رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 49

في قصر “عمران السوالمي” تحديداً بغرفة مكتبه.
صرخت “نوران” في وجهه : – إياك وأن تفكر في استغلالي، لن أكون فأراً في حقل تجاربك.

بالرغم من العناد الذي تخلل تحذيرها إلا أن دفاعاتها بدأت تخور، وذلك عندما شعرت بالدفء يتسلل إلى أوردتها، وجاذبيته وإحساسها به جرفها للاستجابة وغزوه غمر كيانها، وأثناء ما كانت تتأهب لتبادله العناق تغلبت خاطرة على وجدانها جعلتها تضيف بقوة كافية:
-ألا تملك القدرة على انتظار “ليلاك” حتى تحضر لتستمتع بوقتك معها وقلت أنه لا مانع في بعض من التسلية مع غيرها.

تنبهت حواسه لما أردفت به، ولكن عقله المغيب غير قادر على الاستيعاب، ليتمتم بصوت أجش:
-“ليلاي”!! عم تتحدثين؟!

رمقته بحاجب مرفوع تجيب على سؤاله بآخر:
-أتتسائل حقاً؟! أم تحاول التمادي في تلك التمثيلية الهابطة؟!

قالتها ولم تنتظر الرد بل كورت قبضتيها تسدد إليه ضربة قوية بصدره، وهي تقول بغيرة يشوبها الخوف: – ابتعد “عمران” إنك تخيفني.

إنها حقاً لم تبالغ في هلعها، إذ رأت شظايا الشهوة تلمع بعينيه اللتين كادتا ان تلتهمها كالنار بالهشيم، ومن دون أن تشعر تسللت العبرات على خديها تفيض من مقلتين سكنهما ذعر غزالة برية في قبضة كائن مفترس.

ضربة كالسوط أعادته إلى رشده وذلك عندما استشعر ملوحة دموعها وهو يلثم وجنتها، فأرخى إحكام حصاره على خصرها، وهدأت حدة العاصفة التي غامت بها عينيه، وأردف يقول:
-“نوران”… يمكنني استيعاب ما تعانيه… لا تجزعي “نوري” فأنا غير قادر على إيذاك، لا تنظري إلي هكذا مجددا فذلك الرعب الذي أراه بعينيك يؤلمني.

هدأ روعها قليلاً ومن كانت تقاوم للفكاك أسندت رأسها إلى كتفه، تقول بصوت متحشرج:
-لا أعلم ما الذي يحدث ولا أصدق ما نحن به الآن وبعد كل هذه السنوات… أشعر وكأن الماضي يعيد نفسه.

زفر “عمران” بإختناق، وعاوده موقف مماثل، فلطالما فقد السيطرة على حاله ما إن تقع عيناه عليها، يقول بإجزام:
-لا ملاكي… أعلم أنك تحبينني…. نحن الاثنان نعرف ذلك.

رفعت “نوران” رأسها إليه، تحدجه بنظرات اللوم، تقول بجفاء مصطنع : – لا “عمران”… هذا غير صحيح.

كوب وجهها براحتيه يرجوها بأعين متوسلة ألا تخيب آماله، وجاء التماسه على هيئة سؤال:
-ما دمت لا تحبينني.. هل يمكنك أن تفسري لي ماهية الإحساس الذي تشعرين به الآن؟

تهربت بنظراتها منه، تقول بتلبك : – يمكننا أن نطلق عليه استجابة لحظية.

تمهلت ومن ثم أضاف بتيه : – لا تجهد حالك “عمران” إنك تنفخ برماد… أحارب هاجساً لا أعلمه وأشعر بغصة ها هنا.

قالتها وهي تشير إلى مضغتها النابضة، ومن ثم استكملت : – لا أعلم لما ينتابني إحساس قاتل كسلب الروح وكأنني غير قادرة على التنفس، أشعر بأنني بجوف كارثة لا مخرج لي منها، شيء أشبه بالضياع وكأنني أسير بلا هدى في فيافي صحراء قحطة وقد هدني الإعياء ولكنني أكمل مسيرة بلا أهداف.

-اعلن راية الاستسلام “عمران”، لن تسير الأمور بيننا كسابق عهدها، تلك هي حياتي وهذه طبيعتي، لست سوى طفلة صغيرة، وأنت سبقتني بمراحل، واثق من حالك، على أتم الاستعداد للخوض بأية تجارب.. قد أكون مجرد لعبة بالنسبة إليك، ولكنني أشعر بصدق مساعك وأنت تحاول التحكم بثباتك في وجودي مستدعياً كل قواك، ولكن هناك ما يحيرني!!

أسدل يديه عن وجهها يمد الطرف، غامراً راحتها بحضن كفه، وهو يتأملها بوله ولا يعلم ما إذا كان سعيداً كونها أخيراً قد أحست بما يتكبده من عناء أم يخشى من أن يكون مضطر للاعتراف بعشقه لها، فإذا ألقت الكرة بملعبه فيجب عليه ألا يمرق فرصة كتلك ليعبر فيها عما يجيش بصدره لها، وفي الوقت ذاته هو غير واثق من أنه قادر على فعلها.

“عمران” متسائلاً بتوجس : – ما هو؟!

“نوران” بحيرة : – لم تكلف نفسك بما يفوق وسعك؟!

لم تنتظر الرد بل استكملت ترجوه : – كفى “عمران” توقف عند هذا الحد، وفر على حالك العناء واخمد تلك القوى التي تستدعيها لتعافر حتى لا تنجرف بمشاعرك، أنت لست بحاجة لفعل كل هذا… لست بحاجة إليها معي… ارح نفسك ودعني لسلامي النفسي.

“عمران” بألم استمات لإخفاءه مقراً بصحة ما قالته فما يجابهه بحضرتها يسحق قلبه الملتاع، يقول بلين : – توقفي أنت… كفى “نوران”… لا أريد الاستماع إلى المزيد.

أغمضت عينيها بحسرة لحال كليهما، تقول بتهكم تصنعته وهي تنكس رأسها تفتعل الحزن… أجل فما بها من ضعف تعجز الكلمات عن وصفه : – لا تقولها!! هل من المتوقع أن أصدق بأنني قد تسببت بإلامك.

سخريتها لما يعتمل بقلبه البائس لامس كبريائه، فحرر يدها، ليرفع خاصته يثقل أسفل ذقنها، يرفع رأسها إليه مجبراً إياها على مواجهته يقول بمكابرة : – وهل تظنين أنني سأدعك كي تفعليها..

صمت لبرهة ثم أضاف يبتسم بزاوية فمه ساخراً، يقول بثبات واهٍ : – صدقتِ فأنت حقاً لست سوى حمقاء صغيرة بل وساذجة أيضاً.

رمقته بتحدي : – أنا لا أمزح…. يكفيك جهاد للنفس… زلني من تفكيرك… فإلى متى ستبقى على هذا الحال؟!

“عمران” بلوم مبطن : – وهل هذا يشغلك حقاً؟

قالها بلوية ثغر تنم عن سخرية واضحة وهو يبتعد عنها بضعة خطوات وبدأت الغيرة تقض دواخله، فاقتربت تعترض طريقه رافعة كفها الصغير تداعب وجنته بنعومة ، وهي تقول : – استمع إلي “عمران”… ما بك يجعلك على مشارف الجنون، لا تنكر.. أنت لست على ما يرام… وأنا بت قلقة بشأنك… فلننهي هذه المهزلة عند هذا الحد، أنا…..

بتر استرسالها وهو يبعد يدها عنه بحدة يقول:
-اصمتي… بل كفي عن هراءك… كان من المفترض أن تنمي مهاراتك بدل من دفنها بين المعامل والمختبرات فأنت تجيدين التمثيل بل وتقنيه..

نبرة صوته المعذبة ضربت ثباتها المزعوم في مقتل، وخاصة بعد ما أضافه وهو يقول بعد أن قبضة راحته على ذراعها يهدر فيها بحدة :
-اخبريني… هل تشتاقين إليه؟! هل تشعرين بقربه كما تشعرين بأنوثتك وأنت معي؟ هل… هل عانقك؟ قولي بربك كيف يعانقك “أيمن”؟ هل يعيضك عما تشعرين به وأنت بين ذراعي “نوران”؟! تفتقدينه؟

جحظت عيناها بصدمة لما يرمي إليه ألكونها سمحت له بالاقتراب منها يظن أنها ألقت بحالها بين ذراعي آخر؟! أم لأنها توسلت قربه بالأمس يعتقد بأنها فتاة لعوب.
حسناً “عمران”… أنت من بدأ وأنا من سيختتم هذه الفقرة الرخيصة، لذا أردفت تقول بتلاعب:
-بالطبع عناقه مختلف عنك.

زمجر بغضب جعلها تتراجع عما كانت تستعد للخوض به، فاستكملت على الفور تقول:
-لا أذكر أن شيء كهذا قد حدث بيني وبين “أيمن” ولكن ما أتخيله أبعد ما يكون عما ترمي إليه… ف “أيمن” شخصية متناقضة عنك، فعلى أية حال هو لا يبدو وقحاً كي يعانقني بطريقة مماثلة، وإن تطرق فكره إلى شيء كهذا حتماً سيكون عناقاً برفق واحتشام…. ليس كما تفعل أنت، وكأنك تخوض صراعاً من أجل البقاء، أو تريد فرض هيمنة كاحتلال بالجبر.

قالت ما قالته بتمثيل وحرفية فبالطبع لن تفصح عن كونها تفضل البقاء بين ذراعيه، يعانقها بقسوة حتى يندمج كيانهما فهي تستلذ بما تستشعره بقربه وتكاد ان تتلاشى بأحضانه مستجيبة لتلك الهزة التي تجتاح أعماقها.

بالرغم من ثبر أغواره لما أقرته بأن ذاك ال “أيمن” لم يجرؤ على التودد إليها إلا أن مقارنتها تلك جعلته يستشيط غيظاً، فردد هازئاً : – احتشام!! يا لها من خواطر مفعمة بالحياة.. لا حشمة بين رجل يعشق امرأته.
ترى هل ستستمر العلاقة بين “عمران” و صغيرته على هذا النحو،أمسيبادر أحدهما الاستقطاب الآخر؟

الرواية حصري على موقع مجلة الأسطورة، ممنوع النسخ نظراً لحقوق الملكية الفكرية

👇

واحتسب عناق الفصل الخمسون

1 فكرة عن “رواية واحتسب عناق بقلم الأسطورة أسماء حميدة الفصل 49”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top