رواية عينيكي وطني وعنواني بقلم أمل نصر

الفصل الثاني والعشرون

جحظت عيناها بقوة حتى كادت ان تخرج من محجريها، بشرتها السمراء اصبحت تتحول للون الأحمر القاتم.. يداها التي تقاوم لكي تنزع كفيه المطبقين على عنقها النحيف بدأت ترتخي مع قرب نفاذ الهواء من صدرها.. أو قرب نهايتها التي لطالما توقعتها دائمًا بمخيلتها.. منذ هذا التاريخ المشؤم حينما شاركت هذا الملعون جريمته بغباءها.. وحاجتها للعاطفة الكاذبة التي أوهمها بها في بداية تعارفهم كي يكسب ثقتها.. وبعد ان حدث ماحدث..رأت وجهه الحقيقي الذي يبدوا في الظاهر واجهة بشرية ولكن بداخله مسخ.. مسخ مشوه لايتورع عن فعل جريمته واللصاقها بغيره.. ثم رميها هي كذبابة من امامه بعدما انتفت حاجته اليها.. لتتحمل هي بعد ذلك عواقب ماحدث وحدها.. وتتجرع من مرار الأيام مايذكرها دائمًا بجريمتها معه.. لقد تعبت ولم تعُد بها طاقة في حمل هذا الوزر الثقيل.. اذن فاليزهق روحها ويخلصها.. علّها تستريح ولو قليلًا من عذابها !
كان يطبق على رقبتها الهشة يود لو يكسرها بيده ولتذهب لجحيمها الغبية التي جائت اليه بكل صفاقة كي تستفزه وتخرج شياطينه ..غضبه الاعمى جعله يتمنى ذلك ويرغبه بشدة لبعض اللحظات.. قبل ان يستفيق ويدرك نفسه.. فتركها على اَخر لحظة قبل طلوع روحها من جسدها.. سقطت على الارض تسعل بشدة بعد ان تركها وابتعد عنها يسب ويلعن.. ثم ما لبث ان تناول خشبه صغيرة فضرب بها على الأرض بقوة امام رأسها المنخفضة للأسفل قائلًا :

  • جاية ليه دلوقتي بعد ما نسيتك ونسيت ايامك الغبرة يا أمينة الزفت؟
    رفعت عيناها اليه وقد هدأت انفاسها قليلًا ولكن مازالت قدميها على تقوى على الوقوف .. فعادت لأبتسامتها المستفزة:
  • انت خلاص صرفت نظر عن قتلي ياسعد ولا عايز تعرف سبب مجيتي لك الأول؟
    هتف عليها :
  • جاوبي واخلصي يابت.. انا مش ناقص قرفك.
    ردت بمرح في غير محله:
  • وحشتني ياسعد وقولت اشوفك..فيها حاجة دي؟
    هز رأسهِ بعدم استيعاب من فعلها فنزل امامها على عقبيه مضيقًا عيناه يسألها:
  • انتي يابت شاربة حاجة؟ جمودية القلب دي غريبة عليكي.. قولي يابت مبلبعة ايه بالظبط ؟
    قال الاَخيرة وهو يجذبها من قماش بلوزتها التي نزعتها بعنف عن يده قبل ان ترد عليه بغضب وقد ذهب عن وجهها العبث :
  • شاربة المر من كيعاني ياحبيبي.. من ساعة ما اتجوزت فتحى بياع البرشام عشان الاقي حد يلمني واتحامى في كنفه بعد ما غدرت بيا.. وقولتلي ماحدش ضربك على ايدك وكل فينا يروح لحاله ويشيل مسؤلية نفسه.. شيلت ياأخويا وبعدت عن وشك وريحتك من همي.. لكن ياغالي الحال اتغير علاء وعصام وصلوا لبيتي.. يعني قربوا يوصلولي .
    لكزها على ذراعها ليرد بعدم تصديق:
  • كدابة يابت محاسن ومش مصدقك.. بيت مين اللى وصلوله؟ هما يعرفوا اسمك كامل اساسًا عشان يعرفوا بيت جوزك؟
    صاحت بغضب:
  • انا مابكدبش ياسعد.. راوية جارتي حاكتلي ان في تلات رجالة جم على بيتي يسألوا عني بحجة انهم جمعية خيرية وعايزة تساعدني..راوية اكدت انها سمعت اسم الدكتور عصام على لسان واحد منهم واللي عرفته انا من المواصفات اللي حكتها ومواصفات التاني مش بعيد يكون علاء واللي خلاني اتأكدت اكتر بقى مين؟ عم متولى اللي كان بواب العمارة .. العمارة اللي كان فيها شقة عصام فاكرها طبعًا يانور عيني.. اكيد هو اللي دلهم عليا.. عشان ابن عمه ساكن ورا بيتي وياما شافني وشوفته في الشارع هناك .
    انسحب اللون من وجهه فاستقام بجسده واقفًا وهو يستوعب كلماتها المفاجئة.. وحينما ظل على صمته فترة ليست بقليلة.. هتفت عليه :
  • يكون في معلومك ياسعد.. انا لو حد منهم عثر عليا ولا عرف مكاني.. اوعى تفتكر اني هاسكت ولا انكر .. لا ياحبيبي انا هاقر بكل حاجة واحكي من طق طق لسلام عليكم .
    التفت اليها بنظرة تطلق شررًا من حدتها فعادت لابتسامتها المستفزة و تابعت غير اَبهة :
  • ما انا ماعدتش عندي حاجة اخاف عليها او اخسرها لو حبسوني ولا حتى عدموني .
    غلف وجهه بقناع جامد وهو يومئ لها بذقنه سائلًا باقتضاب:
  • والمطلوب إيه؟
    أجابت بقوة :
  • تشوفلي مكان اتاوا فيه غير بيت ابويا وتحميني منهم لو وصلولي!!
    …………………………

بداخل سيارته التي صفها في ركنٍ مظلم بالشارع الضيق.. كان ينظر في ساعة يده يحصي الدقائق في انتظار خبر او معلومة على هذا اللقاء المثير.. هذا اللقاء الذي توقع حدوثه منذ علمه بمعرفة أخيه بعنوان المرأة المنشودة وهو استنتج بذكائه لجوءها الى شريكها .. فوضع الإحتمالات برأسه لمراقبة بيت زوجها ومراقبة اخرى دقيقة لسعد الذي سيكشف حقيقته اَخيرًا لشقيقه ويعلم بحقيقة مافعله قديمًا.. ولحسن الحظ لم تتأخر المرأة لتأتي بعد ساعات فقط من تكليفه لعامل القهوة حودة والذي تسبب شجار سعد الدائم معه لقطع رزقه منها.. ليقبل بمهمة مراقبته ومراقبة من يقابلهم بكل سرور.. ولكن طال الإنتظار وبدأ القلق يتسرب الى قلب حسين.. فكما اخبره حودة المرأة دخلت مع سعد مخزن ورشته الخشبي ولم يخرجا حتى الاَن.. ترى ماذا يحدث الاَن وما الذي يتفقان عليه الاَن هؤلاء المجرمون؟
مسح بأطراف أصابعه على ذقنه المهذبة وعقله يدور في الاف السيناريوهات.. صدح الهاتف بورود مكالمة من حبيبته ولكنه مضطر لتجاهلها لانتظارها المكالمة الهامة و التي لم تتأخر كثيرًا بعد ذلك.. رد حسين عليها سريعًا بلهفة:

  • ايوة ياحودة إيه الأخبار ؟
  • …………………
  • خرجوا هما الاتنين!طب راحوا فين يعني ؟
    -…………………..
  • خليك وراهم ماتسيبوهمش الله يرضى عنك.. وتابعني بالاخبار اول بأول ولو لمحت اي حركة مش مظبوطة او فيها قلق اتصل بيا فورًا .
    -……….
  • بعد مايخلص مشوارك معاهم تعالالي البيت قابلني.. لو على الفجر حتى انا هافضل مستنيك..عشان تحكيلي بالتفصيل الممل .
    -………………
  • تسلملي ياحودة يامجدع .
    بعد ان انهى المكالمة زفر بسأم لعدم انتهاء هذه الليلة الطويلة مع شعوره المتزايد بالقلق.. ادار محرك السيارة ليذهب لبيته وقد ضاعت عليه فرصة لقاءه بالمرأة ومحاصرتها الليلة بالحقائق لتعترف .. ولكن لا بأس.. ان لم تكن الليلة فالايام قادمة .
    ………………………

زفرت حانقة وهي تنظر لهاتفها وتدور حول نفسها من القلق بداخل غرفتها.. فقد وصل بيها الضيق لأعلى مراحله من كثرة محاولاتها الفاشلة في الاتصال بِه وهو لا يجيب.. ولا يكلف نفسه عناء ارسال رسالة حتى ليطمئنها ويرضيها.. تحدث نفسها بتوعد:

  • ماشي ياحسين.. خليك كدة ماترودش ولا تعبرني وحسابك معايا بعدين بس.
    ودت لو تهشم هذا الهاتف لقطع صغيرة .. فما فائدته في يدها وهي لا تستطيع به الإطمئنان على حبيبها الان.
    صور لها الشيطان افراغ غيظها برميه على الحائط وليحدث ما يحدث بعدها.. فرفعت يدها لكي تفعلها ولكن اضاءة الغرفة التي عادت تتراقص مرة أخرى اعادتها لقضيتها الأساسية وهي السبب الرئيسي لاتصالها الدائم بحسين الاَن.. فوصلها صوت والدتها من خارج الغرفة:
  • رد عليكي حسين ياشروق ؟
    رفعت عيناها لأعلى بسأم قبل ان تخرج اليهم لصالة المنزل لترد:
  • لأ ياماما.. برن عليه لما هاكسر التليفون وهو لا معبرني حتى
    لوحت سميرة بكفيها في الهواء بقلة حيلة :
  • طب نعمل ايه بس دلوقتي ياربي.. ابوكي وقافل تليفونه عشان عزا الراجل صاحبه.. وخطيبك بترني عليه مابيرودش.. واحنا ولايا هانجيب منين بس كهربائي في الساعة المتأخرة دي؟
    تكلم ابراهيم بجوارها:
  • ياماما انا بردان هنا في الصالة..عايز ادخل اؤضتى الدافية عشان انام وارتاح فيها.
    هتفت عليه سميرة بغيظ:
  • ماتتنيل واصبر شوية على ما نشوف اخرتها.. النور ضغيف في البيت كله.. خليك جمبي هنا عشان ماتخافش لو الكهربا قطعت.وانت قاعد لوحدك هناك.
    سألتها شروق بقلق:
  • طب هانعمل إيه احنا ياماما لو قطعت وبابا مش موجود عشان يتصرف ؟
    ضربت سميرة على كفيها :
  • يعني عايزاني اقولك ايه؟ ماانا بضرب قدامك اخماس في اسداس اهو ومش لاقية حل.. ما هو لو كان ابوكي سمع كلامي وغير كهربة البيت اللي عفى عليها الزمن.. مكناش وقعنا في المغرز دا دلوقتي .
    اهتزت الإضاءة مرة اخرى فصاحت سميرة :
  • بتتهبي إيه عندك يافجر؟ ماتيجي بقى يابنتي وبلاش وجع قلب .
    وصلها الصوت من الداخل:
  • ياماما ما انا بحاول اشوف صرفة اوقفها بيها .
    همت لتجادلها سميرة ولكن اوقفها صوت زهيرة التي هتفت على باب الشقة:
  • ياسميرة يابنات.. ايه الأخبار .
    ردت سميرة:
  • ادخلي ياحبيتي انتي هاتستأذني.
    خطت زهيرة لداخل الشقة من بابها المفتوح وهي تتكلم :
  • لا ما انا بستأذن عشان علاء ياحبيتي.. اصله جاي عشان يشوف الكهربا عندكم .
    صدح صوته من خلفها:
  • مساء الخير ياخالتي.
    ردت سميرة بلهفة:
  • تعالي ياحبيبي.. ادخل يابني انت مش غريب
    تقدمت شروق نحو زهيرة لتجلسها على الأريكة ودلف خلفها علاء.. فقالت زهيرة:
  • والنبي يااختي.. اول اما قولتله مارضاش يستريح ولا يشرب بق مية حتى.. غير لما يجي يشوف المشكلة عندكم سببها ايه.
    سميرة وهي تخاطب علاء:
  • معلش يابني هانتعبك معانا.. نعمل إيه بس وابو العيال النهاردة مسافر البلد في عز واحد صاحبه.
    رد علاء وعيناه تبحث عنها وسطهم:
  • لا ياخالتي ما تقوليش كدة انا مش غريب عنكم.. هي سكينة الكهربا فين عشان اشوفها؟
    ردت شروق وهي تشير بيدها:
  • سكينة الكهربا جوا في المطبخ ياعلاء.. دي حتى فجر بقالها فترة جوا بتحاول فيها .
    ذهبت عيناه فورًا ناحية المطبخ فقالت سميرة:
  • ادخل يابني خلي شروق توصلك بس انت هاتعرف بقى؟ دي كهربا يعني مش حاجة سهلة .
    رد عليها وهو يتحرك مع شروق:
  • والله لو ماعرفتش ياخالتي.. هانزل على طول اجيب الكهربائي.. ما انا مش هاستنى عشان اعك كمان.
    أومأت سميرة برأسها واللتفتت بعد ذلك للحديث مع زهيرة وذهب علاء مع شروق التي صدح هاتفها بمكالمة من خطيبها حسين.. فتوقفت في الطرقة الموصلة للمطبخ والمرحاض ..تشير لعلاء:
  • معلش ياعلاء حسين بيرن ادخل انت اهو المطبخ قدامك عشان وانا هارد على الفون.. اومأ لها برأسه فذهبت لترتد عائدة لغرفتها ودلف هو وحده عندها بداخل المطبخ.. فوجدها واقفة محلها امام القاطع الكهربائي للإنارة العمومي للشقة.. ممسكة بيدها عصا صغير تحاول جاهدة فيه على أطراف اصابعها
    القى عليها التحية بابتسامة زينت وجهه على هيئتها اللذيذة وكأنها طفلة بالبيجامة ذات الرسوم الكارتونية :
  • مساء الخير..
    انزلت قدميها على الأرض لتسدير اليه وترد التحية:
  • مساء النور يامعلم علاء.
    سألها بمشاكسة:
  • بتعملي إيه؟
    رافعت حاجبيها ترد باستنكار:
  • والله كلك نظر يامعلم علاء.. بحاول اثبت في المفاتيح الملخلخة دي وهي بتطفي وتنور لوحدها .
    تقدم لداخل المطبخ قائلًا بمرح :
  • بس واضح كدة ان طريقتك مش نافعة ولا يمكن عشان انتي قصيرة ومش طايلة تثبتي كويس.
    ردت بغيظ وهي تلوح بالعصا على المفاتيح المثبتة في القاطع:
  • مش موضوع قصيرة.. الموضوع انها هي نفسها بايظة.. يعني مثلًا اثبت الجزء ده بتاع اوضتي واؤضة النوم بتاعة ماما وبابا.. الاقي الجزء اللي جمبه اللي بيشمل أؤضة شروق وابراهيم أطفى.. واما اثبت الجزء ده بتاع بتاع الصالة والمدخل الاقى هااا..
    صرخت شاهقة وهي تكمل بخوف:
  • الاقي الصالة والحمام هما اللي انطفوا.
    صدحت ضحكته مجلجلة في هذه المساحة الضيقة حينما عمها الظلام بانطفاء الجزء الخاص بها من مفاتيح القاطع.. انار كشاف هاتفه ليراها منكمشة على نفسها على حافة حوض غسيل الأطباق.. ولكنها استقامت فجأة لتداري ارتباكها وتوترها أمامه.. فالتفت للقاطع يبتثه على انارة جميع الشقة باحترافية تعجبت لها .. ثم استدار اليها قائلًا بخيلاء :
  • حاجة بسيطة أهي.. يعني ماكنش ليه لزوم تتعبي نفسك الوقت دا كله.. كنت انديهيني بس أو شاوريلي من البلكون وانا احلها .
    فغرت فاهها تنظر اليه مندهشة من طريقته حتى خرج من أمامها بابتسامة شملت جميع وجهه
    ………………………
    بداخل غرفته حسين وهو جالس على طرف تحته يتحدث معها بمحايلة:
  • يابنتي والنعمة ماكنت فاضي .
    وصله صرختها:
  • حتى لو ما كنتش فاضي ياحسين.. تطمني حتى برسالة مش تسيبني اَكل في نفسي والقلقل والأفكار الوحشة تلعب في دماغي .
    رد بحنان وقد لامست قلبه كلماتها:
  • سلامتك ياقلبي من القلق ولا الخوف..و سامحيني عشان نسيت موضوع الرسالة دي.. بس والله دماغي كانت مشغولة ومازالت .
    سألته بتوجس:
  • مشغولة في إيه بقى دماغك؟
  • نعم!!
  • بقولك مشغول في ايه ياحسين وجاوب بقى عشان دماغي انا ماتروحش في حتة تانية.
    سألها بعدم فهم:
  • حتة تانية فين بالظبط يعني عشان اعرف؟
    صدر صوتها بتعصب:
  • في الستات مثلًا ياحبيبي.. يعني تكون بتفكر في واحدة تانية غيري.. والنعمة ما يحصل ياحسين لاكون مسودة عيشتك وممرارها كمان .
    قهقه يضحك من قلبه:
  • ههههه يخرب عقلك ياشروق ضحكتيني بجد يخرب عقلك.. هو انا عندي وقت اعرفك انتي نفسك عشان اعرف واحدة تانية.. وحتى لو في؟ مين دا اللي يقدر ياخد مكانك ياقمر؟
    رقت لهجتها وهي مازلت تهاجم:
  • ماتحاولش تاكل عقلي بكلامك دا ياحسين عشان ماعدتش بياثر معايا فاهم؟
  • والنبي بجد اللي بتقوليه ده؟ يعني انا ماعنديش معزة في قلبك على كدة بقى؟
    اصدرت صوت طقطقة بفمها تنفي بدلال:
  • لأ
    تابع معها :
  • طب والنبي سامحيني المرة دي بقى عشان خاطري وحياة الغالين عندك ياشيخة.. دا انت حتى حنينة وقلبك طيب.. مش برضوا قلبك طيب؟
    قالت بمرح:
  • انا مستعد اسامحك المرة دي عشان الغالين بس .. مش عشانك انت وبشرط انك ما تتكرهاش تاني كمان فاهم؟
  • فاهم ياقمر ياام قلب حنين انتي.. ربنا يخليكي للغلابة يارب.
    صدحت ضحكتها الجميلة على اسماعه.. انعشت صدره بعشقها وادخلت السعادة على قلبه.. فأنسته همه وما يشغل عقله.. همس بحب:
  • ربنا بخليكي ليا ياشروق ويباركلي فيكي ياقلبي
    رددت خلفه :
  • وانت كمان ياحبيبي.. ربنا مايحرمنيش منك ابدًا وافضل انا كدة على قلبك طول العمر
    ضحك على دعابتها وهم للرد ولكن قاطعه ورود المكالمة المنتظرة.. فأسرع ينهي معها:
  • شروق ياقلبي.. ممكن تسامحيني دولوقتي وتقفلي والنبي عشان عندي مكالمة مهمة .
    همت لتعترض ولكنه استرضاها برجاء حتى انهى المكالمة سريعًا ورد على حمودة الذي كان ينتظره بأسفل البيت ولم يقبل بالصعود اليه في هذه الساعة المتأخرة من الليل.. فنزل اليه حسين يقابله في حديقة منزله:
  • انت متأكد ان ماحدش فيهم شافك ياحمودة؟
  • عيب عليك ياحسين بيه.. هو انت فاكرني غبي؟ دا انا كنت براقبهم من مسافة بعيدة.. دا غير اني كنت لابس كمامة كمان ولابس لبس تقيل عشان الزفت دا لو شافني مايعرفنيش.. حكم انا عارفه دا بلوة مسيحة.
    ربت حسين على ذراعه مشجعًا :
  • جدع ياحودة.. انا عارفك راجل من الاول ومخك نضيف امال انا لجأتلك ليه انت بالذات على طول عشان عارفك.. المهم الشقة اللي شوفتهم داخلين فيها دي.. ماتعرفش بتاعة مين فيهم؟.
    رد حودة بحماس:
  • طبعًا سألت وعرفت.. الشقة دي بتاعة الزفت سعد ومأجرها في الخفا من كام سنة كدة.. للمزاج والعب .. بس الجيران اكدولي ان في واحدة بتتردد على طول شقته دي وكأنها عشيقته.
    انتبه حسين لمقولته فحث حودة بتصميم:
  • طب انا عايزاك تستمر في مراقبة الشقة دي كويس وتخلي ناس ثقة من ناحيتك.. يشاركوك في مراقبة الاتنين سعد وامينة واهم حاجة .. تعرفلي مين هي دي الست اللي كانت بتردد عالشقة المشبوهة مع سعد سامعني ياحودة؟

…. يتبع
انتظروا بقى الاحداث اللي جاية وشجعوني بتفاعل وتعليقات حلوة منكم

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل الثالث والعشرون

على طرف تخته القديم كان جالسًا بقدميه المثنية لجواره وهو مستند بكتفه على القائم .. يدخن سيجارته شاردًا في مايحدث معه الاَن وهذه المصائب التي حلت فوق رأسهٍ دفعة واحدة.. الايكفي ظهور عصام المتعجرف وبحثه في الماضي بالتقرب مرة أخرى من علاء والعب بعقله.. حتى تأتي هذه الملعونة لتقلب الطاولة فوق رأسهِ وتزيده همًا فوق همومه.. لقد تناسها ونسي أيامها بعلاقته مع نرمين لكن بظهورها الاَن اعادت الاحداث بعقلهِ وكأنها الاَمس.. تتوالى بذاكرته المشاهد واحدة تلو الأخرى دون توقف.. بداية من عودته من عمله في هذا اليوم الفارق في حياته حينما رأها تدخل السيارة مع هذا الطاووس الذي لم يكره في حياته اكثر منه.. فاشتعلت النيران بقلبه.. ود لو يوقف السيارة فيسحبها من ذراعها كي تخرج من جواره.. لكن بأي حق وهو يعلم تمام العلم انها لن تقبل.. تحركت اقدامه نحو ورشة ابيها كي يخبره بما حدث وتتلقى هي وهو عقابهم .. لكن على اَخر لحظة هداه شيطانه لتغير وجهته لمكانٍ اَخر! وقد ارتسمت بعقلهِ خطة لضرب عدة عصافير بحجر واحد .. وكانت أمينة صديقة شقيقته والتي عملت بفضل وساطته لها عند عصام.. هي اداة لتحقيق هدفه ومعرفة جميع مايحدث بداخل الشقة.. وقد سارت خطته على أكمل مايريد حتى هذا اليوم حينما اتصل بها للترتيب في ساعة الحسم التي بناءًا عليها تنجح خطته!

“” كانت أمينة بداخل المطبخ الرخامي تهمس غاضبة في الهاتف وعيناها تراقب لخارجه نحو الجالسين بوسط الصالة الواسعة .

  • أاجله ساعتين ازاي ياعم انت؟ بقولك هايشرب قهوته ويمشي على طول .
    وصلها صوته المنزعج:
  • يابت اتصرفي.. شغلي عقلك بأي فكيرة تخليه يستنى على ما يوصل علاء من جيشه دا ركب القطر وخلاص هانت .
  • ايوة يعني هاقوله إيه عشان يستنى وما يخرجش
    صاح عليها هادرًا:
  • انتي غبية يابت انتي؟ كام مرة هافضل أعيد وازيد في الكلام عشان تفهمي .
  • ماتزعقش فيا ياسعد حرام عليك.. انا بنفذ كل اللي بتقوله لكن في دي بقى هاتصرف ازاي يعني؟ أضربه بقى على راسه مثلًا عشان يفضل مستني وما يخرجش ؟
    صمت قليلًا قبل ان يتكلم بحماس:
  • بت ياامينة انا خلاص هاقولك تعملي إيه بعد ماجبتيلي انتي الفكرة من غير ما تدري .
  • فكرة ايه ياسعد مش فاهمة؟
  • مافيش وقت عشان اشرحلك.. المهم بقى انك تستنى كدة على على القهوة اللي على النار دي.. شوية كدة على ما انا اوصلك.
  • وايه دخل القهوة بس ياسعد؟ انا مش فاهمة حاجة.
  • عنك مافهمتي.. نفذي اللي بقول عليه وانا في ظرف دقايق هاكون عندك من الباب الخلفي بتاع المطبخ وهافهمك نعمل ايه؟
  • احسن تتأخر ياسعد؟
  • ياغبية هاتأخر فين بس وانا موجود اساسًا قريب منك براقب البيت.. اخلصي اقفلي ياللا وانا هاوصل الصيدلية واطلعك على طول .
  • صيدلية ايه ياسعد؟
  • اقفلي يابت بلا غباوة

بعد نصف ساعة .
لطمت بكفيها على وجهها تخاطبه بجزع وهو واقف امامها بوسط الصالة في شقة الدكتور عصام

  • يانهار اسود يانهار اسود.. انت حطيتلهم ايه في القهوة؟ دول باينهم ماتوا؟ يامصيبتك السودة يا أمينة يامصيبتك السودة.
    هتف عليها بغضب وهو يجثو بركبته على الأرض التي استلقى عليها عصام دون إرادته قبل ان يصل لباب الخروج بفعل المنوم
  • بس يازفتة انتي دول ماماتوش ولا حاجة.. تعالي بس ساعديني عشان نشيل الزفت ده ندخلوا أؤضته ونيمه على سريره.
    قالت بترجي وهي تفرك كفيها ببعضهم:
  • أوعى يكون مات ياسعد وحياة الغالين عندك ياشيخ
    هتف بصوت خفيض مابين أسنانه:
  • يابت ماتبقيش غبية وافهمي بقى.. دا منوم.. يعني مش سم عشان يموته.. هاستفاد ايه انا بموته بس؟ تعالي ساعديني وماتقليقيش هما اَخرهم ساعتين ولا حاجة وتلاقيه قام زي القرد.. تعالي يالا ساعديني نشيله مع بعض ربنا يهديكى .
    اذعنت لأمره مضطرة فجثت على ركبتيها تساعد برفعه من اقدامه وهو من رأسه واكتافه.. فسألته وهي تومئ برأسها نحو فاتن المستلقية لا حول لها ولا قوة على الأريكة الاَثيرة:
  • ودي هانشيلها بردوا ولا هانسيبها مكانها؟
    رد بحزم وهو يرفع لأعلى ثقل عصام :
  • نفس الأمر بس هاندخلها اؤضتها .
    وقد كان.. بعد ان أنهوا مهمة حمل عصام قاموا بنقل فاتن هي الأخرى لغرفتها.. ولإكمال الخطة خرجت امينة من الباب الرئيسي ليراها حارس العمارة بشكل طبيعي للذهاب الى منزلها.. وخرج هو من الباب الخلفي بناءًا على اتفاقه مع أمينة ولكنه توقف بوسط الدرج.. ولم تطاوعه قدماه للنزول.. فنزل بجسده جالسًا بإرهاق.. يفرك بأطراف اصابعه على جبهته المتعرقة.. لا يستطيع السيطرة على تفاعل جسده منذ ان حملها بيداه الإثنتان وشعر بنعومة جسدها الفاتن كاإسمها.. يريد ازاحة مشهد رؤيتها عن رأسهِ وهي نائمة على فراشها وقد كشفت بلوزتها عن جزءٍ كبير من كتف ذراعها الغض ولا يستطيع.. يبتلع ريقه بصعوبة حتى اصبح جسده يرتجف.. ثم مالبث ان ينهض مستقيمًا لينحي عقلهِ جانبًا عن التفكير .. وصعد مسرعًا ليفعل ما أملاه على رأسهِ شيطانهُ وغريزته الدنيئة دون تقدير العواقب.. لم يشعر بعظم ما يفعله من خطأ غير بعد وقتٍ طويل.. وقد نال ما تمناه وارق مضجعه لياليٍ طويلة في أحلام النوم او اليقظة.. نهض عنها ينظر بصدمة لأثار جريمته عليها.. زحف يبتعد عنها بأعين متسعة بذهول من نفسه.. فهذا لم يكن مدرجًا في خطته ولكنه حدث؟ فما العمل الاَن والوقت لقرب وصول علاء يمُر؟ نهض عن التخت فجأة وقد حسم أمره واتخذ القرار! فلتبدوا جريمة مكتملة.. لكن لا رجعة للخلف مرة أخرى .
    ارتدي ملابسه بسرعة ورفع من الغرفة كل اثر يدل على حضوره ثم حملها هي وخرج بها لغرفة عصام يضعها بجواره.. فنزع عن عصام ملابسه هو الاَخر ..وبعد ان جذب عليهم غطاء الفراش تحرك بظهره للخلف يلقي نظرة أخيرة قبل ان يستدير ينوي الخروج ولكنه تفاجأ بأمينة التي كانت واقفة على باب الغرفة المفتوح كتمثال اسمر شاحب وعينان كبيرتان اتسعتا بشدة تتحرك مقلتيهم باضطراب .. شفتيها منفجرتان بصدمة .. اقترب منها يدفعها بعنف لخارج الغرفة.. ويغلق بابها بسرعة.. استفاقت من صدمتها فهجمت عليه تمسكه من تلابيب قميصه صارخة تسب وتشتم :
  • ياحيوا……. ياابن الكل……
    بكف يده اطبق على فمها يمنع وابل الشتائم واليد الأخرى دفعتها للخلف على الحائط فشل حركتها بذراعه ليهدر بصوتٍ مخيف اظهر قبح قلبه :
  • صوتك دا مايطلعش يابنت محاسن.. واسمعي مني اللي جاي دا كويس قوي.. عشان انا وانتي في مركب واحدة.. هاتعملي مصدومة هاتعملي بريئة! انتي ملطوطة معايا في كل اللي حصل.. يعني المصيبة عليا وعليكي.
    زامت تحت كفهِ المطبقة على فمها بقوة.. تحرك رأسها بنفي واعتراض ودمعاتها تتدفق من عيناها بعجز فضغط يهزها بعنف وقسوة مشددًا بقوله:
  • بلاش دور المسكنة والصعبنيات دي عليا انا ياروح امك.. ماحدش كان ضربك علي ايدك يابت. فوقي كدة واصحي.. خليكي حلوة ونفذي للاَخر اتفاقك معايا.. عشان اللي هايضرني هايضرك واللي هايسري عليا هايسري عليكي.. فهمتي بقى ياحلوة ولا نعيد في الكلام من تاني؟
    هزت رأسها تومئ بقهر فنزع كف يده عن فمها وذراعهِ عنها وحينما هدأت حركتها سألها بخشونة:
  • ايه اللي رجعك على هنا تاني؟
    همست بضعف:
  • رجعت اَخد تليفوني اللي نسيته في اؤضة الدكتور عصام
  • طب خوشي انجري ياللا هاتيه وشوفي ناسية ايه تاني وراكي مش ناقصين مصايب.. وحاولي تنجزي بسرعة عشان قطر علاء قرب يوصل “”

عاد من الذكرة الأبدية في رأسه لحاضره الاَن وهو يتنفس بعمق.. يحاول استيعاب الأمر والتفكير بروية لحل ما.. فحينما فاجئته الليلة على حين غفلة بهذه المعلومات الجديدة.. لم يجد أمامه سوى وضعها تحت عيناه الاَن وضمان سيطرته عليها .. فلتبقى في هذه الشقة لبعض الوقت حتى يجد الحل الجذري لكل مشاكله !
……………………….

بعد يومان .
صعدت فجر لسطح البناية التي تقطن بها وهى تحمل على كتفها سجادة متوسطة الحجم ولكنها كانت تلهث من ثقلها.. تتقدم بخطواتها البطيئة بها نحو حافة السور الخرساني لتلقيها عليه.. ولكنها تفاجأت بالسجادة وهي تسحب من ذراعيها وانتزعت منها بحركة سريعة للأعلى.. استدارت مجفلة لتجد علاء يحمل السجادة بذراعه وكأنها لا تزن بيده شئ..

  • خضتني ياعلاء.. مش تتكلم طيب ولا تديني اشارة قبل ماتسحبها كده
    قالتها وهي تضع يدها على صدرها تهدئ ضربات قلبها السريعة.. فتحرك يتجاوزها نحو السور الخرساني وهو يتكلم بجمود:
  • وانتي طالعة بيها لوحدك ليه مش تخلي حد يساعدك؟
    ردت وهي تقف بجواره وتساعد في فرد السجادة معه :
  • يساعد مين ياعم؟ هو انا عيلة صغيرة ولا دي اول مرة اشيل السجادة فيها يعني وانشرها هنا عالسطح .
    اللتفت اليها مضيقًا عيناه يسألها بغموض:
  • وفي كل مرة برضوا بتتطلعي بالبيجامة دي؟
    القت نظرتها على بيجامتها ذات الرسوم الكارتونية فسألته بعدم فهم:
  • مالها يعني البيجامة؟ هي يمكن تكون قديمة شوية وشكلها مبهدل بس يعني انا بنضف هالبس ايه بقى….
  • مش دا قصدي انها مبهدلة ولا قديمة..بل بالعكس بقى دي حلوة عليكي بزيادة ودا اللي مضايقني.. عشان دا سطح عمارة وفي ناس تانية سكانين معانا فيها
    فتحت فمها لترد واقفلته مرة أخرى تخفض عيناها خجلًا وهي لا تدري بأي إجابة تجيبه
  • ممكن يابنت الناس ماتطلعيش بيها تاني؟ يااما تنشريها في البلكونة تحت
    ردت ببرائة :
  • البلكونات في شقتنا مابتوصلهاش الشمس كويس.. واحنا متعودين اساسًا ننشرها هنا عشان احنا اَخر دور .. دا غير ان البيجامة واسعة…
  • لا محزقة .
  • نعم!
    رد بتصميم وجرأة:
  • محزقة يافجر.. وطرف البنطلون اللي مشمراه دا مخلي رجليكي باينة منه.
    شهقت خجلة لتسدير وتبتعد عنه ولكنه تصدر لها كالمرة السابقة.. رفعت عيناها اليه تسأله بدهشة:
  • في إيه ياعلاء؟ هو انت هاتعملها تاني برضوا معايا زي المرة اللي فاتت؟
    قال ببساطة وعيناه تحاصر عينيها:
  • المرة اللي فاتت انا كنت بوقفك عشان اعرف إجابة لأسئلة محيراني.. بس المرة دي انا موقفك عشان وحشتيني ومش عايزك تمشي وتسيبيني.
    فتحت فمها بعجز غير قادرة على الرد فتابع هو:
  • بتبعدي ليه عني وتختفي كل ما تشوفيني؟ دا غير البلكونة كمان اللي حرمتي ما توقفي فيها؟
    تحركت للخلف لتبتعد عن مرمى سهام عينيه وردت بتوتر:
  • عادي يعني؟ الأيام اللي فاتت اصلًا انا كنت مشغولة.
    أجفلها سائلًا:
  • هو انتي زعلتي عشان الكلمتين اللي قولتهملك في بيتنا.. انا اَسف لو كنت زعلتك .
    هزت رأسها ترد نافية:
  • انا مزعلتش انا بس ….. استغربت واحترت .
  • احترتي؟
    قالها ثم سألها:
  • طب ليه تحتاري؟ دول كلمتين كانوا في قلبي ناحيتك وانتي تستاهلي .
  • مش موضوع استاهل ولا من قلبك.. الحكاية بس!
    سألها بحيرة:
  • بس ايه يافجر ماتكملي.. وقولي اللي في قلبك .
    اشاحت بعيناها عنه غير قادرة على النطق.. لتزيد من حيرته وهو ينظر نحوها صامتًا هو الاَخر ولكن بتساؤل ثم مالبث ان تكلم قائلًا:
  • فجر هو انتي مأثرة معاكي قصتي القديمة مع فاتن ؟
    اومأت برأسها موافقة… قال هو:
  • طب ليه يافجر ودا موضوع قديم وانتهى من سنين؟
    سألته هي :
  • طب والحب اللي كان مابينكم.. انتهى كمان من قلبك؟
    دي حتى كانت قصة حبكم اسطورية وانا نفسي كنت شاهدة عليها مع فاتن.
    ارتفعت زاوية فمه بشبه ابتسامة:
  • وافرضي يافجر كانت جميلة ورائعة في نظرك كمان.. بس ربنا مكتبش لنا نصيب مع بعض.. يبقى الدنيا تقف على كدة..
  • طب دي ماتعتبرش خيانة مني.
  • تبقى خيانة لو هي عايشة؟ لكن دي توفاها الله.. وانا وانتي عايشين يبقى ندفن اللي في قلوبنا ليه؟
    صمتت عن الرد مرة اخرى ليجفلها قائلًا :
  • تتجوزيني يافجر؟
    برقت عيناها وانعقد لسانها عن الرد او الأستفسار عن صحة ماسمعته .. فأكمل هو :
  • انا عارف اني بفاجئك بطلبي ده.. لكن انا راجل دوغري وبحب ادخل البيت من بابه.. تسمحيلي ياابلة فجر ادخل بيتكم من بابه؟
    …………………………….

لولولويي
اطلقتها سحر بصوت عالي قبل ان توقفها فجر بكف يدها على فمها .

  • اكتمي الله يخرب بيتك هاتفضحينا .
    ازاحت سحر كف صديقتها قائلة بمرح :
  • فرحانة يابنتي .. اعبر عن حبي ازاي بس ياناس؟
  • ماتعبريش دلوقتي ولا تتنيلي.. استني لما يحصل بجد .
  • ليه بقى؟ مش بتقولي انك وافقتي وهو أخد ميعاد من والدك عشان يجيب والده ويجي يطلبك .
    ابتسمت فجر تسعيد هذه اللحظات المجنونة.. حينما اومأت له برأسها موافقة ولكنه اصر لسماعها من فمها صريحة ..فردت موافقة على استحياء .. ليقفز بفرح كانه طفلٍ صغير وينزل مهرولًا لأبيها يطلبها مرة أخرى ..
    بمفاجأة اصابت والديها حينما سألوها واجابت بنعم..
    وحدث بعدها كل شئ سريعًا.. حينها دلفت اليها زهيرة تضمها وتحضنها بدموع الفرح والسعادة.
  • انتي يابت انتي روحتي مني فين؟
    عادت فجر من شرودها ترد بقلق :
  • سرحت في اللي حصل النهاردة ياسحر .. بصراحة ماقدراش احط عيني في عيون والدي ووالدتي من الكسوف.
    اطلقت سحر ضحكة بصوت عالي استفز فجر قبل ان ترد :
  • ههههه حاسة ان مشاعرك بقت مكشوفة قدامهم صح ؟ ودي حاجة مش متعودين عليها من الابلة فجر؟
    لكزتها بقبضتها حانقة:
  • صح في عينك.. هو انتي هاتعملي زي الزفتة شروق دي كمان.. اللي واخداني السليوة بتاعتها النهاردة ضحك ومسخرة .
    علت سحر ضحكتها مرة أخرى :
  • ههههه ياعيني عليكي يافجر.. دا انتي هاتشوفي ايام عنب معانا بكسوفك ده.ههههه.
    لكزتها فجر مرة اخرى وقد اصبح وجهها كقطعة حمراء من الخجل .. سالتها سحر :
  • ماقولتليش بقى.. هو والده هايجي امتى بالظبط يطلبك رسمي؟
  • بكرة ان شاء الله بعد المغرب .
    ……………………….

ماخرجتش خالص! انت متأكد من كلامك ده؟
كان هذا سؤال حسين لحودة والذي اجابه بتأكيد :

  • والنعمة زي ما بقولك كدة ياحسين باشا..من ساعة ما دخلت العمارة ماخرجتش منها تاني نهائي.. رغم مرور كذا يوم على كدة.
    قال حسين بتحذير :
  • حوودة .. اوعه يكون البت بتخرج وانت سهيت عنها .. ازعل منك بجد والله.
    رد حودة وهو يلوح بكف يده في الهواء:
    -والنعمة ماحصل ياحسين باشا.. دي حتى خضار مابتجبيش رغم ان سوق الخضار قريب منها .. الزفت سعد دخل عندها مرتين بالاكياس وبعدها مراحش تاني واكنها حابسها.
    تنهد حسين وهو يطرق بيده على مقود السيارة المتوقفة.. فقال وهو يجز على اسنانه
  • ابن ال…. بس ماشي ..اكيد برضوا هاوصلها ..خليك انت مستمر في المراقبة ياحودة مع الرجالة اللي معاك .. ابوس ايدك ماتغفلش عن أي حركة ماشي .
    رد حودة بحماس:
  • اكيد طبعًا ياحسين باشا.. خليك متأكد وحط في باطنك بطيخة صيفي .
    …………………………..
    صاحت عليه في الهاتف وهي تهز أقدامها بتعصب :
  • بقولك زهقت وعايزة اخرج ياسعد.. انت هاتفضل قافل عليا بالمفتاح كدة لحد ما اموت بقى واعفن في الشقة دي؟
    صاح عليها من مكانه بحزم
  • اترزعي واصبري لحد ما اشوفلك صرفة يابنت انتي انا مش ناقصك.
    صرخت هي:
  • لحد امتى بقى؟ دا انا هكمل اسبوع من غير ما اشوف الشارع ودي عمرها ماحصلت .
    رد باستهزاء:
  • طبعًا يااختي انتي هاتقوليلي؟ ماانا عارف دا كويس .
    مش وش بيوت ابدًا.
    اصابتها الكلمة في كرامتها.. بلعتها داخلها وهي ترد عليه بتماسك:
  • الله يسامحك يابن الاصول ..انا مش هارد عليك وهاصبر زي ما بتقول.. بس بقى ياحبيبى الأكل قرب يخلص من البيت.. يعني ابعتلي حد بالتومين يأما تيجي بنفسك ولا انت عايزني اموت من الجوع بقى.
    رد بغضب:
  • اتنيلي استنيني هاجيبلك النهاردة اكل وتومين.. عايزة حاجة تاني يااختي؟ اقفلي بقى عشان انا قرفت.
    وبدون استئذان انهى المكاملة مما اثار استيائها وحنقها اكثر .. فركت بيديها وهي تسب وتلعن عليه
  • ماشي ياسعد ال….. ربنا يوريني فيك يوم.
    ظلت على وضعها هذا لعدة لحظات حتى نهضت اَخيرًا مقررة تسلية وقتها بعمل أي شئ في هذه الشقة المتواضعة والتي تذكرها بشقتها .. بدأت بالصالة ثم اتجهت لغرفة النوم تنظف الأتربة العالقة بها.. رفعت السجادة الباليه عن الارض واتجهت لتغير ملائة الفراش .. فتفاجئت ونزع كيس المخدات .. فصدر سقوط شئ ما امامها على الأرض.. دنت تتناوله فتوسعت عيناها وانفرج فمها بابتسامة ساخرة وهي تتلاعب بهذا القرط النحاسي الكبير بشكله المعلوم اليها جيدًا .
    تمتمت وابتسامتها ازدادت اتساعًا :
  • اه يا نرمين ال…… طب والنعمة كان قلبي حاسس.. ماهو على رأي المثل البيض المنشش يدحرج على بعضه! بس ياترى بقى جوزك عارف ؟

…. يتبع

امل_نصر

بنت_الجنوب

الفصل الرابع والعشرون

ولا حتى في أحلامه كان يطمح ان يتم الأمر بهذه السرعة.. فمنذ أسبوعٍ واحد فقط كان يتمنى ان تخرج له من شرفتها فيُملي عينه بالنظر إليها.. كم من ليلة مرت عليه وأرقه السهر في التفكير بها.. كم حرقه الشوق ليرى ضحكتها التي رأها مرة او مرتين فقط لكنها فعلت بعقلهِ الاَفاعيل حتى كاد ان يصيبه الجنون بها.. حتى بعد أن وافقت على طلبهِ بعد عذاب.. حتى وهو يأخذ المباركة من أبيها بتحديد موعد مع والده للأتفاق على خطوبة رسمية أمام الناس فتأتي المفاجأة من أبيه الذي اقترح اختصار الوقت بعقد قران ابنيه الأثنين على الأختين متعشمًا بهذا بالتقارب الذي حدث بين العائلتين في هذه الفترة القليلة وتوطد العلاقة بينهم.. وكانت المفاجاة الأكبر حينما رحب ابيها ووافقت هي في الجسلة امام الجميع.. ليأتي هذا اليوم المبارك ويعقد قران أخيه أولًا على شروق ثم يأتي دوره ليعقد على حبيبته التي كانت جالسة امامه في الصالة التي توسطت المنزل بجوار شقيقتها العروس ايضًا ووالدتها ووالدته وبعض النسوة من الأقارب والجيران.. فالحفل صغير واخُتصر على عدد قليل من المدعوين على حسب الاتفاق.. على ان يتم الحفل الكبير بعد انتهاء شروق من اختباراتها الاَخيرة في الدراسة
حينما وضع كفه في كف العم شاكر يبدوا أن الرجل قد شعر برجفته فقال متفكهًا:

  • إيدك باردة اوي يابني.. هو لدرجادي الوضع يخوف؟
    صدحت الضحكات العالية من المدعوين القلائل بصخب.. حتى علاء نفسه ضحك رغم تعرقه وتوتره.. ثم جاءت اللحظة الحاسمة.. فحبس انفاسه وهو يراها تدنو على الدفتر الكبير وتوقع بيدها الصغيرة عليه.. كانت دقاته قلبه العنيفة تقفز في صدره قفزًا من سرعتها وهو يراقبها.. فرغم كل ما يحدث الاَن كان ينتابه الخوف من تراجعها المعتاد معه لاَخر لحظة.. حينما رفعت رأسها إليه بابتسامتها الساحرة وانطلقت الزغاريد الفرحة من الأحباب لأعلام الجميع باتمام المهمة وان فجر شاكر عبد المنعم أصبحت زوجة رسمية لعلاء ادهم المصري.. كاد قلبه ان يتوقف من الفرحة وهو يتلقى المباركات من أبيها وأبيه وشقيقه حسين والمدعوين من الرجال
    .. حتى اقتربت زهيرة منهم بدموع الفرح تُعانق ابناءها بعد أن تم فرحها أخيرًا بزواجهم بأجمل الفتيات واقربهم الى قلبها رغم قصر المدة التى عرفتهم فيها ولكنها علمتهم جيدًا وعلمت أخلاقهم .
    اخرجها من حضنه علاء ليقبل رأسها فضحك من قلبه على هيئتها الباكية:
  • هههه إيه ياام علاء دا وقت بكى برضوا؟
    قالها وهو يمسح بإبهام كفيه الإثنين الدموع العالقة وجنتيها .
    ردت هي بصوتٍ مشحون بالعواطف:
  • فرحانة اوي ياحبيبي بيكم.. أخيرًا ربنا حقق امنيتي وشوفتك عريس .
    هزها حسين فجأة بعد ان لف ذراعها كتفها قائلًا بمرح:
  • فرحانة بيه هو بس ياأم علاء؟ وانا ايه بقى؟ نسيتيني؟
    لكزته بقبضتها الصغيرة على كتفه قائلة بحزمٍ محبب:
  • بس ياواض بلاش غلاسة..انتوا الاتنين أكيد طبعًا فرحنالكم.. بس بقى فرحتي بعلاء ماتتوصفش عشان دا البكري واللي غلبني سنين طويلة لحد ماربنا اخيرًا هداه .
    قالت الاَخيرة بتأثر واضح ارتد أثره على علاء الذي قربها منه يقبلها مرة أخرى على رأسها عدة قبلات.. جذبها فجأة حسين نحوه بملكية :
  • إيه ياعم هي امك وحدك ؟ ماتسيب شوية للناس الغلابة.
    صدرت ضحكة زهيرة النادرة من قلبها وابنها حسين يقبلها على رأسها ووجنتها بصبيانية امام علاء الذي اصابته عدوى الضحك من والدته.. فتوقفت ضحكته فجأة على صوت أبيه الذي اتى نحوهم ناهرًا حسين بوجه عابس:
  • ابعد شوية عن امك ياض وبطل شغل عيال.. الناس بتبص عليكم .
    خبئت ابتسامة زهيرة وهي ترى زوجها شديد القرب منها هي وابنها الذي قربها أكثر يلف ذراعهِ حولها قائلًا بمزاح:
  • ومالوا ياابو علاء؟ خليهم يبصوا براحتهم واحد فرحان وبيبوس في امه اللي زي القمر فيها حاجة دي؟
    تجاهله ادهم وهو يحدق بزهيرة عن قرب بأعين مشتاقة فخاطبها قائلًا :
  • مبروك ياام العرسان.. ربنا يفرحك بولادهم كمان .
    اجابته بتماسك وأعين متهربة وهي تتملص من حسين :
  • الله يبارك فيك ياابو علاء ويفرحك انت كمان.. معلش بقى عن اذنكوا عايز اشوف الضيوف.
    تركها حسين تذهب امام نظرات ابيه التي تعلقت عيناه بها وتحرك فمه دون صوت وكأنه يناجيها للتوقف حتى ابتعدت.. أصابه الإحباط فذهب هو أيضًا عائدًا لجسته مع شاكر .. تبادل حسين نظراته مع أخيه علاء الذي كان مراقبًا بصمت.. فانتقلت عيناه بتشفي نحو نيرمين الواقفة بإحدى الزويا مع جارة قديمة لهم وهي تغلي من الغيظ .
    ………………………..
    وفي الجهة الأخرى كانت فجر هي الأخرى لم تستوعب الأمر بعد.. هزتها سحر التي كانت جالسة بجوارها وهي تضحك بمرح :
  • إيه يابنتي مالك؟ إصحي كدة وفوقي وانا بكلمك .
    رمشت بعيناها وهي تهز برأسها:
  • افوق ازاي بس ياسحر؟ والنعمة مامصدقة اللي بيحصل دا كدة وبالسرعة دي. دا اول امبارح بس كنت بستخبي واتهرب منه عشان مايشوفنيش ولا اشوفه وقبلها بسنين طويلة ما كنتش بكره في حياتي حد قده.. النهاردة بقى بقيت مراته! لا بجد انا حاسة اني في غيبوبة.
    ردت سحر بمشاكسة:
  • غيبوبة ايه بس ياكهينة؟ هو انتي هاتعمليهوم عليا يابت؟ يعني لما وافقتي على كتب الكتاب ماكنتيش دريانة ياقطة .
    ضحكت فجر وهي تبرر:
  • والنبي ياشيخة انا لحد الاَن ما اعرف ازاي دا حصل؟ كل اللي فاكراه ان عمي أدهم كان موجود عندنا هو وعلاء وحسين بيتكلموا في الخطوبة ونده علينا انا وشروق نسلم عليهم ونقعد معاهم.. فجأة لقيته بيسألني وياخد رأيي في علاء.. طبعًا انا اتكسفت ومعرفتش اجاوب بس مع الإصرار هزيت دماغي بالموافقة.. وكانت هي الإشارة ياستي.. لقيت الراجل بيقول لابويا.. احنا بدل الفرحة نخليها فرحتين وبدل الخطوبة نخليها كتب كتاب للعريسين على البنات واحنا اهل وعارفين بعاضينا.. لقيت بقى والدي ووالدتي والحجة زهيرة بيرحبوا بلهفة وحسين وشروق كمان الفرحة مش سايعاهم.. فضل بقى علاء يبصلي برجاء وكاني هاكسر قلبه لو رفضت .. من غير تفكير لقيت نفسي بهز دماغي وقبلت.. وعنها بقى نزلنا تاني يوم جبنا الشبكة وادي اليوم التالت أهو بقيت مراته! انت نفسك صدقتي؟
    جذبتها سحر ترد عليها وهي تعانقها بسعادة:
  • اصدق ياحبيبتي وماصدقش ليه بقى؟ ربنا يكتبلك الفرح والهنا ياروح قلبي .
    بادلتها فجر التهنئة:
  • وانت كمان ياحبيبتي.. ربنا يتمم فرحتك انتي و رمزي على خير وتتجوزوا قريب بقى وافرح فيكي.. هو فين صحيح مجاش معاكي ليه؟
  • مين هو اللي مجاش ياعنيا؟ هو يقدر ؟ دا انا بس سيبته يدور على مكان يركن فيه عربيته ونزلت اجري عشان احصل كتب كتابك.. دلوقتي ان شاء الله يجي يبارك ويهني ونتصور انا وهو معاكي انتي والمعلم علاء.. دي هاتبقى ذكرى حلوة قوي
    قالت فجر بتشتت
  • طبعًا هاتبقى ذكرة حلوة أكيد.. بس دا تسميه إيه دا اللي بيحصل معايا ياسحر؟ لأن انا بصراحة مش فاهمة.
    أومأت سحر بعيناها ورأسها عن اقتناع:
  • دا بقى اسمه النصيب ياحبيبتي عشان تفهمي بقى وتفوقي.. واتعلمي بقى من المحروسة اختك هي ومقاصيف الرقبة أصحابها وشوفي بيعملوا إيه .
    قالتها وهي تشير بيدها نحو شروق الجالسة بالقرب منهم على مقعد وحدها وحولها عدة فتيات أصدقائها يتبادلن معها التقاط صور السيلفي بعدة أوضاع.. غير عابئين بنظرات الجميع حولهم.. ولا نظرات حسين التي تراقب اصدقائها بحسد للقرب منها في هذه اللحظة المهمة لهم وهو محاصر بعدد من أصدقائه واقاربه.. يستعجل التملص منهم للذهاب اليها .
    ……………………

إيه يا حبيبتي هو انتي سرحتي مني؟
التفتت نيرمين على محدثتها مجفلة فسألتها بتشتت:

  • نعم يااا…هو انتي كنتي بتقولي حاجة؟
    ردت المرأة وهي تهدهد في ابنها الصغير النائم برأسهِ على كتفها وهي تحمله على ذراعها:
  • انا ام مروان و ساكنة في الشقة اللي فوق.. هو انتي لحقتي تنسيني؟ دا انتي كنتي سرحانة بجد بقى وماخدتيش بالك من كل الكلام اللي قولتهولك .
    ردت بسأم وابتسامة مصطنعة:
  • معلش ياام مروان متأخذنيش يااختي.. اصلي حاسة بصداع كدة ودوخه….
    قاطعتها بلهفة:
  • انتي بتقولي دوخة؟ معقولة يكون عملتيها وحملتي؟ طب خلي بالك بقى من صحتك اليومين دول.. دي العيال بتجي بوجع القب.
    ردت عليها نيرمين مستنكرة:
  • حامل دا إيه ياستي انتي كمان؟ دي شوية دوخة كدة وهايروحوا لحالهم.. يعني لا حامل ولا زفت.
    لوت المراة شفتيها وهي تتقرب منها وتهمس همسًا بالنصائح لها:
  • طب شدي حيلك بقى ياناصحة واتشطري عشان تلحقي تجيبلك حتة عيل قبل ما الراجل يفلسع..يعني الشر بره وبعيد.. اصل الزمن دلوقتي ياحبيبتي مش مضمون.. واديكي شايفة بنفسك نظرة جوزك ناحية ضرتك.
    توسعت اعين نيرمين بجزع من فراسة المراة والتي بدت و كأنها تقرأ افكارها بخبث.. وتابعت المراة بنفس الهمس:
  • ماتبصيلش كدة ياحبيبتي بخضة.. دي حكاية باينة زي عين الشمس.. وضرتك زي ما انتي شايفة كدة حلوة ومش باين عليها سن.. دا اللي يشوفها وهي واقفة مع خالتي سميرة يديها هي السن الاصغر.. دا غير انها متحامية بولادها الرجالة اللي بكرة يورثوا الجمل بما حمل مع بنات سميرة وتطلعي انتي من المولد بلاحمص لو ماخلفتيش عيل يشاركهم في الورث.
    هبط قلبها بداخل صدرها وهي تتخيل سيناريو ما سيحدث بعد وفاة زوجها من زهيرة وابناءها..الكارهين لوجودها من الأساس.. فتعود هي لحياة الفقر والعوز مرة أخرى! استفاقت من شرودها على صوت رجاء والدة سحر وهي تهتف على أبراهيم الجالس بجوار السماعات:
  • في إيه ياعم هيما؟ ماتشغلنا أغنية فرايحي خليها تفرفشنا كدة وتهيصنا عايزين نرقص دا احنا في فرح ياحبيبي .
  • من عنيا ياخالتي رجاء.. أحلى اغنية لأحلى رجاء .
    قالها إبراهيم ليصدح بعدها أغاني مهرجانات خاصة بالأفراح اشعلت الأجواء.. لترقص رجاء في الوسط وشروق وصديقتها يحاوطنها يصفقن بكفوفهن ويرقصن معها.. أمام سحر التي كانت تنظر اليها بيأس مع فجر التي كانت تضحك لها بمرح لإغاظتها.
    …………………………..

بعدها بقليل
جلس علاء بجوارها على اَريكة ضمتهم هما الأثنان فقط.. ليلبسها خاتم زواجهِ بها ومعها محبس اخر من الذهب و أسورة جميلة زينت رسغها.. ليصدح صوت الزغاريد من النساء والفتيات التي اللتفت حولهم يشاهدن ويلتقطن الصور لهم بفرح تحول لهمهات منبهرة لرؤيته وهو يقبل كفها دون ان يأبه بهم ولا لخجلها الذي انعش قلبه بالفرحة بها أكثر .. اقبلت عليهم سحر وخطيبها رمزي بالتهنئة والتعارف مع علاء واللتقطت بعض الصور الجميلة لأربعتهم .. مما اثار غيرة حسين الذي سحب شروق من يدها لينحشرا بجوارهم على الاَريكة مما أثار امتعاض علاء الذي كشر بوجههِ لهم فبادله حسين النظرة بكل برود وفاجأه بقلبة سمجة على وجنته مسحها علاء بقرف فانطلقت ضحكات شروق بقهقه هي والفتيات أصدقاءها والمدعوين..وازدادت اللحظات الجميلة لتسجلها عدسات الكاميرات.. فتجفلهم سميرة فجأة برشة من الملح منعًا للحسد تسير امتعاض الجميع وثناء زهيرة التي كان قلبها ينبض بسرعة خوفًا من كم الفرح الكبير الذي أتى بعد سنواتٍ طويلة عجاف.
تحول وجه حسين فجأة وهو يومئ بعيناه لعلاء نحو مدخل الباب ويهمس:

  • دعيته ليه ياعلاء؟ احنا مش قولنا قاعدة عالضيق وخلاص؟
    أجفل علاء لحدة شقيقه فرد بدهشة هامسًا هو الاَخر:
  • وافرض عالضيق ياحسين؟ مدعيش انا بقى صاحبي؟
    قال الاَخيرة وهو ينهض قائمًا ليستقبل سعد الذي تنقلت عيناه بين صديقه وبين الجميلة ذات الثوب العسلي والذي تناسب مع لون عيناها وانعكس على بشرتها فزادها بياضًا ونضارة .. وقبل ان يصل اليهم تفاجأ بحسين الذي جذبها من يدها وابتعد بها عن مرمى عيناه..
    حاول التماسك وهو يعانق علاء يهنئه ويغتصب الإبتسامات ليخفى بها اشتعال صدره من الداخل.. لقد فاجأه علاء حينما هاتفه في الظهيرة يخبره بعقد قرانه هو واخيه على الشقيقتان.. كالعادة ذهبت لغيره ولم يجد الفرصة للتقرب منها.. كالعادة حظه العسر يحول بينه وبينها.. وكالعادة يكبت مشاعره من داخله ليظهر العكس في الظاهر
    ……………………….

صدحت بعض الاغاني الخاصة لمحمد منير بناءًا على رغبة علاء الذي نسق مع ابراهيم لإذاعتها من السماعات.. فسحب فجر من يداها يراقصها عليها لتتمايل معه هي بخجل.. يعبر بيداه وجسده وفمه يردد مع كلمات الاغنية مايعبر عما بداخله ناحيتها.. فهو يعشق اغانيه ويعشق كلماتها .
دلف حسين يشاركهم الرقص مع شروق واشتعلت الأجواء.. حتى انهم سحبوا سميرة وزهيرة أيضًا التي كانت تتمايل بخفة لظروف مرض ظهرها وعظامها.. بعبائتها التركواز وكأنها عادت طفلة صغيرة .. وقد خففت الفرحة عنها المها وتعبها.. غافلة عن اعين أدهم المصري الذي ارتكزت أبصاره عليها بحسرة وندم .. انسته طعم الفرحة بزواج أبناءه الاثنان..
اما نيرمين فكان بداخلها بركانِ يغلي من التجاهل وهي تشعر بقزمها وضاَلتها بينهم .. علاء الذي تمنته حتى الموت وهو لم يعيرها ادنى اهتمام ها هو الاَن يرقص مع هذه الفتاة القصيرة بفرحة لم ترها على وجهه طوال سنوات معرفتها به.. حسين وهو يراقص شروق وعيناه تحاصرها ولا ترى غيرها وكأنها قطعة منه.. مشاعر جميلة حرمت منها.. وضاعت سنين عمرها بين شقاء في العمل وعلاقات خفية مع اشخاص استغلوها فيرحلوا بعد أن تنتفي حاجتهم منها ..ثم الزواج برجل بعمر اباها وقد ظنت ان الدنيا فتحت لها ابواب الهناء.. وها هو ايضًا يبدوا انه قد مل منها .. حتى سعد الذي لطالما كرهته وكرهت علاقتها به.. لم يكلف نفسه حتى النظر اليها وكأنها ليست جميلة ولا تستحق الأهتمام كهاتين الفتاتين الملعونتين.. او حتى هذه المرأة العجوز التى خطفت قلب زوجها واعادت اليه الحنين اليها رغم بساطة ما ترتديه وتزين به وجهها..
سعد والذي كان ممسكًا بكوب العصير يتناول منه وكانه العلقم بحلقه مع مراقبته لهم ولفرحهم.. انتبه على ورود مكالمة منها تجاهلها في البداية ولكن مع رؤيته لرسالتها انتفض خارجًا من المنزل وذهب اليها بسرعة .
…………………………..

فتح بمفاتحه باب الشقة ليدلف داخلها بسرعة هاتفًا عليها .

  • انتي يازفتة انتي هببت إيه في الشقة؟
    خرجت اليه أمينة مهرولة من المرحاض :
  • انا مهببتش حاجة ياعنيا؟ سباكة الشقة بتاعتك هي اللي مصدية وقديمة.
    تسمر مكانه وهو ينظر إليها ولم يعي ماتقوله.. شعرها الحريري الأسود كان مبتلًا وبشرتها النضرة دومًا كانت ندية بشكل لافت ..عبائتها الخفيفة اظهرت امتلاء خفيف حوط جسدها برشاقة بعد النحافة الشديدة قبل ذلك.. ابتلع ريقه وهو يسألها ببعض الهدوء :
  • هي إيه بالظبط اللى مصدية؟ عشان انا اتخضيت لما شوفت رسالتك.
    لوحت بيداها نحو المرحاض:
  • انا بكلمك عن حنفية الحمام ياسعد .. دي باظت مني ومرداياش تتقفل.. بقالي ساعة عمالة احاول فيها وانشف بالمساحة عشان الشقة ماتغرقش.
    تقرب منها حتى اشتم رائحة الصابون في شعرها فسألها:
  • هو انتي واخدة حمام؟
    ارتدت للخلف منتفضة وقد رأت اشتعال الرغبة في عينيه.. فصاحت عليه تجفله:
  • واخدة حمام ولا عني ماكنت متزفتة حتى.. انت مالك؟ مش تسمع الأول انا بكلمك في إيه؟
    اظلمت عيناه وتبخرت رغبته بها في الهواء فقال مزرءًا:
  • على أساس إني ميت في جمالك يااختي؟ دا انا بس كنت بجبر بخاطرك.
    قالت ضاحكة بسخرية:
  • ههه كتر خيرك ياشيخ ياسعد..خش ياخويا الحمام وشوف حنفيتك لا تغرق الشقة وتقع على اصحابها هي مش ناقصة .
    جز على فكه غيظًا منها قبل ان يتحرك نحو المرحاض فهتف ساخطًا :
  • يخرب بيتك ياشيخة بهدلتي الدنيا .. يخرب بيتك ياشيخة
    لوت شفتيها ولم ترد على سبابه وشتائمه وراقبته وهو يشمر بنطاله ويخلع قميصه في الأعلى ليضعهم على كنبة صغيرة في صالة الشقة قبل ان يدلف للحمام .. ويقوم بأعمال التصليح .
    أجفلها مناديًا :
  • هاتفضلي واقفة كتير كدة مكانك وتعمليلي فيها هانم؟ اخلصي يابت اعمليلي كوباية شاي .
    تحركت متاففة لتفعل ما أمرها به ولكنها توقفت فجأة على صوت هاتفه.. تناولته وقبل ان تهتف منادية عليه لتنبيهه استوقفها الأسم الغريب .. رددته بدهشة:
  • ن م .. ايه ده ؟ هو عامل اختصارة للأسماء .
    دققت جيدًا في الرقم الذي لم يكن غريبًا عنها ..فتذكرت صاحبته على الفور فمصمصت شفتيها مستنكرة.. همت بتركه حتى لا تتسبب لنفسها بمشاكل معه.. ولكن مع انتهاء المكالمة صدر صوت رسالة قادمة في الهاتف بتطبيق الوتساب بنفس الرقم .. لم تقوى على حجب فضولها نحو رؤية الرسالة.. فقرأت ( عايزة اشوفك ضروري ياسعد .. انا عارفة انك مستغرب .. بس انا محتجالك قوي .. فاضي بكرة اجيلك الشقة؟ )
    قضمت نعيمة على اطراف اظافرها بتوتر وهي تراقب نحو المرحاض وانشغال سعد في تصليح صنبور المياه.. فكتبت ترد باقتضاب:
    ( تعالي)!
    تبسمت بانتشاء وهي تمسح الرسائل .. وتعود بنظرها مرة أخرى تراقب قبل ان تذهب نحو المطبخ وتفعل ما امرها به.

…. يتبع

امل_نصر

بنت_الجنوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top