أشاحت “نوران” بوجهها عنه، تقول بعدائيةٍ ما إن أتى على ذكر ما حدث بآخر لقاء بينهما:
-لم أنسى لأتذكر.
-للأسف هناك بعض الناس يرونك بطلاً وقدوة، وذلك لأنهم يجهلون الوجه الآخر لكبيرهم.
اقترب يثبت عينيه بخاصتها، يقول بنبرةٍ أشبه بالتهديد:
-يكفي أنكِ على علمٍ به؛ فالآخرين لا يعنون لي شيئاً.
تمهل ومن ثم أضاف:
-صحيح أريد أن أهنئكِ فقد نجحتِ بما فشل به غيركِ.
لم ينتظرها كي تستفسر بل استكمل يقول:
-أرى أنني سأفكر بالزواج من “ليلى” كما نصحتيني، يمكنني أن أتخيل كم أنها ستكون أُمًّا مثالية لأبنائي.
اتقدت عينا “نوران” بغضبٍ جهنمي وغيرةٍ هوجاء، وهي تقول بتهكمٍ:
-لا أعتقد أنك بحاجة إلى أمٍّ مثالية لأبنائك.
ابتسم بعذوبة بعد أن لمح ألسنة الغيرة تفج من زرقاويتيها، يقول وهو يراقص حاجبيه:
-ما بالكِ قد تكدرتي من الفكرة؟!
أسبلت أهدابها تخفي عنه ما فضح موقفها ولكن عينا الصقر خاصته قد رصدت ما تستميت لمواراته، ولسان حالها يناقض ما يعتمل بداخلها من مراجل الغيرة المستعرة، إذ تمتمت تقول بغيظٍ:
-أتعلم؟ افعل ما شئت.
-وما دخلي أنا بقصتك مع ليلى؟!
-فقط اذهب إلى الجحيم، ودعني وشأني.
قهقه “عمران” وازدادت ثقته بنفسه ففي أبعد أحلامه لم يتوقع أن يكن هذا حالها عندما يستدرجها إلى هذه البؤرة، لذا أردف يقول بدعابةٍ:
-وهل سأهون عليك؟
رمقته “نوران” باستخفافٍ، فأضاف يجيب على حاله : – لا أعتقد ذلك.
-حدثيني عن قصتكِ مع “أيمن” هذا؟
“نوران” بصدق : – لا قصة ولا غيره.
-إنه معيدي بالجامعة، وأنا اعتبره صديق، وبجميع الأحوال لقد دعوته لقضاء يوم معانا في المزرعة كي تتعرف عليه.
احتقنت رماديتي “عمران” بالغيرة ولكنه عقب بمشاكسةٍ : – له الله!! فأنا لا أجيد التحكم بغيرتي.
“نوران” بحاجبٍ مرفوع : – أرى أن حسك الفكاهي قد ارتفع عن ذي قبل.
حدجها “عمران” بنظراتٍ ولهة، يقول بصدقٍ:
-إذا لم يصلكِ اهتمامي بكِ، فأنتِ مغيبة.
-ماذا تعرفين أنتِ عن غيرة الرجل؟
“نوران” بعدم استيعاب : – لا أفهمك؟!
زفر “عمران” أنفاسه بتمهلٍ، يقول بإحباطٍ:
-ولن تفهميني، لم ولن تفعلي، ولكن يتوجب عليَّ من الآن وصاعداً أن أبدل طريقتي في التعامل معكِ.
أحاديثه هذا المرة مفعمة بالألغاز بحيث لم تدرك المغزى من ورائها، ولكنها عقبت بحماسٍ:
-هل معنى ذلك أننا في هدنة؟
“عمران” بإبهامٍ:
-لا” ملاكي”، بل على العكس تماماً، اعتبري ما قولته إعلاناً لشن حربٍ حقيقية، لا هدنة بعد اليوم.
-ولكن فلتعلمي أن الفوز من نصيبي، وبإمكاني دك كل الحواجز في طريقي ولن يتمكن أحد من إيقافي.
-وأتمنى أن تسعي أنتِ إلى تحطيمها بدلاً من أن يتضرر قلبكِ الصغير، وتبتل وسادتكِ بدموع الشوق صغيرتي؟
“نوران” بلوية ثغرٍ، فثقته اللا متناهية بحاله حتى وإن لم يُقِر بما ينتويه جعلتها تأخذ حديثه على محمل التحدي، لذا أردفت تقول:
-الشوق كلمة لم تدرج بقاموسي، واطمئن لن أبكي لأجل رجل، وإن حدث، لن يكن أنت بالتحديد.
ناظرها “عمران” بتسليةٍ يعض على شفته السفلى بصفاقةٍ، معقباً : – سنرى؟!
-أما الآن فلنكتفي بهذا القدر من المشاحنات، فقد أوشكت “نادين” على اللحاق بنا.
أومأت “نوران” بالموافقة، ولم يمهلها فرصة للتروي بل أمسك بكفها الصغير بين راحته يتقدم بها نحو الباب الخارجي للمنزل، فها قد أصبحا أمامه مباشرة وقد شغلهما الحديث عن طول المسافة ما بين بوابة المزرعة وباب البيت الكبير الأشبه بالقصور.
وما إن لحقت بهما “نادين” عادت ملامحه إلى الوقار مما أصاب “نوران” بالتوتر والدهشة، وما جعل البرودة تسري بأوصالها أنه أفلت يدها التي كان يحتضنها بخاصته.
تقاطعت نظرات “نوران” الزائغة بعيني “نادين” الخبيرتين دون حديث بل أكتفت برسم ابتسامةٍ متوترة على ثغرها، فهي لا تجيد التقمص كما فعل “عمران” الذي لا يظهر على وجهه أي تعبيرٍ مفسر.
أسرعت “نوران” تسبقهما إلى الداخل وهي تشعر باضطراب وربكة لا تعلم مصدرهما، بينما لحقت بها “نادين” توكزها بكتفها تقول متسائلةً:
-فيما كنتما تتحدثان كل هذا الوقت؟!
“نوران” بتلبكٍ : – كنا نسير ونحن نتحدث وأنت تعلمين أن الوقت يمضي سريعاً في الصحبة.
-سرقنا الحديث عن أمورٍ كثيرة، ولم ينسى “عمران” أن يثني على روعة مظهركِ.
قالت “نوران” الأخيرة بلفتةٍ ماكرة كي تصرف عنها فضول “نادين” التي ستسر بجذب انتباه “عمران”، وبالفعل حدث ما أرادته “نوران”، إذ رفعت صوتها وهي تتجه إلى الجلوس على أحد المقاعد موجهةً حديثها إلى عمران تقول بدلالٍ:
-لِمَ لم تلقي عليَّ إطراءك هذا يا “عمران”؟
-أتمنى أن يكون صديقك الذي ستصطحبه إلى هنا على قدر من الوسامة واللباقة؟
لم يستشف “عمران” الغرض من وراء هذا السؤال، ولكنه أجابها قائلاً:
-وسيم أم قبيح!! الجمال جمال الروح والصحبة اللطيفة، كما أن علاقتي به سطحية، إنه مجرد تاجر ثري يريد معاينة المحصول قبل شرائه.
قلبت “نوران” عينيها بسأمٍ إذ وصلها المراد مما قالته “نادين”، ف”نوران” على علم تام بأن والدتها بدأت تشعر باكتئاب شديدٍ بسبب انشغال “نوران” عنها في الفترة السابقة.
كما أن “نادين” شخصية عاطفية تكره الوحدة وتُزهِر عندما تشعر بالاهتمام، أما “نوران” فهي بصدد مرحلة حاسمة في مسيرتها العلمية سيجعلها تبخل على نادين بوقتها مرغمة.
كما أنها تعلم أن غيض المشاعر الذي تفتقده “نادين” لن تتمكن “نوران” من تعويضها عنه.
“نادين” وبكل بساطة تفتقد إلى اهتمام رجل وما دامت لا تتعدى حدود الله فليس من حق أي أحد الوقوف عقبة أمام ما أحلَّه المولى عز وجل.
” نوران” بامتعاضٍ، بعد أن انسحب “عمران” إلى الداخل حيث غرفة مكتبه بالدور الأرضي:
-منذ متى وأنتِ تبحثين عن نصفكِ الآخر “ناندو”؟!
-هل هناك شيء لا أعرفه؟
” نادين” بخفارةٍ:
-لم أفكر بعد.
-ولكن ردة فعلكِ حفزتني؛ فقد كنت أخشى من أنكِ قد تأقلمتِ مع فكرة أن أعيش ما تبقى لي في الحياة أرملةً وحيدة.
“نوران” بتضامنٍ:
-لقد تأقلمت بالفعل، لكنني أعلم أنكِ لن تكوني سعيدة في هذا الوضع، لذا افعلي ما ترينه في صالحكِ، هذه حياتكِ، ولن نعيش سوى مرة واحدة.
“نوران” بهمسٍ أشبه بمن يتآمر:
-أتعلمين؟
-“عمران” في غاية الجاذبية هذه المرة، ويبدو ألطف من أي وقتٍ مضى.
“نوران” بحنقٍ : – ألطف؟!
-حقاً أنا لا أفهمك؟! أنني أستطيع وصفه بصفات عدة ولكن اللطافة لا تنطبق على شخص گ “عمران”.
استرخت “نادين” تسند قامتها إلى ظهر المقعد تضع ساقًا فوق الأخرى، تقول بمديح:
-على الأقل إحدانا تراه لطيفاً.
“نوران” بضيقٍ نجحت في إخفاءه:
-من الجيد أنه لا يلتفت إلى سحركِ، فأنا لن أستطيع أن أعيش مع زوج أمٍّ مقيت مثله.
رمقتها “نادين” بزاوية عينها:
-لا أسباب لدي كي أثير انتباهه، جلَّ ما أريده أن تتحسن علاقتكما كسابق عهدكما معًا.
-كان من الممكن أن تعود الأمور إلى مجراها بينكما لو أنكِ قابلته بوجهٍ بشوش، ولا أعلم لِم تلبستكِ المردة عندما رأيته وارتديتِ قناع الجمود.
“نوران” بنزقٍ:
-أنني أفقد كل سبل اللباقة في حضرته.
ومن ثم أشَّرت “نوران” برأسها إلى “نادين” في إتجاه باب المكتب، تقول بهمسٍ:
-انتبهي، فها قد أتى كبيركِ الوسيم الأكثر لطافة.
قالتها “نوران” بتهكمٍ، وبعدها أطل عليهما “عمران” من خلف الباب يتقدم بثباتٍ وخطى واثقة؛ فتسمرت زرقاويتيّ “نوران” عليه، وهو يدنو إليهما بشعره الأسود الكثيف الذي تتخلله بعض الشعيرات الفضية التي أضفت إليه المزيد من الوقار والجاذبية المهلكة.
وبصعوبة استطاعت “نوران” أن تبعد أنظارها عنه وهي تحمد الله أن والدتها اختارت المقعد الذي أمامها مباشرةً لتحجب رؤيته المباشرة لها.
عندها لجئت نوران إلى الهروب إذ أرجعت رأسها تتكأ به إلى ظهر مقعدها، تغمض عينيها باسترخاءٍ لم يدُم، لترمش بأهدابها بعد لحظاتٍ عندما استمعت إلى صوته الرخيم يقول:
-ما بكِ “نوران”؟! ألا ترغبين في مشاركتنا في الحديث؟!
-على الأقل امنحينا هذه الفرصة!!
-أم إنكِ أتيتِ إلى هنا لتعوضي النوم الذي فقدته؟!
“نوران” بفتورٍ:
-لا، لقد أتيت لأتقمص دور المهرج في حياتك كي أضيف إليها بعض البهجة.
“عمران” بابتسامة صفراء، معقباً بسخرية مشابهة : – يا لا طيبة قلبك!! لا أعلم كيف كانت حياتي ستكتمل من دونكِ!!
“نادين” بإطراءٍ : – إنها حقاً حنونة وطيبة القلب.
“عمران” مستمرًا على نفس الوتيرة:
-من سيشهد للعروس؟!
غضت “نوران” الطرف عن سخرية “عمران”، قائلةً : – أشكركِ “ناندو”.
اغتاظ “عمران” لتجاهلها له، فأردف موجهاً حديثه إلى “نادين” :
-طيبة القلب ليست كل شيء، فعلى ما يبدو أن تربيتكِ تفتقر إلى الذوق.
حدجته “نوران” بحاجبٍ مرفوع، بينما عقبت “نادين” تقول باستياءٍ:
-لا تبالغ “عمران”كلٌ منا وله طبائعه، وتلك هي طبيعتها ولا حيلةٌ لنا في ذلك.
زجرها “عمران” بنظرةٍ ذات مغزى، يقول فيما يوحي بالوعيد:
-ولكن طبيعتكِ تلك قد تُوقعكِ في المشاكل “نوران”.
ناظرته “نوران” مرفرفة بأهدابها في براءة، مردفةً:
-لا تقلق، فبالأخير لا يوجد مَن يستاء من هذا سواك، لذا لا يشكل الموضوع خطورة بالنسبة لي.
عندما احتدم النقاش بين هذين المتنافرين، رأت “نادين” أنه يتوجب عليها التدخل لإنهاء هذا الصدام، لذا تسائلت مغيرةً مجرى الحديث:
-هل ستأتي “رغدة” إلى المزرعة؟
أجاب “عمران” بامتعاض:
-نعم، في غضون أيام.
قالها وهو يدير ظهره العريض إليهما متخصراً، يرفع رأسه إلى أعلى زافرًا أنفاسه بضجر، بينما لا تعلم” نوران” لِمَ طرأ هذا السؤال بذهنها وهي تحدق به، فسألت دون تفكير:
-لِم لا تتصل بوالدتك؛ لتأتي مع أختك “رغدة” في زيارتها إلى البلدة؟!
التفت “عمران” بكامل جسده إليها، وشرارات الغضب تتطاير من مقلتيه كصاعقة البرق، يهدر فيها قائلاً:
-لِم لا تفكرين في الأشياء قبل أن تنطقيها؟!
-هل فكرتِ للحظة فيما قلتِه قبل أن تسألي؟!
توجست “نوران” إثر تحوله المفاجئ، وبالرغم من ذلك أجابته بمناطحةٍ:
-لا!! وهل سؤال بسيط كهذا يدعو إلى التدبر والتفكير؟!
اقترب يميل بجذعه مرتكزاً براحتيه إلى متكأي مقعدها يقترب برأسه منها، يقول بعصبيةٍ:
-أجل، عندما يتعلق الأمر بوزغٍ كمن أتيتِ على ذكرها الآن، يتوجب عليكِ الإمعان بالتفكير قبل أن تنطقي حرفاً يخصها.
ثبتت “نوران” عينيها بخاصته وبالرغم من الدفء الذي بعثه بداخلها قربه الشديد هذا، إلا أنه بات غير متأثرٍ على عكس حالته قبل أن تطأ أقدامهما باحة هذا المنزل الفسيح ذو الأثاث الفاخر المنتقى بعناية وارستقراطية عفى عليها الزمن ولكنه فخمٌ ومريح.
“نوران” باندفاعٍ ربما ستندم عليه لاحقاً:
-وزغ!! كم أنت قاسٍ وعديم القلب!!
استحال بياض عينيه إلى حمرةٍ مخيفة، وهو يرمقها بنظراتٍ متعجبة أقرب إلى الاستنكار، يحاول الالتزام بثباته الانفعالي؛ كي لا يؤذها.
وعندما فشل في ذلك، استقام بجذعه يبتعد عنها بضعة خطوات وهو يواليها ظهره، يشد على خصلات شعره بغيظٍ، ومن ثم استدار إليها يقول بحدةٍ، بينما رمقتها “نادين” بملامة:
-أجل أنني قاسٍ ومتوحش، ويمكنكِ أن تضيفي همجياً أيضاً كما تتلفظين دوماً.
-واعلمي أنكِ لستِ بمنأى عني ما دمتِ لا تحسنين القول ولا تنتقين الوقت المناسب للأحاديث غير المجدية، ولا تتحسسين في مناقشاتكِ عما قد يؤلم الآخرين.
جزت “نوران” على أنيابها بحنقٍ، تهم بأن ترد له الصاع صاعين، إذ انتفضت من مجلسها، تقف بعصبية، تقول شاهرةً سبابتها كإنذار:
-هااااااي!! أنت……..
قاطعتها “نادين” بأعينٍ متوسلة، تقول بشدةٍ:
-“نوراااان”!! ماذا بكِ؟! أين فتاتي المهذبة ذات اللباقة والتصرفات اللائقة؟!
قُبِض قلبه عندما لمح تغضن وجهها ونظراتها المشتتة بينه وبين والدتها وكأنها تشعر بالغربة حالما تكاتلا عليها ليردعناها عن التفوه بكلمة إضافية في هذا الموضوع، لذا لانت حدة صوته وهو يقول بحسٍ فكاهي أجاد استحضاره:
-لا عليكِ “نادين”، ولا تتحاملين عليها، إنني أردت مشاكستها فقط، إذ اشتقت إلى إثارة غضب قطتي الصغيرة.
“نوران” بغباءٍ:
-ولكنني لم أكن أمزح، ماذا فيها إذا دعوت والدتك…………..
إلى هنا ولم يستطع التحكم بحاله، فجاء صوته المخيف كضربة السوط، يهدر قائلاً بحدة : – اصمتي.
ولكن منذ متى وهي تستجيب لأوامره إذ قادها العناد وهي تجابهه بأعينٍ غاضبة، ترفع كلا راحتيها في وجهه تستعد للاسترسال:
-لا ترفع صوتك، لقد استوعبت الإنذار، وعلى كلٍ لم أكن أرغب في إثارة غضب همجي مثلك.
وكزتها “نادين” بمرفقها، تقول بضيق:
-لا “نوران” لقد چنيتِ على الأخير!! لاحظي أنكِ تتسببي في الحرج لكلنا!!
قالتها “نادين” بنعومةٍ وهي تحاول إثناء ابنتها عن التمادي، فهي أدرى الناس بتحول “عمران” في نوبات غضبه، ولن تنكر “نادين” أنه وبالرغم من تعدد مميزاته إلا أن عمران همجي بالفعل ويصعب السيطرة عليه.
أطرقت “نوران” رأسها بخزي، ليس لشعورها بالذنب حياله، ولكن لما عقبت به أمها وتسبب في إحراجها والحط من كبريائها، وتمتمت تقول:
-ما دام هذا هو رأي “نادين”، فأعتقد أنني مدينة لك باعتذار قبل أن أرحل من هنا.
-على أي حالٍ الأمر سيان إذ لن تشعرا بغيابي، ويمكنكما قضاء أوقاتٍ ممتعة كراشدان من دون أي مناغصات قد افتعلها مع أيٍّ منكما.
وعلى حين غرة وبشكل مفاجئ وغير متوقع، انفجرت “نادين” في نوبة ضحكٍ، وهي تقول بعد أن أغروقت عيناها بالدموع من شدة الضحك:
-لا تكوني سخيفة “نوران”، فتلك العزيمة مقامة على شرفكِ.
هوى نابضه أسفل قدميه عندما جاءت على ذكر الرحيل ولكن كبريائه أبى أن يستعطفها، لذا أردف بسخريةٍ لاذعة:
-هذه هي “نوران”، لن تتغير.
-في الواقع ليست سوى طفلةٍ مأساوية، تفتقد إلى الدلال.
رمته “نوران” بنظراتٍ ساخطة تقول بجفاءٍ وعدائية:
-ألا ترى يا أنت أنني قد صرت إمرأة يمكنها أن تكره مقيتاً مثلك؟!
ناظرها “عمران” بحاجبٍ مرفوع، وداخله يئن بعد أن غرست بضراوة خنجراً هتك وتينه:
-أتكرهيني؟! حسناً وبعدها؟! هاتي آخر ما عندك لنرى؟
أسرعت “نادين” تحاول إصلاح ما أفسدته ابنتها:
-لا “عمران”.. لا تستمع إليها.. إنها تلعي.
ومن ثم أضافت علَّها تخفف من وقع ما صدمته به “نوران”، تقول:
-بالله “عمران” لقد يأست من تصرفاتها، وأرى أن هذا الوضع لن ينتهي، كل شاب يراها يقع في حبها، وهي تصرفهم عنها بلسانها الزالف هذا.
إن ظنت “نادين” أنه قد يهدئ بعد ما قالته توًا فهي واهمة إذ زاد حديثها من تجهم وجهه، وهو يتمتم بإحباطٍ:
-كل شاب يراها يقع في حبها؟
سكبت “نادين” على الجرح ملحاً، وهي تقول:…..
ترى بما زادت “نادين” الطين بلة؟!
وماذا سيكون رد فعل “عمران”؟
👇