لم ترد احزانه فكفا ما مر به بسببها كانت دائمة الحديث عما فعله أدم معها مع والدها وتحاول تجنب اسمه حالة وجود أحمد فهو يغار من مجرد نطقها لاسمه مشاعرها متضاربة مختلطة يسيطر عليها الخوف وبشدة من القادم تستمد القوة والامان من ابيها وأحمد، دائمة الشرود
علي الجانب الأخر كان هيثم متابع لما حدث يسب بداخله تلك العصابة المهدومة وفشل خطته التي دامت لسنوات طويلة
هيثم لنفسه:
-ماهو مش بعد السنين دي كلها والفلوس اللي دفعاتها ترجع تاني بنت مروان وتلف شبكاها علي ابني من تاني أنا سبته هو ورنا هناك مخصوص عشان جاد يغتصبها ادام عينه اكسر عنده و كبريائه واكسره ادام اخته اللي بتعامله كانه هو ابوها صحيح مش بكرهه ماهو ابني بس مش طايق وقوفه قدامي عامل فيها كبير، بيكبر عليا. بس هما أغبيه والزفت جاد ده متخلف ازاي سابو التليفون معاه وازاي وصله الخط كل حاجة كانت ماشية صح بس اتلخبطت مرة واحدة بس استحالة اسيب ابني للبت دي علي جثتي صحيح أحمد مش طوعي.
ابتسم بتهكم مسترسلًا:
-ولا حتى اخواته، بس استحالة يتجوزها حتى لو قتلتها كلها اسبوع اخلص اللي ورايا هنا وانزل مصر وافضالها بنت مروان.
اليوم السابق لسفر مروان اتي استدعاء لشمس من النيابة بضرورة الذهاب لإدلائها باقولها وكان الموعد المحدد بنفس يوم سفر والدها.
بعد استلامهم للاستدعاء جن مروان، فكيف ستذهب دونه؟ كيف ستواجه وحدها؟ وقع في حيرة كبيرة وما زاد حيرته اتصال ابنه اسر به يحثه علي الاسراع في العودة لزيادة تعب أميرة وضرورة وجوده معهم. ماذا يفعل فبنفس الوقت شمس تحتاجه هنا وبشدة شتت تفكيره وبقوة حضر أحمد سريعا عندما هاتفه مروان واعلمه بما حدث
دخل أحمد البيت بقلق وجد شمس ووالدها مروان بالأسفل وحالة مروان يرثي لها
– خير يا عمي قلقتني حصل حاجة تاني غير الاستدعاء.
– وهو ده قليل يا أحمد أنا مش عارف الظروف معانده ليه أميرة تعبانة قوي هناك والدكتور أكد عليا لازم ارجع واستدعاء شمس نفس يوم سفري لا قادر آأجل هناك ولا قادر اسيب شمس لوحدها في موقف صعب كدة.
اجابه مبتسمًا:
– شمس مش لوحدها يا عمي وأنا فين أنا معاها مش حسيبها هاروح معاها أنا والمحامي ما تقلقش عليها سافر لخالتي أميرة هي هناك لوحدها اسر لسه صغير هم محتاجين لك أكتر، شمس معايا في امان مش حسيبها لحظة واحدة.
التف لها وجدها نظراتها تحمل الكثير من المعاني فهم البعض ولم يفهم الأخر ولكنه علي يقين انه لن يتركها ولن يضيعها مرة اخري والا ستكون نهايته حتما.
سند مروان مرفقه علي قدمه ووضع راسه علي كفه:
-أنا تعبان يا أحمد ومشتت مش عايز اسيب حد فيهم لوحده أنا فرطت زمان في حق شمس ودلوقتي هسيبها في الموقف ده لوحدها تاني.
– مش لوحدها يا عمي عمري ما اسيبها لوحدها تاني ثق فيا.
اقتربت شمس من والدها وجلست بجانبه وربتت علي كتفه بيد مرتعشة:
– أنا مش زعلانة يا بابا والله وأنا مع أحمد إطّمن عليا روح لماما واخواتي وطمني عليهم نفسي اشوفهم قوي وقولهم انهم واحشيني قوي.
اخذها والدها ببن احضانه يشعرها بحنانه والأمان وكانه يعدها بسرعة عودته وهمس بأذنها:
– سامحيني يا بنتي حقك عليا
شمس بابتسامة رقيقة:
– كفاية حضنك ده يا بابا بالدنيا كلها.
تحدث أحمد بغيرة لم يستطع إخفائها فهو يشتاق لضمها كثيرا:
-كفاية بقي احضان والله اشاركوا وأنتم الخسرانين ده احب ما على قلبي.
وجه بصره علي شمس التي احرجت وبشدة بينما مسح مروان عبراته التي خانته قائلا ببسمة:
-بطل قلة ادب يا ولد أحسن والله ااجل سفري واخدها معايا.
ابتسمت شمس برقة فابتسم لابتسامتها الجميلة وقال ومازال بصره عالقا بها:
-بهزر يا عمي كان نفسي اشوف أجمل ابتسامة وشوفتها.
ازداد احراج شمس واحمر وجهها وابتسم مروان براحة وبداخله اشفاق علي كلاهما من القادم لن يرحمهما أحد ولكنه لن يتخلى عن ابنته مهما كلفه الأمر فكفاها ما حدث لها علي مدار أعوام.
– لا ما تهزرش أنا مركز خلي بالك.
ابتسم أحمد وعاد بعينيه إليها:
-والله مخلي بالي.
تحدث مروان بجدية مرة أخري:
-أنا واثق فيك يا أحمد ومتأكد إنك أكتر حد يخاف عليها وآمنه عليها، لولا إني لازم أرجع لأميرة وأخلص المتعلق هناك ماكنتش رجعت، كمان أكيد أميرة مشتاقة لشمس ما ينفعش أفرح لرجوعك لوحدي يا شمس نفسي بالها يرتاح وترجع تاني بسمتها تنور من تاني. مش حتاخر يا بنتي حقصّر الوقت علي قد ما أقدر المهم أنت خلي بالك من نفسك و اسمعي كلام أحمد.
أماءت شمس مبتسمة لوالدها تخفي بعض القلق الذي بداخلها وهو شعر بها حرص علي ضمها كثيرا ووعدها بسرعة عودته مرارا، وذلك تحت انظار أحمد المحبة الممزوجة بالغيرة.
مر اليوم وأتي موعد طائرة مروان ودعهم وترك عقله وقلبه مع ابنته العائدة. بعدما غاب مروان عن مرمي بصرهم إلتفت أحمد لشمس وجد عينها متعلقة بمكان دخول والدها حاوط كتفها بكفيه وحدثها يطمئنها
-مش حيغيب، ما تقلقيش، أنا جنبك ومعاكي حتى لما يرجع أنا معاكي دايما.
نظرت إليه بشكر وبعينها دمعات حبيسه
فأكمل
– أنا عارف إنك خايفة من مشوار النهاردة وكان نفسك يكون معانا هو مش بإيده، أنا معاكي مش حسيبك أبدًا (نظر لها مبتسما) تعالي نفطر الأول عشان اليوم طويل وهناك حنقابل المحامي حيكون معاكي جوة وكمان عمي سالم والد علي موصي عليكِ شرح لهم موقفك وهما متعاطفين معاكِ وحيعاملوكِ كويس، كلهم عارفين انك تعذبتي وانك أقوي وأجمل بنوتة في الدنيا.
ابتسمت بوهن فجذبها إليه مبتسما يلا بينا
مر الوقت ذهبوا إلى النيابة دخلت شمس مع المحامي، دعمها أحمد وقواها بكلماته لتواجه ما هو أتي، ثم انتظر بالخارج يجوب المكان ذهابا وايابا، يعد الثواني، يؤلمه قلبه يشعر بخوفها وعذابها.
بالداخل بعد البدايات المعتادة
وكيل النيابة:
– احكي لنا يا شمس اللي شوفتيه هناك وقولي كل الأسماء اللي تعرفيها أي معلومات حتقوليها تساعدنا نوصلهم وننقذ ناس تانية منهم
بدأت شمس تقص عليهم ما حدث لها باليوم الذي ذهبت فيه إليهم وما حدث بعد ذلك إلى وقت الذي قتلوا فيه أدم.
وكيل النيابة:
-ده بس يا شمس يعني ما تعرفيش حاجة عن الناس اللي خطفوهم ثابت عندي هنا انهم كانوا بيخلوكي تخدمي الناس اللي بيخطفوهم
شمس وترتعش صوتها:
-كانوا بيخلوني أخدم المهمين بس اللي حيقبضوا منهم فلوس كتير اللي أعرفه إنهم بيشتغلوا مع ناس اللي عندهم تجارة كبيرة اللي اسمهم…
وكيل النيابة:
-رجال أعمال
-أيوة هي دي
وكيل النيابة بابتسامة:
-كملي سامعك
-ساعات كانوا بيدخلوا ستات اللي هما عايزنهم يحملوا عندي اخدمهم وكمان عشان أخاف.
وكيل النيابة:
– أنا عايز أفهم أكتر أحكي كده براحة اللي عارفاه.
أمات موافقة وأكملت:
– ساعات بيخطفو عشان بياخدوا حتت من جسمهم زي كلي قلب بيكون في دكتور بيكشف عليهم وبياكلوهم كويس وبعد كده ياخدوهم مش ييرجعوا تاني.
ازداد ارتجافها:
– وفي بنات بيخطفوهم بيكون حد قالهم عليهم أو نصيبهم وقعهم في ايدهم بيـ… بيربطوهم وبيقطعوا هدمهم ويخلوا جاد اكتر الأوقات ياخدهم بالعافية.
سقطت دموعها بغزارة:
-بسمع صريخهم وهما يتحايلوا عليهم يسيبوهم.
وضعت يدها علي أذانها وكأنها تسمع توسلاتهم وصراخهم الآن:
– ماكنش حد حتى بيرد عليهم كانوا يصرخوا ويستنجدوا جامد. كنت بسمع صوت ضربهم وأنا في اوضتي.
ضمت نفسها بيديها:
-كانوا كانوا بيدعوا انهم يموتوا من الوجع.
صمتت تستجمع قواها وازدادت شهقاتها:
-لما يتأكدوا انهم حملوا كانوا يدخلوهم عندي اخدمهم لحد ما يولدوا وياخدوا العيل.
نظرت إليه بوجهٍ احمر من كثرة البكاء:
– كانوا بيسبوها عندي لحد ما دمها يتصفى ويموتوا بعدين ياخدوهم يدفنوهم .
عادت تبكي بقوة ثم اكملت:
– مرة واحدة فضلت تفرك لحد ما سقطت وما بقتش حامل.
سرت يجسدها انتفاضة قوية:
-ضربوها من غير رحمة واستنوا لحد ما الدكتور قال انها بقت كويسة ممكن تحمل تاني اخدوها كلهم واحد ورا واحد كنت بتستخبي ورا الصناديق وأسمع آهاتها ما كانتش قادرة تتكلم تلات … تلات أيام ورا بعض عقاب ليها وبعد كده حسب ما الدكتور قال ولما حملت وولدت وعملوا زي اللي قبلها.
وكيل النيابة:
-اهدي وإشربي الماية دي اهدي
اخذت شمس الكوب بصعوبة بالغة و سكب معظمه علي ملابسها من شدة ارتجافها.
وكيل النيابة:
-وبعدين كملي
-لو المخطوفين للتهديد المعاملة مختلفة ملوكي أكل وشرب شوية تهويش خفيف بس. كنت براعي أي حد يدخل عندي ولو جاد او حد حاول يضايقهم بقف له باللي أقدر عليه
وكيل النيابة:
-وأنت بالنسبة لهم ايه؟
-اللي أعرفه إن حد كبير بيشتغل معاهم هو اللي قال لهم ويحدد لهم يعملوا إيه ضرب حرق.
نكست راسها وارتعشت وكان احدهم يصعقها بالكهرباء:
-لحد …لحد اخر مرة لما جاد… جاد… اكل التفاحة
المحامي:
– قصدها اليوم اللي جاد اعتدي عليها ، ياريت حضرتك كفاية كدة سيادتك شايف حالتها بقت ازاي كده كتير عليها
وكيل النيابة:
-خلاص فاضل كام سؤال عشان ما نضطرش نستدعيها تاني قريب قولي لي يا شمس كانوا يتعاملوا معاكي ازاي؟
-علي طول في اوضتي ممنوع أخرج منها من غير المعلم أو المعلمة يأمروا ولو حصل بتعاقب ساعات ضرب بالعصاية او الكرباج وكتير حرق وساعات الاثنين، ضهري كله علامات مكان الحروق
وكيل النيابة:
-وأسر الطفل اللي دكتور أحمد قال عليه
شمس بدموع القهر:
-جه غلط كانوا حيقتلوه دخل عندي يساعدني.
ازدادت دموعها وشهقاتها وارتجافها بدرجة اخافتهم عليها وظهر صوتها متقطعا يكاد لا يسمع:
-لحد ما جاد قتله قدامي عشان يقهرني عليه.
المحامي:
– ارجوك كفاية حتى لو حتيجي تاني. هي مش حتقدر تستحمل أكتر من كده وسيادتك شايف حالتها.
وكيل النياية بتعاطف معها:
-خلاص خلاص اهدي، خلاص تقدروا تتفضلوا.
ساعدها المحامي لتقف وتتحرك معه وامام الباب كان أحمد في حالة يرثي لها وما أن رآها بهيئتها تلك ساندها بلهفه وألم لحالتها اجلسها بجانبه يضمها إليه لعلها تهدأ قليلا.
– هي مالها ايه اللي حصل جوه؟!
المحامي بتعاطف معها: يا ابني دا اللي شافته السنين اللي فاتت يشيب أنا تعبت وأنا بسمع بس خدها وحاول تهديها شوية ربنا يكون في عونها
همست شمس بوهن:
– مشيني والنبي يا أحمد رجعني البيت تعبانة قوييي
حاوطها بيديه ووقف وأوقفها معه:
-تعالي يا شمس
تحركت معه بوهن ترتجف بشدة تعاد امام عينها كل ما مرت به وعاشته منذ دخولها ذلك الوكر كانت تجاهد لإخراج نفسها من دوامة ذكريات الماضي القريب، لكنها فشلت خصوصا عندما صعدت السيارة بجانبه ومع الزحام وازياد الوجوه حولها ازداد خوفها وتحول لرعب تري وجه جاد والمعلمة بكل من حولها ازداد ارتجافها وعلا آنينها تعاد مشاهد الفتيات المختطفات لحظة اغتصابهن ولحظة اخذ اطفالهن وكذلك صورتهم لحظة وافتهن وتعاد لحظة انتهاكها أمام عينها تشعر بلمساته المقيتة علي جسدها تشعر بأنفاسه الكريهة، تابعها أحمد منذ ركوبها معه يحدثها ولكنها لم تكن تسمعه من الأساس
– اهدي يا شمس عشان خاطري حقك عليا والله كان لازم تروحي النهاردة ماكنش ينفع ماتروحيش، خلاص اهدي طيب.
وضع يده علي كتفها يربت عليها ليبثها الأمان ولكن هي شعرت وكأن جاد معها صرخت صرخة مكتومة وتكورت علي نفسها تردد نفس الكلمات التي قالتها يومها
“ابعد عني ، ابعد عني بقا“
وزع أحمد نظراته بينها وبين الطريق يضرب بيده المقود بغضب وقلة حيلة
– فوقي يا شمس أرجوكِ فوقي حرام عليكِ نفسك.
الفصل الرابع عشر’ مواجهة’
فقد الأمل في إفاقتها فاتصل بعلي صديقه
– أنت في المستشفى؟
-الناس تقول صباح الخير السلام عليكم الو حتى.
أحمد بعصبية وقلق واضحين:
-مش وقته يا علي أنت فين تعالي على المستشفى بسرعة.
رد عليه بجدية:
-أحمد الزيارات لأختك ممنوعة مش عايزين نرجع للصفر تاني لما صدقت تقدمت شوية قولت لي كذا مرة وكان ردي دايما لسه مش دلوقتي.
أغمض عينيه بألم فهو لا يقوي علي مساعدة أحب الناس إليه أخته وحبيبته رد عليه بألم وقهر:
-شمس تعبانة يا علي كنا في النيابة ومنهارة بتإن وتصرخ تقريبا مش سامعاني.
علي وتملكه الإشفاق علي رفيقه:
-أنا اسف مسافة السكة وأكون هناك سلام.
حاول أحمد تهدئتها ولكنها كانت حبيسة ذكرياتها. قاد إلى مشفى صديقه وهو تحت ضغط عصبي شديد مكتوف الأيدي لا يستطيع وقف معاناتها وعذابها.
وصل أخيراً صف سيارته واقترب منها حاول طمأنتها، كانت تإن بوجع مرددة
– ابعد عني ، ابعد عني بقا“
– اهدي يا شمس اهدي أنا أحمد مش هو اهدي عشان خاطري.
جذبها إليه وأخذها للداخل بالرغم من اعتراضها ومحاولتها الواهنة لإبعاده، بالداخل وجد علي ينتظره أخذها معه لغرفتها حاول إخراج أحمد
– مش حسيبها يا علي ما تحاولش هي بتخاف من الحقن براحة عليها.
بجدية واضحة أجابه:
– أحمد لو سمحت أخرج خلينا نتعامل معاها وإطمن عليها ثواني وحتنام اتفضل بقي.
لم ينتظر علي تحركه دفعه للخارج وأغلق الباب وعاد إليها مارس دوره بجدية حقنها بمهدئ ومنوم وبعد ثواني وجد أحمد يدخل إليهم مرة اخري وعلي وجهه القلق الشديد والتوتر نظر علي إليه ولم يتحدث. اقترب أحمد منها ووقف أمامها ومسد علي رأسها بحنان وقلق ثم حدث علي.
– مش قادر يا علي اسيبها بالحالة دي وانتظرها بره مش قادر.
ابتسم علي بإشفاق عليه ولم يتحدث وبعد قليل اطمئنوا انها دخلت في سبات عميق فقام علي ومسك يد أحمد وهمس له
– لازم نسيبها ترتاح يا أحمد تعالي معايا اسمع منك عشان افهم اللي حصل لها
اعترض أحمد بالبداية فضغط عليّ على نقطة ضعفه
– مش حسيبها يا علي
– مش عايزك تسيبها أنا عارف انك ماصدقت لقيتها أنا عايزك تساعدها لازم اسمعك عشان تعرف تتعامل معاها لما تفوق هي دلوقتي نايمة مش حاسه بحاجة لمدة ساعتين هي محتاجة ترتاح ولازم افهم منك اللي حصل ولا انت عايزها تفضل تعبانة كدة؟!
استسلم أحمد وتحرك معه علي مضض دخل معه مكتبه قص له ما حدث
-اللي حصل لها ده طبيعي جدا هي عاشت سنين في قهر وخوف، يا دوب بدأت تحس بالأمان سفر باباها واستدعائها اللي رجعها بذكرياتها لأسوأ سنين وأسوأ حاجات مرت بها، وبردوا بتحاول تفضل ثابتة وقوية وده ضغط كتير عليها هي محتاجة تنفس عن ضعفها وتعبها وبتقاوم وعقلها الباطن بيضغط عليها عشان تفرغ شحنتها هي وقعت في النص الحالة إلى هي فيها متوقعه وممكن تكون أسوأ لكن هي قوية فعلا لما حتفوق حترجع تاني زي ما كانت قبل كدة بس لو اتعرضت لضغط تاني ممكن يحصل أكتر، ممكن للأسف يحصل انهيار عصبي.
عند هذه النقطة ثار وتحدث بصراخ وصوت عالٍ:
-ليه هي بيحصل لها كده؟ ليه؟ كانت طفلة طيبة ورقيقة، تعاملت مع اسوأ انواع البشر، تعبت وعانت واتبهدلت واتعذبت يا علي ليه؟ ليه بيحصل لها كده؟ ليه أنا دايما عاجز قدامها؟ ليه مش قادر اساعدها ؟
علا صوته بشده وبصراخ حاد
– عاجز عن حمايتها حتضيع مني تاني ليـــــه ليه ليه يا علي جاوبني، لازمتي ايه وأنا عاجز امنع عنها المها او ادويها هي او رنا اغلي اتنين عندي واقف امامهم مشلول وعاجز.
وصل أحمد لأقصى درجات العصبية وأصبح علي حافة الانهيار وقف علي امامه مسك بساعديه يحاول تهدأته
علي بصوت عالي:
-اهدي يا أحمد مش كدة انت عملت كل اللي تقدر عليه لكن ده قدرهم ونصيبهم ما نقدرش نمنعه عنهم.
لم يتجاوب معه أحمد بل زاد انفعاله دفع يد علي بعيدا وظل بجوب المكان ذهابا وايابا مرددا مرارا
– ماتقولش اهدي قولي اعمل إيه ابعد الوجع والاذي عنهم ازاي ماتقولش اهدي.
بعد كفاح طويل معه استطاع علي اخيرا تهدأته واقناعه بالجلوس معه
– ايوة كدة اقعد عشان نعرف نتكلم لازم ترتاح يا أحمد انت كدة بتدمر أعصابك يا أخي على الأقل عشان تقدر تقف جنبهم وتساعدهم شمس ورنا محتاجينك
جلس أحمد علي الأريكة ارجع رأسه للخلف وسند يده علي جبهته مغمض العين من فرط العصبية والتوتر.
– أنا تعبان قوي يا علي تعباااااااان بجد حاسس اني في سباق ومهما عملت مش قادر اتقدم.
-أنا حطلب لك عصير ليمون يهديك ثواني وراجع
خرج علي لثواني وعاد إليه مرة اخري
علي: أحمد إرتاح شوية نام علي ما تفوق طيب.
– مش قادر صدقني.
– علي فكرة شمس قوية مش ضعيفة بس محتاجة تفرغ الشحنة اللي جواها وإنت مش مقصر معاها يا أخي ده أنت ملازمها من وقت ماخرجت أما رنا فأنا قولت لك هي مش خايفة منك بالعكس هي مكسوفة منك وشايفة إنها السبب في كل اللي حصل.
قطع حديثهم دخول الممرضة بالعصير قدمته لأحمد أولًا ثم علي وأماءت لعلي بابتسامة ثم خرجت وأكمل علي حديثه مع أحمد وبعد فترة وجد أحمد نفسه لا يقوي علي الحديث ولا حتى علي فتح عينيه فاستسلم رغم عنه.
تحدث علي باسف :
-أنا اسف يا صاحبي كان لازم ترتاح شوية عشان كدة حطيت لك المهدئ في العصير. إنت كده بتنتحر بالبطيء وبتحرق اعصابك.
عدل وضعه علي الأريكة ثم غادر الغرفة، بعد حوالي الساعة عاد علي لمكتبه فوجد أحمد افاق اعتدل في جلسته يسند مرفقيه علي قدمه يخفي وجهه بكفيه.
– بقيت احسن دلوقتي.
– الحمد لله اسف يا علي أنا عارف اني تعبك معايا.
علي بابتسامة:
-عادي يا عم ما أنا تعبتك بردوا لما مراتي كانت حامل في المتابعة والولادة وشكلنا كدة حنتعبك تاني لانها مش مرتاحة مع الدكتورة اللي رشحتها لنا ومستنياك بس تفوق ونعذبك معانا .
ابتسم أحمد بوهن:
-هي شمس حتفوق امتي.
– أنا كنت مديها مهدئ قوي هي علي وشك انها تفوق ، مسافة ما نشرب اتنين قهوة.
– ياريت من غير مهدئ المرة دي.
– خليك هادي كدة وأنا مش ححط لك حاجة تمام.
تناولوا القهوة معا ظل أحمد يساله عن شمس ورنا وبعد قليل دخلت الممرضة إليهم.
– دكتور علي الحالة اللي مع دكتور أحمد فاقت ورافضة تتكلم.
انتفض أحمد واقفا وأسرع إليها ولم يلتفت لعلي الذي ناداه ليطمئنه. دخل غرفتها فوجدها ضامة قدميها إليها تحتضنهم خافضة وجهها تجاه قدميها تخفيه بهما كاد أن يتحدث يطمئنها بوجوده لكنه وجدها ترفع وجهها تجاهه بأمل أن تجده وارتسمت علي وجهها ابتسامة راحة لوجوده معها، دخل علي خلفه شاهد ما حدث ابتسم براحة يراقب ما يحدث، بينما اقترب أحمد منها ومسد على رأسها بحنان
– انت كويسه؟
أماءت بابتسامة تطمئنه
تحدث علي ببشاشة:
-حمد الله علي السلامة يا انسة شمس.
ارتجفت شمس قليلا فتحدث أحمد ليطمئنها
ـ ده دكتور علي صاحبي دي المستشفى بتاعته هو اللي بيعالج رنا.
نظرت إليه شمس:
-هي رنا كويسة عاملة ايه دلوقتي؟
علي ببشاشة:
– كويسة يا سيتي ومالهاش كلام غير عليكِ.
ابتسمت شمس:
-هو أنا ممكن اشوفها.
علي بتفكير:
-الزيارة ممنوعة بس ممكن أعمل اك استثناء.
نظر إليه أحمد بأمل ان يسمح له برؤيتها فاكمل علي
-الإستثناء لها لوحدها.
نظرت شمس لأحمد فهي لم تفهم قصد علي
– هو مانع عنها الزيارة، أنتِ بس ينفع تشوفيها.
إبتسمت له بإشفاق فهي تعلم جيدا مشاعره التي يحاول جاهدا إخفائها عنها.
رافقهما اليها، دلفت شمس إليها فوجدتها منكمشة علي نفسها بوضع الجنين، ترتجف، نظرت اليها بآسى، تعلم إحساسها جيدا، فقد عايشته سابقا وعانت سوءاته، فانفطر قلبها حزنا وإشفاقا عليها. اقتربت منها بخطوات بطيئة مسدت علي رأسها بحنان انتفضت رنا بخوف وصدرت عنها صرخة مكتومة، وما أن رأت شمس رددت اسمها بخفونت والقت نفسها بين ذراعيها تتشبث بها.
-أنا خايفة قوي كل ما بنام ألاقي نفسي هناك بخاف انام.
لم تجد شمس ما تهون به عليها حالها سوى، عناق قوي يبثها مشاعر الحنان، تربت علي ظهرها وتمسد علي رأسها بحب، وظلوا هكذا لبعض الوقت.
أمام بالخارج، فبعد دخول شمس مباشرتا نكس أحمد رأسه بخزي؛ فحدثه علي يخفف ويهون عليه.
– يا ابني فُك شوية، هون علي نفسك يا أحمد، لسه المشوار طويل.
– قولي إزاي؟ وأنا عاجز ومشلول قدام أهم ناس عندي، اختي اللي بقيت مصدر خوف لها، صورتي في عنيها اهتزت، أو يمكن انهارت كمان، بعد ما شافتني ضعيف وعاجز عن حمايتها، اتصدمت فيا، ده غير شمس، إنت بنفسك شوفت عاملة إزاي.
– غلط، تفكيرك غلط، رنا مش خايفة منك، هي مكسوفة منك، محملة نفسها ذنب اللي حصل هناك، حتى اللي حصل لشمس، شايفة إنها السبب، أما شمس.
ابتسم براحة وغمز له:
– فشوفت إنها بتحبك زي ما أنت بتحبها يا عم.
نظر أحمد له باهتمام تبعتها ضحكة استخفاف، فاسترسل علي موضحًا:
-ما تستخفش بكلامي، أما فاقت ما ارتاحتش غير لما شافتك، خافت مني، وبكلمة منك اطمنت، وجودك معاها طمنها، مش بتتكلم ده طبيعي، هي مش راجعة من السخنة ولا من رحلة ، حالتها دي طبيعية، اعذرها واستحملها، بسببك هاعمل أكبر غلطة مهنية في حياتي.
– علي، مش وقت هزارك ابدا، انت شايف اني تعبان.
-ما هو بسبب تعبك ده حرتكب خطأ مهني، يا سيدي هَخليك تسمعهم من غير يشفوك، ربنا يسامحني بقي.
نظر أحمد له بذهول، فوجد علي يجذبه نحو باب غرفة اخته، فتحه بهدوء، دون ان تلاحظ اي منهما، كانت شمس تحدث رنا بابتسامة عذبة
-بقيتي احسن؟
– هو أنت فعلا بنت خالتو أميرة اللي كنت تايهة من زمان؟
أماءت لها بابتسامة حزينة فأكملت رنا:
-آبيه أحمد كان دايما بيدور عليكِ، هو أبيه زعلان مني، صح؟ كلكوا زعلانين مني، أنا خايفة قوي.
-أحمد زعلان عشانك، خفي وارجعي عشان يبقي مبسوط.
-هو ممكن يكون سامحني؟ عشان لاقيناكي، قالي ان عمره ما يسيبني واني بنته مش اخته بس، وحيفضل يحبني ويحميني دايما.
– انت رديتي علي نفسك اهو، أحمد قد كلامه دايما، بيعمل اللي يقول عليه.
– لو خرجت حتحميني؟ حتفضلي معايا؟
نكس أحمد راسه بخزي تأكد إنه لم يعد مصدر أمانها، وزادته إجابة شمس حزناً.
– عارفة زمان كنت دايما خايفة، وحاسة إني ضعيفة، لحد ما حد قالي إني قوية ومش عارفة، وعلمني ازاي ابين قوتي واستخدمها وقت اللزوم.
– أدم، عشان كدة دايما خايفة علي سيرته.
-أيوة آدم، حعلمك ازاي تبقي قوية وتدافعي عن نفسك.
– بس انت قولتي إنه كان بيضربك جامد.
ابتسمت بألم:
– مش حعمل كدة ما تخافيش.
أحكم علي غلق الباب ونظر إلى أحمد مبتسماً
– اديك سمعت بودانك أهو، اختك خايفة علي زعلك، أو إنك تتخلي عنها، وشمس اعتقد سمعت كلامها عنك، ارحم نفسك بقي، اهدي علي نفسك.
-سمعت اني مابقتش أمان أختي، وإن حد تاني علم شمس تبقي قوية.
تحدث علي بجدية قصدها
-بص يا أحمد، خطف شمس زمان قدر، كان حيصل، حيحصل، خطفك انت ورنا بكل الوحش اللي فيه رجع لكم شمس، وانت شوفت حصل لها ايه، ولولا وجودك معاها كانت ماتت هناك، وانت بنفسك انقذتها من الموت ٣ مرات، رنا بالرغم من اللي هي فيه دلوقتي، لكنها هاتخف ان شاء الله، وحتبقي اقوي من الأول كمان، الدور والباقي عليك، ياما تفضل تقوم بدور البطل زي ما كانت شمس شايفاك من زمان، يا أما تفضل في دور المنهزم، اللي انت حابس نفسك فيه.
ربت علي كتفه بتشجيع مسترسلًا:
– خليك البطل يا أحمد، كلهم محتاجينك عشان يقدروا يقوموا ويكملوا، فكر كويس.
أنهى كلماته ثم التف وطرق الباب ليدلف إليهما، وتحدث بابتسامة:
– لا دا احنا اتحسنا قوي، هو تاثير الآنسة قوي كدا، انا أسمح لها بالزيارة بعد كده.
شمس باستحياء وعينها مثبته علي الباب منتظرة أحمد:
-هي حتخف بسرعة، وترجع لنا، زي ما اتفقت معاها.
– لا دا انت تشتغلي معانا، نستاذنك يا رنا كفاية كدة النهاردة.
مسدت شمس علي رأسها وحدثتها بأذنها:
-غمضي عينك نامي لو لقيتي نفسك هناك دوري عليا حتلاقيني أنا وأحمد معاكي متخافيش ابداً.
ثم قبلت جبينها مبتسمة وتحركت نحو الباب وقفت أمامه والتصقت قدمها بالأرض تنظر له وصدرها يعلوا ويهبط ثم أغلقت عينها بقوة وأخذت قرارها للعبور كان د/علي يلاحظها ابتسم بخفة ثم فتح الباب فظهر أحمد و التفت إليها مبتسما، مد يده اليها تنفست الصعداء، نظرت إليه شاكره، وخطت نحوه مطمئنه، حاوط كتفها بيد وبالأخرى امسك يدها وشدد عليها يمدها الحنان، وكأنه يعتذر لها عن احداث اليوم، وما حدث لها علي مدار أعوام، وبالسيارة بعد أن جلس كلاهما أرجع ظهره للخلف، أغمض عينيه، ووضع يده علي رأسه، تنهد بقلة حيلة، لثواني نسي وجود شمس جانبه، وانتبه علي كفها الموضوع علي كتفه يدعمه وصوتها الهادئ
-حتبقي كويسة ما تقلقش.
نظر إليها مبتسما يتأكد من كونها حقيقة بجانبه، تشعر به تجيبه دون سؤال، ارتفعت روحه المعنوية، لاهتمامها، وقبل أن يتحدث ارتفع رنين هاتفه برقم والدته؛ فأجاب عليها، وجدها تهمس بنبرة مرتجفة، يصل إليه صوت والده الصارخ أكثر وضوحا من صوتها.
– أحمد، انت فين؟ تعالي دلوقتي علي البيت، ايه اللي بيحصل فهمني؟ ابوك حالته صعبه قوي، وسيف مش هنا.
أحمد بقلق بالغ:
-ماما خليك بعيدة عنه على قد ما تقدري، مسافة السكة أكون عندك، لو سمحتى بلاش أي كلام، لحد ما اوصل.
أنهى المكالمة، ثم أدار السيارة بسرعة وهو يحدث شمس.
– أنا اسف يا شمس، مضطر أروح الفيلا عند ماما، مش إللي إحنا قاعدين فيها، ما كنتش عايزك تشوفي بابا علي الأقل النهاردة، بس مش هأقدر أسيب ماما لوحدها، أنا اسف.
شحب وجهها ولم تتحدث فهي تخشي والده منذ طفولتها ومتأكدة إنه لا يحبها بل ويبغضها.
وكأن اليوم لا يريد ان ينقضي فهو مليء بالأحداث السيئة. عم الصمت طوال الطريق تحاول شمس تقوية نفسها تتخيل ما يمكن أن يحدث تهدئ نفسها وتطمئنها بوجود أحمد بجانبها، أما أحمد ففي حالة من التوتر فبالتأكيد لا يريد مواجهة والده اليوم ولكن لا مفر من ذلك يخشى حدوث مشادة بين والديه قبل وصوله يخشي علي والدته بشدة من بطش والده.
اخيراً وصل البيت ترجل من السيارة وجذب شمس إليه أخذ يدها وضغط عليها، نظر إليها
– مش عايزك تخافي ولا تقلقي مهما حصل جوة أنا معاكي إستحالة اسيبك أموت ولا إنك تبعدي عني تاني اللي حيحصل جوة مالوش علاقة بيكي أبدًا.
أماءت له ممتنه فاكمل:
– خليكِ جنبي جوة ما تبعديش عني.
تحركوا للداخل فوجد والده يقف بمنتصف المكان ينظر لوالدته بغضب شديد يستمع إليها
– إستحالة أصدق أحمد لا يمكن يعمل حاجة زي دي أنا متأكدة من أخلاق ابني حرام عليك بقي ارحمنا إنت إيه ؟ يا اخي ارحمنا بقى.
جذب هيثم ذراعها بعنف وحدثها بغضب:
– صوتك علي، وبتبجحي كمان مش خايفة اضربك متهيأ لي عملتها كتير قبل كدة ده حتى هو مش موجود عشان يحوش عنك.
استمع هيثم لصوت ابنه وهو يجذب والدته بعيدا عنه:
-لا يا بابا موجود واستحالة ده يتكرر تاني غير بموتي.
ابتعد قليلا ونظر إليه ثم إلى شمس باستهزاء وتحدث بنفس الطريقة موجه حديثه لمها:
– اديكي شوفتيه وهو ساحبها في ايده ومن بجاحته جاييها لحد هنا وأنا موجود.
مها وبدت عليها الصدمة:
-مين دي يا أحمد؟ استحالة أصدق كلام هيثم إنت ما تعملش أي حاجة غلط.
هيثم وأكمل سخريته:
-ما ترد عليها قولها مين دي قولها انها عجبتك وانتم مخطوفين فأخدتها تتبسط معاها شوية ما هي ما لاقتش حد يربيها.
صدم أحمد من حديث والده ولكنه تحدث بحكمه محاول التحكم بأعصابه فهو مهما كان والده:
-بما ان حضرتك عارف التفاصيل دي فأكيد حضرتك عارف تبقى مين وأنا فعلا اخدتها معايا بس عشان اثبت هي مين وده قريب إن شاء الله.
تحدث هيثم بغضب:
-اللي بتفكر فيه استحالة يحصل وما تفتكرش إنك كبرت عليا إنت فاهم.
تحدثت مها بعدم فهم:
-أنا مش فاهمة بتتكلموا علي ايه؟ يا أحمد ريح قلبي وفهمني، أنا متأكدة إنك عمرك ما تغلط، بس فهمني يا ابني، وريح قلبي.
نظر هيثم إليهم بغضب وإلى شمس بوعيد، ثم تحرك نحو غرفة مكتبه، أما شمس كانت فتابعت من لحظة دخولها ما يدور برعب تجاهد لإخفائه، تختبئ خلف أحمد تتشبث بملاسه كما كانت تفعل بصغرها، صدمت من كلمات هيثم فشددت من قبضتها علي ذراع أحمد، حينما نظر هيثم لها هوى قلبها فامسك أحمد كفها المتشبث به يضغط عليه بحنان يمدها بالأمان.
أجاب أحمد والدته بهدوء مباشرتا بعد رحيل والده عن المكان، يجذب شمس لتقف أمامه، تتوسط المسافة بينه وبين والدته ويضع كفيه علي كتفي شمس ووجهها مقابل لمها
أحمد بابتسامة:
– بصي لها يا امي مش بتفكرك بحد.
مها وتفكريها مشتت:
-عيونها مش غريبة يا ابني حاسة اني عارفاها بس مش فاكرة شوفتها فين.
أدمعت عين شمس واخفضت وجهها
– ما توطيش راسك ابداً يا شمس.
همست مها باسمها والدهشة ملئت وجهها نظرت لأحمد تتأكد مما سمعت:
– شمس!
نظر إليها أحمد يومئ لها مؤكدا ما فهمت
– شمس انت حقيقي يا بنتي هي
اقتربت منها ووضعت كفيها على وجهها تدرس معالمه أدمعت عينها وأكملت
-ما شاء الله يا شمس بقيتي أميرة التانية.
جذبتها إليها وضمتها بقوة متأوهة
– آاااااه اخيرا قلبك هيرتاح يا أميرة وحتْملي عينك ببنتك حمد الله علي سلامتك يا بنتي.
ابعدتها قليلا ونظرت إليها مبتسمة ووجهت حديثها لابنها:
– بقي هي اللي كانت شاغلاك عني الفترة اللي فاتت يا أحمد وهونت عليك ما تعرفنيش وتفرحني انت فاكر رجوعها يهمك انت بس أنا هاسامحك عشان خاطرها بس لازم تحكي لي كل حاجة بالتفصيل.
– حاضر يا ماما، بس نطلعها ترتاح فوق لو سمحتى دخليها اوضة رنا وخليكي معاها لحد ما تنام ما تسبيهاش لحد ما تتاكدي انها نامت.
اخذ أحمد يد شمس وادارها إليه وحدثها مبتسما:
-ارتاحي وما تخافيش من حاجة، كل حاجة تمام، ماشي.
ابتسمت مها امله بنهاية عذاب ابنها:
– يلا يا شمس تعالي يا حبيبتي عشان ترتاحي أنا معاكي.
تحركت شمس مع خالتها مها تشعر بالإرهاق الشديد تأمل ألا تسالها مها عن شئ فهي ليست في حالة تسمح لها بالحديث وأستشفت ذلك مها فلم تتحدث سوي بالترحيب
مها وهي تفتح باب الغرفة أخذت يد شمس تدخلها معها:
-تعالي يا شمس تعالي يا بنتي دي اوضة رنا وحتبقي اوضتك مؤقتا.
فتحت خزانة ابنتها واخرجت بعض الملابس
– بصي الهدوم دي حتكون كويسة عليكي لحد ما أحمد يشتري لك هدوم تانية دلوقتي ادخلي خدي دش اغسلي تعب اليوم.
أماءت شمس موافقة مع ابتسامة رقيقة انتهت سريعا كعادتها وخرجت لخالتها مها التي تعجبت من سرعتها.
– ايه ده لحقتي تعالي بقي عشان تنامي دا أحمد موصيني ما اسيبكيش غير لما تروحي في النوم.
نظرت لها وابتسمت براحة
– حمد الله علي السلامة يا بنتي إنت ما تعرفيش قلبي فرحان إزاي برجوعك عارفة أنا حاسة إن الفرح حيعرف طريقنا من تاني.
استلقت شمس علي الفراش ودثرتها مها جيدا وجلست بجوارها تمسد على رأسها بحنان تسترجع ذكرياتها معها وهي صغيرة ضحكاتها و عبوسها وكلماتها البريئة تنظر إليها وتبتسم غير مصدقة وجودها معها واقتراب نهاية معانا ة أختها أميرة.
مر بعض الوقت تأكدت من استغراقها في النوم ثم ذهبت إلى أحمد.
بغرفة أحمد كان يجلس علي الفراش بعد ان بدل ملابسه يسند مرفقيه علي قدميه ويسند راسه علي كفيه دخلت مها بعد أن وجدت باب غرفته مفتوح وضعت يدها علي كتفه تربت عليه فرفع رأسه لها مبتسما بإرهاق
مها: هانت يا حبيبي شوية وكلنا نرتاح إن شاء الله
– يارب يا ماما هي نامت.
– اه يا حبيبي راحت في النوم ما تقلقش، شكلك تعبان هي كمان كانت تعبانة.
– اليوم النهاردة كان صعب وطويل قوي.
– كدة تخبي عليا رجوع شمس
– مش بخبي والله أنا اصلا كنت هقولك النهاردة واخدك نروح بيت جدي نقعد هناك لكن رجوع بابا لغبط الدنيا ما كنتش حابب إنه يعرف دلوقتي بس واضح إنه عارف من البداية. ماما خلي بالك منها كويس هي شافت كتير قوي فوق ما تتخيلي خليكي دايما مرافقاها في كل تحركاتها خلي كلامك بسيط معاها عشان تفهمك.
-حاضر يا حبيبي ماتقلقش عليها، مفيش أخبار عن رنا يا أحمد نفسي اشوفها.
تنهد أحمد بعمق:
– لسه ممنوع عنها الزيارة عارفة الوحيدة اللي سمح لها علي بالزيارة هي شمس، علي قال انها تحسنت لما شافتها النهاردة.
– أنتم رحتوا لها النهاردة وماقولتليش يا أحمد كدة بردوا.
– لا والله يا أمي دي شمس تعبت بعد مشوار النيابة النهاردة وروحت بها هناك.
– نيابة؟
– أيوة يا ماما بإختصار إللي خطفونا من حظنا اللي مش عارف إذا كان صدفة ولا لأ هما اللي كانوا خاطفين شمس السنين اللي فاتت وهي طبعا شافت وعرفت عنهم كتير وشاهد مهم في القضية وامبارح وصل إستدعاء من النيابة وتعبت جامد بعدها عشان كدة روحت لعلي وخلاها تدخل لرنا وقال إنها الوحيدة اللي ممكن تشوفها دلوقتي وإن رنا تقدمت لما شافتها.
-هو موضوع النيابة كان متعب قوي كدة؟
أحمد بحمل ثقيل:
– قوي يا ماما فوق ما تتخيلي شمس شافت كتير قوي قوي هناك شافت عذاب فوق ما تتخيلي وعامل لها مشاكل نفسية بردوا، عارفة هي مش بس ساعدت رنا دلوقتي في العلاج دي حاميتها هناك قدمت لها اللي إستحالة أي حد يقدر عليه.
– كلامك وطريقتك باين إنها خسرت كتير عشان خاطر أختك مش عارفة المفروض اتبسط عشان أختك ولا ازعل عشان شمس أنا حتى مش قادرة أسألك علي اللي عملته، ربنا يقدرنا ويقدرك يا حبيبي علي اللي جاي.
عمت ثوانيٍ من الصمت وقطعتها مها متسائلة:
– مش المفروض مروان وأميرة يعرفوا برجوع شمس
– عمي مروان عرف وكان هنا يا أمي وبدأنا الإجراءات القانونية عشان شمس بس رجع النهاردة يخلص شوية أمور هناك ويمهد لخالتو أميرة هو كلم الدكتور المتابع مع خالتو.
-كل ده يا أحمد وأنا معرفش أنت خايف علي شمس مني.
قبل يدها ونظر إليها معتذراً:
– ابدًا والله يا أمي، أنا بس خايف عليها ما كنتش عايز أي حد يعرف لحد الإجراءات القانونية ما تخلص حقك عليا والله ما قصدت كده خالص.
مسدت علي رأسه وابتسمت ببشاشة بوجهه:
-ما اقدرش ازعل منك يا حبيبي أنت مش ابني الكبير وبس أنت سندي وضهري عارف ساعات بحس وإنت واقف قصاد أبوك وبتمنع عني أذاه إني بنتك مش أمك.
إبتسم أخيراً وقبَّل رأسها بحنان:
– ربنا يخليكي لينا، أنا حكلم عمي مروان اطمنه علي شمس لأنه قلقان واتصل كتير وماعرفتش أرد عليه.
-طيب يا حبيبي كلمه وإرتاح حبة لحد ما أجهز العشا أكيد ما أكلتوش.
خرجت مها وأغلقت الباب فاتصل أحمد بمروان، الذي اجابه بقلق وتوتر يصلا لحد الهلع:
– يا ابني مش بترد عليا ليه؟ أنا كنت حتجنن، طمني شمس عاملة إيه؟ عملت ايه بالنيابة؟ أنا قلبي مش مطمن وإنت ماكنتش بترد كان قلبي حيقف من القلق والخوف عليها.
– أنا اسف يا عمي والله كان غصب عني بس مشوار النيابة كان صعب علي شمس عشان كدة وديتها لدكتور صاحبي واخدنا وقت هناك وبعد كدة حصلت مشكلة في البيت جيت علي طول خلصتها وكلمت حضرتك.
مروان وقد وصل لقمة قلقه:
-مالها شمس حصل لها ايه؟ يا ريتني ما سافرت دايما أنا مش معاها دايما لوحدها.
– ماتقلقش كدة يا عمي اطمن الموضوع كله لأنها استرجعت اللي حصل هناك السنين اللي فاتت وبتكتم جواها مشاعرها ووجعها هي بقت كويسة وماما فضلت جنبها لحد ما نامت لما تصحي هاخليها تكلم حضرتك بس ارجوك ما تسالهاش أو تفكرها باللي حصل الصبح اطمن عليها وطمنها عليكوا.
– مش عارف يا ابني من غيرك شمس كان حصلها إيه؟ اعذرني يا ابني في قلقي عليها احساسي اني قصرت زمان وسايبها دلوقتي قاتلني، ربنا يهون ويقصر المسافات عارف بالرغم ان ما فاتش يوم من وقت ما سافرت بس حاسس اني بقالي سنين مسافر، أنا حسيبك ترتاح إنت كمان صوتك تعبان إن شاء الله أرجع بسرعة.
– ما تقلقش عليها يا عمي شمس في عنيا والله، المهم حضرتك تظبط الأمور عشان ترجع بسرعة الدكتور قال وجودنا كلنا جنبها مهم.
– أنا قعدت مع الدكتور المتابع لأميرة واتفقنا حنعمل إيه؟ احنا نعرفها بالتدريج اننا مسكنا دليل يوصلنا لشمس ولما نوصل القاهرة نعرفها إننا لاقيناها مع كورس مكثف هنا عشان تقدر تستقبل الخبر واداني رقم دكتور في مصر اتابع معه وبكرة ان شاء الله أعرف آسر وسما أنا كمان كلمت المحامي عشان نقل اوراق المدارس وعشان أمور الشركة إن شاء الله حظبط الأمور بسرعة علي قد ما أقدر.
– خير إن شاء الله. حسيبك دلوقت يا عمي ولما شمس تصحي حكلمك تاني.
أغلق أحمد مع مروان واستلقي علي الفراش محاولًا استدعاء النوم والقاء حموله مؤقتا.
أما هيثم فبعد أن دخل غرفة المكتب جلس بهدوء يفكر في خطوته التالية لا يريد أن تفسد خطته التالية يريد التخلص من شمس بدون رجعه فهذا الشيء الوحيد الذي سيكسر ابنه أمامه ويخضعه له وبالتالي يخضع له من بالبيت وسيبعد مروان دون رجعه وسيكسره أيضًا وقد يؤدي بحياة أميرة وبذلك ينطفئ أخر أمل لمها زوجته
– أدام البعد ما جابش نتيجة بعد السنين دي كلها يبقي أخلص منك والكل يبقي تحت رجلي، وإنت يا أحمد بتقف في وشي عشانها عديمة الشرف دي، كله من جاد الغبي، لا يا هيثم مش حتفضل تندب لازم تفكر كويس في الخطوة الجاية، لازم اللي يحصل يكون بعيد عنك إنت العيون عليك، ماكنش وقت رجوع زفته دلوقتي، كنت عايز أركز في بعمله في شغلي، أنا دلوقتي ظبطت أموري مع اللي بره باقي اللي هنا، أقضي علي راسهم والمخلصين اللي حواليه وابقي الكينج بس ما يمنعش اني أسوّد عيشتك يا شمس انت وكل اللي هنا واحرق اعصابكم لحد ما افضي.
عم المساء اخيرا وضعت الخادمة الطعام علي المائدة، صعدت مها ايقظت أحمد مرت علي سيف ثم دخلت لشمس وجدتها جالسة علي الفراش شاردة قبلتها نظرت لها مطولاً مبتسمة ثم اصطحبتها لتناول الطعام.
جلس الجميع علي الطاولة بين متوتر ومراقب ومتحفز لم يتحدث هيثم ولكن نظراته حارقة ومتوعدة، جلس معهم دون تناول الطعام ثم ضرب الطاولة بيده و وقف متأففًا ثم صعد لغرفته. تبادل أحمد النظرات مع والدته، يتحدثان بلغة الأعين ثم نظرا لسيف البادي عليه الضيق جليًا؛ فقطع أحمد الصمت، وجه حديثه لشمس المخفضة رأسها.
– شمس ارفعي راسك.
نظرت إليه بأعين منكسرة، حزينة فاسترسل مبتسماً:
– أيوة كدة، فاكرة سيف شوفتيه في المستشفى.
أجابت بابتسامة ذابلة:
– أيوه فاكره.
– كبر وبقي مهندس بس لسه غلس زي ما هو.
ابتسمت شمس بوهن، أدرك سيف مقصد أخيه وأشفق عليه، يعلم بكم الضغط والأعباء الملقاة على عاتقه، فلم يرد أن يزيده حملا فوق أحماله، فتحدث محاولا الحفاظ علي جو المرح المعروف عنه.
– أنا ما اتنسيش يا ابني، حمد الله علي السلامة يا شمس.
نظرت مها لسيف بامتنان، تعلم ما يدور داخله وتحدثت ببشاشة
– طاب يلا يا ولاد كلوا قبل الاكل ما يبرد.
وضعت الطعام بالأطباق:
– يارب يا بنتي الأكل يعجبك، عايزاكي تاكلي كويس، شكلك ضعيف قوي.
عم الصمت مرة اخري حاول سيف ادعاء تناول الطعام ثم حمد ربه وصعد غرفته وكذلك شمس ولكن أحمد ومها لم يتركوها حتى أنهت قدر يرضيهما اخذتها مها وصعدت بها لغرفتها وجلست معها تتحدث معها بلطف دون الحديث عن حياتها وقت اختطافها. مر وقت بسيط ثم صعد أحمد إليهما، دخل بعد السماح له فحدث شمس بلطف
– شمس عمي مروان اتصل كتير عايز يطمن عليكي.
أجابته بشوق وتمني تتأكد من سمعها
– بجد إتصل ؟!!
اجابها مؤكدا
– اكيد يا شمس، أنا اسف المواقف اللي كنا فيها معرفتش ارد، ومن حاجة للتانية الوقت راح، ولما كلمته كنت نايمة، وطلب لما تصحي تكلميه يطمن عليكي.
فطلبت منه مشتاقة لمحادثة والدها
– طيب أكلمه ازاي؟
اتصل به أحمد ثم أعطاها الهاتف تحدثت معه طمأنها بحديثه، اخبرها كم اشتاق إليها، استمر الحديث بينها لفترة طويلة تابعها أحمد سعيد ببسماتها وضحكاتها يهيم بها، تسعده وتشقيه انفعالاتها، ومها تتابعهما بتمني، تدعوا الله ان يريح قلبيهما ويسعدهما وأن يبعد عنهما السوء.
انتهت المكالمة فحدثها أحمد موضحا لها كيف تتعامل مع هاتفها
– هاوريكي برنامج ممكن تسجلي عليه بالصوت اللي انت عايزاه ونتكلم عليه عشان لو كنت مشغول في عمليه او حاجة تبعتي اللي عايزاه ماشي.
نظرت إليه مبتسمة وضح لها كيف تتعامل معه ثم تركهما وذهب لغرفته.
جلست مها تتحدث معها حتى غلب النعاس شمس؛ فعدلت مها وضعها بالفراش واغلقت الباب خلفها.
دخل أحمد غرفته سعيد بوجود شمس بالقرب منه يخشي عليها من مضايقات والده يتابع غرفتها كل فترة حتى تركتها والدته؛ فسجل لها علي برنامج الواتس.
– شمس انت نمتي ولا صاحية.
انتظر قليلا فلم تجب او تفتح البرنامج ابتسم ثم سجل لها
– طاب كويس تصبحي علي خير يا شمسي.
استلقي علي الفراش براحة اخيرا انتهي اليوم وبعد قليل استسلم للنوم.
بصباح اليوم التالي لم يذهب أحمد إلى المستشفى واعتذر عن الحضور اثار ذلك غضب هيثم وبشدة واستاء سيف ايضاً لتيقنه من ازدياد الخلافات والمشدات بينهم وازداد حزن شمس وإحساسها بكونها حمل ثقيل عليه، وإنها تزيد من معاناته، أما مها فلم تهتم بثورة زوجها، كل ما شغلها هو اقتراب نهاية البعد بينها وبين اختها تشتاق إليها بولعٍ، تتوق لرؤياها وضمها.
على الجانب الأخر بدولة الامارات بدأ يوم حافل لمروان، يتمني أن يمر بسلام، ذهب مروان لمحامية واجتمع بشريكه، تمم الأوراق التي تضمن استمرار العمل اثناء غيابه، توجه لأحد المعامل لإجراء تحليل (DNA) ثم عاد للبيت اصطحب أميرة إلى الطبيب النفسي المتابع لها، ولأول مرة يتركها وحدها، حيث عاد إلى البيت يبدأ رحلته الاصعب لإعلام توأمه بما حدث.
دخل مروان البيت فأسرع إليه آسر متحدثًا بخوف وقلق تبعته سما.
-بابا انت رجعت لوحدك ليه؟ هي ماما تعبانة؟
طمأنه مروان بابتسامة:
– لا يا حبيبي ماتقلقش.
ارتسمت على وجه آسر ابتسامة ساخرة حزينة:
-نفسي والله يا بابا، طيب خير دي اول مرة تسيب ماما في الجلسة وترجع البيت.
-في موضوع مهم عايز اكلمكم فيه بعيد عن ماما.
– بخصوصها بردوا.
تنهد بقلة حيلة معرباً
– مش عارف دي المرة الكام أفكرك إنك بتتكلم عن اختك الكبيرة، على العموم مش وقت جدال، تعالوا نقعد جوه مش هنتكلم علي الباب.
جلسا أمام أبيهما الذي نظر إليهما مطولاً، لم تخفى عليه نظرات آسر الحادة وسما الشاردة الراغبة في حياة طبيعية.
تحدث مروان يحاول تمهيد حديثه وثبات انفعالاته لتيقنه من ثورة ابنه:
-ما حدش فيكم سألني عن سبب اصرار أحمد ابن خالتكم إني انزل مصر.
اجابه بنبرة تحمل الكثير من السخرية وعدم الاهتمام:
-عادي يا بابا، عارفين انه هو مهوس بيها، ولسه بيدور عليها، فأكيد الموضوع يخصها، والصراحة مش فارق معانا .
تحدث متسائلاً يوجه حديثه لسما الشاردة:
-وانت يا سما مش فارق معاكي بردوا.
نظرت له بضياع ولم تجيب فأكمل ناظراً لابنه:
-مش فارق معاك اختك اللي المفروض إنك سندها من بعدي.
رد آسر بتلقائية وبعض التحفز:
– بعد الشر عليك يا بابا، أما هي فأنا معرفهاش ومش عايز، أنا بسمعك انت وماما عشان مقدر حبكم لها لكن أنا وسما فكل اللي نعرفه عنها انها السبب اننا مش عايشين حياه طبيعية اتولدنا مفتقدين الجو الاسري الهادي مفتقدين أُمنا وهي وسطنا، بتورونا صورها وهي معاكوا مش بنشوفها هي لكن بنشوف نظرة السعادة اللي في عين امي وعينك وانتم حاضننيها اللي احنا ما شوفنهاش ولا حسينا بها لو انتم شوفوتوا حبها فاحنا شوفنا منها التعاسة أنا وعيت لقيت نفسي في مستشفى وامي بتصرخ باسمها كنت بقوم مفزوع كتير عليها وهي بتصحي من النوم مفيش علي لسانها غير “تعالي يا شمس ما تمشيش”، امي مش حاسة بينا بسببها فطبيعي ما تفرقش معايا.
ظهر انكسار مروان امامه:
-هي مش ذنبها اني ما قدرتش احميها من الغدر الغلطة غلطتي أنا كنت شايف خطر حواليها من محاولات خطفها وعجزت عن توفير الحماية لها، حاولت كتير اعوضكم عن تعب امكم حتى لما اخدتكم وجيت كملت ظلم لها الفرحة اللي بتقول عليها كانت عشان كنا اسرة كاملة مش ناقصين حد لما امكم عرفت انها حامل كلنا كنا فارحانين مش حتتخيلوا قد ايه شمس كان نفسها تشوفكم لما كنت بحضنكم قلبي بيفرح لكن حته فيه بتوجعني لانها بعيدة.
تلاقت الأعين فتجلت دموع حبيسة بأعين مروان:
-كنت فاكرها ميتة ايوة ده اللي ماتعرفهوش كنت فاكرها ماتت ومش قادر اقول لامك اخدتكوا ومشيت وأنا حاسس بالعجز والتقصير في حقها عشان كدة كنت دايما موجوع عليها سبت البلد كلها صحيح عشانها بس السبب التاني كنت خايف يحصل لحد فيكم اللي جري لها ،كان عشانكم انتم كمان يا اسر انتم ولادي انتم كمان.
تأثر اسر قليلا، وظلت سما علي صمتها، تتساقط دموعها، وتحدث أسر مهونًا:
-حصل خير يا بابا خلاص مالوش لازمة الكلام ده دلوقتي.
– لا يا ابني الكلام ده مهم عشان اللي جاي حيغير حياتنا كلها.
– مش فاهم يا يابا ايه اللي جد
– لقينا اختكم.
-بعد السنين دي كلها وبعدين حضرتك قولت سيبت مصر عشان ماتت ودفنتها.
– ما كانتش هي، اختك عايشة أحمد لاقاها كانت مخطوفة وحابسينها عندهم.
– وطبعا حياتنا حتتشقلب من تاني عشان خاطرها.
اقترب مروان بعض خطوات من مجلسه حدثه محذراً:
– آسر أنا مقدر حالتك بس دي اختك يا ابني واللي حصلها غلطي اختك اتبهدلت وتعذبت كتير، مين غيرنا يسندها ويعوضها.
وقف امام والده وتحدث بصوت غاضب ومرتفع قليلا:
-كل حاجة هي واحنا مين يعوضنا مين كان بيحس بوجعنا.كنت بتحس بيا وأنا ببكي كل يوم وانت مش شايف غير وجع ماما وتقصيرك مع بنتك الغايبة؟
اشار بيده علي سما:
-كنت بتحس بها وهي بترتعش وتبكي كل مرة ماما تصحي بالليل تصرخ! أنا كنت طفل في نفس سنها بس كنت بقوم باللي المفروض أنتم تعملوه اضمها واطبطب عليها اطمنها ان ماما كويسة وأنا محتاج اللي يطمني ما أنا كنت طفل زيها وصراخ امي بيخوفني انت كنت مع امي ومع احزانك وتاني يوم الصبح تيجي تطبطب علينا وتواسينا بس بعد ايه كنت طول الليل بترعش من الخوف بفضل صاحي بعد ما سما تنام وابكي وأنا كاتم صوتي عشان ماتصحاش وتشوف خوفي. مش بنتك بس اللي تعبت احنا كمان تعبنا ما تفتكرش ان الفلوس والمكان هنا عوضونا عنكم، احضانك لينا كانت دايما متاخرة بعد آوانها كنت بتقولي اني اكبر من سني كان لازم ابقي كدة عشان اعوض اختي عنكم مش بنتك الكبيرة اللي افتقدكم لوحدها بس انتم ماحستوش بينا وكل مرة احنا اللي بندفع التمن بشقلبت حياتنا زمان جبتونا هنا بعيد عن كل اهلنا بسببها ودلوقتي حنسيب كل اللي نعرفهم بسبهها وكمان عايزني ابقي سندها كفاية عليها انتم أنا ماليش غير اختي سما وبس.
بهذه اللحظة انهار مروان كليا تراجع حتى سقط جالسا علي كرسيه ووضع يده علي وجه لقد فشل كأب وزوج اضاع ابناءه توقع ثورة آسر وغضبه ولكنه لم يتوقع ابدا هذه الكلمات ايقن من فشله سابقا وحاليا سأل نفسه هل اضاع عمره هباءً هل هو فاشل كأب لهذه الدرجة هل يحمل ابنائه كل هذا الالم والعذاب لقد عذب الأخرين ابنته الكبري وهو من عذب اخويها بيده خانته بعض الدمعات التي اخفاها بيده شعر بألم شديد بصدره حاول التحكم فيه لكنه ألمه يزداد وبدء يفوق تحمله اقتربت منه سما والدموع تغرق وجهها
-بابا انت تعبان اسر ما يقصدش يزعلك والله مالك يا بابا؟
أسرع آسر إلى ابيه وتملكه الخوف:
– بابا حقك عليا حاسس بايه؟
أبعد يد ابيه عن وجهه ورأى أثار دموع والده التي لم يراها يوما انب نفسه بقوة.
– هاتي علاج بابا من جوه والميه بسرعة.
تحركت سما سريعا
– أنا اسف يا بابا أنا غلطان والله احنا حنعمل كل اللي انت عايزه ومش حقول كدة تاني بس ابقي كويس.
اخذ مروان يد ابنه وشدد عليها بحنان وتحدث بصوت خافت:
-أنا اللي اسف كنت بحاول اعوضكم عن بعد امكم وأنا مش حاسس اني بعيد عنكم.
– أنا عارف انه غصب عنك ومقدر بس المفاجأة ما خلتنيش افكر واتكلمت بطريقة مش كويسة.
احضرت سما الدواء واعطته لوالدها واراح ظهره للخلف وبعد قليل شعر بتحسن استطاع التقاط انفاسه بسهولة.
-بقيت أحسن؟
اماء له مروان بابتسامة منهكة وارتمت سما بحض والدها باكية ،اخفض اسر رأسه بأسف فجذبه مروان إليه وضمهم إليه يحنان.
بعد قليل ابتعد اسر عن والده قليلا متحدثًا ومحاولًا الابتسام:
-حننزل مصر امتي؟
-خلال أيام؟ الدكتور حيقولي النهاردة بعد جلسة النهاردة احجز امتي، ومدارسكم حننقلها مصر.
-حننزل خالص مش حنرجع هنا تاني؟
– صدقوني مش عارف حسب الاحوال هناك على الاقل لما القضية تتقفل ونعرف حتوصل لفين.
كادت سما ان تتحدث فمنعها آسر بإشارة عينيه؛ فهو يخشي تعب والده، ومشفق عليه فكفي مصارحته له اليوم.
– أنا راجع لمامتكم، ياريت ما تعرفوهاش حاجة عن اختكم دلوقتي لحد الدكتور ما يحدد واعملوا حسابكم ان السفر ان شاء الله خلال اسبوع بالكتير.
تركهم مروان وهو يجر اذيال خيبته وانكساره، بينما صدمت سما سوف تترك حياتها وتذهب لأخرى لا تعلم ماهيتها، جذبها آسر إليه، يضمها بحنان، يربت على ظهرها
-ما تقلقيش كدا أنا جنبك ومعاكي دايما، كل حاجة حتكون تمام مر علينا أصعب من كدا.
تشبثت به سما أكثر ولم تتحدث، كان عقل اسر يترجم كلمة القضية وان شمس كانت طوال تلك الاعوام بداخل عصابة و يتساءل تري ماذا حدث لها بتلك الاعوام هل ستلحق بهم مصائب اخري بسببها؟
بمصر
مر اليوم بسلام لا يشوبه سوي نظرات هيثم الحادة لشمس التي لازمتها خالتها معظم اليوم، حل الليل ودخل الجميع غرفهم ورافقت مها شمس وظلت معها حتى نامت او ادعت، ثم ذهبت لأحمد غرفته.
– حبيبي عايزة اكلمك شوية ينفع
– اكيد طبعا اتفضلي
مها وعلي وجهها ابتسامة ماكرة كأُم فضحت مشاعر ابنها:
– رايح شغلك بكرة؟
أحمد بحيرة جلية:
-مش عارف بفكر أخد اجازة لحد ما عمي مروان يرجع.
– بص يا حبيبي أنا سيبتك النهاردة وما اعترضتش عشان عارفة إنك قلقان وانت تعبت امبارح جامد كنت محتاج ترتاح بس لازم الحياة تمشي ما تقلقش علي شمس هي معايا اهمالك لشغلك حيخلي هيثم يتحفز زيادة ويضايقها اكتر وحيعقد الدنيا، أنا حافظة كل الحاجات اللي قولت لي عليها واديك شوفت النهاردة طول اليوم وهي ايدها في ايدي ما قعدتش في مكان من غيرها وخوفها من انها تعدي اي باب أنا فاكراه ومش ناسياه لازم تهتم بشغلك وتمارس حياتك يا حبيبي.
– حاضر هارجع المستشفى من بكرة.
– ايوة كدة هو ده كلام العقل تصبح على خير يا حبيبي.
تركته مها ودخلت غرفتها؛ فاخذ أحمد هاتفه (الموبيل) فتح برنامج الواتس اب وسجل عليه لشمس
– نمتي ولا لسه صاحية ، شوفتي تسجيل امبارح وما ردتيش ولا حتى علقتي النهاردة.
تنهد بإرهاق
– طيب أنا حروح المستشفى بكرة عايزك تكوني على طول مع ماما ولو احتاجتي حاجة كلميني ولو عايزاني اخذ اجازة وافضل هنا قولي.
استمعت شمس إلى تسجيله انتظرت فترة ظن أحمد انها لن تجيب ثم سجلت له
-تروح وتيجي بالسلامة.
اسرع أحمد يسمع تسجيلها المختصر للغاية سعد به وتمني ان تطيل ولو قليلا ثم حدث نفسه على الاقل اجابت عليه هذه المرة.
مر اليوم التالي على الجانبين هادئ او يبدوا كذلك وباليوم الثالث اتصل أحمد ياخيه سيف وطلب منه ان يعود من عمله قبل موعد عودة ابيهم لانه مضطر للتأخر لوجود حالة ولادة واكد عليه ان يفعل وافقه سيف على مضض فهو لازال ناقم من الحالة التي وصل لها البيت ويري ان شمس هي السبب.
بڤيلا هيثم
عاد سيف قبل والده جلس بالحديقة وعندما عاد والده دخل خلفه فلم يلاحظ هيثم وكانت شمس جالسة بالداخل منتظرة خالتها مها التي ذهبت لتخبر الخادمة ان تضع الطعام على السفرة وجدها هيثم فرصة مثالية ليسمع شمس ما يؤلمها.
هيثم ساخراً:
– الهانم لوحدها.
تقدم منها ووقف امامها مباشرتا وعلى وجهه علامات الغضب الشديد والنفور
– لو فاكرة انك ممكن تقربي من ابني تبقي غلطانة، لو فاكرة اني ممكن اسمح لواحدة زيك انها تقرب منه او تفكر ترتبط به، آه اسف نسيت انك جاهلة يوووه شوفتي نسيت تاني انك مش هاتفهمي يعني ايه جاهلة اقصد مش متعلمة، أحمد ابعد بالنسبة ليكي من نجوم السما، فوقي لنفسك انت واحدة جاهلة رخيصة اتربيتي في بيئة واطية وفوق دا كله مش بنت يعني بيعتي نفسك في الحرام لا وكنت حامل وزي مافهمت كنت حتبعيه، ابني بيعطف عليكي زي الشحات اللي بنديله حسنه مش اكتر من كدة السهوكة والشويتين بتوعك دول لو نفعوا مع أحمد لكن معايا أنا لأ وبقول لك اهو ابعدي عنه بالذوق احسن لك.
صرخ بوجهها:
– فاهمة.
كانت شمس تنظر له بخوف وصدمة من كلماته هي لا تود الاقتراب من أحمد كي لا تدنسه تعلم انها اصبحت عارا على كل من يقترب منها، سقطت بعض دموعها رغماً عنها ثم جاهدت لعدم سقوط المزيد. اشفق عليها سيف مما سمع فقطع حديث والده.
– بابا حمد الله على السلامة.
التفت إليه والده بغير اهتمام ورد عليه وهو يصعد لغرفته:
– الله يسلمك.
– حتتغدي معانا
هيثم:
-لأ اتغديت بره المكان هنا بقي ولا الشارع حاجة تقرف.
اختفي هيثم عن انظارهم فتوجه سيف بحديثه لشمس
– انت كويسة؟
امأت له بدون حديث عادت مها إليهم رات حزن شمس وانكسارها والاشفاق البادي على وجه سيف
– هو مين اللي جه؟ أنتم مالكم؟ حصل ايه؟
شمس وتحاول اجلاء صوتها ليظهر طبيعي:
-ما فيش حاجة
– أحمد حيتاخر عنده حالة ولادة.
اكمل بدعابة
– بس احنا حنتغدي عادي مش حنستناه صح ولا ايه أنا جعااااان يا ناس.
ابتسمت شمس لروحه المرحة
– برغم اني حاسة ان في حاجة بس ماشي يا سيف ما تقلقش نتغدى وأحمد يلحقنا على العشا.
مر الوقت تعاد برأس شمس كلمات هيثم تقتلها دون شفقة، كانت شاردة منكسرة تشعر بضعف شديد كل ما تريده هو احضان والدها او رؤية أحمد امامها لنستعيد قوتها لاحظ سيف شرودها ونظرتها الضائعة وكالعادة منذ صغرهم شعر بالإشفاق عليها.
– من يوم ما جيتي وانت جوة الڤيلا من الاوضة لهنا ما تيجي افرجك على الجنينة برة وتقعدي شوية فاكره المرجيحة اللي برة تعالي نقعد عليها اهو تغيري جو.
مها وتيقنت ان زوجها اذي شمس بكلماته:
-خدها يا سيف وخلي بالك منها ماتسيبهاش لوحدها تخرج معاك وتدخل معاك يلا يا شمس روحي يا حبيبتي.
تحركت شمس معه لشعورها بالاختناق حاول مساعدتها للخروج للحديقة لم يتوقع مدي صعوبة مرورها من الباب فازداد اشفاقه عليها جلسا على الارجوحة حركها بخفة صمتا قليلا ثم بدأ يتحدث معها بخفة ظله المعهودة حتى رأي بسمة على وجهها فابتسم بارتياح اخيرا
– عارفة من زمان من واحنا صغيرين ابقي زعلان منك وابقي عايز اخد منك موقف واقول مش هكلمها واكشر في وشها وازعلها واول ما اقعد معاكي تصعبي عليا وابقي عايز اساعدك.
رفعت نظرها إليه وابتسمت:
-أنا مش زعلانة باباك قال الحقيقة.
– شمس بابا طبعه كدة شديد انت مش عارفة بيكلمنا ازاي.
– أنا كويسة ومتعودة على الكلام ده.
– دايما فيكي حاجة بتخليني مهما كنت متضايق منك اصفا لك.
ابتسمت شمس ولم تجد ما تجيب به.
عاد أحمد من عمله رآهما جالسين بالحديقة اقترب منهم وشعر بالغيرة لجلوسها مع سيف بمفردهما وازدادت غيرته من جملة سيف الاخيرة ومن ابتسامتها.
– أنتم قاعدين هنا ليه؟
نظر إلى شمس بغضب طفيف زال سريعا عندما لمح الحزن والانكسار بعينها
– مالك يا شمس في حد ضايقك؟ بابا زعلك؟
– كويسة بس بابا وحشني وما كلمنيش النهاردة هو راجع امتي؟ هما كويسين؟
مسد أحمد رأسها بحنان بالغ وامتلأت نبرته بالحنان
– ما تقلقيش عليهم أنا حكلمه واطمن عليهم واطمنك.
تنحنح سيف وتحدث بمرح وغمز لاخيه:
– طيب أنا داخل وبما ان حضرتك جيت ابقي دخلها معاك عشان ماما موصياني ما اسيبهاش لوحدها.
اقترب من اذن أحمد هامسا
– ابقي رد لي الخدمات دي لما احتاجاها ماشي وهي عاملة جنبك كدة زي ما تكون بنتك او ابنك بلبسها ده.
مال أحمد على أذنه وتحدث بنفس الهمس:
– أنا وقتها اول واحد هاغتت عليك اتفضل من غير مطرود بقي.
تحرك سيف من امامه مدعي الغضب وفي داخله سعيد بروح أحمد التي عادت إليه اخيراً
– مش ناوية يا شمسي تغيري لبسك ده كنت فاكر انك حتلبسي من الفساتين اللي جبتهالك هما مش عاجبينك أنا اخترتهم واحد واحد كنت فاكرهم حيعجبوكي ،حتى شعرك لسه بتلميه زي قبل كدة بالعافية شيلتي الكاب من عليه.
فركت شمس يديها واخفضت نظرها تخفي وجهها.
ظهرت الصدمة على وجهه من المعني الذي وصل إليه:
-انت مش حاسة بالأمان معايا يا شمس انت خايفة مش مطمنة.
تفاجئت شمس من حديثه:
-لا والله يا أحمد أنا حاولت وما قدرتش والله ببقي عادي وانت وبابا جنبي بس اول ما اكون لوحدي او مش معاكوا بحس اني… اني مش لابسة واني بعمل حاجة غلط.
نظر إليها والي معالم وجهها الراجية اشفق على حالها:
– طيب على الاقل بلاش تلمي شعرك كدة فكيه يا شمسي ولا عشان عارفة انك حلوة دايماً.
نظرت إليه ممتنة ثم عادت وزاغت نظراتها في كل اتجاه:
– مالك يا شمس إنت عايزة حاجة ومكسوفة قولي أنا حعملك كل اللي عايزاه.
اكملت بنفس حالتها:
– كنت عايزة …عايزة …عايزة مطوة.
صدم مما سمع:
– يعني خايفة فعلا ومش مطمنة معايا يا شمس.
ردت مسرعة:
– والنبي يا أحمد ماتزعل عشان خاطر كل اللي بتحبهم ما تفهمني غلط، أنا من زمان اتعودت اني اكون مطمنة وهي معايا هي باقي دراعي بحس اني قوية بِها.
– خلاص يا شمس حاضر
نظرت إليه برجاء ووجدته ينظر للفراغ بتعاسة وحزن فأدمعت عيناها واخفضت رأسها
– قولت لك ما توطيش راسك ابداً.
رفعت رأسها ونظرت إليه ابتسمت بالرغم من دموعها فاقترب منها ومسح دموعها وابتسم لها يداري حزنه
– عمري ما تخيلت اكون سبب دموعك حاضر حجيب لك اللي انت عايزاه تعالي ندخل جوه عشان ناكل مع بعض أنا متأكد إنك ما اكلتيش كويس.
مر باقي اليوم بهدوء يكـسو الحزن قلب أحمد وشمس وسط ترقب سيف ووالدته مها، وضيق هيثم الذي جلس معهم يتناول العشاء فقط ليسلط انظاره الحادة إلى شمس بين كل حين واخر بينما ينظر إليها أحمد دائما ليطمئنها وما ان انتهي هيثم وتركهم ودخل غرفة المكتب بدأ سيف حديثه المرح لإضحاك الجميع وجعل النصيب الاكبر من الضحك لشمس، انتهي الجميع وصعدوا لغرفهم رافقت مها شمس وتركتها وهي تغلق عينها لتنام ثم دخلت غرفتها، بعدها اخذ أحمد هاتفه وحدث شمس قبل ان يخلد للنوم حاول تقويتها وبث الامان بنفسها، تأكد من استماعها لما ارسله وتيقن من انها لن تجيبه فاغلق هاتفة كان يعتقد انهما سيتحدثان كثيرا يمني نفسه كل مساء بحديث طويل ولكن على ارض الواقع هو فقط من يتحدث كثيراً اما هي فبالكاد يصدر عنها جملتين، تنهد تنهيدة طويلة يخرج معها صبر واشتياق سنوات، وما ان استلقي على فراشة استمع لصوت وصول رسالة اخذ هاتفه فوجدها منها ابتسم بسعادة وفتحها واستمع لصوتها
-أنا اسفة تصبح على خير.
ابتسم بسعادة:
– وانت من أهل الخير يا شمسي.
استمعت لصوته ثم اغلقت عينها واستسلمت لأحلامها التي اقتحمها هيثم عنوة بكلماته المسمومة.
مر ثلاثة أيام طويلة على كل الاطراف استطاع هيثم بعلاقاته ان يجعل أحمد يتأخر دوما بالمشفى واستمر هو في اصطياد الفرص للاختلاء بشمس ليسمعها سُم الكلمات ومحاولة سيف المستمرة مرافقتها في وقت غياب أحمد ليمنع والده عنها وباليوم الرابع والسابق لعودة مروان واسرته جلس سيف مع شمس بالحديقة كالعادة تحدث معها بروحه المرحة ثم صمت قليلا ثم حدثها بتفكير.
– أنا عايز اكلمك جد يا شمس.
انصتت له باهتمام حدثها و وجوههما متقابلة
– أحمد تعبان يا شمس وانت عارفة السبب، هو شاف كتير السنين اللي فاتت أنا عارف انك اتعذبتي وشوفتي كتير بس أحمد كمان شاف كتير طول السنين اللي فاتت كان زي المكنة من غير روح اتحمل عذاب كبير مش عارف المفروض تعرفي ولا لأ بس اعرفي ان اول مرة اتضرب من بابا كان عشانك وماكانتش مرة واحدة وكل مرة تبقي اقوي من اللي قبلها و بقي ده العادي لحد ما دخل الجامعة تقريبا بعد عن الدنيا كلها بقي كل همه يحقق وعوده ليكي ويدور عليكي أنا ماشوفتش الفرحة في عينه من وقت غيابك غير لما رجعتي تاني، ليه بتعملي معاه كده انت عارفة تصرفاتك دي معاه تعباه اكتر من عذاب السنين اللي فاتت يبقي ليه يا شمس؟
شحبت واخفضت وجهها:
-عشان كل اللي قولته كل اللي حصله بسببي، أنا السبب في عذابه، هو نفذ كل وعوده واكتر كمان لحقني من الموت 3مرات ولحقني زمان كذا مرة من الخـطـف، لكن أنا رحت برجلي للعذاب وجعت كل اللي كانوا حواليا ضيعت نفسي حتى اللي كانوا بيقربوا مني وأنا هناك ماتوا بسببي، اقل حاجة اعملها ابعد عنه اسيبه يتجوز واحدة زيه متعلمه تشرفه قدام الناس تفهمه تعرف تربي ولاده.
اختنق صوتها وتهدجت انفاسها
– واحدة يكون هو اول حد يلمسها أحمد يستاهل واحدة كويسة مش انا.
سيف وشفق عليها:
– تفتكري حيقدر.
-لو بعدت ممكن يقدر.
– كنت بعيدة سنين وما نسيش يا شمس.
شمس انسابت بعض دموعها المختنقة:
– ما ينفعش يديني حياتي من تاني وأنا اخد فرحته مش حيقدر ينسي اللي حصل أنا ضعت قدامه شافني يا سيف وانا… وانا…
التقطت انفاسها:
– حسرق فرحته يوم الدخله كل ما يقرب مني حيشوف اللي حصل قدامه حاكسره واكسر نفسي بزيادة حيكره قربي وحيكيرهني.
عند هذه اللحظة اشتد بكائها دون توقف، فتحدث سيف:
– طيب اهدي.
انتظر حتى هدأت
– وأدم يا شمس بتحبيه؟
– أدم كان حمايتي اتعلق بيا كان نفسه احبه في يوم عشان كده سماني تفاحة أدم بس أنا ما قدرتش.
اغمضت عينها بألم ثم اكملت:
– عذبته هو كمان ومات بسببي.
في هذا الوقت عاد أحمد ولم يلاحظا قدومه واستمع لكلماتها عنه.
-أدم حماني علمني ازاي ادافع عن نفسي كان اماني وسندي سنين عمل كل حاجة يقدر عليها عشاني، قتلوه بسببي سيرته غاليه عندي حبني و…
صمت حين وجدت أحمد واقف امامها على وجهه الصدمة واوشك على الانهيار وقفت ومعها سيف همست هي باسمه، وتحدث سيف:
– أحمد اصبر حفهمك.
لم يسمعه أحمد الذي وجّه حديثه لشمس:
– حبتيه وبتحلفي بحياته، عندك حق هو حماكي وأنا ضيعتي في وجودي هو ضحي بعمره عشانك وأنا ما قدرتش احميكي او احمي اختي انت صح عشان كده بتبعدي اكيد بتتمنيه هو مش أنا هو الحماية عشان كدة رافضه تغيري حتى شكل الهدوم اللي اختاراها ليكي ورافضاني، ما تقلقيش أنا مش حفرض نفسي عليكي تاني وبكرة عمي مروان حيرجع ومش حتجتاجي وجودي، اسف لو ضايقتك.
صدمت شمس من كلماته وكذلك سيف الجمتهم الصدمة لوهلة، اما أحمد فالقي كلماته ورحل غاضبا من تلك الحياة، تلتهمه نيران الغيرة والجفاء فاقت شمس من صدمتها على صوت سيف وهو ينادي لأحمد.
شمس :
-الحقه يا سيف، ماتسيبهوش لوحده.
ركض سيف خلفه، وتحركت شمس خلفهم والدموع تغرق وجهها وقفت امام بوابة الڤيلا تريد الحاق بهما والاطمئنان عليه تخشي ان يحدث له مكروه بسببها تكره نفسها لإنها ألمته لحظات مرت عليها قاتلة ثم حسمت امرها فهو اغلي عليها من نفسها خطت للخارج تلتفت حولها يمينا ويساراً فالطريق اتجاهين فقط لا تعلم اي اتجاه ذهبا سارت قليلا باحد الاتجاهين ثم عادت وسارت للجهة الاخري دارت حول نفسها بخوف شعرت بالضياع لم تستطع تميز المكان تملكها الخوف تسير بدون هدي تلتفت حولها مراراً ثم تغير الطريق بعينها تري نفسها وهي تمشي مع أدم لطريق الضياع ارتسم على وجهها الذعر تسارعت انفاسها تفرع الطريق لشارعين فاستمرت على نفس خطاها حتى ازحم الطريق وكثرت الوجوه حولها لم تعد تقوي على الوقوف نظرت حولها فوجدت سور لحديقة خلفها اسندت ظهرها عليه، جلست وضمت قدميها لصدرها حاوطتهما بيديها المرتعشة واخفت وجهها بينهم.
بعد أن اندفع أحمد غاضباً للخارج لحقه سيف وهو يركض خلفه حتى لحقه اخيرا
– اصبر يا أحمد افهمك انت فاهم غلط.
التف إليه بعصبية واجابه بصوت مرتفع غاضب
– فاهم ايه أنا سمعتها بتقول سندها وامانها وبتحافظ على سيرته حبها وهو اللي سرقها مننا وعذبها نسيت انه كان يضـربها لحد ما يغمي عليها اذاها قبل ما يحميها سلمها لأبغض ناس على وش الارض هو السبب في اللي جرى لها واللي حصل ليّا ولخالتي.
– طيب اهدي بس اللي حصل قدر وهو كان سبب وهي ما حبتهوش
– انت بتضحك عليا يا سيف أنا سمعتها بتقول حبها واكيد كانت حتقول حبته
– لأ ما كانتش حتقول لانها قبل ما تيجي قالت انها ماحبتهوش بس كان بيحميها منهم.
نظر إليه أحمد يحثه على الاكمال
– هي خايفة عليك يا أحمد أنا مش عارف المفروض تعرف ولا اسيبك كده وتبعد عنها.
– ما تتكلم يا سيف أنا فعلا مش قادر حاسس اني بموت بالبطيء
– يا سيدي اطمن هي خايفة عليك منها شايفة انك تستاهل واحدة احسن منها خايفة تكرهاه عشان اللي حصل لها والصراحة عندها حق دي حاجة صعبة ومش سهل انك تتقبلها.
– انت بتتكلم جد يا سيف يعني هي بتبعد خايفة عليا بتحبني فعلاً.
– أيوة يا سيدي ما أنتم حكايتكم غريبة من الاول بتحسوا ببعض لاسلكي حبيتوا بعض عن بعد دي حتى لما سيبتها كانت جاية ورايا بس شكلها خافت تخرج.
انتفض أحمد اختفت سعادته وتبدلت بصدمة:
-بتقول كانت وراك.
– ايوة كانت ور..
لم يمهله فرصة للإكمال وتحرك سريعا عائدا، اندهش سيف لتحركه المفاجئ فركض خافه يحدثه باستنكار
-استني رايح فين أنا حفضل اجري وراك كده.
اجاب بحدة وهو يسرع الخطى:
– ماقولتش من الاول ليه لو خرجت فعلا ممكن تضيع للأبد شمس مش حتعرف تتحرك خطوتين لوحدها مش حتميز الطريق مش حاتحتمل لو ضاعت تاني يا سيف أنا لما صدقت لقيتها.
-ان شاء تكون موجودة هناك ما تقلقش.
قطعا الطريق للبيت بسرعة هائلة نادي أحمد على الحارس وسأله عنها
-هي فعلا وقفت شوية وبعدين خرجت
– شوفتها مشيت ازاي
-فضلت راحة جاية وما خدتش بالي مشيت ازاي في الاخر.
استشاط أحمد غضبا وتوتر بشدة
– اهدي يا أحمد اكيد ما مشيتش من مكان ما جينا وإلا كنا شوفناها يبقي اكيد مشيت الناحية التانية تعالي نجيب العربية وندور عليها.
تحرك أحمد في الاتجاه الاخر:
– أنا حأتحرك بسرعة ابقي هات انت العربية.
تحرك أحمد باحثا عنها وعاد سيف واحضر السيارة ولحق به
– اركب يا أحمد حنتحرك بالعربية اسرع.
الفصل الخامس عشر ‘هيثم’
صعد معه باحثين عنها حتى وصلوا لمفترق
– أنا حنزل وامشي من هنا وانت خد العربية من الناحية الثانية عشان متفرعة لكذا طريق.
ترجل أحمد من السيارة يبحث عنها بعينيه هنا وهناك يدقق في الوجوه حوله بعد فترة رآها جالسة امام احدي الاسوار ضامة نفسها ترتعش شعر بالراحة والألم بآن واحد ارتاح لرؤياها والألم لخوفها البادي عليها بوضوح اقترب منها وجثي امامها مسد على ظهرها بحنان فرفعت رأسها تنظر إليه بخوف طمأنها بعينيه اتصل بسيف لياتي إليه، فنظرت إليه تخبره:
– كنت خايفة قوي كنت شايفاه في كل مكان (تقصد جاد) كنت سامعاه بيضحك وبيقرب مني سمعتها وهي بتقولي جاد ولا العقاب حاسه بكل حاجة حصلت هناك وضع يده على ظهرها يمسد عليه فارتعشت متألمة ضمها إلى صدره يهمس بأذنها.
– مش حيوصلك تاني وحقك حأخده ده وعد عليا يا شمس اهدي يا حبيبتي انت في امان وجوة حضني لو ضعتي اضيع صدقيني اوعي تبعدي اوعي.
وصل سيف إليهم فحملها أحمد وصعد بها السيارة جلس بجوارها ضمها إليه يربت على ظهرها ويمسد عليه حتى وصلا للڤيلا حملها قابل والده بالداخل الذي استشاط غضبا لرؤيتهم هكذا.
تحدث بغضب وصوت عالي:
-أيه المنظر ده ايه اللي بيحصل؟
انتفضت مها:
-مالها يا أحمد ايه اللي حصل؟
– حطلعها اوضتها الاول يا امي.
صعد أحمد بشمس ووقف سيف مع والديه.
هثيم بغضب وحدة:
-ايه يا هانم المسخرة دي! هو ده اللي استحالة يغلط مش كفاية جاب واحدة من الشارع بيقول عليها حبيبت القلب.
مها بحدة:
-بص بقي بنت اختي خط احمر اياك اياك تتكلم عنها بالطريقة دي تاني وأكيد في سبب للي حصل.
جذب هيثم ذراعها بغضب فابعده سيف وحدثه باحترام
– بابا حضرتك فاهم غلط والله هي منهارة ومش قادرة حتى تقف عشان كدة أحمد شالها.
هيثم:
-انت بتشد ايدي وتزقني ما تضربني احسن. ماهو مش بعيدة ما اخوك الكبير بيقف قصادي ده طبيعي انك تعمل اكتر من كده.
– أنا آسف يا بابا مش قصدي بس دي امي بردوا وحضرتك فاهم غلط والله.
فتحدث بحدة وأمر:
-اللي حصل ده قلة ادب ماهي عيارها فالت عاشت عمرها من غير ظابط ولا رابط مش كفاية راجعة بعارها كمان بتلف عليكوا كل شوية الاقيها بتنصب شباكها على حد فيكوا مرة قاعدة معاك ومرة مع أخوك وبتتسهوك أنا بقولكوا اهو ابعدوا عنها بدل ما اقلب الدنيا على راسكم.
صعد أحمد بشمس لغرفتها وضعها على فراشها برفق ثم اخرج من جيب سترته حقنه مهدئة اعطاه اياها علي سابقا للطوارئ حقنها بها مكث بجانبها القليل من الوقت حتى غفت، ثم عاد إليهم بالأسفل فاستمع إلى والده وهو يسب شمس، فتحدث مدافعًا عنها بكل جوارحه:
– شمس دي هي اللي حمت رنا بنتك اللي نسيتها وما سألتش عليها لحد دلوقتي وأنا حفضل احمي شمس طول ما أنا عايش.
رد بتهكم جلى واستخفاف:
-يا اخي كنت احمي نفسك ولا اختك مش مكسوف من نفسك وانت بتقول على واحدة زي دي انها حمت اختك وانت ايه يا راجل يا اللي شبه البودي جارد فرحان باللي بتقولك يا اخي اتكسف على دمك.
ذبحه والده بحديثه حاول أحمد تمالك نفسه:
-قبل ما تعايرني بعجزي وأنا كنت في وسط عصابة ومتكتف اسأل نفسك انت كنت فين وعملت ايه فضلنا هناك اكتر من شهرين ونص كنت فيهم فين مسافر عشان شغلك ما عملتش اتصال واحد عشان ولادك بلاش أنا راجل مهما حصلي عادي طيب ما خوفتش على رنا في وسط ناس زي دي، بتعاير شمس باللي حصل فضلت محافظة على نفسها اكتر من ١٣سنة مالهاش نقطة ضعف وضحت بنفسها عشان رنا لما حكموا ان واحدة فيهم هي اللي تدفع التمن لأنك لما فكرت تعمل حاجة بعتنا وبلغت البوليس حتى ما كلمتش حد من المهمين اللي تعرفهم وكانت هي الضحية كان غصب عنها واجهت حيوان، تور هايج ضربها وبهدلها كانت على وشك الموت، لولا ستر ربنا واني لحقتها اللي فوق دي محاربة المفروض انك تكون اول واحد يحترمها لولاها كان زمانك موطي راسك وعينك مكسورة بس ازاي انت الحاجة الوحيدة اللي تفرق معاك هي الفلوس وشغلك.
كان رد هثيم صفعة قوية على وجهه، بهذه اللحظة خرجت مها من صدمتها من كلمات أحمد وحدثت هيثم بحدة
– لحد هنا يا هيثم وكفاية وان كنت تحملت السنين اللي فاتت عشان خاطر ولادي وشكلهم ادام الناس فأنا دلوقتي بقولك ابعد عن عيالي وبنت اختي اياك تفكر تمد ايدك على حد فيهم تاني أنا بقولك اهو
– وايه كمان وانت يا سيف قول كلمتين وشوف مين تاني عايز يقل ادبه ايه رأيكم بقي ان اللي فوق دي مش حتبات هنا ولا حتقعد في البيت ده تاني طلوعها بالذوق كدة بدل ما اتصرف انا.
اجابته مها بقطعية:
– يبقي كلنا حنمشي من هنا بس قبل ما نمشي لازم يحصل اللي كان المفروض يحصل من اول مرة مديت ايدك عليا وعلى عيالي طلقني يا هيثم.
ضحك بسخرية:
-لا لا أنا مش حاقدر على بُعْدكم تحدث بحدة الباب يفوت جمل يا هانم اللي عايز يمشي يغور في داهية بس لعلمكم سواء كنتم هنا او في اي داهيه البنت دي استحالة تتجوز حد من عيالي خلوها ترمي بلاها بعيد عننا وتشوف حد عدل يحميها فعلا بدل اللي على كلامه اغتصبوها قدام عينيه وقعد يتفرج.
طعنه مرة اخري بدون رحمة ثم تركهم، واتجه إلى غرفة المكتب.
مها بإشفاق على ابنها:
-معلش يا ابني حقك عليا، هي سامعة كل اللي اتقال ده؟
اجابها بثقل يماثل ما القى على مسامعه
– لا يا ماما هي نامت خدت حقنة مهدئة لو سمحتى حطي هدومها في شنطة معاكي وحاجات رنا كمان.
-: حاضر يا حبيبي ماتقلقش.
جمعت مها اغراضها واخذت مصاغها من عائلتها فقط تركت كل المصاغ الذي ابتاعه لها هيثم لا تعلم السبب ولكن صوت داخلها حدثها ان تفعل ثم اخذت إحدى القلادات من الصندوق وذهبت معها لاحدي ذكرياتها مع والدة هيثم وتذكرت كلماتها وهي توصيها على ابنها وتقلباته.
الماضي:
والدة هيثم: يا زين ما اختار هيثم والله كنت خايفة يختار غلط.
احرجت مها من كلماتها، فاسترسلت. حماتها:
-بصي يا بنتي أنا عايزة اقول لك حاجة عن هيثم هو طيب بس عصبي أحيانا ياخد قرارات غلط خليكي دايما في ضهره لو لاقيتيه اخد قرار غلط او استسهل في حاجة فوقيه بطريقة حلوة ما تعصبهوش.
-حاضر يا طنط هو فعلا عصبي ساعات بخاف منه وبيرجع يصالحني ويكون حنين.
– عارفة وهو صغير كان مشاغب قوي ودايما عامل مشاكل كان اللي يزعله من اصحابه ياخد منه اكتر حاجة بيحبها ويخبيها الغريبة انه ساعات يرميها ولو فلوس بيقطعها كانت تصرفاته غريبة لدرجة ان ابوه كان عايز يوديه لدكتور نفسي وده السبب انه مالوش اصحاب لحد النهاردة.
ردت باهتمام:
-والدكتور قال ايه؟
تفاجأت والدته:
-اخص عليكي يا مها أنا رفضت طبعا وكنت حسيب والده في الموضوع ده ابني مش مجنون هو ساعات كتير يتصرف غلط بس مش مجنون، أنا حاولت معاه كتير اتكلمت معاه وقربته من ربنا على قد ما قدرت ساعات كان يسمع باهتمام وساعات احس انه بيريحني وخلاص ياما باباه اتخانق معاه بس أنا كنت باخد موقف يمكن أنا السبب من غير ما اخد بالي في البعد مابينهم بس والله من خوفي على هيثم ماكنتش عايزاه يحس انه منبوذ او عدواني زي ما ابوه دايما يقول عليه هيثم طيب يمكن ساعات شيطانه بيقدر عليه أحيانا بياخد الطريق الاسهل حتى لو هو عارف انه غلط لكن اكيد الخير اللي اتزع جواه هو اللي حينتصر في الأخر المهم انتِ خليكِ جنبه حنينه عليه دايما فكريه بربنا وحبيه يا بنتي، دايما قريبه منه، خدي يا مها السلسلة دي هديتي ليكي خليها معاكي دايما ولو جبتي بنوته اديها لها يوم فرحها.
افاقت مها من ذكرياتها وجففت دموعها التي خذلتها:
-ياريت كنتِ ودتيه للدكتور يمكن كان اتغير، الله اعلم عامل ايه احنا مانعرفش عنه حاجة، قلبي بيقولي في مصايب أنا بخاف حتى افكر ممكن يكون عامل ايه مستخبي، يارب.
انتهوا من جمع اغراضهم حمل أحمد شمس للسيارة مرة اخري وذهبوا لفيلا جدهم والد مها وأميرة، ثم صعد لغرفتها وضعها على فراشها برفق ثم دثرها بالغطاء ومسد على رأسها ثم اغلق الباب خلفه.
اما مها فابتسمت اول ما خطت للداخل وشعرت براحة كبيرة استرجعت جميع ذكرياتها السعيدة بالمكان.
كانت الفيلا كما هي لم يحدث بها اي تغيير سوي غرفة شمس التي اعدها لها أحمد سابقا، صعدت مها لغرفتها القديمة تلتمس جميع ما بها مبتسمة شعرت بالسعادة التي افتقدتها لسنوات.
بالأسفل جلس سيف وأحمد الذي ظل شاردا فترة طويلة يعاد بعقله كلمات والده تقتله بالبطئ شعر به سيف يعلم بتأثير ما قاله والده عليه فتحدث بمرحه المعتاد
– شكلنا كدة حنام أنا وانت في اوضة واحدة وحنرجع لأيام ما كنا بنقعد مع جدوا زمان فاكر يا ميدوا.
– ميدوا! انت فايق وبتهزر وأنا الصراحة مش قادر.
– لا انت عارف مليش في النكد ده فكك وروق كده إحنا حنقعد مع بعض في اوضة واحدة خلينا حبايب كدة. هو عمي مروان راجع بكرة هو خالتو صح.
– ان شاء الله، حيجوا بالليل.
– انت كل شوية تبص في الساعة ليه وراك مشوار؟
– لأ شوية وتأثير المهدء يروح وشمس تفوق.
هبطت مها الدرج: اتأخرت عليكوا يا ولاد أنا حروح اجهز لكم العشا.
– معلش يا ماما من بكرة حيكون في حد معاكي يساعدك.
-عادي يا حبيبي ما تشلش هم أنا هاحط حاجات بسيطة كدة، هي شمس حتفوق امتي يا ابني؟
– هطلع اشوفها.
صعد إليها طرق غرفتها طرفات خفيفة ثم فتح الباب بهدوء اقترب منها وجدها لازلت نائمة نظر لها مطولا يدقق في ملامحها المنهكة الذابلة ثم تركها وعاد لسيف ودخلوا غرفتهم القديمة، فتحدث سيف بحنين لذكريات الماضي:
– يااه يا أحمد احساس مختلف أنا تقريبا كنت نسيت البيت هنا عارف بالرغم ان ابسط من فيلتنا بكتير بس تحس مريح اكتر ياما ضحكنا وهزرنا فيه كنا بنفرح من قلبنا فعلا.
ابتسم أحمد بحنين:
-فعلا يا سيف نفسي حاجات كتير ترجع زي زمان، تفتكر ينفع؟!
– بص هو مافيش حاجة راحت او حاجة حصلت ممكن ترجع لكن بايدينا نصلح الواقع ونحسن احوالنا، أحمد أنا خايف عليك مش حطلب منك اي حاجة غير انك تهدا وما تضغطش على نفسك بزيادة انت اطمنت ان شمس بتحبك وخايفة عليك اهدي بقي، أنا عارف ان اللي حصل النهاردة كتير بس التصادم ده كان حيحصل حيحصل، وبابا كان متحفز من البداية الفكرة حنوصل لفين ولإيه؟ المهم انك تفضل هادي كلنا محتاجينك يا أحمد انت اكتر من اخونا انت اب تاني لينا كلنا ليا ولرنا.
ابتسم بدعابة مسترسلًا:
-دي حتى ماما ساعات بحس انك بتعاملها على انها بنتك يا اخي.
ثم حدثه باستفزاز:
– حتى شمس مش بتعاملها كبنتك لكن شكلها وحجمها وانت جنبها شكلها بيكون زي بنتك بالظبط.
نجح في انتشاله من حزنه:
– انت فعلا عيل غلس قوم يلا من هنا ولا اقول لك أنا اللي قايم.
ثم تركه وتحرك خارج الغرفة، فتحدث سيف بمشاكَسة:
– روح لها يا عم يسهلوا يا سيدي.
خرج أحمد من الغرفة تنهد سيف بإرهاق وقلق متمنيًا:
– يارب ترتاح بقي يا أحمد أنا فعلا بقيت خايف عليك من كتر القلق والاجهاد شكلك بقي دايما تعبان ربنا يستر.
دخل أحمد بهدوء لغرفة شمس ووجداها لازالت نائمة تركها لفترة ثم عاد إليها مرة اخري بعد فترة بسيطة وبتلك المرة جلس على كرسي مقابل لفراشها يتاملها بصمت وهي بدأت التحرك بالفراش لبداية استيقاظها وبعد عدت ثواني حاولت الجلوس تشعر بصداع قوي كاد يفتك برأسها تفركها بيدها فأتاها صوت أحمد الذي اقترب منها وجثا امامها
– انت تعبانة؟ مصدعة؟
-شوية.
أبعد يدها واخذ يدلك هو رأسها بحنان:
-سلامتك يا شمس معلش تعالي اتعشي وفي وسط الاكل خدي مسكن ان شاء الله الصداع يروح.
استمر بتدليك رأسها فتحت عينها بعد قليل براحة اكثر فتوقف
– بقيتي احسن.
أماءت مؤيدة نظرت حولها بالغرفة تتذكر انها كانت بالڤيلا الأخرى نظرت إليه متسائلة بعينها، فابتسم لها، واجابها دون سؤال:
– جينا وانت نايمة مش هنا مريح اكتر ماما وسيف معانا وماما يا سيتي بتحضر بنفسها العشا ومن بكرة الدادة حترجع تاني.
نظر داخل عينيها وحدثها بصدق:
– عارفة حسيت بايه لما عرفت انك خرجتي؟ عارفة لما فكرت انك ممكن تضيعي تاني حسيت بإيه؟ روحي راحت مني ما تبعديش عني يا شمس اللي صبرني السنين اللي فاتت اني كنت حاسس انك عايشة وموجودة. كنت دايما حاسس بوجعك ما تبعديش يا شمس ما تبعديش.
نظرت له بصمت تخشي عليه منها ومن القادم تشفق عليه تعلم انها حمل ثقيل عليه لا تشك بجديته في حبها ومساعدتها لكنها تري انه يستحق الافضل والافضل بكثير فهي تشعر بعدم انتمائها للمكان كما كانت تشعر بالوكر باتت تشعر وكأن لا مكان لها بالعالم.
وقف أحمد ومد يده لها ونظر إليها يشجعها فمدت يدها جذبها له لتنهض وهو مبتسم دنى من أذنها وحدثها بهمس
– ما تبعديش يا شمسي أحمد لو غابت شمسه يموت.
شعر بارتعاشه جسدها أثر كلماته حاوط كتفها بيديه محافظا على بسمته:
-تعالي ننزل نتعشي انت ما اكلتيش من بدري.
تناولوا معا طعام العشاء وسط صمت لم يدم كثيراً كسره سيف بحديثه المرح ليهون عنهم وعنه ما حدث وما سيحدث كان أحمد يبتسم بسعادة لرؤية بسمة شمس مما جعله يجاري سيف بحديثه.
بعد ذلك جلسوا جميعا يتحدثون بحرية افتقدوها كثيراً
-هي أميرة راجعة بكرة فعلا
– ايوة يا ماما يوصلوا بالليل واتفقت مع عمي يقعدوا معانا هنا
-بجد يا أحمد حيقعدوا هنا مش حيروحوا شقتهم.
ابتسم لها:
– ايوة بجد وعمي رحب كمان قال كلنا حنحتاج لبعض الفترة دي.
تحدثت مها بحماس واشتياق:
– اخيرأً حنتجمع من تاني أميرة واحشاني فوق ما تتخيل نفسي اشوف سما وآسر اكيد كبروا ياتري شكلهم بقي ايه؟ اخر مرة شوفتهم من حوالي عشر سنين أنا مش مصدقه ان خلاص البعد تقريبا خلص.
فتحدث أحمد يطمئنها ويمني نفسه بالسعادة:
– ان شاء الله الجاي كله فرح، أنا كلمت الدادة وحتيجي من بدري تساعدك وتجهز معاكي كل حاجة وحتجيب معاها كمان حد يساعدكوا في توضيب المكان واي حاجة محتاجاها حنزل اشتريها الصبح.
– وشغلك يا حبيبي انت بقالك فترة مش مركز في شغلك ومش منتظم في المستشفى
– أنا كنت عامل حسابي وعامل اجازة الكام يوم دول عشان كدة كنت بتاخر الاسبوع اللي فات هناك هما عارفين ان ظروفي متلغبطة من الوقت اللي حصل وعاذرني وشوية وكل حاجة تكون مظبوطة وحياتنا كلها تستقر ان شاء الله.
تدخل سيف بالحوار مشتاقًا للجو العائلي:
– خالتو وحشتني قوي فعلا، ان شاء الله كل شئ يبقي كويس ونعيش حياتنا عادي ورنا تخف هي اخبارها ايه يا أحمد علي مش حيسمح لنا بالزيارة بقي طولت قوي وحشتني جداً وحشني اصحي الصبح على ضحكتها.
– لسه سأله الصبح هو بشرني انها تقدمت كتير.
نظر إلى شمس بابتسامة متحدثًا:
– من يوم ما شمس قعدت معاها استجابتها لهم زادت وبقت بتنام بشكل افضل وقللوا المنوم بالتدريج وتقريبا مش بتحتاجه دلوقتي.
تحدثت مها بألم واشتياق:
-ترجع بالسلامة اكتر من ثلاث شهور لا اشوفها ولا اضمها قلبي واجعني.
وجهت حديثها لشمس وتحدثت بابتسامة حزينة:
– عارفة يا شمس وجودك هو اللي بيهون عليا بعدها.
ابتسمت شمس بصمت.
فسألها أحمد:
– ساكتة ليه يا شمس.
– بسمعكوا.
شعر الجميع بقلقها مما سيحدث بالغد فأرادت مها طمأنتها واتاحة الفرصة لأحمد للحديث مها
– ما تقلقيش يا بنتي من بكرة كلنا حواليكي ومعاكي دي أميرة اخيرأً قلبها حيرتاح اما تشوفك وتاخدك في حضنها.
وجهت حديثها لسيف:
– سيفوا حبيبي تعالي معايا المطبخ ساعدني يا حبيبي.
– اوبس المطبخ أنا بقيت عثمان ماشي يا سيتو هانم أنا جاي اهو.
ضحكوا على خفة ظله وعلم هو ان والدته تريد اخلاء المكان لهم، بعد ان اختفي سيف ومها عن انظارهم نظر لشمس بابتسامة ووجدها ساهمة شاردة اقترب منها وجلس بجانبها.
– انت خايفة ولا قلقانة؟
نظرت إليه قليلا ثم تحدثت بخفوت:
– مش عارفة يمكن الاتنين.
– ماحدش يخاف من اهله، وبعدين اقلقي بس مش كدة طبيعي تكوني قلقانة لأنك حتشوفيهم بعد ١٣سنه و ٧ شهور وعشرين يوم.
نظرت إليه باندهاش فرد هو بابتسامة:
– ما أنا لقيتك من ٣ شهور وعشر أيام ما أنا كنت بعد الأيام في بعدك ولما لقيتك بقيت أعدها في قربك، مش عايزك تخافي من حاجة لا أنا ولا عمي حنسيبك يا شمسي.
إبتسمت له بامتنان وكأن كلماته البسيطة مدتها ببعض القوة لمواجهة الغد.
باليوم التالي كان الجميع يستعد للقادم ذهب سيف لعمله وأخبره أحمد بموعد وصول طائرة مروان ليستقبلهم هناك، عاونت مها شمس لاختيار الملابس التي سترتديها صممت شمس على ارتداء بلوزة بنطال كما اعتادت فخرج أحمد وعاد بملابس جديدة مناسبة، بنطال جيبة واسع قليلا وبلوزة مناسبة وطلب منها أحمد ترك شعرها مفرودا على ظهرها وطمأنها بانه سيكون قريبا منها طوال الوقت وكذلك والدها فوافقت لتسعده ولو قليلا.
اما مها فأعدت جميع انواع الطعام التي تحبها أميرة وارتدت أجمل ما لديها تشتاق للقاء.
أحمد حاول رسم سيناريو لما يمكن ان يحدث حاول توقع رد فعل آسر اخوها يدعوا ان الله الا يؤذيها بالحديث.
مروان أخبر أميرة بوجود مفاجأة سارة لها بمصر تمهيد لها يتمني ان تمر الفترة القادمة بسلام والا تزيد الفجوة بينه وبين أولاده يأمل أن يصلح ما أفسد دون أن يشعر.
أميرة كانت تشعر أن هناك ما يخفيه مروان ولم تستطع توقعه ولكن حدثها قلبها انه خبر جيد.
آسر لم يرد السفر من الاساس ولكنه امتثل لوالده خشي على سما من القادم يراوده على والدته.
سما تشفق على آسر ترتعب مما سيحدث لا تعلم هل تسعد لعودة اختها ام تخشاها، تهاب القادم.
سيف ذهب لعمله صباحاً ثم للمطار لاستقبالهم ما ان رأهم شعر بالاشتياق الشديد لهم فالعام الذي قضاه معهم كان من أجمل الاعوام التي مرت عليه اشعره مروان خلاله بحنان وعطف الاب الذي لم يشعر بمثله مع والده. أسرع إليهم تبادلوا الاحضان الحارة والمشتاقة وايضا الرسمية من قبل آسر الذي لم يتعرف عليه من الاساس ولم يتذكره هو او سما فقد كانوا بعامهم الثالث وقت سفرهم.
بالڤيلا كانوا جميعاً بالأسفل يترقبوا وصولهم مها جالسة على إحدى الارائك كالمنتظر ظهور نتيجة امتحان هام أحمد يخفي توتره غير قادر على الجلوس شمس واقفة بأبعد مكان عن الباب تستند على الحائط شاردة.
وصل سيف دخل أولًا تبعه مروان ممسك بيد أميرة يسندها ويعاونها للتحرك وخلفهم ابنائهم شعرت أميرة براحة شديدة بدخولها المكان وبعض النشوة تتسارع ضربات قلبها بسعادة تجهل سببها.
أحمد احتضنها:
-حمد الله على السلامة يا خالتو.
-الله يسلمك يا حبيبي.
نظرت إليه وامتلئت عينها بالدموع:
-حفظت وعودك يا حبيبي ربنا يحفظك تصدق لما شوفتك كإني شوفتها بالظبط ربنا يريح قلبك يارب.
مها واقتربت من اختها تلمع عينها بسعادة شديدة لدرجة الدموع ضمتها باشتياق اعوام:
– وحشيني، وحشتيني قوي كل دي غيبة كنت حاسة اني حموت والله بعدك صعب قوي حسيت باليتم في بعدك يا أميرة كنت وحيدة من غيرك.
أميرة بدموع مماثلة:
– مقدرتش اقعد في البلد اللي حرمتني منها، ماكنتش عايزة اعمل اك مشاكل مع هيثم اكتر من اللي وصلتوا لها بسببي، انت كمان وحشتيني قوي والله.
مها وهي تخفف دموعها ودموع اختها:
– كفاية دموع بقي تعالي اقعدي أنا ما تخيلتش إنك تعبانه كدة.
تابعت شمس باهتمام، لامت نفسها وحملتها مسؤولية ما آلت إليه والدتها، حاولت دفن مشاعرها داخلها كما كانت تفعل بالسابق، وبالكاد حبست دموعها التي لمعت بعينها تنذر بالسقوط.
تبادل الجميع السلام بود شديد ماعدا سما وآسر برسمية شديدة وزاد عليها آسر ترقب بحث بعينه عن شمس حتى رأي شابة تقف باخر المكان دقق في ملامحها وهيئتها لم يغب عنه التشابه الشديد بينها وبين والدته ابتسم بتهكم خفيف، لم يلاحظ حركته تلك سوى سما، فنظرت حيث ثبت نظره، التمعت عينها بدموع خفيفة دموع اشتياق للأخت العائدة وكذلك خوفا من الآتي، شعرت بمشاعر كثيرة مختلطة داخلها، عجزت عن فهم معناها.
أما مروان فتبادل النظرات مع أحمد استعدادا للقادم وترحيب وقف كل منهما بالقرب من احدي الطرفين مروان بالقرب من أميرة وأحمد بالقرب من شمس مستعدين لكل احتمال.
جالت أميرة بعينها في المكان وكأنها تبحث عن شيء مفقود، نظرات حائرة، ثم تحدثت بتعجب من مشاعرها
– أنا كدة بأحسن احوالي امال لو شوفتيني في الأيام اللي ببقي تعبانة فيها حتقولي ايه، عارفة أنا حاسة بحاجة غريبة من وقت ما دخلت حاسة براحة حاسة كأن فـ…
قطعت حديثها عندما وقعت عينها على شمس التي تابعت حديثها من البداية وشعرت بتأنيب تجاه والدتها، كما رأت نظرة آسر لها، شعرت بعدم رغبته في وجودها وكذلك وأدركت كم التخبط داخل سما؛ فنظرت لوالدها تستمد منه القوة ثم عادت وثبتت رؤيتها على والدتها.
أميرة وثبتت عينها على شمس: مين الأمورة دي؟ مش شبهك يا مها، مش رنا يا مها صح؟
الفصل السادس عشر ‘ضربة موجعة’
وجهت لها الحديث:
-تعالي عندي يا بنتي انت مين؟
اقتربت شمس بخطي ثقيلة دون حديث وجثت امامها، لم تفارق مقلتيهما صورة الأخرى، تتحدث الأعين وكذلك القلوب.
ثواني مرت ثم التفتت أميرة لمروان، انهرت الدموع تتساقط من مقلتيها:
-هي دي المفاجأة، صح؟ هي يا مروان، صح؟
ابتسم لها واماء لها مؤكدا، نظرت لشمس وتحدثت وصوتها يكاد يختنق من الدموع.
– قولي إنك هي وإنك رجعتي تاني لحضني قولي زي زمان (Surprise ) أنا جيت يا مامي.
انسابت دموع شمس لم تستطع الحديث فجذبتها أميرة تضمها باشتياق شديد تتأوه بتعب سنوات وسنوات
-وحشتيني قوي كنت بموت من غيرك، الحمد لله الحمد لله اني شوفتك من تاني وقلبي ارتاح أنا .. أنا فرحانة قوي رجعتي لي الفرحة من تاني قولي يا مامي عايزة اسمعها سمعيني صوتك.
ابعدتها قليلا تمعن النظر بوجهها مسترسلة:
-انت حلوة قوي يا شمس جميلة ملامحك هادية زيك، مش بتتكلمي ليه يا بنتي سمعيني صوتك يا شمس، يااااااااااه كنت خايفة ما اشوفكيش تاني، صوت اسمك وأنا شايفاكي مختلف.
عادت وجذبتها إليها:
-عارفة أنا مابطلتش اقول اسمك ابدا كنت بنادي عليكي على طول بس وقتها قلبي كان بيوجعني لكن دلوقتي أنا فرحانة لدرجة اني حاسة اني طايرة من كتر الفرحة، خايفة اكون بحلم واصحي ما تكونيش هنا، كنت بحلم كتير بيكي واصحي ما الاقيكيش وافضل انده عليكي لحد صوتي ما يروح.
شمس بالكاد صوتها يسمع من اختناقه بالدموع:
– أنا آسفة، انتم كمان وحشتوني قوي، قوي.
أميرة:
-صوتك حلو قوي يا شمس، مشيتي ليه يا شمس ايه حصل لك بعد ما روحتى يا بنتي احكي لي.
مسحت دموع شمس ودموعها:
– لا لا لا بلاش خلينا دلوقتي نفرح أنا …أنا مش عارفة اقول ايه.
تأثر الجميع وانسابت دموعهم بصمت حتى آسر تضاربت احساسيه ما بين اشفاق على والدته وبين غيرة من تلك السعادة التي تلمع بعينها فور عودة شمس لما لم يراها معهما ولو مرة واحدة، أما سما فلم تستطع تحديد مشاعرها، فاضت عيونها بالدموع تتشبث بآسر مأمنها وسندها.
اقترب مروان بعدما مسح دموعه التي انسابت محدث أميرة:
– خلينا دلوقتي في الفرحة يا أميرة تعالوا يا ولاد هنا تعالوا سلموا على أختكم ورحبوا بِها.
اقتربا منهم جثت سما امامهم وقف آسر ينظر لهم غير راغب بالانضمام، لم يمهله والده فرصة للتفكير وجذبه إليهم وضمهم جميعا، كم رغب في هذه اللحظة لأعوام واعوام! اغمض عينيه يتلذذ بها تأوهت أميرة وهي تضم ابنائها الثلاثة بإشتياق شديد
أميرة:
– آااااااااااه كنت خايفة اموت قبل اللحظة دي ولادي كلهم في حضني آااااااه اللهم لك الحمد والشكر يارب ما تحرمني من حد فيهم احفظهم واحميهم وديمهم لبعض سند وقوة.
ابتعدت عنهم قليلا تنظر إلى ثلاثتهم امامها بفرحة واشتياق وراحة اخيرا وبعد سنوات ربتت بيديها على وجوههم الثلاثة حدثتهم بدموع سامحوني عارفة إني قصرت معَكم كلكم مش بإيدي يا ولاد.
نظرت لأسر وسما وهي تدق على موضع قلبها بوهن:
-كان موجوع لدرجة انه يتمني الموت كان حمل جوه جسمي وجعه ماقلش يوم سامحوني.
لم يستطع اي منهم الحديث فقبلوا يدها وانفجرت دموعهم، ثم نظرت إلى شمس مسترسلة:
– كنت بلوم نفسي كل يوم لاني سيبتك وما سمعتش كلام قلبي اللي قالى اوعي تسيبيها لا انت ولا مروان ولا أحمد معَها حقك عليٌا وعلى قلبي اذيتك سنين.
شمس بصوت خافت:
– أنا اللي ما سمعتش كلامكم وجعتكم حقكم عليا.
ضمهم مروان جميعاً ثم ابعدهم قليلا برفق:
-الحمد لله اننا تجمعنا تاني ان شاء الله نعوض اللي فات ولا ايه يا ولاد؟
أماءوا له مؤيدين ولكن حملت القلوب مشاعر مختلفة.
قاطعهم سيف بمرحه المعتاد بالرغم من دموعه التي انسابت:
-لا يا جماعة جو الدراما والنكد والكلام ده ماليش فيه أنا بقول لكم اهو.
ابتسمت أميرة:
-مش حتتغير ابداً.
– لا بعد الشر عليّا.
أحمد وهو يجفف دموعه:
-طبعا حتفضل طول عمرك غلس.
مها وهي تجفف دموعها تشتاق هي الأخرى لضم صغيرتها:
-طيب يلا عشان نأكل مع بعض أنا عاملة كل الاصناف اللي بتحبيها يا أميرة يلا.
على الطعام جلست شمس بجانب والدتها تليها سما ثم آسر وجلس أحمد مقابل شمس على يمينه والدته وسيف على يساره واصرت مها ان يترأس السفرة مروان، طغت الفرحة على الجميع تابعهم مروان خلسة رأي محاولة آسر عدم اظهار الفرحة وشعر بتضارب مشاعره وقلقه من القادم، اما سما شاردة تنظر دون لفت الانتباه لشمس تتمني اهتمام والدتها بها مثلما تفعل مع أختها، شاهد فرحة شمس من خلف قلقها وتوترها وكأنها تخاف ان تسمح للسعادة بدخول حياتها تخشي القادم ، ابتسم بسعادة اخيراً لرؤية أميرة وهو يرى بسمتها الصادقة النابعة من قلب سعادتها، ويستمع لضحكاتها الصافية التي اشتاقها طويلاً، لاحظ شرود مها بالرغم من فرحتها بهم وكأن سعادتها منقوصة، فسريعا تذكر مرض رنا ووجودها بالمشفى، لم يختلف أحمد عن والدته كثيرا الاختلاف في طريقة التعبير، فهو يعلم أحمد عن ظهر قلب، كان أباً له لمدة عام كامل، وسيف الذي دوما ما يخفي مشاعره وكلما زاد ضغطه زاد مرحه كوسيلة للتنفيس عما بداخله. كل ذلك جعل الامل يدب بداخله فبعد حديثه مع آسر الثائر توقع حدوث صدام قوي بأول لقاء حمد ربه بسره ان ظنه بابنه قد خاب وأحسن آسر التصرف كعادته.
كسر الصمت سيف:
– ايه يا جماعة أنا قولت مش حنسكت طول الوقت وحنصدع من كتر الكلام لا اسكت الله لكم حِسَاً.
ضحكوا على كلماته
أميرة:
-من الفرحة يا ابني كنت فاكرة عمرنا حنتجمع تاني.
مروان:
-خلاص يا أميرة ننسي اللي فات يا حبيبتي ان شاء الله الجاي كله خير وسعادة، قولي يا أحمد رنا اخبارها ايه لسه مفيش تقدم في حالتها.
أميرة بلهفة:
– مالها رنا
التفتت لاختها متسائلة:
– مالها يا مها؟
أدمعت مها فاجاب أحمد:
-لا دي حكاية طويلة يا خالتو اكيد حتعرفيها بس مش النهاردة، هي يا عمي بقت احسن تقدمت الحمد لله خصوصا لما زارتها شمس الدكتور قال زيارتها فرقت كتير.
نظرت إليه شمس ممتنة فهي تعلم بانه صرح بذلك امام اخوتها عامداً.
فتحدث مروان باسماً:
-الحمد لله ربنا يتم شفاها على خير.
دار بنهم حديث عادي التزم آسر خلاله بالصمت وكذلك سما وشمس.
بعد العشاء جلس الجميع وقص عليهم أحمد ما حدث وكيف علم بانها ابنه خالته باختصار دون ان يخبرهم عما حدث لها متأكد إنهم سيعلمون لاحقا ولكنه اراد فقط التأجيل.
طوال الوقت كانت أميرة تضم شمس تجذبها إليها كلما ابتعدت بالرغم من شعور شمس بسعادة وراحة شديدة الا انها لاحظت نظرات سما الذابلة التي تتابعهم خفية تتمني ان تنعم بأحضان والدتها مع تلك النظرة ولمعت العين شعر آسر بها وضمها إليه فلديه ايضا نفس الاحساس. طال الحديث الذي لم تستمع أميرة منه سوي حكاية ابنتها فقط، ثم سألت أحمد عن رنا وعندما بدء يجيبها قطع حديثه رنين هاتفه.
وكان اتصال من صديقه علي.
انتفض أحمد عندما وجد الاتصال من علي:
– خير يا علي رنا جري لها حاجة.
أجابه علي بدعابة كعادتهما:
– يا ابني في ايه؟ بالراحة هو مش أنا صاحبك بردوا وممكن اكلمك في اي وقت على العموم اطمن هي بخير وعندي بشرى حلوة كمان.
سعد أحمد بشدة:
– بجد اي هي؟
– سمحت لها بالزيارة ممكن تيجوا بكرة لو عايزين بس اهم حاجة تطمنوها وماحدش يضغط عليها.
أحمد وكاد يطير فرحاً:
-مش عارف اقول لك ايه أنا مش مصدق طيب بكرة حنكون عندك.
انهي الاتصال مع صديقه وسألته مها بلهفة واضحة تلمع عينها بدموع الاشتياق:
-خير يا ابني طمني؟
– كل خير يا امي اخيراً حنشوفها علي سمح لها بالزيارة وحنروح بكرة.
بكت مها من فرط السعادة التي غمرتها فأخيرا ستري ابنتها تشعر وكأنها ابتعدت عنها لأعوام ربتت أميرة على ظهرها ضمتها إليها فهي تعلم جيدا شعورها وكم هو مؤلم. قطع سيف فرط المشاعر الحزينة بمرحه الذي يخفي خلفه المه وشوقه لأخته الصغيرة.
– لا ما اهو مش هانقضيها عياط ومشاعر أنا عايز اناااااام.
مها وهي تجفف دموعها:
-اكيد انتم تعبانين من السفر أنا اسفة والله من فرحتي، بصي يا أميرة أنا جهرت اوضة بابا عشانك إنت ومروان وسما حتقعد في اوضتك القديمة وآسر معلش بقي في اوضة الضيوف.
أميرة:
-امال لما رنا حترجع حتقعد فين؟
مها برجاء:
-تقعد معايا، هي ترجع بس الاول ادعي لها يا أميرة.
أميرة: ان شاء الله ترجع قريب ربنا كريم.
مروان: يلا يا جماعة على رأي سيف أنا عايز اناااام.
ضحك الجميع، صعد سيف ووالدته لغرفهم واصطحب مروان أميرة للغرفة وطلب من ابناؤه الثلاثة انتظاره بالأسفل، عاد إليهم بعد قليل ونظر إليهم بسعادة واردف
-من وقت ما أميرة ولدتكم كان نفسي اخدكم انتم الثلاثة في حضني وادخلكم اوضكم صحيح مش حقدر اشيلكم بس ممكن اخدكم في حضني.
ضمهم الثلاثة فاض عناقهم بمشاعر كثيرة ارضتهم الاربعة بل الخمسة حيث ظل أحمد بالأسفل كي يطمئن على معذبته، طال العناق ثم فصله مروان مبتسما حاوط ابناؤه بيديه جعل كل إبنة على جانب وحاول ابقاء آسر بجانب شمس الذي ادرك سريعا هدف والده ولزم مكانه بجانب سما يدعمها ابتسم مروان لعناد ابنه وتمني بداخله ان تنال شمس اهتمامه ورعايته يوما، وبالأعلى وقف مروان امام غرفة شمس المجاورة لغرفة سما تحدث مروان
– ادخل مع اختك استنوني جوه.
–
تركهما ودخل مع شمس لغرفتها وشعر بازدياد رجفتها وجسدها المتيبس لدي عبورها من باب الغرفة، المه ذلك بعنف لا يعلم متي تتخلص ابنته من تلك العقدة اطمئن عليها ضمها برفق واعتذر منها لغيابه عنها الأسبوع الماضي ووعدها ألا يتركها إلا بانتهاء أجله، لم تجد من الكلمات ما يسعفها لتجيبه لم يكن منها إلا إنها طالعته برجاء وارتمت بين ذراعيه تتشبث به تخبره بمشاعرها ألا يعيد قوله؛ فشدد من ضمها وقبلها بحنان ابوي، تركها وعاد لتوأمه.
مروان مبتسما:
– النهاردة أسعد يوم في حياتي عشان كلكم حواليا، غلاوتكم عندي واحدة، كنت فاكر إني ماقصرتش معاكم وإني عوضتكم عن جزء من غياب أميرة عنكم.
ابتسم بألم وعينه مثبته على آسر:
-لكن اكتشفت اني كنت بوهم نفسي مش حبرر اللي فات لكن اوعدكم بكل طاقتي اعوضكم كلكم في اللي جاي سواء انتم او شمس اختكم مش طالب منكم غير انكم تحاولوا تتقبلوها بلاش تحسِّسوها انها مش مرغوب فيها اختكم شافت كتير قوي، انحرمت من ابسط حقوقها، عارفين انها صعب انها تعدي من اي باب بسبب اللي شافته هناك عشان كدة أنا طلعتها اوضتها ودخلتها جوه، كل اللي طالبه منكم تدوا نفسكم فرصة تقربوا منها، ممكن؟؟
أماءت له سما موافقة بينما نظر له آسر مطولا ولم يجب، اخذ مران كفه بين راحتيه وأردف برجاء
– يا حبيبي عشان خاطري أنا مش حطلب منك او ارغمك على حاجة بس سيب نفسك وخليك متاكد ان اللي فات كان قدر ونصيب اختك في اللي حصل مجني عليها زيكم وللأسف الجاني لسه طليق حتى ما نعرفش هو مين بس مش هاهدى غير أما نوصله ويتحاكم بحق عذاب السنين دي كلها، ولو حد غلطان في اللي فات يبقي أنا للأسف عجزت عن حماية اختكم وصدقت موتها وقصرت معاكم، افتح لها قلبك يا ابني او على الاقل ما تقفلوش.
انهي مروان حديثه عينه مثبته بعين اسر برجاء اكملت الاعين حديثها اشفق اسر على والده وبنفس الوقت لمس حديثه جانب بقلبه وايضا فضول لمعرفة تفاصيل ما حدث وترقب لما سيحدث فأماء لوالده موافق على طلبه ولم يتحدث، ابتسم له مروان بشكر واكتفي بذلك في الوقت الراهن وضمه إلى صدره واردف.
مروان: طول عمرك أكبر من سنك بكتير، ربنا يبارك فيك وفي عقلك.
نظر له بامتنان واسترسل:
– تعالي اوريك اوضتك فين.
آسر: هفضل مع سما شوية يا بابا.
مروان: تعالى شوفها وابقي ارجع لها تاني تعالي.
عاد آسر لسما واتجه مروان لغرفته فرأي أحمد يصعد لغرفته تقابلت وجوههما وتحدثت اعينهم اماء له مروان ليطمأنه بأنهم بالطريق الصحيح والطريق ممهد حتى الان.
دخل أحمد لغرفته وسجل لشمس على البرنامج
– الحمد لله اليوم عدي بخير ما تقلقيش أنا دايما معاكي يا شمسي، أنا مبسوط قوي اني حشوف رنا بكرة تفتكري زعلانة مني أنا عارف انك مش حتردي بس كان نفسي تطمنيني أنا فعلا قلقان قوي. تصبحي على خير.
استلقي على الفراش بعد ان اغلق الهاتف فهو على يقين من انها لن تجيبه فكل يوم تستمع إليه وتكتفي بالصمت ولكن خلفت ظنه هذه المرة فهي تعلم مدي قلقه فاجابت باختصار.
– يا رب دايما مبسوط هي مش زعلانة هي محتاجة حضنك طمنها وبس، تصبح على خير.
ابتسم بسعادة بعد ان استمع لكلماتها المختصرة وكانه امتلك العالم، اخيرا صوتها هو اخر ما وقع على سمعه حلم اخيراً تحقق ولو لمرة واحدة.
ابتسم سيف بسعادة فهو كان مدعي النوم منذ دخول أحمد للغرفة فهو متعب بشده يريد النوم ولا يستطيع الحديث ولكنه يريد الاطمئنان على اخيه قبل ان يستسلم كلياً للنوم يعلم بما يدور داخله، سعد لاهتمام شمس وإنها اراحته بكلماتها البسيطة وسعد بشدة لفرحة أحمد وراحته دعي بداخله ان يتجاوزوا جميعا تلك المحنة وان يخرجوا منها بخير غير فاقدين او مفقودين.
عند سما طمأنها اسر انه دائماً معها تحدثا قليلا عما حدث تجنبا الحديث عن شمس بالكلمات ولكن تحدثا بالأعين فقط فكلاهما يعلم ان سما تريد اعطائها تلك الفرصة وترحب ولكن اسر داخله نزاع محسوم ضدها يحملها جرم ما حدث لهما من اهمال وخوف وبعد عن الاهل والوطن ، بالنهاية قررت سما أخذ جانب آسر فهو لها أباً وأخاً، هو حنان وحماية وامان ستحاول إقناعه ولكن لن تخالفه.
اما مها فكانت سعيدة ومشتاقة للقاء الغد لم تعتاد البعد عن ابنائها يعتصر قلبها ألماً على ابنتها، بوسط فرحتها بانها اخيراً ستضمها لصَدرها وتعانقها وبالتأكيد سيكون عناقا طويلا تطفي به نيران البعد والقلق إلا ان هيثم قفز بمخيلتها فاجأة فانقبض قلبها تخشي ما يعده لهم تعلم انه لن يمرر ما حدث مرور الكرام وانه يختزله لوقت يرد لهم فيه ما تلقاه منهم مضاعفاً.
اخيرا انتهي اليوم وخلد الجميع للنوم للاستعداد لغد يحمل بطياته الكثير.
وبصباح اليوم التالي استيقظ الجميع باكرا مر مروان على شمس تحت نظرات أحمد المتابعة له واصطحبها للأسفل مر اسر على سما وكذلك مها على أميرة عندما وجدت مروان مع شمس. ظل أحمد محله ينظر في اثر شمس شارد بعالم اخر افاقه سيف الذي وقف بجانبه ووضع يده على كتفه.
– طاب ما تنزل تحت بدل ما انت واقف هنا وحتقعد معاها عادي
– مش عارف يا سيف حاسس إن كل يوم بتبعد اكتر من اليوم اللي قبله.
ربت سيف على كتفة:
– يا عم بطل تراجيديا بقي ماهي ردت عليك امبارح.
ضيق أحمد عينه:
-دا انت مراقبنا بقي.
سيف وهو يتحرك للأسفل:
-خلينا قاعدين هنا بقي وسيبها تحت امال ايه أنا دايما معاكي أنا دايما جنبك، يا سيدي يلا، بدل اخوها ما ياكُلها، مش شايف بيبص لها ازاي، الواد ده 14 سنة إزاي، بطوله ده يبقي في الجامعة مش اعدادية.
اسرع أحمد متجه لأسفل فهو قلق بالفعل من رد فعل اسر يشعر وكانه يتوعدها, وبالفعل كانت هناك حرب نظرات شنها أسر ضد شمس التي اخفضت راسها ارضا, فاقترب منها أحمد ورفع راسها برفق
– قولت لك ما توطيش راسك ابدا.
ازدادت نظرات اسر حدة وتنفس بحدة لا يريد الحديث من اجل والديه ولما وجد أحمد مستمر بقربه من شمس ويتحدث معها بخفوت لا يعلم أيشعر بالغيرة أم تحرك من باب الكرامة؟ اقترب منهما وابعد يد أحمد التي لا زالت تمسك وجهها
– يا ترى ده العادي تبقوا كده؟! طيب، لو هي محدش علمها الصح والغلط، حضرتك ايه بقي ؟!
اقترب مروان مسرعا عندما سمع حديث ابنه، وتحدث غاضبًا:
– ده بدل ما تشكره لأنه مهتم باختك وإنه انقذها بعد السنين دي كلها؟ على الاقل راعي فرق السن بينك وبينه وانت بتتكلم معاه.
أسر بتهكم:
-والله متشكرين فعلا.
غضب أحمد من طريقة حديثه والتزم الصمت من اجل شمس اما مروان فتحدث بغضب
مروان: هو ده اتفاقنا يا اسر…
لم يكمل مروان حديثه فاقطعته شمس
-آسر مش غلطان ولا أحمد أنا السبب عشان خليت أحمد يفتكر إني متضايقة وتسببت في المشكلة دي.
شعرت بغضب أحمد وانه هَمْ ليتحدث فنظرت له برجاء فهمه هو فالتزم الصمت من اجلها، اما مروان تنَهَد بإحباط ونظر لآسر بعتاب أما اسر فَفُوجئ بحديثها، لم يتوقع ابدا ان تدفع عنه هجوم والده، لم يهتم بنظرات أحمد الغاضبة ولا نظرات والده اللائمة، لكنه نظر لشمس مطولا محاولًا استكشافها.
تحرك كل منهم جلسوا بأماكنهم صمتت الالسنة وتحدثت الأعين أحمد تحذير لآسر وطمأنة لشمس، ومروان رجاء لآسر وحزم بآن واحد، ونظرات مطمئنة لشمس، أما آسر فامتلأت نظراته بالتحدي والغموض.
حرصت شمس ألا تخفض رأسها وبنفس الوقت تجنبت النظر لأي منهم، لاحظ كل من سيف وسما حرب النظرات الدائرة أشفق سيف على اخوه وشمس اما سما فأشفقت على الجميع وعلى نفسها أيضاً ودعا كلاهما بداخله ان تهدأ الامور وتستقر
بعد قليل جلس الجميع يتناولون طعام الافطار ساد الصمت قليلا ثم قطعته أميرة التي نظرت إلى اختها مها تطمئنها واردفت
-ما تقلقيش يا حببتي ان شاء الله تحكون بخير وشوية وتكون في حضنك ومعانا كلنا.
تنَهَدت مها بوجع:
– يا ريت يا أميرة أنا تعبت قوي يا حبيبتي كنت فاكرة إني حاسة بيكي لحد ما ولادي اتخطفوا ساعتها عرفت قد ايه قلبك اتحرق على شمس سنين.
صمتت أميرة بألم وكذلك تألمت شمس من أجل والدتها حبست دموعها التي جاهدت للسقوط اخفضت سما رأسها ووجه الجميع أنظارهم لمها التي لم تدرك نظراتهم بالبداية، وسريعا ادركت مدي الألم الذي سببته لأختها فأردفت معتذرة.
-حقك عليا يا أميرة والله ما قصدت سامحيني.
أميرة مبتسمة ونظرها مثبت على شمس:
– ولا يهمك المهم إنها دلوقتي معنا، اخيرا ولادي كلهم معايا، ربنا يردها لحضنك قريب قوي يا حبيبتي وتفرحي بها يلا كلي وخليكي مبتسمة في وشها اوعي تبكي لما تشوفيها.
مها: ربنا ما يحرمني منك يا أميرة أنا مش مصدقة إنك معايا من تاني، سامحيني عشان حسيبك النهاردة.
أميرة: ولا يهمك أنا النهاردة حعمل لكم الغدا أنا وشمس وسما صح يا بنات.
نظرت شمس إليها بسعادة فهي كانت تعتقد إنها لن تعيش مثل هذه اللحظات ابداً وكذاك سما شعرت بذات السعادة فسوف تشارك والدتها وأختها اعداد الطعام شردت تتذوق تلك الكلمات التي رددتها بداخلها غمرتها السعادة فهي لم تختبر ذلك الشعور من قبل، أماءت الاختان موافقتان والتفت كلاهما للأخرى مبتسمة فغمرتهما السعادة للمرة الثانية. ارضي هذا الجميع حتى آسر الذي سعد لتلك الفرحة التي ظهرت على وجه سما والتي لم يراها من قبل وهذا ارضاه كثيرا ولكن لم يخلوا الأمر من بعض القلق.
ابتسم كل من أحمد ومروان برضا وتلاهم سيف باطمئنان فالأمور تمضي بالاتجاه السليم، انتهي الجميع ذهب أحمد وسيف لعملهم على أن يعود سيف ويصطحب والدته يأخذها إلى لزيارة اخته ويلحقهم أحمد، جلسوا جميعا حاول مروان ادارة الحديث بينهم.
مر الوقت سريعا ذهبت مها إلى ابنتها وكذلك خرج مروان لمقابلت محاميه بعد ان اوصي آسر على اختيه وطلب الا يحاول ايذائها بكلماته، وبدأت أميرة في اعداد الطعام مع ابنتيها تحت انظار آسر المراقبة لهم بداخله فرحة لمتابعتهم ورؤية السعادة بعين والدته اخيراً وتلك اللمعه السعيدة بعين اخته التي راها اخيرا بعينها بصحبة والدتهم فدوما كانت لمعة مليئة بدموع الحزن والألم، شعر بالرضا بداخله واطمئن بداخله فابتعد وجلس بالخارج يتصفح هاتفه وبرامج التواصل الإجتماعي.
مر الوقت عليهم بمرح هادئ أسعدهم جميعا.
أميرة مبتسمة:
-خلاص يا بنات كدة خلصنا والأكل شوية ويستوي تعالوا نرتاح شوية.
سما: أنا حعمل شاي أنا مصدعة ومحتاجة اشرب شاي مظبوط.
شمس: أنا ممكن اعمل لك الشاي أنا بعمله مظبوط قوي.
أميرة: أنا هاطلع ارتاح وانام اشربوا شاي مع بعض.
تركتهم وصعدت لأعلى، رأي أسر والدته خشي على سما من شمس فذهب إليهم خفيه كي يري ما يحدث دون ان تلاحظاه ليعرف نية شمس. اما بداخل المطبخ بعد خروج والدتهم.
سما مبتسمة:
-انت بتعرفي تظبطي الشاي دايما بيطلع مني خفيف قوي او تقيل قوي والسكر يا زيادة يا ناقص دايما آسر يتريق عليا هو اللي بيظبطه.
شمس: ده تقريبا الحاجة الوحيدة اللي بعرف اعملها ومظبوط جدا.
سما: يبقي نعمل لآسر كمان.
أماءت لها موافقة وتعلو وجهها ابتسامة رقيقة بادلتها سما بابتسامة مماثلة اعدت شمس الشاي وامسكت بالبراد لتصب بالأكواب واخذت سما الملعقة
-شكله شاي اسطوري فعلا أنا حقلب وانتي بتصبي.
شمس بخجل:
-مش فاهمة بس حيعجبك ان شاء الله.
كادت كلاهما التحدث لولا انهما شعرتا بقرب آسر من المطبخ بالرغم من تعمده لعدم اصدار اي صوت او شيء يلفت انتباههما، وادي ذلك لشرود الاختين لثواني قليلة للغاية افاقوا من شرودهما على صراخ سما لسقوط بعض المياه على يدها، شهقت شمس بلهفة وخوف على سما تركت البراد واخذت بيد اختها ووضعتها تحت المياه.
أما سما فبرغم المها احبت تلك اللهفة التي رأتها بعين شمس انتبهت كلتاهما على صوت آسر الغاضب محدثا شمس
– كنت متأكد انك حتاذيها والحروق محتاجة علاج مش شوية مية.
نفض يد شمس عنها وجفف يد سما بلطف بتلك المناديل التي احضرها مسبقا ووضع على يدها بعض الكريمات المخصصة للحروق امسك يدها المحروقة بحرص وحاوط كتفها بيده الأخرى وتحرك بها نحو غرفتها سلطت سما نظرها بإشفاق على شمس التي اخفضت راسها بانكسار، تحركت معهم شمس وبالدور العلوي دلف أسر الغرفة مع سما وتعمد ان يسرع خطوته عن شمس وبالفعل لم تلحق بهم شمس واصبح الباب كسد منيع بينهم فقد ازداد خوفها من مرور اي بوابة او باب بعد ان كادت تفقد اهلها للمرة الثانية؛ فوقفت امام باب الغرفة من الخارج مخفضة رأسها وتحدثت بوهن.
-ما كنش قصدي احرق ايدها والله، وما اعرفش علاج للحرق غير الميه، أسفة.
أنهت جملتها وابتعدت، فنظرت سما لأخيها معاتبة تنهد أسر بإرهاق، تابع شمس بعينيه يري هل ستتعمد احداث صدام أم لا؟
أما شمس فالتفت متوجهه لغرفتها وقفت امامها حركت مقبض الباب فتحت الباب ظلت تنظر موضع قدمها تاره وامامها تارة اخري تنهدت بألم نظرت لغرفة والدتها تحركت نحوها رفعت يدها وكادت ان تطرق الباب لكنها تراجعت باخر لحظة فهي لا تريد حدوث اي مشكله لإخوتها وخشت حدوث اي صدام عادت ووقفت امام غرفتها مرة أخري انسابت دموعها اغمضت عينها بألم نادت بداخلها على أحمد كادت ان تتراجع تجلس على ذلك الكرسي الموضوع بجانب الباب ولكنها وجدت يد تحاوط كتفها نظرت إلى صاحبها وما كان سوي أسر الذي شعر بخوفها فبالرغم من اقتناعه بانها مدعيه لذلك لتكسب تعاطف من حولها إلا انه شعر بغصة بقلبه التي ازادت عندما رأي دموعها ادخلها دون حديث ابتعد سريعا واغلق الباب خلفه وقف محله لفترة يستجمع قواه يرفض شعور التعاطف معها.
جلست شمس على فراشها اغمضت عينها بارهاق تشعر بثقل ملقي على كاهليها فهي خرجت من دوامة حبسها بالوكر لدوامة اخري اكبر تعددت اطرافها باتت تشعر بالضعف لم تصبح شمس ولم تظل تفاحة وتعتقد انها لن تعود تشعر كأنها مشوهة كظهرها تماما.
بقي أسر بغرفته اراد الهروب من نظرات سما لكنه وجد الاختلاء بنفسه اصعب من مواجهتها فاكمل هروبه بمحاولة الاستسلام للنوم ولو قليلا.
بعد حوالي ساعتين عاد مروان وذهب مباشرتا لشمس يطمئن عليها طرق الباب ودلف إليها كانت مستيقظة تنظر امامها بشرود قَطَعَتهُ كلمات والدها
مروان وهو يلاطفها:
-شمسي حبيبتي سرحانة في ايه؟ ويومها كان ازاي النهاردة؟
نظرت إليه مبتسمة:
– الحمد لله كويسة.
مروان وتحدث بجدية:
-شكل أسر مزعلك أنا حذرته.
كاد ان يتحرك فأمسكت شمس يده بكفيها وحدثته.
– ما عملش حاجة، أنا بس حاسة اني ضايعة في النص لا عارفة ابقي زيكوا ولا عارفة ارجع زي ما كنت.
اختنق صوتها قليلا وحاولت التماسك
– مش بفهم كلامكم بوظت كل حاجة من زمان.
ضمها مروان بقوة ربت على ظهرها بحنان بالغ
– انت ما بوظتيش حاجة با بنتي ابداً بالعكس اتظلمتي كتير أنا عمري ما اسامح نفسي على ضياعك السنين اللي فاتت ومش هاتخلي عنك ابدا أنا وأحمد حنظبط لك كل حاجة بس مشغولين دلوقتي في الاهم حمايتك والقضية اللي شغالة واوعدك انك بعد كدة حتفتكري كل اللي بيحصل دلوقتي وتقولي الحمد لله أيام وعدت، عارفة يا حبيبتي انت قوية جدا أنا عمري ما كنت اتخيل انك بالقوة دي ولسه جواكي قوة مش عارفاها، ربنا مش بيحطنا في امتحان اكبر من قوتنا وطاقتنا وكل ما الامتحان كان اقوي اعرفي انك قريبة جدا من ربنا وانه بيحبك جامد.
ابعدها قليلا عن حضنه ونظر إليها بابتسامة:
-أنا عارف أنا بسيبك شوية وأحمد مش موجود بس دي مشاوير مهمة والله بس كلام في سرك مش ده السبب الوحيد.
نظرت إليه متسائلة، فاسترسل بتوضيح:
– أنا متعمد اسيبك مع اخواتك عشان يقربوا منك، هما حاسين اني مهتم بيكي اكتر.
نظرت إليه بعدم فهم فحاول استخدام كلمات اكثر بساطة:
– شايفين اني خايف عليكِ اكتر منهم هما تعبوا معانا والله يا بنتي آسر كبر قبل الأوان وكل ما يلاقيكي لوحدك حيقرب منك ويساعدك لكن طول ما شايفني جنبك طول الوقت حيبعد بزيادة وأنا مش عايز بينكم بعد عايزكم تقربوا لو ضايقك قولي اكلمه.
اماءت رأسها نافية:
-ابدا دا حتى دخلني الاوضة ارتاح.
ابتسم بسعادة مستفهما:
– بجد!
اماءت مؤكدة:
-والله.
ضمها بسعادة هو موقن من داخله انها تخفي شيئا مما حدث ولكن ما قالته ادخل السرور لقلبه فهي خطوة كبيرة وممتازة بالفترة الحالية. تركها مروان تكمل راحتها وذهب لغرفته ابدل ملابسه وايقظ أميرة ونزلا سويا وكذلك أسر وسما
مروان: سلامتك يا سما ايه اللي في ايدك ده.
ابتسمت سما لملاحظة والدها وردت سريعا كي لا يسبقها أسر:
– ابدا يا بابا ده شوية ماية جم على ايدي وأنا مش اخده بالي بس شمس وأسر لحقوني.
أميرة: ربنا يخليكم لبعض يا ولاد سلامتك يا سمايا.
تعجبت سما بداخلها من كلمات والدتها فهي اول مرة تسمع منها ذلك الاسم ‘سمايا’ وكذلك اسر وتبادلا النظرات قطعهم صوت والدهم الذي تحدث باهتمام وجدية
-لو لسه تعبانة تعالي نروح المستشفى أحسن.
سما: لا بسيطة يا بابا
مروان: متاكدة تعالي نطمن افضل.
سما بسعادة وابتسامة:
-متأكدة والله أنا كويسة.
مروان: طيب تقدري تطلعي لشمس وتنزلوا سوا ولا اطلع انا.
تنهد أسر باختناق تحرك وهو يتحدث:
– خلاص أنا طالع.
لم يعلم هو نفسه لما عرض فتحرك سريعا محاولًا الهرب حتى من نفسه.
بغرفة شمس تجلس على فراشها بصمت عقلها يفكر بأحمد ومقابلته لرنا اخته تشفق عليه تعلم انه يجلد نفسه ويلومها ولن يرحمها تتمني لو تستطيع التحرك بمفردها لو تستطيع ان تتصل به، ولكنها عاهدت نفسها ان تبقي بعيداً عنه تُجنِّبه اي ضرر قد يأتي من جانبها.
قطع دوامة افكارها دخول أسر لم تستطع تحديد اذا ما طرق الباب قبل دخوله أم لا فهي وجدته امامها، رفعت رأسها تنظر إليه بتيِه.
أسر ولم يظهر على وجهه اي تعابير:
– مستنينك تحت.
تحركت معه وقبل مرورها من الباب تسمَّرت محلها لا تعلم لما تجسد امامها بتلك المرة نفسها بصغرها عندما خرجت مع أدم وايضا تلك المرة التي حاولت اللحاق بسيف وأحمد قبل مغادرة فيلا هيثم، تعالت انفاسها وارتجفت بشده جعلت آسر يتحول معها للين يكاد يجزم انه شعر بالخوف عليها ترك رسغها وحاوط كتفيها بيديه ووجد نفسه يضمها إليه صدم من نفسه وظل يوبخها وبشدة تركها بعد ان عبروا من الباب وامسك كف يدها وتحركا للأسفل وكلاهما واجم.
وبعد فترة بسيطة عادت مها برفقة ابنائها كانت حالتهم الثلاثة سيئة بحالة من الوجوم والالم تركهم أحمد ودخل مباشرتا لغرفة المكتب ترك الباب مفتوح لم يهتم لغلقه جلس على كرسي مريح مقابل للباب اسند بمرفقيه على قدميه وسند راسه على كفيه بانكسار شرد بحال اخته وما طالها، آفاق على طرقات خافته وصوت شمس يناديه.
-أحمد.
رفع رأسه ابتسم تلقائيا لوجودها تحدث وهو يستقيم ليدخلها للمكتب:
-تعالي يا شمس.
-رنا كويسة صح
تنهد بعمق:
– علي بيقول اتقدمت كتير عن الاول بس مش هي يا شمس مش رنا الحزن والخوف مالينها.
نظر إليها بألم:
-كانت خايفة مني تصدقي؟!
شعرت بمدي المه الواضح من نبرة صوته شعرت بانكساره ودت لو تستطيع ضمه إليها وطمئنته مثلما يفعل معها طوال الوقت حاولت السيطرة على مشاعرها وتحدثت
– طاب وانت عملت ايه لما لاقيتها خايفة منك.
ابتسم بمرارة:
-عملت زي ما قولتي طمنتها يا شمس على قد ما قدرت حاولت اسيطر على انفعالاتي.
انتبه انها لم تستطع فهم ما اراد قوله:
– قصدي حاولت احجم غضبي يوه حاولت اهدي نفسي ايوة حاولت اهدي نفسي سامحيني يا شمس مش مركز والله.
أماءت له وابتسمت بمرارة كادت ان تخفض رأسها ولكنها انتبهت باخر لحظة كي لا تزيد همه فتحدثت بابتسامة:
-أنا حاسة بيك، ايه حصل بعد كدة.
رد بوهن:
– كانت ساعات تبتسم وساعات تسرح وساعات ترتعش كنت باخدها في حضني واطبطب عليها، أنا نفسي تخف وترجع البيت وحشني وجودها، صباحها، هزارها كل حاجة يا شمس.
نظر إليها بصمت ثم اكمل:
-نفسي حبايبي كلهم يبقوا معايا مش طلب صعب يا شمس، صح؟
توترت بشدة تعلم مقصده علم ما بها ولم يرد الضغط عليها فوقف ونظر إليها مبتسما واكمل حديثه:
– أنا متأكد ان الجاي خير ان شاء الله على فكرة بتسلم عليكي كتير كانت فاكرة انك معانا بتقولك مستنياكي.
استقام وابتسم لها مد لها يده:
– تعالي نطلع نقعد معاهم.
تحركت معه وبهذه المره لاحظ ازدياد رجفتها وخوفها من عبور الباب فشدد من قبضة يده على كتفها وضمها إليه بقوة ارتاحت قليلا بعد عبورها الباب وطمأنت أحمد لها ولكن سرعان ما ارتعدت عندما رفعت رأسها وشاهدت نظرات آسر الحادة لها والمليئة بالاتهام، قابل أحمد نظرات أسر بنظرات غضب فهي حالة خاصه وهو يشهد الله انه يخشي عليها اكثر من اي شخص اخر، اشتدت حرب النظرات بين أسر وأحمد خصوصا بعد ابتعاد شمس عن أحمد.
ما حدث لم يخفي عن مروان وسيف اللذان تابعا الموقف من بدايته تنهد كلاهما بارهاق فالطريق طويل ولازالوا بالبداية تحدثت أميرة مع مها اختها وخففت عنها وكذلك مروان وبعد ان تناولوا جمعيا الطعام صعدت أميرة مع مها لغرفتها جلسوا معا يتحدثون وصعد الجميع لغرفهم، عدا مروان الذي طلب من سيف ان يتحدث معه قليلا فهو يعلم طبع سيف جيداً وانه كتوم بطبعه، لم يتركه مروان الا بعد ما اخرج سيف ما بداخله هون عليه وتناقش معه فيما ممكن ان يفعل من اجل اخته ووالدته وتحدثا قليلا فيما هم مقبلين عليه، وبعد حديث طويل ضمه مروان بحنان ابوي افتقده سيف وبشدة.
– شكرا يا عمي أنا فعلا كنت محتاج اتكلم جداً.
– مش محتاج اني اقولك انك زي أسر بالظبط والله غلاوتكم واحدة.
سيف وهو يطيل في حروف الاسم: آااااســـــررر ده صعب قوي وطويل قوي.
ضحك ضحكة صادقة نابعة من القلب
– هو طويل فعلا وعِنَدي، بس طيب جدااااً هو بس بيكابر لأنه تعب جامد معلش الأيام بتداوي وهو ملوش غير اخواته البنات شوية بس وهيلين أنا متأكد.
سيف برجاء:
– يا رب يا عمي لان أحمد مش ناقص تعبان بما فيه الكفاية وشمس كمان شافو كتير والله.
مروان: خير يا بشمهندس اطلع ارتاح شوية بقي شكلك مرهق جداً.
صعد كلاهما لغرفته وكعادة أميرة كل يوم تحاول مع مروان ليقص لها تفاصيل اكثر عن حياة شمس ولكنه دائماً ما يتهرب من التفاصيل ويحكي لها الموجز يعلم ما تحاول معرفته ويتجاهله فهو يخشي تراجع حالتها الصحية والنفسية ان علمت، استسلمت أميرة للنوم بعد أن يأست من مروان اما هو فتنهد بإرهاق حمد الله أن مر اليوم دون أن تتوصل لإجابة سؤالها.
ازدادت حيرة أسر الذي اخذ قرار بتجنب شمس والإبتعاد عنها بل والافضل التعامل معها بحدة، عكس سما التي تتمني ان تتقرب منها اكثر تشعر براحة بقربها والحديث معها تبتسم بمجرد تقابل الاعين تود ان تتقرب منها اكثر، ازداد قلق أحمد على شمس لزيادة خوفها من عبور اي باب وايضا لحدة اسر في التعامل معها.
مها صدمت من حالة رنا وما اصابها لم تتخيلها بمثل هذا السوء ابداً تدعوا لها الله ان يزيح عنها وان يتم شفائها وايضا لا تعلم لما سيطر هيثم على تفكيرها منذ فترة تشعر بانقباضه دائما بقلبها تدعوا الله ان يكف اذاه عنهم وان يبتعد دون رجعة. سيف يتابع الجميع يشعر بالعجز ليس بيده ما يساعد به سوي الترويح والتخفيف عنهم بدعاباته وفكاهاته وايضاً الدعاء لهم.
مر اسبوع لا جديد به سوي معاملة أسر الحادة والجافة لشمس التي تتحملها هي بطيب خاطر لم تشكي بل وتهدئ والدها وأحمد ان حاول احدهم ردعه وزاد هذا من حيرته التي يخفيها خلف حِدَته التي ازدادت بالتبعية بازدياد حيرته.
على الجانب الأخر لم يكن اختفاء هيثم الا ليعود منتقما فقد كان يتابع كل ما يحدث من عودة مروان واسرته واجتماعهم وعلم حتى برفض اسر لشمس وان هذه هي نقطة ضعفهم بجانب تعب أميرة الذي علم بتفاصيله حدد هو ما سيقوم به ولكن ينتظر اللحظة المناسبة الوقت الذي سيسدد به ضربته الأولي ولن تصبح الأخيرة.
جلس هيثم بمكتبه بالڤيلا وعاد بذاكرته لذلك اليوم الذي اشتعل به الحديث بينهم واحتدم وتركه الجميع ورحل، بعدها اتصل هو ببطة كبيرة العصابة بعد القبض على زوجها تذكر حديثه معها.
هيثم: أنا مش فاهم ازاي ده حصل مش ده اتفاقنا امال أنا بدفع الفلوس دي كلها من سنين ليه؟
– يا باشا افهمني كل اللي اتفقنا عليه اتنفذ بالحرف نفذنا امر الكبار وخطفنا عيالك وبان لهم لا مؤخذة أننا ماسكينك من رقبتك وحسب أوامرك دخلناهم عندها عشان تحميهم ويتعاملوا احسن معاملة وابنك شاف اللي حصلها بعينه زي ما انت عايز وافتكر انت اللي حددت جاد بالذات هو اللي يحكمها وأنا قولت لك انه غبي ومش حينفع وعندي اللي حيظبط الحوار واهو ابنك لبسه العمه ودخلوا خط واحنا كلنا اتعكينا ولينا عندك حق العيال كلهم اتقبض عليهم ومنهم كتير كانوا متباعين ده غير الحوامل احنا اتخرب بيتنا.
هيثم بغضب اعمي:
– يعني فشله وبترموا غباءكم عليا انت مشغلة معاكي حمير واغبيه.
بطة بحدة خفيفة:
-يا باشا أنا حذرتك من جاد وانت اختارته عشان مغلول منها وابنك هو السبب بالراجل الواصل اللي يعرفه الدنيا اتقلبت في لحظة.
هيثم : وبعدين يعني مش حتاخدوها تاني على الاقل اقتلوها.
بطة بسخرية بسيطة:
-كان على عيني يا باشا بس المعلم قال كلمته من جوا الحبس وأنا ماقدرش اكسرها قال نهدى ونِكِنْ وهو كلها شهر وخارج ويتصرف هو.
انهى المكالمة ثم أعاد ترتيب أوراقه، فعليه التحرك الآن، وحين انتهاء فترة عقوبة حاكم تلك العصابة وكبيرهم، سيحدد له ما يتوجب فعله.
هيثم لنفسه:
-اهدي يا هيثم كدا دا انت لما عرفت ان في اوامر طلعت بخطف بنتك ما قلقتش لا انبسطت ووظفتها لمصلحتك وكملها جاد بغباءه لما خد أحمد معاها وكأنه كمّل لك اللي غاب عن تفكيرك واللي جه مصلحة وجاد اغتَصبّها وبهدلها قدام عينيه. وأحمد عرف انه ضعيف وصغير وما يقدرش يحمي حتى نفسه ولا اخته ولا حتى حبيبت القلب، صحيح انت كنت عايزه يفضل يدوّر لحد ما يزهق ويتعذب اكتر لأنه ابن عاق.
ابتسم بسخرية:
– بس أهو بيتعذب دلوقتي اكتر يبقي فاضل ايه نكسرهم كلهم مرة واحدة بخبطة واحدة ودي سهلة جدا باللي عرفته يبقي اضرب ضربتي ده انسب وقت.
ابتسم بتشفي:
– يبقي بكرة معادنا.
اراح ظهره على كرسي المكتب ارجع رأسه للخلف أغمض عينيه وابتسم بسعادة وتحدث بصوت مسموع
– معادنا بكرة.
باليوم التالي ذهب أحمد وسيف لعملهما وخرج مروان لانجاز بعض الامور سار كل شيء بالشكل المعتاد دون تغيير تحاول سما تلطيف ما يفعله أسر مع شمس التي تتقبل حديث سما بترحاب بالرغم من عدم فهمها لكثير من حديثها الذي تستخدم فيه بعض الكلمات الانجليزية بطبيعة المكان الذي نشأت فيه دون قصد منها.
جلسوا مجتمعين بالمساء بعد تناول طعام العشاء دار حديث ثلاثي بين مروان وأحمد وسيف لما ينوي مروان فعله ولسير القضية، تجلس أميرة ومها بجانب الابنتان وبالقرب منهم أسر يتابعهم ويراقب شمس، قطع ذلك صوت هيثم الحاد والغاضب الذي رج المكان من قوته. ووقفت شمس ترتجف تخشي ان يفضح امرها امام والدتها وإخوتها فكيف سيتقبل أسر ما حدث لها ان علم؟!
هيثم والذي وجد مدخل جيد لبداية حديثه بجلوس سيف وأحمد مع مروان:
-والله عال كلكم متجمعيم هنا بتخططوا.
نظر إلى مروان وشمس بإشمئزاز ووجه حديثه لأحمد:
– هي دي اللي وقفت قدامي عشانها واللي بتحاول تثبت انها بنت خالتك دي ولا تسوي ما حصلتش حتى ولاد الشوارع هما انضف منها.
شعرت شمس بانفضاح امرها ووضعت يدها على اذنها تغلقهم ، بينما تحدث مروان بانفعال وحدة
مروان بحدة وغضب:
– الزم حدودك وانت بتتكلم عنها وهي فعلا بنتي ومش حنتظرك انت عشان تقول بنتي ولا لأ، ومش حسمح لاي حد ان يغلط فيها انت فاهم.
قال اخر جملة بتحذير شديد فاجابه هيثم بتهكم واضح
– خوفت أنا كدة.
تحولت نبرته إلى حدة وتحفز:
– لو فاكر انك ممكن تلزقها لحد من ولادي فنجوم السما اقرب لك استحالة اعرض اسمي وسمعتي لاي ضرر بسبب حته بتاعة باعت نفسها
صرخ أحمد بعنف:
-ما تغلطش فيها هي ما اختارتش حاجة.
اوقفه مروان وتحدث هو بغضب عارم:
-مش مسموح لك تجيب سيرة بنتي على لسانك وخد اسمك وسمعتك معاك وانت ماشي واحب اقولك انت مش مرحب بيك هنا وما لكش مكان وسطنا..
قطع حديثه صوت اسر بعد ان رجته من الداخل جملة هيثم ‘باعت نفسها’.
أسر باستفهام:
-يعني ايه باعت نفسها؟!!!
صرخ مروان باسمه:
– آسرررر.
أجابه هيثم ساخرا:
– ملهاش غير معني واحد وواضح جدا اختك ضيعت شرفها كانت عايشة في اوضة واحدة مع واحد سنين ومحدش عارف بيتعاملوا مع بعض ازاي وبعدين باعت نفسها لواحد تاني فهمت كده.
صرخ أحمد بقوة:
– كفاية كدة، كفاية، ليه بتعمل كدة؟!!!
نظر إليه بسخرية ثم نظر لأسر مرة اخري واكمل بتهكم شديد:
-وكانت حامل وقتلت ابنها.
مروان بغضب اقترب من هيثم ودفعه ناحية الباب صارخا بوجهه:
– قولت لك اطلع بره.
هيثم بغضب مماثل:
– باي حقك ترحب او ترفض انت هنا زيي زيك.
اجابه بغضب:
– أنا هنا في ملكي لاني اشتريت نصيب الورثة من زمان من بعد وفاة عمي على طول عشان يفضل البيت ده لبناته وبس وبقولك تاني اطلع من هنا واياك ترجع هنا تاني محدش عايزك امشي ويا ريت ما ترجعش تاني.
قطع حديثهم صوت ارتطام جسد أميرة بالأرض وصرخة مدوية من شمس عقبها سقوطها أرضًا.
ابتسم هيثم بانتشاء وتركهم ورحل وهو في قمة سعادته، تمت ضربته الاولي بنجاح باهر، وبالداخل جن جنون أسر فبالفعل عادت لهم بعد ان اخفضت رؤوسهم وستقع نتيجة فعلتها على اختها ايضا التي سيصيبها نصيبا وافراً من الفضيحة اما مروان بداخله براكين حقا زوجته وابنته سقطتا امام عينيه يود ان يعود الزمن لدقائق مضت ليقتل ذلك الهيثم دون تفكير.
لم يكن أحمد اقل منه فكاد ان يجن حقا يقتله الخوف على محبوبته حمل مروان وسيف أميرة لغرفتها وحمل أحمد شمس لغرفتها رافقت سما شمس ومها رافقت أميرة حاولوا افاقتهما لم تستجب أميرة فاتصلوا بطبيب متخصص اما شمس ففتحت عينها بعد قليل انتفضت جالسه وهي تري امامها أحمد وسما وانضم إليهم سيف.
أحمد وتملكه الخوف عليها واللهفة:
– شمس انت كويسة حاسة بايه؟ ردي عليا قولي اللي تاعبك ما تسكتيش كدة.
اجابته بانكسار والدموع تنساب على وجهها بغزارة لم تستطع منعهم:
– قولت لك ما ينفعش ارجع كدة رجعتني ليه كنت سبتني للموت كنت هرتاح عند ربنا مفيش ظلم ولا وجع. مش عارفة اكون هنا وما كنتش عارف اكون زيهم هناك.
صرخت بعلوا صوتها:
– تعالى خدني يا أدم سايبني ليه خدني بقي، اخدتني زمان وأنا مش عايزة تعالي خدني دلوقتي مش عايزة اعيش.
تحدثت بوهن:
– مش عارفة اجي لك أنا مش عارفة.
اقترب منها أحمد وجثى امامها:
– عايزة تسبيني تاني يا شمس! ليه؟ والله مش حقدر على البعد تاني.
صرخت عليه:
– أنا ما انفعش اي حد ولا حتى نفسي.
عادت وتحدثت بوهن وهي تخفض رأسها:
– انت تستحق واحدة كويسة غيري أنا بوجعكوا كلكوا والله تعبانة مش قادرة والله تعبانة مش عارفة حتى امشي من هنا مليش مكان حتى هنا مش مكاني.
تحدث أحمد بدموع حبيسة وأشار لقلبه:
– هنا مكانك يا شمس هنا مكانك لوحدك بتجرحيه بسيرته انسيه خليني انسيكي اي وجع.
شمس بوهن:
-مش مكاني يا أحمد شوف واحدة تستاهلك، قولهم بس اني سيبتهم يقتلوه عشان ما يتبعش والله خوفت عليه يا اما كانوا هياخدوا جسمه يبيعوه حتت او حيبعوه هو نفسه لناس اغنية ويعيش محروم طول عمره خوفت عليه يتعذب زيي والله خوفت عليه قولهم اني اتمنيت ولسه بتمني الموت والله أنا ما بعتش نفسي والله بس كان اقوي مني والله كان اقوي كتير.
كاد ان يتحدث أحمد الا ان سيف جذبه برفق وهمس بأذنه:
– علي وصل خليه يطلع لها افضل.
انسحب أحمد للخارج بانكساره نظرت إليها سما والدموع تغرق وجهها مما سمعته فهو جزء مما عانته اختها يا الله كانت تظن نفسها عانت وبشدة ولكن وجدت معانا ة شمس اكبر بكثير افاقت سما على دخول علي وطلبه من الجميع الخروج من الغرفة ارتجفت شمس بقوة صرخت وهي تري الجميع يتركها معه للحظة راته جاد وباخري راته هيثم اقترب منها وهدئها وتحدث قليلا فبدأت تراه على حقيقته تحدث معها قليلا ثم حقنها بمهدئ تركها وخرج إليهم.
خرج عليّ بنفس توقيت خروج الطبيب من لدي أميرة الذي اخبرهم بسوء حالتها وانها نجت من حدوث جلطة بأعجوبة شديدة نصحهم بالراحة والالتزام بمواعيد الادوية وعدم تعريضها لاي ضغط او صدمات.
جلس الجميع بحالة حزن شديدة اما أسر فبجانب حزنه غضب شديد.
تحدث أحمد و بصوته نبرة حزن جلية:
– علي تعالي نتكلم جوه
مروان: استني يا دكتور قولي هي عاملة دلوقتي.
عليّ باسف:
– والله حالتها مش مطمئنة هي قوية بس القوة لها حدود أنا خايف توصل للانهيار هي صرحت انها تعبت وده بالنسبة لشخصيتها مؤشر خطر لاني حسب ما فهمت ان ده كان من الممنوعات في حياتها السابقة وان ما كنش مسموح لها حتى التعبير عن وجعها والمها.
صرخ أحمد بقوة وهو يتحرك ذهابا وايابا يلكم الحائط بعنف:
-ليه بيحصل لها كدة ليه؟ ليه تتوجع كدة؟ ليه أنا عاجز دايما قصادها؟ ليه مش عارف اساعدها؟ ليه؟
عليّ وسيف بصوت واحد:
– اهدي يا أحمد مش كدة.
اكمل عليّ:
-انت كدة بتاذي نفسك مش بتساعدها.
أحمد بغضب:
– محدش يقول لي اهدي محدش يقول اهدي أنا بتعذب بعجزي معاها دايما مش قادر امنع عنها وجعها.
انهار باكيا:
– هي شايفاني السبب في وجعها عشان رجعتها قالت “رجعتني ليه؟” رفضت قلبي عشان شايفاني ضعيف ابويا دبحها وما قدرتش اوقفه.
عاد وصرخ بقوة:
– ليه بيعمل معايا كدة؟ ليه بيكرهني؟ كده دا أنا ابنه دبحها عشان يوجعني اذاها بسببي طاب كان عمل معايا أنا اللي عايزه، ليه هي؟ ليه؟
صرخ عليّ به بحزم:
-أحمد ما تضطرنيش اديك مهدئ، وبعدين لو بتحبها وعايزها تفوق لازم تنتبه لنفسك وتكون قوي عشان تقدر تساعدها لو الوضع هنا هيكون كدة أنا حنضطر ادخلها المستشفى وامنع عنها الزيارة.
جلس أحمد بانهيار عم الصمت قليلا كسره صوت تنفس مروان العالي فقد كان منحني للأمام تفتك به كلمات الاطباء بتشخيص حالة احبائه شعر بألم بصدره حاول تجاهله إلى ان اصبح يفوق قوته وعلا صوت انفاسه جثت. سما امامه ولازالت الدموع تغرق وجهها
– بابا مالك الدوا فين العلاج فين.
اخيرا ظهر صوت أسر:
-أنا حطلع ادور عليه.
اقترب عليّ وحاول اسعافه حتى احضر أسر العلاج، وأعطوه لمروان.
عليّ: يا جماعة أنا مقدر الحالة اللي انتم فيها لكن بردوا لازم تتماسكوا وتكونوا ايد واحدة هي ما اتعرضتش لحاجات قليلة هي اكتر من 13 سنة بتشوف حاجات صعبة وبتمر بازمات كبيرة احنا دورنا نساعدها تتخطي المرحلة دي ونقويها.
رد اسر بتهكم:
– والمفروض نعمل لجلالتها ايه وهي فرطت في كل حاجة ورجعت عشان توطي رؤوسنا كلنا.
مروان بضعف:
– احترم نفسك يا أسر واتكلم عدل عليها دي اختك الكبيرة.
ضحك بتهكم واستنكار مكتفيًا بالصمت، نظر إليه عليّ مطولا ولم يتحدث ونظرت إليه سما لائمة ونظر إليه سيف الجالس بجانب أحمد يربت على ظهره ويهون عليه باستنكار شديد.
بعد قليل استأذن عليّ وتركهم ورحل حل الصمت حتى نزلت إليهم مها بعدما اطمئنت على أميرة جلست وهي مخفضت رأسها
مها: أنا اسفة والله مش عارفة اقول ايه!
اجهشت بالبكاء:
– مش قادرة اقول يا ريتني ما تجوزته لاني ما كنتش حشوف ولادي اجمل حاجة في حياتي أنا عارفة اعتذاري مش حيعمل حاجة هو اذي ولاده قبل اي حد تاني. لله الامر من قبل ومن بعد.
اقترب منها أحمد وسيف ضمها أحمد إلى صدره وربت سيف على قدمها بينما تحدث مروان.
-ما تعتذريش يا مها انت ما غلطتيش في حاجة وهيثم حيجي يوم ويندم او يضيع للنهاية هو اختار طريقه وهو اللي يتحمل النتيجة لوحده وبنتي ان شاء الله حتكون أحسن ادعي لها بس.
بكت مها كما لم تبكي من قبل دموع قهر وقلة حيلة دموع على عمرها وقلبها المهشم دموع البعد عن اختها الوحيدة دموع فراق حدث واخر تهاب حدوثه تركوها تخرج ما بداخلها ثم تحدث سيف ليخرجها من حالتها.
– ماما كفاية كدة ارجوكي اللي حصل حصل دموعك مش حترجع حاجة أنا سيبتك تطلعي اللي جواكي بس كدة كفاية قوي حق عليا، على الاقل عشان تقوي خالتو لما تفوق الصبح لازم نكون كلنا جنبها وشمس كمان محتاجانا كلنا.
أماءت له موافقة وهي تجفف دموعها:
– حاضر يا سيف حبطل عياط اهو.
سيف بابتسامة:
– ايوة كدة يا ست الحبايب تعالي بقي اطلعي ارتاحي عشان عايزك الصبح قوية وفايقة تمام.
سندها سيف وصعدا الدرجات ادخلها غرفتها وظل بجانبها حتى اطمئن عليها ودخل غرفته. اما بالاسفل جذب أسر سما بقليل من العنف.
أسر: يلا عشان ننام احنا كمان.
سما: براحة يا أسر.
صعدا إلى غرفة سما واغلق أسر خلفه وحدثها بجدية محذرا:
-مش عايزك تقعدي معاها لوحدكوا ومش عايز كلام معاها يا سما أنا مِحترِم حالة بابا وماما ومش عايز مشاكل لكن انها تأثر عليكِ لأ.
ردت سما بدموع:
-دي تعبت قوي يا أسر أنا سمعتها وهي بتحكي شافت كتير قوي ما فرطتش في نفسها اغتصبها يا أسر اغتصبها.
اقترب منها أسر وتحدث بغضب:
-ما تعديش الكلام ده ما يصحش تعرفي حاجة زي دي ما ينفعش نطلع مبررات للغلط بيقول لك عاشت سنين مع واحد في اوضة واحد ولما مات سابت نفسها للتاني ويا ريتهم ناس زينا دول قتالين وحرامية والله اعلم بيعملوا ايه تاني.
سما:
-هي ما غلطتش هي انجبرت في فرق هي مش عايشة عادي واختارت تعيش مع واحد لوحدهم كانت مخطوفة تفتكر خوفها من مجرد انها تمر من الباب ده عادي انكسارها دايما عادي بذمتك صرختها النهاردة ما هزتكش من جواك زي ما عمل معايا ما شوفتش رعشتها لما الراجل ده دخل.
أسر: ما تدافعيش عنها اللي حصل لها ده حياثر عليكي مش هتعرفي تعيشي هنا.
سما: ما تكابرش يا أسر أنا متأكدة إنك حاسس بها زيي بالظبط واللي انت فيه صدمة عشانها مش منها وطبيعي بعد 13 حبسة في عصابة حيكون حصل لها كتير الاغتصاب ده الحاجة اللي ظاهرة واللي اتعرفت.
أكمل بتهكم:
-اه في نسيتي انه قال انها قتلت ابنها، يعني اغتصبها وحملت والله اعلم عمل كدة كام مرة عشان تحمل وكمان قتلت ابنها فاهمة يعني ايه؟
سما: لا فاهمة دموعها وهي بتتحايل على أحمد يفهمنا سابتهم يقتلوا ابنها ليه فهمت انهم كانوا حيبعوه أنا مش فاهمة ازاي يبيعوا بشر بني ادمين، وسواء اجهضت نفسها او تسببت في ده فكان خوف انهم يبعوه خافت حياتها تتعاد تاني، أنا شوفت تعب ماما عشان خطف شمس واحنا حياتنا كويسة تخيل لو حياة ماما كانت صعبة او كانت عارفة وهي بتولدنا اننا حنضيع منها ونتعذب كانت عملت ايه؟ وعلى فكرة عمل كدة مرة او اكتر النتيجة واحدة وهي اكتر حد تعب وإتأذي لو مش حتعرف تداويها يا أسر ما توجعهاش زيادة وحياتي عندك وغلاوتي عندك يا اسر أنا عارفة اني غاليه عليك عارفة اني بنتك قبل اختك بالرغم اننا تؤام لكن إنت دايما سندي واماني عشان خاطر ربنا يا اسر اوعدني ما تأذيهاش حتى بالكلام.
أسر بإرهاق:
– ليه كلكم بتتعاملوا معايا على إني ماعنديش احساس أنا تايه يا سما مش عارف المفروض اعمل ايه؟ وهي غريبة مش قادر احدد احساسي ناحيتها في حاجة جوايا بتبعدني وحاجة بتقولي قرب بس مش قادر بالنهاية عقلي يسيطر وابعد. قُرب أحمد منها وسكوت بابا على ده يستفزني، مش عارف بجد مش عارف.
سما وهي تربت على ظهره باحتواء:
– لا يا حبيبي أنا اكتر واحدة عارفاك عارفة قد ايه انت بتحس باللي حواليك صحيح ساعات مش بفهم تعاملك معها بس عارفه انك اطيب واجدع اخ واهو مش بفهمك عشان انت من جواك متلخبط، اقولك ادي نفسك فرصة اتعامل من بعيد قيم من غير ما تدخل في نقاش مع حد شوف قلبك حيوديك لفين وأنا معاك مش هضغط عليك في حاجة، ولو حبيت تتكلم هسمعك لو عايز رائي حقولك.
اقتربت منه فضمها بقوة وبادلته العناق بنفس القوة الحنان سالت دموعها اما هو فحبس دموعه ولم يحررها واغلق جفونه عليها ليزيد من اسرها قطعت سما تلك اللحظة بدعابة لتقلل من حدة الموقف.
سما: مش عدل نبقي تؤام وتاخد الطول كله بزيادة وتسيب لي القُصر ده اللي يشوفنا استحالة يقول تؤام. يا إبني انت مشروع ناطحة سحاب.
ابتسم أسر: انت اللي قصيرة وأنا ماخدتش حاجة انت اللي اديتيني بطيب خاطر.
سما وهي تجفف دموعها مبتسمة: مش فاكرة بس ماشي.
عاد وعانقها اسر بحنان ثم ابتعد عنها:
– حعمل زي ما قولتي بس عايزك تبعدي عنها شوية كلميها بحدود عشان أقدر ابعد وأفكر من بعيد كل ما حتقربي منها اتوماتيك حقرب عشان احميكي من اي حاجة ومش هقدر ابعد ساعديني يا سما.
سما:
-خايفة تتعب زيادة هي بتتمني الموت لوحدها بس هحاول والله اقلل تعاملي معاها وانت يا اسر ما تطولش هي محتجاك اكتر مني.
اماء لها موافقاً ثم تركها وذهب لغرفته لينام.
اما بالاسفل ظل أحمد ومروان شاردان يتبادلا النظرات بصمت ثم يعودا لشرودهما مرة اخري وينظرا امامهما بخزي كلاهما يشعر بالضعف والانكسار العجز عن حماية من نحب كلاهما يجلد نفسه ويلومها ويحملها وذر ما حدث ما اسوأ من عجز الرجال وكسرتهم لازالت تصم اذانهم صرخة شمس قبل سقوطها تترد باذنهم كلمات عليّ
” والله حالتها مش مطمئنة هي قوية بس القوة لها حدود أنا خايف توصل للانهيار هي صرحت انها تعبت وده بالنسبة لشخصيتها مؤشر خطر“
اخفي مروان وجهه بكفيه اما أحمد فاغمض عينيه بألم يدعوا ربهما ان يعينها ويقويها ويلهمهم الصواب.
بعد فترة طويلة من الصمت قطعه مروان:
– قوم يا أحمد نام الفترة الجابة لازم نكون دايما فايقين واقويا هما محتاجينا قوم يا ابني ما تحملش نفسك ذنب حد تاني بنتي ان شاء الله قوية وحتقوم من الازمة دي اقوي واقوي قول يارب.
لم يجيب أحمد فقد طاقته للحديث اماء موافقاً ثم تحرك نحو غرفته بعد ان صعد لأعلى وقف امام غرفتها يتأملها يريد ان يطمئن عليها وبتلك اللحظة تردد على مسامعه كلماتها اللائمة
” قولت لك ما ينفعش ارجع كدة رجعتني ليه كنت سبتني للموت كنت هرتاح“،”تعالي خدني يا أدم سايبني ليه خدني بقي“
اجاب سؤالها وكأنها تسمعه:
– رجعتك عشان كل اللي بيحبوكي يا شمس رجعتك عشاني وعشانك عشان مكانك هنا عشان ترتاحي عشان مش قادر على البعد اكتر من كدة سنين بدور عليكي سنين، ليه بتنادي عليه ليه بتقولي اسمه ادامي ليه بتجرحيني وتوجعي قلبي.
تحرك أحمد ودخل غرفته القي نفسه على فراشه بتعب اجبر عينيه على الانغلاق حاول استدعاء النوم الذي آبى الحضور.
اما مروان جلس قليلا بعد صعود أحمد ثم تحرك لاعلى دخل غرفة شمس جلس على الكرسي الموضوع بجانب الفراش تأمل تعابير وجهها المتألمة مسد على رأسها بحنان حتى ارتخت تعابير وجهها ابتسم بألم قبل جبينها وضبط وضع الغطاء عليها ثم اتجه إلى غرفته، جلس بجانب أميرة على الفراش، مسد على رأسها بحنان، حدثها بوهن وهو مدرك انها لا تسمعه
– من يوم ما جينا وانت بتسالي عن اللي حصل وأنا اتهرب واداري، كنت خايف تتعبي، عمري ما تخيلت ان البني أدم ده بالخسة دي، عرف يوجعنا كلنا هان عليه الكُل، حتى ابنه كسره، كسرك، كسرني وكسر شمس بس لا يا أميرة مش حسيبها تضيع هي شافت كتير قوي المحامي حكي لي اللي أحمد خباه عني قالي كل اللي حكته في النيابة بس عارفة شمس قوية وقوية جدا كمان وحتقف على رجليها من تاني أنا خايف عليكي انت يا أميرة لانك ضعيفة فعلا ما اقدرتش اقويكي ابداً حاولت والله بس بُعد شمس كان اكبر مني ومنك بس دلوقتي هي معانا اوعي تمشي انت يا أميرة اوعي أنا محتاجك كلنا محتاجينك كلنا يا أميرة يا اميرتي.
ظل مروان مستيقظ لفترة طويلة يرهقه تفكيره تعاد الاحداث امامه تصم اذانه صرخة شمس تكرر امام عينيه لحظة سقوط أميرة، غضب اسر ودموع سما حتى انهيار أحمد ألمه وبشدة، ظل على حالته تلك حتى اقتحمه النوم دون سابق انذار فالادوية التي تناولها تجعله يستسلم للنوم بسهولة في الأيام العادية.
بصباح اليوم التالي استيقظت أميرة ووجدت مروان نائم بجوارها جلست على الفراش وارجعت ظهرها للخلف اسندته على وسادتها انسابت دموعها بصمت استيقظ مروان بعد فترة صغيرة مفزوعا على شهقاتها المكتومة.
-: أميرة انت تعبانة؟ اكلم الدكتور؟
أميرة وصوتها مختنق من البكاء:
– ليه خبيت عليا يا مروان سالتك كتير حاولت اعرف منك وكنت بتتهرب مني
مروان بنبرة مليئة بالانكسار والرجاء معاً:
– كنت خايف عليكي والله، ما كنتيش هتستحملي واديكي شوفتي اللي حصل لك.
-: لو كنت عرفت منك كنت هاستحمل عن كدة لكن الطريقة اللي عرفت بها.
اجهشت بالبكاء حتى تمالكت نفسها قليلا:
– كانت كفيلة لوحدها تقتل روحي ما كنتش اتخيل ان هيثم يتعمد يإذينا ويوجعنا كدة.
قالت كلماتها ثم اتسعت عينها بقلق وتردد اسم شمس تحاول النهوض:
-شمس يا مروان شمس.
امسك كف يدها وهدأها ثم تحدث بنبرة تبث بنفسها الطمأنينه:
– شمس كويسة ونايمة من امبارح ما تقليش عليها واحنا جنبها مش هانسيبها شمس قوية الظروف اللي مرت بها قوتها أنا معظم قلقي وخوفي عليكي يا أميرة عايزك تبقي قوية عايزك جنبي محتاج اطمن عليكي محتاج قوتك.
أميرة: مروان اوعدني ما تضيعهاش تاني وتفضل واقف معاها ومع ولادنا سند وامان مهما حصل اوعي تضعف او تكل، مها امانة معاك يا مروان ما تتخلاش عنها مها تعبت كتير موت بنتها وبعدي عنها ودلوقتي تعب رنا وهيثم وافعاله خليك امان ليها وقويها يا مروان.
مروان بخوف غاضب:
-ليه يا أميرة كدة؟! بقولك محتاجك بتتكلمي كأنك بتقولي وصيتك ليه يا أميرة أنا لما صدقت اتجمعنا بعد سنين عذاب ليه مصممة تفضلي كدة، طيب بلاش عشاني، عشان ولادك عشان شمس خليكي قوية يا أميرة.
إبتسمت بوهن وألم:
-انتم اغلي حاجة عندي انت وأولادي واختي واولادها انتم عيلتي يا مروان ماليش غيركم كنت ماسكة في الدنيا على امل اشوف شمس ونتجمع ولو لمرة واحدة، أنا مش عايزة ابعد عنكم ما حدش عارف اجله امتي لو عليا عايزة افضل جنبكم كلكم اعتبر كلامي وصية فعلا يا مروان وطمني وقولي انك حتنفذها عشان ارتاح وأنا عايشة او وأنا ميته.
صرخ بها:
-كفاية يا أميرة كفاية اوعي تعيدي الكلمة دي تاني على لسانك فاهمة، ولادنا وأولاد اختك واختك نفسها في عينيا وانت قبلهم كلهم عشان خاطري بلاش الكلام ده، اقوي يا أميرة عشان خاطري.
أماءت له بابتسامة مرهقة فقربها منه وضمها بحنان وربت على ظهرها وتحدث بحب
مروان: الدكتور قال لازم نبعد عن التوتر والقلق شوفي الجانب الحلو اللي حصل لنا واننا اتجمعنا تاني خدي ولادك في حضنك وافرحي بيهم حق بنتك أنا بجري وراه ومش حرتاح غير لما يتقبض عليهم واللي اذي بنتك ودبحها يتتشنق وننقذ ولاد الناس التانين من اذاهم هم اذوا كتير يا أميرة دمروا عيلات كتيرة وحرقوا قلوب اهالي كتير مش حسيبهم المحامي طمني صحيح السكة طويلة بس مش هسكت ابداً.
أميرة: وديني اوضة شمس اسندني اروح لها.
مروان: طاب خليكي وأنا اجيبها هنا بدل ما تتعبي.
أميرة: لا أنا عايزة اروح لها أنا اسندني بس مش قادرة اقوم لوحدي.
مروان: حاضر تعالي قومي بالراحة.
عاونها واخذها لغرفة شمس طرق الباب لم يسمع اجابة فتح الباب بهدوء حتى لا يوقظها ان كانت لازالت نائمة وكما توقع كانت جالسة ضامة نفسها مخفضة الرأس يسيطر عليها الحزن والالم شاردة لم تشعر بهما.
اقتربا منها، جلست أميرة جوارها وتحدث مروان بجدية ولين.
-مش قولنا ما توطيش راسك ابدا يا شمسي.
رفعت رأسها بذهول هل حقا والدها معها بعدما حدث امس تخيلت ان الجميع سيبتعد عنها وينفرها نظرت إليه بصمت شردت لثوني افاقها صوت والدتها يطمئنها.
أميرة ببسمة حنونة:
-بابا عنده حق ارفعي راسك يا بنتي.
التفتت إليها شمس بصمت لم يبدوا على وجهها سوي الالم والرجاء جذبتها أميرة إليها تربت على ظهرها بلين وحنان، لم تسعفها الكلمات فتركت العنان لمشاعرهما تحكي وتقص ما تعجز عنه الكلمات، اغلقت شمس عينها بألم لم تبكي ولكن صوت انفاسها المتلاحقة ولهاثّها كان اقوي من البكاء نظرت إليها أميرة بحنان واشتياق تابعهم مروان برضي وامل ثم جلس امامهما وربت على ظهر شمس بحنان ابوي خالص حتى هدأت انفاسها وسكنت.
مروان: يلا بقي ننزل تحت حتقدري تنزلي معانا يا أميرة ولا ترتاحي في السرير افضل.
أميرة: حنزل مع شمس طبعا.
شمس: مش حانزل حافضل هنا.
أميرة: ليه يا شمسي حتفضلي لوحدك؟
لم تتحدث لم يكن لديها القدرة للحديث.
تنَهَد مروان بقلق لا يريد ان يزيد من الضغط عليها فكفي ما مرت به فتحدث يغلق النقاش:
-خلاص يا أميرة سبيها ترتاح وتعالي ارتاحي انت كمان حقولهم يطلعوا الاكل ليكم.
ساعد أميرة للعودة إلى فراشها دثرها جيدا بالغطاء نزل للاسفل ثم عاد إليها ومعه القليل من الطعام اصر عليها لتتناوله واعطاها ادويتها بنفسه ثم دخل لشمس ووجدها لم تنناول أي شئ والطعام كما هو تَنَهَد بيأس جلس امامها على فراشها حدثها بلين.
مروان: أنا عارف إنك تعبانة وانك حتاخدي وقتك وتفوقي، الدنيا جت عليكي بعدتك عنا شوفتي حاجات عمرك ما كنتي تفكري انها موجودة مريتي بأوقات خوف ورعب وكنتِ لوحدك، فضلتي واقفة وصامدة حميتي غيرك. بس كل ده خلاص عدي يا شمس رجعتي لنا تاني مش حنسيبك ابدا.
اخذ نفس عميق وهو يغلق عينيه من الالم الذي يشعر به مع الكلمات التي ستخرج من فمه
– كنت عارف كل حاجة قالها هيثم إمبارح.
قاوم دموع الحسرة كي لا تزيد نارهما واكمل:
-عارف الحالة اللي دخلتي المستشفى بها صحيح أحمد ما حكاش كتير بس المحامي اطلع على التحقيقات وقالي كل حاجة. أنا اكتر واحد اخاف عليكي انت بنتي من دمي عمري ما اتخلي عنك ماكنتش عايزك تعرفي اني عارف ده عشانك كنت بشوف الخوف في عينك اني اكون عارف فكنت بسكت أنا مش زعلان منك يا شمس أنا زعلان عليكي، مش هتكلم في اللي فات لانه خلاص حصل بس حتكلم في اللي جاي لازم تفوقي وترجعي قوية من تاني تقفي على رجلك الدنيا زي ماشوفتي مش عايزة الضعيف لا لازم تكوني قوية بس ما تدوسيش على الضعيف لا تقوية خدي وقتك عشان تفوقي مش حاجبرك تخرجي من أوضتك وتقعدي معانا بس لازم تكلي وخليكي متاكدة وعارفة اني لا يمكن اسيبك لا يمكن احملك غلط مش غلطتك لأنك باختصار ما غلطتيش.
رفعت رأسها اخيراً تنظر إليه بعدم فهم ورأي هو عينها التي تحولت للون الاحمر من دموعها الحبيسة التي فر منها القليل.
فاكمل مروان ببسمة ذابلة:
-ايوة ما غلطتيش عشان اللي بيغلط بيكون قدامه خيارين وهو ياخد الغلط لكن انت اتفرض عليكي الغلط كنت بتحاولي تقاومي بتعافري يعني وما عرفتيش.
لاحظ انها لم تدرك المعني المقصود فوضح لها:
– يعني لو حد بيغرق وفضل يخبط بايده في المية و ما عرفش يعوم وغرق ما ينفعش نقول انه انتحر وقتل نفسه انت كنت هناك بتعملي اللي على مزاجهم وبس ما ينفعش حد يحاسبك ويقول لك ليه عملتي كدة؟ فهمتي؟ أحمد ماغلطتش لما رجعك لينا يا شمس هو عمل الصح وجودك معانا هو الصح مهما كان اللي حصل او اللي حيحصل انت بنتي وحتفضلي بنتي حبيبتي وشمسي اطمني يا شمس وارتاحي خليكي عارفة ان كلنا منتظرينك أنا مش حضغط عليكي خدي وقتك يا بنتي.
ثم مد لها ذراعيه فارتمت بحضنه وهي ترتجف اغمضت عينها تشعر براحة اكثر بعد كلمات والدها. بعد قليل ابعدها بلطف:
-كلي يا شمس.
تركها ونزل إليهم كانت حالة أحمد سيئة للغاية وسيف يهون عليه واسر يراقب وسما ودت لو تصعد لشمس ولكن هي بين شقي رحي فانتظرت والدها جلسوا جميعا كل منهم شارد قطع الصمت صوت مها المتسائل
مها: أميرة عاملة ايه خدت العلاج؟
مروان: ايوة أتأكد انها اكلت واديتها العلاج.
مها: وشمس؟
انتبه الجميع وكأنهم يريدون طرح نفس السؤال وهناك ما يمنعهم من البوح به. لاحظ مروان حالة الجميع وانتباههم جميعا وتلهفهم بما فيهم آسر الذي حاول كبت ما يشعر به واظهار عدم الاهتمام ولكن كشفته لغة الجسد وضربت برغبته عرض الحائط، اراح ذلك مروان قليلاً ولم يبديه فهو حزين من رد فعل آسر باليوم السابق.
مروان واحب التلاعب باعصاب آسر تحديدا:
-رافضة الاكل اتكلمت معاها ومفيش فايدة الاكل زي ما هو.
زفر أحمد بقوة وتلاحقت انفاسه ترك الخبز من يده الذي قطعه بالكامل ولم يضع اي منه بفمه او يتناول اي طعام الاساس وسند بمرفقيه على الطاولة وسند راسه على كفيه بتعب ربت مروان وسيف على ظهره. اما اسر فترك الطعام وصعد لغرفته.
سما: هي كدة هتتعب من قلة الاكل.
نظر إليها مروان بتعمق فأكملت هي:
– أنا عارفة ان ملهاش ذنب في اللي حصل وانها كانت مغلوب على امرها.
اماء لها بنظرة رضا وصمت فتحدثت مها
مها: أنا هطلع ااكلها مش نازلة غير لو اكلت.
ثم صعدت إلى شمس حاولت معها بكل الطرق حتى اكلت القليل ثم ادعت النوم كي تنفرد بنفسها.
ودت سما الدخول إليها والاطمئنان عليها تبادلت النظرات مع آسر فرأت رفضه لذلك لم ترد الضغط عليه وخشت ان دخلت تحدث مشادة او تتوتر الاحداث اكثر اكتفت باستراق النظر إليها عندما دخل والدهم لشمس بالمساء لم تلاحظها شمس ولم ينتبه مروان لتصرفها اشفقت سما عليها لحالتها رغبت في ضمها إليها والتخفيف عنها تنَهَدت بقلة حيلة ودخلت غرفتها تنظر في اركانها ابتسمت بتهكم فكان حلمها منذ ان علمت ان لها اختا ان يجدوها وتعود لتتقاسم معها الغرفة بل الفراش نفسه تتسامرا وتضحكا حتى الصباح أو حتى تبكيا سويا تواسي كل منهما الأخرى، تساءلت هل سيتحطم هذا الحلم ايضا كباقي احلامها المحطمة؟
انتبهت بعد فترة بسيطة على صوت طرقات الباب سمحت للطارق بالدخول وكان آسر ومن غيره يدخل إليها ويطمئن عليها، جلس جوارها على الفراش اراح ظهره للخلف وشرد هو الأخر تابعته بصمت، مرت عليهم دقائق دون حديث بعد فترة نهض آسر ونظر إليها
أسر: أنا حروح انام عايزة حاجة؟
ابتسمت سما برقة فهي تعلم انه يفتح المجال لها يعلم ما تريده وما لم يستطع الاعتراف لنفسه انه ايضا يرغب بنفس الشئ:
-الصراحة عايزة ادخل لها هي ما خرجتش من اوضتها النهاردة خالص.
آسر: الغريب ان أحمد ما حاولش يدخل لها مع انه كان باين عليه حيتجنن.
ضيقت عينها وتحدثت بمكر اخوي:
– وانت بقي كنت عايزه يدخل لها يطمن.
أجابها بتسرع وتلقائية:
– لو كان دخل كنت هطربقها فوق راسه باي حق يدخل اوضة نومها مش فاهم ازاي بابا بيسمح له بده هاتجنن.
ابتسمت واكملت بمكر تحاول استفزازه ليعترف لنفسه أولًا بغيرته الاخوية على شمس:
-بابا بيامن له وبيعتبره زيك بالظبط وهو بيعاملها بحب.
آسر بغضب:
– ما هو أنا مش غايظني الا انه ييعاملها بحب وكده عيني عينك معتمد انه كبير وان بابا مش بيقول حاجة وهي طبعا مبسوطة أنا خايف كلام اللي اسمه هيثم يطلع صح.
ردت سما بجدية:
-لا يا اسر الراجل ده شكله خبيث ما اهتمش حتى بإبنه ده كان بيتعمد يضايقه كان نبرته كلها اتهام وانتقام مش مريح خالص شوفت طنط مها كانت عاملة ازاي وعيطت قد ايه كمان المهندس سيف ودكتور أحمد كانت حالتهم وحشه دا حتى ما سألش على بنته.
نظر إليها مطولا التفت ليغادر وتحدث وهو يتحرك ليترك الغرفة.
– لو عايزة تدخلي لها بكرة ماشي بس ماتطوليش.
اغلق الباب خلفه ابتسمت بخفوت تعلم بالحرب الدائرة بداخله.
كاليوم السابق التزمت أميرة الفراش لشدة تعبها فطمأنها مروان على شمس وتأكد من تناولها أدويتها، ثم تحرك إلى شمس التي رفضت تناول الطعام والتزمت غرفتها بل فراشها فقط، حاول إقناعها بتناول الطعام فامتنعت بإصرار، كادت ان تدخل لها مها ولكن سما تحدثت
سما: ممكن اطلع لها أنا يا طنط؟
نظرت لها مها مبتسمة وتحدثت بلطف: ممكن طبعا يا سما، وإيه طنط دي قولي خالتو.
ابتسمت سما ببشاشة وأماءت راسها وانطلقت لغرفة شمس، تابعها آسر بتوتر وسعد مروان كثيراً لمحاولة سما وأشفق على ابنه، أما أحمد فتعلقت عينه كما قلبه بغرفة شمس ود لو يقتحمها ويضمها لصدره يخفيها ويبعدها عن الجميع وعن كل ما يؤلمها ايضاً يتردد على مسامعه ندائها على أدم يسال نفسه سؤلا يقتل روحه منذ ان سمع كلماتها هل اصبح أدم هو بطلها وفارسها؟
تابع سيف حال أحمد بتوتر فهو يعلم معاناته يسمع همهمات أحمد في اليومين الماضيين لا يستطيع اللوم على شمس بالحقيقة يشفق عليها، وبنفس الوقت يكاد يجن من الخوف على اخيه يلوم على والده فتصرفه غير مفهوم بالنسبة له يدور يداخله سؤالا ماذا سيجني والده مما فعل؟ ما هو العائد الذي ينتظره؟ هل فعل هذا من اجل الثأر لنفسه من ذلك اليوم المشئوم الذي احتد فيه الشجار بينهم؟ أينتقم من أحمد؟ من ابنه!!
أما بالأعلى طرقت سما على الباب ولم تسمع رد انتظرت قليلا ثم دلفت للداخل فرأت شمس مخفضة الرأس ابتسمت بألم حاولت التحدث بمرح
سما: اممم هو مش دكتور أحمد دايما يقولك ارفعي راسك.
رفعت رأسها لتتأكد ان سما بغرفتها فعلا كادت ان تبتسم ولكن ترددت بعقلها سؤال آسر ورد هيثم
“أسر باستفهام: يعني ايه باعت نفسها؟!!!
هيثم بتهكم: ملهاش غير معني واحد وواضح جدا اختك ضيعت شرفها كانت عايشة في اوضة واحدة مع واحد سنين ومحدش عارف بيتعاملوا مع بعض ازاي وبعدين باعت نفسها لواحد تاني فهمت كده.”
فاخفضت رأسها مرة اخري واغمضت عينها بألم، وقفت سما بجانبها نظرت إليها قليلا شعرت بمدي كَسْرَتها مما حدث لم تشاء ان تتحدث كما هو مفترض بهذا الوقت اردات فقط ان ترسم بسمة على وجهها.
فتحدثت بذلك المكر والخبث الأخوي (بالعربي كدة غتاتة الاخوات العادية):
– طيب أنا حروح اقول لدكتور أحمد بس لما يجي ويقولك كدة تلاقي اسر فوق رأسكم ويتخانقوا ما تعيطيش وقتها.
افتعلت انها تتحرك فرفعت شمس رأسها وامسكت مرفقها بلطف.
تحدثت بصوت منكسر:
-بلاش يا سما والنبي خلاص.
ألامتها نبرت صوتها شعرت بغصة شديدة بقلبها جلست بجانبها على الفراش نظرت لها بحب واخذت كف يدها بين راحتيها ورسمت ابتسامة صغيرة
سما: ما كنتش حعمل كدة كنت بغلس عليكِ بس.
ابتسمت ثم اخفضت راسها.
سما: لا ماهو مش عشان مش حعمل كدة تنزلي راسك، شمس أنا مش بعرف اتكلم قوي اتعودت اسكت بس أنا حاسة بيكي وبوجعك وحشني اني اشوفك على الفطار معانا وحشني الجو اللي بيحصل وانت معانا اقولك وحشني صوت دكتور أحمد انت عارفة انه تقريبا ما اتكلمش من وقت ما الدكتور صاحبه كان هنا بيقعد ساكت ومهموم طول الوقت.
انتبهت شمس لحديثها قلقت عليه حقا تعلم انها ألامته واوجعته بندائها على أدم ولكنها كانت لحظة ضعف وانهيار لم تستطع التحكم بكلماتها ونفسها.
سما: مش بقول كدة عشان تسرحي أنا عايزاكِ تنزلي تاني تطلعي من الاوضة دي ما زهقتيش؟ صحيح انت فعلا كنت بتقولي لماما زمان انك هتبقي لينا ماما.
اقتربت من اذنها وتحدثت بمرح وصوت خافت:
– بذمتك في ام بنتها اصغر منها بعشر سنين وبعدين تبقي ماما لأسر بطوله ده ازاي مش كفاية ماما ادت الطول كله له طلعتنا احنا الاثنين قصرين كدة وزي العسل.
ضحكت شمس رغما عنها.
سما: ايوة كدة يلا بقي تعالي معايا
وقفت تجذبها إليها فتحدثت شمس برجاء
– سيبني النهاردة بس بكرة أحاول والله انزل، بس سبيني النهاردة.
سما واصطنعت التفكير: اممم ماشي بس بشرط تاكلي وأنا انزل وأسيبك النهاردة.
ابتسمت شمس: حاضر
جلست سما بجانيها:
-وأنا هاكل معاكي افتح نفسك.
بعد فترة مرت عليهم باسفل طويلة جدا عادت إليهم سما بعد ان جلست معهم على السفرة همت ان ترفع رأسها فوجدت انظارهم جميعا مسلطة عليها اضطربت للحظة ثم تحدثت
سما: احم في ايه؟
نظروا إليها بتعجب ونظر مروان إليها بقليل من الحدة والاستفهام، فاخبرتهم بما سألوا عنه بنظراتهم:
-احم هي كويسة كلت خلاص وقالت حتحاول تنزل بكرة تاكل معانا.
نظرت سما لهم جميعا رات بسمة والدها برضا اما أحمد بزفر بإرهاق وأرجع ظهره للخلف اراحه على الكرسي اغمض عينه اما اسر ضيق عينه ونظر إليها بتدقيق فأخفضت رأسها تهرب منه تابع كل هذا سيف الذي ابتسم اخيراً من تصرفات سما فشعر انها تشبهه قليلا اما مها فمالت على سيف الجالس بجانبها همست له مبتسمة
مها: بقي في منافسين ليك يا بشمهندس.
وقفت سما لتغادر فاوقفتها مها:
– رايحة فين يا بنتي ما اكلتيش.
توترت سما قليلا نظرت لأسر الجالس بجانبها ثم اخفضت نظرها سريعا تحدثت بسرعة وكأنها تسابق الكلمات:
-لا ما هو أنا اكلت معها فوق.
انهت الجملة وركضت لغرفتها، احمر وجه اسر وسلط نظره عليها بينما لم يستطع سيف كتم ضحكه من رد فعلها فبدت كطفلة صغيرة فعلت حماقة وتتهرب من المواجهة، فتردد بالمكان صدى ضحكاته.